الفصل الأول

المرأة لا تقل مكانةً عن الرجل

إن ما يُثلِج صدري على وجه الخصوص فيما يتعلق بنمو حركة العمل الخيري بين صفوف النساء ليس فقط مشاركة المزيد من النساء وبمستويات عطاءٍ متزايدةٍ فحسب، ولكن أيضًا التغيير الذي أحدثه ذلك في تفكيرنا بشأن الكيفية التي يمكن بها إشراك المرأة — والرجل — في العمل الخيري؛ فلم نَعُدْ نشعر بالراحة تجاه انتهاج الطريقة عينها في جميع الأوقات وفي كل الظروف، بل أصبحنا نرى أن البشر يُقدِمون على العطاء لأسبابٍ مختلفة، ويستجيبون لرسائلَ مختلفة، ويرغبون في المشاركة بطرقٍ مختلفة؛ ولهذا السبب نُجري الأبحاث، ونضع الاختبارات، ونطرح الأسئلة، ونُصغي. لقد أصبحنا أكثر انفتاحًا تجاه استكشاف استراتيجياتٍ جديدةٍ وخلَّاقةٍ للتعامل مع المتبرعات بالطريقة التي تناسبهن، ومن خلال وسائلَ تُعمِّق قيمهن وأهداف القضايا التي يهتممن بها. وقد استفدنا جميعًا على نحوٍ هائل جراء هذا التحول.1
إديث فولك، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي شركة كامبل آند كومباني، شيكاجو، إلينوي

ما الاختلافات بين الجنسين إلا كذلك؛ اختلافات في التفكير والمظهر والسلوك والتواصل. (فضلًا عن الاختلاف الكبير في الأعضاء التناسلية والصوت.) ليس في هذه الاختلافات ما يمكن أن نصفه بأنه سيئ أو خاطئ، على عكس ما تُصوِّره وسائل الإعلام، والأمر ليس معركةً بين الجنسين. وإذا حدث ذلك، فسوف يكون مدمرًا للجنسين معًا. علينا أن نفهم أنه ثَمَّةَ اختلافات، وأنها تؤثر على سُبُل تواصلنا معًا؛ فالذكر والأنثى يُكمِل كلٌّ منهما الآخر، ويحتاجان إلى أوجُه الاختلاف التي يتمتع بها كلٌّ منهما من أجل تحسين عالَمنا.

تتناول كتبٌ ومقالاتٌ ومسرحياتٌ وأفلامٌ عديدة أوجُه الاختلاف بين الجنسين، غير أن الكتاب الذي أحدث ثورةً كان كتابًا قصيرًا ألَّفتْه كارول جيليجان عام ١٩٨٢، الأستاذة بجامعة هارفرد تحت عنوان: «بصوتٍ مختلف: النظرية النفسية وتنمية المرأة.»2 وفي هذا الكتاب، تزعم جيليجان أن المرأة قد أُسيء فهمها في الماضي، ويجب الاستماع إليها في ضوء ما يُميِّزها عن الرجل. كان هذا بمنزلة كشفٍ جديدٍ لمعظم الناس، خاصةً الكثير من النسويين والنسويات، الذين زعموا أنه لا توجد اختلافات بين الذكر والأنثى.

راقبت جيليجان الأطفال وهم يلعبون والرسائل الاجتماعية التي يتلقَّوْنها ممن حولهم من الأشخاص. ومن خلال هذه الملاحظات خَلَصَت إلى أن للمرأة نزعاتٍ أخلاقيةً ونفسيةً تختلف عن تلك التي يتسم بها الرجل، كما أن معنى القيم لديها مختلف. قالت جيليجان كذلك إن المرأة تُفكِّر بصورةٍ أكبر من منطلق العلاقات، بينما يفكر الرجل من منطلق القواعد. أحدث الكتاب هزةً في علم النفس وقت صدوره، وما زال تأثيره قائمًا حتى يومنا هذا. لقد ذُهلنا من الرسائل التي حواها الكتاب، والتي قمنا باستخدامها مبكرًا في عملنا الخاص بالأنشطة النسائية الخيرية. وأمكننا أن نرى كيفية تأثير هذه الاختلافات الفريدة على دوافع المرأة للعطاء، وكذلك الوسائل التي تُطالب من خلالها المرأة بتقديم العطاء.

من المنطقي أن نقول إنه إذا كانت المرأة تُفكِّر بطريقةٍ تختلف عن طريقة تفكير الرجل، وكانت قيم كلٍّ منهما مختلفة، فإن أنشطتهما الخيرية ستكون مختلفةً كذلك. ونظرًا إلى أن المرأة تفكر كثيرًا في العلاقات والرعاية، فقد خَلَصنا إلى أنها تودُّ أن تدعم القضايا التي تساعد في حل المشكلات الاجتماعية. كما أننا استقينا من كتاب جيليجان نظريةً مَفادُها أن المرأة كانت بحاجةٍ إلى إظهار صوتها في مجال العمل الخيري، وكانت مهتمةً دائمًا بالعمل الخيري مع غيرها من النساء؛ وهذه هي الفلسفة التي تكمن وراء دوائر عطاء المرأة ومبادراتها في العمل الخيري.

تجدر قراءة كتاب «بصوتٍ مختلف» اليوم — في ضوء تنامي الدور الذي تلعبه المرأة في العمل الخيري — من أجل فهم دوافع المرأة والتزاماتها الأخلاقية، وكذلك نظرة بني جنسها لما هو مهمٌّ في الحياة من واقع خبرات المرأة. وسواءٌ أتفقنا أم اختلفنا مع نظريات جيليجان، فقد كانت مصدر إلهام لأبحاثٍ جديدة، ومبادراتٍ تعليمية، وحواراتٍ سياسية؛ ما ساعد المرأة والرجل على فهم كلٍّ منهما الآخر من هذا المنظور المختلف.

سوف يبحث هذا الفصل عددًا من هذه الاختلافات وكيف تُتَرجَم إلى واقعٍ عمليٍّ في مجال العمل الخيري.

(١) الطبيعة في مقابل التنشئة: كل شيء يبدأ من المخ

يُظهر عدد من الدراسات الاختلافاتِ الكبيرةَ بين مخ المرأة والرجل، ومن ثَمَّ سلوك كلٍّ منهما. فعلى سبيل المثال، يقول باحث في جامعة بنسلفانيا إن الرجل يفقد أنسجة مخه أسرع ثلاث مراتٍ من المرأة، ويصاحب ذلك فقدان جزءٍ من الذاكرة والتركيز والقوى العقلية. ويخلُص د. روبين سي جور إلى أن ذلك هو السبب في أن ضمور مخ الرجل يجعله أكثر عصبية؛ ومن ثَمَّ يجعله «رجلًا مُسنًّا غاضبًا.»3
هناك أيضًا ذلك الاستنتاج الأقل دقةً الذي توصَّل إليه لورانس سامرز، الرئيس السابق لجامعة هارفرد، والذي يذهب إلى أن الاختلاف بين مخ الرجل والمرأة قد يكون أحد التفسيرات وراء ندرة تقلُّد المرأة لمناصبَ علميةٍ وهندسيةٍ في الجامعات الكبرى بالبلاد.4 وقد كلَّف هذا الاستنتاج سامرز وظيفته ودفَع النساءَ في جميع أنحاء البلاد إلى الترقِّي وإثبات عكس ذلك. وتقول جانيت هايد، أستاذة علم النفس بجامعة ويسكونسن، إن ملاحظات سامرز كانت مصدر إلهامٍ لها في إتمام أبحاثها.5 وفي تحليلٍ أُجري على قرابة سبعة ملايين طالبٍ صدر في عام ٢٠٠٦، خَلَصت هايد إلى أن الاختلافات بين الجنسين فيما يتعلق بالرياضيات والعلوم لا تُذكر؛ وهو ما يدعم تحليلًا آخر أجرتْه عن الرياضيات في عام ١٩٩٠.6

لا يرتبط الأمر بتفضيل مخ الأنثى على مخ الذكر، بل نحتاج في الحقيقة إلى الجنسين معًا؛ فنحن نحتاج إلى جميع قوانا العقلية للمساهمة في النتاج الفكري لهذا البلد، بما في ذلك الأنشطة الخيرية.

يتفق معظم الباحثين تمام الاتفاق على حقيقتين تتعلقان بالمخ: أن مخ الرجل أكبر حجمًا من مخ المرأة، لكن المرأة لديها عدد أكبر من الخلايا العصبية،7 وأن الجسم الثفني لديها أضخم من نظيره لدى الرجل.8 هذه الكتلة من الألياف والأنسجة التي تربط النصفين الأيمن والأيسر من المخ ترسل معلوماتٍ ذهابًا وإيابًا بين جزأَيِ المخ الأيمن والأيسر؛ ونتيجةً لهذا الجسم الثفني الضخم، تستطيع المرأة القيام بمهامَّ متعددةٍ أكثر من الرجل؛ وهو ما كان بلا شكٍّ ضروريًّا عندما كانت المرأة تعتني بالأطفال، وتحافظ على النار متقدة بالمنزل، وتطهو، وتصنع الملابس، وتعمل في الحقول، بينما كان الرجل يخرج للصيد.
تطبيق عملي: حريٌّ بالمرأة النظر إلى جميع جوانب المشكلة أو الحل: سواءٌ من الجانب الأيسر من المخ، الجانب الأكثر واقعية، أو الجانب الأيمن من المخ، الجانب الأكثر عاطفية؛ فالمرأة بحاجةٍ إلى أن ترى الصورة الكبيرة، وليس فقط جزءًا منها. اعرض على المرأة القصة بأكملها، وجميع الحلقات من البداية للنهاية.

(٢) التواصل: هي تقول، وهو يقول

في الوقت الذي ركزتْ فيه د. جيليجان على النظريات النفسية المتصلة بنمو المرأة والرجل ورأت أن صوت المرأة لم يكن مسموعًا، فقد سعت ديبورا تانين — عالمة اللغويات، والكاتبة، والأستاذة بجامعة جورج تاون — لمعرفة ما إذا كان التواصل عند المرأة مختلفًا عن نظيره عند الرجل أم لا. وقد كان كتابها المبدع «أنت لا تفهمني: حوار بين المرأة والرجل»9 — الذي أقرَّت فيه بوجود اختلافاتٍ بين المرأة والرجل في طريقة التواصل — من أعلى الكتب بيعًا في عام ١٩٩١، كما أن المصطلحين اللذين صكتهما، «حوار الأُلفة» و«حوار التقرير»، باتا يترددان في مناقشات الناس لتلك الاختلافات: بمعنى أن النساء يستخدمن الحوار بوصفه وسيلةً لتعرُّف بعضهن على بعض، بينما يتحدث الرجال بُغْيَةَ نقل المعلومات.

لم تكتب تانين فقط عن الطرق التي يتحدث بها الرجل والمرأة والكلمات التي يستخدمانها، ولكنها كتبت كذلك عن أفعالهما. ولرؤية هذه الاختلافات بوضوح، تخيل صورة الرجلين في فيلم «طرق جانبية» الذي تم إنتاجه في عام ٢٠٠٤؛ فالشخصيتان الرئيسيتان، مايلز وجاك، كانت تبدو عليهما أقصى درجات الراحة وهما يجلسان جنبًا إلى جنب في حانةٍ أو سيارة. نادرًا ما كان الممثلون الذكور ينظر بعضهم إلى وجوه بعضٍ مباشرةً، وإنما كانوا ينظرون بشكلٍ جانبيٍّ بحيث يُعبِّرون عن علاقةٍ مجردةٍ أكثر من كونها علاقةً شخصية. وفي المقابل، يتم تصوير النساء في الأفلام في معظم الأحيان — ما لم يكنَّ يمارسن الجنس أو يقمن بجولات تسوق — وهنَّ يجلسن حول مائدةٍ أو يتحلقن في دائرةٍ كما في المسلسل التليفزيوني «الجنس والمدينة»؛ حيث تجلس النساء الأربع عادةً حول مائدةٍ في مطعمٍ وينظرن مباشرةً بعضهن في وجوه بعض.

ما زالت نظريات تانين عن تواصل المرأة والرجل، شفهيًّا كان أم عبْر الأفعال، وثيقة الصلة بعالَم اليوم كما كانت وقت تأليف كتابها. وتضيف جيليجان أنه نظرًا إلى أن المرأة والرجل هما نتاج ثقافتين مختلفتين، تتكوَّن لدينا طرق مختلفة للارتباط والتواصل.

تطبيق عملي: اقرأ عن الأساليب المختلفة للتواصل بين الجنسين وكن على وعيٍ بها عند التحدُّث مع المتبرعات. ضع في حسبانك اهتمام المرأة بالجوانب الشخصية في حوارك واستفِدْ منه في المناقشة قبل طرح أحد الحلول.

(٣) أفكار حول المال

للمرأة والرجل مشاعر ومعتقدات مختلفة فيما يتعلق بالمال؛10 فالكثير من الرجال يميلون إلى اعتبار زيادة ثروتهم غايةً في حد ذاتها، بينما تنظر النساء إلى أموالهن في سياقٍ أرحب؛ بوصفها وسيلةً للاستقلال، أو رعاية الأطفال، أو تقديم المِنَح من منطلقٍ إنساني.
وفيما يتعلق بالقدر الكافي من الأموال، تقول ليندا باش،11 رئيس «المجلس القومي لبحوث المرأة»: «فيما يخص النساء، يتعدَّى الأمر روح الإثارة المرتبطة بجمع التبرعات، ليمتدَّ إلى الأغراض الاجتماعية التي يمكن أن يُستخدَم من أجلها هذا المال. ما رأيناه من بعض النساء في أبحاثنا بشأن المرأة وإدارة الأموال هو أن لديهن إحساسًا صائبًا عن جمع القدر الكافي من المال والإنفاق.»

تشير باش إلى جاكي زينر باعتبارها مثالًا؛ ففي عام ١٩٩٦، كانت زينر أصغر امرأةٍ وأول تاجرةٍ يُعرَض عليها منصب الشراكة في شركة جولدمان ساكس. وعقب مغادرتها للشركة في عام ٢٠٠٢ وهي في سن الخامسة والثلاثين — وبعد أن حققتْ مكاسبَ ماليةً جيدة — أصبحت منخرطةً في الأعمال الخيرية من خلال أنشطتها الإنسانية المتعلقة بالتمكين الاقتصادي للمرأة.

كاثرين هينش، الموظفة السابقة بشركة مايكروسوفت والمدير المؤسس ورئيس مجلس الإدارة لبيت خبرة «مشروع أخلاقيات المهن الحيوية للمرأة» في سياتل، لها آراؤها الخاصة بشأن المرأة والمال. تعتقد هينش أن المرأة في الأربعينيات والخمسينيات من عمرها تكون أكثر قابليةً لدراسة ما تريد أن تفعله للعالم بدلًا من التفكير في الإرث الذي تريد أن تتركه لذريتها. وتقول هينش: «أُفكِّر في المرأة من منطلق كوني امرأةً ذات قدراتٍ وأحلام.»12
تطبيق عملي: من الممكن أن نضع في الاعتبار رعاية برامج لتثقيف المتبرعات من أجل مساعدة النساء على اكتشاف أحلامهن ومناقشة القضايا المالية والعمل الخيري مع غيرهن من النساء في مُناخٍ تحكمه معايير الانضباط والود. (انظر الفصل التاسع.)

(٤) الرغبة في إحداث فارق

يشرح توماس كافانا — المستشار المتطوع والنائب السابق لرئيس الجامعة للتطوير بجامعة نورثوود في ميدلاند بميشيجان — رؤيته على النحو التالي: «يبدو أن المرأة تجد راحةً عندما تعرف أن عطاءها يُحدِث فارقًا في حياة الناس، بينما يبدو أن الرجل يميل بشكلٍ أكبر إلى دعم المؤسسات التي ساعدته، مثل كليته، والهيئات التي انتمى إليها في شبابه، مثل الكشافة وأندية الفتيان والفتيات.»13
ووفقًا لدراسةٍ عن «تاريخ العمل الخيري»، تميل المرأة أكثر من الرجل نحو المساهمة في القضايا التي تؤمن بها بقوة، وتستمر في حمل إرث والديها في التبرُّع لجمعياتٍ خيريةٍ تختص بعلاج مرضٍ مُعيَّن. وفي المقابل، تقول دونا هول، المدير التنفيذي لشبكة النساء المتبرعات: «يميل الرجل أكثر إلى التبرع للمؤسسات الخيرية التقليدية أو إلى جامعته أو ناديه الرياضي أو كنيسته.»14
ثَمَّةَ اختلافات أخرى مهمة بين الجنسين نشرها مركز العمل الخيري بجامعة إنديانا بشأن العطاء؛ إذ تُبين الأبحاث أن:
  • المرأة تميل أكثر من الرجل إلى التصريح بالعطاء؛ حيث إن من يملكون الكثير يتحملون مسئولية تجاه من لا يملكون إلا القليل.

  • المرأة أكثر ميلًا إلى العطاء من الرجل من أجل الوفاء بالاحتياجات الأساسية والقضايا الصحية.15
وتقول جوديث نيكولاس، وهي كاتبة ومحللة للاتجاهات من نيويورك، إنه على الرغم من أن الرجل يصف عطاءه على أنه سدٌّ عمليٌّ للثغرات التي لا تستطيع الحكومة، أو لا تريد، سدَّها، تصف المرأة عطاءها من منطلقٍ عاطفيٍّ على أنه التزام بمساعدة من يملكون القليل.16
تطبيق عملي: ضع احتياجات منظمتك أو مؤسستك في سياق إحداث الفارق وتحويل الأمور إلى الأفضل. ضع «سياقًا» مختلفًا لقضيتك لإدخال الاتجاه العاطفي. قم بوضع البرامج التي تساعد الآخرين. لا تخشَ السؤال عن قضيةٍ متفردةٍ بعيدةٍ عن المسار العام للأحداث.

(٥) بناء العلاقات

تمتلك شو-هاردي سوارًا ماركة البندور، عادةً ما يُعلِّق عليه سائر النساء لسحره وجمال ألوانه. وبدلًا من أن تكتفيَ بشكرهن على ذلك وتنصرف، فهي تُظهر امتنانها بوجهٍ عامٍّ للمجاملة، ثم تتحدث قليلًا عن التفاؤل. ويُفضي ذلك في العادة إلى حوارٍ مع السيدة الأخرى يدور حول أمورٍ شخصية.

تقول ديبورا تانين إن صبغ الأشياء بالصبغة الشخصية والمشاركة من طبيعة المرأة؛ فالرجل يميل إلى التواصل من منطلق المكانة الاجتماعية، عادةً من خلال وظيفته، بينما المرأة تميل إلى التواصل من خلال سرد القصص.17 فجميعنا نتذكر الشخصيات أو الموضوعات بصورةٍ أفضل إذا كانت هناك قصة تتعلق بها؛ حيث تتمثل إحدى فوائدها في المساعدة على بناء علاقةٍ مع الشخص أو الموضوع. ومن خلال سرد القصص، نتعرف على تفاصيل حياة غيرنا من البشر، ونُقارن بين الخبرات، ونكتشف أوجُه التشابه.
توضح كاي بالارد، المدير السابق لقسم المنح الكبرى والعطاء المخطط في «الاتحاد الأمريكي لتأسيس التعليم الجامعي للمرأة»، تَصوُّرها على النحو التالي: «أعتقد أنه بدلًا من إرشاد المتبرعين المحتملين من خلال صفحاتٍ من الرسوم البيانية، ومعدلات الوفرة، وخرائط التدفُّق، يتعيَّن علينا سرد قصصٍ ممتعةٍ بأسلوبٍ مسلٍّ وخالٍ من المصطلحات. وينبغي أن تُعطيَ القصص التي نسردها أمثلةً بسيطة للمواقف المالية والأُسرية التي توضح كيف … تأتي العطايا بنتائج مفيدة للمتبرعين المعنيين.»18
تطبيق عملي: ابحث عن أوجُه التشابه بين حياتك وحياة المتبرعة الحالية، أو المرشحة المحتملة. استكشف التجارِب التي كان لها أعظم الأثر على حياتها وأطلعها على وقائعَ مماثلةٍ مرت بك. اسرد قصةً شخصيةً أو اعرض موقفًا شخصيًّا خاصًّا لشرح قضيتك، ويمكنك عمل هذا بصورةٍ شخصيةٍ أو عن طريق أحد المعارف؛ المهم أن تعتمد على القصص وتعرض أمثلةً حية.

(٦) طلب التبرع: من، وماذا، وكيف؟

إلى أي مدًى يكون الغرض من التبرع مهمًّا مقارنةً بالشخص الذي يطلب تقديمه؟ وفي ضوء هذين العاملين، هل يوجد اختلاف في طريقة استجابة المرأة والرجل؟ ترى كُولين كونواي-ولش، عميد كلية التمريض في جامعة فاندربيلت، أن المرأة والرجل يستجيبان بطريقةٍ مختلفةٍ بالفعل، وتقول: «المرأة تُقدِّر العلاقة مع الشخص الذي يلتمس المنحة وتُقدِّر العلاقة بالقضية، بينما السؤال (من الذي يطلب؟) هو الأكثر أهميةً عند الرجل.»19 بمعنًى آخر، على الرغم من أن المرأة تكون أكثر ميلًا إلى العطاء عندما يطلبه شخص تعرفه، إلا أن القضية يجب أن تكون ذات أهميةٍ لديها حتى تنظر إليها بعين العاطفة والحب والشفقة. وعلى الجانب الآخر، يتأثر الرجل غالبًا بتصوُّره عن الشخص الطالب: هل هذا الشخص له تأثير مهم على حياته المهنية؟ هل سيكون طالب المنحة مدينًا له لأنه ساهم في قضيته؟
وقد ذهب بروس فليسنر، الرئيس المؤسِّس لشركة بنتز والي فليسنر للاستشارات في مدينة مينيابوليس، إلى أبعد من ذلك، فقال: «يُكوِّن الرجال العلاقات من خلال المنافسة؛ فنحن نضغط على أصدقائنا المقرَّبين لكي يُقدِّموا منحًا؛ لأن قدرتنا على إزعاجهم تُعَدُّ دليلًا على أننا أصدقاء مخلصون. لا أتذكر مطلقًا أنني سمعت امرأةً تقول: «أود زيارة صديقتي سو وأضغط عليها من أجل الحصول على آخر عشرة سنتات لديها.» عند الرجل، هذا الأمر يدل على اهتمامنا.»20
تطبيق عملي: راجع ملفات المتبرعين والمتبرعات لديك وتعرَّف على أكثرهم صلةً بعملائك المحتملين من النساء، على أن تكون تلك النساء داعماتٍ في الوقت ذاته للقضايا المؤسَّسية. لا تستخدم أسلوب الضغط بواسطة الأقران عند طلب المنحة. ومع ذلك، لا حرج من ذكر الأشخاص الذين ترتبط بهم المرأة بعلاقةٍ للتشجيع على التعاون وليس المنافسة.

(٧) الوقت والتفاصيل

وجدنا من واقع التعامل مع المرأة أنها تريد الاستماع إلى كافة الجزئيات من البداية إلى النهاية، وكذا الاستراتيجية المعتمدة. على سبيل المقارنة، يسعى الرجل إلى الحصول على الملخَّص العملي؛ بينما تسعى المرأة إلى الحصول على التقرير بأكمله. نعم، إن الأمر يتطلب وقتًا أطول لعرض التقرير بأكمله؛ فالعمل مع المرأة يستغرق بالفعل وقتًا أطول؛ فهي تسأل عادةً أسئلةً أكثر ولا تقفز إلى النتائج وإن بدتْ منطقية.

عندما كانت شو-هاردي تقوم بجمع المال لصالح حزبٍ سياسيٍّ في واشنطن العاصمة، كانت تشترك مع لجان العمل السياسي، التي كان يرأسها رجال في معظم الأحيان. كان من اليسير تمامًا الحصول على الأموال؛ لأن الرجال كانوا يريدون فقط معرفة هوية السياسي الذي سيذهب إليه المال ومقدار المال المطلوب. لم يتطلب الأمر بالتأكيد كثيرًا من الوقت، غير أنه لم يكن يُسفر دائمًا عن كثيرٍ من الالتزامات المستمرة. وبالطبع كان المتبرع يعتبر أنه قدَّم بهذا خدمةً إلى السياسي؛ وكان ذلك شيئًا مُسلَّمًا به. ولم يكن هناك داعٍ لإجراء أي مفاوضاتٍ من الأساس.

تطبيق عملي: كن على استعدادٍ لتخصيص وقتٍ للإجابة عن الأسئلة وتقديم المزيد من المعلومات، مع إدراك أنه على الرغم من أن المرأة قد تحتاج إلى وقتٍ أطول لكي تتخذ قرارًا، فإنها متى اتخذت هذا القرار تصبح عادةً ملتزمةً به.

(٨) التقدير والامتنان

في الأبحاث التي أجرتْها «المؤسسة الوطنية للنساء صاحبات المشروعات التِّجارية» مع النساء اللاتي يمتلكن شركات، كانت ٤٠٪ فقط من هؤلاء النساء صاحبات المشروعات الكبيرة حريصاتٍ على التقدير.21 ويرى استشاري المنظمات غير الربحية توماس كافانا أن تلك الأبحاث، التي تعود إلى عام ١٩٩٩، لا تزال تنطبق على الوضع اليوم: «إن المرأة المتبرعة تميل إلى كونها محددةً جدًّا في عطائها من حيث إنها تريد أن ترى نتيجة عطائها أكثر من انتظار التقدير المُصاحب له. في المقابل، يبدو الرجل متطلعًا إلى أن يكون سخاؤه محلَّ تقديرٍ على نحوٍ أكثر واقعية، كأن يتم كتابة اسمه على مبنًى معين.» وتتفق مع ذلك كونواي-ولش قائلة: «عند العطاء، يريد الرجل أن يحصل على التقدير، بينما ترغب المرأة في المشاركة.»
يربط مستشار العمل الخيري، روبرت شارب، ذلك الأمر بالنقطة التي تحدَّثنا عنها من قبل؛ وهي أن المرأة تريد إحداث فارق؛ فهو يرى من خلال خبرته أن الزوج يكون عادةً أكثر اهتمامًا بتحديد الفرص (فهو يطلق عليها «بناء النصب التذكاري»)، وجمع المزيد من المال مقارنةً بالفصل الدراسي السابق، واستخدام التبرع في دعم حياته المهنية؛ بينما تسعى المرأة إلى إحداث الفارق في المجتمع غير مدفوعةٍ بالحاجة إلى التقدير.22

ومسألة التقدير لا تكتمل من دون التحدُّث عن إخفاء الأسماء (وهو أحد الاعتبارات المرتبطة بالأجيال، والذي سنناقشه باستفاضةٍ في الفصل الخامس). فالمرأة في «الجيل التقليدي» تميل بشكل أكبر إلى إخفاء اسمها؛ حيث كان من غير المهذَّب للنساء في جيلها مناقشة الأمور المتعلقة بالمال والتعبير بصفةٍ خاصةٍ عن ذلك من خلال وضع اسمهن على البِنايات. غير أن هذا الاتجاه في سبيله إلى التغيير لأن المرأة باتت تدرك ضرورة أن تصبح نموذجًا تحتذي به الأخريات من حيث القيام بأدوارهن المنوطة بهن؛ وتستمتع نساء مثل دارلا مور (انظر الفصل الثالث) وكريستين لودويك بِرُدود الأفعال المتعلقة بالمِنَح التي يُقدِّمْنها.

تقول لودويك إنها لا تشعر بالضيق مطلقًا عندما يُذكر اسمها برُفقة زوجها فيليب عند تقديم منحةٍ للمعاونة في بناء «مركز الزائرين بجامعة كونيتيكَت»، وتضيف: «الناس يتساءلون عما إذا كنت أنا لودويك التي تبرَّعت للمبنى، وهم يفعلون ذلك بطريقةٍ لطيفةٍ جدًّا. أعتقد أن المسألة لا تتعلق بالاسم أو المال، إنها تتعلق بأسلوب تعاملك مع ذلك. إن تقديم تلك المنحة ووضع اسمي بجانب اسم زوجي على ذلك المبنى يجعلني سعيدةً جدًّا؛ لذا فإن الآخرين يشعرون بالسعادة من أجلي ومعي.» وتُثني كريستين على فيليب لأنه شجَّعها على وضع اسمها على المبنى بجانب اسمه؛ «كان يرى أن من دون هذه الخطوة لن يدرك أحدٌ أن ثَمَّةَ امرأةً كان لها دور في تشييد هذا المبنى.»23

عندما شاركت شو-هاردي في تأسيس «جماعة الأجيال الثلاثة لمُقدِّمي العطاء من النساء» في مدينة ترافيرس بميشيجان، أرادت التأكُّد من أن النساء سيوافقن على طباعة أسمائهن. وقد وفَّرت طريقة يسيرة للقيام بذلك؛ حيث طلبت من النساء أن يقدِّمن منحتهن تكريمًا أو تخليدًا لذكرى شخصٍ ما في الأجيال الثلاثة لعائلاتهن. راقت الفكرة للنساء ولم يجدن أي تأنيبٍ للضمير على الإطلاق في أن يتم ذكر منحتهن التي تبلغ آلاف الدولارات في المنشورات؛ لأن المنحة وقتها كانت مرتبطةً بشخصٍ تربطه بهن علاقة شخصية وثيقة. ونؤكد على هذه النقطة نظرًا لأن أكثر شيء، على الإطلاق، تشكو النساء منه هو الثناء على رجالٍ بسبب مِنَحٍ قدمتْها نساء. وعلى نفس المنوال، شكَّت إحدى السيدات في واحدةٍ من مجموعات طرح الأفكار التابعة لنا من أنها وزوجَها قدَّما مِنحة معًا لجامعتهما، غير أن زوجها كان هو فقط مَن تصله دعوات حضور مباريات كرة القدم. العجيب أن زوجها غير مهتمٍّ بحضور المباريات في حين أنها مهتمة بذلك، لكن لا يتم إدراج اسمها بالدعوات. وللمرء أن يتساءل كيف سيكون شعورها تجاه جامعتها عندما تصبح أرملةً على سبيل الافتراض.

تطبيق عملي: عند تقديم مِنحة، سَل عن الطريقة التي يريد الطرفان أن يتم تقديرهما من خلالها. هل ستُكتب باسم المرأة؟ أم الرجل؟ أم باسميهما معًا؟ راجع نظام حفظ السجلات لمؤسستك غير الربحية وتأكد من أنه يتوافق مع رغبات المتبرعين في جميع أقسام المؤسسة. وإذا اتصلتْ بك إحدى السيدات بسبب حدوث خطأٍ ما، فاعتذر بشدةٍ وغيِّر رسالة الامتنان، مع الوعد بعدم تكرار ذلك مستقبلًا. واحرص دومًا على دعوة كلٍّ من الزوجين، ما لم يُطلَب منك خلاف ذلك.

شجِّع النساء على الموافقة على استخدام أسمائهن في المِنَح المقدمة. واعلم أن التقدير وحده ليس حافزًا لكي تُقدِّم المرأة المنحة؛ فالشيء موضع الاعتبار لديها هو القضية ذاتها، وكيف يتم إشراكها، وكيف لِمِنْحتها أن تُحدِث فارقًا. وفِّر فرصًا للنساء لكي يُكرِّمن ويخلِّدن ذكرى أشخاصٍ آخرين من خلال ما يقدِّمْنَه من مِنَح.

(٩) العمل التطوعي

يبدو أن المرأة أمضى عزمًا من الرجل فيما يتعلق بالانخراط في مجتمعها. وَفقًا لدراسة «تاريخ العمل الخيري»، تنظر المرأة إلى العمل التطوعي بوصفه جزءًا من حياتها؛ وفي المقابل، اعتاد معظم الرجال على القيام بالأشياء نظير أجر. يقول ميشيل ونجفيلد، وهو متطوِّع في نفس الدراسة عَمِل جنبًا إلى جنبٍ مع نساءٍ ورجال: «يميل الرجال إلى التجاوب مع الأزمة؛ فهم يتفاعلون مع الأحداث، بينما تستبق النساء الأحداث. يجلس الرجال مع حِرابهم في انتظار شخصٍ ما يهاجم القرية، بينما تجمع النساء التوت ويربين الأطفال ويَمِلْنَ بوجهٍ عامٍّ إلى وضع الأمور في نصابها».24

عملنا في مناسباتٍ عديدةٍ في مجالس الإدارات مع رجالٍ كانوا يعملون بجدٍّ باعتبارهم متطوِّعين. ومع ذلك، فقد كانوا قبل سِنِّ التقاعد أقلَّ رغبةً في التطوع، ما لم يكن ذلك يتضمَّن منصبًا قياديًّا. وعلى الجانب الآخر، لا تمانع النساء عادةً في وضع الخطابات داخل الأظرف والرد على الهاتف من غير أن ينتظرن مكافأةً نظير ذلك.

في وقتٍ ما من الماضي كانت المرأة تساوي بين بذل وقتها وبذل مالها. غير أن نساء اليوم ينظرن إلى الوقت على أنه شيء نفيس، ويبدو أن معظمهن يدركن الآن الفارق، ويدركن أن بذل المال يعني القدرة على التأثير على المنظمة. هذا يختلف عن بذل الوقت الذي يكون عادةً أكثر تأثيرًا على الشخص وليس المنظمة.

ترغب المرأة حقًّا في الانخراط في المؤسسات التي تدعمها، حتى إنه في الدراسة المذكورة سابقًا التي أجرتْها «المؤسسة الوطنية للنساء صاحبات المشروعات التِّجارية»، أظهرت النساء اللاتي يمتلكن شركاتٍ أنهن يُردْنَ تكوين العلاقات، مثل الانخراط في توجيه الفتيات بالمدارس التِّجارية. ويأتي العمل في وظيفة مستشارة متطوعة أو التواصل مع الطالبات أو البنات على رأس قائمة الوسائل التي تختارها المرأة للمشاركة؛ فلا تكتفي المرأة بتحرير شيك، بل تريد المشاركة الشخصية كذلك — أو على الأقل أن تُتاح لها الفرصة للقيام بذلك.

تطبيق عملي: ترى ديبرا ميش، مدير «معهد المرأة للعمل الخيري» في مركز العمل الخيري بجامعة إنديانا عام ٢٠٠٧، أن «احتمالية تقديم منحة تزيد طرديًّا بزيادة الوقت المخصص للتطوع؛ وبهذا المعنى فإن الوقت يساوي المال في واقع الأمر، وتطوير أنشطة المتبرعات عملية تستحق الوقت الذي يُنفق من أجلها.»25

قم بإنشاء شبكةٍ لمعاونة المتطوعين وانشر هذا على موقع المنظمة على شبكة الإنترنت أو في وسائل الإعلام. أخطِر المتبرعات بفرص التطوع، وأدرج الوسائل المتاحة أمام المتبرعات للعمل مع الشباب.

تأكد من وجود منسقٍ متطوعٍ لتدريب المتطوعين ووضع جداولَ زمنيةٍ لهم. من المعروف أن المتطوعين يُصابون بالإحباط عندما يتم توظيفهم ثم لا يجدون ما يفعلونه؛ وبذلك يفقدون الحماس والنزعة إلى الاستمرار في الدعم سواءٌ بالوقت أو المال.

(١٠) الولاء

أدركت شركات الاستثمار، وكذا المديرون الماليون، منذ زمنٍ طويلٍ أن المرأة تحتاج إلى وقتٍ أكثر كي تتوصَّل إلى قرارٍ مقارنةً بالرجل. وتقول لين إم شميت، رئيس «مجموعة ميريتوس المالية» في إلجين، بولاية إلينوي، إنه إذا أحبَّت المرأة العمل الخدمي، فإن العائد سيكون درجةً كبيرةً من الولاء. وتضيف: «الرجل يريد معلوماتٍ أقل، غير أنه لا يميل إلى الالتزام طويلًا؛ حيث يُكثِر من التنقل. أما المرأة فترغب في المزيد من التعليم وتأخذ وقتًا أطول للتوصُّل إلى قرار، ولكنها تبقى على ولائها.»26
وحسبما ترى أندريا باكتور، المدير المساعد في «معهد المرأة للعمل الخيري»، فإن الولاء نفسه ينطبق على المرأة عند التبرُّع. «إن المرأة متبرعة ملتزمة تهتم بعمقٍ بالقضايا التي تدعمها.» وتُشبِّه باكتور هذا الولاء بذلك الذي يوجد في عالَم المستهلكين: «إن مؤشرات الولاء الثلاثة الرئيسية للعلامة التِّجارية — الثقة، والالتزام، والرضا — هي ذات الصفات التي تبحث عنها المرأة المتطوعة على وجه الخصوص في العلاقات الطويلة الأمد مع المؤسسات غبر الربحية.»27
تطبيق عملي: يرتبط الولاء على نحوٍ عميقٍ بالإدارة؛ فهما يعملان معًا. ففضلًا عن تقديم الشكر على المنحة، تتحمل المنظمة أيضًا مسئولية الاحتفاظ بولاء المتطوعين من خلال تطبيق مبدأ المساءلة وتقديم تقارير دورية عن أثر المنح المقدَّمة منهم. دع المتبرعات يعرفن أنك تُقدِّر مساهمتهن. سوف يعمل اهتمامهن المستمر على إبقاء ولائهن وثقتهن فيك وفي منظمتك.

(١١) وصايا الإرث وعطايا الميراث

ارتبطت وصايا الإرث منذ وقتٍ طويلٍ بالمرأة. وتُبيِّن دراسة أجرتْها شركة بلاكبود أن معظم الوصايا الخيرية تقوم بها المرأة؛ فعندما ترتب امرأة التبرع بأموالها بعد وفاتها، لا يتعين عليها القلق بشأن استنزاف مواردها أثناء حياتها أو التحوُّل إلى «امرأة مُكدِّسة للمال».28
وتختلف أسباب وصايا الإرث عند المرأة بدرجةٍ كبيرةٍ عن الرجل؛ فالمرأة أكثر ميلًا من الرجل إلى الاستجابة للمناشدات التي تُركِّز على الأثر الذي قد تُحققه الوصية، أو قيمة مساعدة من يملكون أقل؛ وذلك طبقًا لأبحاثٍ نشرها مركز العمل الخيري بجامعة إنديانا. ومع ذلك فإن الرجل والمرأة كليهما دون سن الأربعين يكونان أكثر استجابةً للوصايا التي تركز على الاحتياجات الأساسية.29
ومن المثير للاهتمام أنه في دراسةٍ أجراها «اتحاد العمل الخيري في مجال الرعاية الصحية» في عام ٢٠٠٧، ذكر ٥٤ بالمائة من الرجال الذين تتعدَّى أعمارهم الخامسة والستين، ويزيد دخلهم عن ١٠٠ ألف دولار، أنهم تركوا وصايا لأن الجمعيات الخيرية تُقدِّم خدمةً أفضل من تلك التي تُقدِّمها الحكومة.30 وعلى الرغم من أن الدراسة لم تتوصَّل إلى أي نتائج فيما يتعلق بالمرأة، فإن الكثير من النساء يرغبن في مشاركة الحكومة ويعتقدن أن على الحكومة تحمُّل مسئولياتها.
تطبيق عملي: عند العمل مع النساء المتبرعات، ركِّز على الكيفية التي ستساعد بها وصاياهن المنظمةَ على إفادة المجتمع وجعْل العالَم مكانًا أفضل. شجِّع النساء على تقديم تبرُّعٍ خلال فترة حياتهن كي يتمتعن برؤية ثمار هذا العمل.

(١٢) العطاء العالمي

على الرغم من أن الكثير من النساء يذكرن أنهن يفضلن تقديم العطاء داخل مجتمعهن أو إلى المنظمات والمؤسسات التي تؤثر عليهن بصورةٍ مباشرة، فإن المزيد والمزيد من النساء يُقدِّمن العطاء على المستوى العالمي. وحسب دراسةٍ قامت بها كارين ونتريتش في كلية تكساس لإدارة الأعمال، فإن النساء أكثر ميلًا من الرجال لدعم القضايا العالمية.31
لماذا تكون المرأة أكثر ميلًا من الرجل إلى العطاء عالميًّا؟ في البحث الذي قامت به شو-هاردي وكارمن ستيفنز في عام ٢٠٠٨، ذكرتْ نساء كثيرات أنهن يَعتبرن أنفسهن «مواطِنات عالميات» أو «مواطنات كوكب الأرض.»32 وأضافت هؤلاء النساء الخيِّرات أنهن يُقدِّمن العطاء على المستوى العالمي نظرًا للاحتياج المُلِح؛ بالطبع هن يَرَيْنَ هذا الاحتياج على المستوى المحلي، ولكنهن يُدركن الصلة بين القضايا المحلية والعالمية.

وقد أظهرت نتائج دراسة ونتريتش أن المرأة أكثر ميلًا من الرجل إلى دعم القضايا «الخارجة عن مجموعتها»، تلك القضايا التي لا تربطها بها أي صلة، مثل ضحايا أمواج المد البحري (تسونامي) حول العالم، بينما يميل الرجل أكثر إلى دعم الضحايا على المستوى الوطني أو «القضايا الداخلية». و«القضية الداخلية» هي التي تنعكس على المرء أو تكون مفضلةً من جانب شخصٍ يضعه الناس في مرتبةٍ عالية. وهذا يتوافق مع الاستنتاجات السابقة بأن المرأة لا تتأثر بالشخص الطالب للعطاء بقدر تأثُّرها بالقضية ذاتها.

ربما كانت البداية الفعلية لانتشار العطاء العالمي، وبصفةٍ خاصةٍ بين النساء في الأقطار الناشئة، مع القروض الصغيرة الممنوحة للنساء من «مؤسسة جرامين»؛ نساء مثل لوسي بيلينجسلاي التي استثمرت من خلال «مؤسسة جرامين» في مشروعاتٍ مثل جمعية نساء تشياباس.33

كانت بيلينجسلاي، الابنة الوحيدة لمطوِّر العقارات الأسطوري تراميل كرو، في إجازةٍ في سان كريستوبال دي كاساس، بولاية تشياباس في المكسيك، عندما أُعجبت بموهبة المرأة المحلية وأسِفَت في الوقت نفسه للفقر المُدقِع الذي تعاني منه. وقد تأثرت بما رأته لدرجة أنها اصطحبت ثلاثين من صديقاتها في دالاس إلى تشياباس للمشاركة في جمع التبرعات لتوفير قروضٍ تمويليةٍ صغيرةٍ لهؤلاء النساء (إقراض النساء اللاتي يعشن ويُربِّين أولادهن بأقل من دولارٍ واحدٍ يوميًّا). وفي نهاية المطاف، جمعتْ بيلينجسلاي ٤ ملايين دولار من خلال «مؤسسة جرامين». وتُعبِّر بيلينجسلاي عن وجهة نظر الكثير من النساء عندما تقول: «لماذا انتهزتُ الفرصة وتحمَّلتُ المسئولية؟ إنني أفعل ذلك كي أُقدِّمها للآخرين مرةً أخرى.»

ومن دالاس أيضًا، تقول تريشا ويلسون، المصممة الداخلية لمنتجع أتلانتيس بجزر الباهاما والفندق الفينيسي في لاس فيجاس، إنها سوف تتذكَّر دائمًا ما حدث عندما ذهبت في رحلة سفاري، ودخلت أحد الأكواخ الأفريقية. وجدت هناك كائنًا عمره سنتان يُشبه مولودًا جديدًا. «لن أنسى ذلك المشهد طيلة حياتي. كانت أصابعه منتفخةً ومستديرة، بل كانت مربعة. كان ذلك موجعًا للقلب.»34 كان ذلك منذ خمس سنوات، ومنذ ذلك الوقت شرعت في إنشاء «مؤسسة ويلسون» التي توفر التعليم والمساعدات الطبية للقرى التي ضربها الإيدز بالقرب من منزل ويلسون الثاني في جنوب أفريقيا.

وهناك العديد من القصص المشابهة عن النساء اللاتي سافرن بعيدًا ورأَيْنَ متحف اللوفر والقطب الشمالي وركبن الجِمال وزُرْنَ دبي. هؤلاء النسوة أردْنَ أكثر من مجرد المشاهدة والتحدُّث عن رحلتهن الأخيرة. لقد بحثن حولهن خلال أسفارهن ورأَيْنَ مباشرةً وعن كثبٍ مشكلاتِ العالم من خلال عيون المرأة؛ فهن ينظرن إلى النساء في جميع أنحاء الكرة الأرضية بوصفهن شقيقاتٍ لهن، ويشعرن أن عليهن مسئوليةً وأمامهن فرصةً كبرى لمساعدتهن في التخلُّص من الفقر، كما يُدرِكْن أن مساعدة المرأة تعني مساعدة الأسرة والمجتمع، بل ومساعدة العالم الذي يعشن فيه إلى جانب من يُقدِّمنَ لهن يد العون، بصرف النظر عن موقعهن في العالم.

تطبيق عملي: كُنْ على وعيٍ بأن المرأة تهتم بالقضايا العالمية وترى أن ثَمَّةَ صلةً بين ما يحدث في محيطها وما يحدث في قارةٍ أخرى. هل توجد وسائل يمكن من خلالها أن تشتمل مهمة مؤسستك أو منظمتك على دورٍ عالمي، خاصةً في أقطار العالم الثالث، وتحديدًا من حيث مساعدة النساء والفتيات؟ يمكن إنشاء شبكاتٍ اجتماعيةٍ بين منظمتك ومنظمةٍ مماثلةٍ في بلدٍ آخر. اطلب من النساء المتبرعات اللاتي تتعامل معهن أن يُفكِّرْنَ في هذا الأمر. لن يكون الجميع مهتمًّا بالتواصل على المستوى العالمي، ولكن هذا الاتجاه يبقى قائمًا بالتأكيد.

(١٣) معلومات سريعة

يُظهر العلم وجود اختلافاتٍ حيويةٍ وعصبيةٍ وسلوكيةٍ بين أمخاخ الرجال والنساء؛ فنحن نفكر ونتصرَّف ونتواصل بطريقةٍ مختلفة. الاختلاف لا يعني الصواب أو الخطأ، ولولا هذه الاختلافات ما كان هناك مبرر لتأليف هذا الكتاب. ومع ذلك، تخبرنا الأبحاث الأوَّلية التي أجراها مركز العمل الخيري بجامعة إنديانا أن الشباب الصغار يفكرون مثل النساء إلى حدٍّ بعيد، وهذا يعني أن ملاحظة الاختلافات بين الجنسين أمر مهم للغاية للساعين إلى الحصول على التبرعات من كلا الجنسين.35

إن النساء مجموعة ضخمة ومعقَّدة. ويتطلب الأمر استثمار بعض الوقت في فهم النساء على نحوٍ جماعيٍّ وفردي. غير أن النوع يلعب الدور الأكبر في فهم دوافع عطاء المرأة، ويليه الجيل.

تدبَّرْ هذه الاختلافات بين الجنسين عند التعامل مع المرأة المتبرعة:
  • تريد المرأة رؤية الصورة بأكملها.

  • ترتبط المرأة بالقضايا من خلال القصص.

  • تريد المرأة أن يؤديَ ما تمنحه إلى إحداث تغييرٍ وفارق.

  • تستخدم المرأة الحوار للتعارف فيما بين بنات جنسها على نحوٍ أفضل.

  • القضية أكثر أهميةً للمرأة من الشخص الذي يطلب العطاء.

  • تقوم المرأة بمهامَّ متعددةٍ وتريد التفاصيل.

  • قد تحتاج المرأة إلى فترةٍ من الوقت كي تتوصَّل إلى قرار. والبعض يطلق على تلك الفترة اسم «فترة الحَمْل».

  • من الأمور المهمة للغاية في نظر النساء تَلقِّي الثناء الملائم مقابل المنحة التي تُقدِّمها.

  • يتزايد اهتمام المرأة بتقدير مِنْحَتها بصورةٍ علنية، خاصةً إذا كانت تُمثل نموذجًا تحتذي به الأخريات.

  • تريد المرأة الحصول على فرص المشاركة مع المنظمة؛ أي التطوع.

  • احرص على تزويد المرأة بالمعلومات؛ وبهذا ستطمئن لولائها.

  • تهتم المرأة بالأثر المحتمَل لما ستتبرَّع به من أموالٍ في وصيتها.

  • المرأة أكثر ميلًا من الرجل إلى دعم القضايا العالمية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤