مقدمة

يكاد الشِّعر أن يكون الظاهرة النفسية الأكثر شيوعًا في المجتمع العراقي؛ إذ تُقام سنويًّا مئات المحافل والأمسيات، ويُكرَّم مئات الشعراء، فالشعر رفيق العراقيين في سرَّائهم وضرَّائهم، يُلقى في كلِّ مناسبة مَهْما يكُن موضوعها، ويتابعه العراقيون بشغف، فينتظرون جديد القصائد، ويتابعون سير حياة الشعراء وتحركاتهم، وصورهم!

لكنَّ الذي شدَّني للبحث أكثر، انتشار الشعر العامي، وشيوعه، وحيازته الكاملة على اهتمام المجتمع؛ إذ وصلَ شغف الناس به إلى تبادُل قصائده داخل الحمامات! وهذا ما تكرَّر أمامي كثيرًا خلال دراستي الجامعية، يُقابله انحسار تأثير الفصيح وانسحابه، فأحببتُ البحث في أسباب ذلك، وإجراء مقارنة تضع حدودًا فاصلة بين شعر الفصحى وشعر العامية، فبدأت بالتمهيد الذي تضمَّن النظريات المفسرة للإبداع في الشعر وتذوُّقه، ثم تناولت مفهوم ازدواجية اللغة والفرق بين مفهومَي «الازدواجية» و«الثنائية»، والتعريف، بالأهميَّتَين النفسية والاجتماعية للغة. وبعد إجراء استطلاع رأي شمل عددًا من الشعراء، ناقشت الأسباب الكامنة وراء انتشار شعر العامية وانحسار الفصيح، وبعدها تطرَّقتُ إلى الظواهر النفسية المنتشرة في كلتا القصيدتَين (الفصحى والعامية)، وفي النهاية كشفت عن نتائج دراستَين، استهدفت الأولى التعرُّف إلى السمات النفسية والعقلية التي يتسم بها جمهور الشعر الفصيح وجمهور الشعر العامي، أما الثانية فقد استهدفت التعرُّف إلى مستوى إعجاب الجمهور بمشاهير الشعراء.

وينبغي الإشارة إلى أن هذا الكتاب لم يتحدَّد بشعر فترة زمنية بعينها، لكنه ركَّز أكثرَ على شعر الفترة المُمتدَّة بين ٢٠٠٥–٢٠١٧م أو القصائد التي كُتبت سابقًا وازدادت شهرة خلال هذه الفترة.

ولأن اللغة وسيلة لا غاية، فإن القارئ سيجد لغة الكِتاب تبتعد عن الغموض، وتقترب من الوضوح كثيرًا، ومن البساطة أحيانًا، كما سيجدني مُبتعِدًا عن الإطناب، مُقترِبًا نحو الإيجاز، كونه ينسجم والعصر الحديث الذي يتسم بالسرعة وضيق الوقت.

الجدير بالذكر أن هذا الكتاب يُمثِّل الدراسة النفسية الأولى في الوطن العربي التي تدرس الشعر كظاهرة نفسية، وتقارن بين شعر الفصحى وشعر العامية من حيث الظواهر والأسباب، وأرجو أن تُسهم في إثراء الإطار النظري لهذا الموضوع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤