لوكا

في بيتنا، في مصر، بعد وجبة العشاء
وبعد تلاوة الصلاة،
حدثَتْنا أمي عن هذه الأماكن
التي سحرتْ بها طفولتي سحرًا شديدًا.
في المدينة حركة مرور ورعة ومتزمِّتة.
داخل هذه الأسوار لا يقيمُ أحد إلا إقامةً عابرة.
الهدف الوحيد هنا هو الرحيل.
جلست في الظل أمام باب النزل مع أناسٍ
راحوا يحكون لي عن كاليفورنيا وكأنهم يحكُون
عن أملاكهم.
انتابني الفزع عندما اكتشفت نفسي في ملامح
هؤلاء الناس،
والآن أحسُّ أن دمَ موتاي يجري حارًا في عروقي.
أنا أيضًا أخذت معولًا١
بين أفخاذ الأرض التي يتصاعد منها الدُّخَان يغالبني الضَّحِك.
وداعًا أيتها الرَّغَبات، أيتها الأشواق.
أعرف عن الماضي وعن المستقبلِ كل ما يسع
الإنسان أن يعرفه.
مع ذلك أعرف مَصيري وأصلي.
لم يبقَ لي شيء أدنِّسه، لم يبقَ شيءٌ أحلم به.
لقد ذقت كل شيء، وتعذبت.
لم يتبقَّ لي إلا أن أدربَ نفسِي على الموت.
لهذا سأتوفَّر في هدوءِ على تربية نَسلي.
كلما كانت تدفعني شهية شريرة إلى أحضانِ الحب الفانية،
كنت أمتدح الحياة.
أما الآن وقد أصبحت، أنا أيضًا أعتبر أن
الحب ضمانٌ لبقاء النوع، فإنني أرى الموت
أمام عيني.
١  الكلمة الأصلية تفيد كذلك المعزقة والمجرفة والفأس. ولعل المقصود أنه مثل أهله المهاجرين في إفريقيا وأمريكا، قد عمل في شق سطح الأرض (الزراعة)، أو شق باطنها (المناجم) …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤