الفصل الثاني

الأناجيل المعتمدة

إنجيل متَّى – إنجيل مرقس – إنجيل مرقس السري – إنجيل لوقا – إنجيل يوحنا – هل كان يسوع متزوجًا؟

***

بيَّنا في الفصل الأول أن الأناجيل المعتمدة Canoniques قسمان؛ إزائيَّة Synoptiques، وهي أناجيل متَّى ومرقس ولوقا، والقسم الثاني ويتألف من إنجيل واحد، هو إنجيل يوحنا، الذي يتميز بصفته الغنوصية وخصوصًا في مطلعه الذي يركز على تواحد يسوع بالكلمة الإلهي،١ الذي به كان خلق العالم وما فيه من نبات وحيوان وإنسان. وفيما يلي نعرض لكلٍّ من هذه الأناجيل الأربعة التي تشكِّل، هي وسفر «أعمال الرُّسل» ورسائل القدِّيس بولس ورسائل يوحنا وبطرس وسفر «الرؤيا»، ما يُعرف اليوم ﺑ «العهد الجديد».

(١) إنجيل متَّى

(١-١) مَن هو متَّى؟

لم يعد مقبولًا أن نقول اليوم إنه أحد تلاميذ المسيح؛ إذ يُستفاد من إنجيله أن الكاتب متبحِّر في الكتب المقدَّسة والتراث اليهودي، وأنه يعرف رؤساء شعبه، ويحترمهم، وإن أغلظ أحيانًا القول في مخاطبته لهم، كما أنه أستاذ في فنِّ التدريس وفي إفهام أقوال المسيح إلى مستمعيه، مع تأكيده الدائم على النتائج العملية لتعاليمه، وهو يتفق جدًّا مع ملامح يهودي متأدِّب اعتنق المسيحية، مُعلِّم حاذق «يُخرج من كنزه كل جديد وقديم»، كما يشير إلى هذا إنجيله نفسه (متَّى ١٣: ٥٢). تلك هي صورة بعيدة كل البُعد عن صورة الموظف البيروقراطي الذي يطلق عليه مرقس ولوقا اسمَ ليفي أو لاوي، الذي أصبح واحدًا من تلاميذ المسيح الاثني عشر.٢
متَّى، وأين كان تحرير إنجيل «متَّى»؟ يذهب المعلِّقون على الترجمة المسكونية للكتاب المقدَّس إلى أن إنجيل «متَّى» قد كُتب بسورية، وربما بأنطاكية (…) أو بفينيقية، فقد كان يعيش في هذه الأماكن عددٌ كبيرٌ من اليهود. ومن قراءتنا لهذا الإنجيل قد نستشفُّ معركةً فكريةً موجَّهةً ضدَّ اليهودية المعبدية الأرثوذكسية الفريسية، التي ظهرت بالمجمع الكنسي اليهودي الذي انعقد في بليدة جامنيا (أويمنيا) في نحو العام ٨٠م. في ظلِّ هذه الظروف يكثُر عدد الذين يؤرِّخون للإنجيل الأول بما بين ٨٠–٩٠م، أو ربما قبل ذلك بقليل، ولا يمكن الوصول إلى يقين تام في هذا الموضوع.٣
في الطبعة الكاثوليكية للكتاب المقدَّس، العهد الجديد؛ بيروت ١٩٦٩م، أن إنجيل «متَّى» كُتب في العام ٤٤م، ولعلَّ هذا في محاولةٍ لإيلاء مزيدٍ من الثقة بإنجيل متَّى، كونه كُتب بعد عشر سنوات من غياب المسيح، ويذهب أصحاب «الدم المقدَّس والكأس المقدَّس» إلى أنه كُتب في حوالي العام ٨٥م، وأن أكثر من نصفه مقتبَس من إنجيل مرقس، رغم أنه كُتب في الأصل باليونانية، وهو يعكس خصائص إغريقية. ويجب ألا يلتبس مؤلِّفه بالتلميذ المُسمَّى «متَّى» الذي يقدِّر أنه عاش في زمن أقدم، وربما لم يعرف سوى الآرامية،٤ وذلك خلافًا لما ذهبت إليه الطبعة الكاثوليكية؛ بيروت ١٩٦٩م، من أن إنجيل متَّى كُتب بالآرامية، وهي اللغة الدراجة عند اليهود في ذلك العصر، والتي بها خاطب يسوع الناس، والسريانية شديدة الشبه بها … ونقل المسيحيون الأوَّلون إنجيل «متَّى» إلى اليونانية، ثم فُقد الأصل الآرامي، وبقيت ترجمته اليونانية، وهي المُعوَّل عليها في البحث والنقل إلى سائر اللغات.

•••

مرَّ معنا أن يسوع، في هذا الإنجيل، قصر رسالته على «خراف بني إسرائيل الضالة»، وأنه أوصى أتباعه ألا يدخلوا مدينةً للسامريين، ولا إلى الوثنيين (الأمم)، وهذا ما جعل بعض العلماء يعُدُّون هذا الإنجيل معبِّرًا عن وجهة نظر اليهودية-المسيحية. يقول أ. تريكو: «تحت يونانية الثوب يكمن الكتاب يهوديًّا لحمًا وعظمًا وروحًا، يحمل آثار اليهودية، ويتسم بسماتها المميزة.»٥
الاعتبارات وحدها تضع أصل إنجيل متَّى داخل الجماعة اليهودية المسيحية «التي تحاول — على حدِّ قول أو. كولمان — أن تقطع العلاقات التي كانت تربطها باليهودية مع الاحتفاظ في نفس الوقت بخط مستمر مع العهد القديم».٦
في كتاب «الإيمان بالقيامة وقيامة الإيمان»، يقول الأب كاننجيسر: هناك أمورٌ يستحيل تصديقُها، ومع ذلك أوردها «متَّى» في إنجيله، منفردًا، حين يروي أن رجال السنهدرين قاموا برشوة الحرس الروماني الموكَّل بالسهر عند قبر يسوع، لكي يقولوا إن «يسوع لم يقُم من بين الأموات، وإنما جاء إليه أتباعه فسرقوا جثَّته والحرس نائمون» (متَّى ٢٧: ٦٢–٦٦، ٢٨: ١–١٥).٧

من قراءة هذه الرواية يتبيَّن أن جدالًا شديدًا بين أتباع يسوع وخصومه وقع بعد صَلْبه ودفنه، لكن الكاتب سحبه إلى ما قبل الحدث لكي يُكسِب «معجزة القيامة» مصداقيةً مقنعةً بالقول إنها كانت متوقَّعةً ومتنبَّأً بها من قبل، لكنه كان كالذي نصب لغيره فخًّا لكي يقع هو فيه. ولعلَّه يمكننا تصور حوار جرى بين رجال السنهدرين والحراس كما يلي:

– لماذا سمحتُم لأتباع يسوع أن يسرقوا جثَّته؟

– كنا نائمين!

– إذا كنتم نائمين، فكيف علمتم أن جثَّته قد سُرقت؟

– لأننا وجدنا القبر فارغًا، وها نحن أولاء نشهد بالذي أردتُم أن نشهد به عندما رشوتمونا: أن أتباع يسوع قد سرقوا جثَّته.

في الفصل ٢٧ من إنجيل «متَّى»، ابتداءً من العدد ٥١ إلى ٥٤، بعد عبارة «ولفظ الروح»، نقرأ ما يلي: «وإذا ستار الهيكل قد انشقَّ شطرين من الأعلى إلى الأسفل، وزُلزلت الأرض، وتصدَّعت الصخور، وتفتَّحت القبور، فقام كثيرٌ من أجساد القدِّيسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، فدخلوا المدينة المقدَّسة وتراءوا (وفي رواية: وظهروا) لأناسٍ كثيرين.»

نفهم من هذه الفِقَر ما يلي:

  • أولًا: انشقاق ستار الهيكل إلى نصفَين تصادف مع زلزلة الأرض، وتصدُّع الصخور، وتفتُّح القبور.
  • ثانيًا: يقوم كثيرٌ من أجساد القدِّيسين الراقدين عندما يلفظ الروح.
  • ثالثًا: يخرج الأموات من القبور بعد قيامته.
  • رابعًا: يدخلون المدينة المقدَّسة، ويتراءون لأناسٍ كثيرين.

من حقِّنا أن نتساءل لماذا يظهر القدِّيسون لأناسٍ كثيرين، ولا يظهرون ﻟ «متَّى» كاتب الإنجيل (إن كان هو كاتبه فعلًا)؟

إن هذا يقطع بأنه لم يكُن هو نفسه معاينًا لهذه الأحداث.

من الواضح أن كاتب إنجيل «متَّى» مسكون بهاجس مَقدِم المسيح و«نهاية العالم» أو «يوم القيامة»، وهو، كغيره من كتاب الأناجيل، ما انفكَّ يؤكد النبوءات التي اشتمل عليها «العهد القديم»، ويُسقِطها على يسوع في محاولةٍ منه لإقناع اليهود بأنه هو المسيح المُنتظَر.

(٢) إنجيل مرقس

(٢-١) مَن هو مرقس؟

لم يكُن أحد التلاميذ الاثني عشر، وربما كان أحد الاثنين والسبعين. كان له اسمان، أحدهما عبري وهو يوحنا، والثاني لاتيني وهو الذي عُرف به وأنه مؤلِّف الإنجيل المعروف باسمه.٨
يُعتقد أن مرقس، وهو مواطن من أورشليم، قد صحب القدِّيس بطرس إلى روما، وكان مساعدًا للقدِّيس بولس، وأنه تبعًا لذلك كتب إنجيله بين الأعوام ٦٥–٧٠م، كما تقول بذلك الترجمة المسكونية.٩
يُعتبر إنجيل مرقس أقدم الأناجيل المعتمَدة وأقصرها، وهو يحمل بصمةً بولسيةً لا تخطئ، وهو يتوجه إلى قُرَّاء إغريق ورومان، وقد كان تحريره في أثناء التمرد على الحكم الروماني ما بين أعوام ٦٦–٧٤م، الذي صُلب فيه آلاف اليهود. ويُعتقد أن مرقس لم يكُن يريد أن يظهر يسوع مناوئًا لروما، وذلك بُغيةَ ترويج إنجيله في أوساط الرومان، وهو ليس وحده في هذا التوجُّه، بل شاركه فيه سائر الإنجيليين، ليس هذا وحسب، وإنما سارت الكنيسة المسيحية الأولى أيضًا على هذا المنوال، لأنها لو لم تفعل ذلك لما قُدِّر للأناجيل ولا للكنيسة الاستمرار.١٠

•••

يُظهر النصُّ المرقسي عيبًا رئيسيًّا لا جدال فيه، يتمثل في عدم مراعاته لتعاقُب الأحداث من حيث الزمان، فهو يروي في بدايته (١: ١٦–٢٠) حكاية الصيادين الأربعة الذين يدعوهم المسيح لأن يتبعوه قائلًا لهم ببساطة «ستصيرون صيادي الناس»، على حين أنهم لم يكونوا يعرفونه.١١
ثم إن مرقس يتناقض مع متَّى ولوقا فيما يخصُّ بعض ما قِيل على لسان يسوع جوابًا على مطالبة الفريسيِّين له أن يأتيهم بآية (معجزة): «ما بال هذا الجيل يطلب آية؟ الحقَّ أقول لكم: لا يُجعل لهذا الجيل آية.» على نحو ما جاء في الفصل ٨، العدد ١٢.١٢ على حين أن «متَّى» يقول: «ثم كلَّمه بعض الكتبة والفريسيِّين فقالوا: يا مُعلِّم، نريد أن نرى منك آية، فأجابهم: جيل فاسد فاسق يطلب آية، ولن يُجعل له سوى آية النبي يونان (يونس)؛ فكما بقي يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، فكذلك يبقى ابن الإنسان في جوف الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال.»

يمكن تعليل العبارة الواردة في «مرقس» بأن ناسخًا جاء بعد مرقس سها عن تكملتها على وفق ما ورد في «متَّى»، خصوصًا وأن المناسبة واحدة، وهي طلب الإتيان بآية. وما يُعزِّز ما نذهب إليه أن العبارتين في «متَّى» و«مرقس» تبدأ إحداهما بنفيٍ يعقبه استثناء، والثانية بنفيٍ فقط «يُنتظر أن يليه استثناء» مماثل!

لكن ما لا يمكن تعليله أو فهمه أن خاتمة إنجيل مرقس، ابتداءً من العدد ٩ حتى ٢٠ من الفصل ١٦، أُضيفت على الأصل، إذ خلت منها أقدم مخطوطتَين كاملتَين للأناجيل، المعروفتَين باسم مخطوطة الفاتيكان Codex Vaticanus، ومخطوطة سيناء Codex Sinaiticus (الأولى محفوظة في الفاتيكان والثانية في المتحف البريطاني)، اللتين يرجع تاريخهما إلى القرن الرابع. بهذا الصدد، يقول أو. كولمان: «أُضيفت مخطوطاتٌ يونانيةٌ أقرب عهدًا، وبعض نصوص أخرى، إلى هذا الموضع من إنجيل مرقس جُعلت خاتمةً عن ظهور المسيح لا تنتسب إلى مرقس وإنما هي مُستخرَجة من أناجيل أخرى.»١٣

(٢-٢) إنجيل مرقس السري

فيما يتعلق بإنجيل مرقس، يبدو أن ممارسة الإضافة ليست هي وحدها التي تعرَّض لها هذا الإنجيل بالذات (وهذا لا ينفي تعرُّض الأناجيل الأخرى لمثل هذه الممارسة أيضًا)، بل هناك ممارسة حذف جزء هام كان يومًا متضمَّنًا في إنجيل مرقس. ففي عام ١٩٥٨م، عثر البروفسور مورتون سميث، من جامعة كولومبيا، في دير بالقرب من بيت المقدِس على رسالة اشتملت على قصافة مُنتزَعة من إنجيل مرقس، القصافة المُنتزَعة لم تكُن ضائعة، بل لقد أُخفيت عمدًا، بتحريض من الأسقف إكليمنضوس الإسكندري، أو بأمر صريح منه، وهو من أكثر آباء الكنيسة الأوائل موضعًا للتبجيل.

ويبدو أن إكليمنضوس كان قد تسلَّم رسالةً من تلميذٍ له، اسمه تيودورس، يشكو إليه فيها طائفةً غنوصية، هم الكربوقراط.١٤ ويبدو أن هؤلاء كانوا يؤوِّلون مقاطع معيَّنة من إنجيل مرقس بما يتفق مع مبادئهم الخاصة، وهي مبادئ تتنافى مع موقف إكليمنضوس وتيودورس. تبعًا لذلك، قام تيودورس بمهاجمة الكربوقراط، وأخطر إكليمنضوس بما فعل. وفي الرسالة التي عثر عليها البروفيسور سميث، يجيب إكليمنضوس تلميذه بما يلي:

لقد أحسنتَ صُنعًا إذ أسكتَّ تعاليم الكربوقراط التي يعفُّ عن ذكرها اللسان، فهؤلاء هم النجوم الضالة، الذين حدَّثت عنهم النبوءة، الذين ضلُّوا عن الطريق الضيق الذي أمرتْ به الوصايا، وسقطوا في الهاوية التي لا قرار لها، وهي هاوية الآثام التي يدعو اللحم والجسد، فهم إذ يفتخرون بأنهم يعرفون، كما يقولون، أشياء الشيطان العميقة، لا يدرون أنهم يلقون ويتبجَّحون بالقول إنهم أحرار، لكنهم في الحقيقة عبيد شهواتهم المُذِلَّة. مثل هؤلاء يجب مقاومتهم جميعًا وبكل الوسائل، فحتى لو قالوا شيئًا صحيحًا يجب ألا يوافقهم عليه مَن يحبُّون الحق، إذ ليس كل شيء حقًّا، ولا كل ما يبدو أنه حقٌّ وفقًا لعقول البشر ينبغي تفضيله على الحقِّ الصحيح الذي يتفق مع الإيمان.

على هذا الكلام يُعقِّب مؤلِّفو «الدم المقدَّس والكأس المقدَّس» بالقول: إنه لتصريحٌ غريبٌ ينطق به أبٌ لكنيسة. في الواقع إن إكليمنضوس لا يقول شيئًا أقلَّ من: «إن اتفق لخصمك أن قال حقًّا، فعليك أن تنكره، وأن تكذب لكي تدحض قوله.» لكن ليس هذا كل شيء. في المقطع التالي تمضي رسالة إكليمنضوس تناقش إنجيل مرقس وقيام الكربوقراط بإساءة استعماله، على ما يرى الأسقف الإسكندري:

فيما يتعلق بمرقس، في أثناء إقامة بطرس في روما كتب روايةً عن أعمال الرب، لكن دون أن يعلنها جميعًا، ولا أن يشير إلى ما هو سري منها، وإنما انتقى منها ما اعتقد أنه الأبديُّ من أجل زيادة إيمان الذين يتلقَّون التعليم، لكن عندما استُشهد بطرس، قَدِم مرقس إلى الإسكندرية، جالبًا معه مذكراته الخاصة، ومذكرات بطرس التي نقل منها إلى كتابه السابق الأشياء المناسبة لكل ما يهدي إلى تحقيق التقدم نحو المعرفة (الغنوص)، بذلك ألَّف إنجيلًا أكثر روحيةً يستعمله الذين يسيرون في طريق الكمال، وهو مع ذلك لم يكشف النقاب عن الأشياء التي لا يجوز البوح بها، ولا هو دوَّن التعليم الباطني الذي علَّمه الرب، بل أشاف إلى القصص التي سبق وأنْ دوَّنت قصصًا أخرى. وهو، زيادة على ذلك، جاء بأقوال معيَّنة مما علم أن تأويلها سوف يفضي، وهو العليم بالأسرار، بالمستمعين إلى قُدس أقداس الحقيقة المستترة وراء حُجُبٍ سبعة. بذلك أعاد، على وجه الإجمال، أعاد ترتيب المسائل، لا عن حقد ولا عن غفلة، في نظري، وعندما مات ترك مؤلَّفه إلى كنيسة الإسكندرية، حيث كانت المحافظة عليه على أشدِّ ما تكون، بحيث لا يُتلى إلا على الذين يجري اطلاعهم على الأسرار العظمى، لكنْ بما أن العفاريت القذرة كانت دائمًا تعدُّ العُدَّة لدمار الجنس البشري، قام الكربوقراط، وهم الذين تعلَّموا منهم ممارسة فنون الخداع، استرقوا كاهنًا من كنيسة الإسكندرية حتى حصلوا منه على نسخة من الإنجيل السري، فأوَّلوه بما يتفق مع عقيدتهم المجدِّفة المبنية على شهوات الجسد، وأكثر من هذا لوَّثوه إذ خلطوا كلماتٍ مقدَّسةً لا شَوْب فيها بأكاذيب ليس فيها حياء.

بهذا يقرُّ إكليمنضوس إقرارًا صريحًا بوجود إنجيل سري وأصلي لمرقس، ثم يطلب من تيودورس إنكاره:

لذلك يجب ألا يستسلم المرء لهم (الكربوقراط)، كما قلت أعلاه، ولا أن يسلم بأن الإنجيل السري هو من تأليف مرقس، عندما يطرحون أكاذيبهم، بل يجب أن ينكره إنكارًا شديدًا، ذلك أنه يجب ألَّا تُقال جميع الأشياء الصحيحة إلى جميع الناس.

ماذا كان هذا الإنجيل السري الذي أمر إكليمنضوس تلميذه أن يتبرأ ويفسره الكربوقراط تفسيرًا فاسدًا؟

عن هذا السؤال يجيب إكليمنضوس جوابًا يتضمن نصَّ الإنجيل السري كلمةً كلمة:

لذلك، لن تردِّد في إجابتك عن الأسئلة التي سألتها، داحضًا للأكاذيب بواسطة نفس كلمات الإنجيل، فمثلًا بعد عبارة «وكانوا في الطريق ذاهبين إلى أورشليم»، وما يليها إلى قوله «بعد ثلاثة أيام سوف يقوم»، يورد الإنجيل السري المادة التالية: «ثم جاءوا إلى بيت عنيا، وكان هناك امرأةٌ مات أخوها، سجدت أمام يسوع قائلةً: «يا ابن داود ارحمني!» لكن التلاميذ وبَّخوها، مما أغضب يسوع الذي انطلق معها إلى البستان الذي يوجَد فيه القبر، ثم سُمعت صرخةٌ عاليةٌ من باب القبر. دنا يسوع من القبر، وأزاح الحجر عنه، ثم مدَّ يده، وانتشل الميت من القبر رافعًا إياه إلى أعلى. لكن الفتى، وهو ينظر إليه، أحبَّه، وراح يتوسل إليه أن يكون في صُحبته. وبعد أن خرجا من القبر دخلا منزل الفتى، وكان من الأغنياء. وبعد ستة أيامٍ أعلَمَه يسوع بما ينبغي عمله، وعند المساء جاء إليه الفتى، وقد لفَّ جسده العاري بقماشٍ من كتاب، وبات معه تلك الليلة؛ ذلك أن يسوع قد علَّمه سرَّ ملكوت الله. ومن ثَم نهض، وعاد إلى الضفة الأخرى من الأردن».

يُعقِّب على ذلك أصحاب «الدم المقدَّس والكأس المقدَّس» بالقول: لا تظهر هذه الحكاية في أيٍّ من روايات إنجيل مرقس الراهنة، لكنها في خطوطها العريضة مألوفةٌ تمامًا. هي، طبعًا، إقامة اليعازر الموصوفة في الإنجيل الرابع المنسوب إلى يوحنا، لكن في الرواية المقبوسة بعض تنويعاتٍ هامَّة؛ في المحلِّ الأول، هناك «صرخة عالية» صدرت عن القبر قبل أن يعمد يسوع إلى إزاحة الحجر، أو يأمر المدفون بالخروج، هذا يبين بوضوح أن المدفون لم يكُن ميتًا، وبذلك، وبضربةٍ واحدة، ينتفي عنصر المعجزة. في المحلِّ الثاني، يبدو أن هناك شيئًا ما حول اليعازر يحملنا على الاعتقاد أن هناك أكثر مما اشتملت عليه الروايات المقبولة عنه. بكل تأكيد، يشهد المقطع المقبوس لعلاقة خاصة بين الرجل المدفون في القبر، والرجل الذي «بعثه حيًّا»، ولعلَّ القارئ الحديث تحدِّثه نفسه أن يرى في ذلك شيئًا من المثليَّة. من الممكن أن يكون الكربوقراط — وهم يتطلعون إلى تجاوز الحواس بواسطة إشباع الحواس — قد ميَّزوا تحديدًا مثل هذه الإشارة، لكن البروفيسور سميث يخالف هذا الاحتمال؛ إذ يرى في ذلك تنسيبًا نموذجيًّا لمدرسة أسرارية موتًا وبعثًا طقسيَّيْن ورمزيَّيْن من النوع الذي كان سائدًا في الشرق الأوسط في ذلك الحين.

في الأحوال كلها، الشيء المهمُّ أن هذه القصة، والمقطع المقبوس أعلاه، لا يظهران في أيِّ ترجمة حديثة مقبولة لإنجيل مرقس. والحق أن الإشارات الوحيدة إلى اليعازر في «العهد الجديد» إنما جاءت في الإنجيل المنسوب إلى يوحنا. بذلك تتضح أسباب قبول نصيحة إكليمنضوس لتيودوروس وحده، وإنما نصيحة السُّلطات التي جاءت بعده. بكل بساطة حُذفت حادثة اليعازر برُمَّتها من إنجيل مرقس.

لئنْ كان إنجيل مرقس قد جرى تنقيحه على هذا النحو العنيف، لقد حمل أيضًا إضافاتٍ زائفة. في روايته الأصلية، ينتهي بالصَّلب والدَّفن والقبر الخاوي، ليس فيه مشهدٌ لقيامة ولا اجتماع مع التلاميذ. صحيحٌ أن هناك كتبًا مقدَّسة معيَّنة حديثة تحتوي على خاتمة لإنجيل مرقس أكثر تقليدية — خاتمة تتضمن «القيامة» — لكن فعليًّا، يتفق جميع علماء الكتاب المقدَّس الحديثين على أن هذه الخاتمة الممدودة إضافة متأخرة يرجع تاريخها إلى أواخر القرن الثاني، أُلحقت بالوثيقة الأصلية.

يتابع مؤلِّفو «الدم المقدَّس والكأس المقدَّس»: بهذا يمدُّنا إنجيل مرقس بمثالَين عن وثيقة مقدَّسة يفترض أن الله قد أوحى بها، تعرضت للعبث بها والتحرير والحذف والتنقيح على أيدٍ بشرية. ثم إن هاتين الحالتين ليستا من قبيل التكهُّن، بل هما الآن مقبولتان من العلماء من حيث البرهنة عليهما وإثباتهما. هل بوسع أحد أن يحسب إنجيل مرقس هو الوحيد الذي تعرَّض للتبديل؟ من الواضح أنه إن كان إنجيل مرقس قد عُبث به على هذا النحو من السهولة، فإن من حقنا القول إن الأناجيل الأخرى قد عُومِلت على نحوٍ مماثل.١٥

(٣) إنجيل لوقا

(٣-١) مَن هو لوقا؟

أديب وثني آمن بالمسيحية. يعترف في مطلع إنجيله أنه لم يكُن شاهدًا معاينًا للكلمة (يسوع)، وإنما ينقل عمَّن كانوا معاينين. كما يشير أو. كولمان أن لوقا يحذف من روايته أكثر الآيات اليهودية عند مرقس، ويُبرز كلمات المسيح في مواجهة كفر اليهود وعلاقاته الطيبة مع السامريين الذين يمقتهم اليهود، هذا على حين يقول «متَّى» في إنجيله إن المسيح طلب إلى تلاميذه أن يتجنبوا السامريين (متَّى ١٠: ٥-٦)، وهذا مثال جلي، من أمثلة كثيرة، على أن المبشرين يضعون على لسان المسيح ما يتناسب مع وجهات نظرهم الشخصية، وهم يفعلون ذلك — ولا شك — باقتناع مخلص، وبذلك يعطوننا عن أقوال المسيح الرواية التي تتكيف مع وجهات نظرهم، بل وجهات نظر الطوائف التي ينتمون إليها.١٦
وُلد لوقا لأبوَين يونانيَّين في أنطاكية/سورية، وهي المدينة التي تَسمَّى بها أتباع يسوع بالمسيحيين. كان معاونًا للقدِّيس بولس، لازَمَه حتى آخر يوم من حياته. ولوقا هذا هو نفسه كاتب سفر «أعمال الرُّسل».١٧
متى كتب لوقا إنجيله؟
يمكن تقدير تاريخ كتابة إنجيل لوقا بالنظر إلى عدَّة عوامل؛ فقد استعان لوقا بإنجيل مرقس ومتَّى، ويبدو أنه — على ما تقول الترجمة المسكونية — قد عايش حصار أورشليم وتدميرها على يد جيش طيطُس عام ٧٠م، وعلى هذا يكون هذا الإنجيل لاحقًا على التاريخ المذكور. ويحدِّد النقاد الحاليُّون، غالبًا، تاريخ تحريره بين ٨٠–٩٠م.١٨
فيما يتعلق بنَسب المسيح، خلافًا ﻟ «متَّى» الذي يبدأ شجرة نسب يسوع بإبراهيم، يذهب لوقا بنَسبه إلى آدم، مع التقاء شجرة النَّسب عند الاثنين بالملك داود. الأول، متَّى، يهودي آمَن بالمسيح، ويريد من ذلك القول أو التوكيد بأن يسوع هو المسيح الذي كان ينتظره اليهود. أمَّا الثاني، لوقا، وهو الذي اعتنق المسيحية، فلم يكُن عنده هاجس اليهود ومحدودية الرسالة، بل عالميتها.١٩

يتناقض لوقا مع نفسه في تعيين تاريخ صعود المسيح إلى السماء، بين الإنجيل المعروف باسمه وبين سِفر «أعمال الرُّسل» الذي يؤكد أنه هو كاتبه.

ففي الإنجيل يصعد المسيح إلى السماء في يوم قيامته، أيْ في يوم الفِصح اليهودي. أمَّا في «أعمال الرُّسل» فيصعد بعد أربعين يومًا من آلام المسيح.٢٠
إن ما يستوقف القارئ المسلم في إنجيل لوقا هذا التطابق التام، تقريبًا، بين ما أورده القرآن الكريم من حوار بين الملاك جبرائيل وزكريا من جهة، وبين الملاك نفسه والسيدة العذراء من جهة ثانية، بخصوص الولادة العجائبية التي كان منها النبي يوحنا المعمدان (سيدنا يحيى)، والولادة العجائبية الأعجب التي جاء منها يسوع (سيدنا عيسى). وفيما يلي نوجز ما اشتمل عليه الفصل الأول من إنجيل لوقا بهذا الخصوص:
ملاك الرب، جبرائيل، يبشر زكريا، وهو قائم يصلي في الهيكل، بأن الله قد استجاب لدعائه، ولسوف يهبُه ولدًا يتصف بالتقوى والصلاح من زوجته العاقر، أليصابات، وسوف يسميه يوحنا (يحيى)، وهو اسمٌ غير معروف في رهط زكريا. ولمَّا يخرج زكريا من الهيكل يُصاب بالخرس، فلا يكلِّم الناس إلا بالإشارة، فيعلمون أن ملاك الربِّ قد ظهر عليه. ثم بعد ستة أشهر يتراءى نفس الملاك للسيدة مريم العذراء وهي في مدينة الناصرة، ويبشرها بأنها سوف تحبل، وتلد ابنًا يُدعى يسوع، يكون عظيمًا، وابن العلي يُدعى. ولمَّا تقول له العذراء إنها لا تعرف رجلًا، يجيبها الملاك أن الروح القدس يحلُّ بها، وقدرة العلي تظلِّلها … وما من شيء يُعجز الله.

(٤) انجيل يوحنا

(٤-١) مَن هو يوحنا؟

في الأدب الكنسي أن يوحنا وُلد في مدينةٍ على شاطئ بحيرة طبريا، يُرجَّح أنه بيت صيدا، مدينة بطرس وأخيه اندراوس. وكان أبوه صيادًا له سفينة وشِبَاك وأجراء. وكانت أمُّه سالومة من النساء اللواتي تبعن يسوع (متَّى ٥٧: ٥٦)، وساعدنه بأموالهن (لوقا ٨: ٣). وعمل يوحنا وأخوه يعقوب مع أبيهما زَبَدِي في صيد السمك (مرقس ١: ١٩-٢٠)، وكانا شريكَين لسمعان بطرس (لوقا ٥: ٧ و١٠). وتتلمذ يوحنا بن زبدي ليوحنا المعمدان بن زكريا قبل أن يتتلمذ ليسوع.٢١
غير أن بعض الدارسين من العلمانيين يذهبون إلى أنْ لا شيء معروفٌ عن مؤلِّف الإنجيل الرابع، وأن ليس ثمة ما يدعو إلى الافتراض أن اسمه يوحنا. فيما عدا يوحنا المعمدان، لا نجد اسم يوحنا مذكورًا في الإنجيل نفسه، وأن نسبة هذا الإنجيل إلى رجل اسمه يوحنا أمر مقبول عمومًا في مأثور متأخر. إن الإنجيل الرابع هو آخر الأناجيل التي يضمُّها سِفر «العهد الجديد»، وكان تأليفه في حوالي العام ١٠٠ للميلاد، في جوار مدينة أفسس من بلاد الإغريق. يخلو هذا الإنجيل من مشهد الميلاد؛ إذ لا يتطرق إلى ولادة يسوع العجائبية، وفاتحته تحمل طابعًا غنوصيًّا، والنصُّ ذو سمة سرَّانية أكثر من الأناجيل الأخرى، وكذلك يختلف عنها من حيث المحتوى، بينما تنصبُّ الأناجيل الأخرى في الدرجة الأولى على فعاليات يسوع في مقاطعة الجليل من شمالي فلسطين، وتعكس ما يبدو أنه معلومات ثانية أو ثالثة عن حوادث في الجنوب، في اليهودية وأورشليم، بما في ذلك حادث الصَّلْب، على حين لا يقول الإنجيل الرابع إلا شيئًا قليلًا نسبيًّا عن الجليل، لكنه يُسهِب في سرد حوادث جرت في اليهودية، وفي أورشليم، حيث كانت فيها نهاية حياة يسوع، وربما اشتملت روايته عن الصَّلْب في النهاية إلى شهادة مُعاين أول من نوعٍ ما. ثم إنه تضمَّن عددًا من الحوادث لا تظهر في الأناجيل الأخرى، من ذلك مثلًا العُرس في قانا الجليل ودور نيقوديموس ويوسف الرامي في مكان دفن يسوع وقيامة اليعازر. على أساس مثل هذه العوامل، ذهب الدارسون الحديثون إلى أن إنجيل يوحنا، على الرغم من تأليفه المتأخر، ربما كان أوثق وأدقَّ الأناجيل الأربعة من وجهة نظر تاريخية.٢٢
ما يلفت في الإنجيل الرابع ظهورُ المسيح لتلامذته على بحيرة طبرية بعد قيامته من الأموات (يوحنا ٢١: ١–٤)، وليست هذه الرواية إلا نقلًا مع كثير من التفاصيل الإضافية لمعجزة الصيد التي رواها لوقا في إنجيله (٥: ١–١١)، كحادثةٍ وقعت في حياة المسيح، وفيها يشير لوقا إلى وجود يوحنا التلميذ، الذي هو صاحب الإنجيل المسمَّى باسمه على ما يقول التقليد. إن إدراج هذه الرواية في الفصل الحادي والعشرين الذي يتفق الجميع على أنه إضافة لاحقة قد دفع بالمؤلِّف إلى ضمِّ اسم يوحنا، بشكل مصطنع، إلى الإنجيل الرابع؛ ولذلك لم يتردَّد مُعدِّل النصِّ الإنجيلي في تحويل حدثٍ وقع في حياة المسيح إلى روايةٍ حدثت بعد حياته.٢٣

وما يلفت في الإنجيل الرابع أيضًا غيابُ «تأسيس سرِّ القربان المقدَّس».

وإن خلوَّ إنجيل يوحنا من ذكر تأسيس القربان المقدَّس، مع أن الأيقونات تصوِّر يوحنا التلميذ جالسًا إلى جانب المسيح في العشاء الأخير، قد حمل بعض الدارسين على القول إن يوحنا هذا ليس هو مؤلِّف الإنجيل المعروف بإنجيل يوحنا؛ على الرغم من أن الأناجيل الإزائية الثلاثة الأخرى قد أتت على ذكر القربان المقدَّس مع تفاوتٍ طفيفٍ في الرواية.٢٤

(٤-٢) هل كان يسوع متزوجًا؟

في الإنجيل الرابع حادثة ذات صلة بزواج قد يكون في الواقع عُرس يسوع، هذه الحادثة هي بالطبع عرس قانا الجليل، وهي حكاية مألوفة تمامًا، لكن، مع كل مألوفيتها، برزت فيها مسائل معيَّنة مصاحبة لها تسوِّغ لنا النظر فيها.٢٥

من رواية الإنجيل الرابع، يبدو لنا عُرس قانا حفلةً محليةً متواضعة، عُرسًا قرويًّا نموذجيًّا، يظلُّ فيها العروسان مجهولَين.

إلى هذا العُرس يُدعى يسوع بصفة خاصة، وهو شيء ينطوي على شيء من الغرابة ربما؛ ذلك لأنه لم يكُن حتى حينئذٍ قد باشر دعوته (أو كِرازته بحسب المصطلح المسيحي). لكن الأغرب من هذا أن تحضر هذا العُرس أمُّه، وأن يكون حضورها أمرًا مسلَّمًا به، وهو، بالقطع، أمر ليس له تفسير.٢٦
أكثر من هذا، أن مريم لا تقف عند حدِّ الاقتراح على ابنها، بل إنها تأمره، أن يعيد مَلْء الخمر، فهي تتصرف كما لو كانت هي المضيفة: «ومسَّت الحاجة إلى الخمر، لأن خمرة العُرس نفدت، فقالت ليسوع أمُّه: لم يبقَ عندهم خمر، فقال لها يسوع: ما لي ولك أيتها المرأة؟ لم تأتِ ساعتي بعد. فقالت أمُّه للخدم: افعلوا ما يأمركم به» (يوحنا ٢: ٣-٤). انصاع الخدم للأمر على الفور، تمامًا كما لو أنهم اعتادوا تلقِّي الأوامر من مريم ومن يسوع.٢٧
على الرغم من محاولة يسوع البادية التنكُّر لأمِّه، تظلُّ كلمة مريم هي النافذة، يقوم يسوع باجتراع أولى معجزاته الكبرى؛ تحويل الماء خمرًا. بمقدار ما يتعلق الأمر بالأناجيل، لم يكُن يسوع حتى يومئذٍ قد كشف عمَّا فيه من قوًى خارقة، وليس هناك من سببٍ يدعو مريم إلى حسبان امتلاك يسوع لمثل هذه القوى. لكن، حتى ولو كانت هذه القوى موجودة، فلماذا تسخر مثل هذه المواهب الفريدة والقُدسية لغرضٍ فيه مثل هذا الابتذال؟ وأهمُّ من هذا، لماذا يأخذ «ضيفان» اثنان في عُرس على مسئوليتهما القيامَ بالخدمة، وهي مسئوليةٌ تقضي العادة أن يتولاها صاحب الدعوة، وهو المضيف، اللهم إلا أن يكون عُرس قانا الجليل هو عرس يسوع نفسه. في هذه الحالة، يكون من مسئوليته أن يعيد مَلْء الخمر.٢٨

ثمة دليل آخر على أن عُرس قانا كان في واقع الأمر عُرس يسوع نفسه؛ فبعد حدوث المعجزة مباشرةً، ذاق وكيل المائدة الماء الذي صار خمرًا، ودعا العروس (= العريس)، وقال له: «جرت عادة الناس أن يقرِّبوا الخمرة الجيدة أولًا، حتى إذا أُخذ منهم الشراب قرَّبوا ما دونها في الجودة. أمَّا أنت فأخَّرت الخمرة الجيدة إلى الآن» (يوحنا ٢: ٩-١٠).

يبدو أن هذه الكلمات قد خُوطِب بها يسوع، لكن الإنجيل يقول إن العروس (= العريس) هو مَن خُوطِب بها، والنتيجة البيِّنة هي أن يسوع والعروس هما الشخص نفسه.

١  «الكلمة»، عند المسيحيي ن، مؤنث لفظي، مذكر معنوي.
٢  بوكاي، ع: ص٨١، ف: ص٧٠.
٣  بوكاي، ع: ص٨١، ف: ص٧٠.
٤  Michael Baigent, Richard Leigh and Henry Lincoln, The Holy Blood and The Holy Grail, London, 1982, p. 289.
٥  بوكاي، ع: ص٨٠، ف: ص٦٩.
٦  بوكاي، ٤: ص٨٠، ف: ص٦٩.
٧  بوكاي، ع: ص٨٢، ف: ٧١-٧٢.
٨  الكتاب المقدَّس، العهد الجديد، المطبعة الكاثوليكية، بيروت ١٩٦٩م.
٩  بوكاي، ع: ص٨٥، ف: ص٧٣.
١٠  د. م، ك. م، ص٢٨٨-٢٨٩.
١١  بوكاي، ع: ص٨٥، ف: ص٧٣.
١٢  انظر أيضًا: «لوقا» ٧: ٢٢ و١١: ٢٠.
١٣  بوكاي، ع: ص٨٦، ف: ص٧٤.
١٤  كان هؤلاء فِرقةً تقول «إن عيسى لم يُصلب، بل صُلب أحد أتباعه الذي يشبهه كل الشبه.» انظر: محمد عطاء الرحيم، عيسى يبشر بالإسلام، ترجمة وتعريب فهمي م. شما، دمشق ١٩٩٠م، ص٦٩. عنوان الكتاب بالإنكليزية: Jesus, Prophet of Islam.
١٥  هذا الفصل المتعلق بإنجيل مرقس السري نقلناه بكامله معربًا عن The Holy Blood and The Holy Grail By Michael Baigent, Richard Leigh and Henry Lincoln, London, 1982, pp. 279–283. وقد رمزنا إلى هذا المرجع بالأحرف العربية: (د. م)، (ك. م) لكي تدلَّ «الدال» على الدم و «الكاف» على الكأس، وهذه الرموز ترجمة لتعريب العنوان: الدم المقدَّس والكأس المقدَّس.
١٦  بوكاي، ع: ص٨٨، ف: ص٧٥.
١٧  العهد الجديد، بيروت ١٩٦٩م.
١٨  بوكاي، ع: ص٨٨، ف: ص٧٦.
١٩  بوكاي، ع: ص٨٩، ف: ص٧٦.
٢٠  المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
٢١  الكتاب المقدَّس، العهد الجديد، الطبعة الكاثوليكية لعام ١٩٦٩م، بيروت.
٢٢  د. م، ك. م، ص٢٨٩-٢٩٠.
٢٣  بوكاي، ع: ص٩٢، ف: ص٧٩. الطبعة الكاثوليكية لكتاب العهد الجديد، بيروت ١٩٦٩م، تضع الفصل ٢١ من إنجيل يوحنا تحت عنوان «ملحق».
٢٤  بوكاي، ع: ص١١٨، ف: ص٧٩. انظر أيضًا: متَّى ٢٦: ٢٦-٢٧، مرقس ١٤: ٢٢–٢٤، لوقا ٢٢: ١٩–٢٤.
٢٥  د. م، ك. م، ص٢٩٢.
٢٦  د. م، ك. م، ص٢٩٢-٢٩٣.
٢٧  المرجع السابق نفسه، ص٢٩٣.
٢٨  د. م، ك. م، ص٢٩٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤