الباب الثاني عشر

المملكة العربية السعودية

الآن وقد تحدثتُ لك عن البلاد المقدسة ونشأة الإسلام فيها، وبناة هذا الدين الحنيف، وما أعقب ذلك من قيام الإمبراطورية العربية التي سادت الأقطار والأمصار في سنواتٍ قلائل منذ نشأتها، نرى أن نتحدث عن المملكة العربية السعودية التي تحكم من البحر الأحمر غربًا حتى الخليج الفارسي شرقًا، والتي بدت العدالة في حكمها، بل تلألأ سناؤها، كما عمَّ الأمن واستقر الأمر واستتب النظام على يديها.

•••

إن نظام الحكومة العربية السعودية نظام مركزي، ولكنه مبني على الشورى؛ إذ يوجد فيها مجلس الشورى الذي يتألَّف من أعضاء ممثلين لكل بلد في كل قطر من أقطارها.

وتتركز السلطة في بلاد الحجاز في يد صاحب السمو الأمير فيصل، النجل الثاني لجلالة الملك، وفي بلاد نجد وغيرها تتركز السلطة في يد صاحب السمو الملكي الأمير سعود ولي العهد. أما الشئون المالية للحكومة العربية السعودية فمعهودة إلى صاحب المعالي الشيخ عبد الله آل سليمان وزير المالية. والمرجع الأعلى في كل كبيرة وصغيرة هو صاحب الجلالة الملك عبد العزيز آل سعود، فإذا حدث مثلًا أن النيابة العامة قصَّرَتْ في تحقيق شكوى أو رفعها فإن صاحب الشكوى يتوجه بشكواه رأسًا إلى جلالة الملك، ويكون حكم الملك فيها أمرًا لا مردَّ له.

وما دمنا في صدد الكلام عن الحكومة العربية السعودية فإنه يجدر بي أن أذكر في كثير من الارتياح أن نزعتها إلى الإصلاح قوية، وأنها مُطردة النمو، ولولا بعض شئون داخلية خطيرة الشأن بدأت بها وشغلت أعظم جانب من اهتمامها لرأينا الإصلاحات العمرانية في شبه الجزيرة العربية أضعاف ما هي عليه الآن.

ذلك أن جلالة الملك عبد العزيز آل سعود شاءت حكمته وبُعد نظره أن يُوحِّد الإمارات، وأن يجعلها جميعًا خاضعة تحت سلطة واحدة، وقوانين ونظم واحدة، وقد كانت مهمة من أعقد المهمات وأشقها، ولكنه استطاع — بفضل حسن سياسته من جانب، وقوة بأسه من جانب آخر — أن يُذلِّل جميع ما اعترض طريقه من مشاق وصِعاب، وأن تتم له وحدة الإمارات، وأن تكون كلها تحت سلطانه.

ولكي يُدرك القراء بعض الشيء ضربًا من ضروب المشاق والمصاعب التي ذللها جلالته نسوق مثلًا شائعًا في شبه الجزيرة، فيه طرافة وفيه تفكهة، ولكنه يشير إلى شدة عنت بعض قبائل البدو، كما يدل على عِظَم النجاح الذي أحرزتْه الحكومة العربية السعودية في إخضاع أمثال هذه القبائل.

فقد يُقال إن أحد «المطوعين»؛ أي: الوُعَّاظ، ذهب إلى قبيلة عتيبة، وأخذ يعظهم ويُبيِّن لهم أحكام الدين والشرع الشريف، مشيرًا إلى أن المؤمنين المتقين الصالحين عملًا هم الذين يُدخلهم الله في جناته، ومن عصى أوامر الله ونواهيه فمصيره إلى جهنم، فقاطعه عُتيبي قائلًا: وهل في يوم الحشر عُتيبة يحضرون؟ فأجابه الواعظ: كل القبائل والعشائر؛ عتيبة، وقريش، وحرب، وجهينة وغيرهم يحضرون.

فقال الأعرابي: ما بنا حاجة إلى وعظك، ما دامت عتيبة يحضرون فإننا ندخلها (أي الجنة) بالسيف.

فانظر إلى هذه العقلية وما يماثلها، وتصوَّر يا سيدي القارئ، شدة البأس التي تُخضِع هؤلاء وتجعلهم يسيرون على هدي نصوص الكتاب وأحكام السنة، مما كان له أكبر الأثر، بل الأثر كله في استتباب الأمن واستقرار الأمور.

والحق أقول: إن جلالة الملك عبد العزيز مثال صالح للملوك المسلمين العدول، وهو في «ديموقراطيته» العربية الحقة، وعدله، وشدته في تنفيذ أحكام الشرع والدين لا فرق في ذلك بين كبير وصغير وحقير، وفي عطفه على الفقراء والمعوزين، وفي حزمه وبُعد نظره، من الأمثلة الساطعة على تمثيله للعدل مع القوة والرحمة معًا.

أما عن «ديمقراطيته» وتواضعه، فهو في ذلك أبرز عنوان، وأسمى رمز، وأعلى مثال، يخاطبه الصغير مخاطبة الند للند.

وقد شاهدتُ بعيني رأسي أعرابيًّا قزمًا يدخل عليه ويريد تقبيله في جبينه، فلم يستطع لقصره وطول قامة الملك، فأمسك برأس جلالته وقرَّبها إليه قائلًا: «كيف أنت يا عبد العزيز؟!»

أما عن عدله فحدِّث عن ذلك ولا حرج، ولأسرد للقراء قصة سيدة مكية لها دار في مكة، وكانت قد استوطنت القاهرة هي وأولادها اليتامى مدة يسيرة من الزمن، فسكن في دارها رجل نجدي، ولما أرادت العودة إلى مكة للإقامة فيها طلبت إلى النجدي أن يُخلي لها الدار، ولكنه أخذ يماطل ويُسوِّف حتى اضطرت إلى رفع شكواها إلى جلالته، فأصدر أمره إلى مدير الشرطة بإخلاء الدار، فإذا لم يُذعِن النجدي أُلقِيَ بأثاثه في عرض الزقاق. وهكذا اقتصَّ جلالته من النجدي إنصافًا لقضية سيدة مكية.

ديوان جلالة الملك

وديوان جلالة الملك عبد العزيز شُعبتان، الأولى: خاصة بالمسائل الإدارية، وعلى رأسها صاحب السعادة الشيخ عبد الله آل عثمان، وهو من خيرة الأسر النجدية الكريمة، فضلًا عن نزعته الدينية القوية، وما امتاز به من حصافة فكر، وتبحُّر في العلوم. والثانية: خاصة بالمسائل السياسية، وعلى رأسها صاحب السعادة الشيخ يوسف يس، الأديب المعروف، والكاتب القدير، وهو من أصدقاء المصريين ومن كبار كُتاب الشرق الذين عالجوا قضاياه السياسية رَدَحًا غير قليل من الزمن.

وبديوان النيابة العامة (ديوان سمو الأمير فيصل) موظفون أَكْفَاء، على رأسهم شاب نابِهٌ من أنبغ الشباب وأعلاهم كعبًا في الثقافة، هو الشيخ إبراهيم آل سليمان، مدير مكتب النيابة العامة، كما أنه في الوقت نفسه سكرتير خاص لسمو الأمير فيصل.

الوزارات السعودية

ووزارة المالية السعودية يتولاها حضرة صاحب المعالي: الشيخ عبد الله آل سليمان، ويقوم على وكالتها شقيقه حضرة صاحب السعادة: الشيخ حمد آل سليمان.

ويتولى الإدارة في وزارة المالية حضرة صاحب السعادة الشيخ محمد سرور الصبان، وهو من أصدقاء المصريين، ومن كبار الأدباء.

ويقوم بإدارة المكتب الخاص لوزير المالية صاحب العزة: الشيخ أحمد الموصلي، وهو من الشبان الأَكْفَاء المهذبين المثقفين ثقافة عالية.

والحق نقول: إن وزارة المالية السعودية لا تقتصر وظيفتها على صرف رواتب موظفي الحكومة، ولكنها تتولى إدارة المهمات، فهي تصرف الأقوات والكساء، وتجهيز الدور والبيوت لكبار الضيوف وعظمائهم، وتتولى الإشراف على وجوه البر والخير فضلًا عن مشروعات الإصلاح الواسعة التي يتطلبها تطور الزمن، أضِف إلى هذا حركة انتقالات الحجاج، وما تتطلبه حياتهم ثلاثة شهور متتابعة، وهي مهمة من أشق المهام.

وفي سلك الموظفين بالحكومة العربية السعودية موظفون من المصريين، نذكر منهم حضرتَي الشابين الناهضين الأديبين: الشيخ إبراهيم الشورى مدير مصلحة النشر والدعاية للحج، والشيخ عبد السلام غالي، وهو مدير قسم الضيافة بوزارة الخارجية، وكلاهما مثال مُشرِّف للموظفين المصريين، والأول من خريجي دار العلوم لعشرين عامًا خلت، وآثر خدمة مكة ومحارمها المقدسة.

الوزراء المفوضون

وللحكومة العربية السعودية وزراء مفوَّضون نابهون، لدى الممالك الأجنبية.

وعلى كل بلد وميناء تقيم الحكومة قائمقام يُصرِّف الأمور باسم جلالة الملك عبد العزيز، وفي مقدمتهم صاحب السعادة الشيخ إبراهيم بن معمر، محافظ جدة، ومدير الإدارة المالية في جدة، هو صاحب العزة الشيخ ناصر بن عقيل، وهو من ذوي الخبرة والعلم.

الشباب الحجازي

ولقد نبتت في الجزيرة العربية في هذا العصر الحالي أول حركة علمية مزدهرة تُبشِّر بمستقبل باهر، قوامه أولئِك الشباب المثقفون الذين لا نستطيع أن نصف صفاء أذهانهم أكثر من وصف المغفور له شوقي بك للشباب المصري منذ ربع قرن؛ إذ قال ما معناه: إن صفاء تفكيرهم يُحاكي صفاء الماء تحت ألفاف الغاب.

ولا غرابة أن يكون حَفَدَة أحفاد رجال الجزيرة العربية أهل البلاغة والفصاحة والعلوم والعرفان قد وصلوا إلى هذا الحد من المستوى الأدبي العالي، والمكان العلمي الرفيع. وإذا كان العربي البدوي الذي لم ينَل قسطًا من الثقافة ولم يُحرِز نصيبًا من مبادئ العلوم الأولية، إذا كان البدوي الجاهل أفصح بكثير من المتعلمين المثقفين في بعض الأقطار الشرقية، فكيف يكون إذن حال شباب الجزيرة العربية المثقفين المتعلمين اليوم من غزارة العلم وتدفُّق مناهل الأدب.

•••

وكان أهل الحجاز — وقت وصولي إلى مكة — يرقبون قدوم باقي أفواج الحجاج المصريين بفارغ الصبر؛ لأن المصريين يُحدثون انتعاشًا عظيمًا في الأسواق أكثر من غيرهم من حُجاج الأمم الأخرى.

ولا يقتصر الحال على الأسواق وانتعاشها بحضور المصريين، ولكن هناك انسجامًا ملموسًا بين الحجازيين والمصريين؛ لاتفاق اللغة وتقارُب الطباع والعادات والأخلاق، على عكس إخواننا المسلمين من الجنسيات الأخرى، فإنهم مختلفو اللغات، كما هم متباينو الأزياء والعادات.

أهل جاوة

ولقد حزنتُ كثيرًا على عدم حضور الجاويين الذين كانوا يفِدون على بلاد الحجاز بعشرات الألوف، فكان عددهم لا يقل سنويًّا عن ثلاثين ألف حاج، يمكث أغلبهم في بلاد الحجاز ثمانية شهور أو أكثر.

ومن طريف ما يُروى عن إخواننا الجاويين أنهم إذا حضروا إلى الحجاز أبدلوا أسماءهم المعروفين بها في بلادهم بأسماء عربية إسلامية. وهناك في الحجاز طائفة اعتمدتها الحكومة مهمتها أن تخلع الأسماء العربية على الجاويين.

والجاويون شوافع يؤدُّون فرائض دينهم على المذهب الشافعي، وإني أذكر بهذه المناسبة أن فئة قليلة منهم تخلَّفتْ في العام الماضي في مكة، رأيتها تتهافت على اقتناء كتبي (في بيت الله الحرام)؛ ظنًّا منهم أن مؤلف الكتاب من شيوخ الشافعية.

ويتعاون الجاويون فيما بينهم على تأدية فريضة الحج، ولهم تقاليد خاصة بهم؛ فإن الجاوي حين يعتزم الحج يدَّخِر كل ما تملك يداه داخل عود من الغاب، حتى إذا حان موعد السفر أقام مأدُبة ودعا إليها أهل بلده، ثم يقف فيهم معلنًا عزمه على الحج، فيباركون فكرته، ويكتبون له فيما بينهم بنفقاته التي تلزمه أثناء مكثه في بلاد الحجاز. ولا ننسى أن نذكر أن الجاوي صاحب الوليمة الراغب في الحج يكون قد أنفق كل ما ادَّخر في غابه على الوليمة، وبينا يكتتب المدعوُّون بكل ما يتيسَّر لهم يثبتون المبالغ المكتتب بها، حتى تكون بمثابة دَين يوفيه الحاج بعد عودته في المناسبات التي يُعلِن فيها إخوانه المكتتبون عن عزمهم على الحج أيضًا.

وتظهر على الجاوي بصفة خاصة سيما الخنوع، ويبدو أن طول أمد الاستعمار قد أثَّر عليه حتى في دمه، فهو متسامح إلى أبعد حد من حدود التسامح، على عكس العراقي مثلًا الشديد المراس، أو المصري المعتد بكرامته.

في التكيَّة المصرية

كانت التكية المصرية — وهي من مآثر محمد علي باشا الكبير — هي المكان المختار الذي أقصد إليه في أغلب الأحيان بعد الفراغ من الصلاة، أو إنجاز الأعمال؛ لأنال قسطًا من الراحة، أو أشرب فنجانًا من القهوة المصنوعة على الطريقة المصرية، أو أتسامر مع إخواني ومواطنيَّ أعضاء الجالية المصرية التي تتألَّف من طائفة الأساتذة المدرسين الذين استعارتهم الحكومة العربية السعودية من مصر للتدريس في مدارسها، ومن أطباء التكية التابعين لوزارة الأوقاف، ومن الأطباء المنتدبين للخدمة في الحكومة السعودية، ومن المهندسين المشتغلين بإصلاح الطرق واختطاطها، وتشييد القصور الملكية، والدور الحكومية، إلى غير ذلك من المشروعات الإصلاحية الواسعة.

وتنحر «التكية المصرية» يوميًّا عشرات الخراف، وتخبز عشرات «الجوالات» من الدقيق، وتوزعها يوميًّا على عشرات المئات من الفقراء تحت إشراف ناظرها الأستاذ عبد الله جاد، الرجل النشيط والإداري الحازم الأمين، ويدير الناحية الطبية فيها كل من الدكتورين: الأستاذ سعيد مصطفى، ومحمد بك كامل.

ولقد كان قلبي يخفق ابتهاجًا وفرحًا وغبطة حين كنت أشهد في كل صباح تلك الجموع الحاشدة المتزاحمة بالمناكب على أبواب «التكية المصرية» في انتظار الحساء واللحم والخبز، أو الأرز واللحم والخبز. كان ذلك المنظر يأخذ بمجامع قلبي حين كنت أخرج من «باب الصفا» وأُعرِّج قليلًا إلى اليمين؛ حيث أشهد «التكية» وما أمامها من تلك الكتل البشرية المتجمعة تجمُّع النمل! إذ ذاك ينطلق لساني بالدعاء والترحُّم على أولئك المحسنين الخيِّرين، وعلى الأخص ذلك المصلح الكريم العظيم: محمد علي باشا الكبير، جد الأسرة المالكة المصرية.

وفي الحق، إن البر خير دعامة يتكئ عليها المُلك، وهو أعظم دواء يشفي جراح القلوب البائسة، والنفوس المحرومة، وكم من ملايين الجنيهات، تُنفق هباءً فتذهب مع الريح، أما أعمال البر وإن رُصد عليها القليل من المال فهي باقية خالدة تنطق بلسانٍ فصيح عن عظمة النفوس الخيِّرة حقًّا، وتدل أبلغ دلالة على أن الزبد يذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

وبين المصريين مئات من ذوي الغني واليسار، ينفقون باليمين ويُبعثرون باليسار مئات الألوف من الجنيهات في الترف والنعيم والملاذِّ والمباذل والمهازل! وليس في أرض الحجاز الأرض الطاهرة أثر واحد يدل على بر المصريين وإحسان المصريين وخير المصريين سوى هذه «التكية المصرية»، ولقد كان في استطاعة المصريين — ونقصد الأغنياء الموسرين — أن يؤسسوا في كل شبر من أرض الحجاز (الأرض الطاهرة) مأثرة من المآثر التي يذكرها لهم التاريخ كما ذكر وما زال يذكر مآثر جد الأسرة العلوية، المغفور له: محمد علي باشا الكبير. ولقد كان في مقدور المصريين ذوي الثراء أن يتشبَّهوا بذلك الرجل العظيم الخير — والناس على دين ملوكهم — فيقفوا من أموالهم وما ملكت أيمانهم على مشروعات الخير والإحسان، وإن كانت جماعة مساعدة فقراء مكة والمدينة، وعلى رأسها صاحب السعادة حسن كامل الشيشيني، ومحمد بك الطوبجي، وعبد الملك بك المصلحي، تبذل مسعاها الخيري الدائم في استنهاض الأغنياء في سبيل الجود والبر بأهل الحجاز.

التكية في المدينة

والتكية المصرية في المدينة من مآثر محمد علي الكبير أيضًا، وناظرها حضرة أمين بك عمر، وطبيباها حضرتا الدكتور رشدي، والدكتور الإبياري، ومهمتهما هي مهمة التكية المصرية عينها.

البعثة الطبية المصرية

قد يُقال إن من مظاهر أعمال البر التي يقدمها المصريون في شخص حكومتهم إلى أهالي الحجاز إيفاد بعثة طبية مصرية تتولى معالجة الحجيج من المصريين والجنسيات الأخرى في موسم الحج، ولكن يؤسفنا أن نقول إن عمل هذه البعثة ضئيل الأثر، ولا يمكن أن يُعتبر ميزة تقدمها وزارة الصحة، ذلك أن هذه البعثة تقدم إلى الحجاز عادة مع الفوج الأول، وتقوم بمهمتها بضعة أيام تُنفق فيها آلاف الجنيهات، إنفاقًا فيه بذخ، بل كل البذخ! أفمن أجل بضعة أيام تنفق الحكومة المصرية هذه الآلاف من الجنيهات على بعثة تضم أطباء وصيادلة و«تمورجية» وأدوية وعقاقير؟ في الوقت الذي كان من الخير فيه لو وضعت وزارة الصحة هذا الاعتماد المالي تحت يد وزارة الأوقاف لتضيفه إلى الاعتماد المخصص للتكية المصرية التي تضم أطباء يقومون بمعالجة أهل الحجاز والمصريين والجنسيات الأخرى في موسم الحج وفي غير موسم الحج. ويمكن لوزارة الأوقاف في هذه الحالة أن تعيِّن طبيبًا في العيون، وآخر في أمراض الأنف والأذن والحنجرة، وبهذه الوسيلة يمكن للتكية المصرية أن تكون فيما يختص بقسمها الطبي وافية بالغرض المنشود، لا سيما وأن أكثر الحجاج المصريين يعالَجون فيها موسم الحج، لا بمعرفة البعثة.

ذكرت هذه الحقيقة في كتابَي: «في بيت الله الحرام»، و«الأرض الطاهرة»، فعاب عليَّ بعض كبار المصريين أن أُجاهر بذلك لما فيه من المرارة، وهم فيما بينهم وبين أنفسهم يعترفون بصدق ما قررت، ولكنهم لا يرون الجهر به، وكم من علل وأدواء تنخر في عظامنا، ولا يمكننا معالجتها لأننا تنقُصنا الشجاعة الأدبية للجهر بها!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤