الباب الأول

في الكلام على عرب المشرق، وفيه ثمانية مباحث

المبحث الأول: في إعادة الجراكسة الخلافة للعباسية، وما كان لهم من الغلبة والسلطة

أغار المغول على الشام في النصف الثاني من القرن الثالث عشر فقاومهم من ملوك الجراكسة الظاهر بيبرس بجيوش انضم إليها من العرب قبائل كثيرة، ثم سعى في جذب أفئدة الناس إليه فأخذ يرسل إلى مكة والمدينة هدايا، وأمر بكثير من الأبنية الشاهدة لديهم بأنه نقي واستدعى من بني العباس رجلًا نجا من واقعة بغداد فعقد له محفلًا قلده فيه الخلافة فجذب ذلك عقول الناس، ودعا سكان بحيث جزيرة العرب إلى الأخذ بناصر ذلك السلطان المطلق التصرف في مصر والشام، وإنما اتخذ تلك الخلافة ذريعة لإثبات مطالبه ومن بعده كالتصديق على ما أخذته المماليك عدوانًا بأنه مملوك شرعًا.

وقد سلكت السلاطين بعد بيبرس الطريق التي رسمها لهم موقرين قبائل العرب القادرة على إعداد سبعين ألف رجل تحت السلاح للاستنجاد بهم، ثم عصت عرب صحراء السويس سنة ١٣٠١ ميلادية، وقطعوا ما بين مصر والشام من الوصلة فاستعد إليهم حاكم تلك السنة وأراق دماءهم بالذبح المهول.

ودعا واحد من أعظم مشايخ اليمن قوة وجموعًا سلطان مصر الجركسي سنة ١٣٢٥ ميلادية لأخذ اليمن من العرب، فصدهم عرب حمير فرجع سلطان مصر بعد أن نهب زبيد وعانة وحديثه، ثم همَّت المماليك بغزو اليمن سنة ١٣٥٠ ميلادية فلم ينالوا ظفرًا.

واستغاث بهم شيخ العرب الذي نال كل التعب من مقاتلات قبل حكم الجراكسة، وبعده من سنة ١٣٧٥ إلى سنة ١٣٨٤ ميلادية، وحل بالعرب في الشام نكبات أكبر من هذه حين أغار تيمورلنك على العراق العربي وجزيرة النهرين سنة ١٤٠٠ ميلادية، وأخذ بغداد وحماه وحمص وبعلبك ودمشق وقطع ما لا يحصى من رءوس العرب التي بنى منها أهرامًا تركه في طريقه ليكون علامة نصرته على سلطان مصر الذي أساء سفراءه، وكانت المماليك على وجل من الملوك العثمانية حتى أغار تيمورلنك على أناضول وكسر شوكة العثمانية فسُرُّوا بذلك، ثم تمكنت شوكتهم بقتل آلاف من الرجال في واقعة أنجورة وبأسر السطلان بايزيد، ثم بموت تيمورلنك الذي أتى بعد موته سفراء إلى مصر من قبل ابنه شاه رخ لطلب الدعاء في الخطبة لشاه رخ في القاهرة ومكة والمدينة؛ فطردهم السلطان الجركسي أقبح طرد من القاهرة سنة ١٤٢٥ ميلادية.

المبحث الثاني: في تقدم فتوحات الدولة العلية واستيلاء البرتغاليين على التجارة المشرقية وبيان حالة الجنوب من بحيث جزيرة العرب

نال مماليك مصر غاية العزة والشوكة حتى تولى السلطان محمد الأول بن السلطان بايزيد في ابتداء القرن الخامس عشر، وأراد الانتقام من المماليك على ما أصاب والده من النكبة العظيمة، فأخذ يرسل هدايا إلى مكة والمدينة حتى ملأ صيته بحيث جزيرة العرب الذين رأوا مصلحتهم في تقدم ملوك الدولة العلية وفتحهم بلاد النصارى؛ ولذا حمِدوا الله على أخذ الدولة مدينة القسطنطينية سنة ١٤٥٣ ميلادية، وتعوَّد الناس تداخل الملوك العثمانية في القضايا الداخلية بالبلاد العربية بسبب سفر الأمير زيزم سنة ١٤٨١ ميلادية والمؤن التي بعثها السلطان بايزيد لإصلاح القلاع والصهاريج في طرق القوافل المارة ببلاد العرب والعلائق التي بينه وبين عائلة قتادة التي ينتسب إليها أشراف مكة.

وكانت مصر منذ أخذ المغول بغداد مركزًا للمتاجر الهندية والعربية التي انتشرت عقب ذلك في جميع أوروبا بواسطة البحر الأبيض المتوسط، فكان الملاحون في الأقيانوس الهندي والخليج الفارسي والبحر الأحمر يأتون بقماش القطن والحرير، والفلفل والقرفة، والصدف والعاج والصمغ، والألماس واللؤلؤ، الآتية من الهندستان والبخور والمر والبلسان الآتية من بلاد العرب، ويأخذون بدل ذلك أقمشة الصوف والزجاج والخرز والحديد والأسرب والنحاس الآتية من البلاد الغربية كأوروبا، ويضعون جميع ذلك في السويس فينقل منها إلى دمشق والإسكندرية؛ فإن فيهما مراكز تجارية للبيزيين والفلودسيين والقطالونيين والجنويزيين والبنادقة، ثم طاف وسقودوجاما البرتغالي في سفنه برأس عشم الخير، وظهر في بحر الهند لاستكشاف الطريق الموصِّلة أهل أوروبا من المحيط الأطلنطيقي إلى بلاد الهند الشرقية، وهدد المماليك والبنادقة بتعطيل مصالحهم التجارية فاتحدا وراودا جميع ملوك الهندستان وأثارا بدسائسهما أهل كلكتة الناصرة للمسلمين على البرتغاليين الذين أطلقوا المدافع على هذه المدينة، وأحرقوا جميع السفن العربية التي في ميناها، فبعث البنادقة لسلطان مصر من الخشب والمهمات الضرورية ما أنشئ منه ثنتا عشرة سفينة حربية، سافرت من السويس سنة ١٥٠٨ ميلادية، فساعدت القوى الحربية لملك قومبايه، ونصرت على البرتغاليين حتى أتى القبطان البوقرق، فحث البرتغاليين على القتال وأعدم تلك السفن الإسلامية، وجعل في جزيرة سوقطرة محطة حصينة للتحكم على بوغاز باب المندب وملاحظة الملاحين في البحر الأحمر وإخماد قوة الجراكسة في البحار، وكان ذلك من سنة ١٥١٠ إلى سنة ١٥١٥ ميلادية.

وأخذ هذا البوقرق قلاعًا في سواحل اليمن وحضرموت، فمنع التجارة البحرية بين هذين الإقليميين اكتفاءً بالمخالطات البرية، ثم أخذ من إقليم عمان مدينة مسكان مركز المتاجر الواردة من بلاد الفرس والعرب والهند، وفتح جزيرة هرمز وبنى على الساحل الشرقي للخليج الفارسي عدة قلاع تحفظ إحداها مينا لندج، وأخرى بندر ريشهر، وأخرى جزيرة قاس، ثم ادَّعى الانفراد بالحكم على هذا الخليج الساكن فيه من العرب قبائل مستقلة عن مملكة الفرس، وبذل البرتغاليون همتهم في الاستيلاء على عدن مفتاح البحر الأحمر فلم يُجْدِ ذلك شيئًا، ومكَّن خلفاء البوقرق البرتغاليين من الصيد والغوص في جزائر البحرين ببناء حصون صغيرة بقيت آثارُها إلى الآن في أكبر الجزائر وقرب القطيف بساحل إقليم الحسا، ولما رأت العرب عدم تمكنهم من ركوب البحر الملح تحصنوا بالسواحل مع تفاشل قبائلهم تحت إدارة مشايخ اختاروهم لتدبير أحوالهم.

المبحث الثالث: في إعدام العثمانية سلطنة الجراكسة وفي عجز العرب بشمال بحيث جزيرة العرب عن حفظ ما كان لهم من الاستقلال

كان بمصر والشام زمن الجراكسة عرب حُرِمُوا الحظوة بطرف من حكومة البلاد، فغضبوا حتى أتى السلطان سليم الأول إلى مصر، فانضموا إلى جيوشه، وأبى أكثرهم إمداد طومان باي ابن أخي الغوري، مع التزامه لهم بإقالتهم ثلاث سنين من الأموال المضروبة عليهم، فلم يستطع السلطان سليم أن يعاملهم بالقسوة، وإن لم يكافئهم بإحسان، ونصر على المماليك سنة ١٥١٦ ميلادية فلقب نفسه بحامي حمى الحرمين مكة والمدينة، ونادى أن لا يُغَيَّرَ شيئًا من سياسة المماليك التي منها أن الفلاحين بمصر يؤدون خراجًا إلى السلطان، وآخر لمُلَّاك الأطيان، وينتفعون بما بقي من ثمرات الأطيان في أمورهم الضرورية، مع أن ترتيب الأقاليم العثمانية أن يؤدي ملاك الأطيان إلى خزينة السلطان تكاليف على قدر واردات أطيانهم، فكان من السياسة تحقيق محبة الفلاحين — خصوصًا وأكثرهم من ذرية العرب — بترتيب قوانين نظامية عادلة تدور عليها مصالح الفلاحين، إلا أن المقلدين بالحكومة من الرؤساء العثمانية استعيل بعضهم بالهدايا وغلب الرعب على آخرين من تحكم قدماء المماليك.

وتخلى شريف مكة عن الانتصار للخلفاء العباسية والسلاطين الجراكسة، وبعث إلى السلطان سليم أثناء إقامته بالقاهرة سفيرًا يسلمه مفتاح الكعبة ويبايعه على الطاعة، فرتب هذا السلطان نفقة لفقراء الحجاز، وأغدق على مشايخ العرب، وأبقى ما يعمل كل سنة بالقاهرة من الاحتفال لخروج محمل الحج إلى مكة المشرفة، ونزل له المتوكل على الله آخر الخلفاء العباسية عما كان له من الحقوق في الإمامة سنة ١٥١٧ ميلادية، وسلمه بيرق النبي ، ولما جلس السلطان سليمان الأول على سرير السلطنة سنة ١٥٢٠ ميلادية همت قبائل من العرب بتعضيد عصيان أهل مصر والشام طمعًا في تحصيلهم جانبًا من الاستقلال الذي كان لهم؛ فخاب أملهم بقمع هذا السلطان للعصاة.

المبحث الرابع: في انقياد اليمن للدولة العلية

أرسل قانصوه الغوري سنة ١٥١٧ ميلادية عساكر إلى اليمن لدفع ما كان بها من تحكم البرتغاليين، ثم ملك السلطان سليم الديار المصرية، وأحضر إلى القاهرة عساكر الغوري المقيمين بزبيد، مع أن الواجب عليه كسائر العثمانية اتِّباع الغوري في إزالة تحكم هؤلاء الفرنج، لكن ابنه سليمان وجه إلى اليمن القبطان سلمان سنة ١٥٢٦ ميلادية، فنزل بها وعامل بالقسوة رؤساء لا ينقادون إلى السلطان الذي بعث سنة ١٥٣٨ ميلادية سليمان باشا إلى سلطان بحيث جزيرة الجوزرات من الهندستان لتأدية أمر، فطلع في اليمن، وغلب أمراء عدن وزبيد، وولَّى على أرضهم صنجقًا، ثم توجه إلى الخليج الفارسي، وأظهر أساطيله أمام القلاع والمحال التي أنشأها البرتغاليون، ولام عليهم في تعليمهم الفرس استعمال الأسلحة النارية وفن سبك المعادن وصب المدافع، ثم عاد إلى جدة فبعث إلى مَكَّةَ جزءًا من الغنائم العظيمة التي اغتنمها، ومن تلك الغزوة أقيم في مينا السويس قبطان باشا لتعضيد تحكُّم الدولة في بحر الهند، وإلزام البرتغاليين احترام البيرق السلطاني، وإنفاذ سلطنته على جميع العرب الساكنين بالسواحل، وهدم الرئيس بيري سنة ١٥٥١ ميلادية مدينة مسكات التي استولى عليها البرتغاليون للتحكُّم على عمان، ثم حاصر مدينة هرمز، فبذلوا له أموالًا جسيمة، فأخذها وانصرف تاركًا ما يجب عليه من إدامة الحصار.

وكان القبطان مراد متحكمًا على الملاحين في الخليج الفارسي زمنًا طويلًا، وساعد العرب على إعدام الحصون البرتغالية من إقليم الحسا والبحرين وحقق للدولة العلية انفراد الكلمة في شرقي، بحيث جزيرة العرب، ثم انهزم أمام مدينة هرمز سنة ١٥٥٣ ميلادية، فكان لذلك أسف شديد أراد القبطان سيدي سنة ١٥٥٥ ميلادية أن يتداركه فحاز في بداية أمره نصرات، ثم خرجت رياح عاصفة فشتت أساطيله، وألزمه الأمراء النزول بإحدى مينات الهندستان، ثم رجع في البر إلى القسطنطينية.

وبعث الباشوات حاكمو القاهرة في ذلك الزمن عساكر في البر والبحر لغزو اليمن الغاشية بين أهله بغضاء العثمانية التي أبداها بينهم شيعة الفرس، ولبثت الحرب وسفك الدماء بين الفريقين من سنة ١٥٣٩ إلى سنة ١٥٦٨ ميلادية، أخذت فيها مرات أكبر مدائن اليمن، وهي صنعاء وعدن ومخا وتعز وزبيد، وقسم حكام القاهرة اليمن إلى حكومتين وهو خطأ؛ فإن عدم الاتحاد عطَّل حركة العساكر العثمانية، وقوَّى العرب وأظفرهم بهم حتى استولوا على جميع مدن اليمن ما عدا زبيد، وولوا الإمام مطهرًا الخلافة، فأمر السلطان سليم الثاني سنة ١٥٦٨ ميلادية سنان باشا بالتوجه إلى اليمن لقمع أهله، فتوجه وألقى الفشل بين فرقتي الزيدية والإسماعيلية، ثم ألزم الإمام مطهرًا أن يضع إمضاءه على عقد الصلح، بشرط أن الدولة العلية المتسلطِنة على جميع الطرف الجنوبي الغربي من بحيث جزيرة العرب لها التمتع في جميع بلاد اليمن بالحقوق السلطانية المقررة في الشرع، وإبقاء طريق التخالط بين أهل الحجاز واليمن مطلقة بلا مانع، وأن الإمام مطهرًا يكتفي بالإمارة الصغرى المعروفة بكوكبان.

وكانت هذه الغزوة للطمع في ثروة أهل اليمن بزراعة البن الفاشي إذ ذاك شرب قهوته في جميع ساحل إفريقية وغربي آسيا وبلاد أوروبا، وفتحت أول قهوة في القسطنطينية زمن السلطان سليمان، ثم كثرت بها القهاوي في سنين قلائل.

وعرب حمير الساكنون باليمن ينقسمون كما سلف إلى إسماعيلية وزيدية، إلا أن أكثرهم زيدية تعتقد كالشيعة أن علي بن أبي طالب حرمه أبو بكر وعمر وعثمان من الخلافة بعد النبي ، إلا أنهم لا يقولون باثني عشر إمامًا كالشيعة، بل بأربعة خاتمهم مؤسس مذهب هذه الفرقة، وهو زيد بن محمد الباقر بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

المبحث الخامس: في تحسين بلاد العرب في النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي

بلغت الدولة العلية أوج الشوكة في ذلك العصر، وشدَّد على العرب ولاتها باليمن من جهة، والبرتغاليون النازلون بإقليم عمان من ناحية، والفرس المتحكِّمون في الخليج الفارسي من أخرى، فلبث هؤلاء العرب على هذا الذل حتى دهمت عرب جهات أخرى البرتغاليين والعثمانيين الذين اشتغلوا بالحرب عن إطاعة بلاد العرب ببعث جنود تحافظ على ما بأيديهم من البلاد، فهجمت قبائل هؤلاء العرب في ابتداء القرن السابع عشر من الميلاد على مراكز التجارات الإفرنجية، فأعدموها واحدًا بعد آخر، ولم يَبْقَ عمَّا قليل أحد من هؤلاء الغرباء في جنوب بحيث جزيرة العرب، وظهر من أقارب الخليفة مطهر السابق رجل يسمى قاسمًا، نصب بيرق العصيان وضرب سكة باسمه في إمارة كوكبان، وأظهر عزائم حملت العرب على تلقيبه بأمير المؤمنين، وتزاحمت الزيدية وانتظموا تحت ألويته، واستقل بالحكم على ما أخذه العثمانيون من سنة ١٥٦٨ إلى سنة ١٦٢٨ ميلادية، ثم أمر السلطان مراد الرابع أيدين باشا حاكم إثيوبيا سابقًا بالتوجه إلى اليمن لقمع هؤلاء العرب، فتوجه وتَحَصَّنَ بمدينة مخا، وأمد من القاهرة بعدة بعوث منعها شريف مكة المساعد للعرب سرًّا، ثم أتى قوسون باشا بدل أيدين باشا بعساكر جديدة قاتل بهم في وادي الجن وأخذ مدينتي تعر وزبيد، ثم قطع العرب التواصل بين اليمن والحجاز وردموا ما بينهما من الآبار، فتخلى قوسون باشا عن اليمن للإمام الزيدي.

وطرد البرتغاليون في ذلك الزمن إقليم عمان، واستولى العرب سنة ١٦٥٨ على مدينة مسكات المتجددة أبنيتُها بعد سفر بيري سنة ١٥٥١ ميلادية، وقبضت عائلة الأعراب الزاعمة أنها من سلاسة قرشيين بمكة على أَعِنَّةِ الحكم الواصل إلى مدينة هرمز وبلاد البحرين والحسا، وكذا إلى مدينتي كلوة وزنزبار.

وكان ديوان القسطنطينية يؤدي كل سنة إلى أمير محمل الحج الشامي ثلاثة وعشرين ألف قرش تُوَزَّع على عرب البراري الشامية، ثم تأخَّر الديوان عن تأديتها فنهب هؤلاء العرب قوافل الحج الشامي، وانضموا إلى فخر الدين المشهور بالعصيان وبارزوا الدولة العلية عشرين سنة من سنة ١٦٢٣ إلى سنة ١٦٤٣ ميلادية.

ولإعانة شريف مكة عرب حمير على عصيانهم الجنود التركية لم يكُن للدولة بمكة شوكة أكثر مما كانت في اليمن مع اجتهادها في بقاء سكان الحجاز على الصداقة بالعطايا السنوية التي زادت سنة ١٦٢٤ ميلادية ألفي قرش كان يؤديها قبل ذلك بيك إيالة الجزائر إلى بيك إيالة تونس، وانهدمت الكعبة بالسيول فبناها من الجدران السلطان مراد الرابع سنة ١٦٣٠ ميلادية بمال الحوالي المضروبة على قبط مصر، وبذل سنة ١٦٥١ ميلادية مصاريف لتدارُك ما أتلفته السيول، ومع ذلك كله كان عرب الحجاز لا يلتفتون إلى المندوبين من قبل الدولة، ويأبَوْن طاعة الشريف ويتخذون شيخًا غيره يعتمده سلطان القسطنطينية قهرًا، ويوقِّعون دائمًا مع أمراء الحج الشامي والمصري وحكام جدة تنازعًا وقتالًا يوجب ورطات عظيمة للدولة العلية التي كان لها من الجنود بالمدينة نحو خمسين لخفارة قبر النبي ، وبجدة جمع قليل لا يوازي مع جنود المدينة تحكُّم وسلطة شريف مكة القادر على اتِّخَاذ عشرة آلاف جندي، وعلى الفرار بالبيداء أن هدد بخطر مشرف الوقوع ولعجز السلطان مصطفى الرابع عن قمع الشريف اعترف له بالاستقلال سنة ١٦٩٥ ميلادية.

وتعدى حاكما بغداد والبصرة على أموال عراق العرب، فبارزوهما بقوة لم تكُن أقل من قوة عرب الحجاز على رجال الدولة العلية على استعداد مجاوريهم من الفرس لمساعدتهم على مبارزة الدولة، وكان في سني ١٦٥٠ و١٦٦٧ و١٦٩٥ ميلادية ضروب من العصيان اقتضت بَعْثَ جيوش جرارة لإطفائها وسلم عرب الفرات مدينة البصرة إلى شاه أصفهان الذي أمضى الصلح مع الدولة وهم مستمرون في محاربتها إلى سنة ١٧٠١ ميلادية، وسفكت دماء كثيرة حين عصت قبيلة منتفق سنة ١٧٠٦ ميلادية مع قصر زمن عصيانها عن العصيان السابق، واحتمى بعض قبيلة لام سنة ١٧١٦ ميلادية بحاكم جزيرة الفارسي، فنصبت قبائل العرب بنجد والبصرة البيرق الأسود، وصَدُّوا ثلاثين ألفًا من الفرس أغاروا على أرضها، ومن ذلك الوقت كانت البادية كلها في حيازة العرب دون غيرها.

المبحث السادس: في خروج الوهابية عن الطاعة

أخذت العرب من ابتداء القرن الثامن عشر في الاستقلال بالحكم لقوتها وضعف أعدائها، ولم تنقص إلا اتخاذ مركزًا تجتمع حوله جميع الأذهان، وترجع إليه في تدبير الأمور، فهمَّت الوهابية سنة ١٧٤٩ ميلادية فاتخذت منها عبد الوهاب مركزًا، وهو من قبيلة تميم اشتغل في صغره بالعلوم المعتادة عند العرب خصوصًا الفقه وسافر إلى بغداد والبصرة وبلاد الفرس، ثم أخذ يتفكر فيما يثير الحمية في أبناء وطنه فوجده إحياء الشريعة نقية من جميع البدع كحالتها الأولية فألزمهم المواظبة على العمل بالقرآن، ونهاهم عن الغُلُوِّ في تعظيم النبي ، وعن تقديس الأولياء الذين هدم قبورهم، وعن تعاطي المُسْكِرِ، وأنكر على الأتراك أخلاقهم الفاسدة. وقال إن الشريعة المحمدية تقضي أن يخرج كل إنسان خُمس أمواله زكاة وتحرم الزينة وتُلزِم القضاة بتحري الصدق.

وأخذ يعظهم بخطب عظم تأثيرها لديهم بموافقتها القرآن، ومقصوده من ذلك كله استميالهم إلى الأمور الحربية ليحيوا ما كان لآبائهم من العظمة، وقد كان؛ فإن أقوى جميع قبائل نجد وفدوا إليه وانتظموا تحت لوائه فجعل محمد بن سعود من قبيلة مصالح قائد هؤلاء الوفود وزوَّج سعود ابنته وقلده الحكم السياسي على الوهابية لمعرفته بالقوانين العسكرية، ثم أشاع سعود في مكة عقيدة لتوضيح مقصد أستاذه عبد الوهاب ونصها:

أن العلم الديني ينحصر في ثلاث مسائل؛ الأولى: معرفة الله، والثانية: معرفة أركان الدين، والثالثة: معرفة النبي. فأما المسألة الأولى — وهي معرفة الله — فتنحصر في هذه القضية، وهي: لا إله إلا الله. وأما مسألة معرفة الأركان الدينية فتتعلق بالإسلام وبالإيمان وبعمل الصالحات؛ فأما الإسلام فهو عبارة عن خمسة أشياء ممتازة عن بعضها، وهي الأول: أنه لا إله إلا الله محمد رسول الله، والثاني: إقام الصلاة الموقوتة خمس مرات كل يوم، والثالث: إخراج خُمس المال زكاة، والرابع: صوم شهر رمضان، والخامس: حج بيت الله بمكة ولو في العمر مرة أقل ما يكون.

وأما الإيمان فهو عبارة عن ستة أحكام؛ الأول: الإيقان بوجود الله، والثاني: الإيقان بوجود الملائكة، والثالث: الإيقان بالكتب المنزلة من عند الله، والرابع: الإيمان بالنبي، والخامس: الإيمان بصفاته وشمائله، والسادس: الإيمان بالحساب يوم القيامة.

وأما عمل الصالحات فينحصر كله في العمل بهذه الوصية، وهي قوله عليه الصلاة والسلام: «اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.»

وأما معرفة النبي فتلخيصها هو أن النبي محمدًا نبي مرسل بإذن الله إلى جميع الأمم وليس في الدنيا دين حق إلا دينه، وأنه ليس من نبي بعده.

وقد جبر الشيخ عبد الوهاب العرب بهذه الكلمات على ترك ما تعودوه من عدم العناية بالدين والاعتقادات الفاسدة، واستخلص آداب القرآن التهذيبية من سائر النقائص المنسوبة إلى القرآن زُورًا، وخلَّص العقول من النظر إلى الظواهر التي قصرت عليها التفاسير المطولة إلى قبول مقاصده لتجديد دين الإسلام الذي اكتسب رونقًا جديدًا بإعمال رئيس الوهابية المحبين للفضائل النائيين عن الشهوات الذميمة بخلاف الكرمانية، وما زالوا يجددون الإسلام حتى تعرض لصدهم باشا الديار المصرية من سنة ١٨١١ إلى سنة ١٨١٥ ميلادية.

وبينما الشيخ عبد الوهاب يأمر وينهي إذ كانت الجهة الشرقية من بلاد العرب معرَّضة للغارات؛ فإن نضير شاه المنتصر على الدولة العلية نوى أن يؤسس سلطنته في الخليج الفارسي، وهمَّ سنة ١٧٣٠ ميلادية أن يدهم بلاد عمان فلم يقاومهما فجمع خمسًا وعشرين سفينة لمحاربتها؛ فأبى المسلمون أن يقاتلوا إخوانهم في الدين فعزم أن ينقل سكان الخليج الفارسي إلى سواحل بحر جرجان، وينقل آخرين إلى ذلك الخليج، ثم مات وأدخل بعض مشايخ العرب رجال الفرس في مدينة مسكات سنة ١٧٤٠ ميلادية، فانتشروا منها في جميع الأقاليم لعدم إمدادهم، ولم يقدروا أن يصدوا دهمات العرب المستمرة، فرحلوا من تلك البلاد، وظهر بعدهم أعداء أُخَر الفلمنكيون والفرنساويون والإنكليز الذين دعتهم حاجة التجارة إلى إرساء سفنهم بالسواحل البحرية، وأخذوا يبحثون عن فرصة تُمَكِّنُهُم من التوطن بمدينة مسكات لموافقة وصفها للتجارة البحرية فقاومهم أهلُها، وقد استولى الفلمنكيون على جزيرة كرك سنة ١٧٥٥ ميلادية، وبقيت تحت أيديهم إحدى عشرة سنة، ثم سلبها منهم لِصٌّ من أكبر لصوص العرب البحرية يسمى ميرمهنا كان متحكمًا زمنًا طويلًا على الملاحين في الخليج الفارسي.

وكانت قبائل العرب في شمال بحيث جزيرة العرب ممتعة في تلك الحقبة بالهدو؛ فإنها رجعت إلى سكنى البراري بعد أن ساعدت في قتال الترك والفرس، وإقليم الحجاز ما عدا جدة التابعة للدولة باقٍ على الانقياد للأشراف واليمن مستغنٍ بمحصول أرضه وصنائعه، غير أنه كابد أهوالًا من إطلاق الفرنساوية الكلل على مدينة مخا سنة ١٧٣٨ ميلادية وطمح الإنكليز في مدن السواحل فتداخلوا في مشاجرات العرب، ولم يُبَالِ عرب مصر والشام بالخروج عن حكم الدولة العلية، وكانت قبائل نجد متفاشلة، ثم اتخذت تحت قيادة محمد بن سعود الوهابي وأغاروا على حدود الحجاز وصحاري الشام؛ ليفشوا بين البدويين الانتباه من غفلة الانحطاط، فأمر سلاطين الدولة العلية حكام البصرة وبغداد وجدة وباشا مصر وباشا الشام وشريف مكة باستئصال هذا المذهب الوهابي المسمى لديهم بالضلالة الخطرة، وبعث السلطان محمود الأول والسلطان مصطفى الثالث هدايا فاخرة إلى شريف مكة، ولم يُبَالِ محمد بن سعود بتلك الاحتراسات، واستمر في السير إلى تلك الجهات فبايعته العينة والحريملة والعمارية ومنفوده، ووفدت إليه رسل من الأقاليم المجاورة لها تخبره بالانقياد له. وأما والده سعود فكان قائدًا لكتائب مبعوثة إلى البلاد القاصية أقام حكمه على بلاد الحجاز كالطائف ومكة والمدينة وجدة، ثم شَنَّ الغارة على بلاد عسير، فأخذها واعترف بحكمه بنو شهر وبلقرن وشمران وغامد وزهران، وأخذ مدينة أبي عريش باليمن بعد حرب طويلة وبلاد الحسا والبصرة ورأس الخيمة والبحرين وعنيزة والرسة وبوريده والرياد وجبل شومر، وبالجملة تحكم سعود على بلاد حران التي بين مكة ودمشق وعلى بلاد نجد واليمن إلى مدينة صنعاء.

المبحث السابع: في أن غزو الفرنساوية للديار المصرية ساعد الوهابية على نجاح مقصدهم

أخذ نابليون بونابرتو البلاد الشامية التي نجت منه بمقاومة أهل عكا، وحارب الديار المصرية، فاشتغلت الدولة في غاية القرن الثامن عشر وغرة التاسع عشر من الميلاد بتمكين حكمها في إيالة مصر والشام وبمقاتلة الجبابرة في أوروبا غير ملتفتة إلى ما جرى على بلاد العرب من تحكم الوهابية التي أنشأ بونابرتو مع كبيرها مودة.

ولما فتح بونابرتو الديار المصرية كتب في تاريخه مقاصده التي منها توصله إلى الهند ليعدم منها ما للإنكليز من الشوكة التامة، ولما ولي إمبراطورية فرنسا أمر الموسيو «لسقاريس» بالسفر إلى بلاد العرب ليعاهد قبائل الشام والعراق وفارس على أن يسهلوا سير جيشه إلى السند ويفتحوا له الطريق التي سلكها إسكندر ذو القرنين، فسافر «لسقاريس» من حلب معه كاتب السر، وقطع فيافي بلاد العرب من جهة تدمر القديمة، فأخبرته أول قبيلة نزل عندها بأن أهل البادية أربعة أحزاب: حزب من أحياء عترة في حدود الشام منقاد للدولة، وحزب من شجعان العرب في مفاوز العراق شديد البغضاء لمن انتسب إلى غيرهم، وحزب من بدو الفرس، وحزب من الوهابية التي أعرض «لسقاريس» عمَّا يجب عليه من معاهدتها مع الحزب الثاني وهو العرب الذي عاهدهم على مقاومة الدولة؛ فكان رئيس هذا الحزب «دريعي» المعروف بالفطنة والدراية في الحرب محل أسرار بونابرتو في مغاور بلاد العرب.

ثم كتب جمع من مشايخ العرب سنة ١٨١١ ميلادية مبايعة مع «دريعي» على أن ينقادوا لأمره ويعادوا العثمانية عداوة مؤبَّدة، ويحاربوا الوهابية، ولا يخلطون الدين بالسياسة، ويقاتلوا القبائل الممتنعة من الانضمام إليهم، ويقتلوا من نقض منهم هذه المبايعة، وبلغ ذلك الإنكليز، فألفوا قلوب عرب الشام بالعثمانية، وأغروا الوهابية البالغين إذ ذاك سبعة آلاف وستمائة خيمة على أن يفسخوا معاهدتهم مع الفرنساوية، ورتبوا لهم دراهم لذلك، ثم كانت واقعة بقرب حماه بين مائة ألف وهابي وثمانين ألف بدوي تابعين «لدريعي» الذي هزم الوهابية، واقتفى أثرهم حتى بلغ حدود نجد، فأراد سعود وهو بالدرعية تحت حكومته أن يعرف الغرض من المعاهدة مع الفرنساوية فذهب إليه «لسقاريس» «ودريعي»، وأوضحا له الغرض منها فدخل في تلك المعاهدة لشدة بغضائه كالفرنساوية لجنس الترك، إلا أن سعود ما زال يأبى الانقياد في قضايا أُخَرَ بسبب معاهدته الإنكليز حتى عرف أن نابليون هو أبو النار، وأنه الذي سأله المساعدة على ذهابه إلى الهند بجيوشه لإعدام شوكة الإنكليز فأجابه بغاية الرضا، ثم رجع «لسقاريس» من بلاد العرب سنة ١٨٠٠ ميلادية وقت هرب الجيش الفرنساوي من مدينة مسقوف عائدًا إلى وطنه، ورأى «لسقاريس» أن أوراق معاهدته في أيدي أعدائه، وأن سعيه ذهب هباءً منثورًا فمات حزنًا، ولاستيلاء الإنكليز على جزيرة كرك في الخليج الفارسي، ووجود وكلائهم في مخا والسويس وجدة والبحرين، وتشوُّقهم إلى الاستيلاء على مدينتي مسكات وعدن كانوا يتتبعون بشدة الاهتمام حوادث بحيث جزيرة العرب.

المبحث الثامن: في عود الدولة العلية سنة ١٨١٥ ميلادية إلى ما كانت عليه من الشوكة وفي سياسة جنتمكان محمد علي باشا للديار المصرية

لما زالت سلطنة نابليون عن الديار المصرية عادت العساكر العثمانية إلى سيرها المطلق، وشرع محمد علي باشا في أن يعيد لمصر ما كان لها من العز والفخار بقتال الوهابية وإعدام ما لهم من التحكُّم، فبعث سنة ١٨١١ ميلادية ابنه طوسن باشا بعسكر أخذ بهم ينبع وسويج، ونُصِرَ على الوهابية قرب بدر، ثم سار تلقاء الصفراء والوهابية إذ ذاك في مضايق الجبال وأعلى الجبال فظفروا بالجيش المصري ومزقوه كل ممزق، فرجع طوسن باشا إلى ينبع وأتته الأمراء من قبل والده، فدهم الوهابية، واستولى سنة ١٨١٢ ميلادية على المدينة المنورة وجدة وبسل والطائف ومكة اللاتي تركها الوهابية بعد أن نهبوا ما فيها ورئيسهم سعود يفعل إذ ذاك الاحتراس من زحف المصريين عليه، ثم دبر سنة ١٨١٣ حربًا هزم فيها الجيش المصري أمام بلدة طرابة، وحاصر المدينة وضرب أعناق العسكر المحافظين على الحنكية.

واستثار سرًّا عرب اليمن فثاروا وانتشروا في نواحي مكة وجدة، وقطعوا مواصلتهما لجهات أخرى، فيئس المصريون من الظَّفَرِ، ثم حضر محمد علي باشا وتولى تدبير الحرب فأخذ يظفر بالوهابية قليلًا حتى مات سعود والوهابية محاصِرون للطائف، وله اثنا عشر ولدًا ليس في أحدهم كفاءة للقيام مقام أبيه، فكانت الغلبة لمحمد علي فخلَّص الطائف من المحاصرين، وغلبهم في عاشر يناير سنة ١٨١٥ ميلادية قرب بلدة خولج، وأخذ قنفدة باشا، وانقاد له عرب عسير، وأملى ابنه طوسن باشا على الجبان عبد الله بن سعود شروط صلح تحطه عمَّا كان عليه من رفيع الجاه، ولم يصدق في العمل بتلك الشروط فبعث إليه محمد علي باشا سنة ١٨١٦ ابنه إبراهيم باشا بجيش أخذ به في أقل من ثمانية عشر شهرًا معظم بلاد نجد، فقد استولى على الحنكية والناوية والحبرة وعنيزة وبوريدة وشقرة ودرامة، ونزل بجيشه بجانب مدينة الدرعية في الثاني والعشرين من مارث هذه السنة، فانقاد له في أكتوبر عبد الله بن سعود شيخ الوهابية، فأكرمه وبعثه إلى القسطنطينية والتمس من ديوانها العفو عنه، فتركه أهل الديوان السلطاني ثلاثة أيام ينظر في المدينة، ثم ضربوا عنقه في ميدان آيا صوفية، وبذلك زالت الشوكة الوهابية، إلا أن من بقي منهم كقبائل حرب أوقدوا سنة ١٨٢٧ ميلادية نار العصيان التي أطفأها المصريون وعادوا سنة ١٨٣٢ إلى الخروج على الدولة فاجتهد في مقاومتهم تركي يسمى تركجه بلمز، ولم ينجح وطرد من الحجاز فهرب إلى اليمن ولاذ بمدينة مخا، ثم اتقدت نار الحرب بجميع بلاد العرب في سنتي ١٨٣٦ و١٨٣٧ ميلادية، فبعث محمد علي باشا في آنٍ واحد أحمد باشا وسليم باشا إلى عسير والحجاز بجيشين ألزما العرب بالطاعة وكوجك إبراهيم إلى اليمن بجيش، فخلع أمام صنعاء الحكم على غالبه قهرًا وخورشد باشا إلى بلاد نجد بجيش هزم من ذرية سعود رجلًا يسمى فيصل ولحقه في سهول دلام، ثم جال في تلك البلاد حتى بلغ سواحل الخليج الفارسي وهي ضواحي الحسا والقطيف، وبذلك انفرد محمد علي باشا بالحكم على بلاد العرب، إلا أن الإنكليز رأوا أن مصلحتهم في منعه من الاستيلاء على طرق المخالطات، وفي احتكارهم تجارة الهندستان، وعارضوا خورشد باشا حين أراد الاستيلاء على جزائر البحرين بعد واقعة دلام، وهددوه بشنهم الغارة على البلاد الشامية، وظهر لمحمد علي باشا حين ربط علائق المودة بإمام مسكات أن جميع مقاصده كان يعارضه فيها الإنكليز الذين استولوا على عدن، وكان ظهورهم في اليمن موجبًا التفات أنظار الدول الأوروباوية إليهم، ويئس محمد علي من خلط عرب مصر بعرب جزيرة العرب، فرد للدولة حكومة الحرمين بعد أن أنفق فيهما كل سنة نحو ثمانية عشر مليون فرنك، ثم تُوُفِّيَ كل من محمد علي باشا وإبراهيم باشا في سنة ١٨٤٨ ميلادية، فضعفت قوة المصريين، وساغ خروج الوهابية على الدولة واستقلال الأمة العربية بالحكم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤