كن مستعدًّا

بعد أن تناوَل الأولاد، الذين ذهبوا لنجدة مارك، طعام الإفطار، دخلوا خيامهم، فخلَعوا ملابسهم، وأوَوْا إلى فراشهم، فما كادت رءوسهم تلمس الوسائد حتى راحوا في سُباتٍ عميق، وظلوا كذلك حتى توسَّطَت الشمسُ كبدَ السماء ومالت عن خط الهاجرة، فاستيقظوا، وأخذوا يجيبون على استفسارات زملائهم، وما قاموا به في مغامرتهم الليلية، ثم ذهب الجميع إلى البحر، يَسْبحون ويَمْرحون، فتجدَّد نشاطُهم، ثم عادوا إلى المعسكر فتناولوا الشاي … ولمَّا انتهَوا منه أعلن الأستاذ جون بدء مسابقة الطهو، فنَشِطَت كل فرقة، تجمع الحطب وتُوقِد النار، وتجلب الماء، فأسفَرَت المباراة عن فوز فرقة مارك. وبعد إعلان النتيجة، عاد الأولاد جميعًا يتحدثون عن القبض على المهرِّبين، والدور الذي قام به مارك، وما تعرَّض له من خطرٍ كاد يودي بحياته لو تأخَّرَت صَفَّارة نلسون لحظةً واحدة. وهكذا ظل الحديث حول هذه المغامرة بقية اليوم. وأخذ الغلمان يُبالِغون فيما حدث، ويُحاوِل كل واحدٍ اشترك في الإنقاذ أن يُظهِر نفسه بمظهر البطل، وكيف تلقَّى الضربات من المجرمين، وكيف كال لهم أضعاف ما لقي. غير أن مارك ظل طول ذلك الوقت بطل الموقف كله.

استُدعي نلسون ومارك، في صبيحة اليوم التالي، إلى مكتب ناظر المدرسة، فوجدا هناك مأمور القسم ونائبه، الضابط الذي قبض على المهرِّبين. فقال الناظر: «إني لَفخورٌ بكلَيكما. لقد أبديتُما جُرأةً وشجاعةً نادرتَين في القبض على العابثين بالقانون. إن سيادة المأمور يرغب في تدوين ما تعرفانه عن هذا الموضوع. وبعد ذلك ستُطلَبان لأداء الشهادة في المحكمة.»

عندما سمع نائب المأمور، محمود أحمد، أن زومبي هجم على مارك وحاول خنقه، قال إنه يُمكِن اتهامُه بالشروع في القتل، علاوةً على تهمة التهريب. وأوضح لمارك أنه سيُدلي بنفس ما قاله أمام القضاء، وأن القضية ستستغرق وقتًا طويلًا.

ومضَت أيامٌ أقام بعدها الناظر، في نهاية الأسبوع، حفلًا رائعًا تكريمًا لأفراد الكشَّافة الأبطال، الذين رفعوا هامة المدرسة وأعلَوا شأنها. وأقيمت مائدةٌ حافلة بشتى أنواع المأكولات والفواكه الشهية، فأكل جمعة بشراهة حتى كاد النوم يغلبه وهو جالس إلى المائدة، ولكنه حاول جهدَه أن يظل متيقظًا ليُصغي إلى خطبة الناظر، ويسمع منه الثناء عليه. أما مارك، فقد ملَّ المديح؛ إذ كان جل الخطبة ثناءً عليه وإطراءً لبطولته، وعن خطاب الشكر الذي تلقَّاه من محافظ المنطقة، وظهور صوره في الصفحات الأولى من الجرائد الصباحية والمسائية والمجلات، وكيف أنها كانت كلها تتحدَّث عن الدور الذي اضطلع به هو والأستاذ جون ونلسون وبقية فريق الكشَّافة. وبعد أن انتهى الناظر من إلقاء كلمته، قام مارك فشكره بأدب قائلًا إنه لا يستحق كل ذلك المديح؛ لأنه لم يفعل أكثر من الواجب عليه كمواطن.

فقال الناظر: «ليس الثناء والمديح هما كل ما لديَّ هذا المساء!»

- عند ذلك أصغى مارك لما سيقوله الناظر بعد ذلك، فاستطرد الناظر يقول: «تلقَّيتُ اليوم خطابًا من أحد المزارعين الأثرياء المقيمين بقريةٍ قريبة من المدرسة، يقول فيه إنه أعجِب بما قرأه في الصحف أيما إعجاب. وإنه لمَّا كان هو نفسه كشَّافًا، رأى من واجبه أن يقدِّم جائزةً لزملائه الكشَّافين.»

عندما سمع الأولاد كلمة «جائزة»، اشرَأبَّت أعناقُهم، ولمعَت عيونهم بالأمل.

فقال الناظر: «أرسل هذا المزارع خمسين جنيهًا لتُنفَق على فرقة الكشَّافة؛ ولهذا سنشتري لكم جميعًا ملابسَ جديدة.»

دوَّى بهو المدرسة بالتصفيق الحاد، وعلا الهُتاف بحياة مارك والأستاذ جون وفرقة الكشافة وذلك الثريِّ العظيم، والناظر الهُمام، ثم قام الأولاد من مقاعدهم، وأخذوا يقفزون فرحًا ويرقصون طربًا.

ولكن كانت هناك مفاجأةٌ أخرى تنتظر مارك؛ فبعد أن انتهت محاكمة زومبي ورفيقَيه ونال كلٌّ منهم الحكم الذي يستحقه، جزاءً وفاقًا لما اقترفت أيديهم … وكان هذا قبل انتهاء العام الدراسي بيومٍ واحد، فجمع الناظر التلاميذ كلهم، ليعلن لهم نبأً سارًّا، فقال: «أعلم أن النبأ الذي سأذيعه عليكم الآن سيهُزُّ نفس كل واحدٍ منكم غبطةً وسرورًا … تعلمون كلكم أنه بفضل مارك تم القبض على المهرِّبين، وأنه خاطر بحياته إلى درجة التضحية؛ ولذلك لم يكتفِ سيادة المحافظ بخطاب الشكر الذي بعَث به إليه؛ فقد أعجِب هو ووجوه المدينة وأعلام الكشَّافة بالدولة كلها، ببطولة مارك، حتى إنهم قرَّروا تكريمه بطريقةٍ أخرى.»

fig3
سمع مارك صوتًا خافتًا من بعيد … فإذا به صوتُ سيارةٍ قادمة نحوه (انظر: عودة إلى الكهف).
fig4
فإذا مارك يرفع يده … ولمع فيها شيءٌ هوى به على جنب سمكة القرش (انظر: بيترو وسمكة القرش).

توقَّف الناظر عن الكلام لحظة، ثم استَدعَى مارك إلى جانبه عند منصة الخطابة.

ذهب مارك خجلان، فوقف إلى جانب الناظر، وقد غَضَّ من بصره حياءً وتواضُعًا، فقال الناظر بصوتٍ جَهْوري: «أيها الكشَّاف المثالي مارك! لقد أوضحتَ لنا جميعًا كيف نتمسَّك بشعار الكشافة: «كن مستعدًّا». يجب أن يكون الكشَّاف على استعدادٍ دائمًا لكل شيء … حتى للمهرِّبين. ويسُرني أن أخبِرك بأنك مدعوٌّ لحضور مؤتمر الكشَّافة الدولي كضيف سيادة المحافظ وأصدقائه.»

سَرَت موجةٌ من الدهشة الممزوجة بالإعجاب بين جميع أفراد المدرسة المجتمعين بالفِناء. وأخذوا يصفِّقون ويضربون الأرض بأرجلهم جذلًا. وظلوا كذلك مدةً طويلة، بينما أحَسَّ مارك بالارتباك والفرح يهُزَّان كيانه ويسريان بين أحنائه، فرفَع إصبعَه يطلب الكلمة فلما هدأَت المدرسة، قال: «إن كل عضو في الكشَّافة يستحق نفس هذا الشرف الذي حباني به سيادة المحافظ. وأتمنَّى أن يُسمَح لهم جميعًا بحضور ذلك المؤتمر.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤