الفصل الرابع

عطاء المرأة: المعايير الستة الأساسية، وثلاثة معايير إضافية

ما الذي أدَّى إلى ظهور حركة العمل الخيري النسائي الحديثة؟ يزيد السبب عن مجرد امتلاك المرأة الموارد المالية اللازمة للعطاء أخيرًا. كان السبب هو تغيير ثقافة العمل الخيري: الاعتراف بأن المرأة لديها دوافع للعطاء مختلفة عن مثيلاتها لدى الرجل.

(١) ثورة سلمية

في دراسةٍ بحثيةٍ تتعلق بالأجيال أجرتْها كلٌّ من كارمن ستيفنز وشو-هاردي ونُشرت عام ٢٠٠٨،1 طُرح سؤال على مجموعةٍ من السيدات المهتمات بالعمل الخيري حول أهم الأحداث المحلية أو العالمية التي وقعت خلال حياتهن وأثَّرت فيهن بشكلٍ كبير، وكان الجواب بأغلبيةٍ ساحقةٍ هو الحرب؛ فبصرف النظر عن الجيل، كانت الحربُ هي العاملَ الأساسيَّ الأكثر تأثيرًا، وذكرت السيداتُ الحربَ العالمية الثانية أو حرب فيتنام أو حرب الخليج.

ليس من المستغرَب أن يكون إحلال السلام العالمي هو المجال الذي تُطالِب المرأة بأن يكون لها نفوذها فيه. كما أن ٩٩٪ من السيدات اللاتي تحدثنا معهن في الدراسة، اعتقدن أن بإمكانهن تحقيق السلام وتحقيق تغييرٍ إيجابيٍّ في العالم من خلال التعليم، والعمل الخيري، والدعوة إلى التعاطف. الكثيرات منهن ذَكَرْنَ كلمة «التعاطف»، التي تحمل معنى الشفقة والاهتمام والعطف والتقدير ومراعاة الآخر. لقد شعرت السيدات بالتعاطف، ويُرِدْنَ أن يشعر الجميع به.

ترغب المرأة في عالَمٍ أفضل، بدءًا بالوصول إلى عالَمٍ ينعم بالسلام؛ فلطالما كانت المرأة هي المسئولة عن أمن الأسرة وسلامها، فَلِمَ لا تكون الحال كذلك في العالم بأَسْره؟ لقد أخبرتنا سيدة من جيل الطفرة (مواليد الفترة بين عامَي ١٩٤٦ و١٩٦٤) في بحثنا عام ٢٠٠٧: «من الممكن أن يكون هناك سلام فقط حينما تكون هناك فرصة اقتصادية لكل فرد. والفرصة الاقتصادية الحقيقية توجد فقط في بيئةٍ تعمل في إطارٍ من النُّظم الطبيعية، وترعى الحرية والإبداع والإنجازات الفردية.»

وتشير سيدة أخرى من مواليد الجيل إكس (الفترة بين عامَي ١٩٦٥ و١٩٧٦) إلى أفكارٍ مشابهة، حيث تقول: «إن التغيير الذي نحتاج إليه هو السلام العالمي، وفَهْم الاختلاف في وجهات النظر والديانات والتقاليد والتوجُّهات الجنسية وتقديرها والاستعداد لتقبُّلها. ولا أعني التجانس بين الناس، بل الوصول إلى التعايش السلمي بينهم.»

(٢) المرأة بوصفها قوةً محركة

خلال العقدين الأخيرين، شهدت الولايات المتحدة فترات ازدهارٍ حُقِّقَت خلالها كميات هائلة من الثروة، يرتبط معظمها بالتكنولوجيا. وبفضل هذه الثروة الجديدة ظهرت المرأة بوصفها قوةً محركة. لقد حلت الثروة المكتسَبة محل الثروة المتوارَثة، وزادت مستويات التعليم والفرص والتوقُّعات، وبدأت المرأة في فتح الأبواب المغلقة، وأصبحت تشغل مناصبَ قياديةً في مجالس إدارات المشروعات والتعليم والعمل الخيري. وفي كثيرٍ من الحالات تقتحم المرأة الأبواب المغلقة لتستطيع الدخول، أو تنشئ أبوابًا جديدة.

منذ زمنٍ ليس ببعيد، كان الرجل هو عائلَ الأسرة، وكان الرجال هم من يَدْرسون القانون، أو يمارسون الطب، أو يتولَّوْن إدارة الأعمال الأُسرية. أما الآن، فتُشكِّل المرأة غالبية طلاب القانون، وترتاد كلية الطب في حشودٍ كبيرة، وبدأت المرأة تتولى «إنشاء» الأعمال التِّجارية العائلية. لقد حلت التكنولوجيا محل الآلات الثقيلة، وأصبحت المرأة تستخدم الكمبيوتر بسهولةٍ تامةٍ مثل الرجل. وأضحى للمرأة وجود في جميع أشكال التِّجارة؛ فهي تستخدم ذكاءها وتعليمها في حقلٍ تتساوى فيه الفرص لكلا الجنسين باطِّراد. من غير المرجَّح أن تصير أمتنا قوةً صناعيةً مرةً ثانية، فقد حلَّت العقول محل العضلات.

يعتمد مستقبل اقتصادنا على إيجاد حلولٍ جديدةٍ للمشكلات القديمة، وأموالٍ جديدةٍ تحلُّ محلَّ تلك التي فُقدت في انهيار الأسواق عام ٢٠٠٨، وأنماطٍ جديدةٍ من المشروعات التِّجارية والصناعية. وقد بدأ تطبيق مهارات ريادة المشروعات والقدرات الإبداعية للمرأة في كل مجال من مجالات العمل والحياة، بما في ذلك العمل الخيري؛ فلم تَعُدِ المرأة تكتفي بالمشاركة في العمل التطوُّعي كي تجد متنفَّسًا لقدراتها ومواهبها، وأصبحت تَستخدم أموالها ومواهبها وقدراتها لابتكار طرقٍ أفضلَ وجديدةٍ للعطاء.

(٣) المعايير الستة الأساسية لعطاء المرأة

في بدايات التسعينيات، ومن خلال مجموعات النقاش، وجدنا أن دوافع العطاء عند المرأة تتحدَّد في ستة معايير أساسية، وهي: التغيير، والابتكار، والالتزام، والاتصال، والتعاون، والاحتفال.
  • «التغيير»: تغيير الأشياء للأفضل وإحداث فارق.

  • «الابتكار»: ابتكار حلولٍ جديدةٍ للمشكلات، وريادة الأعمال من خلال العمل الخيري.

  • «الالتزام»: الالتزام من خلال العمل التطوعي للمنظمات والمؤسسات التي تشارك رؤية السيدات، وغالبًا ما يكون التبرع للمنظمات التي تطوعت فيها المرأة.

  • «التواصل»: التواصل مع الشخصيات التي تؤثر فيها تبرعات المرأة، وبناء شراكات مع المعنيين بالمشروعات التي تدعمها المرأة.

  • «التعاون»: التعاون مع الآخر، غالبًا من السيدات، في إطار مجهوداتٍ أكبر، والسعي إلى تجنُّب الازدواجية والمنافسة والإسراف.

  • «الاحتفال»: قضاء وقتٍ ممتع، والاحتفال بالإنجازات النسائية، والتمتع بمعنًى أعمق للأعمال الخيرية النسائية والرضا عنها.

ومما يدعو إلى الدهشة والسعادة أن هذه المعايير الستة قد أصبحت جزءًا من عظمة وفخامة العمل الخيري النسائي في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وتصف ريبيكا باور القيمة التي وجدتْها هي وزميلاتها في هذه المعايير الستة بمؤسسة «إمباكت أوستن» الخيرية، في مدينة أوستن بولاية تكساس، قائلة:

لقد أسسنا جمعية إمباكت أوستن استنادًا إلى هذه المعايير الستة لعطاء المرأة. وتعلمت أن المرأة تحب ابتكار الأشياء التي تُغَيِّر العالم نحو الأفضل، ومن خلال التعاون أثناء عملية استعراض المنح تتواصل السيدات ويشعرن بالالتزام الحقيقي بالقيام بهذا الدور. نحب كذلك أن نحتفل بإنجازاتنا، وتتاح لنا الفرصة للقيام بذلك خلال اجتماعنا السنوي. لقد أعطت مؤسسة إمباكت أوستن السيدات الثقة اللازمة لزيادة قدرتهن على العطاء لأنهن يتحكمن في عملية صنع القرار.

كنا ندرك أنه إذا كانت هذه طريقة عطاء المرأة، فهذه هي الطريقة التي تستمرُّ بها النساء في هذه المجموعة. لقد كنا على يقينٍ بأنه إذا قبلنا هذه المعايير الستة وجعلناها نُصْبَ أعيننا عند تأسيسنا لجمعية إمباكت أوستن، فسنستمر في التطوُّر والرقي. ما زلنا نتحدث عنها؛ لذا فنحن ناجحات للغاية.2
وتقول لي روبر باتكر، العضوة بمؤسسة المرأة بولاية مينيسوتا الأمريكية، إن المعايير الستة الأساسية للعمل الخيري عند المرأة جزء من أسلوب قيادة المرأة بالمؤسسة، وتضيف قائلة: «على سبيل المثال، فيما يتعلق بالمعيار الأخير والخاص بالاحتفال، تعجبني مقولة إيما جولدمان إذ تقول: «إن كنت لا أستطيع الغناء والرقص فلا أرغب أن أكون جزءًا من ثورتكن!» وهنا في مؤسسة المرأة نعيش دائمًا في أجواء الاحتفالات.»3

(٣-١) التغيير

تُعبِّر روزي موليناري، مؤلفة كتاب «بنات أمريكا: الجمال وصورة الجسد والترعرع كفتاة لاتينية» عن هذا قائلة: «نحن نُغيِّر العالم على الرغم من أننا، أو ربما لأننا، نفهم أن العالم كان ينبذنا في بعض الأحيان.»4

لقد أُنشئت صناديق المرأة في سبعينيات القرن العشرين لمعالجة ممارسات استثناء السيدات والفتيات من الحصول على مِنَح الشركات، والمؤسسات، والدعم الحكومي والفردي، ووضع حدٍّ لذلك. وقد وفرت هذه الصناديق الفرص للنساء لتحقيق الاستقلال الاقتصادي والتغيير الاجتماعي، كما غيَّرت طرق الدعم؛ ما مكَّن السيدات والفتيات من الحصول على نصيبٍ عادلٍ منه. وحصلت المرأة على فرصة مَنْح التبرعات ووضع حلول لقضايا السيدات والفتيات بفكرٍ نسائي.

وبِناءً على مفهوم إحداث التغيير الاجتماعي، تَطوَّرت صناديق التمويل النسائية في الولايات المتحدة من منظمةٍ واحدةٍ عام ١٩٧٧ إلى ١٤٥ منظمةً في جميع أنحاء العالم عام ٢٠٠٩ تستثمر ٦٠ مليون دولار سنويًّا في قضايا السيدات والفتيات. لقد أدَّت زيادة صناديق المرأة إلى قَبول فكرة أن الاستثمارات الخيرية في السيدات والفتيات يمكن أن تُحدِث تغييرًا إيجابيًّا عاجلًا، ليس في المجتمعات المحلية فحسب، ولكن في الأمم ودول العالم كذلك. وأوضح الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، الأمر قائلًا: «عندما تشارك المرأة بشكلٍ كامل، نرى الفوائد على الفور، فتصبح الأسرة أكثر صحة، ويزداد دخلها ومدخراتها واستثماراتها. وما ينطبق على الأسرة ينطبق على المجتمعات وعلى دولٍ بأكملها في نهاية المطاف.»5
«كارولين كاسين: تغيير المسار».6 أدركت كارولين كاسين أن عملها هو التغيير عندما شغلت منصب الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة ميشيجان النسائية؛ فقد ظلت المؤسسة تكافح على مدى السنوات الأربع أو الخمس الماضية. وعلى الرغم من أن مهمة كاسين الوظيفية كانت دائمًا تتمثل في الانضمام إلى المؤسسة وتحديد جوهرها والعمل على تطويرها، إلا أن هذا لم يكن بالأمر السهل خلال سنوات الركود الاقتصادي الكبير ٢٠٠٨-٢٠٠٩، التي عانت خلالها مؤسسة ميشيجان بشكلٍ خاص.

تقول كاسين إنها ظلت تستمع خلال الأشهر الخمسة الأولى، وأدركت أنه على الرغم من وجود قدرٍ كبيرٍ من الدعم لمؤسسة ميشيجان للمرأة، إلا أن المؤسسة لم تكن تحظى بالموارد أو النفوذ التي ظن الناس أنها تمتلكها. في الواقع، كانت المؤسسة تجد صعوبةً في توفير احتياجاتها، وكانت تعتمد على دعم شركات السيارات. إلا أن ذلك لم يَعُدْ ممكنًا؛ فطبيعة أعمالهم التي باتت غير مواتيةٍ للعصر لم تَعُدْ تؤتي ثمارها خلال الأوقات المالية الصعبة.

وجدت كاسين أيضًا أن الناس يرغبون في أن تعالج المؤسسة المشكلات مباشرة، وأن يتجاوز دورها التبرع بالأموال للمؤسسات الداعمة للنساء والفتيات. «أخبروني أنهم في الماضي، عندما كانوا يتبرعون للمؤسسات الداعمة لقضايا المرأة، لم يكونوا قادرين على التأكُّد مما حققتْه تبرعاتهم من النتائج المرجوَّة. كما أضافوا أنهم يحتاجون إلى الاستفادة من الطاقة الإبداعية والتوصُّل إلى حلولٍ جديدة.»

وتتمثل إحدى الفِكَر في رعاية صندوق المشروعات النسائية. تقول كاسين: «لقد طرحت سؤلًا حول ما يمكن أن تقوم به مؤسسة ميشيجان للمرأة لاستعادة دعم المجتمع لها، وزيادة تأثيرها. وكان الجواب دائمًا هو تأهيل المرأة لتبدأ في مشروعاتها الخاصة لاستعادة مكانتها المالية. وعلى الرغم من أن المرأة تبدأ ٤٠٪ من المشروعات الجديدة، فإنها تحصل على ٤٪ فحسب من صندوق دعم رأس المال المغامر، وكانت تُضطر إلى العمل من مطبخها لعدم تمكُّنها من الحصول على الدعم المالي من المصادر التقليدية.»

كانت منحة مؤسسة كيلوج الخيرية مؤثرةً بما يكفي لإحداث التغيير المطلوب بحيث حصلت مؤسسة ميشيجان للمرأة على المزيد من المساهمات. لقد مكَّنتْ منحة كيلوج المؤسسةَ من إجراء دراسة جدوى لمعرفة الوضع المناسب لزيادة الدعم، وقالت كاسين إن الدراسة ساعدتهن على معرفة ما يلزم القيام به للاستفادة من المشروعات.

كما لاحظنا سلفًا، كان التغيير هو الأساس المنطقي وراء زيادة صناديق دعم المرأة منذ أربعين عامًا تقريبًا. وقد أدَّى نجاحها إلى ظهور طريقةٍ جديدةٍ تمامًا لزيادة التبرعات النسائية، تبدأ بالاستماع إلى ما تريده المرأة.

(٣-٢) الإبداع

المرأة مبدعة بطبيعتها وجوهرها وتقاليدها وذاتها؛ فهي التي تنجب أجيال المستقبل وتبدع في تربيتهم، وهي التي تبتكر ملابس أسرتها، وتزرع البذور في حديقتها؛ لتُعِدَّ منها الطعام في مطبخها. ومن الناحية التقليدية، كما تقول الدكتورة كاثلين مكارثي في كتابها «العودة إلى زيارة السيدة الكريمة»،7 كانت المرأة هي المسئولة عن ابتكار وسائل علاج أسرتها، وإبداع الكثير من الثقافات والمؤسسات الثقافية في بلدنا.

ومن خلال الجهود الخلاقة للمرأة، تشكلت جمعيات الإغاثة في أواخر القرن الثامن عشر لمساعدة المهاجرين القادمين من سواحل الشرق والغرب. وفي أواخر القرن التاسع عشر أسست جين آدمز وغيرها من السيدات مستوطناتٍ سكنيةً في المدن لمساعدة السيدات والأطفال، وفي أواخر القرن العشرين تأسست صناديق دعم السيدات والفتيات. لقد حرصت المرأة دائمًا على مساعدة نظيراتها من السيدات، وغالبًا ما كُنَّ يجتمعن لابتكار طرقٍ جديدةٍ لحل المشكلات، وحلقاتُ العطاء (سنناقشها بالتفصيل في الفصل الثامن) تُعَدُّ الشكل العصري لهذه الاجتماعات، وهي تتشكل عمومًا لمساعدة السيدات الأخريات في المجتمع.

في مثل هذه الأوقات، حيث تسود التغييرات والتحديات التاريخية، هناك عدد كبير من الفرص الجديدة للنساء والرجال والأزواج للابتكار واستغلال تلك الفرص الجديدة لإنشاء منظمات وبرامج ومؤسسات جديدة تفرز لنا مجتمعًا أكثر استمرارية واستقرارًا. وتُعَدُّ تاشيا وجون مورجريدج مثالًا جيدًا لزوجين لهما طريقتهما الإبداعية في العطاء؛ فبدلًا من تبادل الهدايا التقليدية، قرَّرَا الاحتفال بالذكرى الأربعين لزواجهما بالتبرع وتمويل منحتين في جامعة ويسكونسن بماديسون؛ حيث أهدت تاشيا، المعلمةُ السابقةُ بالتعليم الخاص، باسم زوجها جون، الرئيسِ التنفيذيِّ بشركة سيسكو للأنظمة، منحةً دراسيةً بقيمة ١٫٦ مليون دولار في علوم الكمبيوتر، وأهدى جون باسم زوجته منحةً بقيمة ١٫٦مليون دولار في القراءة بكلية التربية. وفي حين أن هذا ليس في إمكان الجميع، فمن الممكن أن نفكر جميعًا فيما يمكننا أن نقدمه لأفراد أسرتنا وأصدقائنا من هدايا إبداعيةٍ واحتفاليةٍ في مجالات اهتماماتهم.

«تراسي جاري: ابتكار وإلهام».8 دائمًا ما آمنت تراسي جاري بأن العمل الخيري هو متنفس الصفات الريادية للمرأة. لقد أسست بنفسها أو ساعدت على تأسيس ثماني عشرة مؤسسة غير ربحية منذ أن ورثت ثروة في العشرينيات من عمرها من أسهم بيلسبري، بما في ذلك أسهم والدتها المالية، بالإضافة إلى براءة اختراع جدها الأكبر للهاتف. كانت عائلتها تمتلك عددًا من المنازل في نيويورك، وفلوريدا، ومينيسوتا، وويسكونسن، وباريس بفرنسا، وفي وقتٍ من الأوقات كان لديهم ٣٦ شخصًا يعملون في خدمتهم. كان من الممكن أن تُواصِل جاري حياة الترف والإنفاق، ولكنها بدلًا من ذلك اختارت أن تتبرع بكل ذلك وتساعد الآخرين من خلال المنظمات التي أسستها.

بعد دراستها في مدرسة «مس بورتر» وخروجها إلى المجتمع في مدينة نيويورك، تخرجت جاري في كلية سارة لورانس عام ١٩٧٣، ثم تطوعت للعمل في عددٍ من المنظمات. ونتيجةً لإحساسها بأن المنظمات لا تُصغي إلى طلبات المرأة، أسست جاري جمعية «السيدات الماهرات» لمساعدة السيدات الثريات على التبرع من أجل دعم التغيير الاجتماعي. ومن خلال تجربتها الشخصية، وجدت أن المرأة في حاجةٍ إلى مؤسساتٍ للنساء فقط لمساعدتهن على التعبير عن أفكارهن. وحيث إنها لم تقبل قط بالوضع الراهن، لم تستخدم جاري رأس مالها فحسب، ولكن استخدمتْ فِكْرها الإبداعي لتبدأ في تأسيس منظماتٍ جديدةٍ لمساعدة المرأة، وحماية البيئة، ونشر السلام، والتغلب على الظلم الاجتماعي، وتعزيز الفرص للعديد من الجماعات المحرومة من حقوقها في جميع أنحاء أمريكا، كما أيَّدت قضايا حقوق المثليين ولعبت دورًا رئيسيًّا في دعم ما يُسمَّى الآن بصناديق دعم المثليين.

في الآونة الأخيرة أسست جاري جمعية «إنسبايرد ليجاسي» في مدينة هيوستن بولاية تكساس؛ حيث شعرت جاري بأنها شخصيًّا، بوصفها شابة، تتوق إلى التوصُّل إلى «إرثها الملهم». تعمل الجمعية على التوفيق بين المتبرعات والقضايا التي يؤمنَّ بها بقوة، وتساعدهم على ترسيخ خططهن الطويلة الأمد للعطاء. وقد وصفت هذه الخطط في كتابَيها «العمل الخيري الملهم: ابتكار خطة للعطاء»9 و«العمل الخيري الملهم: دليلك خطوة بخطوة لابتكار خطة للعطاء وترك الإرث» (الطبعة الثانية)،10 وكذا في برامج توعية المتبرعات التي طورتها بالتعاون مع آخرين.
وتُولِي جاري الشباب اهتمامًا خاصًّا؛ حيث تؤمن بأن تثقيف الشباب هو محرك التغيير الاجتماعي من خلال العمل الخيري، وهو ما يساعد على تهيئة مجتمعٍ أفضل. وتحقيقًا لهذه الغاية، عملت جاري دون كللٍ على وضع منهجٍ لحلقات العطاء الشبابية بعنوان «إلهام الشباب لإحداث التغيير: أدوات جيل الكرم»11 والتي تم توفيرها من خلال جمعية «إنسبايرد ليجاسي». وقد كُرِّمَت شو-هاردي لمشاركتها في كتاب مجموعة أدوات العمل الخيري بالتعاون مع كارين باين. لم تدَّخر جاري جهدًا لجمع المال اللازم لكتابة المنهج وطباعته؛ فقد آمنت بأن الحلم سيتحقَّق؛ فالدافع الشخصي والإبداع لدى جاري ألهماها معالجةَ قضايا مجتمعيةٍ صعبةٍ بطريقةٍ عقلانيةٍ ورحيمة، وإن كانت جريئة.

(٣-٣) الالتزام

إن التزام المرأة تجاه المؤسسة الخيرية، سواءٌ أكانت مؤسستها أم مؤسسة عامة، التزام «كامل»؛ فالمرأة تعلن التزامها بالتبرع بوقتها ومالها فقط عندما ترى أنها يمكن أن تُحدِث فارقًا؛ ومن ثَمَّ سيتجلى التزامها برؤية المؤسسة ورسالتها. وقد يشمل الالتزام في بعض الأحيان إنقاذ مؤسسةٍ وإنشاء أخرى في الوقت نفسه.

«كاي فوكس وليندا بولسن: التحسينات والالتزام».12 إذا كان هناك دليل على إمكانات المرأة للعطاء، فإن مؤسسة يونايتد واي وورلد وايد تُقدِّم هذا الدليل من خلال إطلاقها مجالس الريادة النسائية بنجاح؛ فمن خلال ١٢٥ مجموعةً تابعةً لمؤسسة يونايتد واي منتشرةً في جميع البلاد، استطاعت مجالس ريادة المرأة أن تجمع ٥٦١ مليون دولار في ثماني سنوات. وفي عام ٢٠٠٨، عندما شهدت معظم الجمعيات الخيرية الأخرى انخفاضًا بسبب التحديات الاقتصادية، زادت تبرعات المرأة بمؤسسة يونايتد واي بنسبة ١٢ في المائة.

في سان أنطونيو، بدأ مجلس ريادة المرأة في إدخال بعض التحسينات؛ فقد رأت كاي فوكس، التي كانت تعمل بنشاطٍ في مؤسسة يونايتد واي بمدينة سان أنطونيو وتؤمن برسالة المؤسسة، سيدةً في الصالون، وهي التي وصفتها بأنها كانت ناشطةً فعالةً في المجتمع. سألت هذه المرأة فوكس إذا كانت تنوي المساعدة في بدء مجموعةٍ نسائيةٍ ليونايتد واي، وبالفعل بدأ العمل بحماس.

في عام ١٩٩٩ لم يكن لمؤسسة يونايتد واي في الولايات المتحدة الأمريكية سوى ثلاث مبادراتٍ خيريةٍ للمرأة، وعقب ذلك بفترةٍ وجيزة، حضرت فوكس اجتماعًا في العاصمة واشنطن حيث التقت بعددٍ من السيدات الأخريات بمؤسسة يونايتد واي، وعن هذا تقول: «بدأ الحوار على مائدة الإفطار؛ فقد أردنا أن نؤسِّس شيئًا يمكن أن يحل المشكلات، وكنا نعلم أن المرأة تعطي وتفكر بشكلٍ مختلفٍ عن الرجل، كنا نعلم أن الأمور لم تكن تسير على خير ما يُرام، وكنا ملتزمات لمؤسسة يونايتد واي ونحتاج إلى آليةٍ لنُحدِث تغييرًا حقيقيًّا بالوصول إلى الأسباب الجذرية لمشكلات المجتمع.»

كل مجلسٍ عبارة عن كيانٍ مستقل، ويحظى بمبالغ تبرعاتٍ مختلفة، وله طرق توزيع مختلفة للمنح. ويتراوح حجم التبرعات بين ١٠٠٠ دولار و١٠٠٠٠ دولار سنويًّا، ويُوجِّه أكثر من ٥٠ بالمائة من المجالس دعمها للمشروعات الخاصة التي تُعَدُّ جزءًا من الأهداف العامة لمؤسسة يونايتد واي، في حين تُوجِّه مجالس أخرى تبرعاتها مباشرةً للمؤسسة دون وضع قيودٍ على الأموال. وتقول فوكس: «يلتزم كل مجلس من مجالس ريادة المرأة بتغيير المجتمع الذي يعمل به أيًّا كان.»

والآن تفتخر فوكس — التي ترأس المجلس القومي لريادة المرأة والتابع لمؤسسة يونايتد واي العالمية — بأن مبادرتهن وصلت إلى آفاقٍ أبعد من المتبرعات التقليديات لمؤسسة يونايتد واي لتشمل ربات البيوت وصاحبات المشروعات التِّجارية الصغيرة وقادة الشركات الكبرى من النساء. وقد أُنشئت فئة خاصة في بعض المجالس لتَلقِّي تبرعات السيدات الأصغر سنًّا، والتي تصل إلى ٥٠٠ دولار، حتى تزيد لتصل إلى ١٠٠٠ دولار. وتُشبِّه فوكس هذه المجالس بالأعمال التِّجارية الناجحة، فتقول: «نحن قادرات على جمع المزيد من الأموال؛ لأن المرأة تريد أن تعرف أين تستثمر أموالها، كما تريد أن يكون لها رأي في الحل، وأن تكون قادرةً على التواصل مع الآخرين.»

وتقول ليندا بولسن، مدير الأسواق الاستراتيجية وعلاقات المستثمرين بمؤسسة يونايتد واي، إن التأييد والقيادة وتنمية الموارد هي موضع اهتمام وتركيز المجالس. «الأمر يتعلق بما هو أكثر من التبرع بالمال؛ إنه يتعلق بمساعدة المرأة في التعبير عن رأيها وقيادة التغيير في المجتمع. نحن نعمل على تحسين القيادة والاستفادة من مهارات القيادة عند المرأة، سواءٌ أكانت تقود أسرةً أو مؤسسةً كبيرةً رأس مالها بالملايين.» وتفيد فوكس وبولسن بأن المرأة ملتزمة بعمقٍ تجاه مجالس ريادة المرأة، وتعتبر مؤسسة يونايتد واي شريكها المفضل في العمل الخيري.

وبتأسيس مجلس المرأة للعمل الخيري، عادةً ما تستطيع المؤسسات غير الربحية التخطيط لجمع المال نظرًا لزيادة التبرعات النسائية. وتقول بولسن إن مجالس ريادة المرأة التابعة لمؤسسة يونايتد واي تفوق المتوسط في كل مؤشر نجاحٍ مالي، وعلى مدار الثلاث سنوات الماضية حقَّقتْ يونايتد واي ومؤسساتها نسبة نموٍّ تزيد على العشرة بالمائة.

حتى ولو كانت المؤسسةُ غيرُ الربحيةِ غيرَ مستعدةٍ لمجالس ريادة المرأة بعدُ، فإن وسائل جمع التبرعات التي تعتمد عليها يمكن أن تكون جزءًا من أي منظمةٍ أو مؤسسة. ولجذب المرأة، يمكن لهذه المؤسسات أن تعمل على تحقيق التالي:
  • التركيز على أجزاء المؤسسة التي تتناول قوة رعاية المرأة.

  • توفير الطرق التي تساعد المرأة على توصيل صوتها من خلال توفير فرص القيادة، وبذل الجهود لحمايتها.

  • جمع التبرعات عن طريق بناء العلاقات بدلًا من جمعها عن طريق المعاملات (حيث يكون عدد العلاقات محل تقديرٍ أكثر من جودة العلاقات نفسها).

  • وضع طرق لقياس التأثير وإعداد التقارير حول النتائج.

  • التأكيد على أن أهداف جمع التبرعات تشمل تحسين مستوى المعيشة ومعالجة القضايا الاجتماعية.

  • احتواء المتبرعات وإشراكهن.

  • توفير فرص للدفاع عن القضايا التي تهم المرأة.

(٣-٤) الاتصال

تقول خبيرة التسويق أليسون فاين في كتابها «الدافع: تحفيز التغيير الاجتماعي في عصر الاتصال»،13 إن ظهور الإنترنت يُعَدُّ اليوم عاملَ قوةٍ رئيسيًّا في «عصر الاتصال» بالنسبة إلى المرأة؛ لأنها تستخدمه مدفوعةً برغبتها الفطرية في تبادل المعلومات والتعاون مع الآخرين.»

وقد توصلت أنجح المنظمات إلى طُرُقٍ لدمج المتبرعين، رجالًا ونساءً، في المشاركة في العمل لأنها تبحث عن طرقٍ لتقوية الروابط بين المؤسسات والمتبرعين، وأفضل طرق تواصل المتبرعين واتصالهم ومشاركتهم بوصفهم متطوعين.

يُوفِّر الإنترنت سبلًا سهلةً للتواصل والاتصال. وباستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، فإن العديد من المؤسسات غير الربحية يُوفِّر طرقًا للتواصل عبر مواقعه. هذا أمر طيب لأن السيدات يستخدمن الإنترنت بصورةٍ أكبر من الرجال، وهو الاتجاه الذي يُتوقَّع استمراره. تقول ليزا ويتر وليزا تشين في كتابهما «مكانة المرأة: لماذا تُعتبر النساء محرك التغيير في العالم وكيف يمكن الوصول إليهن»:14 «تستخدم المرأة الإنترنت بوصفه منبرًا للتواصل مع الآخرين، سواءٌ المستخدمون الآخرون أم المؤسسة المضيفة.» وتقترح الكاتبتان إنشاء مواقع لجذب المرأة وتشجيع استمرارية تواصلها عليها لفترةٍ أطول.
«ليندا ماكجورن: التواصل فيما وراء كرة القدم.»15 تُدرك ليندا ماكجورن، وهي محاسبة ومحامية ومطورة مواقع بمدينة جنزفيل ورئيس مؤسسة جامعة فلوريدا، قيمةَ التواصل. وقد كانت ماكجورن مؤيدةً قويةً لتأسيس مؤسسة جامعة فلوريدا للمرأة: مبادرة إلهام الريادة والعمل الخيري. وتقول: «إن الكثير من تواصُلنا في المؤسسة له علاقة بالرياضة، والآن نسعى إلى تحويل مشاركة المرأة إلى مستوًى آخر.» ويشمل هذا المستوى الجديد عقد اجتماعاتٍ إقليميةٍ تستمع خلالها السيدات عن الجامعة. وتضيف قائلة: «نخطط لتنظيم لقاءاتٍ بين العمداء والطلاب والسيدات، وستكون هذه الاجتماعات بمنزلة فرصةٍ لتعارُف السيدات.»

ونظرًا لاتساع رقعة الولاية، فقد عُقدت سبع مجموعات نقاشٍ من مدينة جاكسونفيل حتى ميامي. وقد حضرت لندا ماكجورن وبيس ماكجو، الرئيس المشارك بالمؤسسة، حملة التبرعات التي أُطلقت عام ٢٠٠٥، والتي بلغت قيمتها مليارًا ونصف المليار دولار. وكانت ماكجورن تُدرك أهمية لقاء خريجات جامعة فلوريدا وزوجات وأرامل الخريجين من أجل التواصل وإعادة التواصل مع الجامعة.

كيف استطاعت هاتان السيدتان أن تشغلا منصب مساعد رئيس الحملة ورئيس المؤسسة؟ تقول ماكجورن إن الوقت قد حان لتَولِّي السيدات الأدوارَ القيادية. «لقد أيَّدتْ ليزلي برام، النائب المساعد لرئيس المؤسسة، شَغْلَ المزيد من السيدات للمناصب القيادية بالجامعة. ولم نَشغل أنا وبيس هذه المناصب فحسب، ولكن كانت هناك سيدتان تشغلان منصب رئيس مجلس إدارة جمعية الخريجين وجمعية «جاتور بوستر» (المعنية بجمع التبرعات الرياضية) كذلك.»

وتعزو ماكجورن السبب في شَغْل المرأة للمناصب القيادية في الجامعة إلى وجود مجموعةٍ من الموظفين المستنيرين الذين سعَوْا لفترةٍ طويلةٍ لزيادة عدد المناصب القيادية للمرأة بالجامعة. «لقد ساعدونا على تولِّي تلك المناصب بتخصيص بعض المشروعات لنا كي نعمل عليها؛ وعندها اكتشفت الجامعة مدى قوة وإمكانيات المرأة. وتضيف المؤسسة أعدادًا من السيدات سنويًّا وفق منهجٍ منظم.»

وتذكر ماكجورن مدى الدهشة التي شعرت بها زوجة أحد الرؤساء المساعدين في الحملة الأخيرة لمؤسسة جامعة فلوريدا، عندما أُخبرت باختيارها عضوًا في مجلس الإدارة؛ حيث «سألت متعجبة: «هل ترغبون في انضمامي إليكم حقًّا؟» وكانت في قمة السعادة عند دعوتها، كما كانت عضوًا نشيطًا وفاعلًا، ودعت معارفها للقاءات الجامعة.»

تقول ماكجورن: «هناك العديد من السيدات في الخمسينيات والستينيات من العمر، لديهن الإمكانات المالية والاستعداد للمشاركة إذا ما طُلب منهن ذلك. هناك تغيُّر في الأجيال، وهذا الجيل من السيدات شغل العديد من المناصب في المشروعات التِّجارية ولديه من الإمكانيات المادية ما يُمكِّنه من الالتزام نحو هذه المشروعات ماليًّا، ويمتلك قدراتٍ قيادية. إن السبب في مبادرة ريادة المرأة للعمل الخيري هو أننا ندرك أن مشاركة المرأة في القيادة، يليها مباشرة العمل الخيري؛ فقد بحثنا في أيهما يتحقق أولًا وأدركنا أن القيادة يجب أن تأتيَ أولًا.»

وتقوم مؤسسة جامعة فلوريدا بمراسلة السيدات شهريًّا ليبقين على اتصال، ويَطَّلِعْنَ على ما يحدث في الحَرَم الجامعيِّ. وتقول ماكجورن: «أعدت المؤسسة مقالًا عن رئاسة المرأة لجمعية «جاتور بوسترز»، كما أن لدينا الآن عميدةً جديدةً لكلية الهندسة. أيضًا نحن نتواصل مع العمداء لموافاتنا بما تُقدِّمه المرأة من خدماتٍ في كلياتهم. إننا نوسع دائرة تواصلنا مع المرأة بما يتجاوز مباريات كرة القدم.»

(٣-٥) التعاون

التعاون، من وجهة نظر الكثيرين، هو «العمل الجماعي»، ولكنه يحمل معنًى أبعد من ذلك كثيرًا بالنسبة إلى العديد من السيدات. تعتقد جولي فيشر، المؤسس المساعد لمؤسسة «لاف لايت» أن التعاون سبيل إلى تحقيق العدل؛ فهو «أحد أهم أدوات تحقيق المساواة في المجتمع. فإن كنت تعمل بالتعاون، فلا مكان للظلم، إنه نموذج يُراعي المرأة ولا يكترث بالتدرُّج الوظيفي.»16

لطالما كان التنوع عنصرًا هامًّا في العمل الخيري عند المرأة؛ حيث تعمل النساء في تعاون، وتتشاركن القصص والمسئوليات. يتصور البعض أن التعاون هو «حد» العمل الخيري عند المرأة؛ لأنه بمجرد أن تصرف المنح، وتصبح المتبرعات على معرفةٍ بمتلقِّي المنح، فإنهن يعملن في كثيرٍ من الحالات جنبًا إلى جنبٍ مع متلقِّي المنح؛ وهذا هو التعاون.

«ديبي ريتشي: التعاون لإحداث تأثير».17 ترى ديبي ريتشي أن التعاون له أكثر من معنًى؛ فهو يعني التعاون مع أخرياتٍ للتبرع لجمعية «إمباكت ١٠٠» بمنطقة خليج بنساكولا؛ وهي حلقة عطاءٍ ساعدت ديبي على تنظيمها مع أخرياتٍ عام ٢٠٠٣. ويعني التعاون كذلك الاستفادة من مهارات السيدات في إدارة المؤسسة ونموِّها. وأخيرًا، يعني التعاون العمل مع المؤسسات غير الربحية في بنساكولا لمساعدة أعضاء جمعية إمباكت لمعرفة احتياجات مجتمعهم ومساعدة المؤسسات غير الربحية في الإعلان عن نشاطهم. وتفضي الأنماط الثلاثة المختلفة لرؤية ريتشي عن التعاون إلى العطاء والعمل الجماعي.

تعرف ريتشي الكثير عن التعاون لأنه كان جزءًا من عملها عندما كانت مندوبة الولاية لدى فلوريدا كيز ومقاطعة ساوث ديد. كانت ريتشي تتعاون جيدًا مع الآخرين؛ ومن ثَمَّ انتُخبَت زعيمة الأقلية خلال العامين الأخيرين في وظيفتها.

في ١٩٩٩ انتقلت ريتشي إلى بنساكولا. وبعد قراءتها لمقالةٍ في مجلة بيبول عن حلقة عطاءٍ نسائية — «إمباكت ١٠٠» في سينسيناتي التي أسَّستها ويندي ستيل — قررت أن تبدأ حلقة عطاءٍ في بلدتها. وتقول ريتشي:

وجدت نفسي في مجتمعٍ جديدٍ أفتقر فيه إلى العلاقات؛ لذا أعدت اكتشاف نفسي. أردت أن أشارك في إحداث تغييرٍ في المجتمع، واخترت التركيز على التبرعات النسائية لرغبتي في تعزيز دور المرأة وتشجيعها على مشاركة أفكارها وإحداث تغييرٍ جماعي. عندما نتعاون معًا، مستخدِماتٍ رغباتنا وتجارِبنا الحياتية لتحسين المجتمع، سيكون لنا تأثير. تعلم سيدات مؤسسة إمباكت جيدًا ما يُرِدْنَ على المدى القصير والطويل، خاصةً فيما يتعلق بتغيير المجتمع نحو الأفضل.

لقد زاد عدد عضوات مؤسسة إمباكت بنساكولا من ٢٣٣ عضوة يتبرعن ﺑ ١٠٠٠ دولار سنويًّا، إلى ٥١٤ عضوة عام ٢٠٠٩. وقد تبرعن بواحد وعشرين منحةً بلغتْ قيمةُ الواحدةِ منها ١٠٠ ألف دولار في خمسة مجالاتٍ مجتمعية، وهي: الفن والثقافة، والتعليم، والبيئة، والأسرة، والصحة. وبشكلٍ عام، تبرعت مؤسسة إمباكت بنساكولا بمليونَي دولارٍ في صورة مِنَح، بالإضافة إلى منحةٍ إضافيةٍ كبرى في كل مجالٍ من مجالات الاهتمام لدى المؤسسة.

إن التعاون جهد مستمر في مؤسسة إمباكت، التي بسطت نطاق عملها ليتجاوز التبرع بالمنح ويصل إلى رعاية برنامجٍ سنويٍّ لكل المؤسسات غير الربحية، ليس للتعريف بنشاط إمباكت فحسب، ولكن أيضًا لتوفير برنامجٍ خاصٍّ بموضوعاتٍ عن عملية التبرع، وكيفية توصيل رسالة المؤسسات غير الربحية إلى الإعلام. وتقول ريتشي: «لقد تحدَّثنا خلال العام الماضي عن كيفية نجاح المؤسسات غير الربحية في ظل الأوقات الاقتصادية العصيبة، وكيفية تحديد قادة المستقبل في المؤسسة والتخطيط لاستمرارها. وتلتزم المرأة في مؤسسة إمباكت بإنشاء مؤسساتٍ قويةٍ غير ربحيةٍ في المجتمع، ليس فقط من خلال عمليات التبرع، ولكن من خلال التعاون مع المؤسسات غير الربحية كذلك. فنحن نعمل معًا لنصل إلى جودة الخدمات الحياتية التي يجتهدن لتحقيقها، وذلك بمساعدتهن على تحسين أدائهن.»

(٣-٦) الاحتفال

وصفت الراحلة ديم أنيتا روديك، مؤسِّسة «ذا بودي شوب»، طريقة تبرعها بالمال ﺑ «المتعة».18 وتُعرِّف ذلك قائلة: «من وجهة نظري، المتعة في نجاح هذا العمل تتمثَّل في العطاء.»19

بكل أسف، تُوفِّيتْ روديك في الرابعة والستين من العمر؛ فلم تدرك فرحة العطاء، ولم ترَ أثر كل تبرعاتها، إلا أن سائر السيدات من رائدات الأعمال ومُنظِّمات المشروعات يحملن إرثها، مثل عضوات لجمعية اﻟ ٢٠٠.

«أليسون وينتر: الاحتفال بالنجاح.»20 تقول أليسون وينتر، الرئيس السابق لجمعية اﻟ ٢٠٠ — وهي مجموعة قيادة حصرية للمرأة في مجال الأعمال — إن عضوات المجموعة على درايةٍ بمكانتهن المتميزة الفريدة ويُرِدْنَ ردَّ الجميل. في عام ١٩٨٦ أسست جمعيةُ اﻟ ٢٠٠ مؤسسةً لمساعدة المرأة على أن تكون منظِّمةَ مشروعاتٍ وقائدةَ شركاتٍ ناجحة. وتقول وينتر: «لدينا برامج توعية لتشجيع شباب الكليات من السيدات للحصول على ماجستير إدارة الأعمال.» وترى وينتر أن السيدات يمثلن على الأقل نصف خريجي كليات الطب والحقوق، إلا أنهن يمثلن فقط الثلث في دورات ماجستير إدارة الأعمال. «لقد أجرينا البحوث في هذا الشأن، واكتشفنا أن السبب في عُزوف المرأة عن دراسة ماجستير إدارة الأعمال راجعٌ إلى رغبتها في عمل شيءٍ يستحق الجهد في الحياة، ورغبتها في تغيير العالم إلى الأفضل. والخوض في غمار العمل لا يتناسب مع هذا التخطيط.»

من خلال ندوات التوعية تذهب عضوات جمعية اﻟ ٢٠٠ إلى الكليات، وعن طريق عرض نماذج لسيداتٍ يُحتذى بهن يوضحن أن الحصول على الماجستير في إدارة الأعمال يمكن أن يؤدِّيَ إلى النجاح، لا للطالبات فحسب، بل أيضًا للأخريات من خلال تأثير الطالبات عليهن. تقول وينتر: «في البداية نحتفل بقصصنا، ثم نبدأ في حكاية قصص بعض العضوات اللاتي تغلبن على العقبات واستطعن تحقيق إنجازهن. نتحدث مع الطالبات عما يمكن أن يُقدِّمنَه للنساء اللاتي سيعملن معهن في نهاية المطاف ويساعدنهن للوصول إلى كامل طاقتهن وإلى الاستقلال المالي. كما نناقش العمل الخيري والطرق التي تستخدم فيها المرأة نجاحها لمساعدة الأخريات.»

الاحتفال بنجاح عضوات جمعية اﻟ ٢٠٠ هو إحدى رسائل الجمعية؛ فكل عام تُمنح ثلاث أو أربع جوائز من جوائز التميُّز لعضواتها. من هذه الجوائز جائزة المبدعة الخيرية التي تُمنح للعضوة التي تقوم بتطوير برنامج مبتكر للدعم الخيري وتستمر في متابعة البرنامج. وقد كَرَّمت المؤسسة كوني داكورث، الشريك السابق في شركةٍ ماليةٍ كبرى، التي بدأت مجموعة «أرزو»، وهي مجموعة معنية بمساعدة السيدات الأفغانيات على تحقيق الاستقلال الاقتصادي من خلال بيع السَّجَّاد. كما كَرَّمت جودي كوتش مديرة شركة التصنيع بمدينة فيرمونت بولاية كاليفورنيا التي أنشأت مؤسسة «أحضر لي كتابًا»، وذلك بتأسيس شركةٍ لإعارة المكتبات المتخصصة في الأعمال في كل أنحاء الدولة؛ لتمكين العاملين من استعارة الكتب لأطفالهم كل بضعة أيام. كما تساعد المؤسسة العاملين ثنائيي اللغة على تعلُّم القراءة باللغة الإنجليزية. تقول وينتر: «إننا نحتفل بعضوات المؤسسة ونُبرز أعمالهن، ونبين للعضوات الأخريات ما يمكن عمله.»

وعضوات جمعية اﻟ ٢٠٠ هن مجموعة من السيدات اللاتي حقَّقنَ نجاحًا في عالم الشركات أو في تنظيم المشروعات. إنهن يُقدِّرن مسئوليتهن في العطاء ويتعاملن مع الأمر بجدية، بخلاف كثيرٍ من السيدات منذ عشرةٍ إلى عشرين عامًا؛ فالسيدات في جمعية اﻟ ٢٠٠ لا يبالين كثيرًا بالذكور، بل يهتَمِمْن بالفتيات ويحرصن على تقديم شيءٍ لهن. إن عضوات الجمعية يرغبن في أن يَكُنَّ قدوة حسنة للنساء الأصغر سنًّا ربما لأنهن لم يَجِدْنَ في شبابهن الكثير من النماذج التي يُحتذى بها. ومن خلال الاحتفال بنجاح عضوات الجمعية نوضح أنه من الجيد أن تحقق إنجازًا في عالم الشركات؛ لأن هذا النجاح يوفر الأدوات والوسائل لفعل الخير في المجتمع. وكما يقول المثل «أجادوا في العمل فجادوا بالخير.»

(٤) المعايير الثلاثة الإضافية الأخرى: النتائج الشخصية لعطاء المرأة

من خلال ما شهدناه من تغييراتٍ في عطاء المرأة منذ عام ١٩٩١ حتى عام ٢٠٠٠ ظهرت لنا ثلاثة معايير أخرى؛ فالمرأة الآن تدرك أن لديها الوسائل للعطاء، ونتج عن فعلها الخير معنًى أعمق وقناعة أكبر تمثلت في:
  • «التحكم» في زمام أمور حياتها وأموالها وعملها الخيري.

  • «الثقة» في ريادة العمل الخيري.

  • «الشجاعة» في مواجهة وتحدِّي الأساليب القديمة في فعل الأشياء والمخاطرة بالعطاء لإحداث التغيير.

(٤-١) التحكم

قد يكون التحكم هو أهم المعايير الثلاثة، فعلى أقل تقديرٍ هو النقطة التي يبدأ من عندها فعل كل خير؛ فمن دون فَهْمِ المرأة لمواردها المالية وتحكُّمها فيها، لن يكون هناك عمل خيري مؤثِّر. قد تشارك المرأة في عددٍ قليلٍ من الأحدث الخاصة، بل قد تُزايد في أحد المزادات (غالبًا مع زوجها)، إلا أن التزامها الحقيقي بالعمل الخيري ومساعدة الآخرين يتم فقط بعد أن تدرك المرأة قدراتها المالية وقدرات أسرتها.

تشير الناشطة المجتمعية تراسي جاري إلى أنه ينبغي على المرأة أن تقرأ أو تعمل أربع ساعاتٍ شهريًّا في الأمور المالية، سواءٌ أكانت حساباتٍ أم عقودًا مالية أم ميزانيات. فمن وجهة نظر جاري فإن هذا العمل لا يقل أهميةً عن ممارسة الألعاب الرياضية؛ «فهو يساهم في الحفاظ على المنزل ويمنحنا التمكين.» كما تَعتبر جاري أن سيطرة المرأة واستقلالها المالي لا يَقِلَّان في الأهمية عن خروج جداتنا للتصويت وأمهاتنا لقيادة السيارات.

وقد أظهر استبيان صدر عن مؤسسة برودنشال عام ٢٠٠٦ أن امرأة واحدة من كل ثلاث نساءٍ أمريكياتٍ تَعتبر نفسها أكثر مشاركةً في القرارات المالية عما كان الأمر عليه منذ خمس سنوات.21 أدركنا أن هذه الأرقام تُبشِّر بزيادة عمل المرأة الخيري وكنا على حق. والتحكم في الأمور المالية يعني أن تكون المرأة قادرةً على إدارة أسرتها وشئونها المالية، ومن ثَمَّ تَمكُّنها من مساعدة الآخرين على العيش على نحوٍ لائق.
«باربارا ستاني: استعادة حياة».22 تعرف باربارا ستاني كل ما يتعلق بالسيطرة، أو على الأقل الاضطرار للسيطرة. هي ابنة أحد مؤسسي شركة إتش آند آر بلوك المتخصصة في إعداد ضريبة الدخل، وقد تربَّت وكبرت في ظل الثروة، وعلى الرغم من أن شركة والدها كانت مختصة بالمال والتمويل، فإن المال لم يكن قَطُّ موضوعَ نقاشٍ في المنزل؛ فهم ينفقون منه الكثير، وهذا كل ما شعرت باربارا بضرورة معرفته عن المال.

خصص لها والدها وديعةً في عيد ميلادها الحادي والعشرين؛ وبهذا تأكَّد أنها ستكون بخير. سيعتني بها والدها حتى تتزوَّج، ثم يتولى زوجها زمام الأمور، بحيث يدير الوديعة، ويتمتع بثقتها فيه.

ولكن زوجها بدَّد ثقتها فيه وبدَّد أموالها، وترك لها فواتير ضريبية تزيد على المليون دولار. رفض والدها مساعدتها، ولم تتوقف نداءات اليقظة. ذكرت ستاني حكايتها بالتفصيل في أول كتابٍ لها بعنوان «لن يأتي فارس الأحلام»23 المنشور عام ١٩٩٧.

أوضحت ستاني كيف اضطُرت لتولِّي زمام أمور حياتها. رأت ستاني أن ذلك «كان نعمةً في زِيِّ نقمة … فعلى الرغم من قلة ما لديَّ من المال مقارنةً بما كانت عليه الحال قبل أن يُضيِّعه زوجي في القِمار، فإنني أشعر الآن أنني أكثر أمنًا بدرجةٍ كبيرة؛ لأنني أفهم الأمر.»

كانت أول خطوة لستاني هي الاستعانة بمخطِّط مالي، وهو شخص اعتبرتْه شريكًا لها وليس والدًا أو مُنقذًا. ثم طرحت تساؤلاتٍ وحاورت بعض السيدات الذكيات في إدارة الأموال لعمل مشروعٍ مع تراسي جاري وجمعية «نساء ذكيات»، وهو ما أضاء لها الطريق. «فقد اكتشفتُ أن هؤلاء السيدات لا يدفعهن ما يملكنه من أموال، بل ما يمكن أن يفعلنه بهذا المال.»

اكتشفت ستاني أن السيدات الثريات اللاتي لا يشعرن بالأمن المالي وليست لديهن المعرفة لا يتبرعن بأموالهن. «وهو ما وجدتُ له صدًى عندي؛ فقد كنت أتبرع بالقدر القليل من المال ولا آخذ الأمور على مَحْمل الجد حتى بدأتُ أُنظم أموري.» وتعزو ستاني إلى جاري فضل تعريفها بأهمية تخطيط العطاء، وهو ما تناولتْه جاري في كُتُبها.

ستاني أخصائية نفسية متمرسة؛ لذلك كان العمل مع السيدات جزءًا من حياتها، وسرعان ما أصبح رسالتها. لم تُرِدْ أن ترتكب السيداتُ الأخرياتُ الأخطاءَ نفسَها التي ارتكبتْها. والآن، ومن خلال كتبها وندواتها وموقعها، تساعد ستاني السيدات في تحقيق الاستقلال المالي. «أصبح من الواضح لديَّ أنني حَظِيتُ بأسرةٍ واهتمامٍ لأن هذا هو ما كان مُقدَّرًا ليَ القيام به؛ فقد أعطاني ذلك حسًّا بالهدف في الحياة. فالذكاء المالي هو، من وجهة نظري، أن تعيش الحياة بشروطك ووفقًا لقيمك، وعندما تسيطر على مالك فقد ملكت زمام حياتك.»

(٤-٢) الثقة

في الدراسة التي أجرتْها جمعية الأمانة عام ٢٠٠٩ بشأن العمل الخيري، صرَّح تقريبًا نصف عدد السيدات اللاتي أُجريَ عليهن البحث بأنهن اللاتي يُقرِّرن وجهة وحجم تبرعات أسرهن.24 والأكثر دهشةً هو عدد الرجال — ٩٢٪ — الذين أقرُّوا أن زوجاتهم هن صاحبات الكلمة فيما يخص وجهة ومقدار ما يتبرعون به. أكَّد هذه الدراسة بروس فليسنر، الرئيس المؤسس لشركة بينتز والي فليسنر المتخصصة في الاستشارات الخيرية بمدينة مينيابولس؛ حيث قال: «لقد أجرت شركتنا بحثًا منذ عدة سنواتٍ بشأن الشخص المؤثر في قرار التبرع. وبالنسبة إلى الرجل، فالزوجة هي المؤثر الأول.»25
فما الذي أدَّى إلى هذا التغيير من اختيار الرجل وَحْدَهُ الوِجْهة التي يُنفق فيها المال إلى أن تكون المرأة هي العنصرَ المؤثرَ في عملية العطاء، أو أن تكون هي صاحبةَ القرار الفعلي. أين وكيف حصلت المرأة على هذه الثقة؟ بالرجوع إلى ذات الدراسة لجمعية الأمانة في عام ٢٠٠٩ نجد رئيس الجمعية سارة سي ليبي تقول: «كان للمرأة دائمًا يد في عمل أسرتها الخيري. ولكن هذا الدور يتطوَّر مع زيادة امتلاك المرأة لثرواتها وتحوُّلها إلى مستفيد من انتقال الثروة، ولأنها تعيش لفترةٍ زمنيةٍ أطول.»26

فالمرأة تكسب قدرًا كبيرًا من المال؛ ومن ثَمَّ فهي تعتقد أن من حقها أن تُقرِّر وجهة إنفاق هذا المال. ولا بد من الإشادة بالرجل أيضًا لثقته في المرأة في اتخاذ هذه القرارات، أو مساعدتها في اتخاذها.

يعلم المزيد والمزيد من مسئولي التنمية أنه لا يوجد بوجهٍ عامٍّ أي متبرعٍ منفردٍ من الزوجين. والمسئولون الأذكياء هم من يعملون مع كلا الزوجين لإتمام الالتزامات الطويلة الأمد.

«كريستين لودويك: رحلة امرأة».27 تعيش كريستين لودويك مع زوجها فيليب في منزلٍ ريفيٍّ تاريخيٍّ في منطقة ريدجفيلد بولاية كونيتيكت، وهو مجتمع يمتد تاريخه لثلاثمائة سنةٍ في سُفوح جبال بيركشاير. تنتمي كريستين إلى أسرةٍ تعمل في مجال ألبان المزارع بولاية ويسكونسن، أما زوجها فيليب فقد تربَّى هو وإخوته في رعاية أمهم الكادحة بولاية نيويورك.

وبعد التخرُّج في جامعة ويسكونسن-ماديسون، واصلت كريستين دراستها لتحصل على درجةٍ جامعية في أمراض التخاطب من جامعة كونيتيكت، وهناك التقت بفيليب. وعقب التخرُّج في كلية إدارة الأعمال بذات الجامعة الْتحق فيليب للعمل بقسم المبيعات بشركة آي بي إم، ثم أسَّس في عام ١٩٨٠ شركة تريد ويل، وهي شركة تعمل في مجال تأجير الْمُعَدَّات التكنولوجية المتقدمة.

حقق فيليب نجاحًا كبيرًا، إلا أنه أوضح أنه وزوجته يعملان كفريقٍ واحد، ويقول: «مهما كان ما حققتُه من إنجاز، فإن كريستين شريكتي فيه؛ فنحن نعمل معًا.» ويقول فيليب إنه يعيش حياةً سعيدة، وزوجته هي صديقته الحميمة، والآن لديهما الفرصة للتبرع بجزءٍ من ثروتهما.

إلا أن كريستين لم تكن تشعر بارتياحٍ قط عند اتخاذ القرارات، كما لم تشعر بأن أفكارها لها قيمة كبيرة. من الصعب اليوم أن نُصدق أن المرأةَ نفسَها التي ترأس مجلس العمل الخيري النسائي بمؤسسة جامعة ويسكونسن، وضمن مجلس إدارة المؤسسة، والتي تم تكريمها مرةً تلو الأخرى لعملها الخيري والتطوعي؛ كانت تُفكِّر بهذه الطريقة عن نفسها وقدراتها. إنها الآن تنضح بالثقة التي ساعدتْها على التفكير والعطاء للقضايا التي تهتم بها، والتي يتعلق الكثير منها بالسيدات والفتيات.

تؤمن كريستين بمساعدة السيدات الأخريات في تحقيق الثقة نفسها التي تتمتع بها اليوم، وذلك بالسيطرة على حياتها وأموالها. وتقول كريستين: «إن تشجيع المرأة على الاستفادة من مواردها المالية من أجل مُثُلها العليا هو جزء مهم جدًّا لتحقيق توازن استجابة المجتمع للمرأة ليراها شريكًا في المجتمع وليس شيئًا إضافيًّا.»

يساعد على ذلك أن يكون للمرأة زوج مشجع مثل فيليب، الذي يؤمن حقًّا بأن كريستين شريكته ويحثها على كتابة الشيكات ذات المبالغ المالية الكبيرة؛ وهو الأمر الذي لا تزال تَعتبره غُصَّة في حَلْقِها. لكنها تقول أيضًا إن وُجودها بين سيداتٍ أخرياتٍ يتحدثن عن المال والعمل الخيري كان عاملًا كبيرًا في بناء ثقتها. كما قالت: «إن دعوتي من قِبل مؤسسة جامعة ويسكونسن لحضور مأدبة غداءٍ حيث تناقش السيدات أعمالها لخيرية كان حدثًا جذريًّا بالنسبة إليَّ. وكلما تحدثت مع السيدات عن المال شعرت بأنني أكثر ثقة.»

ونظرًا لجهودها الخيرية والتطوعية حصلت كريستين على جائزة الدكتور كينج ريدجفيلد لخدمة المجتمع، والتي سُمِّيَتْ على اسم الدكتور مارتن لوثر كينج الابن. وعند تقديمها في حفل توزيع الجوائز، وُصفت بأن هذا التكريم يأتي لأنها تتمتع بروح الدكتور كينج.28 وهذه الروح تأتي عمومًا من الثقة، تلك الثقة التي أصبحت كريستين تمتلك الكثير منها، فضلًا عن رأس مالها الفكري والمالي والاجتماعي والسياسي.

(٤-٣) الشجاعة

حين تتخذ المرأة المبادرة للتغيُّر والعمل، ففي معظم الحالات تتصرَّف بشجاعة. تكون المشاركة في مهمتها ورسالتها عظيمةً للغاية، حتى إن آخر ما يخطر ببالها هو مدى شجاعة عملها. والسيدات اللاتي يملكن زمام أمور حياتهن وأموالهن لديهن الثقة في أن يَكُنَّ شجاعات، وهذه هي آخر المعايير الثلاثة الإضافية.

لقد احتاجت جين أدامز إلى التحلي بالشجاعة كي تؤسس مؤسسة هول هاوس، ولكن تعاطفها مع السيدات والأطفال كان هو القوة المحركة التي جعلتها تدرك أنها ستنجح. وقد وُصفت الشجاعة أيضًا بأنها معرفة أن ما تقوم به صحيح بالبداهة؛ فهي ليست اقتناصًا للفرص، وإنما الشعور بالتركيز على الهدف والإقدام.

ولحسن الحظ، لأن معظم السيدات سيدات أعمال، وسيدات الأعمال لا بد أن يتصفن بالشجاعة واقتناص الفرص، فإن هذه الصفات تنتقل من عالم الأعمال والساحة المهنية إلى العمل الخيري.

«شيريل ووماك: تتخيل العالم كما تريد».29 هي الابنة الثالثة من بين أحد عشر طفلًا لمهاجرٍ بَنَمِيٍّ، وقد أسست شركة تأمين لسائقي الشاحنات المستقلين عام ١٩٨٣. وحين باعتها عام ٢٠٠٢ كانت عائدات الشركة قد وصلت إلى ١٠٠ مليون دولار سنويًّا.

كان والدها الراحل الذي اعتاد العمل ثمانيَ عشرةَ ساعةً في اليوم في أحد مصانع الألياف الزجاجية هو مصدرَ إلهامها؛ فلم يُرسِّخ فيها فقط أخلاقيات العمل القوية، بل ربما الأهم من ذلك أنه أورثها توجهًا كان سببًا في وصفها بأنها لا تجد صعوبة في أن «تتخيل العالم كما تريد».

بعد أن عملت مُدرِّسة في إحدى المدارس الابتدائية لمدة عام، وفي شركة تأمينٍ على الشاحنات دون ترقية، قررت عام ١٩٨١ أن تبدأ في تأسيس الجمعية الوطنية لسائقي الشاحنات المستقلين في قَبْو منزلها. تقول شيريل إنها لم تكن تعرف كيف تقرأ ولو كشف حسابٍ ماليٍّ. وعندما سُئلت عن كيفية تمويل شركتها قالت ساخرة: «بالطبع كان زوجي يُنفق عليَّ. لكن في الواقع هذا لم يحدث؛ فقد تركت هذا الزوج. كنت في سبيلي إلى تغيير حياتي بصورةٍ جذرية. ماذا يمكن أن أقول؟ تركت زوجي وارتحلت مع أختي لمدة ثلاثة أشهرٍ حتى وجدت مسكنًا. كان دخْلي يصل إلى سبعة عشر ألف دولار سنويًّا. كنت أخرج في مواعيدَ غراميةٍ كي أستطيع أن أحصل على وجبتي … وكان ذلك أمرًا طبيعيًّا في ذلك الوقت. أما إذا طلب الرجال أكثر من الموعد الغرامي فقد كنت أدفع ثمن وجبتي.»

بعد سنتين أسست ووماك شركة في سي دبليو (اختصار لعبارة «نساء ذكيات جدًّا») التي تبيع وثائق التأمين حسب الطلب لسائقي الشاحنات «لأنني استمعت إلى ما اشتكى السائقون بشأنه، فساعدت في حل مشكلاتهم وأسست شيئًا ثم قلت لهم: «ها هو ما طلبتموه».» أحد المنتجات المبتكرة التي طورتْها هو أنها وجدت بديلًا لتعويض العمال المتعاقدين المستقلين.

في عام ٢٠٠٢ تبرعت ووماك بمبلغ مليونَي دولار لجامعة كنساس لإقامة ملعب كرة بيسبول للنساء. سُمِّي ملعب أروتشا على اسم والدها، ديموستن أروتشا. وتقول ووماك: «هذا الملعب سيزيد من مستوى الثقة في الرياضيات اللاتي يستخدمنه لأنه سيرفع مستوى المنافسة ويوضح إلى أي مدًى يؤمن الآخرون بقدرات المرأة.»

وتقول ووماك إن هدفها هو أن تُلهِم السيدات الشابات حول العالم. ولتحقيق هذا الهدف فقد اشترت مؤسسة سيدات الأعمال الرائدات حول العالم، التي تتولى رئاستها الآن، وهي مجموعة دولية تُكرِّم سنويًّا عددًا من سيدات الأعمال الأكثر ثراءً حول العالم.

تُمثِّل ووماك الشجاعة المطلوبة للنجاح في اثنتين من الصناعات التي يسيطر عليها الرجال، التأمين والنقل بالشاحنات، وعلى الرغم من أن أسلوبها قد وُصف بالصعب، فقد أُثني على رعايتها واهتمامها بالإدارة التي اشتملت رعاية أبناء العاملين وتقديم الوجبات المطهوَّة للعاملين، وأغلبهم من النساء. إن حياة ووماك، في كلٍّ من مشروعاتها والأعمال الخيرية، تُظهر جرأتها في تجربة مساعٍ جديدة وفي جهودها لترسيخ الشجاعة لدى الأخريات كذلك.

(٥) معلومات سريعة

المعايير الستة الأساسية والثلاثة الإضافية تمنحنا لمحةً سريعةً عن عطاء المرأة، ويمكن استخدامها في الخطب وورش العمل والحلقات النقاشية والمقالات الإخبارية. كل معيارٍ منها على حِدَةٍ يصف العناصر الأساسية لعطاء المرأة، وكمجموعةٍ تُمثِّل أداةً قيِّمةً لنشر الاهتمام بعمل المرأة الخيري. يمكن الاستفادة من هذه المعايير التسعة باتخاذ الإجراءات التالية:
  • تطوير برامج جديدة وإعادة ابتكار البرامج الموجودة من خلال استخدام القدرات الإبداعية وتنظيم المشروعات عند المرأة.

  • الاستفادة من مواهب المرأة.

  • إقامة المشروعات التي تخدم السيدات والفتيات.

  • توفير الوسائل داخل مؤسستك للمساعدة في حل القضايا المجتمعية. كُن سباقًا في برامجك.

  • أن تطلب من المرأة المشاركة والالتزام برسالة المؤسسة قبل أن تطلب منها التبرع.

  • توفير وسائل لتواصل السيدات بعضهن مع بعض.

  • توفير وسائل لجذب سيدات الأعمال والمؤسِّسات نحو قضيتك.

  • دعوة سيدات الأعمال والمؤسِّسات إلى مجموعة نقاشية وسؤالهن عن طُرُق تشجيع قريناتهن للتبرع للمؤسسات غير الربحية.

  • أن تطلب من زوجات أعضاء مجلس الإدارة أن يَكُنَّ عضواتٍ بالمجلس.

  • تطوير البرامج التي تساعد السيدات على أن يُصبحنَ قُدوة وموجهاتٍ للشابات.

  • العمل مع المؤسسات والهيئات الأخرى على أساس التعاون لا المنافسة. الارتقاء معًا.

  • إشراك السيدات الناجحات في مجتمعك أو مؤسستك لتكريمهن والاحتفال بهن.

  • المرأة التي تملك المال لا تتحكم فيه بالضرورة؛ وهي في حاجةٍ إلى أن تلتقيَ بالسيدات الأخريات للنقاش حول المال والعمل الخيري وحياتها. وهذا الشكل هو جزء من تثقيف المتبرعات ويمكن توفيره من خلال المؤسسة غير الربحية (انظر الفصل التاسع).

  • أن تطلب من سيدة أعمالٍ أو مديرة شركةٍ أن تتولَّى منصب المدير التنفيذي أو مسئول التنمية لمدة يومٍ واحد؛ فقد طُلب من إمبراطورة التجميل بوبي براون أن تتولَّى منصب مديرة مدرسةٍ ابتدائيةٍ في مقاطعة ذا برونكس، فوافقت معتقدةً أنها مجرد تجرِبة لا أكثر، لكنها أصبحت مهتمةً منذ ذلك الحين. وعن هذا تقول: «لقد وقعتُ في حب المدرسة.»30
  • تشجيع المرأة على أن تكون رائدةً من رائدات العمل الخيري، وعلى أن تستثمر في مؤسستك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤