١٩٦٢

(١) أبريل

«سواق نص الليل» (خمس حمولات) (رشاد الشلودي وقصة سيارات النقل بالليل).١
«يوم رمادي» عن قصة سمعتُها من حسين غنيم: لا؛ لأنها تشبه تورجنيف.٢
دمامل المدينة. «الصرباتية» الحياة تحت الأرض بالمقارنة بفوق الأرض. الجانب الخفي السلبي السيئ في الإنسان بالمقارنة بالسطح النظيف البراق الإيجابي. الدمامل عيون البكابورت ويمكن تناول دورة السباخ.
نضوج العاطفة الجنسية.
الحدافة أو الرهاية، وصف الآلة التي تعمل بسرعةٍ رهيبة وتصل إلى هدفها في النهاية، وفي أثناء ذلك تقذف بعيدًا بأجسامٍ غريبة أو فضلات أو شظايا. أثناء حركة الآلة القبض على سائق عربة السفير. عملية القبض عليه كصورة الآلة:
  • (١)

    الحياة تجري، الناس تتجمع بسرعة. ماذا حدث. يقبض عليه ثم يتفرق الناس.

  • (٢)

    عسكري الفرقة الأجنبية، الحرب في الجزائر.

  • (٣)

    الضابط الأردني.

  • (٤)
    الجزائري. اليوناني. اليهودي. الزنجي. القبرصي المجنون. جاسوس. الحياة في السجن. تغيُّرات على السائق. الشذوذ. الانتظار.٣
١٥ شخصًا يسمعون أغنية حب. الحب في حياة كل منهم والشذوذ.
القاهرة تنتحر. حريق ٥٢. المدينة التي ثارت فانقلبَت على نفسها تُدمِّرها. قصة الحرية في الشارع والناس. المدينة الضخمة العظيمة من كافة الزوايا في فترة مخاضٍ حرجة.
الأقدام الكاذبة (الأميبا).
الرجل والآلات (الضربة).
الجفاف: صوت الأغنية كمياه تتسلل إلى الطين.٤
موظَّف و«روايات الجيب» في سحَّارة. يغلق الباب عليه ويفتحها. حياته كلها (مجدي ن) ويتوه في عالمٍ آخر. منظر الشاويش الذي يهرب من العالم الكئيب إلى رواية يُطالِعها في شغف ويبحث عن الأخرى. والفترات بين كل رواية والثانية مملةٌ كئيبة.
مسعد. ذباب العيش والموسيقى الداخلية.
«ثلاث قصص من شارع مسعود». الرباط هو الجنس والبحث عن الحب. المجنون والخطاب والفتاة. العراقي والمومس ولطفي. شلَّة الطلبة والمكرونة وكبد وكلاوي.٥
ثلاثة أحلام يقظة: الفروسية، المغامرة الجاسوسية (الرصاصة الثانية)، حُلم البطولة السياسية.
الشيء الذي يأكُل صدر الإنسان. الشعور بالاضطهاد. صدقي: (إنه درس. لقد كنت مثاليًّا).٦
مرحلتان في التطوُّر ٥٢–٥٨، ٥٩–٦٢ الأولى مثالية. وتغيَّرت في الثانية أيديولوجية الناس. أولًا القادة. ثانيًا الإنسان الواقعي. ثالثًا مطالب النفس الضرورية نتيجة غريزة المحافظة على النفس. رابعًا كل ما كان خارجنا أو مع الاستعمار وفي أحسن الأحوال وطني قليلًا، أما الآن فيمكن أن يكون ضدَّنا ويقتلنا ولكنه في مصافِّ الشيوعي.٧
المرتد: أربعة أيام من حياته. المنهارون. المعترف (تبرير وشفقة).٨
البطل والجماهير — بليخانوف — عبادة الفرد.
المحكمة. علقة إسكندرية: اﻟ ٤٨. شهدي.
ليل وحنان (الظلمة وراء الباب).
الإرهاب. الرعب. السجن. إذلال آدمية الإنسان. التعذيب. الحرية. ثلاث أشهر: يناير، فبراير، مارس ٥٩ في روز اليوسف.
ليس الإنسان حرًّا مطلق الحرية ومتفردًا مطلق التفرُّد في الكون، ليس بصاحب السلطان الأوحد ولا هو مُطلَق الحرية. إنما تنبع عظمتُه من نضاله في سبيل الانتصار في حرب بالحيلة ضد القوى غير المرئية المسيطرة على مصيره. ليست آلهة ولا قدَرًا وإنما قوًى طبيعية تنبع من وجود الإنسان نفسه ومن العالم المحيط به.
«أن ينام الإنسان بجوار إنسانٍ آخر ليالي طويلة. أن يتوقَّعا معًا الخطر ويعيشا معًا لحظات الرعب والفزع. أن يشعر الإنسان بأنه انتُزع من حياتِه وأنها أصبحَت ذكريات. وأن يجد بجواره إنسانًا آخر يفتح له قلبه ويفتح له أذنَيه. أن تخلو حياة الإنسان من البيوت والمقاهي والشوارع، وأماكن العمل واللهو والأطفال والحدائق والناس وهم يمشون وهم يضحكون، ومن جمال وجه المرأة، وأن يشعر بأن عليه أن يخلُق لنفسه من واقعه الذي يخلو من كل هذه الأشياء حياةً جديدة تعتمد على ذكرياته وعلى الصور التي اختزنَها للأشياء التي رآها والتي عاشها في أيامه الماضية»، «رسالة العام الجديد» لإبراهيم عبد الحليم.٩
«إننا لم نعرف بعضنا بعدُ. فنحن لم نجسُر بعدُ على الجلوس معًا في صمت»، من رواية «كارل وأنا».١٠
يوميات مدرسة. فكرة صديق العمر. كل التوتر والضيق والبحث عن صداقاتٍ عميقة. الرغبة في الفناء في شخصٍ آخر. لحظات الكآبة. فقد الرغبة في كل شيء. الاختناق.
التعذيب: ومنذ ذلك الحين وهو يشعر عندما يكون سائرًا أو داخلًا أو خارجًا … أن شيئًا ما سيلطمه أو يرتطم به. وإذا اقترب منه أحد فجأةً توتَّرت عضلاته وتوقَّع صفعة أو ركلة.
الوحش الذي ينطلق من عقاله بالليل ويزحف فوق عنبر به ٣٠٠ رجل.
الرواية التاريخية. ملك اليهود، من «أنا، كلوديوس» و«أنا، الإله»، في سلسلة ألباتروس.١١
إستر ومذبحة اليهود — «ليالي الدم»١٢ — «جسر على نهر درينة»: قطاع زمني ٥٠٠ سنة به عدة أجيال. يبدو الإنسان على حقيقته بتاريخ وأساطير وفلسفة. النهر هو الموضوع الرئيسي. ربط إيفو أندريتش في قصصه التاريخي بين فهمه العلمي الحديث والحدث التاريخي نفسه. موضوعه الرئيسي هو الطغيان.
القوقعة. حالة طفلٍ أمضى في الرحم ١٥ شهرًا ونصفًا وفي جهاز الحضَّانة الاصطناعي ثلاثة أشهر ونصفًا، هاربر مجازين دايجيست ١٩٦١.
فكرة للرواية الثانية عن «خليل بيه».
ثقب إلى قلب الأرض. جيولوجيا. وتحقيق نفسي. فكرة اللاشعور بعد ذلك.
صيام المخ وموت القلب: إيقاف القلب أحد الاحتياجات التي تُتخذ أثناء جراحته. توقُّف القلب يعني حرمان خلايا المخ من غذائها من الدم وهو يندفع إليها بفعل القلب. وحرمان هذه الخلايا كل هذه المدة معناه أنها بدأَت تتحلل؛ فخلايا المخ هي التي تقبض فعلًا على سر الحياة. أما القلب فليس أكثر من مضخة تدفع الغذاء إلى هذه الخلايا لتحتفظ بحياتها. كتاب «عالم الإنسان البدائي»، بول رايدان.
أربعة أبعاد من الموت (لومومبا) القسم الأول أربعة أبعاد من الصاج. الثاني من الخشب.
الإنسان ليس حرًّا تمامًا. فرصته في الاختيار أمامه تتسع مع التقدُّم وسيطرة الإنسان على قوانين الطبيعة. الإله المعبود (…) المسيطر على الظروف القاهرة التي تتراجع أمام تقدُّم الإنسان الذي يسيطر تدريجيًّا على الطبيعة.
المعبود الأسمر — اكتشاف الإله — رحلة استكشاف المنابع — الحائط العظيم: النوبة والسد ليزل جرينر — «النيل في الأدب المصري» نعمات أحمد فؤاد — مقال محمد عودة «الرجل الذي تكلم عنه كوزمين» (عامل اشترك في كل السدود)، كتاب كوزمين عن طريق السعادة. «النيل»، إميل لودفيج — النيل الأزرق والنيل الأبيض، آلان مورهيد١٣.
تحقيق داخل شخص: في داخل هذا المصوراتي عشتُ تلك التجربة. نور وظلام. حقيقة وكذب. هكذا تتكوَّن الصور. وهكذا أيضًا تتكوَّن الحياة. توازُن مستمر بين الحقيقة والكذب. بين النور والظلام.
أبواب خلف بعضها تُفتح وأدخل منها إلى داخل هذا الشخص.
مغامرات عقلة الصباع.

(٢) يونيو

الشيء الذي يبدو لي أني أبعُد عنه رغم أني أفكِّر فيه باستمرار وأودُّ أن أُحقِّقه باستمرار هو تناول الإنسان من الداخل. مئات المشاعر والعمليات الداخلية الغريبة والمعقدة.
هكسلي في «الأوراق العقيمة»، مس ثريبلو تشعر بالحزن وفي نفس الوقت تفكِّر كَم هي حسَّاسة لأنها تحزن هكذا. أنا حزينة فعلًا ولكني أمثِّل. استدعيتُ الدموع في وقتٍ محدَّد لأجلب شفقة الحبيبة. أشعر أني شخصٌ ذو أخلاقٍ وقيم عندما أتحدَّث عن الخُلق. وفي نفس اللحظة أشعر أني مجدود لأني أبدو هكذا. عندما أُبالغ في الثورة على شيءٍ سيئ رغم أني فعلًا ضدَّه وأستنكره لأؤكِّد موقفي ضده.
ويقول أحد أبطال هذه الرواية عن الحب: «إما أنك تحب المرأة أو لا. إما أنك واقع تحت تأثير خيالك الملتهب (لأن الشخص الذي تُحبه حقيقةً بعنف هو دائمًا اختراعك وأكثر خيالاتك جموحًا) أو تحت تأثير غرائزك وفضولك الذهني، فإذا كنتَ لا تُحب فالأمر لا يعدو تجربةً في ميدان الفسيولوجي، مع بعض أبحاثٍ سيكولوجية مقحمة على الموضوع لتجعله مثيرًا بعض الشيء. ولكنكَ إذا كنتَ تُحب فمعناه أنك تصبح مستعبدًا مشغولًا، تابعًا لشخصٍ آخر بشكلٍ غير لطيف.»
الألوان ومعناها: الأحمر الحب. الأصفر الغَيرة. الأزرق الحزن. الأخضر الوفاء. الأبيض الصفاء. البنفسجي الحنان.
يقول المهرب السوري لمفتش البوليس وهو يحاول إغواءه: سوف أعتني بك. ويردُّ المفتش: كيف يمكنك أن تفعل هذا؟ وفكَّر بدهشة: لم أشعر باستياء. هناك من سيعتني بي. واستولى عليه نوع من السلام المهدهد. اللحظة التي يطحن فيها الإنسان في أزمة. لو هناك من بيده حل معجزة للمشكلة؟ من رواية «جوهر الأمر» للكاتب الإنجليزي جراهام جرين.١٤
«ميلاد كلٍّ منا هو مغامرة مع القدَر. نخرج إلى العالم بكفاءاتٍ وراثية لا تتغير، من أبوَين لم نخترهما. ونعيش في وسطٍ تتكوَّن فيه نفوسنا وتُملى علينا فيه العقائد وطُرز السلوك قبل أن نستطيع أن نغيِّره. ثم تتوالى علينا الحوادث التي تُقرِّر اتجاهاتنا في الحياة. وتقع بنا الكوارث التي نتكيَّف بها وننزل على مقتضياتها. وعلى الرغم من أننا جميعًا نُصاغ في قالب البشرية فإن كلًّا منا فذٌّ في هذه الدنيا، قد كُتبتَ حظوظه وأكثرها قبل أن يُولد، إن خيرًا أو شرًّا؛ ولذلك فإن قصة كلٍّ منا هي قصةٌ فذَّة مفردة تستحق أن تُروى وأن تُقرأ، تربية سلامة موسى.»
إن تكوين الكاتب ليس بالمسألة السهلة. إنه نضالٌ طويل وشاق وقاسٍ وصارم. إنه يتطلَّب إرادة كالحديد. يتطلَّب تدريب هذه الإرادة وتكوينها على مر الأيام. إن العمل اليدوي (ومسئوليته والمسئولية أمام الآخرين) قد لعب دائمًا دورًا هامًّا في تكوين الإرادة والشخصية وصلبها. إن طريق الكاتب مليء بالتضحيات. كل شيءٍ يجب أن يخضع لفنه. لقد خسر بوشكين خمس سنوات من حياته في الجري وراء حبيبته ولعبَت به. لا يجب للكاتب أن يسمح بما يعوق عمله وفنه (ص). إنه قديسٌ وشهيد.
حياة توفيق الحكيم وتكوينه درسٌ رائع. إن سنواتٍ طويلة يجب أن تُنفق في الدراسة والتحصيل والكتابة، والتجربة يجب أن تستمر إلى الأبد.
  • (١)
    دراسة التراث الإسلامي والعربي واليوناني والأوروبي والمعاصر. روح مصر المتمثِّلة في تاريخها وحاضرها وأساطيرها يجب أن تبرز في العمل الفني الحديث. عالمية الكاتب تأتي من تفوُّقه في التعبير عن قوميته.١٥
  • (٢)

    دراسة علمية للأسس الاقتصادية والفلسفية. صقل وتعميق النظرة العلمية للإنسان والمجتمع. ودراسة الفنون الأخرى.

  • (٣)

    العمل الشاق المستمر بلا توقُّف في الكتابة.

  • (٤)
    التجربة الذاتية مهمة. الفنان لا يغلق طريق أي تجربة أمامه. لكن في الإطار العام لخطته. إن التجربة الفردية الذاتية إنسانية وضرورية ولكنها محدودة. لا بد وأن يتسع الفنان للتجربة العامة لمجتمعه وشعبه. لا يمكن تصوُّر مصر تبني وتشغي بالعمل والحياة والحركة والمشاكل ثم تقرأ قصة «الضياع» التي نشرَتها «الجمهورية».
إن فكرة الضياع والعدم بشكلٍ عام لا تتفق والصورة العامة لبلادنا اليوم. لن تكون هذه الفكرة هنا إلا تعبيرًا عن موقفٍ فردي معيَّن. عن تجربةٍ مؤقَّتة. عن إحساسٍ مؤقَّت يجب أن يذوب في الموجة العارمة التي تكتسح البلاد.
  • (١)
    الفن الذي يعيش اليوم في مصر هو فن تسجيل حركة المجتمع الواقعية وروح الشعب.
  • (٢)

    ليس التسجيل فقط ولكن المساهمة أيضًا في استكشاف الطريق في تعبئة المجتمع في اتجاه تقدُّمه، بحثُ مشاكله وإلقاء الضوء عليها.

  • (٣)

    والإنسان الفرد أيضًا وحدة هذا المجتمع. يُصوِّره الفن من الداخل، ويفُك مجاهله وعُقده لا للاستعراض وإنما ليُساعده على أن يسيطر على نفسه في حدود الإمكان ليساعده على أن ينضم إلى المجموع في نشاطه.

وهذا هو دور الفنان في مصر اليوم. لا أن يكتب أي شيء يحلو له لقيمةٍ جمالية بحتة. لا أن يتوه في بحثِ مشاكلَ فكريةٍ وفلسفية فقط، لا أن يعيش أسير تجربته الفردية التي قد تُسلمُه للانعزال والإحساس بالضياع والعدم. لا أن يكتفي بتسجيلِ ما يحدُث في المجتمع تسجيلًا انطباعيًّا حياديًّا سطحيًّا. إن فنان مصر اليوم يجب أن يعمل بنشاط وتفاعل ويغوص في أعماق الشعب وفي أعماق الفرد. يكشف ويغيِّر الطريق ويوجِّه، يقود ويلعب دورًا في الحركة اليومية. مسلحًا بالتكنيك والتجربة الذاتية والوعي والمثابرة والتضحية.١٦
لو أن موت أي إنسانٍ يعيش في الذاكرة إلى الأبد. لو أن الحزن يدوم ولا ينتهي ولا يضيع في زحمة الدنيا والأحداث وتعقُبه الأفراح، ما كانت هناك لذَّة للحياة.
الكاتب مسئول عن كل كلمةٍ يكتبها.
«عندما يتكلَّم الناس أصغِ كلية. معظم الناس لا يُنصِتون»، من نصيحةٍ وجَّهَها هيمنجواي في رسالةٍ إلى أحد الكُتاب الشبان.
«الذين يحملون النور»، في المؤتمر الثاني والعشرين للحزب الشيوعي السوفييتي.١٧
ألكسندر تفاردوفسكي: «إن بطل قصتي الذي أُحبه بكل خلجةٍ من روحي والذي حاولتُ أن أصوِّره في كل جماله، والذي كان وما زال وسيظل أبدًا رائعًا هو الحقيقة.» تولستوي.
… والأمر يختلف عندما يلحظ الكاتب في الحياة شيئًا جديدًا وهامًّا وإن لم يَرِد له ذكرٌ في وثائق الحزب وافتتاحيات البرافدا فيدافع بجرأة وإخلاص معتمدًا على مواقف الحزب وتقديراته بل واستنتاجاته. بهذا يقدِّم للحزب معاونةً حقيقية … الحزب مثله مثل مجتمعنا بأَسْره لا يقتصر ما ينتظره من الأدب على الشهادات التطبيقية المباشرة للحياة الاقتصادية وللعمل في بلادنا. إن ما ينتظره ويتطلَّبه أوسع بكثير ويتعلَّق بحياة الشعب الثقافية بالمباهج والآلام والهموم والرغبات التي لا تختص بالعمل فحسب، ولكن تفيض أيضًا بالحياة الجارية. وفي العلاقات العائلية والحب. وبالاختصار في كل التعقيد الذي تتصف به الحياة كما هي.
من الممكن أن يعيش المرء في القرية ولكن يحيا حياةً مكتبية (بضعة أشهر من كل عام في مكانٍ محدد عدة سنوات والاختلاط بأهله يكفي).
إن كل شيء يتوقَّف على حب الصنعة والتعلُّق بالموضوع الذي يصبح بشكلٍ ما قضية حياة أو موت للمؤلِّف.
هذه هي النظرة التي يرى بها بعضهم مواضيع الواقع الراهن فتؤدي بهم مطاردة التاريخ إلى إضعاف ما يتطلَّبه التأمُّل الفكري والفني ومستوى الأعمال. وتظهر في سوق الكتب أعمالٌ اصطُنعَت على عجل لا تهز فينا شعرة. إن الكُتاب الذين يُسرعون إلى الاستجابة لمتطلَّبات اليوم ويطلُعون علينا بمواضيع عن الواقع الراهن يستحقون لقب «القشَّاطين». لا ينال منهم شق قناة الفولجا مثلًا إلا دراستَين أو ثلاثًا في الوقت المناسب، وهي دراساتٌ سطحية مكتوبة على عجل. لقد عكس الأحداث وكفى. ولكن هذا الموضوع قد كلَّف فلاديميير فومنكو عشر سنواتٍ من العمل الدائب. ولا أستطيع أن أكتُم مخاوفي كلما رأيتُ الكُتاب المتعجلين يبذرون الأحداث والوقائع دون أن تنضج في قلوبهم ودون أن يستشعروا الحاجة إلى أن يمسُّوا قلب القُراء. كلما كان الفنان موهوبًا وجادًّا كُلَّما قلَّت ثقته بنفسه ويتغلَّب على تردُّده الأليم وشكوكه فيتوجَّه إلى القارئ لأنه يشعر بضرورة في داخله تدعوه للتعبير لأنه لا يستطيع أن يكتُم ما بنفسه … عندئذٍ يظهر الكتاب الذي يهزُّني أنا القارئ في صميم قلبي. كتاب ينفذ إلى أعماقي الروحية … كتابٌ لا يبرح أن يكون جزءًا من نفسي ويجعلني أكثر إدراكًا وخيرًا وأقوى وأسعد مما كنتُ.
إذا لم ينفعل الفنان هو نفسه ولم تتملَّكه الأفكار وصور الحياة التي يملأ بها عمله فلا معجزة هناك يمكن وقوعها.
أفسحوا المكان للضحك.
شولوخوف: «ليس هناك من روابطَ أقدس من تلك التي تُوجد بين رفاق ورفاق. الأب يُحب ابنه والأم تُحب ابنها والولد يُحب والدَيه، ولكن ما لنا ولهذا يا إخوتي. إنَّ البهيمة أيضًا تُحب صغيرها. ولكن الإنسان هو وحده القادر على أن يتقارب بالروح لا بالدم.» جوجول على لسان تاراس بولبا.
يجب ألا تقل معلومات الكاتب الذي يتكلم عن المزرعة الجماعية عن معلومات المهندس الزراعي المحلي (عارض تفاردوفسكي هذا بأن الفنان يقدِّم شيئًا آخر).

… وهذا ما سيحدث في الأدب … ستبقى البذور، أما النفايات فستذهب.

من الصعب أن يقدِّم ما لا يعرف الحياة النصيحة لغيره.
تُنسب لتشيكوف هذه الكلمات حول فن الكتابة: «عندما تجلس للكتابة كن باردًا كالثلج»، لا … لا … أريد أن يغلي دم الكاتب عندما يكتُب ويُمتقَع وجهه من الحقد ويضحك ويبكي.
أنا شيوعي أولًا ثم كاتبٌ بعد ذلك.

(٣) نوفمبر

كان الواحد من أبناء الطبقة الوسطى الذي قد لا يُوجَد فيها، يكتب ويفكِّر وهمُّه وأملُه في الحياة أن يعيش في المدينة وأن يصل إلى مكانٍ فيها، فإذا ما صار في المدينة تقطَّعَت صلته بالريف ونسي معرفتَه به وتطلَّع من جديد إلى أوروبا التي كانت بمثابة تطلُّعٍ طبقي يؤكِّد مكاسبهم الفردية ويهَب لهم قدْرًا معقولًا من الراحة المادية ومن القدرة على التشبُّث بالحدود الضيقة للاستقلال والحرية والتمتُّع بما في آفاق الفردية ومراقبة الذات من متعٍ جزئية خاصة. بدر الديب في «أخبار اليوم».
فن الفيلم: لندرجتن.
«ولكن مهمة القصصي هي أن يكشف عن الحياة الكامنة في أعماق الشخصيات، وأن يذكُر لنا عن الملكة فكتوريا أكثر مما يمكن معرفته تاريخيًّا، وهو بهذا يعرض لنا شخصيةً جديدة ليست هي الملكة فكتوريا التي ورَد ذكرها في التاريخ»، آ. م. فوستر في كتاب «عناصر الرواية».
«هناك خيطٌ ذهني يربط القصص الأربع ويتمثَّل في فتاةٍ ملائكية شقراء الشعر تُمسِك بيدها مهد الإنسانية وتهزُّه إلى الأبد»، عنوانٌ سينمائي لفيلم «التعصب» ١٩٦٦، إخراج و. جريفيث. أربع قصصٍ سقوط بابل القديمة، قصة صلب المسيح، مذابح بارثلوميو، قصة حديثة. القصص متداخلة.
«لقد حاول النقاد أن يُصوِّروا موقفي على أنه فقدان للاهتمام بمضمون اللقطات، فخلَطوا بذلك بين البحث عن أحد أوجه المشكلة وبين موقف الباحث من الواقعية في العرض.» أيزنشتاين، في إشارة إلى الحملة السوفييتية على الشكلية في الفن خلال الأعوام الأولى من العقد الثالث.
«المادة الحقيقية للفيلم هي المنولوج»، أيزنشتاين.
«إذا نحن قارنَّا بين التجارب الصغيرة والتجارب الكبيرة نجد أن عقل الشاعر يمر بمثل هذه التجربة أيضًا، ولكنها تكتسب في حالته عمقًا خاصًّا. وفي حالة الشاعر كولردج كان من الواضح أن هذه التجارب تتابع باستمرار؛ فقد كانت تترسَّب دائمًا في أعماق ذهنه الفِقراتُ الحيوية من قراءاته. وحينما تستقر هناك بعيدًا عن مجال نشاط العقل الواعي تبدأ هذه الفقرات في إثارة انفعالاتٍ عنيفة وغامضة. ورغم أن هذه الفِقرات تصل إلى العقل الواعي متفرقة ومتباعدة فإنها عندما تستقر في أعماق الشعور تلتقي معًا وتقوم بينها صلاتٌ وثيقة. ورغم أننا كثيرًا ما نُغفِل من حسابنا كل شيء عدا العقل الواعي فإن هذه التجربة التي أشرنا إليها صادقة في جوهرها؛ فالحقائق التي ترسب على فتراتٍ بعيدًا عن الذاكرة الواعية تتقارب في أعماق الذهن وكأنما يحدُث بينها امتزاجٌ كيماوي مثلما يحدث بين العناصر المتشابهة، «دراسة في أساليب الخيال»، ١٩٢٧، جون ليفنجستون لويس الأمريكي (هل يمكن التعبير عن هذه العملية بشكلٍ روائي؟)»
«إن الغليان الفوضوي والبحث المحموم كلاهما أمرٌ حتمي. إن الثورة تُحرِّر كل القوى التي كانت مقهورةً بالأمس وتدفعُها من الأعماق إلى سطح الحياة. ومن الواضح أن الحياة الإبداعية تقتضي التبذير في الطبيعة كما في المجتمع. ومن الضروري ضرورةً مطلقة ضمانُ أكبر حرية للمبادرات والميول الفردية، وكذلك ضمان أكبر حرية للفكر والخيال»، لينين.
مئات المواضيع والأفكار. مشاكل حيوية. لا بد من تحديد موقف كل لحظة وكل دقيقة. لا بد من لعب دور والتعبير. عندما تنشغل في رواية طول العام كيف يمكن مواجهة هذه الأشياء العابرة؟ هل هي سطحية وستموت؟ خذ مثلًا اللحظة التي كان العالم فيها على حافة الحرب بسبب كوبا. ثم أنقذ السلام. هل يمكن التعبير بمثل ما عبَّر بيكاسو عن الحرب بالقط الأسود المشوَّه؟ كي نتجنَّب التعبير السطحي الساذج؟
حادث سويلم الصابون والسجائر ثم حادث القصير. كيف نأتي إلى الشخص من الناحية الطيبة. وكيف يمكن بكلمة أو اثنتَين ومجهودٍ بسيط تخفيف أحزان الناس. الإنسان مهما كان معقَّدًا وسيئًا له جانبه الطيب. جوركي: «الناس طيبون إذا اعتبرتَهم كذلك، وسيئون أيضًا إذا اعتبرتَهم كذلك.» سأحاول تجربة ف. حبشي.١٨
الاهتمام الحقيقي بالناس غير موجود. كلٌّ يبحث عن نفسه. أنانية. أين روح التضحية والإيثار؟ مشاكل نفسية. سرقة. طبيعة الظروف. عدم الاعتقاد لفترةٍ طويلة بإمكانية الإقامة الطويلة. النظر للناس كنِمَر وآلات. ليسوا مهمين في حد ذاتهم وإنما تنبع أهميتهم من كونهم مجموعة. ولو ذهبوا لا يهم لأنه سيأتي غيرهم! (الألم العظيم يعقبه خلقٌ عظيم) فكرة الستالينيين. «رفضنا أن نضحي بالجيل الحاضر لحساب الجيل القادم»، عبد الناصر، مطلوب نظرةٌ إنسانية أكثر. البناء بالناس الموجودين فعلًا. ليس الانتظار حتى تُبنى المصانع والوفرة ثم يتم إسعاد الناس. يمكن إسعادهم إلى حدٍّ ما في ظل الظروف المتخلِّفة من خلال بحث مشاكلهم. بحث تركيب الفرد ومشاكله النفسية وعلاجها. رفض ما قاله إبراهيم: «إن دورنا ليس الجري وراء العمليات الدقيقة العصبية والنفسية للإنسان الفرد. هذا يمكن عمله بعد مائة سنة. أما الآن فهناك بناء البلاد ومعاركها القومية والطبقية!»
– لماذا يتعارض الأمران؟ لماذا لا يسيران سويًّا؟١٩
هل تمثل رواية «خليل بيه» بعد قصة «قرص أحمر في الأفق» الأرض الوحيدة التي يمكن أن أقف عليها فترةً في رحلة الشك والبحث؟
الحقيقة: طاهر في طريق الموت. تليُّف في القفص الأوسط من الرئة اليسرى. رشح على اليمنى. أعراضٌ غريبة. هل هو إهمال؟ محاكمة.
ط: هل أهمل: طباعٌ معيَّنة. إحساس بموقف الناس. هل يهرب (يوم المزرعة وعادة الجري). أسوأ اجتماعٍ في حياتي. دفاع عن نفسه، عرض الحقائق من وجهة نظره. لم يكن هذا في الإمكان.
ع: أتهم. لا أدلة. إنسانٌ مريض. كل ش فيه تآمر. فسدَت نظرته للناس والحياة. نظرته ذاتية. تصوُّره للأمور على أساس إمكان حدوث مسائل كهذه. خوفه هو شخصيًّا. هناك مثال الستالينيين.
R : جاء خصوصًا. الكلب المخلص. لا يريد أن يفكِّر: رأيه أن هناك أساسًا يجمع الناس وهو الثقة. الصدام. (لماذا لم يقف الناس معه ضد ع بصراحة؟)
نابليون: الباحث عن الأجواء. ماذا وراء هذا كله؟
العمدة: كان مع ط. ماذا قال له ش من قبل تصوُّره للأمور.
القعنقور: علاقته ﺑ و… محاولته أن يكون موضوعيًّا. جواه.
ص: حَيرة. أين الصح وأين الخطأ. كل شيء يمكن أن يفسر بأي شكل. إنه على الأقل موقفٌ عام من الناس هو الإهمال.
س: الطيب. قام بجمع معلومات (الإهانة في ذلك).
D : الكل ضده. هل هم على حق، هل يريد أحد استغلال الموقف. ش في الركن سيشمت. هل ينتهي دوره؟ ع. ح. الأمل الأخير. يتحطم. مناقشته.
ع. ح يسأل: الآن عندما يُلِحُّ أحدٌ مدةً معيَّنة سيُوضَع موضع الشك. ج. نعم. إذن كان هذا مفروضًا من قِبل ج. الأمر يختلف. كيف أن س ذهب يسأل طبيبًا غريبًا. كيف يستمر مع هؤلاء الناس وبالذات ع الذي يتهم. كيف يتركهم وماذا سيقول الآخرون. هل هي غلطته أنه كان يُقلِّل من شأن شكاوى المرضى؟ إنه يريد أن يستفيد من الوقت لينمي نفسه في مواجهة آخرين يفعلون ذلك بالدراسة. والمحافظة على صحته بالرياضة. هل هو يكره هذه المهنة؟ لا مكان في برنامجه اليومي للناس ومشاكلهم. الزيف والمجاملة عندما يسأل أحدًا عن شأنٍ خاص به. المغامرة والتقدير في الطب.
ش: لا شك أنه إهمال. التناقُضات بينه وبين ط. موقف فؤاد بعد ذلك من.
القعنقور: المريض نفسه يبكي ويشتم ثم يقرِّر النضال. الفكرة الأساسية إنقاذه.٢٠

(٤) ديسمبر

اللاشعور وكيف يحرِّك التصرُّفات دون وعي (راجع دراسة في أساليب الخيال)، أشياء قديمة ومركبات تُوجد في الأعماق ولا يدركها المرء ولا تدور بذهنه ولا يسترجعها ولا يفكِّر فيها ولكنه يتصرف بوحيٍ منها. تداعي المعاني لا يقدِّم هذا الجانب؟ هل يمكن تقديمه بصورةٍ أخرى؟ «ثلوج كليمنجارو» كنموذجٍ قريب من حيث الشكل؟ لا بد من قراءة يوليسيز. الاقتراب من مستودعات الإدراك المختزنة يعقبه انتعاش أو هبوط.
الصورة والتناقض ثم النتيجة. بودفكين. هل يمكن استخدام هذا التكنيك؟
البحث عن تكنيكٍ جديد تتمثل فيه طبيعة مصر وروحها وتاريخها.
بحث في الأعماق أو كطفلٍ يتحسس طريقه في متحف.
الحب بين أخوَين. العالم من خلال طفل؟
المدرسة التعبيرية الألمانية في باليه ماندارين الأسطوري: الشاب يوشك على الموت. مصاب بجراح. عندما يحقِّق شهوته الجنسية تنبثق الدماء من الجراح ويموت.
«الماضي الحقيقي هامشي (…) يُوجد على هامش التجربة. يعكس نفسه من خلال الأشخاص الذين رأيناهم فتراتٍ وجيزةً من الزمن فحسب، بين الحين والآخر، أو حتى مرةً واحدة في حياتنا، في أماكن وأحياءٍ لم نضع أقدامنا فيها أبدًا مرة ثانية»، «الشياطين»، فون دودرر، الرواية النمساوية في ثلاثين سنة، الأوبزرفر.
الفم كالسجن يحتوي داخله عندما يُغلَق كائناتٍ حية.
قصة من قسمَين؛ قسم ناس تدخل وتتصرف وتخرج تصرفات غريبة، التلقائية والعفوية والعبث. والقسم الثاني نفس الناس في حركةٍ منطقية أو في تفسير لتصرفاتهم والقوانين التي تحكَّمَت في كل ما بدا منهم أو يبدو منهم عفويًّا وعابثًا ومصادفة.
هناك قانون يتحكَّم في كل شيء ولكننا لا نعرفه. مرةً أخرى موضوع الظروف القاهرة والقوى الخارجية عن الإنسان. قانون الاحتمالات؟
المسرح الملحمي عند بريخت. فكرة العمل.
ما أقلَّ ما أعرف!
الجنازة.٢١

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤