الفصل السادس

اضطرابات النوم

عادة ما نتعامل مع النوم كأمرٍ مُسلَّمٍ به حين ننال قسطًا كافيًا منه، لكن للأسف، يعاني حوالي ثلث البشر من واحدة على الأقل من حوالي ٧٥ نوعًا من اضطرابات النوم الإكلينيكية، ويعاني الكثيرون أيضًا من مشاكل في النوم دون الحصول على أي تشخيص واضح. وقد تكون تلك الاضطرابات مؤقتة، ربما نتيجة لتجربة مؤلمة كفقدان شخص عزيز أو الطلاق، أو يمكن أن تتحول إلى مشكلة مزمنة. قد تحدث بعض هذه الاضطرابات نتيجة لسلوكيات الأشخاص الخاصة، مثل العمل ليلًا أو الزيادة المفرطة في الوزن، أو يمكن أن ترتبط أيضًا بعوامل أخرى مثل الألم، أو المرض، أو تناول العلاج. وبغض النظر عن السبب، تؤثر اضطرابات النوم بشدة على نوعية الحياة، وهي تضر أيضًا بصحة الفرد وعافيته على المدى الطويل. ولا يستشعر معظم الأشخاص الفائدة التي تعود عليهم من النوم حتى يُحرَموا منه.

هناك ٨ أنواع من اضطرابات النوم وفقًا ﻟ «التصنيف الدولي لاضطرابات النوم»:

(١) الأرق. (٢) اضطرابات التنفس المرتبطة بالنوم. (٣) فرط النوم المركزي المنشأ. (٤) اضطرابات النوم المرتبطة بالإيقاع اليومي. (٥) الخطل النومي. (٦) اضطرابات الحركة المرتبطة بالنوم. (٧) الأعراض المنفردة والتغيرات العادية. (٨) اضطرابات النوم الأخرى. ولا يسعنا هنا تقديم عرض شامل لكافة اضطرابات النوم، إلا أن جزئية القراءات الإضافية من الكتاب تُورد المزيد من الكتب التي تتناول هذا الموضوع بالتفصيل. وسوف نناقش اضطرابات النوم الأكثر شيوعًا وأكثرها تأثيرًا على كل من الصحة والمجتمع.

(١) الأرق

لا يُعد الأرق مرضًا محددًا لكنه عَرَض شامل يتمثل في عدم القدرة على النوم، وهو أكثر شكاوى النوم شيوعًا. يشمل الأرق مشاكل مختلفة للنوم حيث يجد بعض المرضى صعوبة في النوم (أرق بداية النوم)، وبعضهم قد ينام بسهولة لكنه لا يستطيع الاستمرار في النوم (أرق الحفاظ على النوم)، والبعض يستيقظ مبكرًا جدًّا. يمكن لحالات الأرق العابر أن تبدأ وتنتهي سريعًا ارتباطًا بموقف حياتيٍّ معين، في حين أن هناك بعض الأشخاص الذين يخوضون معركة دائمة مع الأرق، ولا يشعرون بالقدرة على أن ينالوا قسطًا كافيًا من النوم. يرتبط الأرق بالعديد من الظروف النفسية (انظر الفصل السابع) ويمكن أن يرتبط أيضًا بمشاكل أخرى مثل الألم، أو أمراض مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، أو الشلل الرعاش أو حرقة المعدة أو الإفراط في تناول المشروبات الكحولية أو الأدوية. يعاني بعض المصابين بالأرق من فقدان الصلة بين القدْر الذي يحتاجونه من النوم وما ينالونه بالفعل، ويُطلَق على هذه الحالة «سوء إدراك حالة النوم» أو «الأرق المتناقض»، وفي بعض الأحيان، ينام المصابون بالأرق لفترات أطول مما يظنون. وفي هذه الحالة لا يشعر المصابون عادةً بالاكتفاء في الصباح وقد يعانون من الشعور بالنعاس، والإرهاق، أو التوعك، ومشاكل في الانتباه والتركيز والأداء، وتنتابهم حالة مزاجية سيئة، وانخفاض النشاط أو سرعة التهيج العصبي، وقد يتعرضون لوقوع حوادث في العمل أو أثناء القيادة نتيجة للشعور بالنعاس، أو حالة من القلق العام بشأن النوم. وحتى يتم التشخيص الطبي لهذه الحالة، يجب أن تستمر هذه الأعراض لمدة شهر على الأقل.

تصل نسبة مَن يعانون من الأرق إلى حوالي ٤٠٪ من البالغين في مرحلة ما في حياتهم، ونحو ما يصل إلى ١٥٪ منهم يعانون من الأرق المزمن. تعاني النساء من الأرق أكثر من الرجال، على الرغم من أن الدراسات قد أثبتت أن جودة النوم لديهن أعلى من الرجال. وتزداد الشكوى من الأرق مع تقدم العمر، حيث تصل نسبة مَن يعانون من مشاكل الأرق إلى نحو نصف مَن يتخطى سنهم ٦٥ عامًا. وعادة ما يضطرب نوم كبار السن نتيجة لحاجتهم إلى النهوض والذهاب إلى الحمام على الأقل مرة واحدة كل ليلة، ويُطلق على هذه الحالة «كثرة التبول أثناء الليل»، وتصيب ما يزيد عن ثلث كبار السن (وبعض الشباب)، وإذا ما كانت حالة مزمنة فيكون هذا مصاحبًا لمجموعة من الآثار الصحية السيئة وزيادة معدل الوفيات.

هناك العديد من مسببات الأرق، لكن عادة ما يندرج المرضى تحت ثلاث فئات: فالبعض يعاني من استعداد وراثي للأرق، ويمكن أن تظهر عليهم أعراض فرط التنبه أو انخفاض الدافع الاستتبابي للنوم؛ مما يجعل الاستغراق في النوم أو الحفاظ عليه أمرًا صعبًا. وقد تكون هناك أيضًا عناصر محفزة من شأنها زيادة فرص الإصابة بالأرق، ومنها: الأحداث الحياتية، والإصابة بالأمراض، وكثرة التبول أثناء الليل، وتناول الأدوية، وتعاطي المخدرات أو الخمور. وأخيرًا، قد يواظب الأفراد على بعض السلوكيات التي تؤدي إلى الإصابة بالأرق، مثل مشاهدة التلفاز أو استخدام الحاسوب في غرفة النوم، أو ممارسة التمارين الرياضية، أو تناول الطعام، أو رؤية ضوء ساطع في وقت متأخر من المساء، أو الإفراط في تناول الكافيين، أو القيلولة أثناء النهار، أو القلق بشأن النوم، الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى زيادة صعوبة النوم. يمكن للمشكلة الأخيرة أن تصبح بمثابة استجابة مشروطة — ما نسميه «الأرق المكتسب» — حيث يدخل المرضى في حلقة مفرغة من المعاناة من الأرق الحاد نتيجة لموقف حياتي أو للقلق بشأن القدرة على النوم؛ مما يؤدي بدوره إلى مواجهة صعوبات في النوم، بما يعمل على إثارة المزيد من القلق والسلوكيات التي تؤدي إلى تأخر النوم أو زيادة صعوبته، ويؤدي هذا إلى المزيد من القلق بشأن النوم، وهكذا. ويُعد كسْرُ هذه الحلقة عنصرًا هامًّا لعلاج الأرق يتضمن التخلص من المسببات الدائمة لتلك الحالة وتحسين العادات الصحية للنوم.

يرتبط عدم علاج الأرق بالمشاكل الصحية، فعلى الرغم من عدم معرفة الأسباب؛ فإن بعض الأمراض قد تؤدي إلى ظهور أعراض الأرق، أو قد يتطور الأرق كاضطراب أساسي ثم تزداد مخاطر الإصابة بأمراض أخرى نتيجة لذلك. يرتبط الأرق أو عدم كفاية النوم بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب، والسكتة الدماغية، والاكتئاب. ويعد الأرق أيضًا من الأعراض الشائعة للاضطرابات النفسية (الفصل السابع). يمكن أن يؤدي علاج مشاكل النوم، دون التطرق إلى السبب الرئيسي للاضطراب النفسي، إلى تحسين أداء المرضى بتحسين النعاس أثناء النهار والحالة المزاجية، أو توفير بنية يومية أفضل.

تختلف اختيارات العلاج بناءً على السبب الرئيسي للأرق. ويمكن لمعالجة السبب الأوَّلِي للأرق — مثل معالجة الألم بصورة أفضل أو التعافي من الفجيعة — أن يُخفِّف من حِدَّة الأعراض. ومع ذلك، يُعد علاج الأرق في حدِّ ذاته أمرًا مطلوبًا في علاج الأرق الأوَّلِي، وتتضمن أكثر أساليب العلاج غير الدوائية شيوعًا التحكم في المحفزات، وتقييد النوم، والعلاج بالاسترخاء، وقد يجتمع بعض هذه العناصر أو جميعها مع العلاج السلوكي المعرفي. وتهدف هذه الأساليب إلى إعادة هيكلة عادات النوم والتخلص من السلوكيات المشروطة التي لها دور في الإصابة بالأرق. وبعد ملاحظة المرضى لعدة أسابيع، تبيَّنت قدرتُهم على مواجهة القلق المسبب للأرق وتطوير عادات أفضل للنوم باتباع جدول زمني ثابت للنوم والاستيقاظ، وممارسة أساليب الاسترخاء قبل النوم، والتخلص من المنبهات، مثل: التلفاز، وأجهزة الحاسوب، والهواتف، والمفكرات الشخصية، والضوء من غرفة النوم، وإعادة تنظيم تناول الكافيين وممارسة التمارين الرياضية في وقت مبكر من اليوم. وحين لا يتمكن المرضى من النوم، لا يُنصح المرضى بالبقاء مستيقظين في الفراش لفترات طويلة لكن يُنصحون بالقيام ببعض الأنشطة الخفيفة في ضوء خافت في مكان آخر قبل محاولة النوم مجددًا. كما تطبق أيضًا أساليب لتقييد النوم، حيث يخلد المرضى إلى الفراش تبعًا لجدول زمني ولفترة زمنية محددة (على سبيل المثال لست ساعات) للحفاظ على كفاءة أعلى للنوم وتقليل الفترة التي يقضيها المريض مستيقظًا، وتمتد هذه الفترة الزمنية تدريجيًّا حتى يتمكن المريض من النوم بعمق لفترات أطول. وقد صُمِّمت هذه الأساليب لكسر العادات السيئة واستبدال عادات صحية للنوم بها (الجدول رقم ٦-١). يتميز العلاج السلوكي المعرفي بمعدلات أعلى من النجاح طويل الأمد في حالة استجابة المرضى.

كثيرًا ما يجري العلاج باستخدام العقاقير المنومة أو «الحبوب المنومة» لعلاج الأرق، حيث يُكتب ما يزيد عن ١٠ ملايين وصفة طبية لاستخدام المنومات كل عام في «إنجلترا» وحدها. وتتميز مجموعة من الأدوية بمؤثرات محفزة للنوم، وتضمنت بعض الأساليب القديمة لعلاج الأرق استخدامًا للمهدئات على نحو غير قانوني، ومضادات الاكتئاب المهدئة، والأدوية المضادة للذهان لدى غير المصابين بالاكتئاب. أما الآن فقد أصبحت الأدوية المنومة المعتمَدة لعلاج الأرق تتضمن عقاقير تحتوي على البنزوديازيبينات سريعة المفعول (مثل «تيمازيبام»، و«تريازولام»، و«إستازولام») وما يطلق عليها «عقاقير زي»، التي تتميز بنفس تأثير البنزوديازيبين لكنها تختلف من الناحية الكيميائية («زاليبلون»، و«زولبيدم»، و«زوبيكلون»، و«إيزوبيكلون»). تختلف مدة نصف عمر هذه الأدوية (الوقت المطلوب لانخفاض تركيز الدواء في الجسم والوصول إلى النصف، وهي طريقة لقياس مدة تأثير الدواء)، ويتراوح المعدل الشائع من ساعة ليصل إلى ١١ ساعة؛ ومن ثَمَّ يجب أن يكون اختيار الدواء متوازنًا بين الحصول على قدر كافٍ من النوم الطويل في مقابل الآثار السلبية المحتملة على القدرة على العمل أثناء النهار، خاصةً مخاطر النعاس في الصباح عند كبار السن وعدم القدرة على القيادة. ويعد فقدان الذاكرة بعد الاستيقاظ أثناء الليل من المخاطر المحتملة في بعض الأدوية التي قد تكون غير مناسبة تحت ظروف معينة.

جدول ٦-١: نصائح خاصة ﺑ «العادات الصحية للنوم» للأصحاء.
ما لا ينبغي فعله ما ينبغي فعله
وجود تلفاز في غرفة النوم أو مشاهدة التلفاز في الفراش. محاولة الذهاب إلى الفراش والاستيقاظ في نفس الموعد كل يوم.
استخدام الكمبيوتر في غرفة النوم أو وجود أجهزة إلكترونية بالقرب من الفراش أثناء النوم. قصر استخدام غرفة النوم على النوم والعلاقة الحميمة.
المجادلة أو ممارسة تمارين عنيفة قبل النوم مباشرةً. ممارسة التمارين الرياضية بانتظام يوميًّا، ويُفضل في الصباح أو بعد الظهر.
تناول الكافيين بعد الظهر أو مساءً. التعرض للضوء الخارجي بانتظام.
تناول مشروبات كحولية أو أية مشروبات أخرى تساعدك على النوم. الحفاظ على درجة حرارة معتدلة تميل إلى البرودة داخل غرفة النوم.
الذهاب إلى الفراش متخمًا أو جائعًا جدًّا. الحفاظ على هدوء غرفة النوم أثناء النوم واستخدام سدادات الأذن.
تناول الحبوب المنومة الخاصة بشخص آخر. الحفاظ على غرفة النوم مظلمة تمامًا باستخدام الستائر المعتمة أو استخدام غطاء للعين.
تناول العقاقير المتوافرة دون وصفة طبية لتساعدك على النوم (مثل مضادات الهيستامين). الحفاظ على دفء الأقدام والأيدي واستخدام جوارب النوم.
أخذ قيلولة لمدة تزيد عن ٢٠ دقيقة. أخذ قيلولة قصيرة أثناء النهار.
استخدام الأضواء الليلية، لكن يمكن استخدام ضوء خافت أحمر يميل إلى البرتقالي إذا أمكن. خفض الأضواء قدر الإمكان قبل النوم بساعة أو ساعتين.
التوتر بشأن عدم القدرة على النوم. القيام بأمور تدعو للاسترخاء قبل الذهاب للفراش مثل تمارين الاسترخاء، أو التأمل، أو أخذ حمام دافئ أو تناول مشروب دافئ خالٍ من الكافيين.
الشعور بالضغط من قِبَل الآخرين بشأن احتياجاتك من النوم وأوقاته. الاستجابة لاحتياجات الجسم من النوم.

توصي التوجيهات الإرشادية الحالية باستخدام تلك العقاقير لعدة أسابيع فقط، على الرغم من أنها كثيرًا ما توصف للأشخاص لفترات أطول؛ مما يزيد من مخاطر اعتماد الجسم على تلك العقاقير، وفي تلك الحالة يشعر المرضى في بعض الأحيان بالحاجة إلى زيادة الجرعة التي يتناولونها للحصول على نفس التأثير (يحدث ذلك عادةً دون إذن الطبيب) ويمكن أن يترتب على وقف تناول الأدوية ظهور أعراض الانسحاب وعودة الأرق. وفي الآونة الأخيرة، تم اعتماد استخدام الميلاتونين ومنشطات مستقبلات الميلاتونين كعلاج للأرق، ولا تشتمل هذه الأدوية على مخاطر زيادة الاعتماد عليها لكن قد تكون فعاليتها محدودة.

يعتمد نحو ٤٠٪ من مرضى الأرق على العلاج الذاتي بالكحول، أو تناول الأدوية التي تساعد على النوم والمتوافرة دون وصفة طبية، أو العلاجات العشبية غير المُختبرة. عادةً ما يُستخدم الكحول لمساعدة الأشخاص على النوم، على الرغم من التراجع السريع لتأثير الكحول على النوم مع الوقت وما يُسببه من اضطراب في النوم نتيجة لكثرة التبول أثناء الليل. وتحفز بعض مضادات الهيستامين النوم عن طريق تثبيط المؤثرات المنبهة للهيستامين في الدماغ (الفصل الثالث).

قد تسهم أيضًا بعض الأدوية والمواد في المعاناة من الأرق، وتتضمن منشطات الجهاز العصبي المركزي، وبعض أنواع العقاقير الخافضة للضغط وأدوية الجهاز التنفسي، ومزيلات الاحتقان، والعلاج بالهرمونات البديلة، وأدوية العلاج الكيميائي، وحبوب إنقاص الوزن، والنيكوتين، والكافيين (الفصل الثالث).

(٢) اضطرابات التنفس المرتبطة بالنوم

تشكل اضطرابات التنفس المرتبطة بالنوم نسبة كبيرة من شكاوى النوم. ومن شكاوى النوم الشائعة متلازمة توقف التنفس أثناء النوم، وتتميز بغلق متكرر جزئي أو كلي لمجرى الهواء (توقف التنفس) حين يستلقي المرضى للنوم، وهو الذي يؤدي بدوره إلى قطع إمداد الهواء مما يُشعر المرضى بالاختناق؛ ومن ثَمَّ الاستيقاظ من نومهم. عادةً ما يتبع توقف التنفس لهاث عالي الصوت، غالبًا ما يسمعه مَن ينام إلى جوار الشخص. يتجاوز هذا الاضطراب الغطيط العادي، على الرغم من أن مَن يَغُطُّون في نومهم بشدة معرَّضون لمخاطر توقف التنفس أثناء النوم. يمكن تعريف توقف التنفس على أنه انخفاض في معدل تدفق الهواء بنسبة ٩٠٪ على الأقل لمدة ١٠ ثوانٍ على الأقل (٣٠٪ لضعف التنفس) ويصاحب ذلك انخفاضًا في معدلات الأوكسجين في الدم بنسبة ٣-٤٪. وتكرار هذه الحالة ١٥ مرة أو أكثر في الساعة (يصل مؤشر ضعف التنفس–توقف التنفس لمعدل ١٥ أو أكثر) يشخص كإصابة أكيدة بتوقف التنفس أثناء النوم، لكن تكرار حدوث الحالة ٥ مرات على الأقل في الساعة يُعدُّ حالة طفيفة من توقُّف التنفس أثناء النوم وقد يكون لها عواقب صحية أيضًا. يُشخَّص تكرارُها لثلاثين مرة أو أكثر في الساعة على أنها حالة «حادة»، وفي الحالات الشديدة الخطورة يتوقف المرضى عن التنفس حوالي ١٠٠ مرة في الساعة. يمنع مثل هذا الاضطراب المتكرر في النوم المريضَ من دخول مرحلة النوم العميق البطيء الموجات، الذي يساعد على استعادة اليقظة؛ ومن ثَمَّ يعاني المرضى عادةً من الإرهاق الشديد ويواجهون مشاكل في الإدراك. وتمثل حوادث التصادم الناجمة عن النعاس أثناء القيادة إحدى المخاطر التي يعاني منها هؤلاء المرضى على وجه الخصوص؛ حيث تزداد نسبة مخاطر الحوادث سبعة أضعاف إذا لم تتم معالجتهم. وتؤدي الصدمة المتكررة التي تنجم عن الاستيقاظ فجأة كل بضع دقائق إلى تغير معدل ضربات القلب، ورفع معدل ضغط الدم وزيادة مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية والنوبات القلبية؛ حيث يعاني مرضى توقف التنفس أثناء النوم الذين لم يتلقَّوا العلاج من ارتفاع نسبة الوفاة الناجمة عن النوبات القلبية أو السكتات الدماغية أكثر من غيرهم بضِعْفَين أو ثلاثة أضعاف كما يعانون أيضًا من ارتفاع مخاطر مقاومة الأنسولين ومرض السكر.

ينتشر توقف التنفس أثناء النوم بين مَن هم في مرحلة منتصف العمر، والمرضى الذين يعانون من الوزن الزائد، وخاصة الرجال، ومع ذلك يعاني النساء من ارتفاع مخاطر الإصابة به بعد انقطاع الطمث. وتعد كل من السمنة (التي يمكن تحديدها عادة عن طريق وصول مؤشر كتلة الجسم — نسبة الوزن إلى الطول، كجم/متر٢ — إلى الرقم ٣٠ أو أكثر) وزيادة حجم الرقبة مؤشرات قوية لمخاطر الإصابة بتوقف التنفس أثناء النوم؛ حيث إن الدهون المتراكمة حول الرقبة «تضغط على» مجرى الهواء عند الاستلقاء للنوم. وتعد الإصابة بالاختناق أثناء النوم أمرًا مضمونًا فعليًّا مع ارتفاع معدلات مؤشر كتلة الجسم. ونظرًا لارتفاع مخاطر الحوادث الناجمة عن النعاس أثناء القيادة عند مرضى توقف التنفس أثناء النوم الذين لا يتلقَّون أي علاج، كان من المقترح ضرورة خضوع كافة السائقين التجاريين الذين يُعانون من ارتفاع مؤشر كتلة الجسم، إلى فحص وعلاج لتلك الحالة قبل استخراجهم لرخصة القيادة. ومن أجل السلامة العامة، يمكن أن تتم دراسة تطبيق هذا الشرط على جميع السائقين، وليس فقط سائقي الشاحنات التجارية، وكذا على الطيارين، وقباطنة السفن، وسائقي القطارات، وعلى أصحاب المهن التي تتعلق بالسلامة وتتضمن تعاملًا مع العامة (على سبيل المثال: رجال الشرطة، ورجال الإطفاء، والأطباء، وأطقم التمريض). من شأن البرامج المستهدفة لفحص توقف التنفس أثناء النوم أن تعود بالفائدة على كل من صحة الفرد والسلامة العامة.

وبالرغم من ذلك لا تحدث حالات توقف التنفس أثناء النوم للمرضى الذين يعانون من السمنة فحسب، بل يمكن أيضًا أن يعاني أصحاب القامة النحيلة من توقف التنفس أثناء النوم نتيجة للتغيرات التشريحية التي تسد مجرى الهواء، والتي تتضمن قِصَر مجرى الهواء؛ مما يجعله عرضة للانسداد بسهولة تحت الضغط، أو كِبَر حجم اللسان أو تضخم اللوزتين التي تسد مجرى الهواء على نحو جزئي، أو التكوين غير المعتاد للفك.

هناك العديد من سُبُل العلاج المتاحة، أكثرها شيوعًا هو ضغط المجرى الهوائي الإيجابي المستمر، وخلاله يرتدي المريض قناعًا صغيرًا على الأنف أو الفم، يعمل على دفع الهواء داخل المجرى الهوائي أثناء النوم؛ لضمان بقاء المجرى مفتوحًا. وعلى الرغم من أن المريض قد يستغرق بضعة أيام ليعتاد على ارتداء القناع، فإن علاج ضغط المجرى الهوائي الإيجابي المستمر يمكن أن يحقق نجاحًا كبيرًا وهو يتميز بكونه لا جراحيًّا وبسيطًا نسبيًّا. وينصح أيضًا بفقدان الوزن كخطوة مبدئية لعلاج توقف التنفس أثناء النوم. وقد تكون هناك طرق أخرى أكثر فعالية، اعتمادًا على المسببات حيث يمكن تركيب أجهزة للأسنان لمنع اللسان من سد المجرى الهوائي أو إعادة الفك إلى وضعه الطبيعي بتحريكه قليلًا، وعدد قليل من المرضى قد يحتاج إلى إجراء جراحة لاستئصال اللوزتين أو تغيير شكل الفك. عادةً ما يلاحظ المرضى الذين خضعوا لعلاج ناجح لتوقف التنفس أثناء النوم تغيرات في معدلات الإدراك واليقظة أثناء النهار، ويدركون بالفعل مدى ما كانوا يعانون منه من النعاس والإرهاق قبل تلقي العلاج.

تعتبر متلازمة توقف التنفس المركزي أثناء النوم مجموعة مترابطة من الاضطرابات، ولكنها أقل شيوعًا وفيها يصبح التنفس مضطربًا أثناء النوم. وعلى النقيض من توقف التنفس أثناء النوم، يبقى المجرى الهوائي مفتوحًا أثناء توقف التنفس المركزي، لكن يبذل الشخص مجهودًا غير طبيعي — أو لا يبذل أي مجهود على الإطلاق — ليتمكن من التنفس. ويمكن أن يحدث هذا نتيجة لمجموعة متنوعة من المشاكل تتضمن تغيرات في تنظيم الجهاز العصبي للتنفس أثناء النوم، أو اعتلال الرئة، أو مرض في القلب والأوعية الدموية، على سبيل المثال في قصور القلب الاحتقاني أو بعد الإصابة بسكتة دماغية. ترتبط هذه الاضطرابات بتراجع الاستجابات للأحداث التي يجب أن تؤدي تلقائيًّا إلى بذل المزيد من الجهد للتنفس، مثل توقف التنفس أو ارتفاع معدلات ثاني أكسيد الكربون في الدم؛ الأمر الذي يؤدي إلى اضطراب النوم. وقد لوحظت مشاكل مشابهة على الأشخاص الذين سافروا إلى أماكن مرتفعة تقع على علو شاهق.

(٣) فرط النوم المركزي المنشأ

تعكس اضطرابات هذه الفئة أعراض النعاس المفرط أثناء اليوم (النوم المفرط) التي لا تنجم عن توقف التنفس أثناء النوم، أو اضطرابات النظام اليومي، أو أي مشاكل أخرى متعلقة بالنوم؛ لكن تنجم تلك الأعراض عن اضطراب فعلي «مركزي» في الدماغ. ولقد تم وصف ثلاثة أنواع من الاضطراب، ويُعدُّ أسهل تلك الأنواع فهمًا هو الخَدَر — ونعني به حرفيًّا «هجمات النوم» — الذي يتسم بتغلب النوم القهري (حتى عند الشعور بالنشاط)، والقيلولة المنتظمة، والنعاس المفرط أثناء اليوم. كما يحدث اضطراب في النوم أثناء الليل، مع انخفاض النوم المتواصل والمعزز، ويمكن أن يُصاب المرضى بشلل النوم الذي يحدث أثناء نوم حركة العين السريعة أو حدوث حالة مشابهة لنوم حركة العين السريعة في اليقظة. ولقد تم وصف أنواع فرعية من الخَدَر، ومنها على وجه التحديد الخَدَر مع الجمدة أو من دونها، والخَدَر الذي ينتج عن حالة طبية (مثل صدمة الرأس، أو الشلل الرعاش، أو التصلب المتعدد). يعد الخَدَر فقدانًا مفاجئًا لقوة العضلات، الذي قد يؤدي إلى تكوُّم المريض بالمعنى الحرفي للكلمة، مشلولًا شللًا مؤقتًا، بينما يكون في حالة من اليقظة لبضع دقائق، وعادةً ما يكون الخَدَر نتيجة لاستجابات عاطفية حادة مثل الضحك، أو المفاجأة، أو الغضب في بعض الأحيان. يمكن أن يكون الخَدَر حالة خطرة، على الرغم من إصابة بعض المرضى بأعراض أقل شدة وتتركز في عضو معين، مثل الارتخاء المؤقت في الفك أو ضعف الركبتين.

يعد الخَدَر من الأمراض النادرة، حيث يصيب ٠٫٢٪ فقط من عدد السكان، لكنه على الجانب الآخر قد يكون اضطرابًا مسببًا للعجز. ومؤخرًا تحققت إنجازات مهمة لفهم أساس الخَدَر. وكما ورد في الفصل الثالث، يعد الأوريكسين/الهيبوكريتين مكونًا رئيسيًّا لعملية تنظيم النوم والاستيقاظ. يحفز تنشيط الخلايا العصبية للأوريكسين الشعور باليقظة، بينما تحفز معدلات الأوريكسين المنخفضة ليلًا القدرة على النوم. ولقد وُصف الأوريكسين بأنه مفتاح التحكم في عملية التناوب بين حالات النوم واليقظة؛ حيث يتحكم في معدل الانتقال بين حالات النوم واليقظة ويساعد على الحفاظ على فترات متصلة من اليقظة الكاملة أو النوم العميق. يعاني مرضى الخَدَر من معدلات شديدة الانخفاض من الأوريكسين والقليل من الخلايا التي تنتج الأوريكسين؛ ومن ثَمَّ يفقدون آلية التحكم الهامة التي تمكنهم من الحفاظ على نمط طبيعي للنوم والاستيقاظ. وعلى الرغم من عدم وجود أي علاج حتى الآن، فإنه يمكن علاج بعض الأعراض، على سبيل المثال باستخدام المحفزات لمواجهة النعاس المفرط.

وتعد حالات فرط النوم الأخرى، وفرط النوم مجهول السبب (النعاس أثناء النهار دون سبب معروف) وفرط النوم المتكرر (نوبات متكررة من النعاس أثناء النهار والخلل الوظيفي المعرفي)، من الحالات نادرة الحدوث وغير المفهومة جيدًا. يحدث فرط النوم المتكرر نتيجة لمتلازمة «كلين-ليفين» بالإضافة إلى اضطرابات سلوكية متكررة تتضمن تناول الطعام بشراهة وزيادة الرغبة الجنسية وكذلك ضعف الإدراك، وسرعة التهيج والعدوانية. يندرج فرط النوم المرتبط بالدورة الشهرية أيضًا تحت هذه الفئة. يعاني مرضى فرط النوم مجهول السبب من النعاس المفرط أثناء النهار وفترات قيلولة لا تُعيد إليهم النشاط، وعادةً ما يعانون من الجمود الشديد عند الاستيقاظ من النوم. كما يعاني بعض المرضى أيضًا من فترات طويلة جدًّا من النوم ليلًا وربما تكون هذه الاضطرابات ناجمة عن المناعة الذاتية أو لها أساس وراثي، لكن تنحصر سبل العلاج الآن على علاج أعراض النعاس أثناء النهار.

(٤) اضطرابات النوم المرتبطة بالإيقاع اليومي

fig10
شكل ٦-١: (أ) يمكن الاستغراق في النوم سريعًا (طول فترة انتظار النوم) ولفترات طويلة إذا حدث النوم خلال فترة محددة خلال الإيقاع اليومي، الذي يحدث — في ظل الظروف الطبيعية — خلال الليل ويتزامن مع ارتفاع معدل الميلاتونين وانخفاض درجة حرارة الجسم الداخلية. أما محاولة النوم مبكرًا فتعني تزامن محاولة النوم مع نطاق الحفاظ على اليقظة؛ مما يزيد من صعوبة النوم. حينما يحدث النوم في التوقيت الخاطئ من الإيقاع اليومي، ومثال ذلك عندما ينام عامل وردية في منتصف اليوم (اللوحة الرمادية)، تزداد فترة انتظار النوم وتقل مدة النوم.
fig11
شكل ٦-٢: (ب) وبالمثل، يظهر معدل الأداء أيضًا وجود إيقاع يومي، وترتفع معدلات الأداء أثناء النهار وتنخفض أثناء الليل. يبقى عمال الورديات الليلية مستيقظين أثناء الليل حين ينخفض معدل أدائهم (اللوحة الرمادية)؛ مما يزيد من خطورة الحوادث المرتبطة بالنعاس.
تحدث اضطرابات النوم المرتبطة بالإيقاع اليومي نتيجة لمحاولة النوم أو حدوثه في غير وقته الطبيعي من دورة الساعة البيولوجية (انظر الشكلين ٦-١، ٦-٢). هناك فترة محدودة فقط للنوم خلال الدورة اليومية يمكن فيها الخلود إلى النوم والحفاظ عليه بسهولة، ويترتب على محاولة النوم خارج حدود هذه الفترة مواجهة صعوبة في النوم أو الاستمرار فيه. يمكن أن تكون اضطرابات النوم المرتبطة بالإيقاع اليومي ناجمة عن التحفيز الذاتي، أو تعود إلى أسباب بيئية، أو نتيجة لاضطراب فعلي في تنظيم الإيقاع اليومي للنوم. ويمكن لهذه الاضطرابات أن تنتشر ضمن مجموعات محددة، مثل المصابين باضطراب تأخر مرحلة النوم عند المراهقين، واضطراب تقدم مرحلة النوم عند كبار السن، واضطراب النوم والاستيقاظ غير المتزامن مع ساعات اليوم الأربع والعشرين عند المكفوفين تمامًا، واضطراب النوم والاستيقاظ لدى المصابين بالخرف (انظر الفصل الخامس).
يتطلب علاج اضطرابات النوم المرتبطة بالإيقاع اليومي تغيير مواعيد النوم حتى يحدث في المرحلة الصحيحة من الإيقاع اليومي، أو إعادة ضبط منظم الإيقاع اليومي والحفاظ عليه؛ ليتواءم مع الوقت المطلوب للنوم. ويعد علاج الميلاتونين ودورة الضوء والظلام من أقوى عوامل التزامن، على الرغم من أن التوجيهات الإرشادية الإكلينيكية الرسمية لاستخداماتها العلاجية محدودة. ويعد كل من الضوء والميلاتونين من «الكرونوبايوتكس»، وهو نوع من العلاج يعمل على تغيير الساعة، وله تأثير مختلف اعتمادًا على توقيت اليوم الذي بدأ فيه اتباع النظام. تصف منحنيات استجابة الطور كلًّا من اتجاه ومقدار تلك التأثيرات، فعلى سبيل المثال، يعمل التعرض للضوء في المساء على تحويل منظم الإيقاع اليومي إلى وقت لاحق (تأخير)، بينما يُحوِّل التعرض للضوء في الصباح الباكر الساعة البيولوجية إلى وقت مبكر (تقديم). أما فيما يتعلق بعلاج الميلاتونين فله منحنًى مختلف لاستجابة الطور؛ حيث يؤدي تناول الميلاتونين في المساء إلى تقديم الساعة البيولوجية، بينما يتسبب ميلاتونين الصباح في تأخيرها. يمكن أن تُستخدم هذه الخصائص في ضبط توقيت العلاج بالضوء والظلام أو بالميلاتونين لتحويل الساعة البيولوجية للاتجاه المطلوب. أما فيما يتعلق باضطراب تقدم مرحلة النوم، فسيُحوِّل كلٌّ من ضوء المساء وميلاتونين الصباح الساعة لوقت لاحق، بينما سيعمل كل من ضوء الصباح وميلاتونين المساء على تقديم الساعة البيولوجية لعلاج اضطراب تأخر مرحلة النوم (انظر الشكل رقم ٦-٣). يمكن الاعتماد على كل من ضوء النهار الطبيعي و«صناديق» الضوء لمعالجة اضطرابات النوم المرتبطة بالإيقاع اليومي، ومن العوامل المهمة أيضًا تقليل التعرض للضوء في الوقت غير المناسب لتجنب إلغاء تأثير ما حدث من نتائج مرجوة (انظر الفصل التاسع). يعد الميلاتونين في معظم الدول متاحًا بالوصفات الطبية (وهو متاح في الولايات المتحدة الأمريكية دون أي وصفات طبية)، لكن معظم الأطباء لم يتلقَّوا التدريب الكافي على استخدامه بتوقيت محدد. وهكذا لا يحصل معظم المرضى على النتائج المحتملة للميلاتونين؛ لأنه لم يوصَف في المواعيد الصحيحة؛ ومن ثَمَّ فهناك حاجة إلى توافر التوجيهات الإرشادية الإكلينيكية الواضحة. يتمتع الميلاتونين والعقاقير المشابهة له (التي يطلق عليها «مواد شادَّة») أيضًا بتأثير «منوِّم» طفيف، أو تأثير مساعد على النوم، وتزداد فعاليتها في حالة عدم إنتاج الميلاتونين الطبيعي — في منتصف اليوم — مما يجعل الميلاتونين ذا فائدة مضاعفة لعمال الورديات وفي الحالات المصابة باضطراب الرحلات الجوية الطويلة؛ حيث يساعد — عند تناوله في الوقت المناسب — على إعادة ضبط الساعة البيولوجية والنوم في المرحلة «الخاطئة» من الإيقاع اليومي. وعلى الرغم من اعتماد الميلاتونين والمواد الشادة الشبيهة به كعلاج للأرق، فإنها لا تتمتع بفعالية كبيرة عند تناولها وقت النوم كعلاج لاضطرابات النوم غير المتعلقة بالإيقاع اليومي.
fig12
شكل ٦-٣: يتطلب علاج اضطرابات النوم المرتبطة بالإيقاع اليومي علاجًا في توقيت محدد على نحو سليم، لتحويل توقيت النوم للمرحلة الصحيحة من الإيقاع اليومي. ويُعدُّ كل من العلاج بالميلاتونين والعلاج بالضوء من علاجات الكرونوبايوتكس التي يعتمد تأثيرها على توقيت العلاج تبعًا للإيقاع اليومي. ويتطلب علاج اضطرابات تأخر مرحلة النوم تقديم النوم لميعاد متقدم، وهو ما يمكن تحقيقه بالعلاج الليلي بالميلاتونين أو العلاج الصباحي بالضوء. أما علاج اضطراب تقدم مرحلة النوم فتأخير النوم لوقت لاحق، ويمكن تحقيق هذا بالتعرض للضوء ليلًا. وقد يتسبب العلاج النهاري بالميلاتونين في تقدم المرحلة، ولكن لا يُنصَح به؛ حيث إنه قد يتسبب في الشعور بالنعاس في أوقات غير ملائمة، مثل الرغبة في النوم أثناء القيادة في الطريق إلى العمل.

المربع رقم ٣: الحياة في منطقة زمنية مختلفة يوميًّا، اضطراب النوم والاستيقاظ غير المتزامن مع ساعات اليوم الأربع والعشرين لدى المكفوفين

إذا سلمنا بأن الضوء هو أهم مؤشر بيئي لضبط الساعة البيولوجية، يصبح أمامنا سؤال في غاية الوضوح ألا وهو: ماذا سيحدث حين يفقد أحدهم القدرة على اكتشاف الضوء؟ للأسف، يعجز معظم المكفوفين، وخاصة مَن فقدوا أعينهم، عن الحفاظ على تزامنهم مع ساعات اليوم الأربع والعشرين؛ ومن ثَمَّ يصابون ﺑ «اضطراب النوم والاستيقاظ غير المتزامن مع ساعات اليوم الأربع والعشرين»؛ نتيجة لعدم التطابق بين ساعاتهم البيولوجية الداخلية واليوم الاجتماعي الطبيعي. ويتسم هذا الاضطراب بمشاكل دورية في النوم، التي يعاني على إثرها المرضى من عدم القدرة على الاستغراق في النوم لعدة أسابيع بعد عدة أسابيع من النوم الجيد، وفرط النعاس وفترات القيلولة أثناء النهار، التي يتبعها فترة من النوم الجيد مرة أخرى، وهكذا دوالَيْك ضمن دائرة مفرغة لا تبدو لها نهاية. وتتحدد مدة الدورة تبعًا لتوقيت الساعة البيولوجية الداخلية للفرد، التي تتراوح ما بين ٢٣٫٦ حتى ٢٥٫١ ساعة عند البشر. على سبيل المثال: يحتاج الفرد الذي يبلغ توقيت ساعته الداخلية ٢٤٫٥ ساعة إلى ٤٩ يومًا (٧ أسابيع) لاستكمال دورة كاملة «للإيقاع اليومي» (٠٫٥ ساعة في اليوم لاستكمال دورة مدتها ٢٤٫٥ ساعة). إذا ما تم تغيير توقيت النوم ٣٠ دقيقة في اليوم، وهي فترة تبدو غير مؤثرة، إلا أنها تتزايد بمرور الوقت، وسيؤدي هذا إلى «فقدان تزامن» الساعة البيولوجية مع اليوم الطبيعي الممتد لأربع وعشرين ساعة؛ الأمر الذي يؤدي بدوره إلى شعور المرضى بالنعاس الشديد أثناء النهار واليقظة أثناء الليل. سيستغرق الفرد الذي يتمتع بساعة بيولوجية أسرع، على سبيل المثال ٢٤٫١ ساعة، ٢٤١ يومًا؛ أي حوالي ٨ أشهر، لاستكمال دورة كاملة، وسيمرون ﺑ ٤ أشهر من النوم الجيد يليها ٤ أشهر من النوم المضطرب في كل دورة. وقد لا يتمكن الطبيب أو المريض من تفسير هذا على أنه اضطراب دوري، ويمكن أن يُشخص دون قصد على أنه أرق أو خَدَر في ضوء مشكلات النوم الممتدة على فترة طويلة والشعور المفرط بالنعاس أثناء النهار.

يمكن أن يوفر العلاج اليومي بالميلاتونين — في حالة تناوله في المساء كل أربع وعشرين ساعة — إشارة زمنية تعمل على تعويض العجز عن رؤية الضوء وإعادة تزامن الساعة البيولوجية. وعلى الرغم من عدم وضوح كافة التفاصيل بعدُ، فإنه يبدو أن الجرعات القليلة (٠٫٥ ملِّيجرام أو أقل) تؤدي إلى تزامن الساعة البيولوجية على أفضل وجه، لكنها قد تستغرق بضعة أسابيع لتحقيق ذلك. ويمكن أيضًا أن يؤدي تناول الميلاتونين بانتظام يوميًّا في المساء، في التاسعة مساءً على سبيل المثال، إلى تحسين آثار الميلاتونين المحفزة للنعاس بالإضافة إلى إعادة ضبط الساعة البيولوجية. وكما هو الحال مع كافة الأدوية، ينبغي أن يكون العلاج بالميلاتونين تحت إشراف الطبيب، وينبغي أن يكون اضطراب النوم والاستيقاظ غير المتزامن مع ساعات اليوم الأربع والعشرين أول الاعتبارات الموضوعة في حالة أي كفيف يشكو من اضطرابات النوم.

(٥) الخطل النومي

يندرج تحت مسمى «الخطل النومي» كل الاضطرابات الكريهة التي تحدث «بالتوازي مع النوم»، مثل المشي أثناء النوم، ورعب الليل، والكوابيس، والتبول اللاإرادي (أو «سلس البول»)، والأكل أثناء النوم، والأنين. هناك ١٢ فئة من الخطل النومي، التي تشمل حركات غير طبيعية وانفعالات وأحلامًا وسلوكيات تحدث أثناء النوم أو عند الاستيقاظ من النوم، وقد تكون مخيفة للغاية، بل وخطيرة في بعض الأحيان، لكل من المريض ومَن ينام إلى جواره. وقد ينتهج المرضى سلوكيات «موجهة نحو هدف ما»، وقد يكون لها معنًى بالنسبة إليهم في ذلك الحين، ولكنها قد تكون شاذة للغاية بالمقاييس العادية. تحدث هذه السلوكيات دون وعي وعن غير عمد، وهو العامل الذي غالبًا ما يتصدر المشهد في القضايا القانونية عند محاكمة أحدهم بسبب ارتكابه اعتداء جسديًّا أو جنسيًّا عند تعرضه لإحدى نوبات الخطل النومي.

جدير بالذكر أن اضطراب الاستيقاظ المصحوب بالتشوش الذهني، والمشي أثناء النوم، ورعب الليل، والكوابيس، وسلس البول تُعد من أكثر اضطرابات الخطل النومي شيوعًا لدى الأطفال، رغم إمكانية الإصابة بها في مرحلة البلوغ. وغالبًا ما يحدث الاستيقاظ المصحوب بالتشوش الذهني، والمشي أثناء النوم، ورعب الليل في بداية الليل، خلال النوم البطيء الموجات، مصحوبًا بتشوش المريض ذهنيًّا وانتهاجه سلوكيات غير ملائمة في بعض الأحيان. وتختلف حِدَّة هذه الأعراض من حيث درجة التعقيد، بما في ذلك الحديث والصراخ، والمشي، والأكل، بل وحتى القيادة، ويمكن أن تشمل العنف الجسدي أو الجنسي. وقد يُصاب مرضى الخطل النومي بحالة من العنف عند الاستيقاظ، ويمكن أن يُعرِّضوا أنفسهم للخطر، بمحاولة القفز من النافذة، مثلًا. وعند التعرض لرعب الليل، يستيقظ المريض في حالة فسيولوجية وسلوكية مشبعة بالخوف، مع صراخ مرعب في الغالب، ومصحوبة في بعض الأحيان بالهلوسة أو ذكريات الأحلام. وفي هذه الأحوال الثلاثة كلها، قد يبدو المريض مستيقظًا ولكن غالبًا ما تتسم ردود أفعالِه بالبلادة، مصحوبة بنظرة «شاردة» أو جامدة بشكل لافت في بعض الأحيان، ثم عادة ما يَنسَى كلَّ ما حدث. ويرتبط الحرمان المسبق من النوم بهذه الاضطرابات، ولكن ثمة عوامل أخرى قد تؤدى إلى حدوثها، مثل: معاقرة الكحوليات وتعاطي المخدرات أو التعرض للإجهاد والاضطرابات البيئية أو غيرها من الظروف الطبية والنفسية. ثمة تماثل بين نِسَب حدوث المشي أثناء النوم والاستيقاظ المصحوب بالتشوش الذهني حيث تنتشر بنفس المعدلات؛ حوالي ١٥٪ عند الأطفال و٤٪ لدى البالغين، وعادة ما تنقضي في مرحلة المراهقة، ويمكن أن يحدثا معًا، مصحوبَيْن في بعض الأحيان برعب الليل واضطراب سلوكيات نوم حركة العين السريعة. بَيْدَ أن رعب الليل أقلُّ شيوعًا؛ حيث يصيب حوالي ٦٪ من الأطفال و٢٪ من البالغين.

أما اضطراب الأكل المرتبط بالنوم فغالبًا ما يكون مصحوبًا بالمشي أثناء النوم، ولكنه قد يكون مصحوبًا باضطرابات النوم الأخرى. وتشيع تلك الظاهرة لدى الإناث البالغات اللاتي لديهنَّ تاريخٌ من المشي أثناء النوم في مرحلة الطفولة، وما يصل إلى ١٥٪ من الذين يُعانون من اضطرابات الأكل يعانون أيضًا من الأكل أثناء النوم. ويبدو أن بعض العقاقير المنومة والمضادة للاكتئاب تؤدي إلى زيادة حدوث الإصابة باضطراب الأكل المرتبط بالنوم، غير أنه لا يرتبط في حد ذاته بمرحلة معينة من مراحل النوم، وثمة تبايُنٌ كبير بين المرضى فيما يتعلق بتذكُّر الأحداث. يُقبِل المرضى على الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية، حتى وإن كانوا لا يُحبُّونها عادة، وفي بعض الأحيان يتناولون أطعمة غير عادية أو أطعمة نيئة، أو حتى موادَّ سامة؛ ومن ثَمَّ تُعد صحة وسلامة هذه الفئة من المرضى باعثًا على القلق بسبب مخاطر تعرضهم للجروح أو الحروق أثناء إعداد الطعام، أو التسمم، واحتمال زيادة الوزن والسمنة.

هناك عدد من اضطرابات خطل النوم تظهر في المقام الأول أثناء نوم حركة العين السريعة، منها: اضطراب السلوك أثناء نوم حركة العين السريعة، وشلل النوم، والهلوسة المرتبطة بالنوم، واضطراب الكوابيس، والأنين المرتبط بالنوم. ويعد اضطراب السلوك أثناء نوم حركة العين السريعة سلوكًا غير طبيعي أو خطيرًا يحدث أثناء نوم حركة العين السريعة؛ ومن ثَمَّ يَميل إلى الحدوث بعد ٩٠ دقيقة على الأقل من النوم. وهو يصيب أقل من ١٪ من المواطنين. وعادة ما يؤدي ونى العضلات أثناء نوم حركة العين السريعة إلى منع الحركة (الفصل الثاني)، ولكن في اضطراب سلوك حركة العين السريعة لا يحدث هذا الونى في العضلات لدى المرضى؛ ومن ثَمَّ غالبًا ما يكون هذا الاضطراب السلوكي مصحوبًا بإصابات أو أعمال عنف مرتبطة بالنوم، حيث يقوم المرضى فعليًّا بما يَرَوْنه في أحلامهم المزعجة أو العنيفة، التي يستطيعون تذكرها ووصفها بعد الاستيقاظ. كما لا يتفاعل المرضى مع البيئة المحيطة بهم، وعادة ما يُبقون عيونهم مغلقة، في نفس الوقت الذي يقومون فيه بالعديد من السلوكيات المادية، مثل الحديث والصراخ والزحف والجري والركل والصفع والقفز من السرير؛ لذا غالبًا ما يتعرضون للإصابة. بَيْدَ أنهم لا يؤدون السلوكيات الأكثر آلية المعروفة في المشي أثناء النوم مثل الأكل والشرب والتبول. هذا، ويعتبر اضطراب السلوك أثناء نوم حركة العين السريعة أكثر شيوعًا لدى الذكور، وعادة ما يُصيب مَن تتجاوز سنُّهم الخمسينات، ويرتبط باضطراب حركة الأطراف الدورية (انظر أدناه)، والاضطرابات العصبية مثل الشلل الرعاش والخَدَر والضمور الجهازي المتعدد والسكتة الدماغية ومتلازمة توريت والتوحد لدى الأطفال. ويمكن أن يرتبط أيضًا ببعض الأدوية المضادة للاكتئاب.

ثمة اضطراب آخر للخطل النومي مرتبط بحركة العين السريعة ألا وهو شلل النوم، الذي يشير فيه المرضى إلى عدم تمكنهم مؤقتًا من التحرك عند بداية النوم أو لدى محاولة الاستيقاظ من النوم لمدة تصل إلى عدة دقائق، وقد يصاحب ذلك هلاوس بصرية أو سمعية (وهو ما يسمى «الهلوسة التنويمية» في بداية النوم، و«الهلوسة السابقة للاستيقاظ» عند الاستيقاظ). وتشيع هذه التجربة المخيفة بشكل بالغ، مع معاناة ما يصل إلى ٤٠٪ من البالغين منها من حين إلى آخر، وتنجم عن انفصال نشاط حركة العين السريعة عن النوم بحيث «يتسرب» ونى العضلات الذي يحدث أثناء نوم حركة العين السريعة مؤقتًا إلى اليقظة مع بداية الاستغراق في النوم أو بعد الاستيقاظ من النوم. وقد تحدث الهلوسة المرتبطة بالنوم أيضًا دون حدوث شلل.

كما يحدث أنين النوم عادة خلال نوم حركة العين السريعة، ولكنه غير شائع ولا يبدو أنه يسبب مشاكل كُبرى في النوم أو على مستوى الصحة.

أما اضطراب الكوابيس فهو نوع شائع من اضطرابات الخطل النومي، ويتمثل في تكرار حدوث الكوابيس العنيفة، والمخيفة، والعاطفية، عادة أثناء نوم حركة العين السريعة رغم حدوثها خلال نوم حركة العين غير السريعة أيضًا في بعض الأحيان. وكثيرًا ما يرتبط الاضطراب بالضغوط العصبية، مثل الأزمات العصبية أو اضطراب ما بعد الصدمة، وهو شائع الحدوث لدى الإناث. ويمكن لبعض الأدوية أن تزيد من خطر الكوابيس، بما في ذلك بعض مضادات الاكتئاب والعقاقير الخافضة لضغط الدم. وغالبًا ما يستيقظ المرضى إثر كابوس وربما يتجنبون العودة إلى النوم؛ مما يتسبب في الحرمان من النوم، الأمر الذي يزيد المشكلة سوءًا. ومن شأن معالجة الأسباب الأساسية للتوتر أن يساعد على تقليل حدوث الكوابيس.

(٦) اضطرابات الحركة المرتبطة بالنوم

تتسم متلازمة تململ الساقين بالرغبة المُلِحَّة في تحريك القدمين أثناء فترات الراحة أو الخمول، وقد تصيب ما يقرب من ١٠٪ من المواطنين. ويشعر المصاب براحة من الألم بتحريكهما أو بالمشي. وتظهر لدى معظم مَن يشكون من تلك المتلازمة حركات دورية في الأطراف سواء أثناء النوم أو حتى أثناء اليقظة بالنسبة إلى البعض الآخر، خاصة عند محاولة الاستغراق في النوم. ويمكن أن تصيب متلازمة تململ الساقين جميع الأعمار وتشيع لدى النساء أكثر من الرجال بمقدار الضِّعْف تقريبًا، مع ارتفاع خطر إصابة المرأة به خلال فترة الحمل. كما ترتبط هذه المتلازمة باضطرابات النوم والتعرض للإجهاد خلال النهار، وانخفاض في جودة الحياة. وقد يكون سببها نقصًا في الحديد؛ مما قد يؤدي أيضًا إلى اختلال مستويات الدوبامين. ومن شأن الحقن الوريدي بالحديد أو العلاج بمنشطات مستقبلات الدوبامين أن يحقق نتائج فعالة للغاية.

ويُعرَّف اضطراب حركة الأطراف الدورية بأنه وقوع حركات متواترة ومنتظمة ومتكررة للأطراف على نحو دوري أثناء النوم، عادة خلال نوم حركة العين غير السريعة، ورغم أنها لا تتسبب في إيقاظ المريض (بَيْدَ أنها غالبًا ما تتسبب في إزعاج مَن ينام إلى جواره) فإنها تؤدي إلى اضطراب النوم وعدم كفايته والشعور بالإرهاق في النهار. هذا ويتأثر الجزء السفلي من الساق في الغالب، مع تمدد إصبع القدم الكبير والكاحل، وحركة الركبة أو الورك، وتكرار انقباضات عضلة الساق مع استمرارها لمدة تتراوح ما بين ٠٫٥ ثانية إلى ٥ ثواني، ويمكن ملاحظتها على جهاز التخطيط الكهربائي للعضلات؛ حيث يمكن عادة تشخيص الحالة عند تسجيل مؤشر حركة الأطراف الدورية أثناء النوم خمس حركات أو أكثر في الساعة بالإضافة إلى أعراض النعاس أثناء النهار. جدير بالذكر أن حوالي ثلث مَن يتجاوزون الستين من العمر يعانون من تلك المشكلة، وما يصل إلى ١٥٪ من مرضى الأرق. كما أن معظم المصابين بمتلازمة تململ الساقين يعانون من حركة الأطراف الدورية أثناء النوم، كما هو الحال مع المصابين باضطراب السلوك أثناء نوم حركة العين السريعة والخَدَر. ويمكن أن تحدث حركة الأطراف الدورية أثناء النوم أيضًا في حالات الاضطرابات العصبية التي ترتبط باختلال الدوبامين، مثل الشلل الرعاش واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. ولا يشبه اضطراب حركة الأطراف الدورية أثناء النوم انتفاضة بداية النوم التي يتعرض لها الناس في بعض الأحيان عند استغراقهم في النوم، فهذه الهزات غالبًا ما تكون أقصر ولا تتسم بالتواتر المنتظم.

لا يسع هذا الفصل غير أن نقدم فيه نظرة عامة وعريضة عن أهم أشكال اضطرابات النوم، وبالنسبة إلى مَن يرغبون في مزيد من الفهم حول أسباب وعواقب وسبل علاج الكثير من مشكلات النوم فسوف يجدون ضالتهم في جزئية القراءات الإضافية من هذا الكتاب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤