الخاتمة والنتائج

على هذا النحو تناول الكتاب تلك المناهج النقدية وموقفها من قراءة الشعر العربي في مرحلة الحداثة. وقد تخصَّص هذا الكتاب في مناقشة تطبيقات هذه المناهج على فنِّ الشعر دون غيره من بقية الفنون الأدبية الأخرى١ لسببَين:
  • الأول: رغبتي في أن يكتسب هذا الكتاب قدرًا من التخصُّص يجعله يخرج في النهاية بنتائج مرجوة.
  • الأخير: أنَّ فن الشعر هو المجال الأرحب الذي احتضن هذه المناهج في قراءته، وهو — بلا شك — أعرق الفنون الأدبية قاطبة، فقد بات يتمثَّل في جمالياته الفنية جماليات الفنون الأدبية الأخرى، بل والتشكيلية كذلك.

وما أريد أن أقوله في هذه الخاتمة: إنَّ هذا الكتاب يندرج تحت مظلة «نقد النقد» في مجال النقد الأدبي؛ مما ألزمني اتباع خطوات مُعينة؛ الأولى: التزمت بالحيادية في قراءتي للتطبيقات المتنوِّعة التي وردت في فصول الكتاب المُختلفة. الثانية: آثرتُ أن أقدم لكل منهجٍ نقدي أكثر من نموذجٍ تطبيقي بغرض التأكيد على مشروعية هذا المنهج أو ذاك في قراءة الشعر العربي. أما الأخيرة: فكان من الطبيعي أن يشتمل تعليقي في نهاية كل تطبيقٍ على ما يتميز به وما ألحظه عليه بغرض تحقيق الموضوعية النقدية.

وقد توصَّلت الدراسة إلى النتائج التي كانت قد طرَحَتْها في المقدمة في صيغة أسئلة، وهي كالآتي:
  • أولًا: أن المناهج النقدية التي تناولها هذا الكتاب في فصوله الأربعة هي المناهج التي طبَّقَها النقاد العرب في قراءة شعر التفعيلة وقد تبين — بعد هذه الدراسة — أنها صالحة لقراءته.

    أما ما يخصُّ المناهج الأخرى، فإنَّ النقد التفكيكي لا يصلُح نهائيًّا لدراسة الشعر العربي بما يقوم عليه من «اللعب الحر بالدوال» ومن «نسف للمراكز» وذلك لسببَين؛ الأول: أن المبادئ الإجرائية لهذا المنهج لا تتواءم مع لغة الشعر العربي المعاصر ذات المرجعية الواقعية. الأخير: أن عملية اللعب الحُر بالدوال تناولها المنهج السيميولوجي بقدْر كبير من القبول عندما أقر تعدُّد المدلولات للدالِّ الواحد، ولم يقُل بعدم نهائيتها، ومن ثَمَّ فإن المنهج التفكيكي يُعد — من وجهة نظري — إعادةً لما سبق، لكنها إعادة لا تتناسَب مع الشعر في البيئة العربية، حتى لو تلاءمت مع الترَف الحضاري في البيئة الغربية، والرغبة في اقتلاع الجذور ونسف المراكز تماشيًا مع الثقافة الأمريكية التي احتضنت مثل هذا التفكير؛ لدواعٍ تتعلق بنشأة أمريكا نفسها.

    أما منهج النقد النسائي، فقد تناول الكتاب جانبًا منه إذا أخذنا في الحسبان أنه يعني في أحد مفاهيمه، النقد الذي تُقدِّمه المرأة، في ثلاث قراءات للدكتورة يُمنى العيد والناقدة اعتدال عثمان والدكتورة فاطمة طحطح.

    كما أرى أنَّ منهج النقد الثقافي لم يُضف جديدًا إلى مجال الدراسات النقدية؛ وذلك لأنه إعادة للتوجيهات الماركسية التي تربط بين الفن والواقع. ولذلك يمكن النظر إلى أي قراءةٍ للشعر العربي على أنها قراءة ثقافية.

  • ثانيًا: لم يستخدم النقاد العرب هذه المناهج في قراءة الشعر إلا بعد تطويعها بما يتناسب مع جماليات الشعر العربي المُعاصر؛ إذ أدخلوا على مبادئها الإجرائية بعض التعديلات مثلما فعل الدكتور صلاح فضل مع المحور الاستبدالي في المنهج البنيوي، حين أجاز تجاور دالٍّ من حقلٍ دلالي ما مع دالٍّ من حقلٍ دلالي آخر. وكذلك ما ذهبت إليه القراءات البنيوية الثلاث من ربطٍ بين النص الشعري والواقع العربي، منافيةً بذلك البنيوية اللغوية التي ترى أن النص يجب أن يُحلَّل من داخله، بعيدًا عن أي مرجعياتٍ خارجية، ومُحقِّقة التوازن بين الإبداع الشعري والبيئة العربية التي نشأ فيها.

    وكذلك ما فعله الدكتور محمد عبد المطلب بعدم التزامه بحرفية المدارس الأسلوبية — التي اتجه بعضها إلى الاهتمام بالمبدع وإبراز سماته من خلال جماليات النص، في حين أرجع بعضها الآخر العملية الأسلوبية إلى القارئ كما قال بذلك ريفاتير — فجاءت قراءته في سياق اهتمامه بعناصر الإبداع الثلاثة: المبدع والنص والمتلقي.

  • ثالثًا: أثبت الكتاب أن هذه المناهج صالحة لقراءة الشعر العربي على مستوياته كلها، سواء على مستوى القصيدة أو مستوى الديوان أو مستوى الأعمال الكاملة، وقد اتضح ذلك من خلال التطبيقات المُتنوعة على صفحات هذا الكتاب.
١  لأن هذه المناهج كانت قد طُبقت على الفنون الأخرى، مثل القراءة البنيوية التي قدَّمتها الدكتورة هدى وصفي لرواية الشحَّاذ لنجيب محفوظ. انظر فصول، المجلد الأول، العدد الثاني، مرجع سابق، ١٨١–١٨٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤