الفصل السابع

أَبْقِ جذوة الحب متَّقدة

كان الهدوء يسود الكافيتريا الرئيسية في حرم جامعة سانت جون في هذا اليوم البارد العادي في نيويورك، باستثناء رجل توصيل طلبات يملأ ببطء ماكينةَ البيع. كان الوقت يقترب من موعد انتهاء محاضرات منتصف النهار، وكان الهدوء سيتبدَّد خلال دقائق من جرَّاء صخب الطلاب إذ ينتقلون من قاعات المحاضرات إلى الكافتيريا. وكما هو متوقَّع، عند الساعة ١١:٣٠، بدأت الكافتيريا تمتلئ شيئًا فشيئًا بطلاب المرحلة الجامعية.

تظل ماكينة البيع نفسها — التي أصبحت الآن ممتلئة تمامًا — على حالها بجوار الحائط حتى تأتي فتاة شابة للحصول على مشروبها المفضل في وقت الغداء. تضع نقودها في الماكينة وتضغط على زر، فتخرج زجاجة كوكاكولا، وبينما تمد يدها لتلتقطها تخرج واحدة أخرى؛ فتمد يدها مبتسمة لحسن حظها من أجل التقاط الزجاجة الأخرى أيضًا؛ وحين تمد يدها لالتقاط هذه الزجاجة الثانية، تخرج زجاجة ثالثة. ارتبكت قليلًا الآن، لأن هذا بدأ يجذب انتباه روَّاد قاعة تناول الطعام الآخرين، تمد يدها لالتقاط هذه الزجاجة أيضًا. تواصل الزجاجات الخروج، وبمعدل أسرع الآن؛ ومع كل صوت ارتطامٍ لزجاجة، تنطلق شهقات مسموعة وضجيج من الطلاب الموجودين على الطاولات القريبة من آنٍ لآخر. أصبح لديها ست زجاجات في يديها الآن؛ تبدأ في إعطائها لزملائها الطلاب، ولكن ماكينة البيع تواصِل دفع زجاجات كوكاكولا، وبعد أن أخرجَتْ عددًا ليس بالقليل، توقَّفت أخيرًا.

تقترب فتاة شابة أخرى من ماكينة البيع، وتضع دولارها فيها، وتضغط الزر الخاص بكوكاكولا، وتحصل على زجاجة كوكاكولا، وانتظرت لجزءٍ من الثانية لمعرفة إنْ كانت ستخرج مزيدًا من زجاجات كوكاكولا، متوقِّعةً أن تكرِّر الماكينة أداءها السابق. وبينما همَّتِ الفتاة بالانصراف، خرجت يدٌ بشرية من فتحة الآلة، مقدِّمة لها باقة من الزهور.

يريد شاب المشاركة في هذا الأمر، بعد أن يضع دولارًا في الماكينة، تُظلِم الآلة ثم تضيء بألوان زاهية، على غرار أضواء لاس فيجاس، مع دوي أجراس وصافرات تشير إلى أنه فاز بالجائزة الكبرى؛ فتسقط زجاجات كوكاكولا من الماكينة واحدة تلو الأخرى كما لو كانت ماكينة حظ؛ فيبدأ هذا الشاب أيضًا في تمريرها لغيره من الطلاب. تعجُّ الكافتيريا بضجة كبيرة الآن، يهنئ الطلاب بعضهم بعضًا ويتشاركون زجاجات كوكاكولا، حتى إن بعضهم يعانق ماكينة البيع.

تبدأ أشياء أكثر إثارةً في الحدوث؛ تخرج زجاجة كوكاكولا معها نظارة شمسية حمراء غير تقليدية؛ تظهر يدان وتبدآن في صنع بالونات على شكل حيوانات وتوزِّعها على الطلاب (مع زجاجات كوكاكولا طبعًا). وتنهض امرأة للحصول على زجاجة كوكاكولا، فتخرج بيتزا كبيرة من ماكينة البيع، وتليها زجاجة كوكاكولا بحجم لترين. بيتزا للجميع! وأخيرًا، يومض الجهاز ويطلق صافرات مرةً أخرى، ثم تخرج شطيرة عملاقة طولها ست أقدام. يقف الطلاب جميعهم، ويضحكون، ويهتفون، ويصيحون بصوتٍ عالٍ في فرح. تحوَّلت الكافتيريا الصغيرة في حرم جامعة سانت جون إلى مكان للسعادة. سوف يتذكر هؤلاء الطلاب هذا اليوم إلى الأبد.

كان هذا هو الظهور الأول لماكينة سعادة كوكاكولا. وُثِّق هذا الحدث بأكمله بكاميرا خفية لمشاركة ردودِ أفعال هؤلاء الطلاب الحقيقيين (لم يكونوا ممثلين)، والسعادةِ التي يمكن أن تجلبها كوكاكولا إلى كل مكان. كانت فكرة هذه الحملة «يا ترى الفرحة الجاية فين؟» وأصبحت حديث الجميع.

(١) سرد القصص

كيف يمكنك إبقاء علاقة عمرها أكثر من ١٢٠ عامًا على نفس حيويتها؟ هذا هو التحدي الذي يواجه المسوِّقين الذين يعملون على الترويج لعلاماتهم التجارية، التي تحتلُّ على الدوام المرتبةَ الأولى وفقًا لتقرير إنتربراند السنوي عن «أفضل العلامات التجارية العالمية». كيف تواصل علامة تجارية مثل كوكاكولا تطويرَ العلاقة؟ كيف تضيف الشركة إلى العلاقة الرومانسية بين المستهلكين والعلامة التجارية التي ابتُكِرَت في نفس العام الذي تزوَّج فيه الرئيس كليفلاند من فرانسيس فولسوم في البيت الأبيض؟ فعلى الرغم من كل شيء، كما قالت جاكي جانتوس، المدير الإبداعي للمحتوى العالمي سابقًا في شركة كوكاكولا: «المنتج في حد ذاته — السائل الفعلي — لم يتطوَّر على مدار ما يقرب من ١٣٠ عامًا، ولكن هذا لا يعني أن العلاقة لا يمكن أن تتطوَّر أو تتجدَّد.»1

تحدو شركة كوكاكولا رغبةٌ في تنمية علاقتها بالجيل القادم من المستهلكين؛ فتتبنى في القرن الحادي والعشرين أسلوبَ تسويق باستراتيجية شديدة الجرأة، وتعتمد تحديدًا على تعزيز الحوارات والقصص حول العلامة التجارية. هذه الاستراتيجية ليست في طي الكتمان. لا، فكوكاكولا تخبر العالم بالضبط كيف تخطِّط لتعزيز علاقة رومانسية قوية بالفعل مع المستهلك. نشر جوناثان ميلدنول — نائب رئيس استراتيجية الدعاية العالمية والتميُّز الإبداعي في شركة كوكاكولا — مقطعَ فيديو مدته سبع عشرة دقيقة على الإنترنت، يناقش فيه الكيفيةَ التي تأخذ بها كوكاكولا فكرةً أساسية تعود إلى أصولها وتعمل على تعزيزها؛ وهذه الفكرة هي رواية القصص أو الحكي.

كما وصف ميلدنول الأمر في الفيديو: «رواية القصص في قلب كل الأُسَر والمجتمعات والثقافات.»2 فكِّرْ في هذا لِلَحْظة؛ فحياتنا عبارة عن سلسلة من القصص؛ بعضها جيد وبعضها سيئ، ولبعضها نهايات سعيدة، وللأخرى نهايات حزينة أو مأساوية. في كل مرة تتواصل فيها مع شخص آخر، فإنك عادة ما تروي قصة. وهناك قصص دنيوية حول كيفية سَيْر يومك، وقصص مثيرة حول الحلم الذي قد تحقَّق أخيرًا. القصصُ جزء لا يتجزأ من حياتنا وعلاقاتنا، وهي جزء لا يتجزأ منا؛ كما كانت أيضًا جزءًا من جوهر العلامة التجارية كوكاكولا منذ إنشائها.
دَعْنا نَعُدْ لِلَحْظةٍ إلى أصول العلامة التجارية. كانت كوكاكولا ابتكارًا للعقيد جون بمبرتون في الجيش الكونفيدرالي في عام ١٨٨٦، وقد كتب فريدريك ألن في كتابه «التركيبة السرية» يقول:
كان الجنوب الزراعي فيما بعد الحرب منطقةً بحاجة ماسة لعلاجات من كل نوع. عانى معظم الناس من النظم الغذائية غير الملائمة، وظل الفقراء يعيشون على ما سُمِّي النظام الغذائي الأبيض ذي الثلاثة أطعمة — اللحم والدقيق ودبس السكر — ما أدَّى إلى انتشار سوء التغذية. وفي المناطق الريفية، كانت المستنقعات التي لا تجف تشبه أطباقَ بتري عملاقة، وتعجُّ بالأمراض. وأسهَمَ صيف الجنوب الحار الطويل في تكاثُر الحشرات، وأتلَفَ الغذاء، ودفع الأطفال للخروج حفاةَ الأقدام حيث أصابتهم الدودةُ الخطافية (الأنكلستوما)، وكان الكثير من المنازل يفتقر للصرف الصحي البدائي. عاد جنود الجيش الكونفدرالي بجروح وأمراض مؤلمة ومزمنة، وعلى رأس كل ذلك، أدَّى الفقر والعزلة الريفية في المنطقة إلى مللٍ قاهر ومحطِّم للمعنويات، جعَلَ العديد من الجنوبيين يجدون سلواهم في الزجاجات البنية اللون الصغيرة التي تحتوي على الكحول أو اللودنوم والمواد الأفيونية الأخرى.3

أَلَا يبدو هذا ممتعًا؟ حسنًا، أدرك بمبرتون أن الناس في المنطقة يحتاجون ويريدون شيئًا يمكن أن يؤدي دورًا صغيرًا في مساعدتهم على الهرب من الحياة السيئة للغاية التي كانوا يعيشونها؛ فكانوا بحاجة — كما عبرت كوكاكولا عن الأمر بعد ذلك بعدة سنوات — إلى لحظة بسيطة من المتعة.

تضيف جانتوس: «فكِّرْ في قصة اختراع كوكاكولا. صنعها الطبيب بمبرتون كمشروب رافع للمعنويات، وهي لا تزال تؤدي الغرض نفسه حتى اليوم. ومهمتنا هي تشجيع قصص السعادة السائلة لأن كوكاكولا — في الواقع — سعادة معبأة في زجاجة.» لم تتغير مهمة العلامة التجارية كوكاكولا؛ إنما تطورت فحسب؛ فطوال تاريخ هذه العلامة التجارية، لعبت السعادة دورًا أساسيًّا. فمنذ حملة «استمتِعْ بالحياة» عام ١٩٢٣ حتى حملة «اشربْ كوكاكولا وابتسِمْ» عام ١٩٧٩، كانت رسالة كوكاكولا تدور — وستظل دومًا تدور — حول السعادة. تتمثل مهمة فريق التسويق في العمل على تطويرِ فكرة السعادة هذه، وإثارةِ قصص تتعلَّق بالسعادة التي تتخذ شكلَ سائل بطريقة تتناسب مع القرن الحادي والعشرين.

يُسمَّى فيديو ميلدنول «محتوى كوكاكولا ٢٠٢٠»، ويحدد كيف ستعمل أكبر مسوِّقة في العالم على تطوير علاقاتها بمستهلكيها في القرن الحادي والعشرين، ويصف تحدِّيَ إنشاء المحتوى على نحوٍ تنويري، مذكِّرًا إيانا بأن «كلَّ نقطةِ تواصُل مع العملاء يجب أن تحكي قصةً عاطفية»، ويطلق على الاستراتيجية اسم «سائل ومرتبط»، وهي تحدِّد تفاعُل شركة كوكاكولا في المستقبل مع المستهلكين. تصف كلمة «السائل» الأفكارَ المعدية جدًّا لدرجةِ أنه لا يمكن السيطرة عليها، وتشير كلمة «مرتبط» إلى أن هذه القصص ستخلق روابط بين أعمال الشركة التجارية والعلامات التجارية والمستهلكين. ويواصل ميلدنول قائلًا: «من خلال القصص التي تحكيها كوكاكولا، سوف نثير محادثات وجزءًا كبيرًا جدًّا من الثقافة الشعبية.»4

ما يصفه ميلدنول ليس مجرد قصص من أجل القَصِّ فحسب؛ فكوكاكولا ستستخدم ما تسمِّيه «الحكي الفعال»، الذي ينطوي في جوهره على مشاركة كوكاكولا المستهلكين في رواية القصص بطريقةٍ لا تثير اهتمامهم فحسب، ولكنْ تقدِّم لهم أيضًا شيئًا يتحدَّثون عنه مع الأصدقاء والعائلة. ستبدأ كوكاكولا رواية القصص، ولكن الهدف النهائي هو أن يصطحب المستهلك تلك القصص معه. فعلى الرغم من كل شيء، أجرت الشركة أبحاثًا ووجدَتْ أن ٨٠ بالمائة من قصص العلامة التجارية كوكاكولا الحالية لم يكن منشؤها رسائل كوكاكولا. سوف تتبنَّى كوكاكولا هذه الحقيقة وتبني عليها؛ فستشجع مزيدًا من المشاركة ومزيدًا من رواية القصص، وأفضلُ مكان لإثبات ذلك بوضوح هو المَشاهِد الإلكترونية المصوَّرة بعنوان «يا ترى الفرحة الجاية فين؟» (مثل المشهد المصوَّر في جامعة سانت جون) بطولة ماكينة السعادة.

(١-١) تعريف السعادة

كانت «يا ترى الفرحة الجاية فين؟» أول تنفيذ إلكتروني لحملة العلامة التجارية كوكاكولا الجديدة «افتح تفرح»، التي اطلِقَت في عام ٢٠٠٩، وكان الوضعُ الجديد قد صاغ سياقًا جديدًا في الأساس حول ما كانت تفعله كوكاكولا لسنوات؛ بدءًا من لحظة سعادة بسيطة. أتتذكَّر أن ثمة شيئًا واحدًا يجب أن تمتلكه العلامة التجارية؟ هذا الشيء الواحد بالنسبة إلى كوكاكولا هو السعادة. إن جمال جوهر العلامة التجارية كوكاكولا هو أنه ينسجم جيدًا مع المنتج المادي والدفعة العاطفية اللذين تقدِّمهما العلامةُ التجارية.

ولكن ما هي السعادة بالضبط، وكيف يمكن توصيلها؟ باختصار، فكرة السعادة موجودة لدى جميع الناس في كل المجتمعات؛ فهناك سعادة مادية وسعادة عاطفية وسعادة ثقافية. في الواقع، تعمَّقَتْ كوكاكولا أكثر بحيث توصَّلَتْ إلى خمسة دوافع للسعادة ستكون جزءًا من أيِّ تواصُلٍ للعلامة التجارية:
  • كُونوا نشطاء.

  • كُونوا معًا.

  • استكشِفوا.

  • عيشوا اللحظة.

  • كُونوا معطائين.

أَتَذْكُر عندما قلنا سابقًا إن العلاقة تُعرَّف بأنها ارتباطٌ بين طرفين يكون العطاء في ظله مُتبادَلًا بين الطرفين؟ حسنًا، أرادت كوكاكولا التوقف عن الحديث عن السعادة. وبدلًا من ذلك، أرادت كوكاكولا مشاركة تجربة السعادة مع الآخرين والاحتفال بهذه السعادة. إذا قدمت كوكاكولا خبرات سعادة، فإن المستهلكين سيروون مزيدًا من القصص، وسوف تنتشر تلك القصص في النهاية عبر المشهد.

وبطبيعة الحال، ولأنها كوكاكولا، فإن الحملة الجديدة «افتح تفرح» ستُنفَّذ على نطاق كبير، مع التركيز على إعلانات المباراة النهائية في دوري كرة القدم الأمريكية والترويج المكثَّف. ولكن هذه المرة، سيوجد أيضًا عنصر رقمي، على الرغم من أنه سيكون صغيرًا بلا ريب مقارَنةً بكل شيء آخَر يدعم مبادرة السعادة. يفسِّر إيه جيه بروستين — أحد كبار مديري العلامة التجارية كوكاكولا — الأمرَ على هذا النحو: «كانت استراتيجيتنا هي الاستفادة من قوة جماهيرنا في نشر محتوانا ورسالتنا. كانت التجربة هي معرفة هل كان يمكننا فعل ذلك دون تخصيص أي أموالٍ لمحاوَلة نشرها.»5 في فيديو «محتوى كوكاكولا ٢٠٢٠»، يوضح ميلدنول أن لشركة كوكاكولا نموذجَ إنفاقٍ مميزًا لعملية التسويق يرصد أموالَ التسويق على نحوٍ أساسي كالتالي:
  • ٧٠ بالمائة من الاستثمار يُنفَق على أدوات التنشيط المثبت نجاحها (الإعلانات، والتعبئة الجديدة، والترويج، وما إلى ذلك).

  • ٢٠ بالمائة من الاستثمار تكون من أجل ابتكارِ أشكالٍ أخرى لأدوات تنشيطٍ ثبَتَ نجاحها (طرق جديدة لعرض الإعلانات، وأنواع جديدة من نقاط البيع، وما شابههما).

  • ١٠ بالمائة من الاستثمار يُنفَق على أدوات تجريبية جديدة تمامًا.

كان يُنظَر بوضوح إلى مبادرة «يا ترى الفرحة الجاية فين؟» على أنها تجريبية. ويتذكر بروستين قائلًا: «كانت شيئًا يتناسب بالتأكيد مع فئة لا تعدو نسبتها ١٠ بالمائة؛ فلم يكن حتى يعلم بها إلا نحو خمسة أو ستة أشخاص بالشركة!»

(١-٢) نشر السعادة

عندما حان وقت وضع خطةٍ للتعامل مع المستهلكين عبر الإنترنت، استدعى بروستين متخصِّصةَ دعاية مخضرمة كانت قد قضت العشرين عامًا السابقة بين شركة كوكاكولا ووكالات متنوِّعة. عُرِفت كريستي أمادور بخروجها عن المألوف بعض الشيء داخل شركة كوكاكولا التقليدية؛ كانت معروفة بحب المغامرة، وقادت بعضًا من أكثر برامج كوكاكولا إبداعًا في السنوات الأخيرة من تاريخ كوكاكولا. كانت الشخص المثالي لتولي مسئولية حملة غير تقليدية.

كان أول شيء فهمته أمادور بسرعة هو أنه إذا أردْتَ أن تصنع شيئًا طبيعيًّا يرغب المستهلكون رغبةً حقيقةً في الحديث عنه مع غيرهم، لا يمكنك أن تفعل ما أحَبَّتْ كوكاكولا أن تفعله في رسائلها على مر تاريخها؛ وهو التحكُّم في الأمر. تقول أمادور: «أردنا صنْعَ تجربةٍ من شأنها أن تفاجئ وتُسعِد الناس سعادةً حقيقية، فلن نتحكَّم في الأمر؛ فإذا بَدَوْنا كأننا نتحكَّم فيها، فسوف نفقد كلَّ المصداقية.»6 كان ذلك بمثابة مخاطَرة كبيرة. ففي أغلب الأحيان، يقدِّم المسوِّقون الشيء الذي يأملون أنه سيدفع المستهلك للتحدُّث إلى الآخرين بشأنه؛ ومع ذلك، لا تكون هذه الرسائل في معظم الأوقات سوى رسائل مفرطة في صبغتها التجارية والدعائية، لدرجةٍ تمنع إيجاد أي رغبة لدى المستهلك في نقلها إلى الآخرين. بالطبع، كانت هناك استثناءات لهذا؛ فتويوتا سيينا، من خلال مقطع فيديو «سواجر واجن» الموسيقي على الإنترنت، وحلوى سكيتلز، من خلال حملة «عانِقْ قوس قزح … استمتِعْ بقوس قزح»؛ اتَّبَعَتَا القاعدةَ غير المكتوبة، القائلة إنه إذا أردتَ أن تتفاعل مع المستهلكين على نحوٍ متسلسل، فإنك تحتاج إلى تقديم رسائلك للمستهلكين والسماح لهم بنقلها. كان ينبغي على كوكاكولا إذا كانت تريد النجاح أن تبتكر محتوًى مَرِحًا وجذَّابًا، إذا ما أرادَتْ أن ينقله المُشاهِد إلى غيره.

هذا يقودنا إلى ذلك اليوم الشتوي من عام ٢٠١١، الذي ظهرت فيه ماكينة السعادة لأول مرة في حرم جامعة سانت جون، وصورت التجربة بكاميرا خفية مع عدم معرفة الطلاب بذلك. ولأن الكاميرا كانت خفيةً، صُوِّر كلُّ شيء عن التجربة بدقةٍ، بما في ذلك ردودُ فعل الطلاب الحقيقية؛ فكانت العلاقة الرومانسية بين المستهلك والعلامة التجارية معروضةً بالكامل. تصف جانتوس ذلك بأنه «لحظات بسيطة حميمة من لحظات كوكاكولا». وتضيف أمادور: «كان يجب أن تكون صادقة. كان يجب أن تكون حقيقية. كان علينا تصوير المشاعر الحقيقية للناس في وقتها.»

ما هو الشيء الذي كان أكثر غرابةً في هذه التجربة؟ توضِّح جانتوس: «رأينا الخير الحقيقي في الناس، فقد تشاركوا الأشياء. فإذا خرجَتْ خمس زجاجات كوكاكولا من ماكينة البيع، كانوا يتشاركون فيها مع أصدقائهم. كنَّا نصوِّر فكرةَ أن المشاركة تجلب السعادة ليس للآخرين فحسب، ولكنْ لك أنت أيضًا.»

خلقت الرسالة الختامية «يا ترى الفرحة الجاية فين؟» نوعًا من الإثارة مصدرُه توقُّع أن ماكينة السعادة ربما تأتي إلى بلدتك. في الواقع، دفعت شعبية الحملة كوكاكولا للردِّ ببرنامج متجوِّل لتوزيع عيناتٍ عن طريق ماكينة السعادة، يحاكي التجربةَ التي انتشرت كالنار في الهشيم.

أما الشيء الفريد الآخر في هذه الحملة، فهو أنها لم تكن تشبه حملات كوكاكولا من حيث تخصيص ميزانية إعلامية وطنية كبيرة لها. وقد نمت على نحو طبيعي. أطلقت كوكاكولا هذه الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي والموقع الإلكتروني للشركة، ولكن الجانب الأكبر من «انتشارها» حدَثَ بفضل المستهلكين أنفسهم. والقولُ بأن الرسالة أصبحت ذاتيةَ التأثير والتطوُّر أمرٌ لا يعكس الحقيقة كاملةً؛ فوفقًا لأمادور، شاهَدَ إعلانَ «يا ترى الفرحة الجاية فين؟» الأصلي حتى الآن على الإنترنت نحو خمسة وعشرين مليون شخص في جميع أنحاء العالَم، مذكِّرًا كلَّ مُشاهِد لماذا تربطه علاقة بكوكاكولا. أثبتَتِ الحملة شعبيتَها الكبيرة على الإنترنت، لدرجة أن كوكاكولا قطعت من مَشاهِد الحملة الإعلاناتِ التجاريةَ التليفزيونية، وبثَّتْ مَشاهِد الحملة في العروض الجماهيرية مثل نهائيات «أمريكان أيدول». وتقدِّر أمادور أن أكثر من مائة مليون شخصٍ شاهدوا نسخة من الإعلان التليفزيوني لحملة «يا ترى الفرحة الجاية فين؟» في الوقت نفسه، زاد عدد المعجبين بصفحة كوكاكولا على فيسبوك من ٣٫٧ ملايين إلى أكثر من ٦٠ مليون شخص. والفيلمُ الإلكتروني نفسه فاز بعدد كبير من الجوائز، بما في ذلك جائزة كليو الذهبية، وجائزة آدي الوطنية، وجائزة جولد تيلي، كما وصل إلى الدور النهائي في مهرجان كان السينمائي الدولي، وفاز بجائزة أفضل حملة لوكالة إعلانية صغيرة في العالم، التي تقدِّمها مجلة «أدفرتايزينج آيدج». إضافةً إلى ذلك، وصلت الحملة إلى قائمة «فيجوال ميجيررز» لأفضل عشرة إعلانات وفق المشاهدات، وأطلقَتْ عليه «كريتيفتي أون لاين» اسم «مقطع الفيديو الأكثر انتشارًا».

(٢) الابتكار يعزِّز العلاقة الرومانسية

لماذا نجحت حملة «يا ترى الفرحة الجاية فين؟»؟ الإجابة: لأسبابٍ عدة هي كالتالي:
  • «لم تكن مُتوقَّعة»: تقول أمادور: «حينما تفعل كوكاكولا شيئًا، فإنها عادةً ما تفعله بطريقة فخمة. برامج توزيع عينات ضخمة، وحملات تليفزيونية ضخمة، وترويج واسع النطاق. كانت هذه الحملة مختلفة؛ كانت شخصيةً للغاية، وحميميةً جدًّا؛ فقد عرضت كلًّا من العلامة التجارية والمستهلك في تفاعل شخصي. فظهور كوكاكولا في الكافتيريا في جامعة صغيرة في يومٍ عشوائي، كان مختلفًا جدًّا عمَّا نتوقَّعه عادةً من كوكاكولا.»

  • «ظلت متسقة مع الرسالة الأصلية»: يوضح بروستين قائلًا: «لأن عددًا قليلًا للغاية من الناس كانوا يعرفون بأمرها، لم يكن علينا تمريرها عن طريق لجنة وجعل الأمر «آمنًا». ظلت الحملة متسقة مع الرسالة الأصلية، وبقيت متسقة مع الفكرة الرئيسية. هذا أمر مهم. ابتكرت كوكاكولا تجربة إلكترونية فريدة من نوعها؛ ومع ذلك، ظلت هذه التجربة مرتكزة على الاستراتيجية، وبقيت منسجمة مع الرسالة. كثيرًا ما نستخدم الابتكار بطريقة غير استراتيجية، تهدف إلى الإبهار على حساب الالتزام برسالة العلامة التجارية. لا تَدَعْ هذا يحدث! ابحث عن ابتكارات تتماشى مع الجوهر الأساسي، مع إضفاء نوعٍ من الإثارة على العلاقة. إذا كان ثمة شيء لا يسير وفق الاستراتيجية، فلا تَمْضِ قُدُمًا فيه.»

  • «كانت صادقة»: تشير جانتوس: «كانت هناك براءة في المشهد. كان يحمل بساطةَ الماضي؛ ففي المشهد، لا ترى الكثير من الأشياء التكنولوجية المعقدة. إنه وقت تناول الطعام. إنها الكافتيريا. إنها ليست حديثة على الإطلاق؛ لذا فإن هذا المشهد أعاد العلامةَ التجارية بطريقةٍ ما إلى جذورها.» مرةً أخرى، ظلت الرسالة معبِّرةً عن صِدْق كوكاكولا.

  • «استخدمَتْ وسائلَ التواصل الاجتماعي والنشاط الإلكتروني على نحوٍ صحيح»: يرى العديد من المسوِّقين وسائلَ التواصل الاجتماعي باعتبارها الحلَّ السحري الجديد للتواصل مع المستهلك، ويصابون في كثير من الأحيان بخيبة أمل بسبب النتائج. لم تعتمد كوكاكولا على وسائل التواصل الاجتماعي وحدها في نقل الرسالة؛ فقد استخدمَتْ مقاطعَ فيديو على الإنترنت لترسيخ رسالةٍ موجودة بالفعل، ونقْلِ هذه الرسالة بطريقةٍ تتناسب جيدًا مع الفضاء الإلكتروني. كانت القصة مسلِّية، وكانت ممتعة، ولكنها لم تحاول أيضًا أن تفرض عليك شراء كوكاكولا. نعم، كانت كوكاكولا جزءًا منها، ولكن نجوم الحملة كانوا هم المستهلكين أنفسهم وردود أفعالهم الحقيقية حيال ما كان يخرج من ماكينة البيع تلك. لم تكن تطبيقًا تسويقيًّا مفتعَلًا.

  • «الأهم من ذلك أنها تواصلَتْ عاطفيًّا»: تقول أمادور: «كان من المهم للغاية تصوير مشاعر وردود أفعال الناس، وكنَّا قادرين على فعل ذلك، وأصبح رسالةً أراد الآخرون مشاركتَها.» كانت حملة «يا ترى الفرحة الجاية فين؟» تعبيرًا إنسانيًّا ملموسًا عن السعادة، تم تنفيذه بوسيلة تتيح «مشاركته». هذا في جوهره ما تدور حوله كوكاكولا: مشاركة لحظات السعادة البسيطة تلك مع الآخرين. عُدْ إلى إعلانات كوكاكولا الكلاسيكية؛ فبدءًا من مين جو جرين إلى مجموعة الشباب الواقفين على التل يتغنَّوْن برغبتهم في شراء كوكاكولا من أجل العالم، كانت كوكاكولا دائمًا تتمحور حول مشاركة السعادة. يرغب الناس في السعادة، ويرغبون في نقلها إلى الآخرين؛ هذا هو السبب في أن رسالة ماكينة السعادة كانت مُقنِعةً بما فيه الكفاية كي تنتشر. كما أنها تبيِّن أيضًا أنه لا توجد علامة تجارية قديمة للغاية أو عتيقة للغاية، لدرجةٍ لا تسمح لها بتعزيز العلاقة الرومانسية مع قاعدة مستخدِمِيها.

عدم التوقُّع والابتكار والتجديد، هذه كلها طرق يمكن أن تنمو من خلالها العلامات التجارية، سواء الجديدة أم الناضجة لدى المستهلكين. ونسبةُ العشرة بالمائة من ميزانية التسويق تلك التي تنفقها كوكاكولا على ابتكارات جديدة تمامًا؛ ذاتُ أهميةٍ بالغة لمستقبل أعمالها. في الواقع، تعترف كوكاكولا دون تردُّد بهذا من خلال الإشارة إلى أنه بالرغم من أن ميزانية الابتكار تبلغ ١٠ بالمائة فقط من إجمالي الميزانية، فإن مقدار التفكير اللازم لدفع تلك المبادرات قُدُمًا أكبر بكثير.7 وتمثِّل هذه المبادرات منصاتٍ تُبنَى عليها الابتكاراتُ المستقبلية، وهي جزء من دورةٍ لا تنتهي أبدًا.
يمكن أن يتخذ الابتكار أشكالًا عديدة ويلعب أدوارًا عديدة. إليك بضعة أمثلة:
  • «طرق جديدة للتواصُل»: يشمل ذلك الاستفادةَ من التكنولوجيا في التنفيذ والتوصيل الإبداعيَّيْن للرسالة.

  • «التعبئة والشعارات الجديدة والمظهر الجديد»: نرغب جميعًا في تغيير شامل للمظهر من وقتٍ لآخَر، والعلاماتُ التجارية ليسَتِ استثناءً من ذلك.

  • «التوسُّعات والإصدارات الجديدة من المنتجات»: يمكن أن تساعد الإصداراتُ الجديدة والتغييرات التي يتم إدخالها على منتجاتنا الحالية؛ في زيادة توصيل الرسالة التي تتمحور حولها علامتُنا التجارية.

  • «مواقع وأماكن جديدة للتفاعل»: هذا يشمل اكتشافَ أماكن جديدة للمستهلكين ليجدوا فيها علاماتِنا التجاريةَ، والشراكة مع قنوات ومنافذ جديدة لبيع منتجاتنا.

  • «روابط جديدة أو تمثيلات جديدة»: أنواع جديدة من رعاية الفعالية، أو حتى المشاهير، تمكِّن العلامةَ التجارية من تغيير طريقة عرضها أو شخصيتها.

  • «منتجات جديدة»: بخلاف توسعات خطوط الإنتاج، غالبًا ما تأتي الابتكارات في شكل منتجات جديدة تصبح جزءًا من العلامة التجارية؛ وهذا ينطبق على نحوٍ خاص على أي فئة تخضع للتقدُّم المتكرر في التكنولوجيا أو التصميم. تجد العلامات التجارية في بعض الأحيان أنه توجد حاجة إلى تغييرات أو تحسينات من أجل استمرار نمو العلاقة مع المستهلك. كَمْ مرةً تغيِّر نايكي تصميمَ أحذيتها؟ تقريبًا على نحوٍ سنوي. لا يوجد عيب في النموذج الحالي، ولكنْ لكي تظل متوافِقةً مع أحدث التكنولوجيات، سواءٌ أكانت في الأداء أم الموضة، ستواصل نايكي الابتكارَ.

(٣) الابتكار لتجنُّب «جمود» العلاقة

في عام ٢٠١٠، قامت دومينوز بيتزا — تلك العلامة التجارية التي عانت علاقتُها بالمستهلكين من حالةِ ركودٍ — بشيء لا يمكن تصوُّره. في الواقع، بدأت تنفيذ استراتيجيتين جديدتين تمامًا في وقت واحد؛ بدايةً، غيَّرَتِ الشركةُ وصفةَ البيتزا الخاصة بها، وبالنسبة إلى منتج بيتزا شهير مثلها، لم يكن هذا أمرًا هيِّنًا.

لم تتوقَّف عند هذا الحد؛ فبالإضافة إلى وصفة البيتزا الجديدة، أطلقَتْ دومينوز حملةً ظهَرَ فيها المستهلكون وهم يتحدثون عن مدى بشاعة البيتزا التي كانت الشركة تقدِّمها على مدى السنوات الخمسين الماضية. وفي الإعلانات، شاركت دومينوز ردودَ أفعال المستهلكين المسجَّلة بكاميرا خفية لتقديم البيتزا الجديدة. لسنواتٍ، قدَّمت العلامات التجارية منتجاتٍ «جديدة ومحسَّنة»، ولكنْ لم تكن أيُّ علامة تجارية صريحةً بهذا الشكل في الاعتراف بأن المنتج الذي كانت تسوِّقه في السابق كان رديئًا. كان هذا النهج ينطوي على خطر كبير؛ هل سيغضب المستهلكون، معتبرين أن دومينوز اعترفت أنها كانت تقدِّم متعمِّدةً بيتزا سيئة في الأساس، وتأخذ أموالهم في المقابل؟ ولكن النتائج كانت مختلفة تمامًا؛ فبإطلاق هذه الحملة، أصبحت دومينوز أكثر شفافيةً من أي علامة تجارية أخرى. أخذت دومينوز كلَّ شيء كان يقوله المستهلكون حول العلامة التجارية في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي — سواء أكان جيدًا أم سيئًا أم حياديًّا — وبثَّتْه مباشَرةً على موقعها الإلكتروني. كانت النتائجُ خياليةً: ارتفعَتْ أرباحُ دومينوز وسعرُ سهمها بأكثر من ٢٠٠ بالمائة في السنة التالية لإطلاق الحملة.8 وكانت العلامةُ التجارية القديمة التي عفَا عليها الزمن إلى حدٍّ ما قادرةً على تجنُّب جمود العلاقة، من خلال تحسين وصفة البيتزا لديها. ولكن الطريقة المبتكرة التي أوصلت بها هذا التغيير — بصراحةٍ وصدقٍ — أسفَرَتْ عن تجديدٍ كامل لعلاقتها الرومانسية مع المستهلك.

يمكن لابتكارات المنتج أن تبثَّ الحياةَ مجددًا في العلاقة بين العلامة التجارية والمستهلك. ربما يتطلَّب الابتكار من المسوِّقين المخاطَرةَ مهنيًّا وشخصيًّا. في عام ١٩٨٥، كانت مناشف باونتي الورقية من إنتاج بروكتر آند جامبل في ورطة. تحوَّلَتِ المناشفُ الورقية في الأساس إلى سلعةٍ؛ فكانت جميعًا تبدو بالشكل نفسه، فكانت إما بيضاء وإما ذات صبغة لونية قوية. وعلى الرغم من أن باونتي قد اعتمدت لفترة طويلة على ميزتها الوظيفية بكونها «المناشف الأسرع امتصاصًا»، فإن العلامة التجارية لم تفعل ما يكفي لخلق علاقة رومانسية مع المستهلك، من أجل أن تحظى بقيمةٍ أكبرَ (من حيث التسعير) من أي علامة تجارية لمناشف ورقية أخرى. كان هذا يحدث لبروكتر آند جامبل عبر عدد من فئات المنتجات، وأصدرَتِ الإدارةُ العليا أوامرَ لجميع الموظفين: اسعوا لصنْعِ منتجاتٍ مبتكرة ورائعة.

كان إيميت ليوباردي في ذلك الوقت مهندسًا في قسم الصناعات الورقية في بروكتر آند جامبل. في يومٍ ما، بينما كان يسير في ممر المناشف الورقية في المتجر، التقَطَ مُنتَجًا منافِسًا بسبب عدم وجود اختلافاتٍ بين أيٍّ من العلامتين التجاريتين، وطرأتْ على ذهنه فكرةٌ؛ كان ينبغي لباونتي إجراء تغييرٍ جذري إذا أرادَتِ الحفاظَ على قاعدة مستهلكيها المخلصين. يقول ليوباردي: «كان علينا القيام بشيءٍ ما لفئة المناشف الورقية يشبه ما فعله التليفزيون الملوَّن بالنسبة إلى صناعة التليفزيون.»9

كان منطق ليوباردي هو أن الأمهات اللائي يستخدمن هذه المناشف يوميًّا، في حاجةٍ إلى شيء يبهج يومهن. «الأمهات يستخدمن هذه المناشف الورقية في العديد من المهام اليومية، مثل التنظيف ولف وجبات الغداء فيها وغيرهما. أردتُ فقط أنْ أمنحهن هديةً بسيطة تبهج يومهن عندما يستخدِمْنَ المناشف.» هذه الهدية كانت في شكل تصميمات زخرفية مطبوعة على المناشف الورقية. لم تدعم الإدارة الوسطى في بروكتر آند جامبل هذه الفكرةَ، وحتى فريق التسويق كان متشكِّكًا حيالها. قيل لليوباردي إنه يعمل مهندسًا ولا يفهم عقليةَ المستهلك، التي كانوا يعتقدون أنها تهتمُّ فقط بالمزايا الوظيفية مثل القدرة الكبيرة على الامتصاص والقوة.

ومع ذلك، طبَّق ليوباردي — قائمًا بدورين ودون دعْمِ الإدارة — فكرةَ وضْعِ صورٍ ملونة مطبوعة على مناشف باونتي الورقية، وعندما اكتشف أن الفكرة أثبتَتْ فعاليتها، علم أنه يتعيَّن عليه إعلام الإدارة العليا لبروكتر آند جامبل بما كان يفعله، ولكنْ بإخبارهم أيضًا أنه فعل ذلك دون الحصول على موافَقة الشركة. وافقَتْ إدارة بروكتر آند جامبل على أن الفكرة تستحق التجربة وعيَّنَتْه مسئولًا عن المشروع. ووفقًا لموقع مجموعة ليوباردي، وضَعَ ليوباردي وفريقه مفهومَ مناشف باونتي المطبوعة الذي حقَّقَ أعلى النتائج في تاريخ الشركة. كانت مناشف باونتي الورقية ابتكارًا مهمًّا. واليومَ، تمثِّل المناشف الورقية المطبوعة أكثرَ من نصف إجمالي المناشف الورقية التي تباع في هذه الفئة.

غالبًا ما يتطلَّب الابتكار نوعًا من المخاطرة. والمخاطرة ليستْ مريحةً أبدًا، وبطبيعتها لا تضمن النجاح. في الواقع، يفشل العديد من الابتكارات؛ ولكنْ إذا لم نخاطر، فإنَّ علاقاتنا مع المستهلكين ستدفع الثمن في النهاية. هناك فرق بين تطوير ابتكارات لمجرد أن تكون مختلفًا، وبين اتخاذ «مخاطرات ذكية»، وهي المخاطرات المدروسة المحسوبة التي سوف تنطوي على فعْلِ ما يدعو له هذا الكتاب؛ وهو فَهْم المستهلكين — احتياجاتهم الوظيفية والعاطفية ورغباتهم وأهدافهم — والحرص على أن يلبِّي الابتكارُ هذه الاحتياجاتِ بطريقةٍ مختلفة عن المنتجات الحالية.

بالطبع يمكن أن يلعب الابتكار أيضًا دورًا في إنقاذ العلاقة التي لاقت إهمالًا؛ فيمكنه بثُّ حياةٍ جديدة في العلامات التجارية التي كانت خارجَ نطاقِ تفكير المستهلكين لسنواتٍ، كما سنرى في الجزء التالي.

(٣-١) إعادة الارتباط

بينما كانت بليك هاولي تَعْبُر الطريقَ، لاحظَتِ الأضواء التي تومض باللون الأزرق لسيارة شرطة تتجه ببطءٍ نحوها. بعد ذلك جاءت سياراتٌ بأضوائها تتحرَّك مثل أفلام الحركة البطيئة. وبينما واصلَتِ السيارات المرورَ بجوارها، رأت سيارة ليموزين سوداء طويلة تسير وراء تلك السيارات. كان رد فعلها بطيئًا؛ هل كان ثمة شخص شهير يزور البلدة؟ هل كان الرئيس؟ هل كان الحاكم؟ ولكن هذه السيارة لم تكن سيارة ليموزين، بل كانت السيارةُ المَعنِيَّة هي سيارةَ نقل الموتى في طريقها إلى مقبرةٍ محلية في موكب جنائزي. تنهَّدَتْ هاولي قائلةً: «فقدنا مستهلِكًا آخَر من مستهلكي منتج جريتول.»

كانت هاولي مدير تسويقٍ لشركة أدوية متخصِّصة هي «ميدا كونسيومر هيلث كير»، التي كانت جزءًا من شركة ميدا إيه بي الدولية الأكبر، وهي شركة أدوية عالمية. كانت وظيفة هاولي هي إعادة إدخال المستهلكين في علاقةٍ مع العلامات التجارية المَنسِيَّة منذ زمن طويل، التي استحوذَتْ عليها ميدا كونسيومر هيلث كير. كان مُنتَجُ جريتول محورَ هذه الاستراتيجية، وكان أكثرها تحدِّيًا في الواقع؛ فقد تعيَّنَ على هاولي ومدير العلامة التجارية في جريتول — سيجدم توبالي — بث الحياة في العلامة التجارية التي لم تُسوَّق على نحوٍ مكثَّف منذ سبعينيات القرن العشرين.

يُعَدُّ جيفري كوهين — نائب الرئيس والمدير العام لشركة ميدا كونسيومر هيلث كير — شخصًا متفائلًا. وكان لزامًا أن يكون كذلك؛ فوظيفتُه هي العثورُ على العلامات التجارية المهجورة، والاستحواذُ عليها مقابل جزءٍ صغير ممَّا كانت عليه من قيمةٍ سابقًا، وإعادة بناء قيمتها. كُلِّف فريق كوهين بشراء العلامات التجارية التي كانت ضمن أعلى العلامات التجارية في فئتها سابقًا، وعلى حد تعبير كوهين: «هذه العلامات التجارية تكون في حالةٍ يُرثَى لها وبحاجة إلى مَن ينقذها، ومهمتُنا هي إحياءُ هذه العلامات التجارية من خلال الاستثمار فيما كان سابقًا علاقةً قويةً بالمستهلك.»10 مجموعةُ العلامات التجارية التي انصبَّ تركيزُه عليها كانت من أشهر الأدوية فيما مضى؛ وتضمُّ فيوسول (مكمِّل غذائي غني بالحديد أُطلِق للمرة الأولى عام ١٩٤١)، وجريتول (أُطلِق عام ١٩٥٢)؛ والمستحضرات الأحدث نسبيًّا كونتاكت كولد آند فلو (١٩٦١)، وفيفارين كافيين أليرتنس آيد (١٩٦٨).

كانت كل هذه العلامات التجارية في تراجُع مستمر لسنوات عديدة؛ فقد أُدِيرت علاقتها مع المستهلكين على نحوٍ سيئ، أو تعرَّضت للتجاهل أو الإهمال؛ ومع ذلك، عند البحث عن هذه العلامات التجارية وعند اختيار العلامات التي تمَّ شراؤها، يشير كوهين إلى أنه غالبًا ما يوجد بصيصٌ من الأمل وسطَ الأرقام الكئيبة للعلامة التجارية، وتصبح هذه العملية رائعة.

لكي تفكِّر ميدا كونسيومر هيلث كير في شراء علامة تجارية لم يُقبِل أحدٌ قطُّ على شرائها، لا بد أن تَفِي العلامةُ التجارية ببعض المعايير الأساسية. من نافلة القول أن أساسيات العمل التجاري — التدفُّق النقدي والإنفاق والربحية — يجب أن تستحق العناء. فإذا كانت العلامة التجارية قد أُدِيرت بنحوٍ خاطئ أدَّى إلى خسارتها المالَ، لا تسعى ميدا كونسيومر هيلث للاستحواذ عليها. فقط تلك العلامات التجارية التي لديها تدفُّق نقدي إيجابي وربحية يمكن أن تصبح من العلامات التجارية المؤهلة.

ولكن لكي يُثار اهتمام كوهين وفريقه فعليًّا بعلامة تجارية محتملة، ينبغي أن تُظهِر أنها تحظى بشيء من القبول بين قاعدة مستهلكين متقلبة. عادةً ما تكون هذه العلامات التجارية قد تم تسويقها بكثافة سابقًا، ولكن بعد ذلك انخفض تسويقها عن المستوى المطلوب، أو بات المستهلكون يتجاهلونها تمامًا في السنوات الأخيرة. ربما يعرفها بعض الناس، ويوجد قدرٌ من الشعور الجيد تجاهها، حتى لو لم يتمكَّنوا من وصفه على وجه التحديد بأنه شعور جيد. يشير كوهين قائلًا: «إذا كان لدى الناس معرفة بالعلامة التجارية وقدر من القبول لها، يمكننا إعادة تشكيل علاقات مع هؤلاء المستهلكين.» ويضيف: «كثير من هذه العلامات التجارية لم يُستغَل الاستغلالَ الأمثل؛ فكانت الشركات التي تملكها تقول من الأساس: «نحن لا نهتم بهذه العلامات التجارية».»

نقطة التدقيق الأخيرة لفريق ميدا كونسيومر هيلث كير هي أن يكون المنتج ذاته على الأقل متكافِئًا في تركيبته مع المنافسين الآخرين. تتوافق العلامات التجارية لميدا كونسيومر هيلث كير مع هذا المعيار، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى متطلَّبات التوافُق لدى لجنة التجارة الفيدرالية التي تخصُّ صناعةَ الأدوية التي تباع دون وصفة طبية. يقول كوهين: «يمتلك دواء كونتاكت كلَّ المقومات التي تتوقَّعها في أدوية علاج نزلات البرد، وفيوسول مكمِّل غذائي من الحديد مكافِئ لمنافسيه، ويحتوي فيفارين على ٢٠٠ ملِّيجرام من الكافيين في القرص الواحد، وهي النسبة المعيارية في هذه الصناعة. المنتَجُ الوحيد الذي يختلف على نحوٍ ملحوظ عن بعض المنتجات المنافسة هو جريتول؛ فكان علينا التعامُل مع هذا الأمر.»

وباختصارٍ، تشبه العلامات التجارية التي تشتريها ميدا كونسيومر هيلث كير الكلابَ المتاحة للتبنِّي في حظيرة محلية للكلاب المفقودة أو غير المرغوب فيها. كان لبعض من تلك العلامات تاريخٌ، وربما بعضه لم يكن رائعًا. على الرغم من أن العلامات التجارية ليست في حالة جيدة، فإنه لا يزال هناك بصيصُ أملٍ؛ ثمة احتمال كافٍ لإقناع الفريق أنه بقليلٍ من الحب والرعاية يمكن لهذه العلامات التجارية في الواقع أن تزدهر وتدخل بنشاطٍ في علاقات مع مجموعات المستهلكين الرئيسية.

يشير كوهين إلى أنه عندما تشتري ميدا كونسيومر هيلث كير علامةً تجارية، فإن مهمتها الأولى هي وقف التدهور. «نعلم أنه توجد مشاعر طيبة لدى المستهلكين حيال هذه العلامات التجارية، ونحن بحاجةٍ إلى معرفة مِن أين تنبع هذه المشاعر. هذا يستغرق بعض الوقت. ولكننا نعرف أيضًا أن لدينا أعمالًا تجارية جارية نُدِيرها، وأننا لا يمكننا تجاهُل ذلك ونحن نعدِّل وضْعَ هذه العلامات التجارية ونُعِيد إطلاقها. فنستخدم استراتيجية قصيرة المدى وأخرى طويلة المدى.» تتمثَّل الاستراتيجية القصيرة المدى أساسًا في القيام بكلِّ ما يلزم لإبقاء العلامات التجارية على رفوف المتاجر، إلى أن نتمكَّن من صياغة جهدٍ تصحيحيٍّ أقوى ونطبِّقه. تقطع ميدا كونسيومر هيلث كير وعْدًا لتجار التجزئة؛ فيقول لهم كوهين: «نعلم أن هذه العلامة التجارية متعثِّرةً. وسوف نكتشف كيفيةَ إعادة ابتكارها وتشكيل علاقة مع المستهلك المناسب.» في غضون ذلك، تطلب ميدا كونسيومر هيلث كير أن تستمر متاجر التجزئة في عرض المنتج، وأن تزيد حجم المبيعات من خلال العروض الترويجية القصيرة المدى إلى أن يُوضَع تصوُّر بشأن الخطة الجديدة. لم تكن توجد علامة تجارية تجد تحدِّيًا في إعادة اختراع نفسها أكثر من جريتول.

(٣-٢) تحديث القديم

استنادًا إلى نجاح بليك هاولي في التعامل مع جميع العلامات التجارية التي يصعب إدارتها التابعة لميدا كونسيومر هيلث كير، أدركتْ أن جريتول يتطلَّب شخصًا فريدًا من نوعه، وعرفَتْ بالضبط إلى مَن تَكِل هذه المهمة. عندما أُسنِدت إلى سيجدم توبالي مهمةُ إدارة العلامة التجارية جريتول، سُرَّت للغاية؛ فقد كانت تعمل طوال حياتها المهنية من أجل الانضمام إلى إدارة العلامات التجارية، وكانت قد انتقلت مؤخرًا من مجموعة التسويق الدوائية لميدا كونسيومر هيلث كير، إلى فريق إدارة الأدوية التي تباع دون وصفة طبية/العلامات التجارية المخصَّصة للاستهلاك المباشِر؛ لذلك عندما أُسنِدت إليها هذه المهمةُ، كان من الطبيعي أن يكون لديها استعدادٌ لأنْ تخبر الجميعَ بشيءٍ. تقول موضِّحةً: «أدركتُ أنَّ هذه العلامة التجارية ربما تعاني مشكلةً ما عندما سألت حماتي البالغة من العمر سبعة وستين عامًا هل كانت ترغب في الحصول على أي عينات، وأخبرتني أنها لم تتناول جريتول لأنه مخصَّص لكبار السن.»11

سرعان ما أدرك فريق ميدا أن جريتول كان يعاني حالةَ ركود؛ إذ لم يتغيَّر المنتَجُ أو تسويقُه على مدار خمسين عامًا. كان المنتج في علاقاته بالمستهلك يعاني مشكلات عديدة؛ فكانت صورته عتيقة، وكان ثمة قلقٌ بشأن هل كان المنتجُ مناسِبًا حتى في العقد الثاني من الألفية الثانية.

دَعْنا نبدأ بالصورة. لم يكن المستهلكون يرون أن جريتول قديمٌ فحسب؛ بل كانوا أيضًا يرونه عتيقًا، كان قديم الطراز تمامًا؛ خُذْ الاسم مثلًا، مقطع «جري» Geri في اللغة الإنجليزية بادئة تشير ضمنيًّا إلى أن هذه العلامة التجارية مخصَّصة للنساء في سن الشيخوخة. نحن لا نتحدَّث عن النساء المتقاعدات حديثًا. كان المستهلكون يرون جريتول علامةً تجارية لا تتوافَر إلا في دور رعاية المسنين. ووجود الدعاية، أو غيابها، لم يكن له تأثير أيضًا. تحدَّثَ منتجُ جريتول إلى المستهلكين كثيرًا في خمسينيات القرن العشرين، متواصِلًا مع ربَّات البيوت بالحملة التي روَّجَتْ لجريتول كعلاجٍ للإرهاق و«نقص الحديد في الدم»، وضمت نجومًا شبابًا وصاعدين مثل بيتي وايت. في خمسينيات القرن العشرين، وصلت العلامة التجارية إلى كل مكان؛ فقد حظيت بدعاية مكثَّفة للغاية، وقامت برعاية برامج المنوعات. المشكلة أن العلامة التجارية لم تطوِّر من نفسها منذ خمسينيات القرن العشرين؛ فبخلاف محاولة مقتضبة في سبعينيات القرن العشرين من قِبَل العلامة التجارية لاستهداف فئة عمرية أصغر سنًّا، من خلال متحدثين باسمها في الثلاثينيات من عمرهم؛ مثل لاعب البيسبول ستيف جارفي وزوجته سيندي، ولاعبة التنس إيفون جولاجونج، خَفَتَ بريقُ العلامة التجارية كثيرًا وتوقَّفَتْ عن التواصل مع المستهلك تمامًا. باختصار، ضاعت العلامة التجارية حرفيًّا في متاهة الزمن.
تقول توبالي: «أصبحت العلامة التجارية أضحوكة. كان جريتول يُقدَّم في حفلات التقاعد، وكان دليلًا على أنك أصبحت مُسِنًّا.» وتضيف هاولي: «حتى مستخدمونا الحاليون، الذين يتحدَّثون بحماسٍ عن المنتج، لا يريدون أن يعرف أيُّ شخصٍ أنهم يتناولونه. أخبرتنا إحدى السيدات أنها اضطرت إلى إخفائه عن زوجها لأنها لم تكن تريده أن يعرف أنها أصبحت عجوزًا.»12 ضاع معنى العلامة التجارية كثيرًا بسبب سنوات من الإهمال، لدرجة أنه في بداية القرن الحادي والعشرين ظهرت خرافةٌ تشير إلى أن جريتول كان دواءً سرِّيًّا للخصوبة.

كان أمام هاولي وتوبالي مهمة جسيمة. كانت ميدا كونسيومر هيلث كير قد اشترت جريتول لأن الجوانب المالية المتعلِّقة بالمنتج كانت قويةً، وكان هناك ما يكفي من وَعْي الجمهور بالعلامة التجارية التي لا يزال من الممكن الحصول عليها. ومع ذلك، كان من الضروري وضع خطة تسويقية لتحديث العلامة التجارية لبدء علاقةٍ مع المستهلكين الأحدث سنًّا.

بدأ الفريق بالمنتج نفسه. كان جريتول يَصْدر في شكلين: جريتول كومبليت، دواء متعدِّد الفيتامينات؛ وجريتول تونيك، نسخة سائلة تحتوي على الحديد وفيتامينات ب. ألقت توبالي نظرةً أولًا على المنتج المتعدد الفيتامينات جريتول كومبليت؛ لأنه كان واضحًا أن له الفرصة الأكبر. كانت فئة الفيتامينات التي تباع دون وصفة طبية تبلغ ٣٫٥ مليارات دولار، وكان على رأسها الفيتامينات المتعددة؛ لذا قارنَتْ توبالي ملصقَ مكونات جريتول مع ملصقِ مكونات علامة تجارية رائدة. يبيِّن الجدول ٧-١ ما لاحظَتْه.

هل تلاحظ أي شيء من شأنه أن يقلقك لو كنتَ مديرَ العلامة التجارية جريتول؟ بالطبع تلاحظ ذلك؛ فباستثناء فيتامين أ، سنتروم يَفُوق جريتول في جميع الفيتامينات، وبقدرٍ كبير في كثيرٍ من الأحيان. إذا كان لديك جدول مكونات مثل هذا وأردتَ أن يُنظَر إليك كمنافس جدير بالثقة، فماذا كنتَ ستفعل؟

جدول ٧-١: نسبة المقادير اليومية الموصى بها: جريتول مقابل سنتروم سيلفر.
المكونات نسبة المقدار اليومي الموصى به في جريتول كومبليت نسبة المقدار اليومي الموصى به في سنتروم سيلفر
فيتامين أ ١٢٠ ٧٠
فيتامين ب٦ ١٠٠ ٢٥٠
فيتامين ب١٢ ١١٠ ٨٣٣
فيتامين ج ١٠٠ ١٦٧
فيتامين د ١٠٠ ٢٠٠
فيتامين ﻫ ١٠٠ ١١٧
فيتامين ك ٣٠ ٦٧

ربما تحتاج على الفور إلى إعادة تركيب المنتج لجعله متفوقًا على المنتج الرائد في هذه الفئة، أو حتى متعادلًا. فإذا كان المنتج المنافِس يحتوي على ما يقرب من ثمانية أضعاف فيتامين ب١٢ الذي في منتجك، فإن هذا يشكِّل نقطة ضعف كبيرة جدًّا في منتجك، أليس كذلك؟ فكيف يمكن لجريتول تغيير نظرة المستهلك إليه على أنه علامة تجارية عفَا عليها الزمن، بينما تركيبته أقل جودةً بكثيرٍ من تركيبة العلامة التجارية الرائدة؟ الحديث هنا عن خمسينيات القرن العشرين!

ولكن لم يكن جريتول سيخضع لإعادة تركيب؛ فقد كان الفريق راضيًا بالفعل تمامًا عن تركيبة جريتول. لماذا؟ انظر إلى جدول المكونات مرةً أخرى. إذا حللت جريتول، فستلاحظ أن العلامة التجارية تظل قريبة جدًّا من نسبة المقادير اليومية الموصى بها، فهو بالغ التناسُق فيما يتعلَّق بجميع الفيتامينات.

لم يكن منتج جريتول ينوي محاوَلةَ «التفوُّق على الجرعات الكبيرة» للمنافسين. لماذا؟ ثمة سببان: الأول أن ميدا كونسيومر هيلث كير لن تكون قادرة على التفوُّق على تركيبةِ فئةٍ تحتوي على عشر علامات تجارية ضخمة، تقودها شركتان من الشركات الكبيرة ذات الموارد الضخمة. كان السبب الثاني والأهم سببًا له تأثير مباشِر على المستهلكين؛ إذ كانت فئة الفيتامينات تعمل وفْقَ مغالَطةٍ تشير ضمنًا إلى أنه كلما تناوَلَ الشخص فيتامينات أكثر، أصبح أفضل حالًا؛ إلا أن ذلك لم يكن بالضرورة صحيحًا. في الواقع، كانت هناك تقارير ومقالات، من خلال داعِمَيْن بارزين مثل الدكتور أوز، حول أن المستهلكين بالفعل يتناولون جرعاتٍ مبالَغًا فيها. أراد فريق جريتول الإبقاء على نفس تركيبة المنتج، وعزموا على أن يعلنوا أن لديهم تركيبةً «متوازِنةً». كان هذا شيئًا مختلفًا؛ كان شيئًا يمكنهم التميُّز به. يمنحك جريتول فقط ما تحتاجه لعيش حياة مفعمة بالحيوية؛ دون زيادة أو نقصان. بعبارة أخرى، مكَّنَتْ تركيبةُ جريتول المتوازِنة المستهلكين من عيش حياة متوازِنة.

وبسرعةٍ اختبَرَ الفريقُ فكرةَ «التوازُن» مع قاعدة مستهلكي جريتول الحاليين وجيلٍ أحدث سنًّا من النساء (تتراوح أعمارهن بين خمسين وخمسة وخمسين عامًا). المثير للدهشة أنه من بين جميع الخاضعين للاختبار، استجابَتِ النساء الأحدث سنًّا على نحوٍ أكبر لرسالة «التوازن»؛ فقد تناسبت هذه الرسالة مع تصوُّرهن للعلامة التجارية جريتول، ونظرْنَ إليها على أنها تتمتَّع بالقدرة على إحداث تأثير.

وفجأةً، استطاعت العلامة التجارية جريتول تبنِّي شخصٍ مؤثِّر أساسي جديد لتأسيس علاقة رومانسية معه؛ إنها امرأة في الخمسينيات من عمرها تتمتَّع بالصحة والنشاط والحيوية. تقول سيجدم: «سوف نغيِّر من نظرة الجمهور إلينا باعتبارنا علامةً تجارية ترتبط بشخصٍ مثل بيتي وايت، لنصبح علامةً تجارية ترتبط بشخصٍ مثل جيمي لي كرتيس.»

وتضيف هاولي: «سيكون الجوهر العام الجديد وراء العلامة التجارية هو الحيوية البدنية والعقلية. والسببُ في تمكُّننا من توفير هذه الحيوية لعملائنا هو تركيبتنا المتوازنة جيدًا، إضافةً إلى الشخصية المثيرة والنابضة بالحياة. مثَّلَتِ التركيبة نفسها توازنًا.» كان بناءً كلاسيكيًّا للعلاقة؛ إذ استُخدِمت سماتُ المنتج لدعم المزايا الوظيفية والعاطفية المُقنِعة. بالطبع، يوجد قدر كبير من العمل ينبغي القيام به؛ فقد ظل منتج جريتول مرتبطًا في الأذهان بسمة اجتماعية سلبية، وهي التقدُّم في العمر، ولم يكن يمتلك كثيرًا من المؤهلات التي تجعله علامةً تجارية ذات شخصية مؤثرة.

ستُنفَّذ الخطة على مرحلتين؛ تتمثَّل المرحلةُ الأولى في تحقيق الاستقرار في النشاط الأساسي، وتتمثَّل المرحلة الثانية في إعادة تأسيس علاقة جديدة — وفي كثيرٍ من الحالات، خَلْقها — مع المستهلكين من خلال الابتكار في العلامة التجارية. تقول توبالي: «إذا أدَّيْنا مهمتنا على نحوٍ صحيح في المرحلة الأولى، فسوف نُثبِت أنفسنا لدى مستهلكينا وتجَّار التجزئة، وسيصبح كلاهما متقبِّلًا للأنباء والابتكارات المستقبلية المتعلِّقة بالعلامة التجارية.»

فبدايةً، أراد الفريق أن يمنح عبوةَ جريتول مظهرًا جديدًا؛ فهي لم تتغيَّر منذ عشر سنوات على الأقل، وعزَّزَتْ الاعتقادَ بأن جريتول منتج قديم وعفا عليه الزمن؛ على سبيل المثال: لا تزال النسخة السائلة من المنتج يُشار إليها باسم «تونيك» (مقوٍّ أو منشِّط)؛ الاسم الذي لم يَعُدْ مناسِبًا للقرن الحادي والعشرين. ظلت التغييرات التي أُدخِلت على العبوات متَّسِقةً مع تراث العلامة التجارية (على سبيل المثال: استُبقِي اللون الأحمر)، ولكن المظهر العتيق اختفى ليحلَّ محلَّه مظهرٌ أكثر حداثةً ساعَدَ على نقل الفكرة الجديدة للمنتج، المرتكزة على التوازن والحيوية. واستُعِيض عن كلمة «تونيك» بكلمة «ليكويد» (أيْ سائل)، وأُعِيدت تسمية «جريتول كومبليت» إلى «جريتول مالتي فيتامين».

نفَّذَ الفريق خطةً شاملة لإجراء محادثات مع المستهلكين لأول مرة منذ ثلاثين عامًا، وتضمَّنَتِ الإعلان عن المنتج في المجلات مثل جود هاوسكيبينج وليديز هوم جورنال، وظهر جريتول على شاشات التليفزيون للمرة الأولى منذ عقود. ظهرت إعلانات جريتول في قنوات الكيبل الوطنية مثل لايف تايم وهولمارك وكوكينج تشانل. ولتصميم تجربة ترتبط بالعلامة التجارية، عزم الفريق على إنشاء اتحادٍ يروِّج للمَشْي في جميع أنحاء البلاد، باعتباره وسيلةً لتحقيق اللياقة البدنية ويدعم القضايا الصحية المهمة للمرأة. تقول هاولي: «الرياضة البدنية جزء من الحياة المتوازنة. والمشي ليس رياضةً صعبة أو مُجهِدةً، ولكنه ضروري جدًّا إذا أراد المرء أن يتمتع بصحة جيدة، كما أنه يناسب النساء في جميع المراحل العمرية.»

نجحت العلامة التجارية في تحقيق استقرار نشاط الشركة؛ ففي عام واحد، حتى قبل إجراء أيِّ تغييرات على العبوات أو رسالة العلامة التجارية، توقَّفَ تدهورُ جريتول، بل نما أيضًا في الواقع. ولكن كانت لدى فريق العلامة التجارية أهدافٌ أكبر، صاغَتْ توبالي الهدفَ النهائي على النحو التالي: «نريد أن تفهم النساء أن جريتول ينبغي أن يكون جزءًا من حياتهن اليومية، حتى يتمكَّنَّ من الاستمرار في الاحتفاظ بأسلوبِ حياةٍ مفعم بالحيوية. إنه شيء تتناوله لمساعدتك على العيش بنشاط وحيوية مقابل شيء تتناوله لكيلا تموت. نرغب ألَّا ينظر عملاؤنا إلى جريتول كمنتج يسبِّب الإحراج، ولكن نريدهم أن يكونوا فخورين بوجوده في خزانة أدويتهم. أَمَلي هو أن يبدو جريتول علامةً تجارية عائدة بقوة.»

عبَّرت هاولي عن الهدف بمزيدٍ من الإيجاز قائلةً: «نحن نضع هذه العلامة التجارية في مكانها؛ بحيث لا أقلق من أنني فقدتُ مستهلِكًا آخَر، عندما أرى عربةَ نقْلِ الموتى مارَّةً بجانبي.»

(٤) قوة الابتكار

حتى لو وصلَتِ العلاقةُ مع المستهلكين إلى مرحلة النضج، فإن أقوى العلامات التجارية، مثل كوكاكولا، تواصِلُ الابتكارَ والتغيير. يجب عليها أن تفعل ذلك من أجل البقاء. فكِّرْ في العلاقات البشرية؛ تتعزَّزُ تلك العلاقات وتتطوَّر إذا ما ظلَّتْ مثيرةً ومتجددة. فنمر معًا بتجارب داعمة وننمو معًا؛ فلا نبقى فحسب نفسَ الأشخاص طوال حياتنا. ويجب ألا تظل العلامة التجارية على حالها من الركود مع قاعدة مستهلكيها؛ فمن دون تيارات مستمرة من التجديد، تبدأ العلاقةُ حتمًا في الركود. وإذا توقَّفَ التواصُل، تتأزَّم العلامة التجارية، كما حدث مع جريتول؛ حيث تطلَّبَ الأمرُ إحداثَ تغيير كبير.

بالطبع يُعَدُّ مثالُ جريتول حالةً من إهمالٍ طويلٍ لعلامة تجارية أدَّى إلى الحاجة إلى ابتكار ثوري. ومع ذلك، غالبًا ما توجد حالات يؤثِّر فيها حادثٌ مفاجئ مباشِر على العلاقة تأثيرًا كبيرًا. تظهر الأزمات في حياة كل علاقةٍ بين علامة تجارية ومستهلكين؛ فالعلاقاتُ لا تسير أبدًا على نحوٍ سلس. وكيفيةُ استجابة العلامة التجارية للأزمة، والطريقةُ التي تُحَلُّ بها هذه الأزمة؛ ستؤثران على مستقبل العلاقة بين العلامة التجارية والمستهلكين. وسنتناول هذا الأمر فيما يلي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤