الفصل الثالث

الأناجيل غير المعتمدة

إنجيل بطرس – إنجيل لوقا – إنجيل مريم – إنجيل فيليبس.
أناجيل الطفولة: إنجيل يعقوب – إنجيل متَّى المنحول – إنجيل الطفولة المنحول إلى توما – إنجيل الطفولة اللاتيني – إنجيل الطفولة العربي – إنجيل راعي هرماس.

***

الأناجيل غير المعتمدة، أو «الأبوكريف»، هي الأناجيل التي لا تعترف بها الكنيسة سندًا للإيمان المسيحي، وقد تأخذ بها على سبيل الاستئناس، وهي كثيرة. من أهمها إنجيل بطرس، وأناجيل الطفولة، وإنجيل توما، وإنجيل مريم، وإنجيل فيليبس.

باتت كلمة «أبوكريف» Apocryphe تعني في أيامنا مرادفة ﻟ «مزور» أو «كاذب»، وكانت، فيما مضى، تعني شيئًا آخر. النصُّ الأبوكريف كان يعني أنه أثمن من أن يُوضَع بين أيدي عامَّة القُرَّاء، وإنما يجب حفظه وقفًا على مَن هم مؤهلون لتسلُّم الأسرار، أيْ على الدائرة الضيِّقة من المؤمنين. والنصوص التي كانت تُتلى علنًا في الكنائس والمكاتب أصبحت فجأةً نصوصًا سريةً، خصوصًا بعد المرسوم الجيلازي، لكن هذه النصوص ظلَّ يتناقلها بعض الرُّهبان غير الملتزمين بعقيدة السُّلطة على مدى قرون، حتى توفَّر لدينا منها اليوم رواياتٌ قبطية، وسلافية، وعربية، وفارسية.١
يرى بعض الدارسين أن كتب «العهد الجديد» التي تعتمدها الكنيسة ما هي إلا نخبةٌ من الوثائق المسيحية الأولى ترجع في تاريخها إلى القرن الرابع الميلادي، وأن هناك عددًا كبيرًا من أعمال أخرى أقدم تاريخًا في صورته الراهنة، بعضُها يلقي ضوءًا هامًّا، وغالبًا خلافيًّا، على الروايات المقبولة.٢

فهناك، على سبيل المثال، الكتب المختلفة التي استُبعدت من «الكتاب المقدَّس»، ويتألف منها ما يُعرف اليوم باسم «الأبوكريف».

بعض الأعمال التي اشتملت عليها «الأبوكريف» مُسلَّم بقِدَمها، إذ يرجع تاريخها إلى القرن السادس، غير أن بعضها الآخر كان يجري تداوله في وقتٍ باكر يرجع إلى القرن الثاني، وأن من حقِّها الاعتراف بها على قدم المساواة مع الأناجيل المعتمدة.٣

(١) إنجيل بطرس

من هذه الأعمال إنجيل بطرس، الذي عُثر على أول نسخة منه في وادي النيل الأعلى في العام ١٨٨٦ للميلاد، وقد ذكره أسقف أنطاكية في العام ١٨٠م. وفقًا لهذا الإنجيل الأبوكريف، كان يوسف الرامي صديقًا مقرَّبًا من بيلاطس البنطي، الحاكم الروماني الذي قضى بصَلْب يسوع، وهو أمر، إنْ صحَّ، يُقوِّي من احتمال أن يكون فعل الصَّلْب خداعًا. كذلك يروي إنجيل بطرس أن القبر الذي دُفن فيه يسوع في مكان يُسمَّى «بستان يوسف»، وأن الكلمات الأخيرة التي نطق بها يسوع على الصليب تستدعي التوقف عندها: «قوتي، قوتي، لماذا خذلتني؟»٤

(٢) إنجيل توما

في كانون الأول (ديسمبر) من عام ١٩٤٥م، بينما كان فلاح مصري يحفر باحثًا عن تربة ناعمة خصبة بالقرب من نجع حمادي بمصر العُليا، نبش عن جرَّة مصنوعة من الغضار الأحمر، اتضح أنها تحتوي على ثلاث عشرة مخطوطةً — أوراق بردي أو لفائف — محبوكة بالجلد. الفلاح، غير عارف بأهمية ما قد كشف عنه، اتَّخذ من المخطوطات وقودًا يضرم بها النار. غير أن ما بقي منها، في نهاية الأمر، جذب انتباه الخبراء. عُرضت إحداها للبيع في السوق السوداء بعد أن تم تهريبها من مصر، فتبيَّن أن جزءًا من هذه المخطوطة، التي اشترتها مؤسسة ل. غ. يونغ، يحتوي على ما بات يُعرف اليوم بإنجيل توما.

في هذه الأثناء قامت الحكومة المصرية بتأميم ما تبقَّى من مجموعة نجع حمادي في العام ١٩٥٢م. وفي عام ١٩٦١م، تنادَى فريق دولي من الخبراء إلى اجتماع لكي يتولى نَسْخ وترجمة جسم المادة برمَّتها. وفي عام ١٩٧٢م، ظهر أول مجلد في طبعة فوتوغرافية. وفي عام ١٩٧٧م، ظهرت مجموعة اللفائف كلها مترجمة إلى الإنكليزية لأول مرة.

لفائف نجع حمادي هي مجموعة نصوص مقدَّسة، ذات طابع غنوصي في الأساس، يبدو أنها ترجع في تاريخها إلى أواخر القرن الرابع أو أوائل الخامس — إلى حوالي ٤٠٠ للميلاد — واللفائف منسوخات، أمَّا الأصائل المنسوخ عنها، فتعود إلى زمنٍ أقدم بكثير. بعضها، مثلًا، إنجيل توما، وإنجيل الحقيقة، وإنجيل المصريين، ذكره أوائل آباء الكنيسة مثل إكليمنضوس الإسكندري وإيرينيوس وأوريجانوس، لكن بعض الدارسين، إن لم يكُن جُلَّهم، يذهب إلى أن اللفائف ترجع إلى تاريخ غير متأخر عن العام ١٥٠ للميلاد. وأن واحدةً منها، على الأقل، قد تشتمل على مادة أقدم حتى من الأناجيل الأربعة التي يتضمنها «العهد الجديد».٥

إن مجموعة نجع حمادي، إذا أُخِذت مجتمعة، تكون مخزونًا لا يُقدَّر بثمن من الوثائق المسيحية الأولى، بعضُها قد يتمتع بمرجعية تُضاهي مرجعية الأناجيل. أكثر من هذا، بعض هذه الوثائق من حقِّه الادَّعاء بصحة فريدة خاصة، في المحل الأول، نجت من الحذف والتحريف اللذَين قامت بهما في وقت لاحق الكنيسة الرومانية، في المحل الثاني، كانت هذه الوثائق مؤلَّفة في الأصل لكي تُقرأ على جمهور مصري غير روماني، وبالتالي خلَت من الالتواءات والتحريفات التي تستريح إليها الأذن الرومانية.

أخيرًا، يمكن القول، في شيء من ثقة، إنها تستند إلى مصادر شهود مُعاينين و/أو مصادر مباشرة؛ روايات شفهية نقلها يهود هربوا من الأرض المقدَّسة، وربما حتى من معارف شخصيِّين ليسوع أو أصدقاء له، ممَّن كان بوسعهم رواية قصتهم بأمانة تاريخية لا يسع الأناجيل أن تتمسك بها.٦
لذلك، لا غرابة أن تشتمل لفائف نجع حمادي على مقاطع كثيرة معادية للأرثوذكسية، ففي إحدى المخطوطات غير المؤرَّخة، مثلًا، المبحث الثاني لشيث الكبير، يوصَف يسوع بالتحديد كما هو موصوف في هرطقة باسيليدس، حيث ينجو من الموت على الصليب بفضل بديلٍ حاذق. في النبذة التالية، يتكلم يسوع بلسانه:
لم أخضَعْ لهم كما أرادوا … وأنا لم أمُت في الواقع، بل في الظاهر، لكيلا يُلحقوا بي العار … لأن موتي الذي ظنُّوا أنهم أوقعوه بي، إنما أوقعوه بأنفسهم في خطئهم والعمى، إذ مَسْمروا رجلهم على موتهم … لقد كان شخصًا آخر الذي شرب المُرَّ والخل، لم يكُن إياي. ضربوني بالقصب، لقد كان شخصًا آخر، هو شمعون، الذي حمل الصليب على كتفه. لقد كان شخصًا آخر الذي وضعوا على رأسه التاج والشوك … وأنا كنت أضحك من جهلهم.٧

(٣) إنجيل مريم

من إنجيل مريم، الذي اشتملت عليه مجموعة نجع حمادي، يلتمس أصحاب «الدم المقدَّس والكأس المقدَّس» دليلًا يعزِّزون به نظريتهم الرامية إلى إثبات أن السيد المسيح كان متزوجًا، وأن زوجته هي مريم المجدلية. وقد مرَّ معنا أن عُرس قانا الجليل، حيث أحال المسيح الماء خمرًا، ربما كان عُرس يسوع نفسه قبل أن يباشر دعوته. والفقرة التي يقتبسها المؤلِّفون المُشار إليهم من إنجيل مريم يوظفونها لهذا الغرض. في إنجيل مريم يخاطب القدِّيس بطرس مريم المجدلية قائلًا: أختاه، نحن نعلم أن المخلِّص أحبَّك أكثر من سائر النساء. قولي لنا كلمات المخلِّص التي تذكرينها، الكلمات التي تعلمينها، ولا نعلمها.
ثم يتوجه بطرس إلى التلاميذ الآخرين سائلًا إياهم في غضب: هل حقًّا تناجَى سرًّا مع امرأة، ولم يكلِّمها في العلن؟ هل علينا أن نستدير، ونصغي جميعًا إليها؟ هل آثَرَها علينا؟
ثم يردُّ عليه أحد التلاميذ قائلًا: نؤكد لك أن المخلِّص يعرفها جيدًا، وهذا هو سبب حُبِّه لها أكثر منَّا.٨

(٤) إنجيل فيليبس

في إنجيل فيليبس تظهر أسباب هذا العداء في وضوح تام، فهناك، مثلًا، تكرار لتوكيد على صورة حُجرة الزوجية. بحسب هذا الإنجيل، فعل الربُّ كل شيء سرًّا، معموديةً وتطييبًا ومناوَلةً وفداءً وحُجرةً زوجية.

يقول أصحاب «الدم المقدَّس والكأس المقدَّس»: نسلِّم جدلًا بأن حُجرة الزوجية قد تبدو، لأول وهلة، رمزًا أو مجازًا، لكن إنجيل فيليبس يبدو أكثر صراحة: هناك ثلاثة كانوا يمشون دائمًا مع الرب؛ هم مريم أمُّه، وأختها، والمجدلية، وهي التي كانت تُدعى رفيقته. بحسب أحد الدارسين، كلمة «رفيقة» يجب أن تُترجم ﺑ «زوجة»، وأن هناك أُسُسًا تجعلنا نترجمها على هذا النحو، فإنجيل فيليبس، كما بيَّنا هو أكثر صراحةً إذ يقول:
ورفيقة المخلِّص هي مريم المجدلية، لكن المسيح أحبَّها أكثر من جميع التلاميذ، وكان في أكثر الأحيان يُقبِّلها في فمها، وكان سائر التلاميذ يتأذَّون من ذلك، ويُعرِبون عن امتعاضهم بقولهم له: لماذا تحبُّها أكثر منا جميعًا؟ فكان المخلِّص يجيبهم: بل لماذا لا أحبُّكم مثلها؟٩
ثم إن إنجيل فيليبس يطور المسألة على هذا النحو:
لا تخَف الجسد، ولا تحبَّه، فإذا خِفتَه سيطر عليك، وإذا أحبَبْتَه ابتلعك وأصابك بالشلل.

وفي نقطة أخرى، يُترجَم هذا التطوير إلى صِيَغ حسيَّة: عظيمٌ هو سرُّ الزواج! من دونه ما كان للعالَم أن يُوجَد. والآن يتوقف وجود العالَم على الإنسان، ووجود الإنسان على الزواج.

وقُبيل نهاية إنجيل فيليبس نجد الإبانة التالية:
الربُّ هو ابن الإنسان، وإن ابن الإنسان هو مَن يُخلَق من ابن الإنسان.١٠

(٥) أناجيل الطفولة

من الأناجيل غير المعتمدة (الأبوكريفية)، التي اشتملت عليها مجموعة نجع حمادي، أناجيل الطفولة، وفيها إنجيل يعقوب، والإنجيل المنحول إلى متَّى، وإنجيل الطفولة لتوما، وإنجيل الطفولة اللاتيني. وفيما يلي نعرض لأهمِّ ما تضمَّنه كلٌّ منها من موضوعات قد يجد القارئ فيها ما يستثير اهتمامه حين ينظر في بعض الآيات القرآنية المتعلقة بالسيد المسيح (ع).

(٥-١) إنجيل يعقوب

في هذا الإنجيل نجد وصفًا لميلاد السيدة مريم العذراء من والدتها القدِّيسة حنَّة، ووصفًا لميلاد السيد المسيح من والدته السيدة مريم العذراء: يأتي ملاك الربِّ إلى حنَّة، ويبشرها بأن الله قد استجاب لدعائها، وأنها سوف تحبل، وتلد مولودًا يذيع صِيتُه في جميع أرجاء المعمورة. عندئذٍ تعلن حنَّة أنها تنذر ما في بطنها، إن هي حملت، هبةً منها لله تخدمه ما ظلَّت حية.١١
ولمَّا يبلغ الجنين شهره التاسع، تضع حنَّة حَمْلها، وتسأل القابلة عمَّا وضعَت، فتجيبها أنها وضعَت أنثى، فتقول حنَّة: «تمجَّدت نفسي هذا اليوم … وإني سمَّيتُها مريم!»١٢
عندما تبلغ الطفلة مريم عامها الثالث تُؤخذ إلى المعبد إيفاءً للنَّذْر، يُقبِّلها الكاهن، ويباركها قائلًا: «ليُعظِّم الربُّ اسمك على مدى الأجيال … فيكِ سوف يُظهر الربُّ خَلاصَه لبني إسرائيل حتى نهاية الأيام.»١٣
عندما كانت مريم في معبد الربِّ كانت تتغذَّى مثل حمامة، وتتلقَّى طعامها من يد ملاك.١٤
عندما تبلغ مريم سنَّ الثانية عشرة ينعقد مؤتمر للكهنة للتشاور فيما بينهم بشأن مريم، ومن يتكفَّلها، لأنه لا يجوز أن تظلَّ في المعبد خشية أن تدنِّس مقدَّس الرب، فيقرُّ رأي كبار الكهنة أن يقف زكريا عند المذبح، ثم يدخل إلى (قُدس الأقداس)، ويصلِّي من أجل مريم، وما يُلهمه الله به يفعلونه.١٥
يدخل الكاهن قُدس الأقداس، مرتديًا قفطانه ذا الاثني عشر جرسًا، ويصلِّي من أجل مريم. ثم يظهر له ملاك الربِّ قائلًا له: «زكريا، زكريا، اخرجْ وادعُ جميع أرامل الرجال ممَّن مات عنهم أزواجهم، وليأتِ كل واحد منهم بعود، وكل مَن يُبدي له الربُّ آيةً تكون مريم زوجةً له.»١٦
يأتي أرامل الرجال إلى الكاهن ومعهم العيدان (أو الأقلام كما في القرآن الكريم). وبعد أن يتسلم منهم عيدانهم يلج الهيكل ويصلِّي، وعندما يفرغ من صلاته يخرج ومعه العيدان، ويعيدها إلى أصحابها، وليس على واحد منها من علامة، لكن يوسف النجار ما إن يتسلَّم العود الأخير حتى تنطلق منه حمامة، وتحطَّ على رأس يوسف … وعندئذٍ يقول له الكاهن: «يوسف، يوسف، لقد وقعَت عليك القُرعة لكي تتولى برعايتك عذراء الرب!»١٧
يرفض يوسف في بادئ الأمر قائلًا: «إن لي أبناءً، وإني رجل عجوز، وهي فتاة في ريعان الشباب، وأخشى أن أغدوَ أضحوكةً في بني إسرائيل.» لكن الكاهن يُقنِعه، ويُنذِره بغضب الله … عندئذٍ يعود يوسف عن رفضه، ويضع مريم في عهدته.١٨

يقرر مجلس الكهنة حياكة ستار لهيكل الرب، فيختار لصنعه سبعًا من العذارى، كانت إحداهن مريم التي تكلف غزل خيوط القرمز والأرجوان.

بعد أن تفرغ من غزل خيوط القرمز والأرجوان، تأخذ الجرَّة كي تملأها ماءً. وإنها لكذلك، إذ تسمع هاتفًا يقول لها: «حُيِّيتِ، أيتها المفضَّلة عاليًا، الربُّ معكِ، أنتِ مباركةٌ بين النساء.»١٩
يقف ملاك الربِّ أمامها، ويقول لها: «لا تخافي يا مريم، لقد فضَّلك ربُّ الجميع، وسوف تحبلين بكلمته.» بعد أن تسمع مريم هذا الكلام، تقول: «تُراني هل أحبل من الربِّ، الإله الحي؟ مثل كل النساء أحبل وأضع مولودًا؟» وإنها لكذلك، إذ يظهر لها الملاك، ويقول لها: «ليس هكذا يا مريم … قدرة الله سوف تظلِّلُك، ثم إن الذي سوف تحبلين به سوف يخلِّص الشعب من خطاياه.» فتقول مريم: «هي ذي أَمَة الربِّ طوع أمره. فليكُن لي كما تقول.»٢٠
تغزل مريم خيوط الأرجوان والقرمز، وتأتي بها الكاهن الذي يباركها قائلًا: «مريم، بارك الله اسمك، مباركةٌ أنتِ بين نساء العالَم.»٢١
تكبر بطن مريم عندما يبلغ الحمل ستة أشهر. يوبِّخها يوسف على «فَعْلتها» بالقول: «مَن هذا الذي فعل بك هكذا، وألحق بكِ هذا العار، أنتِ التي تقدَّستِ في قُدس الأقداس، وتناولتِ طعامك من يد الملائكة؟»٢٢
تبكي مريم بكاءً مُرًّا، وتقول: «أنا طاهرة، ولا أعرف رجلًا.» فيقول لها يوسف: «لكن من أين هذا الذي في بطنك؟» فتجيبه: «أقسم بالله الحي، لا أدري من أين جاءني.»٢٣
يظهر ملاك الربِّ ليوسف في المنام، وينبِّئه بأن حَمْل مريم هو من الروح القُدُس، وأنها سوف تلد ابنًا تسميه يسوع، لأنه سوف يخلِّص شعبه من الخطايا.٢٤
يصل نبأ حبل مريم إلى الكاهن الذي يتَّهم يوسف بأنه تزوَّج منها سرًّا، مما يُعتبر عارًا إن كان ذلك من غير مباركة الكاهن. ينكر يوسف هذه التهمة، فيعطونه «ماء الامتحان» ليشربه، فيخرج منه بريئًا من التهمة التي قد أُلصِقت به.٢٥
بينما كانت مريم في الطريق إلى بيت لحم، يصحبها يوسف وأولاده، من أجل الاكتتاب الذي أمر به الإمبراطور أغسطس، على مسافة ثلاثة أميال من بيت لحم، يجيئها المخاض، فتأوي ومَن معها إلى مغارة كانت هناك. يذهب يوسف لكي يأتي بقابلة عبريَّة تتولى ولادتها. تظلِّل المغارةَ سحابةٌ دكناء ما تلبث حتى تنقشع، ثم يشعُّ في المغارة نورٌ ساطعٌ تتحمُّله عيونهم إلى أن يُقذَف الوليد من رحم أمِّه، الذي يأخذ ثديها من فوره، فتهتف القابلة قائلةً: «ما أعظم هذا اليوم إذ أشهد هذه العجيبة الجديدة!»٢٦
الآن تحدث جلبةٌ في بيت لحم يفزع لها هيرودوت فزعًا شديدًا حين علم بمَقدِم مجوس آتين من الشرق على هَدْي نجم، يسألون عن ملك اليهود الذي رأوا نجمه، وقد جاءوا إلى بيت لحم لكي يسجدوا له. يصلُّون إلى المغارة التي وُلد فيها يسوع، فيقدِّمون له هدايا، ذهبًا وبخورًا ومرًّا. وعندما يحذِّرهم الملاك من غضب هيرودوت يتسلَّلون هاربين سالكين طريقًا آخر غير الذي جاءوا منه. يأمر هيرودوت بقتل الأطفال من سنِّ سنتين وما دون. حين تسمع مريم بقتل الأطفال يدبُّ في قلبها الخوف، فتعمد إلى قماطٍ تلفُّ به الرضيع، وتخبئه في حظيرةٍ مُعدَّة لإيواء البقر.٢٧ ينجو الطفل يسوع من القتل، لكن رجال هيرودوت يعلمون بأن زكريا قد أخفى عنهم ابنه يوحنا (يحيى)، وقد كان مطلوبًا هو أيضًا لكي يُقتَل بسبب سنِّه، فيقتلون أباه زكريا، وينجو يوحنا، لأن الأب رفض أن يدلَّهم على مخبئه.٢٨

(٥-٢) إنجيل متى المنحول

إنجيل الطفولة المنحول إلى متَّى هو رؤية ذات طابع شعري مستمدَّة من إنجيل يعقوب في معظم وقائعه، وقد نُحل إلى متَّى، لأنه يتَّبع المنهج نفسه الذي اتَّبعه صاحب إنجيل متَّى من حيث إسقاط نبوءات «العهد القديم» على تفصيلات من حياة يسوع، وتصوُّره الحدث بامتياز، في ذهنية كُتَّاب الأناجيل، هو الحدث الذي تُنبئ عنه الكتب، وما التاريخ إلا تحقيقٌ لسلسلة من النبوءات.

يبدأ متَّى المنحول بظهور علامات الحمل على مريم، فيرتاب يوسف النجار في أمرها، فيظهر له ملاك الربِّ في المنام قائلًا: «يا يوسف بن داود، لا تخَفْ أن تتزوج من مريم، لأن الذي في رحمها هو من الروح القُدُس.» وعندما تكبر بطن مريم ويبلغ الخبر إلى الكهنة تتجه التهمة إلى يوسف ومريم اللذَين يُطلب منهما أن يشربا من «ماء الامتحان» والطواف سبع مراتٍ حول المذبح، فإنْ كانا مُذنبَين ظهرت على وجهيهما علامةٌ تدلُّ على ذلك.٢٩

في اليوم الثالث لولادة يسوع، تخرج مريم من المغارة، وتأوي إلى زريبةٍ حيث تضع الطفل في مذود، يسجد له ثورٌ وحمارٌ لكي يتمَّ ما قِيل في أشعيا: «الثور يعرف صاحبه، والحمار يعرف مذود الرب.»

وفي الطريق إلى بيت لحم لم تترجَّل مريم عن راحلتها التماسًا للراحة في إحدى المغاور، تقعد على الأرض والطفل في حجرها، وما هو إلا أن يخرج من المغارة ثلاثة تنانين، فيصيح ثلاثة فتية كانوا مع الركب فزعًا لرؤية التنانين. يقفز يسوع من حجر أمِّه واقفًا على قدميه قُبالةَ التنانين التي ما تلبث أن تسجد له، وتنكفئ إلى الخلف لكي يتمَّ ما قِيل في النبي: «أنتنَّ يا تنانين الأرض مجِّدْن الرب، أنتنَّ التنانين وكل مخلوقات الهاوية.» ثم يتجه صوب التنانين، ويأمرها ألَّا تؤذي أحدًا، لكن مريم ويوسف يظلَّان خائفَين من أن تؤذي التنانين الطفل الذي يُطمئنهما بالقول: «لا تخافا، ولا تنظرا إلى طفلٍ صغير؛ لقد كنت دائمًا إنسانًا كاملًا، وأنا الآن كذلك؛ وإنه لأمرٌ ضروريٌّ أن تُروَّض جميع وحوش الغابة أمامي.»

في الصحراء تستظلُّ مريم بشجرة نخيل، وقد استبدَّ بها الجوع، فتشتهي أن تأكل من ثمرها. كانت النخلة عاليةً يصعُب على يوسف ومَن معه تسلُّقها، وقد كان ذلك مناسَبةً لكي يُظهر الرضيع بعض قدراته فيأمر الشجرة أن تدلي ذروتها إلى الأرض حتى تصير عند قدمَي مريم، فيأكل الجميع من شجرها ويشبعون. وعندما يحسُّون ظمأً يأمر يسوع نفس الشجرة أن تفتح تحت جذورها ساقية ماء، فتمتثل للأمر، فينبجس منها الماء رقراقًا عذبًا باردًا. يرتوي الجميع، ويحمدون الله.

العائلة المقدَّسة تجتاز الصحراء في الطريق إلى مصر، يشتدُّ عليها الحر، فيقترح يوسف على يسوع أن يتخذوا طريقًا قريبًا من البحر، يتيح لهم التماس الراحة في المُدن الساحلية، فيجيبه يسوع أن سوف يقصر رحلة الثلاثين يومًا، ويجعلها تتم في يوم واحد. وما كاد يسوع ينطق بهذا الكلام حتى بدت لهم من مصر جبالها ومُدنها.

عندما يصلون إلى إحدى مُدن مصر، يدخلون معبدًا نُصب فيه مائةٌ وخمسةٌ وستُّون صنمًا تُعبد على مدار أيام السنة، فتنكبُّ هذه الأصنام على وجوهها وتتحطم. يبلغ الخبر إلى حاكم المدينة، فيأتي إلى المعبد محفوفًا بجيشه ليرى الأصنام، وقد سُوِّيت بالأرض، فيسجد للطفل يسوع في حجر أمِّه مريم مُقرًّا بأنه لو لم يكُن الطفل إله الآلهة لما خرَّت له آلهتُنا ساجدة.

بعد إقامة قصيرة في مصر يأتي ملاك الربِّ طالبًا من يوسف أن يعود ومَن معه إلى فلسطين لأن الذين كانوا يريدون قتل الطفل قد ماتوا.

(٥-٣) إنجيل الطفولة المنحول إلى توما

حفل هذا الإنجيل بالخوارق والأعاجيب التي صُنعت على يد يسوع الطفل، نختار منها مثالَين لعلَّهما من أهمِّها:
  • كان الطفل يسوع في الخامسة عندما يلعب على ضفة نهر، ويصنع أحواضًا من الماء الدافق، ويجعله ماءً صافيًا، وقد كان يفعل ذلك بكلمة تخرج من فيه. ثم جَبَلَ طينًا، وصنع منه اثني عشر عصفورًا، وقد صادف أن كان ذلك في يوم سبت، وكان ثمة أطفال كثيرون يلعبون معه، سارع أحدهم إلى إخبار أبيه يوسف بأن الطفل يسوع صنع اثني عشر طيرًا من الطين وفي يوم سبت. جاء يوسف إلى المكان، ورأى ما فعل يسوع، فصاح به مؤنِّبًا: «لماذا تفعل في السبت ما لا يُباح فعله؟» فما كان من يسوع إلا أن صفق بيديه، وصاح بالعصافير أن تبرح المكان، فطارت مُزقزِقةً بعد أن دبَّت فيها الحياة. ذهل اليهود بما شاهدوا، وراحوا يروون لرؤسائهم ما فعله يسوع.

  • في إحدى المرات، بينما كان الطفل يسوع يلعب مع بعض أترابه على سطح أحد المنازل، إذا بأحدهم يسقط على السطح ميتًا، وعندما رأى سائر الأولاد ما حدث هربوا جميعًا، وبقي يسوع وحده. جاء أبوا الولد الميت يتهمان يسوع بأنه هو الذي أوقع الصبيَّ على الأرض. نفى يسوع أنه فعل ذلك، لكن الأبوين أصرَّا على اتهامه، فما كان من يسوع إلا أن قفز من على السطح، ووقف إلى جانب جثة الصبي، وصاح به: «زينون — وكان هذا هو اسمه — انهض، وقُل إن كنتُ أنا الذي رماك.» وما هو إلا أنْ وقف الصبيُّ على قدميه، وقال: «لا يا رب، إنك لم توقعني أرضًا، بل لقد أنهضتَني.» دهش الذين رأوا هذه الحادثة، ومجَّد الأبوان الله بسبب هذه الحادثة، وسجدا ليسوع.

(٥-٤) إنجيل الطفولة اللاتيني

يبدأ هذا الإنجيل بحوار بين يوسف النجار والقابلة العبرية التي جيء بها لكي تتولى توليد السيدة مريم. تسأله القابلة عمَّن تكون المرأة، فيجيبها يوسف أنها مريم التي كانت مخطوبةً إليه، مريم التي رُبِّيت في معبد الرب. تستفسره القابلة إن كانت مريم ليست زوجته، فيؤكد لها أنها كانت مخطوبةً إليه، وأنها حملت من الروح القُدُس. لكن المرأة ترتاب في قوله فيقول لها: تعالي، وانظري!

تدخل القابلة المغارة والخوف يملأ قلبها، لأن نورًا ساطعًا كان يضيء المكان، نورًا لا يخفت في النهار ولا في الليل، ما دامت مريم موجودةً في المكان. أمضت القابلة ساعاتٍ وهي ترقب حالة مريم، ثم صاحت بصوتٍ عالٍ: «رحماك أيها الربُّ الإله، فأنا لم أسمع بهذا من قبل، ولم أرَ مثله من قبل، ولا حلمت من قبل أن يمتلئ الثديان لبنًا، وأن يشهد ولدٌ لأمِّه بعد الولادة بأنها عذراء. لم تنزف دمًا عند الولادة، ولم تتألم عند الوضع. حملت وهي عذراء، وولدت وهي عذراء، وبعد أن وضعت ظلَّت كذلك عذراء …»

وفي عودةٍ إلى الوراء، تصف القابلة الجوَّ الذي رافق ولادة يسوع وصفًا تفصيليًّا:

عندما دخلت المغارة على العذراء وجدتُها تنظر إلى الأعلى، كانت تحدِّق في السماء وتتكلم مع نفسها، فأيقنتُ أنها كانت تصلِّي، وتسبِّح الله العلي. كان ثمة صمت مطبق ورهبة، الرياح ساكنة، لا نسمة تهب، ولا يُسمع حفيف الشجر، ولا خرير لحياة، ولا موج في بحر، ولا صوت يندُّ عن بشر.

عندما دنت لحظة الولادة، كانت العذراء تحدِّق في السماء، كانت أشبه شيء بشجرة الكرمة، أصبحَت بيضاء كالثلج، وأصبحَت في المتناول غاية الأشياء الطيبة. وعندما خرج النور من الرحم، سجدت مريم للذي رأته يُولد منها؛ الولد نفسه، مثل الشمس، أشعَّ منه نورٌ ساطع، بهي، لذة للناظرين، لأنه وحده بدا سلامًا، سكينة للعالم قاطعة. في تلك الساعة عندما وُلد سُمعت أصوات كائنات غير مرئية تقول بصوتٍ واحد: «آمين!» وعندما تضاعف النور كسف نور الشمس بأشعَّته الوهاجة، سطعت المغارة بالنور وانتشرت فيها رائحةٌ زكية.

ثم تتابع القابلة وصف المشهد قائلة:

غير أني وقفت مذهولةً مدهوشة، استولى عليَّ الخوف عندما كنت أحدِّق في النور الساطع الذي قد وُلد لتوِّه. غير أن النور، بعد برهة، تقلَّص لكي يتخذ هيئة ولد، وقد أصبح فعلًا ولدًا بالهيئة المعتادة للأطفال المولودين.

(٥-٥) إنجيل الطفولة العربي

من أناجيل الطفولة التي شاعت في أوساط عامة الناس؛ الإنجيل العربي الذي يتحدث عن ولادة يسوع، وعن معجزات أتى بها يسوع ومريم في مصر، ومعجزات جاء بها يسوع الطفل، وهذه الأخيرة مقتبسة من إنجيل الطفولة المنحول إلى توما، والعمل نفسه يبدو ترجمةً عن السريانية، وترجمته إلى العربية قد جعلته ميسَّرًا للنبي العربي، والذي ضُمِّن القرآنُ بعضَ ما اشتمل عليه من أقاصيص، ولا سيما خَلْقُه من الطين كهيئة الطير التي تطير بإذن الله بعد أن ينفخ فيها من روحه … وهذه الأقاصيص دخلت الأساطير الفارسية كما وصلت إلى الهند.

والأسطورة التي اقتصر على إيرادها جامع أسفار «البايبل الآخر» The Other Bible مثالًا على معجزات يسوع هي معجزة «مسخ الأولاد ماعزًا»، ثم إعادتهم إلى ما كانوا عليه قبل المسخ. وهذه المعجزة نموذج لكثير من المعجزات الأخلاقية التي تُنسب إلى يسوع الطفل الذي سبَّب حوادث رهيبة؛ فهو يكرسح، ويصيب بالعمى، ويقتل. ثم بعد أن يتوجه المؤمنون بصلواتهم إلى الطفل الكلي القدرة، الكلي المعرفة، يعيد الضحية إلى وضعها السابق. فهو يشفي من المرض، ويحيي الموتى، والمفترض أن الذين لا يأبهون بالربِّ يسوع أو الذين ينقصهم الإيمان يُعاقَبون، على حين أن الذين يؤمنون أشدَّ الإيمان، ويسبِّحون الرب، ويصلُّون له، يُخلَّصون.

(٦) إنجيل راعي هرماس

ثمة كتاب اشتملت عليه مخطوطة سيناء، لكنه نُبذ في الكتب المحرَّمة في مجمع نيقية (٣٢٥)، بعد أن ظلَّ متداوَلًا حتى نهاية القرن الثاني. مؤلِّف هذا الكتاب عُرف باسم هرماس، وعُرف كتابه باسم «الرامي»، ومن هنا عُرف الكتاب باسم «راعي هرماس»، وقد كان جزءًا من كتب «العهد الجديد»، الذي اشتملت عليه مخطوطة سيناء Codex Sinaiticus كما تقدَّم.

يزعم هرماس أن ملاكًا زاره، وكان يرتدي لباس الراعي. قال له الملاك إنه مبعوثٌ من ملاك آخر هو الملاك المُبجَّل (ويريد به جبريل)، لكي يعيش مع هرماس حتى آخر يوم من حياته، ثم يأمره أن يدوِّن ما يمليه عليه من وصايا وأمثال. اشتمل راعي هرماس على اثنتَي عشرة وصيةً نُدرِجها فيما يلي:

  • (١)

    آمِنْ قبل كل شيء بأن الله واحد، وأنه خالق كل شيء، ومنظِّم الكون، وأنه خالق الأشياء كلها من العدم. يحتوي جميع الأشياء، ولا يحتويه شيء، ولذلك وجب الإيمان به والخوف منه، ومن خشية الله يتملَّك الإنسان إيمانه.

  • (٢)

    كُن مخلصًا، وبسيط التفكير، ولا تتكلمْ عن أحدٍ بسوء، ولا تستمتعْ بالاستماع إلى مَن يفعلون ذلك. افعلْ حقًّا، وتَصدَّقْ سخيًّا.

  • (٣)

    كُن محبًّا للصدق.

  • (٤)

    تقيَّدْ بالطهارة. وكُن نقيًّا طاهرًا، ليس فقط بالفعل، بل بالفكر أيضًا.

  • (٥)

    كُن صبورًا متعقِّلًا، تجد الله في الصبر، وفي الجزع تجد الشيطان.

  • (٦)

    ثِقْ بالحق، ولا تثقْ بالباطل. إن للاستقامة طريقًا مستقيمًا ومُمهَّدًا. أمَّا الباطل فطريقه مُعوَج. ثمة ملاكان يلازمان كل إنسان، أحدهما للخير والآخر للشر.

  • (٧)

    ضعْ مخافة الله في قلبك، واحفظ وصاياه.

  • (٨)

    أمسِكْ نفسك عن الخطأ، ولا ترتكبْ إثمًا، ولكنْ لا تتعامَ عن الحق، واعملْ بالحق، واكبحْ نفسك عن الشر، واتَّبعْ طريق الحق.

  • (٩)

    أَبعِد الشكَّ عن نفسك، واطلبْ من الله دون تشكُّك، تجد الله يُنيلك كل شيء. والله ليس كالبشر الذين يحملون الضغينة والحقد، بل متسامح وشفيق بخَلْقه. ولهذا، نظِّفْ قلبك من باطل هذه الدنيا.

  • (١٠)

    أَبعِد الحزن عن نفسك، فهو توءم الشكِّ والطبع السيئ.

  • (١١)

    الإنسان الذي يستشير نبيًّا مزيفًا ليس إلا وثنيًّا يعوزه الصدق.

    سأل هيرماسُ الملاكَ: «كيف نميز النبي الصادق من المزيَّف؟» أجاب الملاك: «إنه في الدرجة الأولى يتميز الرجل الذي يحمل روحًا من السماء، يتميز بلطفه وهدوئه وتواضعه. وهو يمتنع عن جميع الشرور والرغبات الآثمة التافهة في هذه الدنيا. لا يتكلم من نفسه، بل عندما يريده الله أن يتكلم فالسُّلطة كلها تخصُّ الله.»

    أمَّا النبيُّ المزيَّف فيمجِّد نفسه، ويرغب في الجلوس في المقاعد الأمامية، ويتقبل المال من أجل ما يدَّعيه من النبوة. هل تقبل روحٌ إلهيةٌ أن تقبض المال من أجل النبوة؟ النبي المزيَّف يتجنب المستقيمين من الناس، ويعقد الصلات مع الشكَّاكين والمحتالين. يحدِّث الناس بالزيف من القول، بما يتماشى مع أهوائهم. إن سفينةً فارغة توضَعً بين سفنٍ أخرى فارغة مثلها لا تتحطم، بل تتجانس واحدتها مع الأخرى.

    خُذ حجرًا واقذفْه عاليًا في السماء، ثم انظرْ إن كنت تستطيع الوصول إليه!

    الأشياء الدنيوية عقيمة وضعيفة، ومن ناحية أخرى، تمسَّكْ بالسُّلطة التي تأتيك من السماء.

    حبَّات البَرَد بلورات صغيرة، ومع ذلك إن سقطت على رأس إنسان تُصبْه بآلام شديدة … أو، بعبارة أخرى، انظر كيف تسقط نقطة الماء من السقف، وكيف تصنع خرقًا في الحجر. هكذا تكون السُّلطة الإلهية الآتية من السماء قوية، قادرة، جبارة.

  • (١٢)

    تَجنَّبْ كل رغبة شريرة، واتخذْ لباسك من الطيِّب، والصالح من الرغبات.

    خَلَق الله العالمَ من أجل الإنسان، وجعل كل مخلوقاته تخضع للإنسان، وأعطاه السُّلطة الكاملة لكي يسود على جميع الكائنات الموجودة تحت قبَّة السماء. وإن مَن يجعل الله في قلبه لقادرٌ على أن يسود على جميع الأشياء.

    تَصرَّفْ، وكأنك عبدٌ لله تعالى، فالشيطان لا يستطيع أن يسيطر على عباد الله. والشيطان يستطيع أن يصارع بني البشر الصالحين، لكنه لا يستطيع التغلب عليهم.

والحقُّ أن كتاب «راعي هرماس» ليس بإنجيل، بمعنى «البشارة بأنباء سارة»، بل هو كتاب «وصايا» تدعو إلى اتباع سُبُل الخير، وتجنُّب الشر، تَصلُح لأنْ تَصدُر عن أيِّ دين يحضُّ على مكارم الأخلاق، وليس فيه شيء من خصوصية المسيحية التي تنهض في الأساس على تضحية الآب بابنه يسوع المسيح كفَّارةً عن خطايا البشر.٣٠
١  Gérald Messadié, L’Homme qui devint Dieu, Les sources, Paris, 1989, p. 48.
٢  د. م، ك. م، ص٣٢٩.
٣  د. م، ك. م، ص٣٢٩.
٤  د. م، ك. م، ص٣٢٩.
٥  د. م، ك. م، ص٣٤٠.
٦  د. م، ك. م، ص٣٤٠-٣٤١.
٧  د. م، ك. م، ص٣٤١.
٨  د. م، ك. م، ص٣٤١-٣٤٢.
٩  د. م، ك. م، ص٣٤٢.
١٠  د. م، ك. م، ص٣٤٢.
١١  Willis Barnstone, edit, The Other Bible, New York, 1984, p. 386.
١٢  The Other Bible, New York, 1984, p. 386.
١٣  المرجع نفسه، ص٣٨٧.
١٤  المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
١٥  المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
١٦  المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
١٧  المرجع السابق نفسه، ص٣٨٧-٣٨٨.
١٨  المرجع نفسه، السابق ص٣٨٨.
١٩  المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
٢٠  المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
٢١  المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
٢٢  المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
٢٣  المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
٢٤  المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
٢٥  المرجع نفسه، ص٣٨٩-٣٩٠.
٢٦  المرجع نفسه، ص٣٩٠.
٢٧  المرجع نفسه، ص٣٩٠-٣٩١.
٢٨  المرجع نفسه، ص٣٩١.
٢٩  يشبه هذا ما يُعرف عندنا ﺑ «لقمة الزقوم»، أطلقوها على كسرة خبز يتلو عليها الشيخ، ثم تُطعَم المتَّهم، فإن كان مقترفًا مات من فوره! انظر: موسوعة حلب للأسدي، المجلد الرابع، مادة «الزقوم». يشبه كذلك ما بات يُعرف ﺑ «جهاز كشف الكذب» في العصر الحاضر.
٣٠  من أجل راعي هرماس رجعنا إلى كتاب بعنوان: Jesus, Prophet of Islam من تأليف البروفيسور محمد عطاء الرحيم، وترجمة د. فهمي م. شما الذي جعل العنوان: عيسى يبشر بالإسلام، ط١ / ١٩٩٠م، توزيع المكتبة العمومية (دمشق).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤