الرحلة

قال الراوي:

كنت من تلامذة القسم التجهيزي بالمدرسة الكلية الكبرى. وفي يوم الثلاث ١٧ يونيو استدعاني كلٌّ من حضرات وهبي بك ناظرها وأرمنيوس بك مراقب إدارة البطركخانة، وسألاني إذا كنتُ أريد السفر مع نيافة مطران الحبشة للشام مدة أسبوعَين أو ثلاثة، فأجبتُهما أني أستعد لتأدية الامتحان للحصول على شهادة الدراسة الثانوتية في السنة الآتية (سنة ١٩٠٣)، ولا يمكنني إضاعة الوقت بدون مذاكرة، فلم يُصغيا لكلامي، بل أخذاني حيث مثلتُ أمام يدَي غبطة بطريركنا المعظَّم ونيافة المطران المذكور وقدَّماني لهما، فسألني غبطة البطريرك عن اسمي ونسبي فأجبتُه عن ذلك، فتذكَّر غبطته أنه يعرف عائلتنا، وكان ذلك في الساعة ١٠ وربع من يوم الثلاث المذكور، فأمرني بأن أُجهِّز ملابسي الضرورية وأستعد للسفر، فقصدتُ محل سكني، وأحضرتُ كل ما أحتاج إليه، وتوجَّهتُ معهم للمحطة حيث فارقنا العاصمة الساعة ١١ صباحًا، بعدما ودَّعْنا سعادة إسكندر باشا فهمي مدير السكك الحديدية، وسعادتَي أرمنيوس بك ووهبي بك، وكثيرين من أعيان الطائفة، فسِرنا حيث وصلنا بورسعيد في مساء ذلك اليوم، وكان في انتظارنا على رصيف المحطة جناب قنصل دولة الروسيا، ورزق الله بك سميكة، ورئيس النيابة، وعددٌ عظيم من أعيان الطائفة، وساروا بنا إلى الكنيسة الأرثوذكسية حيث أقمنا فيها ٥ أيام لغاية يوم السبت ٢١ يونيو. وفي أثناء ذلك زار نيافته جميع الذين تشرَّفوا باستقباله على رصيف المحطة.

وما أقبل صباح السبت إلا وحضر جناب وكيل القنصل يدعونا للسفر، فسرنا معه للمينا حيث أبحرنا في الساعة ١ بعد ظهر هذا اليوم. وبعد أن ودَّعنا جناب القنصل وتحرَّك الوابور، دعاني نيافة المطران إلى حضرته، وأخذ يُحدِّثني بلطفه المعهود، فقال: لمَّا كنا في مصر علمتُ أنهم أخبروك بالسفر معي للشام، فالآن لا تخف يا ولدي، أنت معي، وإن شاء الله سنقصد الروسيا حيث نحظى بمقابلة جلالة الإمبراطور في عاصمتها بطرسبرج، فلا تتفكر شيئًا ما دمت معي، فإني مستعدٌّ يا ولدي لتأدية واجباتك وكل ما تطلبه مني أعطيك إياه في الحال، فاصبر على هذا السفر الطويل، واطلب من الله أن يُوصلَنا بالسلامة. فعند ذلك أجبتُ نيافته بأني لستُ مستحقًّا أن أكون في حمى آبٍ حنونٍ مثلك؛ فأنا أعلم أن معاملتك إياي ستكون أفضل من معاملة آبٍ لولده، وإني أشكر الله يا سيدي الذي وفَّق لي آبًا مكرمًا مثل نيافتكم، فإني أحسد زماني الذي منَّ عليَّ بهذه السياحة السعيدة التي ستكون عاقبتها الخير والفائدة لي ولأمتي، وبعد هذا قبَّلتُ يدَيه الكريمتَين وانصرفتُ قاصدًا مخدعي وقد طاب خاطري من كلامه الصالح، ورفعتُ يديَّ نحو السماء وطلبتُ منه تعالى أن يُديم حياة هذا الآب الجليل.

ومن ثَمَّ سارت بنا الباخرة في وسط البحر العجاج المتلاطم بالأمواج، حتى وصلنا مدينة بيريه من البلاد اليونانية في الساعة الثالثة من مساء يوم الإثنين الموافق ١٩ من الشهر المذكور. وبينما نحن سائرون كنا نشاهد الأمواج المتلاطمة التي كانت تُناطح الباخرة وتكاد تُعطِّلها عن المسير، وكنا ننظر وقتئذٍ إلى السماء والماء، ولما وصلنا بيريه سارت بنا الباخرة إلى موضعٍ محاطٍ بالجبال حيث مكثنا به خمسة أيام، وفي يوم السبت ٢٨ يونيو حضر دكتوران بالباخرة، وأخذا في تعداد ركاب الدرجة الأولى والثانية، وأما ركاب الدرجة الثالثة فخرجوا جميعًا على الشاطئ حيث طهَّروهم، وفي الساعة ٣ بعد ظهر ذلك اليوم سارت بنا الباخرة إلى الميناء فأقمنا فيها نحو ثلاث ساعات، وفي الساعة السادسة قصدنا مدينة أزمير. وفي أثناء سيرنا كنا نُشاهد الجزائر بعضها على بُعد ساعة والبعض الآخر على بُعد ساعتَين، وكلها مكسوة بثوبٍ أخضرٍ جميل، وشجر اللوز والجوز والبندق يزينُ تلك الجزائر التي تُبهج النظر وتُسبِّب للناظر انشراحًا عظيمًا، فكنا ننظرها بالنظَّارة المعظِّمة. وفي الساعة التاسعة من مساء ذلك اليوم شاهدنا جزيرة قولين على بُعد ١٠ أميال تقريبًا، وهذه الجزيرة مضاءةٌ بالنور الكهربائي، وتشبه جزيرة سيلان في طقسها اللطيف، وما زلنا نشاهدها من أربع أو خمس ساعات إلى أن غابت عنا.

وفي اليوم الثاني (يوم الأحد ٢٩ يونيو الساعة ٣ ونصف) وصلنا أزمير، ولشدة هيجان البحر والأمواج المرعبة أمر جناب القبطان بإبقائنا تلك الليلة، فكان الركاب ينزلون إلى البر ويذهبون إلى المدينة يتنزهون فيها؛ حيث ضاقت صدورهم من البقاء في الباخرة مدة السفر. ولما نظرتُ أكثر الركاب يتوافدون على المدينة طلبتُ من نيافة المطران أن يسمح لي بالتجوُّل فيها فسمح لي بذلك، وفي الحال أخذتُ قاربًا مع بعضٍ من الركاب وقصدنا المينا، فشاهدنا من أول وهلة مركبات الترامواي تمر على المينا وبجانبها الأيسر مرسحٌ عظيم وقهوةٌ أشبه بمدينة. وبعد ذلك سار بنا المرشد إلى الشوارع التي كانت صاعدةً فوق الجبل، ورأينا على جانبَيها قصورًا عظيمةً تعلو بالتدريج إلى أن تصل إلى قمة الجبل، وهذه حالة أغلب شوارعها، فبعدما صرفنا نحو ثلاث ساعاتٍ عدنا إلى الباخرة حيث كانت في انتظارنا وأخذنا القارب الذي أنزلنا، فعند ذلك برز شخصٌ من رجال الضبط، وطلب منا أن نُريه «جواز السفر» فأجبنا طلبه في الحال، ثم قصصتُ ما شاهدتُه لنيافة المطران. وعندما أظلم الجو صرنا نشاهد المدينة بهيئةٍ جميلة ومنظرٍ بديع كأنها زينةٌ جميلة ومهرجانٌ بهيج. وفي الساعة ٣ من مساء اليوم الثاني ٣٠ يونيو سارت الباخرة إلى الآستانة، فوصلناها في الساعة ٥ من مساء يوم الثلاث، وبعدما عبرنا الدردانيل في الصباح مكثنا فيه نحو ساعة، وأخذنا نُشاهد في طريقنا «بحر مرمرة» وجزائر عديدة تكسوها الخضراوات والأتمار وأشجار البندق واللوز. وقبل وصولنا إلى عاصمة الخلافة بساعتَين كنا نشاهد جامع أجيا صوفيا بالنظارات المعظِّمة، وهذا المسجد تعلوه أربعُ مآذنَ مرتفعة ارتفاعًا هائلًا (وسيأتي الكلام إن شاء الله على وصف هذا الجامع المشهور عند قصة عودتنا من الروسيا)، فلما وصلنا المدينة وقفنا على بُعد ميل من المينا إلى أن تلقَّينا الأمر باستمرار المسير إلى موضعٍ يبعُد عن البحر الأسود بمسافةٍ قليلة يُقال له غلاطة؛ أعني من بحر مرمرة للبحر الأسود. وفي أثناء عبورنا كنا نشاهد شواطئ هذا البوغاز مرتفعة من ١٠٠ متر إلى ١٥٠ مترًا، وعلى انحدارها ترى البيوت فوق بعضها كما فصَّلنا في وصف أزمير، وأكثرها من خشب، وأما الجزء الخالي من ذلك فمحصَّن بالمدافع شِمالًا ويمينًا، والبوغاز نفسه على هيئة خطوطٍ منحنية، ثم على فم البحر الأسود نقطةٌ يُقال لها بيوكديره، وفيها محلات جميع سفراء الدول يُمضون فيها فصل الصيف، وعلى نصف ميلٍ نقطة تمكُث فيها الباخرات مدة؛ الكرنتينة، وقد أقمنا بها ليلتَين عند توجُّهنا إلى الروسيا منتظرين البوستة من بيت السفارة المسكوبية. وهذا البوغاز مُكتسٍ بالخضروات من الأعلى إلى الأسفل، ولا يمكنِّي أن أُعبِّر أكثر من ذلك حيث لا يُمكنني أن أقُصَّ للقُراء كل ما نظرت. وفي يوم الخميس ٣ يوليو طرحَتنا الباخرة في وسط البحر الأسود، وغبنا عن الصواب من شدة الأمواج التي كانت تُناطح الباخرة، وتعمل على تعطيلها عن المسير، فكان المسافرون في خوفٍ عظيم وكل واحدٍ منهم قد لازم سريره، فكان لا يصعد فوق الباخرة خوفًا من منظر تلك الأمواج المدهش.

وبقينا على هذا المنوال إلى أن وصلنا أودسا (المينا المقصودة) حيث كان ذلك في يوم السبت ٥ يوليو الساعة ٧ مساء، وفي أثناء سفرنا في هذا البحر الأسود لم نكن نشاهد غير السماء والماء؛ فمدة سفرنا في هذا البحر كانت ٢٧ ساعة. ولمَّا وصلنا الأقطار الروسية كان جمعٌ عظيمٌ على رصيف المينا ينتظرنا، فما كادت الباخرة (نقولا الثاني) تُلقي مراسيها إلا واستقبلَنا هذا الجمع يتقدَّمه جناب رئيس المينا، ورئيس الكرنتينة، وجناب محافظ البلدة، وكثير من الأعيان، ثم مندوبٌ معينٌ لخدمتنا من وزارة الخارجية، وبيده صِنية من الفضة فوقها «خبز وملح» فتناول نيافة المطران بيده الكريمة قليلًا منها، وأمر أتباعه أيضًا ففعلوا مثلما فعل. وبعد ذلك ساروا بنا إلى نُزل «بطرسبرج» حيث أمضينا تلك الليلة. ولما أشرق صباح يوم الأحد ٦ منه حضر مندوبنا المذكور ومعه العربات المعدة لنا لنقلنا؛ حيث كان ينتظرنا خارج القاعة المعدة لاستقبالنا حضرات من شرفوا رصيف المينا بالأمس لمقابلتنا، فاستمر الحديث مع كل شخصٍ منهم بضع دقائق إلى أن نادانا القطار للسفر، فأخذناه في الساعة ٩ صباحًا، فسار بنا مدة ٥ ساعات في وسط مزروعات من الغلال، وبعد ذلك كنا ننظر الغابات الكثيفة إلى أن وصلنا للعاصمة، فكانت هذه الغابات تُحيط بنا يمينًا وشمالًا على حافتَي السكة الحديد، وأغلبها مزروعة من الخيار والخرشوف، وأشجار هذه الغابات ترتفع نحو ثلاثين مترًا تقريبًا. وفي أثناء تناول الطعام كان حضرة وكيلنا يُرسل تلغرافًا إلى المحطة التي نكون فيها بعد ذلك، وعند الوصول إليها كان بعض أهاليها يقابلنا على رصيفها بغاية الترحاب وقد فرشوا لنا بساطًا من باب العربة لأودة المائدة، وكانوا ينتظرون واقفين حتى انتهاء الأكل. وكانوا يُعِدُّون لنا مائدتَين؛ الأولى يجلس عليها نيافة المطران وسكرتيره وجناب الوكيل المعيَّن لخدمتنا، والثانية لحاشيته الذين يبلغ عددهم سبعة أشخاص أنا في جملتهم، وهم الكاتب والصَّرَّاف ورئيس الحرس واثنان لخدمة نيافته الخصوصية، والسادس خادم جناب سكرتيره، وبعد انتهاء المائدة كنا نُحيِّي المستقبِلين، وهكذا مدة الثماني وأربعين ساعة. وأما مواعيد الطعام فهي: في الساعة ٩ صباحًا كنا نتناول الشاي مع الكونياك وقليل من الخبز مع القهوة، ثم الفطور ظهرًا (بعده أو قبله بقليل حسب وصول القطار للمحطة المعدة للطعام)، وفي المساء أيضًا يُسمَّى غَداء، وقبل الرقود بقليل كنا نتعاطى الشاي أيضًا مع الكونياك، ونتناول الطعام في المحطات، وأما الشاي فكنا نتناوله في نفس القطار.

عاصمة الروس

ولمَّا وصلنا مدينة بطرسبرج في الساعة ٩ والدقيقة ٤٠ من صباح يوم الثلاث ٨ يوليو، استقبلنا على رصيف المحطة أولًا بعض الوزراء، ثم مطران العاصمة وجملة من الكهنة، ثم عددٌ عظيم من موظَّفي النظارات ومحافظ العاصمة وشرذمة من البوليس وناظر المحطة ومستخدميها. وبعد التحية المعتادة قدَّموا لنيافة المطران صِنية من الفضة منقوشة بأعظمِ نقشٍ وعليها خبز وملح مثلما فعلوا في أودسا. وأخيرًا سار بنا الموكب إلى نُزلٍ يُدعى «اللوكندة العظمى بشارع مورسكايا الصغير»، وهذه اللوكندة تشتمل على طبقتَين خلاف البدرون، وفي مدخلها أناسٌ يحملون «البلطوات» للزائرين الأجانب، وعلى يمين المدخل في موضعٍ يرتفع ٦ درجات يوجد نادٍ، وعلى شماله يصعد الإنسان على ٦ درجات أيضًا ويجد على آخر الدرجة السادسة أودة الحسابات، وإذا استمر في سيره يجد غرفًا عديدةً على اليمين يختلف إيجار كل واحدةٍ من ثلاثة روبلات فما دون لغاية روبل واحد (والروبل يساوي ١٠ قروش صاغ). وبجانب أودة الحسابات المذكورة ودرجات اللوكندة (السلالم) يبتدئ الصاعد بأول درج من الجهة القبلية ويصعد ١٠ درجات ثم يلتفت يمينًا ويصعد قَدْر الأول، وفي آخر ذلك درجةٌ مستطيلة الشكل، فإذا تركها الإنسان على اليسار يعبُر رَدْهةً عظيمة على يسارها حجرةٌ كبيرة إيجارها ١٤ روبلًا؛ أي ١٤٠ قرشًا تقريبًا كل يوم، وبداخلها مخدعٌ صغير فيه سريران، وعلى يمينها حجرةٌ صغيرة بثلاثة روبلات (أي ٣٠ قرشًا). وهكذا على جانبَي هذه الردهة التي يبلُغ طولها نحوًا من ثمانين لمائة متر.

وفي الرَّدْهة الأخيرة التي على شمال سلالم النُّزل، الشقة التي أُعدت لنيافة المطران ووكيله على يمين الردهة، وهذه الشقة تحتوي على غرفة الاستقبال أولًا، وعلى يمينها أودة الوكيل المُوصلَة إلى بلكون على باب اللوكندة، وبها دروة داخلها سريران من النحاس الأصفر ودولاب لحفظ الملابس، وعلى باب هذه الرَّدهة ٦ كراسٍ مفروشة بقماش مثل ورق الرَّدهة المذكورة، وأمامها يُوجد باب المائدة، ثم في انتهائها أودة المطران، وعند دخولها يجد الإنسان مائدة فوقها شمعدانٌ كهربائي ورياشٌ فاخرة، وعلى يمينها حاجز أيضًا داخله سريران، وإيجار هذه الشقة ٣٠ روبلًا في اليوم الواحد؛ أي ٣٠٥ قروش تقريبًا. وأما أودة الاستقبال فيُوجد بداخلها ديوانٌ عجيب و١٢ كرسيًّا وكلها بالاستك ومكسوَّة بالحرير، ومائدة فوقها شمعدانٌ كهربائي وداخلها ثُريةٌ بالنور الكهربائي، ومن جهة الشارع شُباكان عليهما ستاير بالحرير البني مثل باقي المفروشات، وأمام هذه الشقة أودتان يُوجد بهما سريران لشخصَين من أتباع نيافته، وفي الأودة الثانية بابٌ يُفتح على الرَّدْهة، وعلى الأمام نافذة تُطل على حوش اللوكندة، وعلى يمينه مرآةٌ كبيرة وصورٌ مختلفة. وإذا مشى الإنسان من الردهة الثانية التي يُفتح عليها باب الأودة الثانية يجد أودتَين وفي وسطهما أودة المائدة التي كنا نتناول فيها الطعام (نحن السبعة). وعلى يمين الأودة المذكورة أودة الكاتب، والثانية جهة اليمين وبها كان ينام رئيس الحرس وخادم الوكيل، وأمام باب الشقة العظمى يُوجد شقةٌ خصوصية داخلها أودة استقبال الزائرين قبل مقابلة نيافة المطران، ثم أودة مخدعي، ثم أودة الصرَّاف وهكذا، وإيجار هذه الشقة ١٤ روبلًا يوميًّا (١٤٥ غرشًا صاغًا). وأودة الاستقبال الثانية تشابه الأولى إلا أن المفروشات مختلفة اللون وأقل اتساعًا منها، وقبل وصول هذه الشقة بمترين يوجد ردهةٌ أخرى كبيرةٌ جدًّا على شمال العابر. وبالجملة فإن هذه اللوكندة تحتوي على ست ردهات، وأقل ردهةٍ يبلغ طولها نحوًا من ٤٠ مترًا وأكبرها ١٠٠ متر أيضًا وهكذا في الدور الثاني، وكل ردهةٍ مفروشة ببساطٍ طويل يكفيها. وأما مطبخ هذه اللوكندة فهو في آخر ردهة جهة الشرق من الدور الأسفل. وأما المنوطون بخدمة الأود فهن خادمات في غاية النظافة يُنظفن السراير ويُغيِّرن فرشها. وفي صباح كل يوم يأتي الفراشون فينظفون الأحذية والملابس، وإذا أراد الإنسان أن يستحم فيدفع أولًا أربعة فرنكات أجرةً خصوصية للوكندة وبخشيشًا للذي يكون في خدمته، والحمام البارد بنصف هذه القيمة. وإذا طلب الإنسان شيئًا ودق الجرس دفعةً واحدةً فيحضُر له غلام في الحال، وإذا دقَّ مرتَين تحضر الخادمة، أو ثلاثًا يحضُر الفراش الذي ينظف الملابس وغيرها.

ولما بزغ صباح اليوم الثاني (من وصولنا) ركب نيافة المطران العربات ووكيله والوكيل المعيَّن لنا، وقصدوا سراي وزير الخارجية حيث مكثوا مع عطوفته نحو عشرين أو ثلاثين دقيقة، وبعد ذلك مروا على كلٍّ من سراي الوزراء، وترك نيافته بطاقة زيارة في كلٍّ منها، ثم عادوا إلى النُّزل في الساعة العاشرة حيث تناولوا الغذاء، وبعد الظهر ردَّ الزيارة بعض الوزراء وكذا وزير الخارجية. وهكذا دامت الزيارات كل يومٍ لغاية يوم السبت ١٢ يوليو سنة ١٩٠٣. ولما أصبح يوم السبت المذكور كان عيد الرسل فحضر نيافته الصلاة في كنيسة ماري إسحاق حيث مكثنا فيها للساعة واحدة بعد الظهر (وسنصف هذه الكنيسة عند وصف الكنائس التي شاهدناها حال وجودنا في بطرسبرج). وقد أعدوا لنا مكانًا مخصوصًا أمام باب الهيكل. ولما انتهت الصلاة قصدنا النُّزل حيث لم يكن يُوجد وقت. وفي الساعة ٢ بعد الظهر انتهى الغداء. وفي الحال ركب جناب المطران ووكيله وصرَّافه والوكيل المعيَّن وقصدوا موضعًا يُدعى «بترهوف» حيث كان ينتظرهم جلالة القيصر في الوقت الذي خصَّصه لاستقبالهم، فلما وصلوا المحطة كانت في انتظارهم ثلاث عرباتٍ بيضاء اللون منقوشة بماء الذهب، يقود كل واحدة رأسان من الخيل الملوكي السوداء، فركب نيافة المطران العربة الأولى منفردًا، وفي الثانية كان جناب الوكيل المعيَّن، وفي الثالثة حضرة وكيل المطران والشخص الآخر الذي توجَّه معهم، وكان في انتظارهم على رصيف المحطة جملة من موظَّفي المعية الملوكية، فسار بهم الموكب لغاية البلاط الملوكي، فدخلوا القصر الإمبراطوري حيث صَعِدوا إليه بواسطة سلالم ترفع الإنسان إلى الطبقة المطلوبة، ولم يشعروا إلا وقد وجدوا نفسهم في الطبقة الثانية. ولمَّا دخلوا أودة المقابلة وجدوا جلالة القيصر والقيصرة واقفين بكل خشوع ووقار واحترام، فتشرف جلالتُهما بتقبيل الصليب الذي كان بيد نيافة المطران، ولبثوا واقفين نحو ثلاثين دقيقة، وكان الترجمان جناب الوكيل المعيَّن لذلك حيث كان يعرف قليلًا من اللغة العربية. وفي الحال أبرز نيافته خطابًا من جلالة ملك الحبشة مكتوبًا باللغة الحبشية فأخذه جلالة القيصر فقبَّله، ثم أمر جلالته أن يتعاطَوا قليلًا من الشاي وغيره. وبعد ذلك زاروا الطبقة الثانية كلها فاندهشوا من تلك المناظر العجيبة والمفروشات المختلفة الألوان مما لا يمكنني أن أُعبر عنه بطريقةٍ وافية، وأما مخدع جلالته فبسيط للغاية. ويُوجد بهذا القصر حجرةٌ مخصوصة فيها أيقونة العذراء وجملة قديسين حيث يؤدي صلاته الخصوصية فيها صباحًا ومساءً، فتعجَّبوا كثيرًا من بساطة هذا الملك وتمسُّكه بالدين. وأما «بترهوف» السابق ذكرها فهي بلدةٌ صغيرة تبعُد عن العاصمة بمسافة ١٥ كيلومترًا يقطعها الإنسان بقطار السكة الحديد، وفيها يُوجد السراي التي يُمضي فيها القيصر فصل الصيف.

ثم إن نيافة المطران لبث في سراي «بترهوف» لغاية الساعة ٤ من مساء يوم السبت، وعاد للمحطة بالعربات الخصوصية التي كانت في انتظارهم أولًا، وسار القطار بعد بضعة دقائق قاصدًا بطرسبرج. وأخيرًا وصلوا النزل في الساعة الخامسة وقلوبهم تهتز من شدة الفرح لما توسَّموه من ميل هذا الملك السعيد إلى عمل الخير وزهده الدنيا بحيث إنه لا يلبس لبس الملوك والسلاطين، بل كأحد أفراد العساكر، وطلبوا من المولى تعالى أن يزيد في شوكة هذا القيصر الكريم. وفي جملة ما قاله جلالته لنيافة المطران: إني سعيد اليوم لزيارة شخصٍ موقَّر مثلكم، وخصوصًا لأنك من عند حبيبنا الملك مناليك.

وفي يوم الأحد الموافق ١٣ من الشهر أمضينا الصلاة في كنيسة تُدعى ألكسندرفسكي (إسكندر) فأعدُّوا لنا أيضًا محلًّا مخصوصًا مثلما فعلوا بكنيسة ماري إسحاق المتقدِّم ذكرها، وبعد الصلاة دخلنا الهيكل وشاهدنا الأيقونات الموجودة به وباب الهيكل المصفَّح بالفضة، وبه قبر فيه جثة صاحب الكنيسة، ونظرنا الملابس الكهنوتية المصنوعة من القصب بأعظمِ اعتِنا وأبدعِ شكل. وبعد ذلك ساروا بنا في دير الكنيسة حيث تناولنا الغذاء، وفي أثناء ذلك صارت الكهنة والشمامسة تُرتِّل أثناء الطعام، وبقينا هناك لغاية الساعة الثالثة بعد الظهر، ثم ركبنا العربات وتوجَّهنا إلى اللوكندة. وفي عصاري ذلك اليوم تنزَّهنا على شاطئ بوغاز منلند الموصل إلى البحر البلطيقي بنقطة تُدعى الجزائر، فصارت العربات تمشي بنا الهوينَى حتى أشبعنا النظر منها، وهذا المحل كله أشجارٌ غير مثمرة وروائحُ زكية، وفي وسط هذه الأشجار شوارعُ منتظمة جدًّا وكلها مضاءة بالنور الكهربائي، وهذا الموضع يبعُد عن المدينة نحو عشرة كيلومترات، ثم عدنا في الساعة الثامنة.

المتحف الروسي

وفي يوم الأربعاء ١٤ منه في الساعة ٩ صباحًا سارت بنا العربات إلى الأنتكخانة ثم القصر الإمبراطوري؛ فأولًا دخلنا الأنتكخانة، وهنا يقصُر اللسان عن إيضاح جميعِ ما شاهدناه من التحف التي تُوجِب العجب وتُصيِّر الإنسان مدهوشًا متحيرًا.

كان دخولنا إلى الأنتكخانة في الساعة ٩ من صباح اليوم المذكور؛ فأولًا وجدنا فسحةً عظيمة مُوصلَة إلى السلالم، وعلى كلٍّ من يمينها وشمالها أودتان لرؤساء هذا المتحف، وعندما يصعد الإنسان في الدور الثاني يجد على شماله غرفةً عظيمة يبلغ طولها ١٢ مترًا وعرضها ٨ أمتار وكلها مزيَّنة بصور بعض القياصرة وبعض القُوَّاد الذين شهد لهم الزمان بالشجاعة في الحروب، ثم دخلنا حجرة من داخل حجرة إلى أن وصلنا إلى ردهةٍ عظيمة ترى فيها على الشمال صندوقًا عظيمًا بداخله صورة إسكندر الأكبر وأمامه جواده الخصوصي وكلباه، وإذا مشى الإنسان قليلًا يجد السرج الذي كان يضعه على هذا الجواد المرصَّع بالجواهر الثمينة، ولربما يبلغ ثمنه عشرة ملايين جنيه؛ إذ فيه نحو ثلاثة كيلوجراماتٍ وأكثر من الألماس خلاف الحجارة الأخرى، وأمام هذا السرج صندوقٌ من الزجاج داخله علب نقود ودخان مختلفة القياس ومرصَّعة بالجواهر أيضًا. وبالجملة فإن هذه الحجرة العظيمة ممتلئة من الألماس والجواهر المختلفة، ثم نظرنا في جهةٍ أخرى صورًا عديدةً مصنوعةً من الزلط الرفيع. وبعد أن أشبعنا النظر في الطبقة العليا قصدنا الطبقة السفلى، فأول ما شاهدناه آلات الحرب القديمة بأجمعها من مدافع وأسلحة وبنادق وما شاكل ذلك، وصور الأبطال راكبين جيادهم ورافعين السلاح إشارةً إلى الهيئة التي كانوا بها أثناء الحروب. وبعدئذٍ دخلنا غرفًا عديدةً فيها صور القديسين، فشاهدنا أولًا صورةً عظيمة يبلغ طولها من ثلاثة لأربعة أمتار وعرضها نحو مترين، وهي صورة بطرس الرسول عندما صُلب منكَّس الرأس واليهود بكثرة حوله، ثم صورة إبراهيم الخليل عندما أراد ذبح ولده الوحيد وجاء مَلَك من السماء وأمسك بيده ووضع الكبش بجانبه، وأكثر الصور يبلغ ٣ × ٤ أو ٢ × ٥. ثم أيقونة أُم المخلِّص، وبعد ذلك دخلنا أودةً عظيمة بها نحو من ٢٠ أيقونة، وكل واحدة معلقٌ أمامها قنديل من الفضة لا ينطفئ ليلًا ونهارًا.

وقد سُهي عليَّ أيها القُراء أن أذكُر لكم أولًا صورة الملكة زوجة بطرس الأكبر وصورته عندما أسلم الروح، ثم صورته وهو راكب جواده، ثم عند وضعه في القبر، والعصا التي تدُل على قياسه والسيوف المرصَّعة بالجواهر التي كانت له، والشماسي والعِصِي التي كانت له ولزوجته. وبعد أن انتهينا من مشاهدة هذا المحل العظيم دخلنا القصر الإمبراطوري، فعَبَرنا ردهةً موصلة من دار التحف إلى القصر المذكور، وهنا يعجز اللسان عن التعبير ولا يمكنه أن يصف هيئة القصر كما شاهده الإنسان بعينه، دخلنا ونحن نعجب من ارتفاع تلك القصور الهائل والكراسي المزخرفة والمفروشات العظيمة الموجودة به، فصرنا نعبُر حجرةً بعد أخرى حتى وصلنا صالة كبيرة وهي المُعدَّة لمقابلة الملوك، فهذه الصالة فيها يشاهد الإنسان نهر نيفا وطولها نحو من ٣٠ مترًا وعرضها ١٠ تقريبًا، وعلى يمينها ويسارها عدَّة كراسي، ومن الجهة البحرية يُوجد الكرسي الملوكي، ويُوجد في هذه الصالة ٢٤ ثُريةً يبلغ ضوء كل واحدةٍ منها ٤٠٠ شمعة وهي بالنور الكهربائي. وبعد ذلك دخلنا حُجَرًا عديدةً كلها مزخرفة، ومن ضمنها أودة جد الإمبراطور الحالي، فلما دخلناها نظرنا في شمالها مائدة وعليها دفاتره، وعلى اليمين وفي وسط هذه الأودة مائدةٌ أخرى للأشغال الخصوصية، فنظرنا فوقها الساعة التي كان يحملها وعقاربها واقفةٌ عند ساعة موته، ثم شاهدنا أيضًا النقود التي كانت في زمانه، وفم السيجارة وبعض ملابسه، وآخر سطر كتبه حيث كان الدفتر مفتوحًا، ووراء كرسيه كرسيٌّ آخرٌ عليه دفاترُ أخرى، وعلى يمين هذا الكرسي دروة فيها السرير الذي أسلم عليه الروح، فتعجَّبنا من الاهتمام بحفظ هذه الآثار في مواضعها حيث مضى عليها نحو ٢٥ سنة، ثم دخلنا محلات أخرى بها صورة الوقائع الحربية ومن جملتها الحروب التي كانت بين الروسيا والدولة العلية، وكل صورة من هذه الصور تبلغ مساحتها ٣ أمتار × ٤ أو ٢ × ٤ بالتقريب، وكلها مرسومة بالألوان الجميلة، ثم شاهدنا بستانًا في الطبقة الثالثة تبلغ مساحته ٢٠٠ مترٍ مربع (٢٠ × ١٠) وبه أشجارٌ مرتفعة تشبه شجر «الصرو» وبه عدة مماشٍ وفي وسطه بئرٌ لري هذا البستان العظيم. وهكذا أخذنا نسير مدة ثلاث ساعات ونصفًا حتى تعبنا فركبنا العربات وعدنا للنُّزل في الساعة الواحدة بعد الظهر. وفي مساء ذلك اليوم تنزَّهنا في الجزائر السابقة الذكر فأمضينا فيها للساعة ٩ مساء. ومما يُوجِب العجب أن غروب الشمس في عاصمة الروسيا في فصل الصيف يكون بعد غروب الشمس عندنا بربع ساعة وهكذا في فصل الصيف. وأما في فصل الشتاء فيكتسي الجو بالظلام من الساعة ٣ بعد الظهر لغاية صباح اليوم التالي، وتكتسي الأرض بالثلج حتى لا يمكن للإنسان أن يعبُر الطريق إلا إذا لبس حذاءً كبيرًا. وفي أثناء سقوط الثلج تتجمَّد المياه حتى يمكن للعربات المسير على المياه نفسها، ثم يصنعون قناياتٍ في وسط الثلج الذي يسقط في الأنهر حتى يتمكنوا من وجود ماء للشرب، ويبلغ عمق القنايات نحو متر ونصف تقريبًا.

وفي يوم الثلاث ١٥ منه الساعة ٩ صباحًا ركبنا قطار السكة الحديد وقصدنا موضعًا يُدعى «كراتنويسلو» يبعُد عن العاصمة نحو ٢٠ كيلومترًا تقريبًا، فعند وصولنا للمحطة ركبنا العربات التي كانت مُعدَّة لنا وسرنا إلى موضعٍ يبعُد عن المحطة بنصف ساعةٍ لمشاهدة استعراض الجيش الروسي، فاستقبلونا في محلٍّ مخصوصٍ كان قد أُعد لنا ولعائلات الوزراء وأكابر التجار وبعض أكابر القوم أيضًا، وبجانب هذا المكان يوجد كشكٌ مخصوصٌ لجلالة الإمبراطور وملك إيطاليا وبعض العائلات الملوكية، فما حلَّت الشمس وسط الأفق إلا ومرَّ جلالة القيصر راكبًا جواده أمام الجيش ورافعًا سلاحه رمزًا إلى تحية أمته السعيدة، وتلاه شقيقه الدوك مخائيل وراءه، ثم وزير الحربية وجمعٌ عظيمٌ من القواد، فاستمرت الأورط تمر أمام الجميع مدَّة ثلاث ساعات ونصف، ومن ضمن هذا الجيش العظيم تلامذة المدارس الحربية والبحرية، ثم مرَّ نحو ٤٠٠ مدفعٍ وكل واحدٍ منها يقوده ٦ من جياد الخيل، وكل جواد يركبه جندي، والمدفع نفسه يركبه ثمانية جنود. وكل أورطة مؤلفة من ثمانية صفوف، فسُررنا بمشاهدة هذا الجيش العظيم الذي يبلغ ٤٠ ألف جندي في العاصمة فقط، وأما مجموعه فيبلغ نحو مليون وهو متفرق في أقطار الروسيا كلها.

وهذا الاستعراض كان لمناسبة وجود جلالة فيكتور عمانويل الثالث ملك إيطاليا. وفي الساعة الرابعة من مساء ذلك اليوم عدنا بالعربات إلى المحطة حيث تناولنا الغذاء في لوكندة الإمبراطور الخصوصية المُعدَّة لجلالته لتناول الطعام في الأوقات التي يكون جلالته مترددًا في الأماكن المجاورة لها، ثم أخذنا القطار وعُدنا للعاصمة.

المعامل الروسية

وفي صبيحة اليوم الثاني ١٦ منه عند الساعة ١٠ صباحًا قصدنا معامل الحديد، فاستقبلَنا جناب الرئيس العمومي وبعض المهندسين ورؤساء الورش، ودخلوا بنا إلى فابريقة المدافع الصغيرة الموضوعة على فرع من نهر نيفا، فنظرنا كيفية العمل وكيفية وضع الرصاص وإطلاقه. وبعد ذلك ركبنا باخرةً صغيرة (رفاص) وسرنا إلى الشاطئ الثاني حيث كان يُوجد نحو ١٠ مدافعَ صغيرة، فأطلقوها أمامنا ثلاث دفعاتٍ فكنا نسُد آذاننا من شدة الضجة. وبعد بضعة دقائق عُدنا بالباخرة وأخذنا وابورًا صغيرًا للوصول إلى الفابريقة الأخرى؛ حيث كل واحدة تبعُد عن الثانية بنحو كيلومتر تقريبًا، فوصل بنا إلى الفابريقة التي يصنعون فيها أعظم المدافع، فلما شاهدناها زاد بنا العجب والاندهاش؛ إذ شاهدنا من المدافع ما يبلغ طول البعض منها ١٣ مترًا وارتفاع الدائرة ٤٥ سنتيمترًا، والبعض الآخر ٨ أمتار وارتفاع الدائرة ٢٠ سنتيمترًا. وأخذنا نجول في هذه الورش الهائلة مدَّة ٣ ساعات تقريبًا. وشاهدنا أيضًا الحديد عندما يصير كالماء الجاري، ثم آلاتٍ بخارية للمراكب الحربية وثمن البعض منها ٥ آلاف جنيه والآخر ٨ آلاف، والمدافع الكبيرة يبلغ ثمن البعض منها ١٠ آلاف جنيه والأخرى ستة آلاف. ومن العجيب أنه في كل ورشة أودةٌ مخصوصة بها أيقونة أحد القديسين وأمامها قنديل لا ينطفئ، وكذا في أغلب الشوارع والأزقَّة، ثم تناولنا الغذاء في الساعة الثانية من مساء اليوم المذكور، وبعدئذٍ عُدنا لمحل إقامتنا.

زيارة الكنائس

ولمَّا أصبح اليوم التالي (يوم الخميس ١٧ منه) قصدنا زيارة الكنائس، فدخلنا أولًا كنيسة ماري إسحاق التي كانت تبعُد عن النُّزل بنصف كيلومتر، ودخلناها في الساعة العاشرة من صباح اليوم المذكور، وكان في انتظارنا حضرات كهنتها وأكثر من ٥٠ تلميذًا (شماس) فأنشد الجميع في الحال التراتيل الدينية وهتفوا بصوتٍ واحد: فليعش الإمبراطور مناليك والإمبراطور نقولا الثاني ونيافة مطران الحبشة و«عباس الثاني». ثم ساروا بنا أمام الهيكل فنظرنا الباب كله مموهًا بالفضة، ومنقوشًا عليه رسم نحو مائة قديس، وفي أربعة أركانه ملائكةٌ يحملون الصلبان، وأمام هذا الباب العجيب على بعد ٣ أمتار أيقونة أم المخلِّص وابنها الحبيب موضوعة على قطعة من النحاس الأصفر ترتفع عن الأرض بنحو متر، وكان دائرها مرصَّعًا بالجواهر الكريمة، وفوق كلٍّ من رأس السيدة وابنها الحبيب قطعة من الألماس تشبه البندقة، والاسمان مكتوبان بالحجارة الكريمة أيضًا. وبجانب هذه الأيقونة نسخة الإنجيل الذي يبلغ ثمن غطائه ٨ آلاف جنيه؛ لأنه مرصَّعٌ بالجواهر، وعلى بعد ١٥ مترًا على باب الهيكل أيقونة المخلِّص وهو مدفون في قبره رمزًا إلى موته المجيد، وفي الأربعة أركان ملائكةٌ يحملون الصليب أيضًا، ثم قبر صاحب الكنيسة وأيقونته أمامها قنديل لا ينطفئ دائمًا، وفي الجهة الغربية من هذه الكنيسة غرفة ناظر حساباتها، وأمامها مائدةٌ عظيمة مستطيلة عليها شمعٌ كثير يأخذ الإنسان عددًا معلومًا ويُشعِله أمام من يريد من القديسين إذا كان عليه نذرٌ بعد دفع الثمن المحدَّد لكل شمعة، وتكاليف هذه الكنيسة ٢٩ مليون روبل (٣ ملايين جنيه تقريبًا). وأما ارتفاعها فغريبٌ جدًّا يبلغ ٤٠ مترًا وطولها ٥٠ مترًا وعرضها ٢٥، وبها ٢٠ عمودًا من الرخام الأزرق المنقوش، وكذا جدارها بالرخام أيضًا، وقد مكثنا بها نحو ساعة مندهشين من فخامة هذه الكنيسة، ثم غادرناها في الساعة ١١، وقصدنا كنيسة أخرى، ألا وهي كنيسة القديسة مريم، فكان في انتظارنا على بابها جملةٌ من الكهنة والشمامسة وكلهم بالملابس الكنايسية، فساروا بنا بموكبٍ عظيم داخل الكنيسة، فرأينا باب الهيكل المفضَّض منقوشًا عليه جملة من القديسين مثلما تقدَّم في باب هيكل كنيسة ماري إسحاق المتقدم ذكره، ثم أيقونتها مرصَّعة بالجواهر وتبلغ قيمتها ٥ آلاف جنيه، واسمها واسم ابنها المخلِّص منقوشَين بالألماس أيضًا، وكذلك أواني الكنيسة جميعها. وأما ملابس الكهنة فمنقوشة أعظم نقش وبعضها مزيَّن بالجواهر، ثم صورة أم المخلِّص مدفونة في قبر من الرخام الأبيض وعليه صليبٌ عجيب من الذهب، ثم أيقونتها فوق ذلك القبر وأمامها قنديل من الذهب الروسي الأبيض، وأما تكاليف هذه الكنيسة فتبلغ ٧٥٠ ألف جنيه. وهي أقل ارتفاعًا من الكنيسة السابقة الذكر، ويعلوها قباب منها أربعٌ صغيرة والوسطى كبيرةٌ جدًّا، وبها أربعة أجراس، وفي الجهة الغربية منها تُوجد أودة الحسابات وبجانبها أودةٌ صغيرة لحساب النذور فقط، ثم مائدة أمام هاتَين الأودتَين مخصوصة لشمع النذور، فمكثنا في كل كنيسة نحو ساعة، وفي الظهر قصدنا النُّزُل حيث تناولنا الغذاء.

وفي الساعة ٢ من مساء ذلك اليوم ساروا بنا إلى كنيسةٍ صغيرة داخلها قبور الملوك السالفين وعائلاتهم، فكنا نشاهد كل قبر من الرخام الأبيض وعليه صليبٌ من الذهب الخالص وأيقونة الميت على الرأس وأمامها قنديلٌ مشتعل، وقد أحصيتُ نحو ٩٠ قبرًا بهذه الصفة، وهناك أُقيمت الصلاة على روح والد جلالة القيصر الحالي واستمرت نحو ساعة وربع، وكنا نقبض على الشمع أثناء الصلاة، ونرى على كل قبرٍ ملكًا ماسكًا الصليب. والموكَّلون على هذا المحل نحو ١٥ شخصًا غير الكهنة والشمامسة، وبداخله أشجارٌ كثيرة ورياحينُ متنوِّعة، وإذا تأمل الإنسان لهذه الكنيسة يجدها شعلةً تتلألأ بالقناديل الموضوعة أمام كل قبر من هذه القبور. وكان خروجنا منها في الساعة ٣ بعد الظهر، فقصدنا محلَّا صغيرًا منفردًا، فوجدنا بداخله أول قاربٍ صنعه بطرس الأكبر، وهذا القارب معلقٌ في سلسلة من الحديد ترتفع عن الأرض بنحو نصف متر تقريبًا، وفيه أيضًا الرايات التي كانت في أيام ذلك القيصر مرفوعة حول القارب المذكور، وبعد ذلك سرنا لموضعٍ آخرَ يُوجد بداخله كرسيٌّ وخزانةٌ صنعهما القيصر المذكور وهما منقوشان أعظم نقش، وفيه مقصورة السيدة العذراء وأيقونتها، وكنا نُشاهِد أناسًا كثيرين يتوافدون على هذا المكان للتبرُّك به.

وفي يوم الجمعة ١٨ منه استرحنا لغاية الظهر، وفي الساعة ٤ مساءً أخذنا العربات وتنزَّهنا في الجزائر المتقدِّم ذكرها، فلبثنا فيها نحو ثلاث ساعات، وكان نيافة المطران في زيارةٍ خصوصية.

ولمَّا أقبل صباح السبت ١٩ منه سرنا إلى مينا مخصوصة على نهر نيفا، فأخذنا رفاصًا كان أُعد لنا، فسار بنا إلى محل تُصنع فيه المراكب، وفي أثناء سيرنا كنا نشاهد المراكب بكثرة في هذا النهر، وعند وصولنا استُقبلنا في كشكٍ مخصوص كان معدًّا للسفراء وللعائلة الملوكية. وأمام هذا الكشك كانت العساكر مصطفةً بأجمل نظام وبجانبهم بعض قواد الجيش ثم الوزراء وعددٌ عظيم من موظَّفي النظارات، وعلى جهتَي الباخرة كان يُوجد عددٌ عظيم من أعيان القوم ينتظرون الباخرة. وفي الساعة ١١ و٥ دقائق حضرَت جلالة الملكة أم القيصر الحالي فاستقبلها وزير الخارجية وبعض القُواد، وصدحَت الموسيقى إكرامًا لها فألقت التحيات للحاضرين، ثم حضر جلالة القيصر فقابله جميع السفراء وصافحهم فقط يدًا بيد، إلا نيافة المطران فإنه تكلَّم معه، فقال: كيف صحتك اليوم؟ هل نظرت مركبًا قبل نزولها المياه مثل هذه؟ فأجابه: كلا. فقال جلالته: انظر الآن. وتركه ومضى، فتعجَّب الحاضرون من كلام جلالته هذا، وصار البعض يستفهم من الآخر عن نيافة المطران وكيف تحدَّث معه القيصر، وما وافت الساعة ١٢ وربع إلا وتركَت الباخرة موضعها الأصلي وسارت في المياه، ففي الحال هلَّلَت الناس وهتفَت بصوتٍ واحد: «فليعش جلالة الإمبراطور» ثلاث دفعات، وأُطلق ٤١ مدفعًا، وهذه الباخرة يبلغ طولها ٣٠٠ ذراع وعرضها ٣٥ وارتفاعها ١٨ ذراعًا، وهي تشبه مدينةً عائمة على وجه المياه، وبلغَت تكاليفها مليونًا من الجنيهات. وفي الساعة ١٢ و٥ دقائق عاد جلالة الإمبراطور ووالدته وسفراء الدول الذين حضروا ووزير الخارجية، وبعد ٥ دقائق أخذنا الرفاص وعدنا للميناء ومنها إلى النُّزل. وفي يوم الأحد ٢٠ منه أدَّينا الصلاة في كنيسةٍ أخرى باسم العذراء، فظلَلنا لغاية الساعة ١١ وأخيرًا عُدنا للنُّزل وتناولنا به الغداء. وفي الساعة ٣ بعد الظهر زار نيافة المطران جلالة والدة الإمبراطور وكان معه الوكيل المعيَّن فقط حيث تناول الشاي بعد المقابلة، ولبث لغاية الساعة ٥ وعاد بالقطار؛ لأن قصرها ﺑ «بترهوف» بجانب قصر الإمبراطور الذي يُمضي في فصل الصيف كما تقدَّم، وقد تعجَّب نيافة المطران من تواضُع هذه الملكة وتواضُع ابنها الإمبراطور أيضًا، فخرج من حضرتها وقلبه ممتلئ من العجَب، وأخذ يطلب منه تعالى أن يديم لها وللأمة المسكوبية هذا الملك العادل.

ومن يوم ٢١ لغاية ٢٥ منه كنا نأخذ لنفسنا الراحة كل يومٍ لغاية الساعة ٨ مساءً نتردَّد في الجزائر تارةً وحدنا وأخرى مع نيافة المطران.

حديقة الحيوانات

وفي يوم ٢٥ الساعة ٣ مساءً قصدنا زيارة حديقة الحيوانات، فلبثنا بها نحو ساعتَين وشاهدنا في جهة الشمال منازل الحيوانات الصغيرة كالهر والنسناس والببغاء ونحوها، وشاهدنا من الجهة الأخرى منازل الحيوانات المفترسة كالنمر والسبع والضبع ونحوها. وفي الشمال الغربي يوجد فيلان كان يلاعبهما المكلَّف بأكلهما فصارا يلعبان على الموسيقى والطبل أمامنا مدة ربع ساعة، ونظرنا جملة حيواناتٍ أخرى كثيرة أغلبها يُوجد في حديقة حيوانات مصر.

وفي صباح الأحد ٢٧ منه توجَّهنا إلى كنيسة العذراء، فأدَّينا فيها الصلاة في موضعٍ خاص أمام باب الهيكل، وبعد انتهاء القُدَّاس تهافَت الشعب على نيافة المطران، وأخذوا يقبِّلون يدَيه نحو ساعة من الزمان.

الضربخانة

وفي يوم الإثنين ٢٨ منه الساعة ٣ قصدنا زيارة الضربخانة، وهنا يعجز القلم عن إيضاح ما شاهدناه من المدهشات لما دخلنا هذا المحل العظيم المبني من الحديد، ووجدنا جناب مديره ينتظرنا مع بعض الضباط، فساروا بنا أولًا إلى محلٍّ كبير هو خزينة النقود وبداخله قوالبُ من الذهب الخالص، حجم الواحدة ١٢ مترًا و٢٠ سنتيمترًا، وارتفاعها ٢ سنتمترات، ويبلغ وزنها ١٨ كيلوجرامًا.

ثم ساروا بنا إلى محلٍّ يشبه هذا المحل وبداخله قوالبُ أخرى مثل هذه، وفي أثناء مرورنا كنا نشاهد الذهب والفضة المستخرجة، وهي غير الخالصة، كانت مطروحةً أمامنا على الأرض، ثم شاهدنا الآلة التي تصفِّي الذهب والفضة، وقد أهداها عم جلالة الإمبراطور الحالي للضربخانة المشار إليها.

ولما صَعِدنا إلى أعلى هذا المحل العظيم في المكان الذي يصُبُّون فيه هذه المعادن كنا ننظر لقوالب الذهب السابق ذكرها يقطِّعونها إرْبًا إرْبًا، ويأخذون كل قطعة فيمُدُّونها بواسطة النار حتى تصير شبه قضيب، ثم يأخذون هذا القضيب ويضعونه تحت آلةٍ تجعله سمكًا واحدًا، ثم يضعونه تحت آلةٍ أخرى تقطِّعه قِطعًا في حجم الجنيه، ثم يأخذون هذه القِطع ويضعون قطعةً بعد أخرى تحت آلة تزنُها، فالقطعة المضبوطة تسقط تحت الآلة في محلٍّ مخصوص، والقطعة الزائدة تأخذ منها تلك الآلة مقدار الزيادة، وأما الناقصة فتطرحها خارجًا. وبعد ذلك يأخذون جميع القِطع ويضعونها تحت آلةٍ أخرى للطبع، وكذلك يفعلون في الأخرى. وأما الجزء الباقي من بعد تقطيع المعادن فيسكُبونه أيضًا، وتجري عليه العملية المشار إليها مرةً أخرى.

ولما سألنا مدير الضربخانة عن القيمة التي تُخرِجها الضربخانة في اليوم الواحد أجاب أنها ١٠٠ ألف جنيه، وهكذا لبثنا نحو أربع ساعاتٍ ونحن في غاية الاندهاش، ثم ساروا بنا أيضًا إلى المحل الذي يجهِّزون فيه النياشين والمداليات، فناول جنابُ المدير نيافةَ المطران مداليةً من البُرنز تذكارًا لدخوله هذا المحل، وكلَّفه بكتابة اسمه وتاريخ زيارته عليها ففعل.

أما النقود الروسية فهي الكوبك (أي مليم وكسور) وهي قطعة من النحاس، واثنان كوبك (قطعة أكبر منها مرتَين)، وخمسة كوبك (قطعة من فضة)، وعشرة كوبك (قطعة من فضة)، و١٥ كوبك (قطعة من فضة)، و٢٠ كوبك (قطعة من فضة)، ثم ٥٠ كوبك (قطعة من فضة)، و١٠٠ كوبك (قطعة من فضة) وتُسمَّى روبلًا، ثم ٥ روبلات (قطعة من ذهب) نصف جنيهٍ مسكوبي، و١٠ روبلات (قطعة من ذهب) وتساوي ١٠٠٠ كوبك وتُسمَّى جنيهًا مسكوبيًّا، ثم خرجنا من هذا المحل في الساعة ٧. ومن ذلك اليوم إلى آخر الشهر لم نزُر محلًّا آخر سوى الجزائر في عصاري كل يوم.

العودة

وفي يوم الثلاث ٢٩ منه صباحًا أمر جلالة القيصر بالنياشين فقدَّمها لنا جناب الوكيل المعيَّن بالنُّزُل، وفي الساعة ٣ مساءً تشرَّف نيافة المطران ومن كان معه في أول دفعةٍ بزيارة جلالته ليُقدِّموا له الشكر الخالص ويستأذنوا في السفر، فظلُّوا هناك ﺑ «بترهوف» نحو ٤٥ دقيقة وهم جالسون مع جلالته يتحدثون، وأخيرًا ودَّعهم جلالة القيصر وآخر كلمة قالها هي: «إني أتمنى لكم سفرًا سعيدًا كي تقدِّموا واجب التحيات لجلالة الإمبراطور مناليك.»

وبعد ذلك تناولوا الشاي وعادوا إلى محل إقامتهم في الساعة ٦ مساءً بعدما زاروا وزير الخارجية، وقد عزم نيافة المطران على السفر في اليوم الثاني لزيارة الإمبراطور، ولكن المرض كان منتشرًا وقد اتُخذت الاحتياطات ضد أودسا؛ ولذا أُجِّل ذلك ليوم أول أغسطس حيث ركبنا القطار في الساعة ٩ والدقيقة ٤٠ صباحًا قاصدين سباستبول (كريمه) بعدما ودَّعنا بالمحطة جميع من تشرَّفوا بالمقابلة حال وصولنا للعاصمة (بطرسبرج). فظل القطار سائرًا نحو ٥٠ ساعة، وقد عبَرنا موسكو العاصمة القديمة في الساعة ٩ والدقيقة ٥ من مساء اليوم عيْنه أول أغسطس، فأخبرني شخصٌ على رصيف المحطة أنه يُوجد بهذه المدينة نحو ألف وخمسماية كنيسة منها ٥٠٠ كبيرة والأخرى صغيرة، وفي كل منزلٍ حجرةٌ صغيرة للصلاة، وقيل إن هذه المدينة هي أعظم مدينةٍ في العالم من حيث انتشار الدين.

وكنا نشاهد المدينة مضاءة بالنور الكهربائي، واستمر القطار نحو عشر دقائق يسير بجانبها.

وفي الساعة ٦ من صباح اليوم التالي (٢ أغسطس) عبَر القطار بلدةً صغيرة بها نحو مائة كنيسة، وهكذا ما كنا نشاهد إلا المدن المجاورة بعضها لبعض المرتفعة ارتفاعًا هائلًا، وفي الساعة ٥ والدقيقة ٥ من مساء ذلك اليوم وصلنا مدينة «كرشوف»، فدعانا جناب الوكيل الخصوصي لتناول الغداء، وكان في استقبالنا عددٌ عظيم من الكهنة يتقدَّمهم نيافة مطرانها ثم محافظها وبعض رجال البوليس وجمعٌ عظيم من الناس، وهكذا كنا نتناول الغداء في أثناء عبورنا بالمحطات الكبرى التي يُوجد بها لوكندات كما تقدَّم.

وفي أثناء وجودنا في الأقطار المسكوبية لم نكن نشعر بحرارة في الطقس؛ حيث كانت درجتها ١٦ لغاية ١٨، وبقيَت هكذا لغاية قبل وصول القطار لسباستبول (أعني في العودة) فاشتدت الحرارة حيث بلغت درجتها ٢٤ و٢٥؛ وذلك لأننا كنا نعبُر جبالًا وصحراء ليس بها أشجار.

وفي الساعة ١٠ والدقيقة ٤٠ حضر فرملجي القطار وأشعل الشموع، وبعد خمس دقائقَ عبَر القطار ثلاثة خنادق في الجبل يبعُد كلٌّ منها عن الثاني أربعة كيلومترات، والثاني عن الثالث ٣، واستمر القطار مدة ١٥ دقيقة في الأول، ودقيقتَين في الثاني، ودقيقة في الثالث. وأخيرًا وصلنا في الساعة ١٢ صباحًا لسباستبول، فكان في انتظارنا على رصيف المحطة جناب محافظ البلدة وبعض الكهنة ورجال البوليس وناظر المحطة وكثير من الأعيان، ثم تناولنا الغذاء في الساعة ١٢ بها.

وفي الساعة واحدة حضر مطران تلك المدينة وقدَّم واجب التحية، واستمر نحو ربع ساعة مع نيافة مطران الحبشة، فركبنا العربات في الساعة ٢ بعد الظهر، وسرنا إلى المينا بالباخرة أوليج فظلَلْنا بها نحو ساعتَين، وفي الساعة الرابعة أخذنا رفاصًا صغيرًا وقصدنا زيارة ديرٍ يبعُد عن المدينة بأربعة أميال، وكان في انتظارنا نيافة المطران وعددٌ عظيم من الرهبان، فساروا بنا إلى الكنيسة حيث أُقيمت الصلاة نحو نصف ساعة، وكان يوجد عددٌ عظيم من الناس يتزاحمون لمشاهدتنا، وبعد انتهاء الصلاة ساروا بنا إلى أعلى الكنيسة فوجدنا كنيسةً أخرى مشيَّدة فوقها، وأخيرًا تناولنا الشاي والقهوة وعُدنا إلى الرفاص، فودَّعنا نيافة المطران وسار معنا إلى درَج ذلك الدير، وصافح نيافة مطران الحبشة جميع الحاضرين يدًا بيد، ثم عُدنا إلى الباخرة في الساعة ٦ مساء. وما بزغ صباح الإثنين ٤ منه إلا وودَّعنا الديار المسكوبية بسلامٍ شاكرين أهلَها على لطفهم وحسن معاملتهم.

دار السعادة

هكذا ظلَّت الباخرة (أوليج) سائرة بنا مدة ٢٧ ساعة، إلى أن وصلت مدينة القسطنطينية في ظهر اليوم الثاني (الثلاث ٥ منه)، فاستقبلنا جناب المسيو مايكوف الترجمان الثاني للسفارة المسكوبية، وسار بنا لدار السفارة المذكورة التي تبعُد عن شاطئ البحر الأسود بمسافة كيلومترٍ واحد، وكان في انتظارنا جناب المسيو نشارباتشوف وكيل السفير وجميع مستخدَمي السفارة، فتناول نيافتُه الغداء في الساعة ٢ بعد الظهر وظل هناك ساعة ونصفًا، وأخيرًا ساروا بنا إلى فندق بجانب السفارة المُومَى إليها يُدعى «لوكندة المنظر الجميل» وهذه اللوكندة واقعة في غرب البوسفور، وعلى ارتفاع ٦٠ مترًا منه، ولها طريقان؛ الأول من جهة البوغاز المذكور، والثاني من عطفةٍ واقعة جهة الشمال، وحولها بعض الأشجار وبساتينُ صغيرة، وأما مدخلها فهو من جهة الشمال، وهي مؤلَّفة من طبقتَين ومبنية من الخشب، ومنها يطل الإنسان على البوغاز المذكور من الجهة الشرقية. وقبل الدخول يجد الإنسان على اليمين ردهةً عظيمة لتناول الطعام، وعلى بُعد ٥ أمتارٍ منها يجد على الشمال مطبخَ هذا الفندق، وخلفه وبجانب الصالة الكبرى صالة صغيرة ببلكون يُطل على البوغاز، وهي مخصَّصة لأشغال المسافرين الخصوصية، وأمامها درَج الفندق، فإذا صَعِد الإنسان يجد طرقةً عظيمة وعلى يسارها عشرين حجرة وكلها لجهة البوغاز، وعلى اليمين غرفٌ أخرى، والجزء الباقي يُطل على بستانٍ من البساتين السابقة الذكر، ثم يعبُر مثلما عبَر أول دفعةٍ فيجد الطبقة الثانية، وهي كالطبقة الأولى، وفي الطبقة الثانية صالةٌ خصوصية كان يتناول فيها الطعام نيافةُ المطران وجنابُ وكيله، وبجانبها حجرته، ولها بابان أحدهما من الصالة والثاني من ذات الطرقة، وبجانبها حجرة الوكيل ثم الصرَّاف الخصوصي ثم الترجمان (المؤلِّف)، ومن الجهة الأخرى حُجَر باقي الأشخاص، وأجرة كل نازل في الطبقة الثانية ١٣ فرنكًا يوميًّا، وفي الثانية ١٠ فرنكات بما فيه الأكل.

وقد مكثنا في هذه اللوكندة مدَّة ٥ أيام لغاية يوم السبت، ففي اليوم الأول (الثلاث ٥ منه) لم تتيسَّر لنا الزيارة.

وفي اليوم الثاني (الأربع ٦ منه) الساعة ٩ صباحًا قصدنا زيارة قداسة بطريرك الروم بالقسطنطينية، وكان معنا جناب المسيو مايكوف الوكيل المعيَّن لنا من قِبل السفارة الروسية، فأخذنا الرفاص المُعَد لنا أثناء الإقامة بالآستانة لكي ننتقل به من مكانٍ لآخر لغاية المدينة التي تبعُد عن محل إقامتنا بمسافة ٢٠ كيلومترًا بالبوغاز المشار إليه، وعندما استقر الرفاص ركبنا العربات ولبثنا سائرين مدة نصف ساعة، وفي أثناء الطريق عبَرنا كبريًا مبنيًّا على البوسفور طوله نحو كيلومترٍ واحد، ولمَّا وصلنا استقبلنا خارج القصر جناب وكيل البطركخانة وجملة من الكهنة، وساروا إلى قداسته فاستقبلنا على بُعد مترَين من كُرسيه، وبعد التسليمات والتحيات جلس نيافة مطران الحبشة على يمينه ودار الحديث بينهما باللغتَين اليونانية والفرنساوية، وكان ترجمانُ قداسته يُلقي إليَّ الكلام من اللغة اليونانية والفرنساوية وأنا أنقل بالعربية، ثم تناولنا القهوة والشاي ولبثنا نصف ساعة، فخرجنا في الساعة ١١ بعدما ودَّعنا قداسته على باب الرَّدْهة، وطلب من نيافة المطران إبلاغ التحيات لجلالة ملك الحبشة، وقبل الخروج زار نيافته كنيسة البطركخانة. وبعد بضعة دقائقَ ركبنا العربات وقصدنا اللوكندة بالمدينة حيث تناولنا الغذاء فيها.

وفي الساعة واحدة عُدنا بالرفاص إلى محل إقامتنا بعدما عبَرنا عدَّة شوارع في المدينة على سبيل التفرُّج، وفي اليوم الثالث من إقامتنا، وفي يوم الخميس (أو صيام العذراء) قصدنا في الساعة ١١ صباحًا زيارة جامع أجيا صوفيا، فدخلناه في الساعة ١٢ وخمس دقائق، فعبَرنا أولًا طرقةً عظيمة يبلغ ارتفاعها نحو أربعين مترًا وهي مجوَّفة من جهة الشمال، وبابًا آخر مرتفعًا نحو ثلاثة أمتار وهو باب الصلاة، فعندما دخلنا منه نظرنا ردهةً كبيرة وعلى يمينها وشمالها على ارتفاع ١٥ مترًا تقريبًا محلات أشبه ببلكونات حول هذه الردهة، وهكذا على بابها وفي وسطها عدة أعمدة من الرخام الأزرق الملوَّن المنقوش، وفوق البعض منها كنا نشاهد كتابةً نصُّها «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وأخرى «عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه» وأخرى «عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه» وهكذا. وأما من الجهة الشرقية فكنا نشاهد بابًا هائلًا ارتفاعه نحو أربعة أمتار وعرضه متران وفوقه نقشٌ بديع في الحائط نفسه، وكذا حول الباب العظيم، ثم قبة أعلاه وقبتَين مستطيلتَي الشكل أمام كلٍّ من البلكونات التي حول الردهة المتقدم ذكرها؛ أعني الجزء المحصور بين الأعمدة والبلكونات.

ومن باب مدخل هذا الجامع للباب الشرقي المغلَق وهو محصور بين صفَّي الأعمدة المتقدم ذكرها وبأعلاه ثلاث قُبَّات؛ واحدة منها أمام باب المدخل، وأخرى أمام الباب المغلق، وبين هاتَين القبتَين القبة الثالثة العظيمة التي تظهر للمسافرين على بُعد ٤٠ كيلومترًا من بحر مرمرة، وأما على يسار الباب المغلَق فيُوجد محلٌّ مرتفع أشبه بكشكٍ عظيم، وهو الموضع الذي كان الملك يُمضي فيه الصلاة، وبالحائط آثار بعض الملوك القدماء، وفي هذا الجامع يُعلِّمون الأولاد القرآن الشريف، فخرجنا منه في الساعة الثانية مساءً متعجِّبين من هذا الجامع المصنوع كله من الرخام الملوَّن.

وفي اليوم نفسه دعانا جناب وكيل السفير لزيارة المراكب الحربية المعدَّة للسفارة المُومَى إليها، فصاحبَنا جناب وكيلنا الخصوصي وسار بنا لأول مركب، فكان في انتظارنا جناب القبطان والضباط العشرة وكانت البحَّارة مصفوفةً بأجمل نظام، فلما دخلناها صرخ هؤلاء البحَّارة بصوتٍ واحد: «فليعش الإمبراطور مناليك ملك ملوك الحبشة، فليعش الإمبراطور نقولا الثاني إمبراطور الروسيا، فليعش نيافة مطران الحبشة المعظَّم.» وبعد التسليمات والتحيات مرَّ نيافته على الصفوف وحيَّاهم بالسلام.

ثم صَعِدوا بنا أعلى الباخرة فشاهدنا المدافع مصفوفةً حولها، وكان البعض منها كبيرًا والبعض صغيرًا، فكانت البحَّارة تضع بها الرصاص أمامنا، وكانوا يفرضون أن الأعداء على مقربةٍ منهم، فيُصوِّبون الطلقة عليهم، ثم أخرجوا الرصاص ثانيًا وفرضوا حدوث حريقٍ في تلك الباخرة، فما كنا ننظر إلا وجميع البحَّارة مسرعون بأخذ الطلمبة وإخماد تلك النيران، ثم فرضوا أيضًا أن شخصًا قد سقط في المياه، فنزل عددٌ من البحَّارة ومعهم قاربٌ صغير ينقذونه من هذا الخطر، ثم نزلوا بنا إلى أسفل المركب فكنا نجد جميع الأشياء الدقيقة التي تحتاج إليها تلك الباخرة، ثم بعض حُجَر للمرضى، وشاهدنا مريضَين فطلب نيافة المطران منه تعالى أن يهب لهما الشفاء العاجل، وبعد بضع دقائق صَعِدنا ثانيًا فتناولنا الشاي وما طاب من الفاكهة، وشرب الجميع على صحة جلالتَي الإمبراطور مناليك وإمبراطور الروسيا ونيافة المطران وجميع من شرَّف هذا المحفل العظيم.

وما دقَّت الساعة الثانية إلا وودَّعنا جميع من كان في الباخرة ونحن في أشد العجب من محبة أفراد هذا الشعب العظيم لبعضهم البعض، وبالأخص لطفهم مع الزائرين. ولمَّا غادرنا الباخرة الأولى قصدنا الثانية التي تبلُغ ثلاثة أرباع حجم الأولى، فوجدنا بها ٦ ضباط وثمانين بحريًّا، فاستقبلنا جناب القبطان على باب الباخرة، وكذا جميع الضباط، وكانت البحَّارة مصفوفةً على الجانبَين، وبالجملة عاملونا تلك المعاملة نفسها وتناولنا ما طاب لنا، ولبثنا نحو ٤٥ دقيقة ثم ودَّعناها ونحن آسفون على فراق هذا الشعب الحالَّة عليه نعمة الرحمن، ولما أصبح صباح الجمعة كان هو اليوم الذي طالما كنا ننتظره في كل أيام حياتنا.

مقابلة جلالة السلطان

إن هذا اليوم يُعَد من الأيام المعدودة في حياتنا، كيف لا وهو اليوم العظيم الذي قد حظينا فيه بمقابلة مولانا وولي نعمتنا جلالة السلطان الأعظم. أجل، هو يومٌ عظيم أشرقَت فيه شموسه وسطعَت أنواره، وفيه قد أنعم علينا جلالتُه بالوسامات التي خلَّدَت لنا ذكرًا مجيدًا بمقابلة جلالته. رفع نيافة المطران خطابًا نفيسًا من جلالة ملك الحبشة مكتوبًا باللغة الحبشية ومترجمًا بالفرنساوية، وهو يتضمَّن أعظم التحيات والتسليمات لجلالة السلطان، وإني أذكُر للقراء تفصيل هذه المقابلة:

في صباح اليوم المعهود دعاني جناب المسيو مايكوف الوكيل المعيَّن، وكلَّفني أن أُترجم خطاب جلالة السلطان باللغة الفرنساوية، وكان قد أُرسِلَ في منتصف الليلة السابقة.

وفي الساعة السابعة من اليوم التالي (يوم الجمعة) حظينا بترجمته وكتبتُه أنا بخطي، وما اقتربَت الساعة الحادية عشرة إلا وحضر شخصٌ من المعية السنية، وبيده أمر جلالته يدعونا للامتثال بين يدَي السلطان، وفي الوقت نفسه سرنا بالرفاص للمدينة حيث تركنا العربات ومررنا وسط الجيش المُعَد للحرس في كل يوم جمعة عادةً لخروج جلالته للصلاة، ويبلغ عدده ٣٠ ألف جنديٍّ مصفوفة في الشوارع المجاورة لجامعه الخصوصي الذي يبعُد عن قصره (سراي يلدز) بخمسين مترًا.

ولما دخلنا السراي استقبلنا على بابها جماعة من رجال المعية حيث ساروا بنا إلى سلاملك السراي الذي ينظر فيه جلالته عند ذهابه وإيابه من الصلاة، ولما اقتربت الساعة الحادية ونصف دعانا سعادة السر تشريفاتي للمثول بين يدي جلالته، فامتثل أولًا نيافة المطران والوكيل المعيَّن، وبعد التحية سأل جلالته عن وجود بعضٍ من حاشية المطران، فدُعينا نحن أيضًا للمثول بين يدَيه وبعد ذلك قبَّلنا يدَي جلالة السلطان، ما خلا نيافة المطران الذي سلَّم على جلالته، ودار الحديث بينهما باللغة التركية وكان الترجمان من حاشية جلالة السلطان.

  • أولًا: سأل جلالته عن صحة الملك مناليك، فأجابه أنها جيدة.
  • ثانيًا: قال: نحن عندنا ١٥٠ حبشيًّا وكلهم في راحة وسلام. فأجابه: والمسلمون الموجودون في الحبشة هم في مثل هذه الراحة.
  • ثالثًا: هل توجهتم للبلاد المسكوبية؟ فأجابه: نعم.
  • رابعًا: في أي يومٍ تقصدون الديار المصرية؟ فأجابه: غدًا (السبت).

أخيرًا كلَّفه بإبلاغ تحياته لجلالة الإمبراطور مناليك.

وأما الخطاب الذي قدَّمه نيافته لجلالة السلطان فهذا نصه:

غلب الأسد الذي من سبط يهوذا مناليك الثاني المكرز من الله ملك ملوك الحبشة.

يصل إلى المكرَّم المعظَّم جلالة السلطان عبد الحميد ملك الممالك الإسلامية، يعطيكم السلام أبونا المكرَّم أنبا متاءوس، من مدةٍ طويلة، بواسطته كان لنا ولمملكتنا السلام والرجاء، وحيث إنه سيحظى بمقابلتكم فطلبنا منه أن يخبركم عما في القلب من المحبة لكم ولمملكتكم؛ لأنه ليس لنا آبٌ مكرمٌ نظيره.

أما حضرته وجميع عائلته فهم من ضمن رعاياكم الذين في مصر، وحيث إن الله تعالى أراد مقابلته مع جلالتكم سواء كان لوطنه أم لمملكتنا يفيدنا فائدةً كبرى، والله يديم عليكم سلامه واطمئنانه، آمين.

تحريرًا في أديس أبابا في شهر هتور سنة ١٨٩٤ حبشية ودسمبر سنة ١٩٠١
هذه صورة الخطاب الذي تُرجم بالفرنساوية مثلما سبق، والترجمة وُضعَت داخل مظروف الخطاب الحبشي، وقد لبثنا نحو ١٠ دقائق بين يدَي جلالة السلطان، وأنعم جلالته بالعثماني الأول على نيافة المطران، وعلى جناب وكيله بلاتة بولس بالمجيدي الثاني، وعلى بجرند يوسف بالعثماني الرابع، وعلى ترجمانه (المؤلِّف) أنطون نجيب وقبر سلاس بالمجيدي الرابع، وعلى باقي حاشيته بالمجيدي الخامس؛ فخرجنا وعلامة الفرح تلُوح على وجوهنا وتَعَجَّبنا من المعاملة الحسنة التي أظهرها لنا جلالة السلطان، وطلبنا منه تعالى أن يُديم عزَّه مدى الأعوام، ثم قصدنا سراي الصدر الأعظم حيث ترك نيافة المطران بطاقة زيارته وزرنا عطوفة وزير الخارجية، فتشرَّف بمقابلته جميع من تشرَّفوا بمقابلة جلالة السلطان، ودار الحديث باللغة الفرنساوية، وكنتُ أنا مترجمًا بينهما، وقد جاء تفصيل هذه المقابلة في العدد ٢٣٥٢ من جريدة الوطن الغرَّاء في حينه، ودونك هو:

«ثم زار عطوفة وزير الخارجية فدار بينهما الحديث باللغة الفرنساوية وكان الترجمان بينهما أنطون أفندي نجيب، فتكلَّموا عن طقس البلاد الحبشية في الفصل الحاضر، وعن الحيوانات التي تسكن تلك البقاع وسأل عن كيفية صيدها، فأجابه نيافتُه عن كل ذلك، ثم سأل دولة الوزير جناب المترجم عما إذا كان حبشيًّا أو مصريًّا فأجابه أنه مصري الجنس وتعلَّم اللغة الفرنساوية في المدرسة القبطية، فتعجَّب عطوفته وأثنى على فصاحته، ثم قصدوا البوسفور حيث كان ينتظرهم اليخت الذي خُصِّص لهم عند وصولهم لينتقلوا من جهة لأخرى، فسار بهم إلى محل إقامتهم، وزارهم هناك جناب قنصل المسكوف، وقدَّم لنيافة المطران ورجال حاشيته الوسامات التي منحها لهم جلالة السلطان، وفي صباح اليوم التالي ردَّ نيافته الزيارة لجناب القنصل فقُوبل من جنابه ورجال القنصلية بالإكرام الزائد، وعند الساعة واحدة بعد ظهر يوم السبت الماضي قصد أفراد الوفد وابور البرنس عباس قاصدين الديار المصرية.»

fig2
صورة الوفد الحبشي المؤلَّف من الأنبا متاءوس مطران الحبشة وبلاتة بولس والجنرال ليكوموكاس وأحد رؤساء الأديرة وبعض العساكر والحاشية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤