الفصل السادس

عمِّق الارتباط

لم تكن أبرزُ محطة في عطلة عائلتي الصيفية المواقعَ التاريخية مثل قاعة الاستقلال في فيلادلفيا أو فورت ماكهنري في بالتيمور؛ بل بالنسبة إلى زوجتي وابننا البالغ من العمر عشر سنوات، وابنتَيْنا التوءم البالغتين من العمر ست سنوات، كانت المحطةُ الأبرز في الرحلة هي الوجهةَ التي توجَّهنا إليها في النهاية، الوجهة التي تطلَّب منا الذهابُ إليها قيادةَ السيارة لما يقرب من ساعتين في اتجاه غرب فيلادلفيا وسط الريف الزراعي في وسط ولاية بنسلفانيا إلى بلدة هيرشي الصغيرة. أنا أتحدَّث عن عالم هيرشي للشوكولاتة.

عندما سرتُ من موقف السيارات إلى المبنى، كان رد فعلي الفوري هو ملاحظة العدد الكبير للسيارات الموجودة. كان يوم إثنين عادي، وكان المكان مزدحمًا للغاية، وقد اصطفَّ على مقربةٍ مني طابورٌ طويل لشراء التذاكر؛ كان الناس ينتظرون من أجل دفع ما يصل إلى ٤٠ دولارًا للشخص الواحد لتجربة مجموعةٍ من تجارب العلامة التجارية هيرشي. لم يكن هذا متنزه هيرشي، الذي كان على الناحية المقابلة من الشارع، والذي يلزمه تذكرةً مختلفة. في الواقع، عالم هيرشي للشوكولاتة يغمر زوَّارَه بقوالب حلوى تحمل تلك العلامة التجارية الشهيرة. شمل العرض جولةً توضح كيفيةَ تصنيع قوالب الشوكولاتة، وجولةً بالعربة على أرض المنشأة، وتجربةَ مشاهدةِ فيلمٍ «رباعيِّ الأبعاد»، ودورةً عن كيفية تذوُّق الشوكولاتة، وعرضًا عمليًّا سمح للضيوف بصنع قوالب حلواهم الخاصة.

ارتدى ابني وأختاه مآزرَهم ووضعوا شبكةَ الشعر فوق رءوسهم، ثم ركضوا في سعادةٍ إلى الموقع الذي من المفترض أن يختاروا فيه المكونات، ويختاروا فيه اسمَ منتجهم ومواصفاته، ويشاهدوا عملية إنتاج قالب الحلوى الخاص بكلٍّ منهم أيضًا، شاهدتُ كيف تُبعَث الحياة في العلامة التجارية هيرشي لكلِّ زائر. كانت تجربةُ صنْعِ قوالب حلوى هيرشي تترك بصمةً لا تُمحَى في ذاكرة أبنائي، مثلما فعلَتْ معي قبل نحو ثلاثين عامًا عندما زرت المصنعَ وأنا طفل. ربما يمكث العديد من الزوَّار هناك لبضعة أيام، يتواصلون تواصُلًا مباشرًا مع عالم الشوكولاتة في يومٍ، ومتنزه هيرشي في اليوم التالي. لم يقودوا سياراتهم أميالًا طويلة فحسب، ولكنهم كانوا أيضًا على استعدادٍ لإنفاق الأموال التي اكتسبوها بجهدهم ليُسوَّق لهم بأسلوبٍ فريد من نوعه كلُّ شيء في هيرشي ويستوعبوه. كما أنني متأكد من أن معظمهم زار متجر هيرشي — الذي يفوق حجمُه معظمَ محلات البقالة — واشترى عددًا كبيرًا من الملابس والسلع المنزلية وقطع الأثاث التي تحمل العلامة التجارية هيرشي، وكذلك حلوى هيرشي الطازجة.

ليسَتْ هيرشي العلامةَ التجارية الوحيدة التي ابتكرت تجربةً استهلاكية محبَّبة تربط علامتها التجارية بمتنزه ترفيهي أو بيئة ترفيهية؛ فثمة ستة متنزهات ليجولاند في أنحاء العالم، كما توجد ثلاثة أخرى قيد الإنشاء. بالإضافة إلى ذلك، يوجد عشرة مراكز ليجولاند للاستكشاف — وهي مراكز ترفيه أُسَرية مغلقة أصغر حجمًا — حول العالم. ووفقًا لموقع ليجولاند، أكبر متنزهات ليجو يجذب أكثر من ١٫٥ مليون زائر سنويًّا. ولجميع المتنزهات هدف واحد: تمكينُ المستهلكين من تجربة العلامة التجارية ليجو من خلال الرحلات والتعليم والتفاعل الخلَّاق.

تمثِّل هيرشي وليجولاند ظاهرةً: المتنزهات المعنية بالعلامة التجارية والجولات ذات الصلة بالعلامة التجارية تظهر في كل مكان. فعالم كوكاكولا، وجولة كورس جولدن بروِري، وجولة بن وجيري، وجولة سي إن، وتجربة كرايولا إكسبريانس، ومدينة كيلوج سيريال سيتي، على سبيل المثال لا الحصر، تقدِّم جميعها تجاربَ فريدة للزوَّار بينما تُظهِر العلامةَ التجارية بطرق جذَّابة. تقدِّم هذه التجاربُ التفاعلية أيضًا وسيلةً أخرى لتعميق العلاقة بين العلامة التجارية والمستهلك. عندما يترك المستهلكون ما لديهم ويدفعون المالَ للاحتكاك المباشِر برسالة علامتك التجارية، بما يتجاوز الإعلان الذي يستغرق ثلاثين ثانية، فإنك تعلم أن العلاقة الرومانسية قوية. بطبيعة الحال، لا يمكن لجميع العلامات التجارية تخصيص وإنشاء متنزهات ترفيهية وتنظيم جولات بمواقع الإنتاج. وهذا لا يعني أن العلامات التجارية لا يمكن أن تفعل أشياء تستطيع من خلالها إضفاءَ خصوصيةٍ على العلاقة الرومانسية والاستمرار في «مغازلة» المستهلك؛ فحتى العلامات التجارية الناضجة يجب أن تعمل على إيجاد طرق جديدة لمفاجأة وإسعاد قاعدة المستهلكين خاصتها.

سوف نركِّز في هذا الفصل على الطرق التي يمكن من خلالها للعلامات التجارية تعميقُ علاقتها بالمستهلكين. يعتمد كثيرٌ من الأفكار على ما جمع العلامة التجارية والمستهلك معًا في الأصل، ولكن نتناولها على مستوًى مختلف. وكما هو الحال في أي علاقة، لا تستطيع العلامةُ التجارية تجاهُلَ المستهلك بمجرد أن يلتزم بالعلاقة معها. يجب أن يستمر فريقُ التسويق في تعزيز فلسفةِ أن للمستهلك مكانةً خاصة.

(١) إشعار العميل بأهميته

في ٣١ مايو ٢٠١٠، انتظرت مجموعة صغيرة من المعجبين وقْعَ الاختيار عليها خارجَ مطعم الخدمة السريعة المفضَّل لديهم للحصول على ميزة حصرية. كانوا يشاركون في عملية إطلاق شطيرةٍ طال انتظارها على مدار أكثر من عشرين عامًا من قِبَل هذه العلامة التجارية. في الواقع، سيكونون من بين الأشخاص الأوائل في العالم الذين يتذوقون شطيرةَ الدجاج الحار «سبايسي تشيكن ساندويتش» الجديدة، من إنتاج سلسلة مطاعم «تشيك فيل إيه»؛ وقد ذهبوا إلى هناك بدعوات شخصية. لماذا مُنِح هؤلاء الأشخاص دون غيرهم هذه الفرصة؟

قبل ذلك بعشرة أيام فقط، تلقَّى آلاف من أعضاء النادي الإلكتروني لسلسلة مطاعم «تشيك فيل إيه» دعوةً لزيارة موقعٍ خاص على شبكة الإنترنت للحجز، نعم «للحجز»، لتذوُّق شطيرةِ الدجاج الحار في الفترة ما بين ٣١ مايو و٥ يونيو؛ وابتداءً من ٧ يونيو، ستكون الشطيرة متاحةً رسميًّا للجمهور. (وافَقَ تاريخ ٦ يونيو يومَ أحد، وتشتهر سلسلةُ المطاعم هذه بأنها تغلق أبوابَها يوم الأحد.) كان ينبغي لأعضاء النادي الإلكتروني لتشيك فيل إيه حجْزُ وقتٍ مخصَّص وموقع منفذ لتذوُّق هذا المنتج الجديد. بمجرد أن قام المستهلكون بالحجز، حدث أمران: (١) طُلِب منهم طباعة الدعوة الرسمية، (٢) وقُدِّم لهم خيارُ الإعلان عن الحجز على فيسبوك وتويتر والتوصية بموقع الحجز لصديق. ولتذوُّق شطيرة الدجاج الحار، كان عليهم أخذ الدعوة الرسمية باسمهم لمتجر تشيك فيل إيه الذي وقع الاختيار عليه خلال الوقت المحدد. كان العاملون في المتجر يفحصون بطاقات هوياتهم بالفعل قبل تقديم الشطيرة لهم، وإذا حضر شخصٌ دون حجز، فلن يُسمَح له بتذوُّق الشطيرة. ولم يكن المطعم يسمح له حتى بالحصول على شطيرة مقابل دفع ثمنها. كانت الشطيرة تُمنَع تمامًا عن أي شخص لم يحجزها مسبقًا، أو لم يجلب معه دعوته وبطاقة هويته.

كان هذا برنامجَ تقديمِ عينات مجانية فريدًا من نوعه، وقد قال وليام إف «وودي» فولك نائب رئيس قسم استراتيجية وتصميم العلامة التجارية تشيك فيل إيه: «نحن متحمِّسون على نحوٍ خاص لتقديم العينات المجانية على أساس حجز عملائنا الأوفياء شطيرتنا الجديدة. نريد أن ندعو عملاءنا لتذوُّق نكهةِ وجودةِ هذه الشطيرة الحارة، ولكن لا نريد تجربةَ تذوُّقٍ جماعيةً لا نستطيع خلالها تقديمَ خدماتٍ إضافية لعملائنا. يوفر نظامُ الحجز هذا طريقةً أكثر خصوصيةً لتقديم إضافات قائمة الأطعمة المثيرة.»1

لقد امتدَّ الجانب الإيجابي — الذي أضفاه هذا التفرد المحسوس من هذا البرنامج المبتكر لتقديم العينات المجانية على المنتج الجديد — ليشمل العلامة التجارية تشيك فيل إيه ككلٍّ. فكِّرْ في ذلك للحظةٍ. نحن لا نتحدث عن علامة تجارية جديدة، إنما نتحدث عن علامة تجارية راسخة لديها قاعدة مستهلكين مخلصين للغاية. لسنوات، جعلت معاييرُ الخدمة العالية في تشيك فيل إيه المستهلكين يشعرون بأهميتهم عند تناوُل الطعام في مطاعمها؛ والآن هم يجعلون المستهلكين يشعرون بأهمية أكبر من خلال أسلوب تنفيذ برنامج تقديم العينات.

لقد ناقشنا مفهومَ التميُّز في سياق تقديم علامة تجارية جديدة — باوريد — لمستهلك جديد، لكن هذا المبدأ ينطبق هنا أيضًا؛ فإذا كنت تريد لعلاقتك الاستمرار، فإنك لا تُوقِف عواملَ الجذب في العلاقة بمجرد أن ينجذب الطرف الآخر إليك. عليك أن تواصل العمل على ذلك؛ فمن خلال منح أعضاء النادي الإلكتروني «حق التجربة الأولى» لتذوُّق الشطيرة الجديدة، كانت تشيك فيل إيه تخبرهم بأنهم مهمُّون؛ ونتيجةً لذلك، أسرَعَ مُعجَبو تشيك فيل إيه بالحجز لكي يكونوا أولَ مَن يتذوق الشطيرة المرتقبة، ويعرضوا أفكارهم على الأصدقاء والمعارف.

كما ذكرتُ، تشير خبرة التسويق التقليدية إلى أنك كمسوِّق ترغب في أن يصل منتجك إلى أيدي أكبر عدد ممكن من الأشخاص. عندما كنتُ مديرَ علامة تجارية، كانت وكالات توزيع العينات المجانية تروِّج لنفسها لدينا بإخبارنا أنه إذا دفعنا لهم مبلغ (س) من الدولارات، فإن بإمكانهم توصيل عدد (ص) مليون عينة من المنتج. كان الأمر برمته يتعلق بالكمية، ولكنْ كما توضِّح الجوانبُ المختلفة لقصص ماما شيا وسمارت ووتر وتشيك فيل إيه، ربما لا تكون هذه هي الطريقة التي ينبغي لك أن تتبعها إذا كنتَ تريد إيجادَ علاقةٍ حقيقية مع المستهلك.

على الرغم من أنني واثق من أن تشيك فيل إيه رغبتْ في توصيل الشطيرة لأيدي كثيرٍ من العملاء (وحقَّقَتْ ذلك في النهاية)، فإنها اتخذت قرارًا واعيًا بخلق تجربة استثنائية. كانت التجربة أهم بكثيرٍ من العدد المطلق. لم تكن الشركة عازمةً على تقديم شطائر الدجاج عشوائيًّا إلى كل عميل لحظةَ دخوله من الباب، مع رسالة «جرِّبْني!» تومض على غرار إعلانات لاس فيجاس، بل كانت تشيك فيل إيه تقول للمستهلك إنه ليس مجرد رقم، بل إنه «مدعوٌّ» ليجرِّب عينةً مجانية من المنتج.

فكِّرْ في كلمة «دعوة» للحظةٍ. تُعرَّف الدعوة بأنها وسيلة لطيفة ومجاملة لطلبِ حضورِ شخصٍ ما أو طلبِ مشاركته؛ وهذا لا يشبه كثيرًا قيامَ طاقم النُّدُل في مطعم بتوزيع قِطَع دجاج معلقة في أعواد أسنان في ردهة مركز تجاري على طوابير من الأشخاص. لم يكن في إمكان الجميع تذوُّق شطيرة الدجاج الحار الجديدة؛ لذلك كانت تلك التجربة تمتاز بنوع من الخصوصية.

كانت تشيك فيل إيه تستخدم بعض ممارسات التسويق الشفهي التي جرَّبناها في سياق إطلاق علامة تجارية جديدة؛ فنظام الحجز الفريد لم يمكِّن أعضاء النادي الإلكتروني من الحجز فحسب، ولكنْ مكَّنَهم أيضًا من إخبار أصدقائهم وعائلاتهم على الإنترنت بأنهم سيتذوَّقون الشطيرةَ الجديدة. الأمرُ المهم أيضًا هو أن الأعضاء يمكنهم دعوة أصدقائهم للحجز من أجل تذوُّق الشطيرة. كانت تشيك فيل إيه تمنحهم الفرصةَ ليكونوا دعاةً لمنتجٍ «لم يتذوَّقوه بعدُ»، وكان أعضاء النادي الإلكتروني في غاية السعادة بهذا الأمر. لماذا؟ بدايةً، تشيك فيل إيه «اختارتهم»؛ فعلى غرار باوريد وسمارت ووتر، كانت تشيك فيل إيه تمتلك أتباعًا مُخلِصين من المعجبين، الذين كانوا سعداء بأنه قد وقع عليهم الاختيار لإخبارهم قبل غيرهم بمنتج جديد قادم. لم يكن مهمًّا أنهم لم يتذوَّقوه بعدُ؛ فقد كان لديهم ما يكفي من الثقة في العلامة التجارية تشيك فيل إيه لدرجةٍ تجعلهم يوصون الآخَرين بهذه الشطيرة الجديدة. وقد جعلت تشيك فيل إيه القيامَ بهذا الأمر سهلًا بالنسبة إليهم. كان ذلك تسويقًا شفهيًّا كلاسيكيًّا يجمع بين طرفَيِ العلاقة في حوارٍ سلسٍ ومفيدٍ لكليهما.

في الواقع، أحدَثَ نظامُ الحجز المبتكر ضجةً كبيرة حول العلامة التجارية والشطيرة، ممَّا أدى إلى أكثر من ١٥٠ تنويهًا وإعلانًا في وسائل الإعلام؛2 ونتيجةً لذلك، كان لدى تشيك فيل إيه آلاف المعجَبين الذين يتبادلون خبر وجود شطيرة جديدة متاحة، كل ما عليهم القيام به هو الحجز من أجل تذوُّقها. في هذه الحالة، كانت وسائل التواصل الاجتماعي هي الأداة المناسبة، وقد أظهرت مدى تأثيرها. وواصَلَ مفهومُ الندرة أو الفرصة تأثيرَه، بينما قام الآلاف من المستهلكين — مدفوعين بالضجة الإعلامية المتزايدة حول شطيرةٍ تتطلَّب تخطيطًا مسبقًا — بالحجز عبر الإنترنت لتذوُّقها. كان عامل الندرة خياليًّا «تمامًا»؛ فبطبيعة الحال، كان هناك الكثير من الشطائر للجميع، ومع ذلك، كلُّ شخص مؤثِّر حصل على واحدة شعَرَ أن له مكانةً خاصة؛ وهذا التميُّز كان له انعكاسه الإيجابي على العلامة التجارية.
قدَّمَتِ الشركة ١٫٢ مليون شطيرة خلال أسبوع تقديم العينات، وخلال الأسبوعين التاليين باعَتِ الشركة ٣٫٣ ملايين شطيرة.3 وإجمالًا، باعت تشيك فيل إيه أكثر من ٥٨ مليون شطيرة دجاج حار خلال النصف الأخير من عام ٢٠١٠، بمعدل ١١٠ شطائر في الدقيقة الواحدة أو ما يقرب من شطيرتين في الثانية الواحدة.4

(٢) علامة تجارية مبتكرة خصوصًا للمستهلك

تأمَّلْ الاثنتين والعشرين علامة تجارية التالية، التي ترتبط بقطاعات عدة من بينها الترفيه والتكنولوجيا والرياضة والسلع الاستهلاكية المعبَّأة والسيارات:
  • هارلي ديفيدسون.

  • كوكاكولا.

  • ستاربكس.

  • بي إم دبليو.

  • لايف تايم.

  • أمازون.

  • ماد مِن.

  • إتش بي أو.

  • أبل.

  • بوسطن ريد سوكس.

  • سوني.

  • نايكي.

  • والت ديزني.

  • تيرنر كلاسيك موفيز.

  • الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية.

  • إيه إم سي.

  • تايد.

  • إيه بي سي.

  • تارجت.

  • عائلة سيمبسون.

  • سباقات سيارات ناسكار.

  • بوتري بارن.

لنفترضْ أننا جمعنا مجموعةً من المستهلكين — وهم من الأشخاص الذين يُعتقَد أنهم حقًّا من محبي تلك العلامات التجارية — من أجل فهم طبيعة «إعجابهم» بكل علامةٍ من هذه العلامات التجارية. قد يكون بعض هذه المجموعات أكبر من مجموعات أخرى اعتمادًا على الثقل الذي تتمتَّع به العلامة التجارية في الأسواق؛ فعلى الأرجح ستكون مجموعةُ مُعجَبِي ديزني المتحمسين أكبرَ من مُعجَبِي ماد مِن، لكننا الآن لا نفكر في الحجم المطلق بالأرقام، نحن نفكِّر في مدى شغف كلِّ مجموعة بعلامة تجارية معينة. والآن، دَعْنا نفترض أننا سألناهم عن مدى موافقتهم على هذه العبارة: «أشعر أن هذه العلامة التجارية صُمِّمت خصوصًا من أجلي.» أيُّ علامةٍ من بين هذه العلامات التجارية الاثنتين والعشرين المُدرَجة تعتقد أنها ستحتل مرتبةً أعلى؟

قبل أن تجيب، فكِّرْ في العبارة نفسها: «أشعر أن هذه العلامة التجارية صُمِّمت خصوصًا من أجلي.» لماذا تعتقد أننا نبحث على وجه التحديد هذا السؤالَ؟ لكي يوافق المستهلك على هذه العبارة، يجب أن يشعر بارتباطٍ وثيق بالعلامة التجارية. إنه أمر قوي جدًّا؛ فهذا يشبه مرحلةً في علاقةٍ يشعر فيها الطرفان أن كلًّا منهما خُلِق من أجل الآخر. عندما يبلغان هذه المرحلة، فإنها تُعَدُّ حدثًا بارزًا في العلاقة؛ فلا يفكِّران في موعد اللقاء المُقبِل، أو الأسبوع المُقبِل، أو الشهر المُقبِل، بل يفكِّران في أن يكونا معًا طوال العمر.

لذلك، وبالعودة إلى السؤال حول أي العلامات التجارية يشعر مُعجَبوها شعورًا قويًّا بأن العلامة التجارية صُمِّمت بالفعل من أجلهم، إذا كنتَ ممَّن اختاروا أبل، فإنك ربما تكون على حق. ولكن هذا على الأرجح ليس بالأمر المثير كثيرًا للدهشة؛ فقد نجحت أبل نجاحًا مبهرًا في توليد شغف قوي لدى مستخدميها، وصنعت علامةً تجارية يشعر أشدُّ معجبيها بأنها صُمِّمت بالفعل تلبيةً لاحتياجاتهم الخاصة. ولكن ما هي العلامة التجارية صاحبة المرتبة الثانية؟ ديزني؟ الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية؟ سباقات سيارات ناسكار؟ نايكي؟ هارلي ديفيدسون؟ كوكاكولا؟ تمتلك كل هذه العلامات التجارية قواعدَ مستهلكين متحمسين لها بشدة، إلا أن في هذه الدراسة لم تحتل أيٌّ منها المرتبةَ الثانية.

ما العلامة التجارية التي حلت في المرتبة الثانية بعد أبل مباشَرةً في هذا السؤال المهم؟ صدِّق أو لا تصدِّق، إنها تيرنر كلاسيك موفيز. أراهن أنك ربما تشعر بالدهشة الآن؛ هذا صحيح، إلا إذا كنتَ من محبِّي تيرنر كلاسيك موفيز. ولكنْ إنْ لم تكن كذلك، فربما تجلس وتفكِّر في نفسك قائلًا: «تيرنر كلاسيك موفيز؟ لماذا؟ كيف ذلك؟»

ثمة شخص لم يكن يشعر بالدهشة مطلقًا، وهو جيف جريجور، رئيس التسويق في مؤسسة تيرنر نتووركس، بما فيها تي إن تي وتي بي إس، والمدير العام لتيرنر كلاسيك موفيز. يوضح جريجور أساس العلامة التجارية على هذا النحو: «كانت تيرنر كلاسيك موفيز قادرة على خلق علاقة حب حقيقية مع قاعدة المستهلكين. لسنا مجرد قناةٍ للأفلام الكلاسيكية؛ إنما نعرض الأفلامَ بالطريقة التي يُفترَض أن تُشاهَد بها. كانت هذه رسالتنا منذ اليوم الأول.»5

(٢-١) عرض فريد من نوعه

قبل أن نتعمَّق لاستكشاف ما يجعل تيرنر كلاسيك موفيز فريدة من نوعها ومحبوبة للغاية من قِبَل أشد معجبيها، دَعْنا نُلْقِ نظرةً على المؤسسة نفسها. تمتلك تيرنر كلاسيك موفيز نموذجَ عملٍ فريدًا من نوعه. يبلغ عُمْر الشبكة الآن عشرين عامًا، وعلى الرغم من أنها واحدة من أصغر شبكات تيرنر من حيث العائدات، فإنها مُربِحة للغاية. مع ذلك، ثمة شيء آخَر، وهو أنها لا تعرض إعلانات تجارية. هذا صحيح؛ فأحد أُسُس تيرنر كلاسيك موفيز هو ألا تتخلَّل الأفلامَ إعلاناتٌ؛ فإذا شاهدتَ تيرنر كلاسيك موفيز، فإنك لن ترى إعلانًا واحدًا لمنتجٍ غيرِ منتجات تيرنر كلاسيك موفيز.6 بالتأكيد، تعاني تيرنر من أثر ذلك على الإيرادات؛ فبدلًا من وجود مصدرَيْن للإيرادات — إيرادات الإعلانات ورسوم مشغلي الكابل — ليس لدى العلامة التجارية سوى مصدر واحد فقط وهو الرسوم. ومع ذلك لا تزال شركةً رابحة، وهي متاحة تقريبًا على كل نُظُم الكابل والأقمار الصناعية في البلاد.

لكن قرار أن تكون خاليةً من الإعلانات مقصود: إن هذا القرار يتمحور حول صدق العلامة التجارية في علاقتها بمشاهديها. من جديد، يبدأ الأمر بتجربة المستهلك مع المنتج. يضيف جريجور قائلًا: «ما يجعلنا مختلفين، وأفضل وأكثر تميُّزًا بالفعل عن أي شبكة أخرى، هو ما يروق لي أن أسمِّيه السياق والتنسيق.»

يصف جريجور «السياق والتنسيق» بأنه فعل ما هو أكثر من مجرد اختيار الأفلام التي تعرضها تيرنر كلاسيك موفيز. في تيرنر كلاسيك موفيز، يُعرَّف التنسيق بأنه وضع جداول زمنية شاملة لعرض الأفلام بطريقةٍ تمكِّن المُشاهِد من «أن يتعلم منها شيئًا، ويشعر بشيء، ويفهم السياق فيما يخص سببَ عرضِ الفيلم على تيرنر كلاسيك موفيز.» ويضيف جريجور قائلًا: «يُنظَّم كل يوم مهرجان سينمائي في تيرنر كلاسيك موفيز.» ويتمحور المهرجان كل يوم حول موضوع معين، سواء أكان ممثلًا أم ممثلة أم مخرجًا أم لونًا فنيًّا ما أم بيئة معينة أم فترة زمنية (على سبيل المثال: عطلات نهاية الأسبوع الطويلة) أم فكرة (مثل «نيد فور سبيد»). مفتاح النجاح هو أن تيرنر كلاسيك موفيز تعرض هذه الأفلام على نحو متناغم، ومهمةُ المشاهد في كثير من الأحيان هي تحديدُ سبب عرض بعض الأفلام واستثناء البعض الآخر. يقول جريجور: «بالنسبة إلى قاعدة معجبينا، يمثِّل هذا نقطة انطلاق رائعة لمناقشات مستمرة حول ما نعرضه وما لا نعرضه. سوف يتواصلون معنا ويقترحون علينا إدراجَ هذا الفيلم أو استبعاد ذاك، لعددٍ كبير من الأسباب. ولكن هذا هو ما يجذب اهتمامهم ويجعلهم يعودون إلينا من أجل الحصول على المزيد؛ فنحن نتحوَّل إلى منصةٍ تشجِّع على النقاش حول الأفلام الكلاسيكية.»

تتمحور تيرنر كلاسيك موفيز حول عرض النسخ الأصلية؛ فلا يُتلاعَب بالأفلام بأي شكل من الأشكال؛ لا تُحذَف مقدمة فيلم أو نهايته، ولا تُلوَّن أفلام الأبيض والأسود، ولا تُحذَف مشاهد أو تُفرَض رقابةٌ عليها؛ وهذا يعني أنه على عكس الأفلام على قنوات الكابل الأخرى التي لا اشتراكَ لها، لن تخضع مشاهدُ العُرْي والعنف والألفاظ النابية للرقابة. كذلك تُعرَض الأفلام أيضًا بالنسبة الباعية (نسبة عرض الصورة إلى ارتفاعها) الأصلية. تلتزم تيرنر كلاسيك موفيز بعرض النسخة الأصلية للأفلام التي تذيعها ضمن موضوع معين؛ فلن تشاهد أفلامًا رائعة فحسب. يقول جريجور: «كيف يُعرَّف العمل الكلاسيكي؟ إذا كنتَ تشاهد مهرجانًا طوال اليوم حول كاثرين هيبورن، فإننا لا نعرض أفلامها الرائعة فحسب، فقد قُدِّمت بعض الأفلام المنخفضة الجودة أيضًا! فإنْ لم نعرض أفلامها الأقل جماهيريةً، فإننا لا نَفِي برسالة المصداقية التي نلتزم بها. إنها الرسالة التي تُنشِئ حوارًا بيننا وبين جماهيرنا.» فإذا كانت تيرنر كلاسيك موفيز تعرض «الأفلام الجماهيرية» فحسب، فإنها تكون خادعة لمُشاهِد تيرنر كلاسيك موفيز؛ وهو ما يتناقض مع وعد العلامة التجارية؛ لذلك هي لا تفعل هذا.

ولكن تجربة العلامة التجارية لا تتوقَّف عند هذا الحد؛ لأن هدف تيرنر كلاسيك موفيز هو تقديم رؤيةٍ كاشفة عن كل فيلم، ومعلوماتٍ قد لا تكون معروفةً لدى المشاهدين. الهدف هو تمكين المُشاهِد من اكتشاف شيءٍ جديد بشأن الأفلام؛ أخبارٍ من الكواليس، وتحدياتٍ في صناعة الفيلم لم تكن معروفةً لدى المشاهدين وقتَ عرض الفيلم، وتأثيرِ الفيلم على الأفلام الحالية. (على سبيل المثال: هل تعلم أن مشاهد الأسلحة المضيئة في فيلم «حرب النجوم» مأخوذةً مباشَرةً من فيلم روبن هود الأصلي في عام ١٩٣٨ بطولة إيرول فلين؟) قبل كل فيلم يُعرَض على شاشة تيرنر كلاسيك موفيز، تُقدَّم فقرات تقديمية يظهر فيها المذيع روبرت أوزبورن، الذي يعمل مؤرخًا سينمائيًّا منذ فترة طويلة لدى الشبكة، ليروي أخبارًا حول صنع الأفلام التي تُعرَض وسياقها، ممَّا يقدِّم رؤًى إضافية للمشاهدين.

(٢-٢) مُشاهِد تيرنر كلاسيك موفيز

إذا سألتك مَن هو مُشاهِد تيرنر كلاسيك موفيز الأساسي، أراهِن أنك ستُشكِّل على الفور رؤيةً حول شخصٍ معين؛ الأرجح أنه سيكون شخصًا عاش خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وقضى سنوات عمره الذهبية أمام التليفزيون لمشاهدة الأفلام القديمة التي كانت رائجةً في شبابه. على الرغم من أن هذه المجموعة تمثِّل مجموعةً من مُشاهِدِي تيرنر كلاسيك موفيز، فإنها أقلية صغيرة نسبيًّا.

كان واحدًا من أوائل الأشياء التي فعلها جيف جريجور، عندما ورث العلامة التجارية تيرنر كلاسيك موفيز؛ الانخراطُ في أبحاث المستهلكين من أجل فهمٍ أفضل للجمهور الذي يُقدَّر عددُه باثنين وستين مليون مشاهدٍ، يشاهدون المحطة مرة واحدة على الأقل في الشهر. فأجرى دراسةً حول شرائح المستهلكين مدعومةً بأبحاثٍ نوعيةٍ قسَّمَ فيها قاعدةَ مستهلكي تيرنر كلاسيك موفيز على أساس ما وجده المشاهدون مهمًّا في القناة، بما في ذلك احتياجات وعادات مشاهدة الأفلام لديهم. ما وجده جريجور كان رائعًا.

بدايةً، لم يكن الإعجاب بتيرنر كلاسيك موفيز يتمحور حول العمر. في الواقع، كان ثلثا مشاهِديها تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والتاسعة والأربعين. وعلى المستوى الديموجرافي، كانوا حاصلين على قسط جيد من التعليم، وينقسمون على نحو متعادل بحسب نوع الجنس، وكانوا في نطاق الدخل فوق المتوسط. ولكن كما هو الحال في كثيرٍ من الأحيان عندما كنَّا نتحدَّث عن العلاقة بين العلامة التجارية والمستهلك، تخطَّتْ بنيةُ المستهلكين الذين كانوا في حالة حب مع العلامة التجارية الأمورَ الديموجرافية بكثيرٍ؛ فقد جمعتهم سماتٌ سيكولوجية متشابِهة، فضلًا عن تشابهات فكرية وثقافية تجاوزت السمات البدنية. لو طُلِب منك تلخيصُ سمات هؤلاء المشاهدين، فإنهم جميعًا يتشاركون في شيء واحد، وهو أن الأفلام الكلاسيكية تستحوذ على إعجابهم جميعًا.

يُطلَق على المستهلكين الأساسيين لتيرنر كلاسيك موفيز — الأشخاص المؤثرين — لقب «المتعلقون بالثقافة»؛ وهم أشخاصٌ متحمسون بشدة للأفلام الكلاسيكية ومُغرَمون بها. وهم يهتمون بالتفاصيل، ويسعون وراء المعرفة، ويجرون أبحاثًا حول الأفلام الكلاسيكية، ويرغبون في فهم سبب أهميتها. وهم يتواصلون اجتماعيًّا مع العلامة التجارية، ويتحدثون مع غيرهم من عشاق السينما حول الأفلام ومعناها وأهميتها وتأثيرها على الأفلامِ اليومَ. كما يهتمون بفن التصوير السينمائي وكيف تطوَّرَ على مر السنين، ويرغبون في معرفة كيف تأثَّرت الأفلام الأحدث مثل «هوجو» و«حصان حرب» (هورس وور) و«الفنان» (ذي آرتيست) بالأفلام الكلاسيكية، والأهم من ذلك أنهم يريدون الانتماء إلى مجتمعٍ يمكنهم فيه مناقشة الأفلام مع آخرين. وهم الأشخاص الذين يذهب إليهم الآخرون من أجل معرفة المزيد عن السينما والحقائق المتعلِّقة بها، التي لا يعرفها كثيرٌ من الناس. هؤلاء المشاهدون يوفون بالسمات الكلاسيكية المطلوبة في الأشخاص المؤثرين.

ثمة مجموعة ثانوية تُلقَّب ﺑ «الباحثون عن علاقة»؛ فيبحثون عن أفلام للارتباط بها على نحوٍ شخصي، ويقدِّرون الأفلام الكلاسيكية وإمكانية تطبيقها على ثقافة اليوم، وهؤلاء هم الذين يحبون اقتباسَ الحوار وتقليد المَشاهد. إنهم يبحثون عن رابط بالثقافة الشعبية، فيريدون «مضمونًا مع عامل روعة» يمكن ربطه بالحياة في القرن الحادي والعشرين، ويرون التجربةَ السينمائية مرتبطةً بحياتهم الشخصية.

(٢-٣) تشكيل مجتمع

يتمثَّل أساس العلامة التجارية تيرنر كلاسيك موفيز في التركيز بلا هوادة على تشكيل مجتمعٍ يتمحور حول مشاركة الأفلام الكلاسيكية والاحتفاء بها من المتعلقين بالثقافة والباحثين عن علاقةٍ. وتعكس العلامة التجارية إيمانًا بأن الأفلام الكلاسيكية متصلة بواقع عصرنا هذا مثلما كانت عند عرْضِها لأول مرة. ويشير جريجور قائلًا: «الأفلامُ الكلاسيكية خالدةٌ، والممثلون محبوبون اليومَ بالقدر نفسه الذي كان الناس يحبونهم به في فترة صناعة هذه الأفلام.» إنه محق؛ فقد حلَّ جون واين في المرتبة الخامسة في قائمة استطلاع هاريس ٢٠١٢ لأفضل الممثلين، وهي مرتبة أعلى من مرتبة جورج كلوني أو ويل سميث.7

سيُعرَّف مجتمع تيرنر كلاسيك موفيز بأنه مجموعة من المعجبين، اجتمعت معًا للتمتع بمشاهدة الأفلام الكلاسيكية، وللحصول على إلهام وثراء معرفي عبر شاشة تيرنر كلاسيك موفيز، وربما الأهم من ذلك أن هذا المجتمع سيدخل في حوار ثنائي الاتجاه مع العلامة التجارية. يضيف جريجور: «توفر تيرنر كلاسيك موفيز السياق والتنسيق، ولن يكون المتعلقون بالثقافة مجرد مؤيدين للعلامة التجارية فحسب، ولكن سيمثِّلون أيضًا لجنةَ تحكيمٍ على كيفية أداء العلامة التجارية. فإذا فعلنا شيئًا خاطئًا، أو كنا — في رأيهم — غير صادقين؛ فإنهم يخبروننا بذلك. كان كلٌّ من الفريقين يؤثر في الآخَر ويتأثَّر به.»

لجذب هذه المجموعة الأساسية، أنشأت تيرنر كلاسيك موفيز قناةً بأكبر مجموعة أفلام وأكثرها تنوُّعًا على الإطلاق، ممثلةً كل شركات الإنتاج الكبرى. يقول جريجور إن المتعلقين بالثقافة ينظرون إلى هذه الأفلام باعتبارها أعمالًا فنية عظيمة، ويحرصون على معرفة أسرار صناعتها. ويشير موضِّحًا: «إن الأشخاص الذين صنعوا هذه الأفلام أو شاركوا فيها لن يظلوا موجودين للأبد؛ فأردنا أن نسمع قصتهم. فعلى غرار حوار ستيفن سبيلبرج مع الناجين من محرقة الهولوكوست، ينبغي أن تُروَى قصتهم قبل فوات الأوان.»

يستمر الارتباط بين تيرنر كلاسيك موفيز ومشاهديها في التطور. وبكل ما تحمله الكلمة من معنى، أصبحت تيرنر كلاسيك موفيز علامةً تجارية لأسلوبِ حياة؛ فالعلامة التجارية تتخطى حدود الشبكة الخطية؛ فتقدِّم عديدًا من المزايا الاجتماعية لقاعدة مستهلكيها. وسَّعَ جريجور وفريقه مساحةَ التأثير لتشمل مهرجان الأفلام الكلاسيكية السنوي، الذي تنظمه تيرنر كلاسيك موفيز في قلب هوليوود الكلاسيكية على مدى أربعة أيام، مع تقديم أكثر من مائة عرض وفعالية في أماكن متعددة. ويكون لدى الممثلين والمخرجين وغيرهم من فريق العمل الرئيسي؛ الاستعدادُ لتقديم مزيدٍ من المعلومات والأخبار عن كواليس صناعة هذه الأفلام. إلا أن فكرة المجتمع تكمن في قلب هذه التجربة؛ قدرة عشاق الأفلام وتيرنر كلاسيك موفيز على التفاعل في بيئة هوليوود وفعل ما يريدون فعله، كأنْ يتحدثوا مع المعجبين الذين يشبهونهم في الأفكار والاهتمامات حول الأفلام الكلاسيكية.

يفسِّر جريجور قائلًا: «كان أملنا أن يكون مهرجان الأفلام بيئة رائعة لجماهيرنا، وقد كان أفضل بكثير مما توقعنا.» بيعت جميع تذاكر المهرجان الأول؛ فقد حضر الفعاليةَ التي استمرت أربعة أيام ٢٥ ألف شخص، وكانت التذاكر الأغلى ثمنًا هي الأكثر طلبًا؛ «حينها علمت أن هذه العلامة التجارية أكبر مما كان يظن أيٌّ منَّا.» ويتضمَّن مهرجان الأفلام فعاليةَ فيلم «الطريق إلى هوليوود»، مع عرض أفلام كلاسيكية في المدن الكبرى خلال الأشهر السابقة لمهرجان الأفلام. وتشمل الفعالياتُ الإضافية للعلامة التجارية «تيرنر كلاسيك موفيز كلاسيك كروز» و«تيرنر كلاسيك موفيز كلاسيك فيلم تور»، فضلًا عن أقراص الفيديو الرقمية للأفلام الكلاسيكية والأفلام غير المعروضة لممثلين ومخرجين مشهورين. كلُّ هذه الأمور تُثرِي العلامة التجارية التي يشعر المشاهدون حيالَها بالشغف. وعشَّاقُ تيرنر كلاسيك موفيز يعتبرون روبرت أوزبورن مذيعًا أسطوريًّا، كما أضفى المذيع الجديد بن مانكيفيتس أسلوبَه الفريد على الشبكة. أصبحت تيرنر كلاسيك موفيز تحظى بحبٍّ ونسبةِ متابَعةٍ كبيرين، لدرجةِ أن بعض أكبر مشاهديها رسموا وشمًا بشعار العلامة التجارية على أجزاء مختلفة من أجسادهم.

(٢-٤) مؤشر الشغف

أدرك جيف جريجور أن علامته التجارية تحظى بشغف كبير بين مشاهِديه، لكنه لم يعلم مدى شدته؛ لذا كلَّفَ شخصًا بإجراء ما يصفه بأنه دراسة مستقلة ﻟ «مؤشر الشغف». وعملت شركتان من الشركات المقدِّمة للخدمات البحثية — «ثري جروب» و«نوليدج نتووركس» المتخصصتان في مجال أبحاث الشبكات — مع تيرنر كلاسيك موفيز لوضع الدراسة. كانت فرضية جريجور أن مشاهدي تيرنر كلاسيك موفيز كانوا شغوفين بها بنفس مقدار شغف المعجبين بغيرها من أشهر العلامات التجارية. توفر دراسةُ مؤشرِ الشغف وسيلةً جيدة لقياس مدى قوة العلاقة الرومانسية بين العلامة التجارية والمستهلكين.

طرحت الدراسةُ على المستهلكين عددًا من الأسئلة الرئيسية حول شغفهم بالعلامات التجارية، وأُوجِزت هذه الأسئلة إلى عشر عبارات تمثِّل المبادئ الأساسية للشغف. وُضِع مؤشرُ الشغف بحيث يحسب متوسط درجات كل علامة تجارية من خلال هذه العبارات العشر، وتتم مقارنتها مع العلامات التجارية الأخرى في الدراسة. وقُسِّمت هذه العبارات إلى أربعة أبعاد رئيسية، كما هو مبيَّن في الجدول ٦-١.
جدول ٦-١: أبعاد وعبارات الشغف (المصدر: دراسة تيرنر كلاسيك موفيز لمؤشر الشغف، أُجرِيت في يونيو ٢٠١٢).
البُعد عبارات مؤشر الشغف
الاستهلاك أبحث دائمًا عن طرق جديدة لجعل هذه العلامة التجارية جزءًا من حياتي.
لا أشبع أبدًا من هذه العلامة التجارية.
التواصل والاستمتاع أشعر أن هذه العلامة التجارية صُمِّمت خصوصًا من أجلي.
هذه العلامة التجارية تلهمني.
هذه العلامة التجارية تجعل حياتي أفضل/تُثرِي حياتي.
المجتمع هذه العلامة التجارية تشاركني قِيَمي ومشاعري. أشعر أنني بحالة جيدة عندما أستخدم هذه العلامة التجارية. أشعر بالولاء لهذه العلامة التجارية خلال أوقات الرخاء والشدة.
المشاركة الاجتماعية والانخراط في ترويج العلامة التجارية أستمتع بتعريف أشخاص آخرين بهذه العلامة التجارية.
أشعر بوجود علاقة قوية مع الأشخاص الذين يحبون هذه العلامة التجارية.

فكِّرْ في الفئاتِ الأربع الأوسع نطاقًا والعباراتِ العشر التي شكَّلت مؤشرَ الشغف العام في هذه الدراسة. أستطيع القول إن كل هذه العبارات يمكن تطبيقها لقياس شغف الفرد بشخص آخر؛ فقط استعِضْ عن كلمة «العلامة التجارية» باسم شخص. اقرأ كل عبارة من العبارات العشر، وفكِّرْ في علاقتك مع شخصٍ يتمتع بخصوصية في حياتك. هذا صحيح، أليس كذلك؟ أَلْقِ نظرةً على الأبعاد فرادى وقارِنْها بتفاعلاتك في علاقاتك الخاصة. يتعلق الاستهلاكُ بالتفاعلات المادية مع العلامة التجارية؛ أيْ بالمزايا الوظيفية، على غرار التفاعلات المادية مع الآخرين. التواصُل والتمتُّع يتعمقان أكثر قليلًا. هذه هي نقاط الارتباط العاطفي التي يستمدها المستهلك من العلامة التجارية، مع شعور المستهلك بصفةٍ أساسية بأن هذه العلامة التجارية صُمِّمت خصوصًا من أجله. تقوم فكرة المجتمع على الشعور العميق بالالتزام تجاه العلامة التجارية؛ حيث تتناغم الشخصيات مع قِيَم العلامة؛ وتصبح المصالحُ مشتركةً بين المستهلكين والعلامة التجارية. وأخيرًا، تتضمَّن المشاركةُ الاجتماعية والانخراطُ في ترويج العلامة التجارية مشارَكةَ العلامة التجارية مع الآخرين؛ أيْ قدرة العلاقة على أن تكون جزءًا من سياق اجتماعي أكبر. فكِّرْ في جهود التسويق الشفهي التي تناولناها في الفصل الخامس.

تقدِّم لنا هذه العبارات العشر خارطةَ طريقٍ لفهم مقدار شغف المستهلك بالعلامة التجارية؛ وهي وسيلة لقياس قوة العلاقة الرومانسية بين العلامة التجارية وأكثر مستهلكيها شغفًا بها. تذكَّرْ أن الأمر لا يتمحور حول الحجم المطلق، ولكن حول القوة النسبية للعلاقة بين العلامة التجارية وأشد المعجبين بها. بالطبع يمكنك تحديد علاقة علامتك التجارية بالمستهلك على نحوٍ مختلف، واستخدام عبارات أخرى لتمثيل مؤشر شغف المستهلك الخاص بك؛ ولكنْ على أي حال، من المهم تصميم نظام قياس للعلاقة. كيف تستخدمه؟ بدايةً، أرى أن هناك ثلاث طرق فورية:
  • «اكتشاف نقاط القوة والضعف في علاقة علامتك التجارية بالمستهلك»: تمتلك العلامات التجارية نقاطَ قوة ومجالات وفرصًا في علاقاتها بالمستهلكين. في حالة تيرنر كلاسيك موفيز، عندما قارَنَ جيف جريجور جميعَ العلامات التجارية الاثنتين والعشرين في سياق العبارات العشر والأبعاد الأربعة، وجَدَ بطبيعة الحال أن بعض العلامات التجارية لها ترتيب أعلى من الأخرى عبر المقاييس المختلفة. يمكن أن تمنحك درجةُ علامتك التجارية رؤيةً حول الجوانب التي ينبغي أن تركِّز فيها علامتك التجارية جهودَها التسويقية. ربما تكون علامتك التجارية قويةً في جانب الاستهلاك مقارَنةً بالعلامات التجارية الأخرى، ولكنها أضعف في جانب المشاركة الاجتماعية والانخراط في ترويج العلامة التجارية. إذا كان من المهم لمستهلكي علامتك التجارية أن يكون لديهم تواصل اجتماعي قوي بالعلامة التجارية، فمن الواضح أنك تعرف الآن أنك تحتاج إلى ابتكارِ مواقف يرغب فيها المستهلكون في تقديم أو مشاركة العلامة التجارية مع آخرين في بيئة اجتماعية.

  • «فهم كيفية تطوُّر علاقة علامتك التجارية بالمستهلك بمرور الوقت»: كما سنذكر لاحقًا، العلاقاتُ بين العلامات التجارية والمستهلكين تقوى وتضعف على مر الزمن. يمكن أن يساعدك تطبيقُ دراسةِ مؤشرِ شغفٍ متواصلة وموجَّهة على تحديد متى وأين يمكن أن تخرج العلاقة عن مسارها؛ وذلك قبل أن تشير المقاييسُ التقليديةُ للسوقِ أو المستهلكِ إلى الشيء نفسه بوقت كافٍ. فكِّرْ في الأمر كعلاج وقائي للعلاقة؛ ربما تظهر علاماتُ تحذيرٍ من مشكلات أكثر خطورةً من خلال هذا الاختبار الروتيني.

  • «المقارنة مع العلامات التجارية الأخرى»: ما مدى قوة علاقة علامتك التجارية بأقوى المستهلكين مقارَنةً بقوةِ علاقةِ علامةِ منافسِك بهم؟ أين يتميَّزون عنك؟ وهل هذا شيء يدعو للقلق؟ قارَنَ جيف جريجور قيمةَ مؤشر الشغف لتيرنر كلاسيك موفيز بالعلامات التجارية التي كان يعتقد أنها العلامات التي تتمتَّع بأقوى علاقات مع مستهلكيها. وقد أشمل المنافسين في هذه المقارنة، وكذلك أشمل العلامات التجارية التي كان يشعر بأن لها علاقات أكثر شغفًا. اعتمادًا على أهداف علاقتك، ستكون لديك على الأرجح قائمةٌ مختلفة من العلامات التجارية المقارنة. ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان أن تمتلك مقاييس معيارية متواصِلة في شكل علامات تجارية أخرى، وهذه المعايير (١) سوف توضِّح إنْ كانت تلك العلامات التجارية تفعل شيئًا يزيد كثيرًا أو يقلِّل كثيرًا من قيمة مؤشر الشغف، (٢) أو تكشف إنْ كان يمكن أن تواجه علامتك التجارية المشكلاتِ المحتملةَ الكامنة تحت السطح.

دَعْنا نُلْقِ نظرةً سريعة على نتائج مؤشر الشغف لتيرنر كلاسيك موفيز. تذكَّرْ أنه في بداية الفصل كانت تيرنر كلاسيك موفيز تمثِّل ثاني أعلى علامة تجارية فيما يخص البُعْد المشار إليه «أشعر أن هذه العلامة التجارية صُمِّمَت خصوصًا من أجلي». عندما جمعتُ كلَّ العلامات التجارية معًا من أجل تحديد مؤشر الشغف العام (متوسط جميع الأبعاد الأربعة مع مقارَنة بعضها ببعض)، أبلت تيرنر كلاسيك موفيز بلاءً حسنًا للغاية. قُسِّمت العلامات التجارية إلى أربع مجموعات منفصلة ذات دلالة إحصائية. ضمَّتِ المجموعةُ الأولى علامةً تجارية واحدة فقط هي أبل؛ ليس ذلك بالمفاجئة. وحلت تيرنر كلاسيك موفيز في المجموعة التالية، تحت أبل مباشَرةً. وضمَّتِ العلامات التجارية في هذه المجموعة بوسطن ريد سوكس، ماد مِن، وديزني، والدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية، وأمازون، وسباقات سيارات ناسكار، وعائلة سيمبسون، وتارجت.

فيمَ تشترك هذه العلامات التجارية؟ سيُنظَر إلى بعضها على أنه علامات تجارية كبيرة (ديزني، والدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية، وأمازون، وتارجت)، وسيُنظَر إلى العلامات الأخرى على أنه علامات تجارية أصغر (ريد سوكس، وتيرنر كلاسيك موفيز، وماد مِن)، ولكنها تحظى بمتابعة شغوفة أكبر. ثمة شيء واحد واضح فيما يتعلَّق بالعلامات التجارية في المجموعة الثانية؛ وهو أنه على الرغم من حجمها النسبي، فإنها تركِّز كلَّ جهودها التسويقية تقريبًا على المستهلك الأساسي.

إنها تركِّز على تجربة هذا المستهلك على وجه التحديد؛ فنرى باستمرار أن العلامات التجارية التي لديها عنصرٌ تجريبي إيجابي قويٌّ لا يُنسَى مرتبطٌ بها سوف تكون أكثر العلامات تمتُّعًا بشغف المستهلكين وتعلُّقهم بها؛ فهي تجعل المستهلكين يشعرون بالخصوصية وتهتم بالدخول في تفاعلات حقيقية وهادفة معهم. وهذا هو أكثر الطرق ضمانًا للوصول إلى علاقة رومانسية قوية.

لم تعتمد تيرنر كلاسيك موفيز — على غرار العلامات التجارية القوية الأخرى — على أمجاد الماضي؛ فهي تجدد وتطوِّر منتجاتها باستمرار للحفاظ على قوة علاقتها بالمستهلكين. استخدمَتِ العلامةُ التجارية ابتكاراتٍ مثل الاستعانة بمؤرخ سينمائي كما هو حال أوزبورن مع كلاسيك موفيز؛ حيث كان يستضيف المشاهير، مثل سبايك لي وإلين باركين وريجيس فيلبين. وامتدادًا من نجاح برنامج استعراض الأفلام «إسنشيالز»، الذي يسلِّط الضوءَ على فيلم مختلف ويتضمَّن مناقشةً خاصة قبل الفيلم وبعده، قدَّمت تيرنر كلاسيك موفيز برنامجًا لجذب الجيل التالي من مشاهدي الأفلام الكلاسيكية يُسمَّى «إسنشيالز جونيور»، وهو برنامج يتبنَّى الشكلَ نفسه ولكنه يركِّز على أفلام الأطفال والأفلام العائلية. وأخيرًا، طوَّرَتْ تيرنر كلاسيك موفيز محتوًى جديدًا يتألَّف من الأفلام الوثائقية حول الأفلام البارزة وشخصيات الأفلام الكلاسيكية، فضلًا عن سلسلة حلقات صُوِّرت في حضور جمهور بالاستديو يستكشف أشكالَ التعاون السينمائي الفني. يضيف جريجور: «تمثل تيرنر كلاسيك موفيز بوقًا لأولئك المطَّلِعين على بواطن الأمور في هوليوود، الذين يرغبون في مشاركة قصصهم وأدوارهم في الأفلام الكلاسيكية.»

•••

الدرس الرئيسي في هذا الفصل هو أن العلامات التجارية يجب دائمًا أن تطوِّر من تجاربها، وتفعل ذلك مع التركيز على احتياجات ورغبات قاعدة المستهلكين الأساسية؛ فالابتكار هو عصب أي علاقة بين العلامة التجارية والمستهلك، وهو الطريقة الأساسية لكي تُواصِل علاقاتُ الأشخاص بالعلامات التجارية نموَّها. وكما هو الحال في علاقاتنا البشرية، إذا أصاب علاقةً ما الركودُ وعدمُ التجديد، فإن هذه العلاقة سوف تتوقَّف عن النمو وفي النهاية ستتدهور كثيرًا. من الأهمية بمكانٍ أن نقدِّم للمستهلك أفكارًا جديدة ورسائل جديدة وآفاقًا جديدة حول ما يمكن أن تكون عليه العلامة التجارية. سوف نرى في الفصل التالي كيف تستمر العلامات التجارية، التي لديها علاقات مستقرة للغاية مع المستهلكين، في الحفاظ على علاقة متجددة ومثيرة من خلال التجديد والابتكار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤