١٩٦٣

(١) يناير

«لا شيء أجمل من جسد امرأة»، بيير لويس أمام تمثال أفروديت.
نحن الذين نصنع أقدارَنا بأنفسنا. القدَر هو إرادتنا غير الواعية. حادث أو علم أو نبوءة نصدِّقها وتستقر في أعماقنا وتعمل على دفعنا في طريق تحقيقها.
«نحن نعيش داخل آمالنا. فإذا اندكَّت فنحن كالنمل الشارد في الشتاء العاصف.» توفيق الحكيم في «زهرة العمر».
الإنسان الحي حقًّا هو ذلك الكائن الذي تيقَّظَت فيه كل حاسة وملكةٍ مادية أو روحية. وتكوَّنَت وتهذَّبَت بكل حاسةٍ أدَّبها السمع والذوق والشم والبصر والعقل، المرجع السابق + ماركس.
«ماذا هناك في هذه الدنيا؟ أنا فقط … ولكن من أنا؟ كل ما أعرفه عن نفسي أنني أتعذَّب. لماذا؟ لأن في داخلي تمزُّقًا. لأنني منقسم على نفسي …» (مسرح العبث، أنيس منصور).
«إن الإنسان يقف وحده. لا أحد يدري به ولا أحد يهتم به، ولا أحد يعنيه ولا هو يعني أحدًا من الناس. الإنسان وحده يُولَد، وحده يقف، وحده يتسوَّل، ووحده يموت.» رواية «البنج بونج»، للأرمني أرتور أداموف (وُلِد ١٩٠٨). قالت إلزا تريوليه عن أحدث رواياته إنه أدب الواقعية الاشتراكية وهي عن كومونة باريس.١
ليس العُرْي معيبًا في الفن سواء أكان في التصوير أم في الأدب، أم على المسرح، إلا إذا أراد الفنان أن يكون كذلك، «س. أبرازوف».

(٢) فبراير

لا يمكن القول مع السيرياليين: يسقط العالم! ولم يعُد باب الموضوع مغلقًا أمام الفنان. لا يمكن أن نردِّد «لم يعُد هناك ما يمكن الكتابة عنه.» إن ظروف بلادنا لا تسمح بذلك. إن مئات الموضوعات تنتظر. ومئات الآفاق تنفسح كل يوم. إن تنظيم السينما سيسمح بالارتقاء بها واستيعاب الإنتاج الروائي الجيد. لكن هذا لا يلغي المأساة. ستظل المأساة قائمة؛ الإنسان يحقِّق انتصارات ويقترب دائمًا من مصيره … ولكن ما زالت هناك مأساة الموت ومأساتي أنا الفرد العابر.
لم لا نُعبِّر عن هذه الفكرة في رواية «النيل»؟٢
لماذا لا أكتب قصة كتابة رواية «الرجل والصبي والعنكبوت» بل وقصة اتجاهي إلى القصة؛ لو كُتبَت بصدق ودقة وعمق تكون وثيقةً سيكولوجيةً ممتازة.
(…) جانبٌ سلبي خطير. إننا سنمر بتجربة الستالينية. إن الجيل الجديد لا يستطيع الاشتغال بالسياسة بمعنى الاختلاف في الأفكار. إنه جيلٌ يوشك أن يكون جبانًا. إن تاريخ النضال الثوري قبل الثورة قد أُلقي عليه ستارٌ كثيف (…) جهاز الحكم أناسٌ مخلصون لكنهم تعلَّموا الخوف. كيف تحوَّل عمالٌ ثوريون إلى أن يكرهوا بلادهم ويفرحوا لكل ما يصيبها … كيف دُمِّرَت نفسية الكثيرين بفعل الرعب. إذلال الإنسان. ثلاثة أشهر الرعب: يناير–مارس ١٩٥٩.٣
انطباعات كتاب مصطفى سويف:٤

– الفرض: الصراع الذي تتعرض له الشخصية بين أهدافها الخاصة والهدف المشترك للجماعة، يمكن أن يكون منشأ العبقرية كما أنه يمكن أن يكون منشأ الجنون أو منشأ أية ظاهرة تدُل على سوء التكيُّف؛ لأنه يدفع إلى الحركة من أجل تحقيق النحن أو التكامل الاجتماعي. والإطار يُعيِّن الطريق لهذه الاستعادة.

– «الضغط على الفكر» (أو الجانب السلبي في الالتزام الشديد). قال فرويد عما أسماه بعنصر «الإبعاد لرقابة الفكر»، إن بعض الأشخاص يعانون من أنهم لا يستطيعون الانطلاق بسهولة مع الخواطر التي تبزغ عندهم في حرية، ولا يستطيعون أن يُغفِلوا النقد الذي ينصب عليهم؛ ذلك أن الخواطر المرغوب فيها (وخواطر الفنان من هذا النوع، لأنها أولًا وقبل كل شيءٍ مدفوعة بالدافع الشبقي) تخلق نوعًا من المقاومة العنيفة التي تُحاول أن تمنعها من الظهور في ضوء الشعور. إن الشرط الجوهري للإبداع الشعري عند «شيلر» يتضمن اتجاهًا شديد الشبه بهذا الرأي الفرويدي؛ فقد كتب في إحدى خطاباته إلى «كايزر» مجيبًا على صديقٍ يشكو من ضعفٍ في القوى الإبداعية، فقال: «إن علة شكواك فيما أرى تتمثل في ذلك الضغط الذي يفرضه فكرك على خيالك. ومن الجليِّ أنه من العبث الذي ليس وراءه طائلٌ أن يختبر الفكر بدقة كل الأفكار التي تزدحم على الأبواب. ونحن إذا نظرنا إلى أية فكرةٍ منعزلة … فقد نجدها تافهةً غير أنها ربما حصلَت على بعض الأهمية من فكرةٍ أخرى تليها، فهذه تُفيد كحلقة اتصال غاية في الأهمية عندما تلتئم بمجموعة من الأفكار التي كانت تبدو هي الأخرى مماثلة في السخف. والفكر لا يستطيع أن يحكُم على هذه الأفكار جميعًا إلا إذا جمع بينها … والرأي عندي أن الفكر يُبعِد حُراسه عن الأبواب في حالة الذهن المبدع، وأن الخواطر تندفع كالموج، وعندئذٍ فقط ينظر الفكر ويتفقَّد الجموع»، من كتاب «تفسير الأحلام» لفرويد.
اللغة: وفي الحق أننا نستطيع أن نعتبر استخدام الشاعر للغة مظهرًا لوظيفتها الأصلية بتمامها؛ فهي أداةٌ متكاملة البناء، نظامٌ متكامل هو النحن، والشاعر إذ يستخدمها هكذا متكاملة، وربما كان من أهم مظاهر هذا التكامل لديه تطابُق اللفظ والمعنى، ويُضرب المثل في هذا الصدد دائمًا ببيت امرئ القيس: «مِكَرٍّ مِفَرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معًا، كجلمود صخرٍ حطَّه السيل من علِ». ومن الأمثلة الواضحة عليها في الشعر العربي الحديث قصيدتا ميخائيل نعيمة «الرياح» و«أخي».
– وتعيب «أديث سيتول» على بعض الشعراء المحدَثين ضعف شعورهم بالنسيج اللغوي: «ليس الأمر مقصورًا على أن نسيج البيت الشعري أو نسيج القصيدة لا يدُل على شيء في نظرهم بل إن شكل اللفظ ووزنه … قد أصبح كلٌّ منهما منسيًّا … فهؤلاء الكُتاب لا يرون للكلمات ظلًّا تُضفيه ولا شعاعًا تشعه، وليست تتفاوت في طولها وعمقها، ولا يعرفون أن الكلمة قد تتلألأ كما يتلألأ النجم المنعكس على صفحة الماء، وأن اللفظ قد يكون مستديرًا ناعم الملمس كأنه تفاحة»، ص ٢٩٥ من «الأسس النفسية».
– كتاب مكسيم جوركي «الأدب والحياة، مختارات من كتاباته».
النتيجة النهائية لبحث سويف: الشاعر العبقري هو:
  • (١)

    شخصٌ تنتظم علاقته بمجاله الاجتماعي بحيث يبرز لديه الشعور بالحاجة إلى النحن.

  • (٢)

    يكون ذلك ناتجًا عن عدة أسباب في المجال (أي البيئة والشخصية)، ولا شك أن من بين هذه الأسباب الاستعداد الفطري، ويتمثَّل في درجة مطاوعة المادة النفسية التي تظهر في ازدياد نسبة التهويم في الإدراك، وربما شدة الارتباط بين الجهاز الحسي والجهاز الحركي.

  • (٣)

    والارتباط الوثيق بين الجهاز الحسي والجهاز الحركي، وخاصة في منطقة التعبير اللغوي … هو الأساس الفطري لاكتساب الإطار الشعري، الذي يتحدد مضمونه تبعًا للبيئة الاجتماعية للشاعر.

  • (٤)

    وحركة الشاعر كلها هي حركة لإعادة تنظيم النحن، يمضي فيها بخطوات ينظمها إطاره الشعري.

رأي كودويل٥ في الفن والمجتمع من كتابه «الوهم والواقع»، ١٩٤٦: «الفن يعكس أنواع التكيُّف الغريزي للناس ولبعضهم مع بعض ومع الطبيعة، من حيث إن هذا التكيُّف يسلُك سبيل الإيقاع فيُوجد لدى الجماعة اشتراكًا قطيعيًّا خاصًّا يمكن أن نُطلِق عليه اسم الاشتراك «الغريزي» تمييزًا له عن الاشتراك الشعوري الذي نمارسه في حياتنا اليومية تبعًا لتقارب أهدافنا وإلخ … وعلى هذا الأساس يمكن أن يُقال إن الشعر بما له من إيقاع يتيح للفرد أن يمضي إلى أعماق نفسه حيث المشاركة القطيعية الوجدانية، ومن ثم فكلما حسب الشاعر من أتباع «الفن للفن» أنه يبعُد عن المجتمع لينكمش في نفسه، كان في الواقع يمضي نحو الاتحاد بالمجتمع أكثر وأكثر … ولا تُحطَّم هذه القاعدة إلا في حالة واحدة، عندما يثور الشاعر على كل العلاقات الاجتماعية ويتجه نحو الفوضوية في الفن، فيقرض الشعر الحر ويتخلَّص من الإيقاع تمامًا، وحتى هنا لا يمكن أن يتحقَّق للشاعر ما يريد بالتمام؛ لأن المضمون الشعوري للغة أو الجانب الرمزي منها هو الآخر اجتماعي في أساسه، فعلى مثل هذا الشاعر أن ينصرف عن كل ما له دلالة حتى يتم له ما يريد، والظاهر أن هذا الاتجاه هو المسيطر على أصحاب النزعة الأوتوماتية في الفن.»
دراسة تطبيقية:
  • (١)

    في الطفولة أحداثٌ غريبة وعواطفُ حادة.

  • (٢)

    تأكيد على التميُّز والاختصاص بالرعاية الإلهية.

  • (٣)

    في سن ١٢ حساسية بالنسبة للأوضاع الاجتماعية مطبَّقة في العائلة + إحساس بالغربة بالنسبة للعائلة والتدخُّل.

  • (٤)
    اتجاه للكتابة منذ سن ١١ وأثَر «روايات الجيب» وشحنة كتب حرب فلسطين، أماني فريد، كتابات عن الإصلاح. ترجمة، تأليف. مع أن تطوُّر الدراسة لم يكن ينبئ بذلك (تلميذ عادي. ضعيف في الإنشاء. إحساس بالتميز على أساس صغر السن).
– لا أحد يريده. شعوره بأنه متطفل … لا يريد أن يفرض نفسه، يتشكَّك في مشاعر الناس ناحيته. يريد مشاعر حقيقية، وكل شيء يبدو زائفًا لأنه ما الذي يدفعهم إلى الاهتمام به … حادث ٦١ إنما تجسيد للرغبة في العثور على شخصٍ يهتم اهتمامًا حقيقيًّا وأكيدًا وصادقًا … في السياسة لا يريد أن يفرض نفسه على أناس لا يريدونه (إنهم لا يريدون إشراكي في هذا الأمر فهم وشأنهم إذن؛ وليس: سأشترك رغم أنفهم أو أضغط عليهم أو أطلب منهم). ومن هنا يبدو موضوع البار٦ معقدًا: ليس فقط تغيير الإطار والشعور بالأهمية والانهيار وإنما أيضًا حساسيةٌ خاصة مبعثها ظروف الطفولة، كما ينطبق هذا أيضًا في موضوع الاتجاهات الفنية من بدايتها والحساسية بالنسبة لها.
عندما أقوم بجولة وألتقي بالعشرات أُحس كم الإنسان مسكين! كم هو ضعيف وبائس! وأردِّد قول إليوت بشكلٍ مختلف: نحن المساكين، فلنتساند!
هل لا بد للتجربة التي يعبِّر عنها الفنان أن تكون ذاتية تمامًا، أو يمكنه أن يعبِّر عن تجربةٍ عامة («الحائط العظيم»٧ مثلًا) وينجح فيها أيضًا؟ إن النجاح والتمرُّس في التعبير عن التجارب الذاتية، يمكِّن من النجاح في تناول تجارب الآخرين … كما تقوم التجربة الذاتية بتوسيع دائرة نظر الفنان لتجارب الآخرين.
موقف الفنان من الأحداث اليومية: لا شك أن التجربة تحتاج إلى بعض الزمن لتُختزن وتُهضم وتُقيَّم ثم يتم التعبير عنها، ولكن هذا لا يمنع أن ينجح التعبير السريع عن إحدى التجارب ما دام هناك خبرة، وما دامت استُوعبَت وهُضمَت وقُيِّمَت. كما أنه يمكن التجاوز أحيانًا عن بعض المعايير الفنية — أحيانًا فقط — من أجل القيام بدورٍ إيجابي (اليمن مثلًا). هذا رأي فتحي خليل. وأنا أنظر للموضوع من زاويةٍ أخرى. إني أعتقد أن الأمر يتوقف على الفنان نفسه انفعل أو لم ينفعل؛ ففي الحالة الأولى سيُنتِج بشكلٍ ممتاز وفي الثانية لن يحدث هذا ولو تشقلَب أو اختفى خلف يافطة «فن المعركة» وسيكون كاذبًا. الأساس هو الموقف الصادق لا المفروض أو المدفوع باعتباراتٍ معيَّنة. ما قيمة أي دافعٍ سياسي أو اعتبارٍ اجتماعي لا أُحس به فعلًا وأندفع بوحي انفعالي على ضوئه؟ عدا ذلك سأكون نصَّابًا. راجع تفاردوفسكي في المؤتمر.
كل شيء يجب الكتابة عنه ويمكن ذلك.
الحياة هنا والناس وتاريخهم لا بد من الكتابة عنه. لماذا لا نختار لحظةً معينة في حياة خمسين واحدًا مثلًا ويقدَّموا بخيرهم وشرهم؟ هذا عملٌ ضخم يحتاج إلى تقييمٍ سليم وموضوعي.
«الأهرام» في ١٣ فبراير ٦٣ تياراتٌ جديدة، «السينما الأصلية بلا ممثل ولا سيناريو ولا ستديو». منذ عام ١٩١٩ وبعض السينمائيين يحلمون بسينما لا يُصوَّر موضوعها في استديو ولا تحتاج إلى ممثل. وكانت وجهة نظرهم ترتكز على أن الكاميرا هي أداة في يد السينمائي أشبه بالقلم في يد الكاتب، فإذا كان الكاتب يُهرَع إلى قلمه ليُسجِّل ردود فعله إزاء الأحداث فلماذا لا يفعل السينمائي ذلك؟ لماذا لا يحمل الكاميرا ويتجول في الشارع أو الحي؛ فإذا صادفته ظاهرة أراد أن «يعلِّق» عليها، أمسك بالكاميرا وسجَّل انطباعه؟ هذا ما فعله السوفييتي زفيرتوف ثم الأمريكي فلاهارتي. ومن بعدهما الفرنسيان أبستين وفيجو. ولكن لماذا فشل هؤلاء في تثبيت تيَّارهم؟ يقول السينمائي الفرنسي المعاصر جان روش: «إن ذلك الفشل يرجع إلى خلطهم بين الريبورتاج وبين الفيلم الدرامي؛ فقد كانوا يُسجِّلون ظواهر الحياة كما هي بينما السينمائي الأصيل يعتمد على الاختيار. إننا حينما نحمل الكاميرا ونصطدم بظاهرة فإننا نتخذ وضعًا جسمانيًّا أمام الظاهرة، وعندئذٍ «نضبط» العدسة على جانبٍ معيَّن منها ولا نصوِّر الظاهرة كاملة. إننا نعزل عناصر ونركِّز على أخرى، وتركيزنا هذا يبدو في تكوين اللقطة، ثم بعد أن نصوِّر ظواهرَ عديدةً قد تستغرق فيلمًا ممكنًا عرضه في عشرين ساعة، ننتقي منها عند المونتاج مادةً تكفي للعرض في ساعة ونصف. هنا نحن «نضبط» فكرتنا عن الموضوع، تمامًا كما يُعِد الروائي مسوَّداته للنشر. وروش «يطبِّق هذا المبدأ على المجتمعات الأفريقية في أبيدجان (ساحل العاج) لأنه كان عالم أجناس، أوفدَته جمعية الإثنوجرافيا الفرنسية إلى «أفريقيا». وبعد تجاربَ تقوم على تصوير الحياة الاجتماعية في وسطٍ أسود، استطاع أن يستخلص منهجًا جيدًا للإخراج السينمائي يجعل المخرج المؤلف الوحيد للفيلم، ويجعل الواقع الذي يُسجِّله هو المادة الدرامية الأولى للفيلم؛ فهو باختياره لعناصر الصراع في كل ظاهرة وبإبرازه لها عن طريق الكادراج والمونتاج، قد حوَّل الكاميرا إلى عينٍ بشرية تختار من الواقع ما يوائم وجهة نظر المخرج، ثم تنشر على الواقع وعيًا جديدًا ما كنا نصل إليه ونحن نرى الأشياء مختلطة بالأحداث العادية. وأفلام «روش» «يوميات صيف» و«أنا أسود» و«الأهرامات البشرية» هي طريقٌ جديد لسينما يُسمِّيها النقاد بالسينما الحقيقية أو السينما الأصيلة.» (تجربة زافاتيني. كاميرات في الميدان أمام قسم بوليس).٨
الناس والحياة، ١٨٩١–١٩١٢، إليا إيرنبورج،٩ عن «نيوزويك».
– «تخضع الاكتشافات في مجالات العلوم الدقيقة للبرهان، وسواء كان أيزنشتاين على صواب أم على خطأ، فإن ذلك أمر قد حسَمه الرياضيون لا ملايين الناس الذين لا يتذكرون بالكاد جدول الضرب. لقد دخلَت الأشكال الفنية الجديدة وعي الناس ببطء وبأساليبَ ملتوية، وفي البداية لم يفهمها ويتقبَّلها سوى القلة. وعلى أية حالٍ فمن الصعب تحديد الأذواق أو ترويجها أو فرضها.»
– «أثناء الفترة التي أكتب عنها، عندما كنتُ مرتبكًا وضائعًا، كان بوريس باسترناك يمثل ضمانًا لحيوية الفن ومدخلًا إلى الحياة الحقيقية … وطوال نصف قرنٍ كنتُ غالبًا ما أجد نفسي فجأةً أردِّد أبياتًا لإدجار ألن بو. ليس بوسعك أن تمحو هذه القصائد من الدنيا فهي حية.»

– «كثير من المعاصرين لي وجدوا أنفسهم تحت عجلات الزمن. وقد أفلتُّ لا لأني كنتُ أقوى أو أبعد نظرًا وإنما لأن هناك أوقاتًا لا يكون فيها مصير الإنسان مثل لعبة في الشطرنج يعتمد على المهارة وإنما مثل اليانصيب.»

مارسيل بروست، كتاب عنه اسمه «المصباح السحري لمارسيل بروست، تأليف هوارد موس. ويبدو أن له مؤلفًا هامًّا هو «تذكُّر الأشياء الماضية»، يُوصَف بأنه أعظم روايات القرن العشرين، قارنَته مجلة «تايم» برواية ﻟ «شارلس بل» على أساس طريقة الفلاش بلاك، تداعي الذكريات أثناء الشراب (مثلًا زوجان يفترقان كلٌّ منهما يتذكر، وينتهي سيل الذكريات إلى اللقاء). اسم الرواية «أرض الزواج» أو «الأرض المشتركة» وهي متهَمة بالمَلَل من ناحية واضطراب الذكريات (الجد والعم والأبناء، وجد الجد … إلخ)، أو الازدحام بحيث يحدُث اضطراب في متابعة الأشخاص والأحداث — لا بد من قراءة «بروست».
«القصة القصيرة هي بالتأكيد أكثر أشكال النثر وعورة، وقليلٌ من المؤلفين من يستطيع كتابة واحدةٍ جيدة، لكن أي شيءٍ أقل عبقرية ليست له قيمة»، مجلة «تايم».
«مغامرات في عالم الحيوان»، إرنست تومبسون.
أزمة يوسف إدريس النفسية. خروج صلاح. لويس عوض أكيد تحوَّل إلى المثالية. إبراهيم شعراوي والتصوُّف. كيف انجذب لويس عوض لأدبٍ منحل مثل ميلر وتروخي هكذا فعل الإرهاب. قتل شخصية الإنسان وتمزيقها.١٠
دمعة في عين أوك وهو يتطلع من قضبان الباب.١١
كل الأدب السوفييتي ليس إلا ريبورتاجات صحفية تسجيلية.١٢
دماء العراق شنيعة. ومصير الإنسان رهيب. إنها مشكلة المصير مرةً أخرى. كحجرٍ يتدحرج فوق جبل.

يا لليوم الذي سألتقي فيه بالباليه والعرائس والمسرح والسينما والفولكلور!

بوشكين، مقالات مختارة، موسكو ١٩٣٩، عظمة بوشكين للأستاذ أ. لوبول.
قال بلينسكي عن ملحمة «أيوجين أوجينين» إنها عملٌ قومي في كونها «دائرة معارف الحياة الروسية». ونحن نستطيع أن نقول اليوم إن كتابات بوشكين تشكِّل دائرةَ معارف فنية للحياة القومية والضمير القومي.
كتب بوشكين قبل عام من وفاته: «إن اللغة المكتوبة تُثري باستمرار التعبيرات التي تنشأ أثناء الحديث ولكن لا يجدر بنا أن نتنكر لهبة القرون. إن استخدام اللغة المنطوقة وحدها في الكتابة معناه أن المرء لا يعرف لغته.»
وهذا هو ما يجعلنا نلتقي في أشعار بوشكين بتعبيراتٍ أدبية مميزة، وكلماتٍ شائعة الاستعمال، وعناصر من اللغة القديمة، لكنها كلها قد ذابت في لغةٍ بوشكينيةٍ واحدة، بهيجة على السمع، طيِّعة وموسيقية.
كان بوشكين يؤمن بأن صدق الفن لا يكمُن في النهج التقليدي أو في تأكيد لأحد جوانبه لكن يكمن فقط في رجحان الصدق عليه. إن رجحان الصدق لا يُوجد في «التمسك الشديد بالزي واللون والزمن والمكان» وإنما «في صدق العواطف واحتمالية الظروف والمشاعر المستبقة، في احتمالية الشخوص، شخوص مميَّزة في ظروفٍ مميَّزة»، إنجلز.

العمل والإلهام ضروريان بشكلٍ متساوٍ للشاعر «إن العمل يؤكِّد الفكر، بينما الإلهام هو استعداد العقل للاستقبال الحي للانطباعات ولفهم الأفكار وبالتالي تفسيرها.»

وكان بوشكين يطلب من الكاتب: «الفلسفة والموضوعية وأفكار المؤرخ الشبيهة بأفكار رجل الدولة والذكاء الثاقب والخيال النشط، والتجرد من الميل للأفكار المفضَّلة لديه، والحرية».

إن موضوع التراجيديا، إن معنى الفن العظيم يكمن في: «الفرد والأمة، مصير الإنسان ومصير الأمة».

استوعَب بوشكين الفولكلور الروسي وكافة أعمال الأدب العالمي فأصبح الشجرة الضخمة للأدب الروسي الحديث التي خرج منها ليرمنتوف، جوجول، نيكراسوف، تشيدرين، تولستوي، ديستويفسكي، تشيكوف، جوركي.
قال جوركي في مقالٍ له عن بوشكين: «يجب أن يعرف المرء أيضًا تاريخ الأدب الأجنبي منذ كان العمل الأدبي في جوهره واحدًا في كل البلاد وبين كل الشعوب. إن المسألة ليست مجرد روابطَ شكلية فليس هناك أهميةٌ للحقيقة المعروفة وهي أن بوشكين أعطى جوجول موضوع «الأرواح الميتة» وأن بوشكين نفسه غالبًا ما اقترض هذا الموضوع من «رحلة عاطفية» لستيرن … إنما المهم أن نعلم أنه منذ قديم الأزل وفي كل مكان، نُسجَت وتُنسج إلى الآن شبكة تهدف إلى اقتناص الروح الإنسانية، وأنه دائمًا في كل مكان كان هناك ويُوجد الآن ناسٌ جعلوا لأنفسهم هدفًا؛ هو تحرير الإنسان من الإجحاف والخرافات.»
لا بد من قراءة قصة بوشكين «ملكة الأسباتي».
بوشكين والقصة التاريخية: تأثَّر بشكسبير ووالتر سكوت. نقل فترةً تاريخية كاملة من خلال أشخاصٍ عاديين.
«مولد نحلة»، هيرالد دورينج، سترلينج ١٩٦٣.

(٣) مارس

أميرتي السمراء: في ٢٥ فبراير انتهيتُ من كتابتها. لم يتحمَّس لها إلا منس. قال ف. خ. إن الأسلوب (الذي كنتُ أعوِّل عليه كتجربةٍ جديدة في البساطة والتلقائية) ليس جديدًا، وإنه استُعمِل، وهو الذي يعتمد على إلغاء حروف العطف والربط. أشار إلى ساجان ونجيبة العسال، وقال إن التجربة شاذة، وهي تجربة بطلٍ متوتِّر ومعقَّد في شلَّة يربطها رباطٌ غريب من السخرية ببعض. وإن البطل لا يجذب حب القارئ أو سخطه على الأوضاع التي تفرِّق بين الجنسَين وتمنع اللقاء العاطفي. فضَّل عليها أسلوبي في الرواية. قال منس إنها صورة شباب العصر.
أنا بالطبع متحمِّس لها. إن فكرة العجز في الحب لا بد وأن أتعرض لها كثيرًا.١٣
العرائس. علي بابا أوحى لي بفكرة «الموسيقي الأعمى» (شارع في بغداد. قصر. السلطان المجنون الذي يفقأ عين أي واحد يرى جواريه، ففقأ عين الشاب المغني. أغانيُّ حزينة. ثورة ثم أغاني انتصار) و«فارس الملك» فكرتي القديمة عن هيرود. علي الشريف يضغط عليَّ لأكتبها مسرحية ليلعب هو دور الفارس. لها مغزًى بالنسبة للأوضاع الحالية. أنا حائر. لا أُريد أن أتوقَّف عن الرواية وأدخل في أشياءَ جانبية.
في النقد يحدُث تعسُّفٌ كبير. إن الفنان عندما يخلُق يقصد أشياءَ محددة ويستخدم عدة رموز، ولكن من التعسُّف تفسير كل كلمة ورمز وحركة كما فعل لويس عوض مع «يا طالع الشجرة» فلا يمكن أن يهتم الفنان بكل هذه التفاصيل ويهدف إليها.١٤
أيها الرجل الحر: سيظل البحر إلى الأبد حبيبك؛
فالبحر هو مرآتك، وإنك لتتأمَّل روحك
في صفحاته التي تتعاقب بلا انتهاء،
وإن روحكَ ليست بأقلَّ عمقًا من ذلك البحر،
إنك لتغتبطُ بغوصكَ في أعماقِ صورتكَ
وتحتضنها بعينيكَ وذراعيكَ وقلبك،
وربما نسي قلبُكَ خفقاتِه
لدى سماعكَ صوتَ تلك الشكايا الجريئة القوية،
كلاكما مظلم، محفوف بالأسرار؛
فأنت أيها الرجل ليس هناك من سبَر أغوارك،
وأنت أيها البحر ليس هناك من يعرف كنوزك الخفية،
ما أكثر غيرتَكُما وحرصَكما على الاحتفاظ بالأسرار،
وهكذا تمُر قرونٌ لا تُحصى
وأنتما تتصارعان بلا شفقة ولا ندم؛
لفرط حبكما البطش والموت،
أيها المصارعان الأبديان، أيها الأخَوان اللدودان.
(من قصيدة بودلير، «الرجل والبحر»).
«إن الحاجة الشاملة المطلَقة التي تؤدِّي إلى نشوء الفن، مصدرها أن الإنسان وعيٌ مفكِّر، والإنسان يصل إلى (يدرك؟) وعيه بطريقتَين؛ أولًا يدركه نظريًّا، ومن جهةٍ ثانية يدركه عمليًّا، بقَدْرِ ما يملكُ من غريزة خلق ذاته هو نفسه في الموضوع المعطَى مباشرة، يعني في الموجودات والكائنات الخارجية. وهذه الغاية يصل إليها الإنسان بتطوير الأشياء التي هي خارجه. ويفعل الإنسان هذا بوصفه حرًّا، وينعم من خلال … بطبيعته الخاصة التي أضفاها على الخارج ومدَّها إلى الأشياء الخارجية. وهذه الحاجة تجتاز أشكالًا متباينة حتى تبلغ هذا الخط من إنتاج الإنسان لذاته، وهو الأثر الفني»، هيجيل.
«والفنان الذي أراده العهد البرجوازي بمثابة فرد على الهامش، وصوَّره بصورة رجلٍ مجنون، نسيج وحده، هو على العكس — إذا نظرنا إلى أعماق الأمور — أكثر الناس سلامةً وحسًّا اجتماعيًّا وأكثرهم خُلوًّا من الانحراف عن الجوهر والانزلاق، وهذا الوضع يسمو كلما سما قَدْر الفنان وكان أعظم.»١٥
الجدلية معناها الدقيق دراسة التناقض في صميم جوهر الأشياء. هذا التناقُض في داخل الأشياء هو السبب في تطوُّرها لكن الأسباب الخارجية هي شروط التغيُّر. بينما الداخلية هي أساس التغير. ماو.
نافذة الألف ثقب أو خروم السلك (رحلة مستشفى أسيوط) تداعي، مقابلة بين داخل الغرفة وخارجها.
(مربَّعٌ مقسَّم إلى خمس خاناتٍ رأسية وستٍّ أفقية وهي بالترتيب من اليمين إلى اليسار أفقيًّا:
الصول – أحمدسيد – عسكري الكلى – رتيبة.
المجنون والتبول – التمرجي – ناظر مدرسة – إحسان – المومس.
الطبيب الأليط – الطبيب الطويل – الشرقاوية – صاحب الوجه اللطيف – صفية.

الطبيب الطويل – عجايبي – الخادمة المنتحرة – الفلاحة والأعرج – الطبيب الذي فقد ١٠ جنيه.

«الراجل ده حيجنني» من الراديو – المشرف الاجتماعي – الطلاب الثلاثة – الجنايني – البنات – المريضة من الخارج.

المرأة فوق الخمسين – عبد الوهاب والصول الأليط – المخبر والصول اﻟ (…) – ضابط اللي – عبد الحكيم أم (…) – الممرضة الأليطة).١٦
من أسيوط: الثعبان. عيني التي ستنفجر. خليل بيه يتزوج من الأرياف.١٧
النوم – نصف الطريق إلى الموت؟ العقل يموت. المرء يتنفس وينمو بلا وعي. تعود الشخصية إلى ينبوعها الطبيعي. عصارة في لحاء من الشجرة. زِرٌّ كهربائي ينطفئ في المُخ يصنع المعجزات. اللحظة الحرجة التي يسقط فيها المألوف المعتاد ولمعَت الحياة بالدهشة وبرق العقل بأسئلةٍ جديدة تمامًا – تكويناتٌ جديدة لم يكن يجدها وهو في كامل يقظته وارتباطه بالأشياء. ماذا يحدث عند النوم؟ تنظيم الوظائف الأصلية: (١) تنظيم دورة الدم والتنفُّس والهضم والامتصاص والإفراز. (٢) يبدأ النمو والبناء ويتوقَّف الهدم ويقل الاحتراق. (٣) تستيقظ رغبات أكثر أصالة من رغبات النهار والغرائز كلها تستيقظ وتعمل وتنشر نشاطها في الأحلام.
لا بد من قراءة رواية «الأفريقي»، تأليف وليام كونتون، لموضوع «لومومبا».١٨
شقاوة العيال. منظر عدة صبية متحمسين عنيدين مصممين يتآمرون يجمعون قشر البطيخ في الصباح – يضربون بالنبلة الناس الذين يتبوَّلون – النبلة واصطياد الطيور مقالب مع الناس باستخدام الحشرات.
بئر السلم والظلام، شخير وأشباح وأطياف وأحلام الناس النائمين في كل مكان، وحشرات وميكروبات وأخطار وعزرائيل. تحت هذا الستار الأسود تكمن كل الخيانات وتُرتكب الجرائم. وفي حماه يمارس الإنسان أجمل شيء في حياته فيقترب لحمه من لحم أنثاه.
كتبتُ «المغني الأعمى». «إن أكبر الآمال تُحقَّق. لكن ما أفدح الثمن الذي يدفع في سبيل ذلك!» هذا هو موضوعها. لم يتحمس لها ح. ف.١٩ لأنه لا يريد أن يدخل هذا المجال. المفروض أن يُعِد لها حمَّام أغانيَّ لكن يبدو أنها لن تتم.

(٤) مايو

«الطاعون»، ألبير كامي:

– «الناس أميل إلى الخير منهم إلى الشر، … ولكنهم يجهلون — إن قليلًا أو كثيرًا — وهذا هو ما نُسمِّيه الفضيلة والرذيلة، فأبغض الرذائل ليست إلا رذيلة الجهل الذي يجعل صاحبه يعتقد أنه يعرف كل شيء، ويعطي لنفسه حق القتل.»

– «نعم، لو كان حقيقيًّا أن الناس يحبون أن يتخذوا لأنفسهم أُسواتٍ وقدواتٍ فيمن يُسمُّونهم أبطالًا، وإذا كان من الضروري أن يكون هناك بطل لهذه القصة، فإن الراوي يقترح هذا البطل بالذات، هذا البطل التافه المغمور الذي لا يمتاز إلا بشيء من طيبة القلب ومثلٍ أعلى يدعو للسخرية على ما كان يبدو، فهذا من شأنه أن يعطي ما للحقيقة للحقيقة، وما لجمع اثنَين واثنَين حاصل جمعهما وهو أربعة، كما يعطي للبطولة ذلك المكان القانوني الذي لا تستحق غيره؛ أي خلف المطالب السخية التي تتطلَّبها السعادة، لا أمامها، وهذا من شأنه أيضًا أن يضفي على هذه القصة طابعها الحقيقي، طابع العلاقات القائمة على المشاعر الطيبة؛ أي المشاعر التي لا تتسم بالسوء الصارخ ولا بالحماس الذي لا يُوجد إلا في المسرحيات المتبذَلة.»

– «ريو: إن هذا عناء. ولا ينبغي لك أن تخجل لأنك فضَّلتَ السيارة.
رامبير: لكن قد يكون مخجلًا أن يكون المرء سعيدًا بمفرده.
تارو: لو أردتَ اقتسام شقاء الناس فإنك لن تحصل أبدًا على وقتٍ للسعادة. وعليك أن تختار.»
– «لقد خسر تارو الجولة. أما ريو فماذا ربح؟ لقد ربح أنه عرف الطاعون، وأنه بقِيَت له ذكراه، وأنه عرف الصداقة، وأنه بقِيَت له ذكراها، وأنه عرف الحنان وأنه لا بد أن يأتي يوم لا يبقى منه إلا ذكراه (انتهى الطاعون ومات صديقه وما زالت أمه على قيد الحياة). إن كل ما يُمكِن للمرء أن يربحه في لعبة الطاعون (الموت، الحرب، كل ما هو سيئ وشرير) والحياة، هو المعرفة والذكرى؛ فقد يكون هذا هو ما عناه تارو بقوله ربح الجولة.»

– «إنهم يعرفون الآن أنه إذا كان ثمَّة شيء يتمناه الناس دائمًا ويحصلون عليه أحيانًا فهو الحنان.»

– (آخر سطور الرواية) … «قرَّر الدكتور ريو أن يكتب تلك القصة التي تصل الآن إلى نهايتها، وذلك حتى لا يكون من أولئك الذين يلزمون الصمت، وحتى يقدِّم شهادةً في صالح مرضَى الطاعون، ولكي يترك من ورائه شهادةً تذكِّر بالظلم والعنف اللذَين حاقًا بهم. وأخيرًا لكي يذكُر ببساطة أننا نتعلم من النكبات أن الإنسان فيه ما هو جدير بالإعجاب أكثر ما يستحق من الازدراء.

ولكنه كان يعرف مع ذلك أن تلك القصة لا يمكن أن تكون قصة النصر النهائي. إنها ليست إلا شهادةً على ما لا بُد لهؤلاء الناس من تحقيقه، وما يتبقَّى لهم أن يحقِّقوه — في أغلب الظن — رغم (…) وسلاحه الذي لا يَكِل، ورغم همومهم الشخصية؛ ذلك أنهم إذا كانوا يستطيعون أن يكونوا قديسين ويرفضون الاستسلام للأوبئة، فإنهم مضطرون أن يكونوا أطباء.

والواقع أن ريو كان يُنصِت إلى صيحات الفرح تتصاعد من المدينة، فتذكَّر أن هذا الفرح ما زال مهددًا؛ لأنه كان يعرف ما تجهله تلك الجموع المبتهجة، وما يمكن قراءته في الكتب من أن جرثومة الطاعون لا تموت ولا تختفي أبدًا، وأنها قد تظل عشرات السنوات نائمة في الأثاث والفرش، وأنها تنتظر — في صبر وأناة — في الغرف والأقبية والحقائب، والمناديل والأوراق القديمة، وأنه ربما يأتي يوم يوقظ فيه الطاعون فئرانه ويبعث بهم إلى الناس من أجل شقائهم وتعليمهم لكي يختطفهم الموت من بين أحضان حياةٍ سعيدة.»٢٠
يوفتوشنكو:٢١ «اعترافات فتى العصر السوفييتي»، الإكسبريس:
– «سيرة شاعر هي مجموع قصائده. وما عدا ذلك مجرد تعليق. على الشاعر أن يتقدَّم لقرائه بمشاعره وأفكاره وأعماله، ولكي يَحِق له التعبير عن الآخرين يجب أن يدفع الثمن … عليه أن يُسلم نفسه بلا رحمة للحقيقة. الشاعر ممنوع من الغش، وإذا حاول أن تكون له شخصيتان؛ الرجل الحقيقي من جهة، والرجل الذي يعبِّر من جهةٍ أخرى، فسيجد نفسه عقيمًا لا محالة. عندما أصبح رامبو نخَّاسًا، وتناقضَت تصرُّفاته مع مُثله الشعرية، كَفَّ عن الكتابة.»

– «عندما يبدأ الشاعر بإسكات حقيقته فهو ينتهي حتمًا بالسكوت على حقائق الآخرين وآلامهم ومآسيهم (أفكاره الخاصة وتناقضاته وتعقيدات مشاكله الخاصة) … بعد الثورة أسَّس الشعراء الشيوعيون ذات يوم جمعية «الثقافة البروليتارية» وقرَّروا ألا يتكلموا إلا بصيغة الجمع بأن يقولوا «نحن» — وتفنَّن نقادنا الأدبيون في اختراع نظرية «البطل الغنائي». كانوا يقولون إنه يتعين على الشاعر أن يتغنى بالفضائل العليا وأن تبدو أعماله لا كما هو ولكن كنموذج للرجل الكامل … إن الأحياء لا يتميزون بالشكل الذي يتخذه أسلوبهم في التعبير، ولكنهم يتميَّزون بأفكارهم الفريدة. ولا يُمكِن أن تُوجد سيرة شخصيةٍ حقيقية لا تعبِّر عما يحمله كل شخصٍ في نفسه من تفرُّدٍ غير قابل للتقليد.»

– «أعرف أن هناك رجالًا قادرين على طبع عصرهم بأفكارهم الشخصية يُقدِّمونها كما لو كانت أسلحة في المعركة لمجتمعهم، وهذه هي أسمى أشكال الخلق الفكري — لكني للأسف لا أنتمي لهذه الفئة الخلَّاقة.»

– أعتقد أنه يجب أن تكون للمرء شخصيته المستقلة المحدَّدة لكي يستطيع أن يعبِّر بأعماله عما هو مشترك بين عدد كبير من البشر. وهذا ما لا يتعدَّاه طموحي كشاعر … يوم أفقد «الأنا»، سأفقد القدرة على الكتابة.

– «إن عددًا كبيرًا من البلاشفة القدامى الذين قُبض عليهم وأُسيئَت معاملتهم ظلوا يعتقدون أنهم اضطُهدوا دون علمه، ولم يُسلِّموا أبدًا بأنه هو الذي أمر شخصيًّا بما حل بهم. وكان الكثيرون منهم يكتبون بعد عودتهم من التعذيب بدمهم على جدران الزنازين «عاش ستالين٢٢

– … «كان أكثر الشعب يرفضون مواجهة الحقيقة. كان كلٌّ منهم يشعر بذلك (الإرهاب الستاليني) بشكلٍ غريزي لكنه يرفض التسليم بما يهمس به قلبه. كان التسليم بذلك شديد القسوة بالغ الفظاعة … كانت أكبر المخاطر التي تهدِّد الشعب يومًا بعد يوم هي الانفصام بين سلوكه ومعتقداته (فترة (…) ثني الشيء في الاتجاه المضاد لتقويته — اضطهاد المثقفين).»

– «كم أوَدُّ أن أكون تل أولينشبيجل٢٣ عصر الذرة! قلبه يَخفِق من أجل طبقته ومن أجل الذين ماتوا ظلمًا في سبيل سعادة الإنسانية. أريد أن أكون تل الذي يضرب في الأرض ويُنشِد أغنيته المثيرة التي تدعو الرجال إلى الكفاح من أجل العدالة. أريد أن أكون تل الذي يزدري رجال محاكم التفتيش مهما كان مسقط رأسهم، والذي يسخر من كل الذين لا يحلمون إلا بملء بطونهم والنوم في راحة!»
– «هل يمكن أن يُقال إن روسيا انتصرَت بسبب تعلُّق أبنائها بالوطن فقط؟ لا … لا أعتقد أنها انتصرَت لهذا السبب فقط. سبق أن قلتُ إن الشعب الروسي كان يتهدَّده قبل الحرب خطر الازدواج في حياته، لكنه لم يفقد في قرارة نفسه الإيمان بمُثل الثورة، وقد هب لا للدفاع عن وطنه فقط، بل عن ثورته على الأخص بالرغم من كابوس معسكرات ستالين، وليس مصادفةً أن الشاعر ميخائيل كولتشيكي الذي مات في الجبهة وهو بعدُ في العشرين كتب وهو يتوقَّع نشوب الحرب:
في الضباب الكثيف،
تتحرَّك فرقٌ سريةٌ جديدة،
وتقترب الشيوعية مرةً أخرى،
كما كانت في سنة ١٧.

وقد يكون من العسير على الإنسان أن يعترف بذلك، لكن حياة الشعب الروسي أثناء الحرب كانت أيسر من الناحية المعنوية؛ لأنها كانت أكثر إخلاصًا، وهذا أحد الأسباب الرئيسية لانتصارنا. كان الجميع كبارًا وصغارًا يُكرِّسون كل جهودهم من أجل النصر.»

إلى أي مدًى تُعبِّر ذاتية الفنان الفردية عن النحن.
لا يُوجد نموذجٌ شاذ. الشواذ هم شواذ بالنسبة لجهلنا وهم في غرابتهم يُمثِّلون وجهًا من وجوه المجتمع. كلما ازداد الفنان عمقًا في فرديته (من ناحية التعبير) أمكنه أن يعبِّر بنجاح عن المجموع – ص.
خواطر سترافنسكي عند بلوغه الثمانين (عن سمحة الخولي):

– «رأيي الحقيقي في الناقد الموسيقي أن الشخص الذي يُكرِّس حياته لمهنة الموسيقى وممارستها ممارسةً عملية خلاقة، لا ينبغي أن يكون موضع الحكم ممن لا مهنة له ولا يفهم الموسيقى في الممارسة، مما يلوِّن نظراته إليها؛ فالموسيقى في حياته أقل أهمية وخطورة بكثيرٍ مما في هي في حياة المؤلف.»

– «أردتُ أن أُوضح عمق الهوة بين الذي «يعمل» والذي يفسِّر أو يشرح.»

– «هل كنا أنا وإليوت نكتفي بترميم السفن القديمة في حين كان المعسكر الآخر (مثل فيبرن وشونبرج وجويس وكلي) يسعى إلى خلق وسائلَ جديدة للشعر؟ أظن أن هذا التفسير أو التقسيم الذي طال الحديث عنه في الجيل الماضي قد اختفى الآن من الأذهان؛ فإن عصرنا ليس إلا وحدةً كبيرة نشترك جميعًا فيها، وكل واحدٍ منا يكون جزءًا منها … والواقع أنه قد يبدو أني وإليوت نستغل أشياء تفتقر إلى الاتصال أو الاستمرار الحي، أو أننا خلقنا فنًّا من أجزاءٍ متفرقة وأشتاتٍ متناثرة، استخدمنا اقتباساتٍ من شعراء وفنانين آخرين، وإشاراتٍ وتلميحات إلى أساليبَ سابقة (وهي إشارات إلى أعمالٍ فنية أخرى سابقة لعصرنا)، لكننا استخدمنا كل هذا وغيره مما كان في متناول يدنا وسخرنا ذلك كله للبناء من جديد، ونحن لم نبتكر أو نخترع ناقلاتٍ أو وسائلَ جديدة للسفر؛ وذلك لأن وظيفة الفنان هي ترميم السفن القديمة وإعدادها وإعدادًا جديدًا، فهو لا يملك إلا أن يقول بطريقته الخاصة ما قاله غيره من قبلُ.»
التفسير النفسي لمسرحية «يا طالع الشجرة»، عز الدين إسماعيل؛ الشعور واللاشعور والأنا العليا أو الوعي.

الإنسان بين عالمَين مختلفَين في اتجاهَين مختلفَين، الوجود الخارجي الحقيقي. وجوده الداخلي الغير معقول.

«إن عالم النفس البشرية عالمٌ رحبٌ وخصب، وهذا الاتجاه المعاصر من جانب الفنان إلى استكشافه وعرضه كما هو دون «تعقيل» له — على عكس ما كان الفنان القديم يصنع — كفيل بأن يُطلعَنا في نفوسنا على ثروة وذخيرةٍ حيوية لا تنتهي.»

عن السيريالية (المجلة):

– «البحث عن الحقيقة من خلال تحطيم الروابط المُستتِبة بين الأشياء. إثارة الدهشة وزعزعة الجمهور عن المُضي في حياةٍ باردة فاترة رتيبة نتيجة قيامها على مسلَّماتٍ متوارَثةٍ متواترٍ عليها بغير مناقشة. الوسيلة لذلك من اللاشعور حيث تُوجد صور الأشياء على نحوٍ غامض مُبهَم وتترابط ترابطًا نابعًا عن عالمٍ آخر غيرِ عالم الواقع.»

– «المدهش وحده هو الجميل.»

– «على كل فنانٍ أن يعمل بمنأًى عن الآخرين منصرفًا إلى رؤياه الخاصة للوجود غير آبهٍ برؤى الآخرين.»

يقول بريخت في كتاب أصدره عام ٤٨ بعنوان «أورجانون المسرح الصغير» إنه ينكر أعماله الفنية الأولى ويرى أنها كانت تعليميةً سياسية، وإن المسرح يجب أن يكون مجاله المتعة الفنية لا غير، غير أنه يتحتم أن يتكيَّف بملابسات عصرنا ويكون علميًّا في طريقته … نحتاج إلى مسرحٍ لا يقتصر على مجرد إتاحة المشاعر والمعارف والدوافع التي يسمح بها مجال العلاقات الإنسانية الذي تجري به الأحداث، وإنما نحتاج إلى مسرح يستغل الأفكار ويُنتِجها حتى تلعب هي دورًا في تغيير العالم»، بريخت، دونالد جراي (الغاية خلف الإحكام الفني).
الصورة الفنية (كالتشبيه) لا بد أن تكون مربوطة تمامًا بطبيعة الشخصية وحركتها والموقف كله والجو العام والحالة النفسية والتكنيك … إلخ.
«رحلات مع شارلي»، شتاينبك.٢٤ قال إنه كان يعتمد في أعماله الأخرى لا على تجاربه وإنما على ذكرياته، ومن الإجرام في رأيه أن يعتمد الكاتب على ذكرياته وحدها.
«كفافيس» (مات ١٩٣٠):
«أيام المستقبل تقوم أمامنا مثل صف من شُميعاتٍ موقدة … ذهبية، دافئة … شميعات فيها حياة.
وأيامنا الماضية تقف من ورائنا صفًّا من شموع خامدة مطفأة، القريب منها إلينا لا يزال يرسل دخانًا.
شموعٌ باردة، ذائبة، متهدلة …
إنني لا أريد أن أراها … يُحزنُني مرآها وأتحسَّر على أضوائها الأولى.
لهذا أنظر دائمًا أمامي … إلى شموعي الموقدة.
على أنني أنزعج … فما أسرعَ ما يطولُ صف الوراء! … وما أسرعَ ما تكثر شموعي الخامدة!»

– «إنني شاعر غير قدَري النزعة، إنني شاعرٌ جبري، لا يُشرِّفني أن أعتمد على الوحي وهمسات الحدْس والتخمين، وتسوُّل الفرص … أنا شاعر أكتب عن وعيٍ وإدراك … أعني ما أقول وأُتقن ما أصنع، ولهذا أخمِّر التجربة تخميرًا كي أستصفى روحها خمرًا خالدًا …»

«الخيال الرومانتيكي»، سير موريس بورا: (راجع السيريالية):
– آمن كولردج بأن الخيال الذي يتوسل بالحدْس أفضل من المنطق التحليلي في اكتشاف حقائق الأشياء؛ إذ إن الحدْس في هذه الحالة سوف يتخطَّى العقل والحواس جميعًا ويخرج بالإنسان إلى عوالمَ قد لا تكون معقولة وقد لا تكون ممكنة الوجود … لكنها تجسِّد في غرابتها وغموضها عالم الروح الزاخر بشتى المشاعر التي تَدِق على الإدراك والفهم والتعبير إلا بهذا السبيل.

– العقل لا يستطيع القيام بذلك. أما عوالم الخيال التي يخلُقها التهويم، فهي وحدها القادرة على ذلك بإفساحها المجال لدلالات الرمز ودلالات الإيحاء.

– إن عوالم التهويم تشبه الأحلام … إنها تجعل المرء يعيش في دنيا مختلفةٍ عن دنياه، ويتذوَّق أنماطًا من الخيال لا تُوجد في حياته اليومية، ويُجرِّب أحاسيسَ لا عهد له بها من قبلُ فيُثري ثراءً من لونٍ جديد.

«ما دام لكل موجودٍ بشري ذاتي متناقضاتُه الخاصة وأحداثُه الدرامية المشخصة؛ فإنه هيهات للفيلسوف أو عالم النفس أن يحل لكلٍّ منا مشكلته الخلقية الخاصة. إن الفيلسوف قد يساعده على أن يستجمع شتات قواه العقلية والوجدانية، كما أن عالِم النفس قد يساعدنا على تبديد أوهامنا ودعم طاقاتنا، لكن «الحدث» وحده هو الذي سيُولِّد تصميمنا النهائي، وليس للفيلسوف أو عالم النفس على الحدث يد … لا سبيل مطلقًا إلى نقل الحكمة المكتسبة إلى الأجيال الناشئة. وما دام سبيل الحياة لا بد من أن يظل دائمًا طريقًا خاصًّا يضرب فيه كلٌّ منا لحسابه الخاص ويخوضه دائمًا بمفرده، فإن فيلسوف الأخلاق لم يعُد يستطيع اليوم أن يُحاكي المربي الواهم الذي يعتقد أن خبرات الكبار حاسمة بالنسبة للصغار وأنها لا بد من أن تُفهم وتعصمهم من مواطن الزلل … لا بد لكل جيلٍ من أن يُكوِّن لنفسه حكمته الخاصة، ولا بد لهذه الحكمة من أن تجيء ملائمةً لمقتضيات عصره وطبيعة مشكلاته. ولا بد لكل فردٍ منا في زمانه الخاص وموقفه الذاتي من أن يعمل على اكتشاف شروط توازُنه الشخصي … الإنسان مخلوقٌ معاصر أو كائنٌ واقعي، الأخلاق مغامرةٌ كبرى أو مخاطرةٌ هائلة يحياها كل موجودٍ بشري لحسابه الخاص؛ ومن ثَم فإنه لا بد من أن تظل ممكنةً ذاتية تعبِّر عن «التزام» الموجود المشخَّص أمام وحدته التاريخية الخاصة، «المشكلة الخلقية عند الفيلسوف الوجودي»، زكريا إبراهيم.
«عناصر الرواية»، إ. م. فوستر:
  • (١)
    القصة: حاولَت جرترود شتاين أن تُحطِّم الزمن بإلغاء عنصر الحكاية كليةً والتعبير عن قيم الحياة فقط.
  • (٢)

    الأشخاص: شخصيةٌ مسطَّحة. شخصيةٌ مستديرة. إما أن يصف الكاتب الشخصية من الخارج كمتفرجٍ متحيز أو غيرِ متحيز، أو أن يتخذ موقف المحيط بكل شيء عن شخصيات روايته فيصفهم من الداخل، أو يضع نفسه موضع أحدهم ويدَّعي جهله بدوافع الآخرين.

  • (٣)

    الحبكة: أحداثٌ مرتَّبة في سياقٍ زمني (الحكاية) + السببية والمنطق.

  • (٤)
    الفانتازيا أو التهويم (مثل تقديم وحش أو ملاك أو جلفر والأقزام أو سياحة في داخل الشخصية وانفصاماتها أو رحلة إلى عوامل الزمن مثل الماضي والمستقبل).
  • (٥)

    النبوءة: نغمةٌ في صوت الكاتب تتخلَّل روايته، أنشودة ربما تغَنَّى فيها الكاتب بأحد الأديان أو بتقديس العواطف من حب وكره.

  • (٦)

    النمط والإيقاع: يُقصَد بهما الشكل العام للرواية.

    مستقبل الرواية: ربما تتغير الرواية وتُطمس معالمها الحالية لكي تأخذ مكانها معالمُ جديدة، لكن ذلك لن يكون مرجعه أن المرآة (الرواية) قد تغيَّرَت ولكن لأن ما تعكسه المرآة (الحياة) قد تغيَّر.

    الرمز: هو شكلٌ أكثر تعقيدًا من أشكال الصور الفنية (أبسطها هو التشبيه المباشر أو الاستعارة). يصل الفنان إلى هذه الصور بالحدْس. اللغة العادية مليئة بالصور الفنية لكنها بلِيَت من كثرة الاستعمال. يستخدم بعض الشعراء الرموز بطريقةٍ أكثر تعقيدًا حتى يتركوا في نفوسنا إحساسًا غامضًا بما يمثِّله الرمز ويترك للقارئ فرصة استيحاء ظلال معانٍ قد لا تنتهي.

«جويوم أبولينير والحياة التكعيبية»، سيسيل ماكورث:
كان أبولينير قوةً ملحوظة في ازدهار التكعيبية. كان شعره متغيرًا مليئًا بالألغاز مثله تمامًا. وكان يتناول موضوعات السخرية الدينية وفوضى العالم ووحدة الأحداث والانطباعات.

«التكعيبية» محاولة اكتشاف حقيقة شيءٍ معيَّن بكشف كافَّة جوانبه وزواياه في وقتٍ واحد. وقد طبَّقها على الكتابة وهو أول شاعرٍ تكعيبي.

قال وهو يموت: «أنقذني يا دكتور. ما زال عندي الكثير لأقوله.»

في النظرة التكعيبية ليست هناك زاويةٌ أكثر حقيقةً أو صدقًا من الأخرى، وهكذا فإن كل جانبٍ من جوانب أبولينير كان صادقًا لأنه كان جزءًا من الكل وزائفًا في الوقت نفسه لأنه لم يكن الكل.
«إن الحركة التكعيبية نبعَت — إلى درجةٍ بعيدة — من نفاد صبر أبولينير من قصور الزمن الرياضي، ورغبتِه الملهوفة في مضاعفة نفسه.»
بيَّنَت الماركسية على يد إنجلز في رسائله إلى شميدت وبلوخ وغيرهما أثر البناء الفوقي (السياسي والفكري والديني … إلخ) في تحديد العلاقات الاجتماعية، بل لقد قال إنجلز إنه هو وماركس الملومان على أن كثيرًا من الشباب (في أواخر القرن ١٩) قد أصبحوا يعتقدون أن الاقتصاد هو كل شيء في تحديد مسار التطور الاجتماعي وذلك بطريقةٍ فجَّة، وسطحية. إن العامل الاقتصادي هو العامل الحاسم في النهاية، ولكن حتى يتم ذلك فإن التطوُّر يأخذ مسارًا مركَّبًا تلعب فيه الأفكار بل يلعب فيه الأفراد، أدوارًا هامة، بل قد تكون أدوارًا حاسمة في اللحظة المعيَّنة.
«الحرب والسلام»، تولستوي: «… كل عواطفهم، رغباتهم، نداماتهم، خزيهم، معاناتهم، ثورات كبريائهم، خوفهم وحماساتهم …»
لا بد من الكتابة عن القاهرة بعد دراستها حارةً حارة وفئاتها وتطوُّرها. أربعة ملايين في أضخم مدينة في أفريقيا. «نجمة الشمال»؟! بالنسبة لبقية القارة والعرب. لوحةٌ كبيرة ضخمة، «القاهرة ٦٦».٢٥
«لقد قلنا صراحةً أثناء حملتنا الانتخابية إننا نعتبر حرية الخلق الفني هامةً جدًّا، وإننا في هذه النقطة نختلف تمامًا مع رفاقنا في روسيا. إننا لا نفهم أبدًا حملة النقد التي هبَّت في موسكو ضد مثقَّفين وأدباء مثل نيكراسوف وفوزنسينسكي ويوفتوشنكو. وقد كان يُسعِدنا حقًّا لو أن يوفتوشنكو تمكَّن من تنفيذ رحلته التي كانت مقرَّرة إلى إيطاليا. إن قضية حرية الفنان تبدو لنا هامةً لدرجة أننا نريد مناقشتها مناقشةً كاملة خلال المؤتمر الشيوعي الدولي المقبل»، تولياتي، حديث له في الأسبوع الأخير من شهر مايو ٦٣.
«عندما بدأتُ الكتابة كنتُ أعلم أني أكتب بأسلوبٍ أقرأ نعيه بقلم فرجينيا وولف، ولكن التجربة التي أُقدِّمها كانت في حاجة إلى هذا الأسلوب. لقد اخترتُ الأسلوب الواقعي في هذا الوقت الذي كانت فرجينيا وولف تُهاجم فيه الأسلوب الواقعي وتدعو إلى الأسلوب النفسي. والمعروف أن أوروبا كانت مكتظة بالواقعية لحد الاختناق، أما أنا فكنت متلهفًا على الأسلوب الواقعي الذي لم نكن نعرفه حينذاك … والأسلوب الكلاسيكي الذي كتبتُ به كان هو أحدث الأساليب وأشدها إغراءً وتناسبًا مع تجربتي وشخصي وزمني. وأحسستُ أني لو كتبتُ بالأسلوب الحديث سأصبح مجرد مقلِّد.»
– «تستطيع أن تقول إنني في المرحلة الأخيرة أتبع الواقعية الجديدة، وهذه لا تحتاج إطلاقًا لمميزات الواقعية التقليدية التي نقصد بها أن تكون صورة من الحياة … الواقعية الجديدة تتجاوز التفاصيل والتشخيص الكامل، وهذا ليس تطورًا في الأسلوب بل تغيُّر في المضمون. الواقعية التقليدية أساسها الحياة، فأنت تُصوِّرها وتُبيِّن مجراها وتستخرج منها اتجاهاتها وما قد تتضمَّنه من رسالات، وتبدأ القصة فيها وتنتهي وهي تعتمد على الحياة والأحياء وملابساتهم بكل تفاصيلها، أما في الواقعية الجديدة فالباعث على الكتابة أفكار وانفعالاتٌ معيَّنة تتجه إلى الواقع لتجعله وسيلة للتعبير عنها»، نجيب محفوظ.
«نعم. إن قصصي الأولى كانت تسير في النهج التقليدي؛ أي القصة التي تهتم بالسلوك والأخلاق مثل قصص فلوبير؛ فالكاتب يهتم بما يحدُث وبما قيل؛ أي إن القصة كانت تقوم على السرد، ولكن السينما الآن تستطيع أن تقوم بهذا الدور خير قيام. بلزاك كان يحتاج لعشرين صفحة ليُعطيَك صورةً مرئية لشيءٍ ما، والسينما تستطيع أن تفعل ذلك في دقيقة أو دقيقتَين، وتستطيع أن تفعله بدقةٍ أكثر؛ لذلك اضطُر كاتب القصة أن يبحث عن طريقةٍ جديدة للكتابة مثل القصة ذات المقال، (بروست مثلًا)، فروايته «في البحث عن الزمن الضائع» عبارة عن مقالٍ كبير؛ فهناك فكرة وراء الأحداث، وهي تُعطي مفهومًا جديدًا للواقع، وهذه خطوة بعد السينما … فالسينما تعطينا الواقع الذي نعرفه أما الفن فهو عملية اكتشاف لواقعٍ جديد لا تستطيع أن تراه من غير الفنان.» مورافيا في يناير ٦٣.

(٥) يونيو

– البداية الحقيقية للأدب الأفريقي الزنجي الحديث تتمثل في رواية «باتولا» لرينيه ماران وهو زنجي من جزر المارتينيك. فيتوريد «النمر»، هيرن «وجوه الحب»، جاك رومان «حاكم الورد». جزر الهند الغربية.
– في أفريقيا: بيتر برامز «صبي المنجم»، «الهجوم الوحشي»، «ممر الرعد»، أزكيل مافليل «الميدان الخلفي»، توماس جوفولو «مسافر إلى الشرق» و«شاكا»، سولومن بانجيه «اليهودي»، مونجوبيتي.
– «أفريقيا العجيبة»، ويلارد رايس.
– أشجار الباؤاب الخضراء التي تُشبِه الحيوانات المنحوتة وتحتوي على عدة أغصان تُشبِه خرطوم الفيل في اتجاهاتٍ متعارضة مختلفة. لا تتشابه هذه الأشجار أبدًا في حين أن كل فصيلةٍ من أية شجرة (المانجو-اللوز) تنمو بطريقةٍ واحدة. تختلف مساحات محيطها واتجاهات فروعها، تنحني أو تأخذ شكل عضوٍ أصابه الروماتزم أو الذبول. جذعها أجوف يستخدمه الوطنيون كمنازل يمكن أن تأوي ٣٠ رجلًا، أو كمقبرة.
الماساي: «إن القبائل التي تنتقل من مرعًى إلى آخر بحثًا عن الأعشاب في هذا العالم الذي تسوده اللجان والموائد والمناقشات، ولا تقبل أن تتماشى مع التطوُّرات الجديدة، تشبه تمامًا فصائل الديناصور والتروداكنيس التي كانت تعيش في الماضي وانقرضَت وتلاشت تمامًا لأنها لم تستطع مسايرة العصور الجديدة، وهذا ينطبق تمامًا على الأجناس البشرية التي تزول وتختفي لعدم محاولتها تغيير الطبيعة التي تعيش فيها للتماشي مع التيارات الجديدة في العالم»، «ألدوس هكسلي».
– الديناصور — الماساي؟ — الأخوان — محمد الأرفلي؟٢٦ — «أربعة أبعاد للموت» تلح عليَّ — «الآسي» — هل أكتب عن شيءٍ لا أعرفه جيدًا؟
فكَّرتُ في «العنكبوت». الأجزاء الثلاثة تحمل نفس الاسم: «الرجل والصبي والعنكبوت». العنكبوت موجود في الجزء الأول–الجزء الثاني: السرطان. الجزء الثالث الفكرة التي تأكل قلب الابن (الحُلم). هل يمكن أن يكون السرطان والفكرة كالحشرة؟ لقد كان عندي من قبلُ إحساسٌ بعدم التناسُق بين الأجزاء الثلاثة في صورتها السابقة في ذهني. لماذا لا يُوجد هذا التناسق؟
شيروود أندرسون ١٨٧٤–١٩٤١، أسلوبٌ جديد لا يُعنى بالصنعة ولا باستغلال قوة الإيحاء في الجملة (الأبيض المسكين) (وتسبرج أوهايو).
جيرترود شتاين (١٨٧٤–١٩٤٦)، درستَ علم تشريح الرأس ثم طبَّقتَه على التصوير والكتابة. حاولتَ أن تفعل بالألفاظ ما كان يُحاوِل ماتيس وبيكاسو فِعلَه بالألوان. وصفتَ ٣٠ سنة من حياتها في «حياة إلسي توكلاس». «ثلاث صور من الحياة»: سباقٌ ذهني بطيء لثلاث نساءٍ ساذجاتٍ بأسلوبٍ إيقاعي تكراري قضى على الصرف والنحو والإعراب بغية تحرير اللفظة المنفردة، فأصبحت اللغة لدنة وإمكانياتها غير محدودة. تجلَّى هذا كله في «تكوين الأمريكيين» أعسر روايات العصر قراءة. أصلحتَ بعض الشيء من إسرافها في هذه التجربة في كتاباتها التي جاءت بعد ذلك كأوبرا «أربعة قديسين في ثلاثة فصول» (حاولت تحطيم الزمن). ظل اكتشافها هذا ماثلًا أمامها وهي مقتنعة أن في إمكان الفن أن يعيش في «الحاضر الفعلي التام» عن طريق استعمال الألفاظ خارج سياقها الشكلي كعناصرَ صرفةٍ للتعبير المباشر.
جون دوس باسوس (وُلِد ١٨٩٦)، النظرة البانورامية الشاملة. روحٌ صحفية. المدينة ذاتها أكثر من فردٍ بعينه في ثلاثية «الولايات المتحدة».
هيمنجواي: إطارٌ ضيق من ثلاثة أبعاد؛ الشخصية البسيطة. الأسلوب البسيط. الموقف البسيط. في كتابه «تلال أفريقيا الخضراء» تحدث عن النثر ذي الأبعاد الأربعة؛ هو الذي لم يُكتب بعدُ ولكن يمكن كتابته. هناك بُعدٌ رابع وكذلك بعد خامس (الرمزية؟). (البرقيات الصحفية المختصرة).
«هناك ملايين من المثقَّفين العلميين في روسيا الآن، وكثيرٌ منهم يعمل في الأقمار الصناعية وفي آلاتٍ أخرى بالغة التركيب والتعقيد. وهم بذلك يُحبون الشعر الذي يجهد الشاعر في ابتداعه، الشعر المركَّب. إنهم لا يستسيغون افتتاحيات الصحف التي كُتبَت نثرًا بدلًا من أن تُكتب نظمًا.» فوزنسينسكي.
نيزفسني في مجلة اتحاد المصورين السوفييتية، عرضه حسين فوزي في «الأهرام» ٢٨ يونيو ٦٣.

«زماننا زمن الاختراق؛ اختراق الآفاق، واختراق سرعة الصوت، واختراق الفضاء.

فنحن اليوم باحثون عن صلاتٍ جديدة في عالم الواقع. والفنان المعاصر نظرته للعالم توازي تمامًا الفكرة المعاصرة عن كيان الكون؛ لأن الفنان الصادق هو الذي يرتفع إلى المستويات التي تُحقِّقها عقول معاصريه في غير الفن.

ومن الخطأ أن نتصوَّر عالمًا حديثًا يتمسَّك بنظريات السابقين من العلماء؛ لأن العالم الحقيقي لا يسعى إلى تطوير نظرياته فحسب، بل هو على استعدادٍ لأن يقلبها رأسًا على عقب، عندما يفرض عليه تقدُّم العلوم أن يتخلى عنها؛ فالإنسان في زماننا لا يعنيه أن يقيم نصبًا تذكاريًّا لمجد الإنسان. إنما تهمه فاعلية الأعمال ذاتها.

والفنان، كالعالم، صناعته الكشف عن الكون، ولو بطريقته الخاصة؛ فالتصور والإدراك الداخلي، الفهم والرمز، كلها عناصر في عالم الفنان ورجل العلم، ولكن في أدوارٍ مختلفة وبدرجاتٍ متفاوتة. والفرق بين اقتحام دنيا رجل العلم ودنيا رجل الفن، هو فرق في التوقيت والدرجة. كما أن إحساس الفنان بالحقيقة العلمية لا ينفصل عن طبيعة الفن.

مثلًا، ما كشف عنه الميكروسكوب الإلكتروني، والتصوير الفوتوغرافي على البعد، وفحص الأفلاك بأمواج الأثير، أضاف ثروةً من الأشكال الجديدة لعالمنا. ومع ذلك فالفنان كان سبَّاقًا إلى إدراك بعض هذه الأشكال عن طريق مخيِّلته وحاسته الفنية.

والقوالب أو الصيغ الجديدة (الأشكال) لا تجيء تبعًا لحساباتٍ عقلية هادئة إنما يحقِّقها رجل الفن بتجاربه الإنسانية وإحساسه المرهف بتنوُّع أشكال المادة. ويقول أينشتاين: إن مطالعة دوستويفسكي أعانته على الوصول إلى النظرية النسبية. لماذا؟ لأن دوستويفسكي كان شديد الحساسية بالحياة عميق النفاذ إلى أركانها حتى ليُعتبَر مكتشفًا قاسيًا جريئًا لأغوار النفس البشرية.

الإدراك الداخلي والتصوُّر أساس كل عملٍ خلَّاق؛ فالعالم يتصوَّر ويتخيَّل ما لا يراه، كما حدث في الكشف عن داخل الذرة، أو عن مادة التوريت، وكذلك الفنان، إدراكه الداخلي وتصوُّره يقودان إلى اكتشاف أشياءَ بأسبقِ ما توصَّلَت إليه الملاحظة المباشرة. والفن الصادق الأصيل هو الذي يكشف الغطاء.

والإنسان المعاصر، وهو ينقب عن حقائقَ جديدة، لا يضيع وقته في تكرارِ ما عرفه الناس من قبلُ، ولا في المرور بأدوار الاختراعات من أولها؛ فهناك آلاتٌ للملاحظة والتسجيل والحساب تعصم الإنسان من أن يكون مجرد متأمل للطبيعة؛ لأن الفنان وُلِد ليخلق لا ليكون مسجل عقود، أو رئيس حسابات الكون.

والفكرة، كعمل وإجراء، لا كمجرد تأمل، هي التي تميِّز فنان العصر الحاضر. وهو كأي فنان، لا يرضى أن يكون مرآةً للظواهر الكونية حوله، بل يهدف إلى أن يخلق عالمًا جديدًا، أو أن يطوِّر عالمه القديم. والماركسية تقول بأن الإنسان هو الذي يهندس قضاءه وقدرَه.

نحن في حقبة الفيلسوف الفنان؛ لأن فن الفكرة هو وحده الجدير بالعيش في عصرنا. وما يطلبه الآن الفن من رجل الفن هو أن يُحوِّل التصور الفلسفي إلى صورٍ وجدانية.

ما هو الجمال في عرفي؟ إنه التوتُّر. هو القالب الدرامي الذي يعبِّر به الفنان عن فكرةٍ عظيمة بعقله وإحساسه؛ فالموات لا توتُّر فيه ولا إمكانيات للتطور؛ لأن التوتر ديدن كل شيءٍ حي. والحياة وهي تتقدَّم، تُغالِب عقبات الحياة ذاتها فالحركة والسكون جميلان، أما الغشية فهي قذى العين، والقبح بعينه.

والأكاديمية (أي الاتباع) في الفن، هي غشية الحواس، نظرتها إلى موضوعها نظرةٌ زجاجية، لا حياة فيها.

والنحت تحقيقٌ لأبعاد الفضاء الثلاثة؛ لهذا أحرص على أن يجيء كل واحدٍ من أعمالي لا مجرد قطعة أو «موضوع» بل أن ينتصر على الفضاء، أو يشكِّل تنظيمًا خاصًا له؛ فالكتل والاستدارات المحدودية، والفراغات في عمل النحَّات تشكِّل إيقاعًا خاصًّا قد يكون هادئًا أو قلقًا وقورًا وحزينًا. وأنا أسعى لتوليد هذا الإيقاع مع العناية بالإنشاء والتكوين؛ ففي كل هذا ينفُخ الفنان في عمله روح التوتُّر.

… وعملي كنحَّات هو البحث عن الكناية والرمز فيما يوائم عصرنا. فكر لحظة بالعصور الخالية: ما هو القنطورس؟ إنه الإنسان/الحصان. وما هو الفنكس؟ إنسانٌ مجنح، له بأس الأسد. لكن لا الجياد ولا السباع في حياتنا الحاضرة تقدَّم رمزًا على القوة؛ فكل الناس اليوم بفضل العلم فيهم قوة الأسود، ويطيرون بأسرع وأعلى من النسور، فكيف نُحقِّق الصلة بين الإنسان والتكنولوجيا؟ كيف نستطيع بلوغها في كمال وجمال القنطورس وأبي الهول؟

… وأخيرًا تعبُر خاطري فكرة الغموض في الفن. من حق الفنان أن يكون غامضًا. إنما الجريمة الفنية أن يتخذ الغموض شعارًا؛ فالفنان في حاجة لأن يفهمَه أكبرُ عدد من الناس. ومن مآسي رجل الفن أن يستغلق أمره على الجمهور.

لكن هذا بالذات يلقي على عاتق (…) تبعةً لا يُبدي الجمهور استعدادًا للاضطلاع بها؛ وهي أن يُحسُّوا نحو الفنان بواجبهم، فيبذُلوا في فحص العمل الفني جهدًا إيجابيًّا؛ دون أن يتأثَّروا برواسب الأفكار الراسخة العتيقة فتحُول بينهم وبينه الحيدة المطلوبة لإصدار الأحكام.»

مشاعرُ مختلطةٌ مركبة.
«هيمنجواي، الكاتب فنانًا»، كارلوس بيكر، ترجمة الدكتور إحسان عباس.
– منه إلى فيتزجيرالد (بعد رحلة «كينيا» ومرضه بالدوسنتاريا ورؤيته قمة كليمنجارو): إن أي شيءٍ يُصيب الكاتب يجب أن يكون مصدر نفعٍ له فإذا تألَّم فليس له أن يتذمَّر شاكيًا ولكن عليه أن يُحوِّل الألم إلى إنتاج.»

– «أريد أن أكتب قَدْر استطاعتي، وأتعلَّم أثناء تنقُّلي وأسفاري، وأنا في الوقت نفسه أستمتع بحياتي.»

– في أفريقيا: «عليك دائمًا أن تُقيِّد كل شيء. اكتب، أَثبِت ما تراه وما تسمعه، دون أن تفكِّر كيف يُتاح لكَ أن تُفيد منه.» بعد ذلك وصف هيمنجواي بكل دقةٍ ما صادفه في الرحلة في كتاب «نجاد أفريقيا الخضر» وبعدها بسنة استغل مادته في قصتَين بارعتَين هما «ثلوج «كليمنجارو»»، و«حياة فرنسيس مكومبر القصيرة السعيدة».

– «الكتابة منافسة ومضاهاة. وعلى الكاتب إذن أن يستكشف من خلال قراءاته ما يجب أن يبزَّه أو يُحاكيَه.»

– مقياسه الخاص في الحكم على الكتابة؛ مقدار توفُّرها على أن تنقل للقارئ «كيف كان الحال» في الزمان والمكان اللذَين اختارهما الكاتب ليكتُب عنهما … كل الكُتاب الكبار يشتركون في القدرة على استغراق خيال القارئ، ومن ثم «نعيش نحن في تلك الكتب ونجد أنفسنا» — كما يقول «هيمنجواي». وحين قال متحدثًا عن نفسه وعن غيره من الكتاب: «إن أحسنَّا — معاشر الكتاب — فيما نكتُب، ذهبتَ أيها القارئ إلى حيث ذهبنا.»

– المقياس العملي هو المشاركة. وهناك مقاييسُ أخرى عملية؛ صدق الكتابة وحيويتها (أي بحيث لا يمكن نفي شيءٍ منها نفيًا تامًّا دون أن يؤثِّر ذلك في حيويتها لغةً أو فكرًا أو عملًا).

– «البساطة خير محكٍّ لمقدرة الفنان؛ فالفنان الرديء يفشل إذا انتحى البساطة، أمَّا من انتحلَها ونجح في ذلك فلا بد من أن يكون عظيمًا.» «ليتون ستراشي».

– «الذكريات الثاوية التي تنتفض من مكانها وتؤرِّق صاحبها رغم أنفه.»

– تجربة «هيمنجواي» في «أفريقيا» في نقل الواقع: قال في مقدمة كتاب «النجاد الخضر»: «هب أنه أُتيحَت لك بلادٌ ممتعة كأفريقيا وفترة شهر للصيد، وعزم على ألا تروي إلا الصدق وجعلتَ من كل ذلك كتابًا، فهل يستطيع هذا الكتاب أن ينافس كتابًا من عمل الخيال؟ الجواب بالإيجاب. إذا كان الكاتب بارعًا يلتزم بطرفَي الصدق والجمال أي كيف كان الحال + بناء محكم … لكن التجربة برهنَت أيضًا على أن الكاتب الذي لا يتصرَّف بأحداث تجاربه، فيرويها تمامًا كما حدثَت ولا يخترع شيئًا، يُضيِّق مجالًا رحبًا على نفسه في تلك المنافسة (روعة «ثلوج «كليمنجارو»» و«حياة فرنسيس مكومبر»). وقد مكَّنَ هذا الكتاب والقصتان مبدأً فنيًّا هامًّا في ذهن هيمنجواي: أعلى الفن لا بد له من التصرُّف بالطرق التي ينقل بها الصدق لا بالصدق نفسه.
هيمنجواي والسياسة «الأديب يستطيع أن يكفل لنفسه سيرةً حسنة ما دام حيًّا … إذا اعتنق قضيةً سياسية وعاش يعمل من داخلها وجعل اعتناقه لها مهنة، فإذا فازت تلك القضية ارتفعَت مكانته … ولكن لا شيء من هذه الأمور يُعينه على أن يكون أديبًا إلا إن استكشف جديدًا يضيفه بأدبه إلى المعرفة الإنسانية.»

– «يجب أن تكون الكتب التي تؤلِّفها عن ناسٍ تعرفهم تحبُّهم وتكرهُهم لا عن ناس تقرأ عنهم، فإذا كتبتَ عن أولئك الناس بصدقٍ فإنك لا بد أن ترى من علاقاتهم الاقتصادية كل ما يتسع له كتاب.»

– «الأمر الهام في أي قصةٍ هو أن تنتهي منها كما أن أهم شيءٍ في الحرب هو أن تكسبها.» «لمن تدق الأجراس»، ٧٠٠ حتى ألف كلمة يوميًّا أي بين خمس صفحات وسبع صفحات في اليوم. عمل فيها ١٨ شهرًا معيدًا كتابة كل يوم ومراجعًا.

هناك كانت تتجلَّى مشاعر الحزب في أشد حالاتها تزمتًا وإيمانًا يشبه العقيدة. وكانت تلك الأحاسيس تمنح أتباعها «المشاعر» التي يريد المرء أن تتوفَّر لديه — فلا تتوفر لديه — في أول عشاءٍ رباني … إنها تمنحه المشاركة في شيءٍ يؤمن به إيمانًا كاملًا تامًّا ويُحسُّ فيه بالأُخوة المطلَقة بينه وبين رفاقه المشتركين معه.» وهذه الإشارات الدينية تؤكد لدينا أن ذلك المذهب الدنيوي حل محل الدين، فاستطاع أن يأسر إخلاص المثاليين البعيدين عنه.

ومن صور الكفاح في «إسبانيا» محاولة المثالي أن يظل له إيمانه في وجه ذلك التثقيف الواقعي الذي يجده في جيلورد.
– «كل الكتاب الرديئين مغرمون بالملحمة». إن من يجهد وراء الطول الملحمي (ويتمان شعرًا وولف نثرًا) قد يُحيل المكتوب إلى خطابة … «لمن تدق الأجراس» ملحمةٌ نثرية. خطأ الفاشلين جهلهم «المجاز الذي علاقتُه كلية»، أي التعبير بجزء عن كلٍّ، مع تحقيق القوة الرمزية المجازية الكبرى دون إغفالٍ لخصوصية الأجزاء. نجاح هيمنجواي في أن قصته حافلة بالأبعاد الرمزية.
– من وسائل هذا المنهج اللغة المدبَّجة عمدًا في «لمن تدق الأجراس» وهي وسيلة لتحقيق المنهج الملحمي. يقول إدوار فنيمور: «إن تردُّد النغمة الإليزابيثية في عددٍ من التعبيرات والجمل في صفحات هيمنجواي كان أمرًا محتومًا؛ لأن في قصته ما في الملحمة من اتساع، أعني أن شخوصه تعني شيئًا أكثر من ذواتها؛ لأن العمل الذي تؤدِّيه يتسع حتى يعبِّر عما هو كونيٌّ عام … أو قومي على الأقل. وكان لدى الإنجليز في العصر الإليزابيثي لغةٌ ملحمية، فتغلغل هيمنجواي في أشكال هذه اللغة بينما كان يجوس خلال العالم الذي يخلُقه.»
– مرحلةٌ جديدة في نضج هيمنجواي في هذه القصة؛ فبعد أن كان المتمرِّن القديم يرى شعاره هو «المس وامض»، أصبح شعار «المعلم» والمحنك «توقف وتأمل». لم تمُت خصائصه الأولى غير أنه تخطَّاها بعيدًا، فمثلًا الإيحاء — وهو المبدأ الذي يتطلب من القارئ أن يُلبس الحقيقة العارية من نسيج خياله — لم يُضحِّ به بل تعدَّاه إلى مبدأ «الخزن» أي أصبح يخزن في تضاعيف القطعة الأدبية كثيرًا مما كان يحذفه من قبلُ في سبيل الاقتصار على الإيحاء … فالتوقُّف عند الماضي والتأمُّل فيه — أو اختراعه — لترى العين مدى دلالته على الحاضر — هو انتقالٌ حقَّقه «هيمنجواي» في دور النضج؛ أي تنازلَت لديه الرغبة في النقل عن مكانها للرغبة في الاختراع، دون التضحية بالأُولى من أجل الثانية. من قبلُ كانت مجالات النظر في الماضي لديه محدودة، أما في دور النضج فقد أصبح «سلاح» الزمن الماضي كلُّه مُسلَّطًا على الزمن الحاضر، وهذا من خصائص الفن الملحمي أيضًا.
– من خطابه إلى لجنة جائزة نوبل في ١٩٥٤: «إن الكتابة في خير أحوالها عيش في الوحدة، أما منظَّمات الكتاب فتُخفِّف عليهم وحدتهم ولكني أشك في أنها تُحسِّن كتابتهم؛ فالكاتب يرتفع نجمه بين الجمهور لكنه يتخلى عن وحدته وينحط إنتاجه؛ لأنه لا بد له من الوحدة. وإذا كان كاتبًا مجيدًا فعليه أن يواجه الخلود أو فقده كل يوم. وكل كتابٍ لدى صاحبه يجب أن يكون بدءًا جديدًا حيث يُحاوِل أن يحقِّق شيئًا يعسُر على التحقيق. وعليه دائمًا أن يُجرِّب شيئًا لم يكن، أو جرَّبه غيره وأخفَق فيه، وقد يُسعِفه الحظ أحيانًا على النجاح. ما أبسط الكتابة لو كان كل كاتبٍ يُعيد ما كتب من قبلُ على نحوٍ جديد. ولما كان لدينا كُتابٌ مجيدون في الماضي فلا بد للكاتب الحديث من أن يبعُد موغلًا حيث يستطيع أن يبلغ وحيث لا يكون ثمَّة من يُعينه.»
قال إليوت للشاعر الأمريكي دونالد هول في عام ٥٩ ونشر ذلك في «باريس ريفيو»: «أعتقد أن ممارستي نشاطاتٍ أخرى، كالعمل في مصرفٍ بل وفي دار نشر، كانت لها فائدةٌ كبيرة لي. وأعتقد أيضًا أن الصعوبة التي لاقيتُها — لأنه لم يكن لديَّ مُتَّسعٌ من الوقت الذي أحببتُ أن يكون لي — جعلَتني أهتم اهتمامًا كبيرًا بالتركيز … أعني أنها منعَتْني من الإسهاب في الكتابة؛ فالخطر هو أن المرء إذا لم يكن لديه شيءٌ آخر يعملُه فإنه سيُسهِب في الكتابة بدلًا من أن يُركِّز اهتمامه بكميةٍ قليلة ويُقرِّبها إلى مستوى الكمال.»
لا بد من الاهتمام بالرموز الدينية؛ لأنها تعيش في أعماق الناس منسوجةً بوجدانهم وتصرُّفاتهم وأفكارهم فيُمكِنُهم أن يُحِسُّوها ويستجيبوا لها. «غار حراء»، الصلب.
«مشكلة الواقع في الفن الحديث»، إرنست فيشر ٥٦، مجلة «نوفيل كريتيك» الفرنسية:٢٧

– إن الواقع بالنسبة للفنان أكثر عمقًا وأكثر تعقيدًا وأكثر سريةً منه بالنسبة لرجل العمل الذي يقنع بأن يمارس على الواقع سيطرةً مباشرة، وليس عليه أن يستخرج منه موادَّ مختارةً بعناية يدَّخرها لكي يستخدمها في خلقٍ فني. إن الواقع لا يتكوَّن فقط من المعطيات المباشرة والواضحة وحدها ولا من العالم الموجود بشكلٍ مستقل عنا، لكن أيضًا مما لا يمكن فهمه، الحلم، الرؤيا، العمل الفني ذاته، بل وحتى أنواع التداعي التي يُنتِجها خيالنا. إن الفنان يختار من هذا كلِّه ما هو جوهري؛ أي يتخذ موقفًا.

– لم يسبق أبدًا أن تشابَكَ الكل ببعضه بهذه الدرجة التي لا يمكن فصلُها، ولم يسبق للعالم أجمع أن وصل إلى هذه الدرجة العميقة من التكامُل مع مصير كل فرد، ومع كل صراعٍ يقوم به الفرد، لم يسبق أبدًا أن وجد العالم في كليته بمثل هذا القَدْر في كل جزءٍ من أجزائه. ولم يعُد من الممكن أن تكون أحداث التاريخ العالمي المثيرة مجرد ديكور في أي عملٍ فني لعصرنا، وإنما يجب أن تنعكس الظواهر بكليتها حتى في الموضوع المحدود جدًّا. إن المشكلة التي تُواجه كل كاتبٍ كبير هي: الوصول إلى ذلك دون افتعال موهبته.

– كيف يُمكِن التعبير عن الواقع الجديد العملاق؟

– … لقد وُجدَت احتياجاتٌ جديدة وهي توتُّرٌ متزايد وإيقاعٌ أكثر حيوية وتأثير كالصدمة الفنية.

– … ومن الأسهل بكثير بالنسبة للأدب والفن وضْع العالم القديم في قفص الاتهام … إن ذلك أسهل من تصوير العالم الجديد، دون إخفاء مصاعبه، ودون تبسيط مشاكله، ولكن أيضًا دون التخلي عن مهمَّة استشعار المستقبل الذي في طريقه للولادة في قلب الحاضر. «الديالوج الداخلي — كلود مورياك — كوسيلة لحل مشكلة المستقبل؟ وأيضًا طريق روبير جرييه الجديد؟» المثال والمسخ كوسيلة لعرض الواقع بعمقٍ مركَّز — كافكا

– … إننا نعيش في عالم أصعب في تصويره مما يريده بعض المستشارين ذوي النوايا الحسنة من الفنان والكاتب بقولهم: «صوِّر الطبيعة كما هي في الواقع، صِف البشر كما هم حقيقة! المسألة ليست بهذه الصعوبة!» اسمحوا لي! إنها بهذه الصعوبة! لكن بعد تحديد هذه الصعوبات لسنا على استعداد للمساومة مع فن وأدب هجرا الواقع الاجتماعي، وجعلا الوجود قاتمًا بأقنعة غامضة. يكمن في أنفسنا الإصرار على طلب فن يبحث بحزم عن الحقيقة، ويُصوِّر الواقع ويعرضه من كل جوانبه، ويُوضِّح مشاكله وتطوُّره. إننا مقتنعون أنه يُوجد أكثر من طريقٍ يؤدي إلى هذا الغرض وأكثر من شكلٍ يسمح بالتعبير عن جوهر الأشياء …»

(٦) يوليو

أول يوليو: فكَّرتُ في قصةٍ قصيرة بعنوان الأغنية. طوال الأسبوع كان جو منزل ماما تحية يُلِحُّ عليَّ. فجأةً أجد نفسي أشمُّ رائحته في حنان. واكتشفتُ أن هذا كان يحدثُ لي من زمن بعيد بين الحين والآخر. فقرَّرتُ أن أكتب هذه القصة بأسلوبٍ بسيط ربما كنتُ متأثرًا في تحديده بما قرأتُه عن الموجة الجديدة في فرنسا وكاتبة يوغوسلافية (الجد والعصافير والبحر) من أعضاء هذه الموجة.
٥ يوليو: يُوجد تطوُّر في الموضوع قليلًا. إضافة قصتَين أخريَين في نفس الاتجاه يربطهما موضوعٌ واحد هو الحرب من بعيد، وذكريات فترةٍ محددة. الأسلوب بسيط تمامًا. بدأت العمل؛ اسمٌ مشترك هو «عن الأغاني والشكولاتة».
في ليلة ١٣ يوليو ٦٣ عثرتُ على نص خطابٍ كنتُ أرسلتُه إلى أختي وأنا أفكِّر دائمًا في أن أكتب لأختي عن مشاعري الحقيقية نحوها وأصف لها أشياءَ كثيرة. لكن خطاباتي لها تمُر بأكثر من جهة قبل أن تصل إليها. وإحساسي بأن هناك من سيقرؤها ويبتسم لسذاجة المشاعر الواردة بها كانت تشل يدي، وأيضًا فكرة أني قد ألتقي بواحدٍ قرأ هذه الخطابات وسخر مني وبينه وبين نفسه ولا أعرفه وينظر إليَّ ساخرًا دون أن أعرف. رغم أن الآخرين لا يعبئون بمشاعرك الساذجة.

وفكرة أن هذا الوضع يمكن أن يكون شأن حياتي كلها. وهو من ناحيةٍ أخرى يمثل دور الدولة بالنسبة لحياة الفرد، ودور الآخرين.

قد ينظُر البعض لهذه القصة من الناحية الجنسية فقط، وهذا يكون خطأً بالغًا. ربما رأى فيها البعض تعبيرًا عن نرجسية.

كافكا؟ المعادل الموضوعي لإليوت؟
خطٌّ آخر. صورة للصراع النفسي في داخل شخصٍ بين رغباته البسيطة البدائية (الهو) وبين جهاز الوعي (الإيجو والسوبر إيجو).
الرجل الآخر.

انحنيتُ برأسي إلى أسفل ومددتُ يدي إلى فتحة بنطلوني وفككتُ الزرارَين الأخيرَين.

كنتُ أرتجف من السعادة واللهفة؛ فقد حانت الفرصة أخيرًا.

وتسلَّلتُ بأصابعي داخل الفتحة أبحث عن جسمي الصغير. فجأةً أحسستُ بشيء يدفعني ويضغط بشدة على كتفي، وعندما رفعتُ رأسي إلى أعلى، اصطدمتُ برأسٍ غريبة لرجل لا أعرفه تنحني فوق كتفي. وكان الرجل ينظر إلى حيث تسلَّلَت أصابعي.

شعرتُ بدمي ينشف. أخرجتُ أصابعي بسرعة وكانت ترتجف. وحاولتُ أن أُغلق فتحة بنطلوني ولكني لم أستطع فاكتفيتُ بأن وضعتُ يدي على الفتحة.

ونظرتُ إلى الرجل الغريب، لم تلتقِ عيناي بعينَيه فقد كان لا يزال ينظُر إلى أسفل باهتمام، إلى حيث تجمَّدَت أصابعي. وخُيِّل إليَّ أني رأيتُه يبتسم.

لم أعرف ماذا أفعل. وكنتُ أُحاوِل أن أفكِّر. ولكن رأسي كانت مشوَّشة. وكان هناك السرير العريض في أقصى الغرفة. وكان سطحه الأبيض المسترخي يدعوني إليه، كامرأة تنتظرني مفتوحة الذراعَين.

أحسستُ بكتفي تؤلمني. كانت ذقَن الرجل كقطعة حجر. وكانت تضغط بشدة على كتفي. وفكَّرتُ أن أتكلَّم مع الرجل ولكني لم أستطع. ولم يكن يبدو عليه أنه يفكِّر في الانصراف. وعُدتُ أنظر إلى السرير في يأس. لولا هذا الرجل لكنتُ الآن فوق هذه الملاءة البيضاء النظيفة. لولاه لكنتُ خلعتُ ملابسي من زمن، واحتفظتُ بالأجزاء الداخلية بعض الوقت، ثم ارتميتُ على المرتبة الناعمة المتموِّجة أتمرَّغ فوقها ثم أتخلَّص من الأجزاء الداخلية. وأتمدَّد أخيرًا عاريًا تمامًا.

ولم يعُد سطح السرير الممتد أمامي مستويًا كما كان من قبل؛ فقد أصبحتُ أرى فوقه علاماتٍ كالكدمات. وهبطَت الوسادة قليلًا في منتصفها وانبعج طرفاها.

وابتسمت.

ها هو جسمي يرسم آثاره على السرير عندما أنام على وجهي، وأدفن أنفي ورأسي في المخدَّة الناعمة، وأتشمَّم رائحتها النظيفة، وأبسط ذراعيَّ حولي في أنحاء السرير فلا تطولان آخره ولا تصطدمان بأي شيء. وأتنهَّد في راحة. وأشعر بجسمي كله مصطدمًا بالأغطية وأشعر بأثَره وأعتدل على ظهري. وأثني ذراعي. وأُلقي به على وجهي. وأتحسَّس بشفتي جلده الناعم. وأتشمَّم عرق إبطي الذي أُحبُّه. وأُداعب بيدي شعره الذي سعدتُ به عندما ظهر لأول مرة منذ سنواتٍ بعيدة. وأبسط ذراعيَّ أخيرًا حولي. وأسترخي في رضًا وأروح أتحسَّس صدري بأصابعي ويملؤني الزهو. أشعر أن جسدي قويٌّ مليء بالعضلات. وأتلمَّس في فخرٍ شعر صدري القليل وهو شعور يختفي على الفور لو وقفتُ أمام المرآة ورأيتُ قامتي النحيلة وجسدي الضئيل. لكن هذا لن يحدث وأنا فوق السرير؛ فعندما أستدير على جانبي الأيسر واضعًا ذراعي اليمنى تحت رأسي، دافنًا اليسرى بين ساقيَّ، سأشعُر أني جميل ولطيف وقوي. وسأسبَح في نشوة الحرارة التي تحصُل عليها يدي اليسرى من جسمي. الحرارة والنعومة. ما ألطف جسمي الصغير هذا! لو أستطيع أن أُقبِّله. حاولتُ مرة أن أنثني لأُقبِّله ففَشِلت. وأغمضتُ عيني. ها هو حلمي القديم لن يتحقق، فما أسوأ حظي! وأوشكتُ أن أبكي. لماذا يأتي هذا الرجل في اللحظة التي أتخلَّص فيها من الآخرين الذين لم يكونوا يتركونني بمفردي أبدًا؟ أعددتُ كل شيء في رأسي. أعددتُه جيدًا. كيلا تفشل هذه الساعات الرائعة. كانت هناك عدة خيوطٍ لأختار بينها. ولأنتقل من واحدٍ إلى آخر لو لم يعجبني ولو تغيَّرَت حالتي النفسية.

كانت هناك البحيرة واسعةً عميقة لا تبدو نهايتها. وتحفُّ بها غاباتٌ من الأشجار العالية الكثيفة وعلى صخرةٍ بارزة فوق البحيرة أجلس أنا. أتطلَّع إلى المياه أبحث فيها عما أريد. عندما تكون ثائرةً مضطربة يقلبُها الهواء ويعصفُ بها أرى فيها صدري المضطرب الثائر. وعندما تكون جامدةً ساكنة كالزجاج أرى فيها روحي الملولة وضجري. وعندما تكون هادئةً وادعة تتحرَّك في رقَّة وخفَّة بفعل النسيم أرى فيها نشوتي وأحلامي وسعادتي. والمياه الآن تضطرب في خفَّة والرياح باردة قليلًا. وبين الأشجار.٢٨
١٨ يوليو: فكرةٌ جديدة تتويجًا لعمليةٍ كانت تحدُث طوال الأيام الأخيرة وهي استرجاع فكرةٍ محدَّدة والتعمُّق في أحداثها. عمل روايةً طويلة مكوَّنة من حوالي عشر قصصٍ قصيرة مستقلة في الظاهر. هي فترة حارة المرصفي. وتلعب فيها الشكولاتة والأغاني أدوارًا رمزية؛ ففي بدء الرواية في القصة الثانية تمثِّل الشكولاتة بشاعة الحرب والواجهة الحلوة التي تُخفي البشاعة. وبعد ذلك في قصة الأم التي لم أكتبها بعدُ تلعب دورًا رمزيًّا ثانيًا هو فشل الاتصال بين الإنسان والإنسان. ثم في نهاية الرواية في آخر قصة، تقوم الشكولاتة بدورٍ آخر هو تحقيق الاتصال بين الإنسان والإنسان.
لا يُوجد أسعد مني اليوم رغم أني لم أستطع أن أنام ظهرًا بسبب سيطرة هذه الأفكار عليَّ وبالذات وصولي إلى فكرة الربط بين هذه القصص وانتهاءً بقصة أم فايقة ورمز الشكولاتة. أجمل شيء أن هذه الرواية تمضي في اتساق مع خطتي عن هذه الفترة. إنني عازم على إنهاء رواية «العنكبوت» بعد هذه الرواية. و«الشكولاتة» تتناول الفترة التي لا مكان لها في «العنكبوت» أو «خليل بيه يموت» أو «الحلم».

أشعر أنني أكتب شيئًا مختلفًا تمامًا عن «العنكبوت» لا أدري كيف؛ فلا يُوجد البناء المعيَّن (المقيد؟) أو التوتُّر العنيف في «العنكبوت». إني أكتب الآن بنوعٍ من الحزن الخفيف والحنين الدافق، ولا أبحث عن مواقف أو قمم وإنما أحاول أن أترك نفسي تنساب. وأشعر أني من زمنٍ أريد أن أكتب هكذا، ولكن ليس معنى هذا أن هذا هو هدفي؛ فأنا أعتقد أن الموضوع نفسه لم يكن ليُصوَّر إلا هكذا. وربما كان الأمر نوعًا من الراحة أعود بعدها إلى ذلك التوتُّر الذي يحكُم الرواية الأولى.

هل القضية في الفن قضية شكل. أيمكن القول إن الفن شكَّل أساسًا. وليس معنى ذلك أننا ضد المضمون؛ فالشكل من غير مضمونٍ لا معنى له (اللوحة التجريدية يكمن مضمونها في مجموعة الأحاسيس التي يُمكِن أن تثيرها مساحاتٌ متناسقة من الألوان في النفس). الفنان عندما ينتج لا تُحرِّكه أولًا فكرةٌ محدَّدة وإنما تثيره أشكال وأساليب وفي خلال معالجتها يبثُّها الروح أي المضمون (وقد يحدث العكس) في المجتمعات المتخلِّفة أو عندما يُوضَع الفن في متناول الجماهير بشكلٍ واسع في مرحلة تكون فيها متخلِّفة ثقافيًّا (روسيا عند الثورة) يكون الأسلوب المباشر ضروريًّا ومنطقيًّا. وعندما يرتفع المستوى الثقافي أو تتعقَّد الحياة أكثر ويزداد التطوُّر الفكري تصبح الحاجة مُلحَّة إلى مزيد من العمق، إلى أساليب وأشكالٍ جديدة، إلى ارتباطاتٍ أكثر تنوُّعًا وعمقًا بين عناصر الإبداع في كل فن (في القصة الذكريات والتجربة والرمز والأسلوب والوعي العلمي).
إذا أردتُ أن أصف صورة أختي عندما كانت صغيرةً وساذجةً ومتفتحة ويمكن أن يُصنع منها شيءٌ كبير، وترتدي فستانًا بمبيًّا بنقطٍ بيضاء يبدو منه بروزٌ خفيف جدًّا في صدرها وعرق عند حافة الفستان فوق كتفها، فهل يمكن للكلمات أن تنجح في وصفها ونقل الإحساس الذي يُحفر في صدري؟ السينما تستطيع ذلك بشكلٍ أحسن. وعند هذا لا بد من البحث عن طريقةٍ ما غير الصورة الفوتوغرافية الدقيقة لعكس الإحساس المطلوب بالكلمات.
١٢ ساعة في حياة راهبٍ مسكين:
  • (١)

    الاستيقاظ. الفروض اليومية. الراهب الثاني. احتكاكات الضحى. نفورٌ محدَّد. لا عاطفة. تعجُّب لما حدث من قبلُ.

  • (٢)

    رغبة في الاحتجاج. ماذا يظنه.

  • (٣)

    أحداثٌ صغيرة (حجرة الكابتن) ثقة في اتجاه عواطفه.

  • (٤)

    نوع من الاحتقار الذاتي أو الرغبة في المقاومة على أساس هذا الموقف الذي تكرَّر.

  • (٥)

    ليلًا تحوُّل في اتجاه المشاعر: ماذا يدور برأس الثاني؟ كيف حدث ما حدث؟ الحادث هو ما كنتُ أتشوَّق إليه منذ الحادث القديم؟ لأن الراهب لم يكن له أبٌ ولا أم وكان صغير السن؟

    تبدأ هكذا: «استيقظ الراهب في موعده المعتاد. وكان أول ما شعر به هو إحساس غامر بالارتياح؛ لأنه كان نائمًا ولم يكن يفكِّر. وعندما تنبَّه إلى ما حوله وإلى الفُرش والجدران والملابس تذكَّر علاقته بكل هذه الأشياء. وتذكَّر على التو الراهب الثاني.

    وكان الراهب الثاني قد قام من نومه مُبكِّرًا …»٢٩
في القاع وعلى السطح:
(في القاع) ياه. هذه الردهة القصر. الأم. الفوطة والحمَّام وحضنه. سرقة الخمسين قرشًا. الست التركية والترام والسينما. حنان الأب الذي اختفى. في المدرسة لا أحد يريده (لطيف). الملابس القديمة. إعادة البدلة إلى إبراهيم. الجاكتة بتاعة محمد في الطريق إلى «السعيدية» (وجيه) رأسه المحني للتأكُّد من البنطلون.
(على السطح) وحيد. مغلق. الأصدقاء من حوله يحبون ويتحدَّثون عن حبهم. منير: متهيأ لي بتحبك … (ﻓ)، (ر). شعرها والفوطة. اهتمامها. إنت وجيه. وحيد. لطيف. بسيط.٣٠

– هل يلتحم الجنس بالرغبة في الأم؟ كيف يمكن التعبير عن فكرة الأعماق والسطح في شكلٍ جديد؟ يأكل صدري شيءٌ لا أدري ما هو. أخشى أن تكون النتيجة هي فكرة الرواية التحليلية القديمة. أبحث عن شكلٍ جديد.

قرأتُ روايةً رائعة عن الفضاء. «أندروميدا» لعالمٍ سوفييتي في الحفريات. كنتُ قد قرأتُ الفصل الأول منها في مجلة «الأرض السوفييتية» الهندية عام ٥٨. أشعر برغبةٍ شديدة في متابعة المسائل الخاصة بالفضاء وأعماق البحر وأعماق الأرض. ما أفظع مأساةَ الإنسان في هذا الكون الرهيب المترامي! فكرة الزمن الرهيبة.
قرأتُ كتابًا هامًّا لسومرست موم٣١ عن حياته. رغم احتقاري السابق لشأنه إلا أني وجدتُه مفيدًا، عندما انتهيتُ من الكتاب كنتُ أشعر بالكآبة وظلَلتُ هكذا لفترةٍ طويلة.

(٧) أغسطس

حزين جدًّا. توقَّفتُ عن الكتابة منذ فترةٍ طويلة واليوم عُدتُ أقرأ ما كتبتُه وأشعر بالرغبة في أن أواصل من جديد. قرأتُ ملاحظةً لي لا أدري ماذا سأفعل بها «يجب أن تُكتب هذه القصص بصيغة الماضي كغلالة من الضباب القديم.» ما كتبتُه لا بأس به وإن كان لا يزال أمامي الكثير لأصنع منه شيئًا وأواصل بقية «الشكولاتة». تخامرني أفكارٌ جديدة عن هذه الرواية. الجو في السجن أصبح لا يُحتمل. الضجة شنيعة ولا أستطيع النوم بالليل أو ظهرًا. أتمنى أن يخرج المعتقلون. لا أعرف كيف أعمل. باستمرار أشعر بهبوط ولا تتغير هذه الحالة إلا إذا قرأتُ قصةً جيدة أو موضوعًا في الصنعة الأدبية. إني واثق أني أعرف الكتابة ولكن الذي يكاد يحطِّمني هو إلى أي مدًى سأكون كاتبًا؟ خواطرُ كثيرةٌ تجول بذهني فأريد أن أُعبِّر عنها ولا أستطيع. لستُ أعرف كيف أعبِّر عن أفكاري بدقة في الحديث الشفهي. وإذا حاولتُ كتابته تكون هذه الأفكار قد هَربَت. كان عبد العظيم وفتحي مضحكَين في تعليقهما على «عيلة الدوغري» فقد ألبساها أشياءَ غريبةً لا يمكن أن تكون قد خطرَت ببال نعمان عاشور. متى يظهر ناقدٌ عظيم في بلدنا؟ لو أستطيع أن أُصارِح نفسي على الورق كل ليلة؟ انتهى إبراهيم من قصة «الأصل والصورة». أحس أن بها شيئًا ناقصًا. لم أتعاطف مع بطله الذي يمثِّل التضحية. لا أدري لماذا. لقد قال إن البعض يصفون هذا البطل بالعبط وأنا من هؤلاء. يبدو لي أن فكرة التضحية بالصورة المسيحية خاطئة. إننا نريد أن نُعطي وأن نأخذ. نحن لسنا رهبانًا، لكن هناك مواقف معينة تتطلَّب … أشعر بحَيْرة شديدة.٣٢
هل الفنان ظاهرةٌ شاذة؟ الغيبيون كانوا يؤكِّدون ذلك. ومع التقدُّم العلمي ظهر اتجاه إلى نزع كل خصوصية عن الفنان واعتباره «منتجًا» عاديًّا يخضع لكل القوانين. وما لبث هذا الاتجاه نفسه أن بدأ يعترف بأن دائرة الفن مجالٌ ذو طابعٍ خاص. ما الذي يخلق فنَّانًا؟ طرح مصطفى سويف هذا السؤال من قبلُ دون إجابة. إنني أستطيع أن أتتبَّع في طفولتي وتطوُّري عواملَ معيَّنة؛ تعدُّد الانطباعات الحادة السريعة — أحداثٌ غريبة — جو المأساة — قراءة الروايات — فكرة الامتياز — الصدام مع المجتمع عند أول حب — تعاقُب التجارب الحادة؛ الموت، الخوف، الجنس. لكن يمكن القول إن عشرات الناس يمرون بأشياءَ مشابهة ولكنها لا تصنع منهم فنانين، وإن صنعَت لا تجعل منهم موهوبين أو عباقرة. لا شك أن هناك شيئًا ما.
ما أسخف الكتاب الذين إذا أرادوا أن يتناولوا موضوعًا معينًا ذا طابع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي يصنعون له قصة حبٍّ كي يُبلَع. بهذه الطريقة يبدو الأمر مفتعلًا ومركَّبًا مثل الأفلام المصرية. تبدو هذه الظاهرة في مرحلةٍ معيَّنة من الأدب السوفييتي، «الربيع على نهر الأودر».٣٣ إن قصة الحب لا تبدو من النسيج الحي الأساسي، ويمكن نزعها دون أن يؤثِّر هذا على القصة. في سنة ٦٠ عندما فكَّرتُ في معالجة موضوع السد العالي «الحائط العظيم» كنتُ أفكِّر بنفس الطريقة؛ كيف أركِّب بعض الأحداث؛ مهندس معيَّن يحب فتاة تذهب إلى هناك بشكلٍ ما. وينمو السد ويمثِّل بالنسبة لهما شيئًا كما يمثِّل بالنسبة للمجتمع كله (وهنا الفكرة أكثر عمقًا قليلًا من الصورة الأولى في الأودر). لكني اليوم عندما فكَّرتُ في هذا الموضوع أشعر أني سأصنع شيئًا عظيمًا دون حاجة إلى اختلاق قصصٍ جانبية. سأجعل المياه نفسها تتكلم والصخور والسد نفسه والهواء. إلا إذا أمدَّتني تجربتي الذاتية هناك بشيءٍ آخر. (يبدو أني لم أستطع أن أعبِّر بالدقة عما أريده). مثل جورجي زيدان الحب ليس مقصودًا لذاته وإنما كوسيلة للربط وإبراهيم في «بورسعيد».
«كلما زادت معرفة المرء عن الكتابة كلما صارت ممارستها من الصعوبة بشكلٍ لا يصدَّق … ولكني أُحسُّ مع كل محاولةٍ جديدة — رغم احتمال إثارتها للفزع — بوجود التساؤل والأمل والبهجة»، شتاينبك.
وانلي يرسم سيمفونيات بيتهوفن وقطع خاتشاتوريان. فكَّرتُ منذ عامٍ في كتابة روائع عبد الوهاب. الفكرة تسجيل الصور (تداعي الذكريات أو ما تعنيه النغمة مرتبطةٌ بحادثٍ معيَّن في الماضي) الخاصة بالأغنية المعنية ثم إيجاد شكلٍ معيَّن أو رابطةٍ داخلية.
عندما نُعبِّر عن أنفسنا فإنما نُعبِّر عن الجماعة. لقطة من عند السور. ما هو الشيء المشترك بين هذه الجموع؛ الملل، القرف، سقوط الأقنعة. ذهبت رومانسية النضال. بقيت الحقائق عارية تمامًا. عبادة الفرد وانهيارها. إعادة التفكير في كل شيء. سقوط الأقنعة (قناع الدين. قناع البطل …)٣٤
عين الطفل: «إن الطبيعة الإنسانية تريد دائمًا أن تعرف العالم المحيط بها، لكن هذه الرغبة تقل مع السنين. وكلما كبرنا في السن بدأ العالم يفقد بريقه وروعته. لكننا نستعيد حدة إبصارنا ويعود العالم مشرقًا إلينا من خلال الطفل الذي يرقب العالم من حوله بعيونٍ واسعةٍ متطلعة.»
قرأتُ «الشريط الأخير» لبيكيت. هذا الرجل فنانٌ عظيم. ومن قبلُ قرأتُ ملخَّصات «لعبة النهاية» ولاحظتُ أن نثره رائع. وهنا في الشريط أيضًا قطعة نثرٍ رائعة بشكلٍ لا يصدَّق وهي التي يصف فيها القارب والفتاة وعينَيها في الشمس كشق و… إنه بخلاف يونسكو فالأخير تُحِس أنه مهرِّج أو ساخر. أما بيكيت فيُعاني بعمق.
«أوج الحياة»، سيمون دي بوفوار — «ريش الحمام»، جون أوبدايك، «فرصة للمحبة»، نادين جوديمر — «أطلس موجز للعالم الكلاسيكي»، «سلسلة نيلسون لتاريخ الحضارة» — «الوجه في الفن الغربي»، جون بروفي — «دليل إلى مسرحيات برنارد شو»، س. ب. بوندوم — «حوانيت القرفة وقصص أخرى»، برونو شولتز — «يومٌ واحد في حياة إيفان دنيزوفيتش» — «روزا»، ليفيا دي ستيفاني — «أفكار البيولوجيا» — «فرصة جديدة للحياة»، جورج سيمنون، «الكاماسوترا»، فرجينيا وولف، دوروثي برويستر — سلسلة «كتاب ونقاد»؛ أندريه جيد، توماس هاردي، فرجينيا وولف تأليف أ. د. موودي.٣٥
شكرًا لمجلة «تراث الإنسانية» أن عرَّفَت بأسماء كتب لداروين غير «أصل الأنواع»؛ «مذكرات رحلة حول العالم»، ١٨٤٢، «مشاهدات جيولوجي في أمريكا الجنوبية»، «موسوعة هدبيات الأقدام»، «الوسائل المختلفة لتلقيح زهر الأوركيد بواسطة الحشرات»، «تغير الحيوانات والنباتات بالتدجين»، «حركات النباتات المتسلقة وعاداتها»، «التعبير عن العواطف في الحيوان والإنسان»، «النباتات الآكلة للحشرات»، «أصل الإنسان»، «تكون السماد الطبيعي من نشاط الديدان.»٣٦
من شعر المتصوفة لابن عربي:
يا من يراني ولا أراه
كم ذا أراه ولا يراني
يا من يراني مجرمًا
ولا أراه آخذَا
كم ذا أراه مُنعِمًا
ولا يراني لائذَا
أصبحتُ أحب المرض. رقدتُ يومَين بسبب مصل التيفود. كنتُ مستريحًا لفكرة أني لن أعمل شيئًا لفترة. ولستُ مسئولًا عن شيء، وأستطيع أن أسرح. سرحتُ في قصة السد. لا بد أن تكون روايةً ذاتية تمامًا. ضحكتُ من الطريقة التي كنتُ أتصورها بها من ثلاث سنوات؛ رجل وامرأة وقصة حب ثم السد يرمز لشيء فيها. الموضوع أكبر من ذلك. ولا بد أن يرمُز السد لنهاية فترة وبداية فترةٍ أخرى على صعيدَين؛ الصعيد القومي والصعيد الذاتي. والبطل هو السد نفسه. المياه والأحجار والتراب. فكَّرتُ كثيرًا في الشكل. تُطارِدني «ثلوج «كليمنجارو»» الذكريات المتقطِّعة.٣٧ الطريشة وقتلها.
«ماء إلى حصان العائلة». ديوان يبدو شعرًا جديدًا لشوقي أبو شقرا، دار مجلة شعر، ١٩٦٣.
٢ سبتمبر ظهرًا: حلمتُ بأبي. كان يسير وهو يضع ساعده على كتفي ويحتضنني إليه. كان يبدو قويًّا متماسكًا. وشكا لي من أنه لقي متاعب وآلامًا في العام الأخير. قلتُ له أما أنا فأتألم من ساعة ما بلغتُ الثامنة عشرة. وكنتُ لحظتها أحاول أن أُحدِّد واستعددتُ لأن أحكي له من أول (ف.) وكنتُ أشعر بالسعادة لأني أشكو له وأتوقَّع منه المعونة. لكنه أشار إلى ترامٍ مزدحم. وقال لي مبتسمًا في لطف: حينشلوا من بعض. وأدركتُ أنه يريد تغيير الموضوع. ثم اختفى وحل محله عادل ح. وسرنا بجوار بعض وساعده على كتفي. وبدأتُ أشكو له هو الآخر. وكان يحنو عليَّ ثم تركني عند ملعب. وشعرت بحنقٍ شديد؛ لقد استمع لي كي أُوصله إلى الملعب ولم يكن مهتمًّا اهتمامًا خاصًّا بأمري. عُدتُ بعد أن أخذتُ منشفته انتقامًا. استيقظتُ سعيدًا لرؤية أبي وأخذتُ أسترجع شعوري باللذة والسعادة والراحة لإمكانية الشكوى وتلقي العون. فكَّرتُ: لو كان الوعي العلمي بالحُلم غير موجود. كم كان الأمر يكون رائعًا لو كانت هذه زيارة من روح أبي. مساندة لي الآن ونبوءة!٣٨
«كلما قرأنا المزيد من الكتب، اتضح لنا أن وظيفة الكاتب الحقيقية هي أن ينتج لنا عملًا من الطراز الأول، وأن أية وظيفةٍ أخرى له لا أهمية لها … إن كل عملٍ يقوم به الكاتب للصحافة والإذاعة، للدعاية والسينما … إن كل عملٍ يقوم به — مهما كان يصبو إلى أن يكون فنًّا رفيعًا — لا بد أن يكون مصيره الفشل وخيبة الأمل؛ لذلك فمن الحمق أن نبذل أسمى ما تجود به قرائحنا في هذه الميادين؛ لأننا بذلك نقضي على أفكارنا بالنسيان، الجيد منها والرديء … إن الكُتاب الذين ينشغلون بأي عملٍ أدبي لا يتصيَّد الكمال إنما يخدعون أنفسهم إذا اعتبروا ذلك أكثر من مجرد مساهمة في الجهد الحربي.» سيريل كونولي (١٩٠٣–؟) من «القبر المضطرب».
قرأتُ قصة مصرع الحسين بن علي في مقال لطيف للدكتور الديواني. إن الحسين شخصيةٌ ممتازة في قصةٍ درامية من الطراز الأول. موضوعه الأساسي هو الإنسان الذي يعرف مصيره، ولكنه يناضل إلى آخر لحظة. يمكن أخذ عدة أيام منذ وصوله إلى كربلاء. واستخدام الفلاش باك لسرد ما حدث لعلي. تكون تجربةً ممتازة.
قرأتُ مقال «الجدل في الطبيعة». الكواكب وهي تتحرَّك. الأرض تبرد. تنشأ ظروف الحياة. الخلية الأولى. الفقرات. الإنسان. الإنسان في أقصى تطوُّره. فناء الأرض (برودتها وسقوطها في الشمس). استمرار المادة في مختلف صورها في الكون اللانهائي. موضوع روايةٍ ممتازة. لو أستطيع أن أكتب كل هذه الأفكار. يمكن على الأقل ألا أكتب شيئًا تافهًا أو مبتذلًا أو جرى استخدامه من قبلُ.
في متاهة النقد: «المفكرون الثلاثيون» بقلم إدموند ويلسون، «الرؤيا المسلحة» بقلم ستانلي هايمن.

مبادئ النقد الأدبي عند أرنولد: وظيفة النقد إبداعية؛ أي إنه يؤدي إلى خلق «تيار من الأفكار الجديدة حقًّا» حول أي موضوعٍ ذي أهميةٍ عامة دون التأثُّر بالاعتبارات الاجتماعية والعملية.

«نظرية النقد» عند «إليوت»: مقال «رشاد رشدي» في «أصوات»، لندن ١٩٦٣:
  • (١)

    الأدب خلق وليس تعبيرًا. ما يتحكم في الأدب هو الأدب نفسه؛ أي وعي الفنان بفنه لا بمجتمعه. إحساس الفنان أو إدراكه لتقاليد فنه. العمل الفني الجديد والجديد حقًّا هو الذي يتفق مع التقاليد التي نشأ فيها ومع ذلك يختلف عنها لأنه يضيف إليها (ضد الرومانسية التي تقول بأن الأدب تعبير عن المجتمع، وتقرير أو سرد الوجدان كما هو).

  • (٢)

    المعادل الموضوعي: ليس العمل الفني تعبيرًا عن الفنان نفسه كما يقول الرومانسيون. كانوا يرون قيمة العمل في صدق التعبير أي مدى مطابقته لمشاعر الفنان كما هي في الحياة، ولكن العكس هو الصحيح؛ فكلما اقترب العمل الفني من مشاعر الفنان كما هي في الحياة، كان مجرد تسجيل لهذه المشاعر، وابتعد بذلك عن محيط الفن (الخلق) واقترب من محيط الحياة. «كلما اكتمل الفنان، كلما انفصل فيه الرجل الذي يعاني عن العقل الذي يخلُق، وكلما زادت قدرة العقل على هضم وإحالة المشاعر التي هي مادته إلى مادةٍ جديدة.» … «الشعر ليس الوجدان نفسه وليس تذكُّر الوجدان … بل هو خلق شيءٍ جديد من تجميع عدد من الخبرات …»

  • (٣)

    أهداف النقد ووسائله: – ليس النقد عملًا خلاقًا. النقد كالعلم. – مهمة النقد هي التوضيح لا التفسير. وينصب على الشعر لا الشاعر. – الوسيلة هي تحليل العمل الفني من حيث تركيبه ونسيجه بحيث يتسنى لنا أن نرى إذا ما كان الكاتب قد بلغ هدفه الفني وكيف، وبحيث نستطيع أن ندرك العمل الفني ككل. – الوسيلة الثانية هي مقارنة العمل الفني بغيره لا للمفاضلة ولكن لكي نراه على حقيقته (بالنسبة إلى غيره. بالنسبة للتقاليد الفنية التي نشأ منها).

(كل هذا جعل العصر الحديث ينظر إلى الأدب على أنه فن كبقية الفنون، فتغيَّر بذلك مفهوم البلاغة كما لم يتغير منذ أرسطو).
عالمٌ جديد فتحَته لي رواية «إلى الفنار» لفرجينيا وولف. هذا هو الفن الحقيقي. طول الوقت وأنا أقرأ — ودون أن أعرف بالدقة ما هي الحكاية — تتفتَّح فيَّ مشاعر وأحاسيسَ رائعة. كيف استطاعت أن تستحضر الكلمات التي عبَّرَت بها عن كل ما عبَّرَت عنه في شاعرية ورقَّة. يبدو أن رأيها في الفن هو ما ذكرَتْه في الرواية على لسان الرسامة: «يرغب المرء، فكَّرَت وهي تُسقط فرشاتها متعمدة، في أن يكون على مستوى التجربة العادية، ليشعر ببساطة أن هذا مقعد وهذه مائدة وفي نفس الوقت أن ذلك معجزة، نشوة.» هذا ما كانت فرجينيا وولف تفعله في هذه الرواية بتناول كل ما هو بسيط وعادي ويومي. إنها تكتب بسحر. برقة وبساطة. بلا افتعال:

– «لكنه لم يسألهم شيئًا؛ فقد جلس ونظر إلى الجزيرة ولعله فكَّر: نحن نفنى، كلٌّ بمفرده، أو ربما كان يفكر: لقد بلغتُ الأمر. لقد وجدتُه، لكنه لم يقل شيئًا.»

– «لا بد أنه بلغها، قالت ليلى برايس. نزل إلى الشاطئ.»

– «وقف هناك باسطًا يدَيه فوق كل ضعف البشرية ومعاناتها، فكَّرتُ أنه كان يتأمل، بتقبُّل وتعاطُف، مصيرهم النهائي.»

– «… لكن ما أهمية ذلك … (مصير لوحتها).»

– «أجل، فكَّرَت وهي تخفض فرشاتها بتعبٍ بالغ، لقد حقَّقتُ رؤياي.»

لا بد من قراءة بقية كتبها ومقالاتها في النقد وكتاب فن الرواية وكتاب «مفكرة كاتب» وسِيَر حياتها المتعدِّدة.٣٩
يعتبر تشارلتون قصة «ملحمة فورسايت» ل. جالسورذي، نموذجًا تتوفَّر به كل عناصر القصة الفنية.
في «القوزاق» لتولستوي موضوعٌ جانبي رائع هو القتال البدوي والثأر. الججني الأحمر الشعر الذي مات أخوه وذهب يفتدي جثته وقد مات إخوة له من قبلُ وهو الباقي، وسأل من الذي قتله، ثم المعركة الأخيرة وقد جاء يثأر. وشعر الججن أنهم مهزومون. «ثم ارتفع من صفوف الججن فجأة أنشودةٌ نائحة تشبه أنشودة العم بيروشكا آي داي، والالاي.» وكان الججن يعلمون أنْ لا مناص لهم من القتال فربطوا ركبهم بعضها إلى بعض حتى لا يُغريَهم الأمر بالهرب، وأعدُّوا بنادقهم للإطلاق، وأخذوا يُنشِدون نشيد الموت الخاص بهم.»
أما الججني ذو الشعر الأحمر «فكان قد أُثخن بالجراح في أجزاءٍ كثيرة من جسمه، وكان يتلفَّت حوله في وحشية وقد تشابكَت أسنانه وربض ممسكًا خنجره في يده متهيئًا للدفاع عن نفسه كأنه الصقر الجريح وقد تسربل بالدم (كان الدم يتدفَّق من جرح تحت عينه اليمنى)، وشحب لونه وعلت الكآبة وجهه … ونهض، لكن منيَّته كانت قد دنت، فهوى إلى الأرض.»
عذاب من جديد. يبدو أني لن أُتم شيئًا أبدًا بتأثير من رواية «إلى الفنار». انتزعتُ الفصل الرابع من «الأغاني والشكولاتة» كي أكتبه بطريقةٍ خاصة كموضوعٍ مستقل — كبر الموضوع في ذهني. سأسميه «منزل النوافذ الزرقاء». من ثلاثة أقسام؛ الأول زيارة للمنزل، والثاني قصير عن «الزمن» والثالث «العودة». اكتشفتُ أني أتعمَّد تمثل الطريقة التي كتبَت بها فرجينيا وولف. يضايقني هذا جدًّا. رغم أني أدرك أني لا أقلد؛ فالموضوع كان عندي قبل أن أقرأها، بل وكنتُ قد حقَّقت فيه شيئًا من الأسلوب الذي أبحث عنه والذي يلتقي مع فرجينيا وولف. كما أن ما أفعله الآن استمرار لمحاولاتٍ قديمة. ما أبحث عنه هو أسلوبٌ شاعري يُحرِّك الأشجان (!) ولا افتعال فيه، ويُساعِد على تقديم جديد، ويعتمد أساسًا على تيار الشعور. أبحث عن قصةٍ جديدة تُقدَّم فيها الحياة من زاويةٍ جديدة. (مرةً أخرى لا أعرف كيف أعبِّر بالضبط عما في رأسي). «لتشعر ببساطة أن هذا مقعد وفي نفس الوقت أنه معجزة، نشوة» — بكيتُ أمسِ عجزًا. لا أعرف كيف أكتب هنا. ولا بد من الكتابة.
مجموعةٌ مهمة من سلسلة كتبٍ قيمة عن مايكل أنجلو، تشايكوفسكي، نابليون، تاليران، ستندال، بلزاك، زفايج، جاك لندن: «حياة مشهورين».
– كيف يمكن للمرء أن يُعبِّر عن كل هذه المشاعر المبهمة التي يشعر بها عندما يكتب مؤلفًا للآلات بلا موضوعٍ محدد؟ إنها عمليةٌ غنائية صرفة.» تشايكوفسكي.

– «يكتب بيرنز (الشاعر الاسكتلندي) عن نفسه وهو يحرث الأرض أو يقبل أو يحب أو يسخر من المجاملين والمنافقين.» كاتب سيرته.

– قال فلوبير إن مهنته ليس العيش وإنما الكتابة.
– «بالنسبة لي، عمل فيلم هو العيش، في زمننا ليست علاقة الإنسان بالمجتمع هي المهمة، بقَدْرِ ما هي علاقة الإنسان بنفسه، الإنسان الحديث في كل تعقيده والقوى التي تُعذِّبه وتُسيِّره.» مايكل أنجلو أنطونيوني.
رواية تاريخية عن لوتريك «مولان روج» تأليف بييرلا ميور.
«علم الحياة»، جوردون راتازي، ثوماس آند هدسون.
«ريفيو أوف إنجليش ليتراتشر»، مجلة فصلية تصدر عن دار لونجمانز.
قصيدة لأول مرة؛ تصوَّر!٤٠
في الليل، تحت المصباح القوي،
عندما أضع القلم لحظة،
وقد دهمني الرعب.
رعبٌ هادئ عرفتُه من قبلُ،
في تلك الليلة البعيدة،
التي كنتُ أراجع فيها دروسي للمرة الأخيرة،
وأدركتُ فجأةً أنه لا فائدة.
وهُرعتُ إلى أبي في الظلام،
فاستيقظ مفزوعًا وضمَّني في حنان.
رعبٌ هادئ عرفتُه من قبلُ،
وأنا أنحدر فوق حافة السرير،
أُوشك أن أقع،
ثم أستيقظ لأجد نفسي أحلُم
وأرقد لحظة، في رعب.

•••

عندئذٍ ستكونين هناك.
شعرك الطويلُ يتناثر على المكتب.
وسأستطيع أن أمد أصابعي إليك.
سأستطيع أن أدفن يدي،
يدي التي حملَت القلم،
في شعرك.
وعندما تقع خيوط منه صدفة،
على وجهي،
سأقبِّلُها.
وستُديرين رأسكِ إليَّ
في الضوء …
وفي عينَيك العميقتَين
سأجد سَلوتي.
(٢٥ / ٩/  ٦٣)
ما زلت أعمل في «منزل النوافذ الزرقاء». مُصر على الانتهاء منها. المحتوى الأساسي غير واضحٍ حتى الآن: الحنين إلى الماضي؟ أمسِ تكشَّف لي جانبٌ مهم؛ اللحظة التي ننسى فيها كل متاعبنا ونركنها جانبًا قليلًا. وهي لحظة الزيارة. هناك جانبٌ آخر؛ تلافي الشعور بالاتصال الإنساني. أفكِّر في اتباع تكنيكٍ خاص باتباع دوائر للشعور بين الشخصيات. كلما أعمل يزداد وعيي بالمحتوى. مُصِر على كتابتها. إنها جديرة بالكتابة. إن أي شيء يخرج بنا من نطاق الرواية العادية التي أصبحَت مبتذلة جدير بالمحاولة. أعتقد أن الكتابة — العملية نفسها — ستكشف محتويات التجربة وتجسِّد مضمونها.٤١
أول أكتوبر: الحب هو المحتوى. إن «اللحظة» التي تمَّت فيها الزيارة هي لحظة تعاطُف وحب رغم كل عوامل الفرقة والقيود التي يُكبِّل بها الماضي والحاضر كلَّ واحد. وفي القسم الثاني يقوم الزمن بدوره … إن بشاعةً تظهر في قروح العمة وهي تموت. وفي القسم الثالث يعود البطل متعبًا مثقلًا بما كشفَت له الحياة. وقد تركناه في القسم الأول طفلًا صغيرًا (يمكن استخدام عبارة «اللي ما تعلمه أمه وأبوه تعلمه الأيام والليالي»). يعود ليُواجَه بالتغيرات التي حدثَت في المنزل وبالرغبة في إقامة «اللحظة» مع أخته — ابنة عمته — ابنتها. بالنسبة للأولى صعب (هناك أساس ولكن هناك شيءٌ أكثر من التعاطُف الأخوي. إنه يريد حياتها كلها ولكنها ستعطي هذه الحياة لشخصٍ آخر. ابنة عمته كبيرةٌ محطَّمة تتطلع إلى ناحيةٍ أخرى. بقي ابنتها (إنها صغيرة جدًّا ولكنها فرصتُه) هذا المكان الذي كان (…) يشعر فيه بالغربة هل يقتحمه؟
كيف أكتب؟ لا أفكِّر أنني يجب أن أكتب في الموضوع الفلاني. وأجلس لأكتبه وأبحث له عن شكل. كلا. إن مشاعري تتحرَّك وتتأثَّر بفكرة، بتجربة أو ذكرى، بأسلوب، شكل وتُطالِب بالانطلاق. وفي أثناء عملية الانطلاق تتفاعل مع عقلي الواعي ليُصاغ موضوعها أو محتواها.٤٢
أعماق البحار: كتاب د. وليم بيبي «نصف ميل تحت سطح البحر»، «عند عمق ١٨ مترًا اختفى الضوء الأحمر، وعلى عمق ١٠٠ اختفى الأصفر، ثم تلاشى الأخضر والأزرق من ألوان الطيف عند عمق ٢٤٠، وبعد ذلك لونٌ أزرق غامقٌ عميق. ثم بعد عمق ٥٢٠م و٥٨٠ كان ما يكتنفنا هو الظلام الدامس.» — المعارك في ظلمات المياه العميقة بين الحوت (…) طن والأخطبوط طوله ٩ أمتار وأذرعه الملتوية الماسكة ذات الممصات وطوله بها ١٥ مترًا. عالم غريب تسوده الظلمات وغير آمن ونادر التغير وفي برودة الثلج وقليل الأوكسجين. لكن الحياة موجودة فيه. — دورة الحياة من البحر … إلى البحر. الإنساني المائي ذو الخياشيم تحت إبطيه — الجنبري الياباني يقول عنه الدكتور نوجيناما: تتم عملية التلقيح بين منتصف الليل والثامنة صباحًا، وفي الليالي الصيفية الهادئة وفي المياه الصافية «فيلاحق الذكر الأنثى … ويمسك بها فتُفلِت منه … وتخلع قشرتها الخارجية. يحتضن الذكر أنثاه العارية، ثم تأخذ هي بطريقةٍ وحشيةٍ فظَّة عضوه التناسلي في فتحتها وتقطعه … ليظل في حالة عجز إلى أن يظهر له عضوٌ جديد يحل محل القديم» — المياه «الساكنة» في المحيطات والبحيرات تُغيِّر سطح الأرض! ذلك أنها ليست هادئة تمامًا. إن أحجامًا هائلة منها تتحرك باستمرارٍ مكوِّنة تياراتٍ بحرية تَنحَت بعض الشواطئ بينما تبني بعض الشواطئ الأخرى.
بقية مقالات يوفتوشنكو في «الإكسبريس»:
– «كان شعار لينين» يجب أن تكون الشيوعية في خدمة الناس «أما ستالين فشعاره: يجب أن يكون الناس في خدمة الشيوعية … الستالينية هي النظرية التي تعتبر البشر مجرد تروس في مؤسسة صناعية ضخمة. وقد ترتَّب على هذه النظرية في الحياة نتائجُ فظيعة … لقد رفع العمل إلى مرتبةٍ أعلى من الآدميين … وكان على الفنانين أن يُقدِّموا القرابين ﻟ «العمل»، هذا الإله المجرَّد، وأن ينزلوا بالحياة الروحية للأمة إلى مستوى وصفِ مختلفِ أشكال «العمل». وهكذا أصبح الصلب البطل الرئيسي في عدة روايات.»
– «لم يكن الإرهاب والاعتقالات وإبادة الضحايا أكبر جرائم ستالين. لا. كانت جريمة الجرائم هي إفساد الأرواح البشرية.»

– «كان يبدو لي أن الكلام عن الطبيعة والنساء وهمسات النفس، والناس حولي تشقى، عملٌ غير أخلاقي.»

– «لقَّن ستالين الناس الخضوع الآلي، وهذه الطاعة العمياء للأوامر الآتية من فوق.»

– «إن الرصاصات التي أُطلقَت على رأس بريا عادلة، لكنها للأسف عدالةٌ متأخرة. غير أنه يبدو لي أن العدالة قطارٌ يصل متأخرًا دائمًا.»

– … «لكن النثر أقلُّ طواعية من الشعر بمراحل؛ فالرواية لا تُكتَب في بضعة أيام ولا تُقرأ على الجمهور.»

– «كان فاسيلييف ونيزفسني قد مرَّا بمدرسة الجبهة الشاقة وأُصيبا عدة مراتٍ بجراح، وقد رفضا بعد الحرب أن يتبعا بشكلٍ أعمى مواصفات الفن الأكاديمي، وراحا يبحثان عن أشكالٍ جديدة. وكانا يريان وهُما مُحقَّان أنهما دفعا بالدم حق رسمِ ونحتِ ما يروق لهما.»

– «الواقعية أرقى أشكال الفن. لكنها قد تتخذ بالنسبة لي مئات إن لم يكن آلاف الأشكال المختلفة … وأعتبر واقعيًّا كلَّ عملٍ يُحرِّك روح الإنسان حتى ولو كان هذا العمل لا يمثِّل منازل أو أشخاصًا أو أشجارًا.»

– «… كان صاحباي تفوح منهما رائحة الصلصال والألوان. وكانا يعملان بلا توقُّف. وكان إيمانهما وإلهامهما ينتقل كالعدوى إلى الذين يتردَّدون عليهما … وكان المثَل الذي يضربانه يمنحني القوة لكي أتماسك وأركِّز على عملي.»

– «في مرة قالت لي عاملةٌ متعبة: «يا بني لا تكتب إلا الحقيقة … الحقيقة وحدها … ابحث عنها في نفسك وقدِّمها للشعب، وابحث عنها في الشعب وضَعْها في نفسك.»

– «الماركسي الحقيقي إنسان في حالة تكوُّنٍ مستمر.»

– (عمليةٌ متواصلة من الملاحظة والفهم المستمر للأشياء، للجديد.)

٨ أكتوبر ٦٣: «إن الفنان يتميَّز بقدرته على التأثُّر بالمؤثِّرات الخارجية والتمييز بينها. ويتميَّز بقدرته على إبقاء انطباعاته في حالة حريةٍ تامة بحيث تنشأ فيما بينها علاقاتٌ جديدة، ولعل الفرق بين الكاتب الجيد والكاتب الرديء هو المجال والدقة والحرية التي تُميِّز ما يمكن أن يقيمه من علاقات بين العناصر المختلفة التي تتألَّف منها تجربته. والقدرة على استرجاع تجارب الماضي لا تتوفَّر إلا لفنان، وما يهمُّ الفنان هنا ليس قدرته على اكتناز الماضي وليس قدرته على تأريخ الحدث وحفظه في المكان الخاص به، وإنما قدرته على بعث التجربة الماضية بحرية، واسترجاع الحالة الشعورية الخاصة بهذه التجربة، وتوصيل هذه الحالة الشعورية إلى نفس القارئ الذي يستقبلها ليقيم منها داخل نفسه بناءً ينفجر بعلاقاتٍ جديدة تُصالِحه مع الحياة وتُنظِّم دوافعه فيها.»٤٣
الهرب.٤٤
٢٥ أكتوبر ٦٣: كتاب نورمبرج — موضوع مهم للكتابة عن التعصب من ٣ أجزاء؛ مذبحة سان بارثلوميو، باريس — جيتو اليهود في وارسو (نورمبرج، نوفيلكريتيك، رواية «الحائط»، تأليف جون أرسكين) — بغداد ٦٣، اصطياد اليهود كالفئران من مجاري وارسو ١٩١٥ ثم فلسطين واللاجئين.
مقدمة سومرست موم للطبعة الشعبية من رواية «عن الرباط الإنساني» وحول الرواية الطويلة: «بدا له أنه قد اتبع طول حياته المُثُل التي زرعها فيه آخرون، بكلماتهم أو كتاباتهم، وليس أبدًا رغبات قلبه هو. دائمًا تُحدد طريقه بما ظنَّه واجبًا لا بما أراد عمله من أعماقه.»

(عبَّر عن هذه الفكرة مرةً أخرى في سيرته الموجزة كخلاصة لتجربة حياته الطويلة.)

«فكَّر في رغبته بعمل تصميمٍ معقَّد وجميل، من حقائق الحياة التي بلا معنى ولا تُعد ولا تُحصى … ألم يَرَ أيضًا أن أبسط نسق، الذي يُولَد فيه الإنسان ويعمل ويتزوَّج وينجب أطفالا ويموت، هو أيضًا أكمل الأنساق.»

«ذات مساءٍ تملَّكَني دون إنذارٍ خوفٌ فظيع على وجودي … مريض بالصرع رأيتُه … لا شيء أملكه بوسعه أن يَحميَني من ذلك المصير إذا ما دقَّت ساعتُه كما دقت بالنسبة إليه. … كيف أني نفسي، غير واعٍ بهذه الحفرة من عدم الأمان تحت سطح الحياة …» ويليام جيمس.
«الحياة ككل، من أبسط الكائنات إلى أكثرها تعقيدًا، هي سلسلةٌ طويلة من التوازنات مع البيئة الخارجية.» الفيسيولوجي.٤٥

(٨) نوفمبر

«الهزيمة» لفادييف:٤٦ روايةٌ واقعية جدًّا أشبه بإنتاج الوجوديين الفرنسيين. عرض لنفسية القائد سلَبه كل الرِّواء.

– «أحسَّ الجميع أنه أصبح ضعيفًا … قد دبَّت فيه الشيخوخة. وكيف لم يعُد يخجل من ضعفه …»

– «ونظر ليفينسون صامتًا — وعيناه دامعتان — إلى السماء الواسعة وإلى الأرض التي تعدُهم بالخير والراحة وإلى هؤلاء القوم الغرباء فوق أرض الحصاد … فعليه أن يجعلهم رجاله … ليُصبِحوا قريبين إلى قلبه، أثيرين لديه كهؤلاء الرجال الذين يتبعونه في صمت … وكَفَّ عن البكاء … فعلى الرجل أن يعيش ليُحقِّق مسئوليته!» ترجمة إبراهيم فتحي، دار الشرق.
عن جريدة «الأهرام»: «بيير جاسكار والكلاسيكيين الجدد»: الإنسان عنده عواطف وأفكار، وهي دائمًا في حالة نمو وتطور، وما هو ثابت فيها هو أنها تخضع لهذا النمو ولهذا التطور منذ الأبد؛ فصراع الإنسان كان دائمًا في سبيل المزيد من تطور إنسانيته. وجوهر الإنسان هو هذا الصراع. أما مشكلة الإنسان المعاصر، بل مأساته، فتكمن في ظروفٍ تتفاعل بدرجة تفوق قدرة الإنسان. ويضرب مثلًا بالحرب: إنها تحدث على الرغم منا، نتيجةً لتطورات شاركنا نحن حقًّا في إحداثها ومع ذلك انفلتَت منا؛ فالدولة التي تصل إلى أقصى درجات الرأسمالية … ولا مفر من الحرب لانتزاع أسواقها. فهل أراد الإنسان هذا المصير؟ إن الحرب التي يصنعها الإنسان إنما تُهدِّد بل وتُحطِّم جوهر الإنسان؛ لأنها تُحوِّله إلى وقود، بينما «طبيعته الثابتة»، بينما «إنسانيته»، هي أن يتطور في ظروفٍ سلامية. كيف يصل الإنسان إلى هذا الوضع. لكي يتتبع «جاسكار» عملية التعارض بين ما هو إنساني فينا و(…) الظروف المحطِّمة لإنسانيتنا، يتخذ منهجًا روائيًّا يقوم على تسجيل التغيُّرات التي تُحدثها الحرب فينا تسجيلًا موضوعيًّا (…) الاتجاه التسجيلي. في كل جانبٍ من جوانب الصراع يخضع للأسلوب الكلاسيكي، لكن كون الحقيقة تبدو ضفيرةً من المتناقضات وليست سطحًا واحدًا يجعل مذهبه هو الكلاسيكية الجديدة.
من مقال جاك كابو في «الإكسبريس» عن كتاب مالكولم لوري٤٧ الأخير «اسمع صوتنا أيها الرب.» ٢٠ سبتمبر ١٩٦٢، وإشارة إلى كتابه الأول «فوق البركان»: «إننا نرى أننا هنا في موقف معارض تمامًا للرواية الجديدة. في عالم يعتبر الموضوع فيه لا شيء بينما الوعي (الشعور) المتخيل (أو الموهوم) هو كل شيء. إنه فن معقد (مركب)، رومانسي وواقعي في نفس الوقت، يهدده الفشل على الدوام، ويؤدي برواده الأنجلو ساكسون من جويس وفرجينيا وولف ولوري إلى الموت، ولكنه فن عصر بلوغ الرواية.»

مقالٌ آخر عن رواية «سخرية قمرية».

مجلات: «نيو أوتلوك»، شهرية لوس أنجلوس – «دراسات في الرواية الحديثة»، فصلية عن جامعة بردو بولاية أنديانا، الولايات المتحدة – مجلة «الجماليات والنقد الفني»، فصلية تُصدِرها جمعية «علم الجمال» الأمريكية – مجلة «عرض الأدب الإنجليزي»، لونجمانز، تصدُر عن قسم الأدب الإنجليزي بجامعة ليدز – «دراسات القاهرة في الأدب الإنجليزي»، جامعة القاهرة.
«موضوع بروست أساسًا هو أن الزمن يهدم والذكرى تحفظ والفيلم «هيروشيما حبي» يعالج هذا لكن على أساس أن الذكرى بالنسبة للبطلَين تهدم والزمن يُعيد ويشفي، فبروست يهتم بالذاكرة والمخرج يهتم بالنسيان، والذكريات عند بروست تأتي بالفرح وهي في الفيلم مصدر الحزن وأحيانًا الفزع، والمادة الخام في الحالتَين واحدة وهي التوتُّر بين الماضي والحاضر. سمَّى بروست الجزء الأخير من روايته «العثور على الزمن» أي الماضي؛ فهو يجد خلاصه وحياته في الذكريات لأنها الطريقة الوحيدة لاستعادة الماضي. أما الفيلم فيرى أن الطريقة الوحيدة لأن نعيش هي أن ننسى مهما كانت أهمية خبراتنا السابقة وسننساها آجلًا أو عاجلًا، من مقال عن الفيلم والزمن في مجلة «الجماليات والنقد الفني» الأمريكية، ربيع ٦٣.
قصة عمر بن الخطاب والقِدر — وقصة الوفاء — حكايتها في الطفولة.٤٨
«المعادل الموضوعي» عند إليوت: يعني به تلك الصورة التي يُعبِّر بها الشاعر عن عاطفته لكي تثير هذه الصورة عاطفةً مشابهة عند القارئ. والعاطفة ليست هي المشاعر، بل هي تحويل المشاعر إلى صورةٍ أخرى؛ إذ إن الشعر ليس تعبيرًا عن المشاعر، بل هربًا منها. هو جهود الشاعر ليحول آلامه الخاصة إلى شيءٍ خصبٍ غريب. شيء كوني عام يستجيب له الكون كله، شيء لا ذاتي.
الضجة لا تُطاق – أنسخ «الشكولاتة» – تُراوِدني أفكارٌ فظيعة حول قدرتي الفنية — موضوعي الأساسي هو الأب – غير مستريح ﻟ «العنكبوت» – أثَر من مقال كابو عن لورى: صورته وهو يحمل مخطوطة روايته ويدور بين البارات يطارده الفشل وإحساسٌ فني عظيم – هل يمكن أن أوحِّد الذاتي بالموضوعي في كتابتي – علينا أن ننطلق في ثلاث جبهاتٍ في وقتٍ واحد: الموضوع والأسلوب والشكل – إنني أبحث عن أسلوبٍ وشكلٍ للموضوع – وأريد أن أُحقِّق جديدًا … يا للغرور!٤٩
علَّمني أبي أن أستخف بأي شيء يكون مُبرِّره الوحيد أنه تقليدٌ صالح. عرفتُ منه أنه يجب أن أفكِّر في كل شيءٍ بنفسي ولنفسي.
يجب أن أثق في تفكيري. في إيحاءات وجداني. يجب هذا وإلا فلن أكون مبدعًا. هذا هو الطريق الوحيد لاكتشاف الحقيقة خلف الواجهات المكرَّرة والمبتذَلة. أقصد التعبيرات وقوالب التفكير التي صيغت من قبلُ.
– «إني أكره العقائديين. إنهم يمثِّلون من وجهة نظري أسوأ أشكال المراجعة. ويعيش بعضهم بكل إخلاصٍ داخل أسوار تعصُّبهم، ولكن أغلبهم يتشدَّقون بالكلمات الجميلة لا لشيء سوى لإخفاء مصالحهم الفردية المريبة. وقد تأكَّد لي ذلك منذ الطفولة.»
– «… سافر الشعراء من أقصى البلاد إلى أقصاها ليشاهدوا المنشآت الجديدة وليُعجبوا بالآلات الحديثة. أما الرجال الذين يستخدمون هذه الآلات فلم يسترعوا انتباههم إطلاقًا …» يوفتوشنكو في «الإكسبريس».
أعيش مع كافكا في «المحاكمة» ودراسات عنه. هذا فنانٌ عظيم لأن له رؤياه الخاصة وأسلوبه الخاص. لا كنموذجٍ للتقليد.
«كانت صور حرب القرم أول صورٍ حربية تقضي على فن التصوير التاريخي والوقائع اليومية.»
– «لم يعُد الفنانون يهمُّهم نقل الطبيعة كما هي، بل تحوَّلوا إلى خلق الطبيعة تبعًا لرؤاهم الداخلية»، من كتاب عن الفوتوغرافيا عرضه حسين فوزي.
أسلوب نجيب محفوظ في «الطريق» هو نفس الأسلوب الذي بدأتُ أكتب به «العنكبوت» منذ عام. إنه ينهل أيضًا من جويس ووولف. وهذه الرواية التي لم تظهر منها غير ٤ حلقات حتى الآن أعتقد أنها ستكون بداية الرواية الحديثة في مصر.
أنا مقتنع بضرورة التأني جدًّا في الكتابة والتجربة والتنقيح على مهلٍ دون اضطرارٍ للإسراع.
(…) ابن سينا: كمال علام.
السرطان ليس مجرد ورم، بل مرض يصيب الجسم كله، ويظهر في مكانٍ محدَّد تعرَّض للتأثير المباشر للعامل المولد — لاحظ العامل العصبي — الإجهاد الوظيفي للجهاز المركزي — د. محمود محفوظ، ود. لطفي أبو النصر، المركز القومي للبحوث.
آل بودنبروك، توماس مان، «المؤسسة العربية الحديثة» ٤١٫٥ قرشًا – «تاريخ الأدب الفرنسي» ج١ وج٢ لانسون، الناشر السابق، ٧٫٥ – «سارتوس»، وليم فوكنر، مؤسسة سجل العرب، (…)
«شتاء السخط»، شتاينبك، الناشر السابق ٣٥.
«وداعًا للسلاح»، هيمنجواي، الناشر السابق، نفس السعر.
«ليزا»، تورجنيف، دار النهضة العربية (…)
«طيران في الليل»، أنطوان دي سانت أوكسوبري، دار (…) ٧٫٥ قرش.
«تاريخ العالم»، جون هامرتون، دار النهضة.

(…) الأعداد ٦١، ٦٢، ٦٣.

تليفون (…)٥٠
اكتشاف أعلنته جمعية السرطان الأمريكية: حامض دي إن إيه يُوجد خارج النواة كما يُوجد داخلها، «الأهرام» ٢٠ سبتمبر ٦٣.
«إن الفنان العظيم متقدِّم على عصره دائمًا. والواقع أن الفنان إذا كان خلَّاقًا حقًّا، فهو دائمًا مع عصره حتى وإن كان يعمل ضد هذا العصر؛ فالفنان الكبير يستمد مادته من عملية الحياة وليس من تأمل الفن الماضي. وسواء كان مع عصره أو ضده فهو لا يفعل غير أن ينظِّم الأحاسيس والمدركات التي يتلقَّاها من حياته فيه. أما الجمهور فيبدو أنه لا يقبل الفن إلا إذا كان شبيهًا بما اعتاده من فن؛ لذلك فإن المسئولية تقع تمامًا على مناهج النقد والتعليم.

أهم ما نحتاج إليه حقًّا هو معرفة ما يفعله الفن الجيد في النفوس وليس معرفة أي فن هو الفن الجيد.

لقد حدث نتيجة لتحذلُق بعض النقاد … أن انحرف بعض الفنانين والتوَت مواهبهم بعد أن ألقت بهم أحكام النقاد المتحذلقة، في تنافسٍ كاذب وراء قيمٍ يقررها أولئك النقاد دون صدقٍ مع أنفسهم أو إخلاصٍ لحقيقة مشاعرهم وميولهم.

يجب أن يتعرض الجمهور لفن من جميع العصور ومن جميع الأنواع … وعلى النقاد أن يستبعدوا المشاعر والقضايا غير الضرورية في النقد وأن يقتصروا على التبصُّر باللذة … أما التحزُّب السياسي واستهداف الترقي بالإنسان أو الاتفاق مع أفضل الناس في الذوق والرأي فكلها لعنات يجب التخلُّص منها»، «الحرية والإنسانية»، جان بارازان.٥١

(راجع كلمة سومرست موم في «الموجز» وفي «عن الرباط الإنساني»).

خليل بيه، وسعيد في «منزل النوافذ الزرقاء» هل هما «الغريبان»؟
– «في سياق العصر فإن حيوية الرسالة سيجري تقديرها إذا ما تم التخلي عن التناول القديم المهجور، إذا ما لم تعُد الرواية تُقرأ كتعبير عن عجز الإنسان في مواجهة اللانهائي، وعلى الأقل اعترف بها على أنها تأكيد لحريته المطلَقة والصلدة في مواجهته (اللانهائي).
– … «بشرط أن نتذكَّر دائمًا كلماتِ روبرت ويدل: «الرسالة هي شيءٌ يتلقاه القارئ من الكتاب، وليس شيئًا يضعه المؤلِّف فيه»، من تعليق ف. و. ج. هيمنجز على أدب «كافكا» في المختارات.
إن ثبات العامل الداخلي هو أساس الحياة الحرة للكائن»، كلود برنار، مرجع الفسيولوجي.
شتاينبك: وُلِد ١٩٠٢ – الجامعة وقصتان في مجلتها ١٩٢٠ – نيويورك ١٩٢٥ – مجموعة قصص قصيرة رفضَتها دار النشر ١٩٢٦ – «الكأس الذهبي» ١٩٢٩ – «تورتيلا فلات» (يُعوِزها الترابط والتماسك) ١٩٣٥ – بداية الشهرة وتأثر بالكتاب الروس و«هيمنجواي» ١٩٣٥-١٩٣٧ «قائد الشعب» و«رجال وفئران» ١٩٣٧ – «عناقيد الغضب» ١٩٣٩ – «اللؤلؤة» ١٩٤٧ – نوبل و«شتاء السخط» ١٩٦٢.
إن تصوير الحياة المكسيكية لن يصل إلى الواقعية ما لم يُبرِز الكُتاب إلى السطح المكوِّنات الفكرية التي تعيش في أذهان الناس في شكلٍ أسطوري. إن هذه المكوِّنات هي طريقة الجماهير في تحليل الحياة وهي ليست أفكارًا مجردة، وإنما هي سلوك أيضًا. إنها عبارة عن جزئيات واقعٍ مادية أُضيف إليها مفهوم ساذج عن الكون يجعلها تخلق عالمًا سحريًّا تسيطر عليه الآلهة المتعددة والجنيات. ولو بدأ الروائي من عملية تحويل هذه الجزئيات إلى الصورة النهائية في ذهن الإنسان العادي ثم عارض ذلك بحركةٍ موازية بمفهومه الموضوعي لنفس الجزئيات، لتمَّت في الرواية عملية مقابلة تفكير البسطاء بالتفكير المعاصر. وهذا ما حقَّقه فوينتس في روايته «أكثر المناطق شفافية»، وبنيتيس في روايته «الملك العجوز». من «الرواية في المكسيك»، «الأهرام» ٥ نوفمبر ١٩٦٣.

(٩) ديسمبر

لقد قدَّمتُ فيلم «المدرعة بوتومكين» على أنه مجموعة أحداثٍ متتالية تكوِّن كلًّا أشبه بالدراما. وسر الوحدة في هذا العمل يكمن في أني تحكَّمتُ في تطوُّر الأحداث بقوانين التراجيديا؛ وأعني التراجيديا الكلاسيكية ذات الخمسة فصول؛ فقد قسمتُ أحداث الفيلم إلى خمسة فصولٍ أخذتُ بعد ذلك من كل فصل أحداثًا معيَّنة بحيث لا يكون لأحدها معنًى بارز دون تركيبه على الحدث الذي يسبقه أو الذي يليه. وهذا مع ملاحظة أن كل لقطة تضيف شيئًا جديدًا إلى سابقتها. — إشراك المتفرج في الرواية … يقدِّم له لقطاتٍ منظمة. لكل لقطة معنًى معيَّن، والفكرة العامة للفيلم كله لا تكمن في الفيلم وإنما يخلقها المتفرج بتتبُّعه لهذه الأحداث المختارة من وقائع الرواية»، «تأملات سينمائي»، سيرجي أيزنشتاين.٥٢
الإنسان في علاقته بالآخرين: أُسرة. أصدقاء. طبقة. مجتمع.
– الإنسان في داخله:
  • (١)

    تأثير الآخرين على نفسيته (علم النفس الاجتماعي؟)

  • (٢)

    تكوينه العضوي الداخلي (الفسيولوجي؟)

– لا يمكن تصوُّر الحديث عن موقفٍ إنساني معين في وضعٍ معيَّن دون فهم خصائصه الفسيولوجية والسيكولوجية والاجتماعية وتفاعُلها المعقَّد المتشابك ببعضها (زولا تأثَّر بكلود برنار الذي عثَر على الحلقة البيولوجية، فنظر للإنسان على أنه كائنٌ تُحرِّكه مقتضياتٌ بيولوجية منها الوراثة، وفرض الشر والخير عليه) — (الرواية التجريبية؟) — بعد ذلك يمكن اعتبار أن المادية الجدلية وجَّهَت النظر مرةً واحدة إلى الظروف الخارجية — هل يمكن أن يكون هذا التعقيد (ضفيرة من المتناقضات العديدة الخيوط في تفاعلٍ متشابك منتظم؟)
«لا يُوجد دائمًا ثمَّة حل»، فيشر عن كافكا، «نوفيل كريتيك» ٦٣.
«الفنان بطبيعته فوضوي. إنه يعيش في حرية خياله، يمثِّل العنصر التجريبي في الحياة. فإذا تدخَّلَت السلطة لتُحدِّد له ما يفكِّر فيه أو يشعر به، فإن التجربة لن تتم ويُولَد «طفل المخ» ميتًا»، أبتون سنكلير في «بين عالمين». (راجع لينين).
«لأني كنتُ جائعًا ولم تعطني لحمًا، وكنتُ عطشان ولم تعطني شرابًا، وكنت غريبًا ولم تأوني، عاريًا ولم تكسني، وفي السجن ولم تزُرني!» (…)٥٣
كتاب عن الطيور، «الأجنحة النابتة»، ساريتا فان فليك.
«كانت السينما حتى عام ١٩٢٤ فنًّا روائيًّا أو ملحميًّا؛ بمعنى أنه يتناول الموضوع بطريقةٍ أفقية. سرد الحوادث بالكاميرا هو هدف المخرج الأول. لكن أيزنشتاين هو أول من اعتبر السينما فنًّا دراميًّا؛ فقد تناول في أفلامه موضوعات بطريقةٍ عموديةٍ عميقة الأثَر في نفوس المشاهدين.»
قد يحدُث انفجارٌ شديد في أحد الكهوف بفعل الحرارة المتولِّدة عن تحلُّلِ ما تراكم من زبل الخفافيش. وفي هذه الكارثة يهلك الملايين من الخفافيش.
إن الإنسان يمتلك اليوم لأول مرة في تاريخه القدرة على محو الحياة بأسرها من على سطح كوكبنا (والقدرة على استكشاف أسرارها؟) «تقارير من القرن الواحد والعشرين».٥٤
ثلاث مجلدات عن هنري جيمس، ليون إيدل.
الجمعة ٢٠ ديسمبر ٦٣: ما أروع أن تسمع فجأةً كلمة تقدير موجهة للشيء الذي تفكِّر فيه ولا يقدره أحدٌ آخر. قال ع. مديحًا يدير الدماغ. لا أدري ماذا أقول أو أفكِّر. إنه شيءٌ جميل أن تجد أحدًا يقول لك إنك شبه عبقري أو إنك ستُحدِث فعلًا جديدًا محددًا. لكن هل هذا صحيح؟ إنني فعلًا كنتُ أبحث عن جديد، وهذا ما كان يجعلني في الأيام الماضية ضيقًا باستخدام نجيب محفوظ لتيار الشعور الداخلي بالشكل الذي اتبعه في رواية «الطريق» … فهل سأُكرِّره؟ … بهذا لا بد لي أن أبحث عن طريقٍ جديد … إن ع يقول إني طرقتُ هذا الجديد منذ الصفحة الأولى في «العنكبوت» (الحياة من خلال الأبعاد التي لا نلتفت إليها. ليليبوت والعمالقة، الميكروسكوب. حقيقة أن اللحاف كان منشورًا من خلال وجود شوكة من خشب البلكونة فيه). (…) فهل هذا هو كل ما كنت أفكِّر فيه من سنة ٦٠: النيل من خلال المياه – السد من خلال الأحجار – والتراب – السرطان – الفكرة الثابتة – البترول – الدم – البحر – إلخ). هل هذا هو طريقي؟ وكيف سأعثُر عليه بالضبط من بين الأشياء التي أُحقِّقها في الكتابة: الحالة الوجدانية. الرومانسية والسنتمنتالية أحيانًا – تيار الشعور الداخلي وتداعي المعاني والفلاش باك بالذات – اللهجة الشاعرية … لهذا كنتُ أُدرك في الأيام الأخيرة أن تيار الشعور الداخلي يزحف على كافة الروايات والقصص في العالم وفي مصر؟ لقد أدركتُ أيضًا أني كنتُ أضيق جدًّا بالعبارات المألوفة المبتذَلة التي أصبحَت قوالب (كان يمشي. ذهب. قال …) … هل يمكن أن تُقدِّم بلدنا إنجازًا في الرواية على نطاق العالم؟ … لا أعرف … إني أرتجف من الخوف … لو كنتُ (…) لناديتُ الله.٥٥
كلمات ع. – بما أن الإنسان اكتشف المنهج العلمي في حياته فيجب أن ينعكس هذا المنهج على الكتابة في الأدب.

– الكاتب لا يجب أن يثير ذعر القارئ بإيراد كلماتٍ مثيرة أو صورٍ مبهمة (مرعب، بشع، فظيع)، (صورة إنسان يتفتَّت أي كأن سكاكين تقطِّع في جسده) لا، بل يجب أن يثير الأسى الناجم عن إدراك الحقيقة (مثال وصف الملاريا في قصة ووصفها في كرَّاسة الأحياء المدرسية).

– للمُخ منطق في حركته وللكلام على الورق منطقٌ خاص (المنولوج؟)

– ما هو الابتذال: (الفنان كالشمعة التي تحترق لتضيء للناس!) لماذا ابتُذلَت هذه الصورة أو بمعنًى آخر لماذا لم يعُد الناس يطيقونها؟) ببساطة لأن الفنان حقيقة ليس شمعة، فإذا قال كاتب ما هو الفنان حقيقة فلن يُبتذَل قوله أبدًا.

– «إنها لعمليةٌ معقدة ومثيرة جدًّا أن نستطيع النفاذ ببصيرتنا خلال التشابك الهائل لموجات الغاز والضوء عن طريق الحزَم الثقيلة لمجالات المغناطيسية والجاذبية وفي فوضى القوى التحت الذرية التي فقدَت استقلالها.»

– «المادة المضادة. التقاء رجل من كوكبٍ آخر مضاد داخل غلافٍ زجاجي بفتاة على كوكبنا. القبلة معناها انفجار هائل؛ ذلك أن انفجار المادة حين التقائها بالمادة المضادة أقوى من الانفجار الذري.» الواقعية العلمية، من كتاب «تقارير».

ما أروع الحُلم الذي داعب عشراتِ الفنانين وهم يقفون عند الذهن البشري ويحاولون التغلغل في أعماقه. جويس. يوسف إدريس في قصة «إسماعيل» … «انتصار الهزيمة»، نزيف المخ. أرسكين كالدويل في «فدان الله الصغير» … غطَّى وجهه مرةً أخرى لدرجة أنه كان يستطيع تتبُّع فكرةٍ ما عَبْر الأنبوبة اللانهائية في مخه. كل فكرة كانت تصل إلى أعماقٍ لا نهائية، ولكنها كل مرة كانت تعود بعد رحلتها الدائرية في مخه. كل فكرة كانت تندفع دائرة في رأسه، متدفقةً بنعومة من خلية إلى خلية. وأغلق عينَيه، كان يعرف في كل لحظة النقطة المحدَّدة في جمجمته حيث يستطيع أن يضع طرف إصبعه ويُحدِّد موضعها …»
كانت الواقعية في الفن والأدب رؤيةً جديدة للواقع بعد تغيُّر الظروف المادية والاجتماعية والسياسية في القرن ١٩ عنها في القرن ١٨، وبالذات مع قيام الثورة الصناعية؛ فلم يعُد الكاتب يكتب ليُخلِّص الناس من ملَلهم ويساعدهم على إزجاء وقتهم، ووجه كشَّافاته إلى القتامة التي طرأَت على رؤياه – واستمالته الدعوات الأخلاقية والسياسية فاصطبغَت الحركة الأدبية والفنية بهذه الدعوات؛ الأدب الهادف والواقعية … النفسية، التاريخية، الاجتماعية، المادية، الاشتراكية، الثورية.
كل المدارس كانت محاولةً مستمرة للوصول إلى الحقيقة وبحثًا عن أشكالٍ جديدة. لم تكن السيريالية تشاؤمًا وهروبًا كما يظن التافهون، بل كانت محاولةً جديدة فرضَها كابوس الحرب العالمية الأولى لاستكشاف الواقع الذي أبرز فجأةً عجز المدارس القديمة عن التعبير عنه واستكشافه. إن الواقعية الاشتراكية تقوم بهذا الدور في عصر العلم. لكنها فشلَت بسبب الجمود واليسارية والنظرة «غير العلمية» للواقع (تجاهُل الجوانب السلبية ورسم صورةٍ زاهية والتزام أسلوب وتكنيكٍ عاجزين). إن الاشتراكية العلمية علم وليست مذهبًا. ليس هناك التزام. هناك فقط مسألة المنهج العلمي. فكيف يمكن ليوسف جوهر أن يلتزم؟ ثم ما بالنا ويوسف السباعي يكتب آلاف الصفحات التي أصبحَت تتضمَّن خطب الرئيس؟ يجب هزُّ النظرة السطحية الساذجة. إن الفن ضد السياسة اليومية. الفن نظرةٌ شاملةٌ بعيدة. تجربة وخطأ. ليس أداة. مفتوحٌ لكل جديد. لينين وحرية الخيال. أبتون سنكلير.٥٦ ما عاش مِن تولستوي هو فنه، أما كتاباته التعليمية في مرحلة ثورته على الفن فقُبرَت … هيمينجز، اقتباس روبرت هيدل عن رسالة الكتاب.
لن يكون للحياة معنًى إلا إذا توقفنا فجأة ونظرنا إليها فرأينا كل ما لم تكن تراه عيوننا من قبلُ … إذا ما رأينا كل ما يختفي تحت السطح … إذا ما ثار فضولنا لنرى معجزة الحياة اليومية العادية.
(مأساة العقائدية. الذهن الخائف. رغبة الإنسان في أن يكون شريفًا كاملًا).
غالي شكري عن رؤية نجيب محفوظ: عالج الوجود في «أولاد حارتنا» بأن صوَّر محاولات الإنسان الدائبة المستمرة لحل مأساته الاجتماعية، ولغز الوجود والمصير، وانتهى إلى أن العلم والعقل في إطار المنهج المادي للمعرفة سوف يحل مأساة المجتمع أولًا (انتصرَت الاشتراكية) ويتفرَّغ بعدئذٍ لحل مأساة الوجود، الكشف عن سر الوجود والانتصار على الموت – أعلن التفرغ لمشكلة العلاقة بين الله والإنسان، بين الوعي البشري ولغز الوجود الإنساني. إن المعرفة في طريقها الطويل سوف تنتصر وتكشف سر الحقيقة.
لم نعُد في عصر الثورة الاجتماعية. نحن في عصر كشف الكون.(؟)٥٧
من أجل حركةٍ جديدة في الرواية والقصة، لماذا الأزمة؟ ليس لنا تاريخٌ طويل في هذا الفن. وواقعنا تغيِّر بشكلٍ مذهل ولا يمكن الآن التعبير عن هذا الواقع بالوسائل القديمة. لا يمكن أن يسير تطور هذا الفن في مصر كما سار في أوروبا. لا بد من قفزةٍ حقيقية.
الموجة الجديدة في السينما، عبد المنعم الحفني، المخرج أو الكاتب أو المؤلف. أفلام تروفو، شابرول، جان دانييل بوليه (٢٧ سنة)، هانون، لوي مال.
«إن مخرجي الموجة الجديدة يتجهون إلى نقض الدراما التقليدية، فهم يعرضون الشخصيات ولكنهم لا يمنطقونها، وأفلامهم تخلو تمامًا من البناء الدرامي التقليدي … وما دامت الكاميرا لم تعُد مجبَرة على أن تقُص قصةً متصلة الأجزاء لها أول ووسط ونهاية؛ فهي تُصوِّر ما تراه تمامًا كما هو في الحياة … إن الحياة غير منظَّمة ووحداتها غير مفهومة، واتصالها الوحيد هو الشخصية الرئيسية التي تدور حولها هذه الحياة وتلك الحوادث»، ألكسندر استروك في لوموند، ١٢ أغسطس ٥٩.
لماذا فشِلَت الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية؟ إيريك روذ، ترجمة عطاء النقاش مجلة «الكاتب» أبريل ٦٣.
– يعتقد مورافيا أن الواقعية الجديدة قد انتهت لأنها حقَّقَت أغراضها التي حدَّدَها في «… الاستجابة للحاجة الماسة التي نشأَت بعد الحرب إلى إعطاء تقرير عن كل نوع من النقائص والاحتياجات التي خلقتها الهزيمة والمصيبة القومية …» لقد كانت أكبر من مجرد عاملٍ مساعد على التقدُّم المعنوي … كانت محاولةً للعودة إلى البداية من جديد: ما هو الإنسان؟ ما هي حقوقه ومسئولياته؟
– إن فشل الواقعية الجديدة — كما قال زافاتيني — سوف يكون نهاية السينما، بل نهاية الديمقراطية.
– «عادت الحقيقة المدفونة تحت الأساطير إلى الازدهار، وبدأَت السينما تُعيد خلق العالم. كان ثمَّة شجرة، ورجلٌ عجوز، بيت، رجل يأكل، رجل نائم، ورجل يصيح»، سيزار زافاتيني.
مبادئ هذه الحركة:
  • (١)

    التخلُّص من الكليشيهات الساذجة.

  • (٢)

    التخلُّص من الفبركة الخيالية الكريهة.

  • (٣)

    التخلُّص من القصص التاريخية ومن تحويل القصص والروايات المكتوبة إلى أفلام.

  • (٤)

    التخلُّص من البلاغة التي أظهرت الإيطاليين عامة كمن مسَّتْهم جميعًا نفس الإحساسات النبيلة … فأصبحوا جميعًا، وبنفس القدر، يفهمون كل مشاكل الحياة …»

– أمل الواقعيون الجدد في أن يكشفوا عن أنفسهم بعد قراءة زولا «الوحش الآدمي».
– عرَّف زولا الكاتب الطبيعي: «همه الأكبر أن يجمع المادة ويكتشف ماذا يستطيع أن يفعل تجاه ذلك العالم الذي يرغب في أن يصفه. وعندما تتجمع تلك المادة سوف تأخذ الرواية شكلها بنفسها، وكل ما على الكاتب هو أن يجمع تلك الحقائق ويضعها في إطارٍ واقعي إذ يجب ألا يتركز الاهتمام على ما في القصة من غرائب. بل على العكس تمامًا. كلما كانت القصة شائعةً وعامة كانت أفضل …»

– «إذا عرَّفنا الشكل بأنه الضرورة التي تربط بين جزئيات الحدث، وإذا كانت مميزات الإنسان الخاصة بالنسبة للطبيعيين عرضية …»

– «إن الفن البروليتاري الجيد يُخفي بساطته … وعندما تخفق البساطة في وسائل تفكيرها تحتمي فيما يشبه عبادة الطفولة والتوسُّل ببراءة الطفولة»، وليام أمبسون.
– «تحقَّقتُ فجأةً من أن أوعية الوعي عندي … من المستحيل أن تصبح على وفاق مع الحقيقة عندما كنتَ صبيًّا وقحًا … وذلك بالإضافة إلى أن الصبية الصغار ليسوا «موجودين» في الحقيقة … إن حساسية الأنثى الصغيرة لا شك فيها … ولكنها أكثرُ أهمية بالنسبة للشباب …» هنري جيمس.
– تمثل أقرب ما وصل به زافاتيني إلى مثله الأعلى في ٩٠ دقيقةً متصلة وممتعة من حياة إنسان من خلال الفيلم … ولكننا هنا أمام تناقُض في فيلم من الاتجاه الواقعي الجديد يقدِّم في بعض اللحظات الحقيقة كما اقتطعها من الحياة وفي الغالب تكاد تكون بلا معنًى مما يجعلها تقترب كثيرًا من واقعية آلان روب جرييه في «الذي يرقب». وعلى ذلك يجب ألا ندهش لأن ذلك هو التطور المنطقي لنظرية «زولا» في جمع الحقائق ومعرفة أي معنًى أو أهمية تحمل في حد ذاتها. وقد كان متوقعًا ألا تحمل هذه الحقائق أكثر مما تحمل من معانٍ.

– الطبيعية تمنعهم من مواجهة الأحوال الاجتماعية في عصرهم.

– «إن وظيفة الشاعر ليست في أن يصف أشياءَ قد حدثَت، وإنما أشياء يمكن حدوثها، أو بمعنًى آخر ما هو ممكنٌ بصفته محتملًا وحتميًّا»، أرسطو.
يقول جورج لوكاتش٥٨ في تعليقٍ له عن زولا: «ربما لم يُوجد بعدُ من يستطيع أن يرسم بكل هذه الدقة والقدرة على الإيحاء الزخارف الخارجية للحياة الحديثة. الزخارف الخارجية فقط … التي تكون ستارةً خلفية عملاقة يتحرك أمامها ذهابًا وإيابًا أقزام من الناس في حركاتٍ عرضية ويعيشون أمامها حيواتهم العارضة. إن زولا لم يستطع أن يتبيَّن ما حقَّقه بلزاك أو ويلز أو ديكنز أو عمالقة الواقعية، من تقديمٍ للأنظمة الاجتماعية باعتبارها علاقاتٍ إنسانية وتقديمٍ للظواهر الاجتماعية باعتبارها مُركِّبة لتلك العلاقات …»

– استبدل الوصف والتحليل بالمواقف والعُقَد الملحمية.

– مَيْزة العمل الفني بالنسبة للواقعي (كما بالنسبة لأرسطو)، تكمُن في الطريقة التي يُحاكي بها الفعل.
– كان روسيلليني استعراضيًّا أكثر منه فنانًا؛ فقد كان طريق إثارة الحواس أكثر جاذبيةً بالنسبة إليه من طريق الحقيقة الصعب.

– تفكير ستاندال المُفعَم بالأمل (رومانسي عظيم) والذي يسمح لأبطاله الفاسدين أن يظلُّوا متماسكين دون انهيار.

مايكل أنجلو أنطونيوني: الواقعية الجديدة تستطيع أن تتطوَّر فقط عن طريق الاهتمام بالعوالم الخاصة وبمشاعر الشخصيات.
«كيف يعمل الكُتاب»، مقابلات مجلة «باريس ريفيو»، فان ويك بروكس، فايكنج.
– «كلما تقدَّمتَ في الكتابة، أصبحتَ أكثر وحدة، وصار وقت العمل أقصر باستمرار، وإذا أضعتَه تشعُر بأنكَ ارتكبتَ خطيئة»، هيمنجواي.
– «لم يعُد الشعر الغنائي بقادر على التعبير عن ضخامة تجربتنا. لقد صارت الحياة ثقيلة ومعقدة للغاية»، باسترناك.
– «توصَّلتُ إلى أن التكنيك الأفضل هو ألا يكون هناك تكنيكٌ على الإطلاق. لا يجب أن يُفكِّر الكاتب كثيرًا»، هنري ميلر.
– «ليس من الحكمة أن تَنتهكَ القواعد قبل أن تتعلَّم كيف تُراعيَها»، إليوت.
«مذكرات»، ألبير كامي، ١٩٣٥–١٩٤٢.
روايات إرسكين كالدويل٥٩ الأخيرة: «جيني بالطبيعة»، «قريبًا من البيت».
كيف نضج ككاتب، مجلة «الأدب السوفييتي»، ٦٣:
– «شعرتُ أني لن أتمكَّن أبدًا من الكتابة بنجاح عن الآخرين في أماكنَ أخرى قبل أن أكتب قصة العائلات المشرَّدة الفقيرة التي تعيش فوق تلال شرق جورجيا الرملية وفي شوارع التبغ …»

– «أردتُ أن أروي قصة الناس الذين عرفتُهم بالطريقة التي يعيشون بها فعلًا من يوم إلى يوم ومن سنة إلى أخرى، وأن أرويَها دون اعتبارٍ للموضة السائدة في الكتابة والحبكات التقليدية. وبدا لي أن أصدَق مادةٍ للتخييل وأكثرها قدرةً على البقاء هي الناس أنفسهم وليست الحبكات والحبكات المضادة البارعة التي ترمي إلى التلاعب بخطاب وأفعال الكائنات الإنسانية.»

بعد عشرين سنة، في ١٩٥١، وهو يسترجع تلك الفترة من نشاطه الأدبي، تعمَّد أن يؤكِّد أنه لم تكن لديه «أي حقائقَ فلسفية ولا دافعٍ تبشيري لتغيير مجرى المصير الإنساني. كل ما أردتُ فعله هو ببساطةٍ أن أصف بأفضل ما أستطيع مطامح وقنوط الناس الذين كتبتُ عنهم، فإذا كان ثمَّة دروس يمكن تعلُّمها من هذا الوصف للحياة، فإنها تكمُن فيه، وكل قارئ، حسب وعيه، حر في أن يضفي تفسيراته عليها.»

«دروب ألتاي»، سيرجي زاليوجين، ١٩٦٢: عن بعثةٍ علمية سوفييتية بقلم روائيٍّ عالم، يرفض الدروب المطروقة في العلم.
واقعية بلا حدود، تعليق «لوموند» على كتاب جارودي:٦٠

– «قد يكون من السخف أن نقصُر مفهوم أي إنسانٍ عن العالم على وضعه الطبقي.»

– المطلوب من الكاتب هو «أن يُعبِّر بقوةٍ عن شكل من أشكال وجود الإنسان في المجتمع.»

– إن تعبير «واقعية بلا حدود» يتسع ليشمل ما غيَّر الاتجاه الواقعي في الرسم والكتابة؛ فلا يقتصر على الخضوع خضوعًا سلبيًّا إلى الجانب العام والمعتاد في الأشياء. إنه يتضمَّن نظرةً أبعدَ (معارضة الظاهر) ويتضمَّن التأمُّل المبنيَّ على الأحاسيس والتأمُّل السلبي والإيجابي وتأمُّل المستقبل (التطلُّع إلى الشيء فيما سيكون عليه) أو المعرفة العقلية النشطة الموجودة كما يقول جارودي عند الرسام التجريدي بوسان.
إن رفض نظام العالم كما هو عليه وتحطيم الصورة الواقعية والتعبير بالرموز عما هو كائن وما سيكون، إنما هو ممارسة الواقعية الحقيقية العظيمة «أي خلق الأساطير والملاحم البرومثيوسية»؛ ومن ثم فإننا نبعُد كثيرًا بذلك عن الواقعية البرجوازية أو الاشتراكية بنظرتهما القصيرة المتعصِّبة أو الحرفية وبروحهما الموعظية. ونلتقي بأعلى أشكال الفن الموجودة في المثالية التي تحتل القطب المضاد، المقتنعة بأن العين عندما تنظُر إلى الشيء لا تراه على ما هو عليه وإنما على ما تتمنَّى أن تراه.
يلمس أراجون نفس هذه الفكرة عندما يُلاحِظ «أن الحقيقة التاريخية تنتهي بأن تشبه حُلمًا من أحلام كبار الفنانين …»
إن عبقرية المبدع والرؤيا الشعرية الحقة تظل في الإحساس الداخلي وتعبِّر عن اكتشافها. بهذا الهامش فوق الواقعي وباختراع الرموز التي تُلمح إليها. هذا على ما أعتقد هو الاعتناق العميق لجارودي، وما يُفهم من كلامه أنه وهو الشيوعي لا يريد علمًا للجمال يقتصر بسبب أسبابٍ انتهازية أو تعليمية على إنزال الأهداف العليا للفن إلى مستوى الفلسفة الثورية.
يقول جارودي: «إنه سيصبح مفهومًا غريبًا عن الفن وفي غير صالح الشعب أن نزعم أن المستوى الشديد الانخفاض والواقع الشديد السطحية هما ما يمكن أن يكون في متناول الجماهير.»
رأي أراجون في كلام جارودي رفض وفتح …
قال جارودي: إنه يُحب الإنسانية بلا وسيط في «سان برس» شاعر السعادة والعظمة الإنسانية.
وقال: إن التأمُّلات القلقة عند «كافكا» أمل في خلاصٍ جماعي للإنسانية رغم أنه برجوازيٌّ صغير، متديِّن وغير ثوري.
عن كتاب «صور من الحياة»، دكتور مصطفى عبد العزيز، ص ١٢٣–١٢٥ (أهمية الجنس).
تجديد الشباب: – نافورة جوفنس. الأسطورة. ينبوع الحياة.

– خطٌّ غذائي: المواد التي لا تُنهِك الآلة الجسدية. بروتين الزاين في الذرة.

– خط استغلال مفاتيح الحياة في الآلة الجسدية.

لاحظ ستاينباخ اقتران الشيخوخة بفقدان الغريزة الجنسية والقدرة التناسلية مع إفراز موادَّ خاصة تُفرِزها الأعضاء التناسلية هي الهرمونات الذكرية والأنثوية – تجارب في اتجاه إمداد الآلة الجسدية بهرموناتٍ جنسية وغرس خصية حيوانٍ مماثل أو قريب من جنس الحيوان الهرِم بحيث يكون على اتصالٍ مباشر بدورته الدموية — تجربة ربط القناة المنوية لحبس الحيوانات المنوية داخل الخصية مما يؤدي إلى ضمورها، وزيادة إفراز الهرمونات الجنسية الذكرية التي تُنشِّط غيرها من الهرمونات غير الجنسية، كما يؤدي إلى استرداد الآلة الجسدية لحيويتها — حقن الجسم بخلاصة الخُصى أو بالهرمونات التي تكوِّنها الغُدد الجنسية.
في مؤتمر الكتَّاب الأوروبي في ليننجراد:
– «عالمنا في حالة سيولةٍ دائمة، ويتغير بسرعة. لقد شاهد رجال الفضاء السوفييت ما كان غير مرئي بالأمس فقط. كل يوم يجلب تغييرًا في مظهر الشوارع، والمدن ووسائل المواصلات، وأيضًا في أفكارنا عن الفضاء. ودون أن نغادر مقاعدنا يمكننا اليوم السفر إلى كل مكان على الكوكب، بل وخارج حدوده. ومن شأن ذلك أن يدفع الفنان إلى البحث عن وسائلَ جديدةٍ للتعبير في الفن … الفن في نضالٍ مستمر مع العالم من أجل أن يتمكَّن من إعادة خلقه، من أجل الوصول إلى جوهر الإنسان»، جويسيبي أونجاريتي.
– «الرواية التقليدية عاجزة وإستاتيكية وصفية، وغير قادرة على عكس الواقع المتغير بسرعة»، روجر كايوا.
– «الرواية الواقعية الجديدة المعاصرة محاولة لتقديمٍ جديد للواقع المتفتِّت»، جويدو بيوفيني.
– «الرواية الجديدة لم تُولَد بعدُ؛ فكلُّ ما هو معارض للرواية القديمة (الرواية الجديدة والرواية الضد) هو قبل الرواية ويُعبِّد الطريق لرواية المستقبل»، برنار بينجو.
– «أُعطي اسم «الرواية» لشيء هو من الناحية الفنية مراوغٌ ويفتقد إلى الشكل المحدَّد … الرواية الجديدة هي التي «يواجه فيها المرء باستمرارٍ غير المتوقَّع وغير المعروف، كما هو الحال في عالم اليوم»، جياكومودي …»
عن الرواية الجديدة:
– «فقط من خلال الكتابة يمكن للكاتب أن يكتشف قيمًا فنيةً جديدة.» «لم تكن الرواية الواقعية الاشتراكية مُرضية؛ لأنها عالجت أساسًا قيمًا معنوية معروفة جيدًا»، روب آلان جرييه.
– «الكاتب يجب أن يبتعد عن الواقع المرئي، المعروف، والمدروس، يجب أن يركِّز على العالم الداخلي الغريب عنه»، ناتالي ساروت.

(هناك ترجمةٌ إنجليزية لرواية ساروت «الفواكه الذهبية»).

الرواية الشاعرية (غير المغامرات والأخلاقية) عند هرمان هسه وولف وأندريه جيد، تأليف رالف فريدمان، جامعة برينستون.
في حديث الحكيم مع ألفريد فرج:

– التراجيديا اليونانية تُصوِّر الصراع بين الإنسان والقدَر.

– الإنسان لا يصارع قوةً خارجية عنه بل قوة مرتبطة بذات وجوده المادي والمعنوي … قوة معنوية … الإنسان سجين الزمان والمكان والغرائز والطباع … وإرادته ترتطم أحيانًا بكل هذه العوامل … ويُهزم … ولا يسلِّم بهزيمته.

– تراجيديا شكسبير الصراع داخل النفس.
– لو كان عند المصريين القدماء لكانوا أقاموا التراجيديا على نفس الفكرة للحكيم. كانوا يصارعون الزمن أو الفَناء.

«الإنسان هو الوحيد بين المخلوقات الذي يسلِّم تسليمًا منطقيًّا بأنه لا حياة له بدون هذه القوى التي يُحاربها … ومع ذلك لا يكُف عن محاربتها … كان المصريون القدماء يعرفون أن الموت شيءٌ محتوم … ومع ذلك يُحارِبونه بالمقابر الضخمة والتحنيط وهم بدون شك اعتقدوا بأنهم انتصروا إلى حدٍّ ما؛ لأننا لا نزال نرى أجسادهم …»

– إن الفن التقليدي في كل مجالٍ قد وصل إلى ذروته التكنيكية، ولا بد من عملية تحطيمٍ جديدة للفن …

– «إنك تُفسِد الفكرة بسهولةٍ شديدة. لكن هل كان الأمر فسادًا أو كان مجرد أنك فقدتَ السذاجة التي بدأتَ بها؟»
– «سوف يكتب كتابًا عندما ينتهي من هذا الأمر. لكن فقط عن الأشياء التي عرفها حقًّا وعما عرف. وفكَّر، لكن يجب أن أكون كاتبًا أفضل بكثيرٍ مما أنا الآن كي أتعامل مع هذه الأشياء؛ فالأشياء التي أصبح يعرفها في هذه الحرب لم تكن بسيطة»، هيمنجواي في «لمن تُدق الأجراس».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤