الفصل السابع

خاتمة

نأمل أن يخرج القراء من هذا الكتاب بثلاثة استنتاجاتٍ على الأقل حول كيفية فهم وسائل الإعلام.

(١) نحن نعيش في عصر منقول إعلاميًّا

أولًا، وعلى نحوٍ بالغ التعميم: نحن نعيش في عصرٍ منقولٍ إعلاميًّا. يبدأ مجال الدراسات الإعلامية الناشئ من ملاحظةٍ مفادُها أن وسائل الإعلام تتخلل الآن تقريبًا كل لحظةٍ من وجودنا، وكل ما نفعله تقريبًا يخضع لهذا النقل. لقد أوضحنا في كل فصلٍ من الفصول السابقة مدى مركزية الإعلام بالنسبة إلى كل جانبٍ من جوانب حياتنا. ومع ذلك، فإن تأثير الإعلام ليس ثابتًا؛ فالبيئة الإعلامية السريعة التغيُّر التي نعيش فيها تتطلب مناهجَ ديناميكيةً ومرنةً إذا أردنا أن نفهم تقنيات الاتصال الجديدة التي ظهرت في العقدين الماضيين.

يرى البعض أن الوجود المتزايد للتقنيات الإعلامية في حياة الشباب (وفي حياة كل شخصٍ في الواقع) غيَّر وجه الحياة اليومية، ووضع تكنولوجيا الإعلام فيها؛ فعلى سبيل المثال، يشيرون إلى طريقة استخدام الأشخاص لمواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، للتعرف على الآخرين، والالتقاء بهم، والمحافظة على التواصل معهم، أو استخدام موقع تويتر باستمرارٍ لتعريف الآخرين بكل ما يَرِدُ على ذهنهم؛ مما يغير من ثَمَّ من نسيج العلاقات الشخصية. ويرى آخرون أن التقنيات الإعلامية الجديدة تُستوعَب ببساطةٍ في أنماط الحياة الاجتماعية الموجودة بالفعل، دون تغيير هذه الأنماط جذريًّا. دعنا نأخذ الفصل الدراسي كمثال.

التعليم إحدى المؤسسات الأساسية في المجتمع الأمريكي، ووُجدت الكليات هنا منذ القرن السابع عشر. ووسائل الإعلام موجودة في كل مكان، من الفصول الدراسية لرياض الأطفال إلى قاعات المحاضرات في الجامعات؛ ففي العديد من المدارس الثانوية في الوقت الراهن، تحتوي جميع الفصول الدراسية على جهاز عرض فيديو. وغالبًا ما يصطحب الأساتذة في المحاضرات أجهزة كمبيوتر موصولة بالإنترنت. وعادةً ما تُعرض أشرطة الفيديو. وإذا تأملنا كذلك الطلاب وهم يستمعون إلى المحاضرة (ويشاهدونها)، فسنجد كثيرًا منهم يحملون أجهزة الكمبيوتر المحمولة، والعديد منها متصلون بالإنترنت، والبعض يُدوِّنون الملاحظات أو يبحثون عن المسائل المتعلقة بالمحاضرة، والبعض الآخر يكتبون تغريدات بعضهم لبعض على موقع تويتر، أو يتسوَّقون عبر الإنترنت. فأيًّا كانت طريقة نظرك للأمر، لا يمكنك فهم التعليم في الولايات المتحدة اليوم، من أول مرةٍ تذهب فيها إلى الحضانة حتى تحصل على شهادةٍ عليا، دون أن تلاحظ أن وسائل الإعلام لها حضور مهم في التعليم.

في حين كان استخدام وسائل الإعلام في البيئة التعليمية في السابق أمرًا مثيرًا للجدل، فإن القبول الحالي الواسع النطاق لوسائل الإعلام باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من العملية التعليمية له تأثير يتجاوز الفصول الدراسية. ويدعم ذلك أيضًا مفهوم الإعلام كمكوِّن أساسي في جميع أجزاء الحياة تقريبًا؛ فقد أصبحنا الآن نتوقع أن نحصل على قسطٍ من التسلية و/أو المعرفة من خلال نوعٍ ما من الشاشات، أو عن طريق الاتصال بوسائل الإعلام، سواءٌ أكنا نحضر قداسًا في كنيسةٍ عملاقة، أو نتمشى في طريقنا إلى صفٍّ دراسي، أو نمارس التمارين الرياضية، أو ننتظر موعد الطائرة أو مقابلة الطبيب. إن فكرة استبعاد وسائل الإعلام من «أي» جانبٍ من جوانب حياتنا تبدو في حد ذاتها غريبة.

إننا نجلس ونكتب هذا الكلام في مقهًى، وهو منشأة تعود إلى القرن الثامن عشر، حين كان يجلس الناس فيها لمناقشة القضايا المهمة في ذلك الوقت. ومع ذلك، فإن السبب في جلوسنا هنا يكمن جزءٌ منه في وجود نقطة اتصال واي-فاي، ونستمع عبر سماعات الرأس إلى موسيقى تُبثُّ عن طريق نقطة الاتصال تلك. وهكذا فإننا نشارك في تقليد الجلوس على المقهى، ولكنه تقليد يتضمَّن تطوُّرًا جديدًا. كما كان في الماضي، «ربما» نشارك في نقاشٍ حول قضايا الساعة. في الواقع، نظرًا لقدرتنا على الوصول إلى الإنترنت، ربما نشارك في محادثاتٍ أكثر استنارةً (أي إنها قد تعتمد على العديد من المواقع التي تقدِّم معلوماتٍ حول أي موضوعٍ تقريبًا يمكن تخيُّله)، وتشمل عددًا أكبر من الأشخاص (هؤلاء الموجودين في المقهى نفسه وأولئك الذين يمكن الوصول إليهم عن طريق الإنترنت). في الوقت نفسه، نظرًا لقدرتنا على استخدام سماعات الرأس وتجاهُل الأشخاص الذين يجلسون حولنا والاستماع ببساطةٍ إلى الموسيقى، ربما نستخدم أيضًا وسائل الإعلام الجديدة لتجنُّب أي محادثةٍ أو تواصُلٍ شخصي.

لفهم الحياة العصرية، عليك أن تفهم دور الإعلام. تنتشر وسائل الإعلام في كل مكان، لكن يجب فهمها ضمن سياق؛ أي يجب «وضع» وسائل الإعلام في سياقات جوانب حياتنا الاجتماعية والتكنولوجية والثقافية. كما رأينا في الفصل السابق، كان تأثير وسائل الإعلام الجديدة في حياة المراهقين الذين خضعوا لدراستنا مشروطًا دائمًا بالوضع الأُسري المحدد الذي عاشوا فيه. كذلك وجدنا في دراستنا حول استخدام وسائل الإعلام خلال فترة انتخابات عام ٢٠٠٤، أن المواطنين يعتمدون على نظامٍ معقدٍ من وسائل الإعلام القديمة والجديدة على حدٍّ سواء، إضافةً إلى التواصل الشخصي مع الأصدقاء والأقارب وزملاء العمل، مع تحديد بضعة اختلافات بين التليفزيون والصحف من جهة، وشبكة الإنترنت أو الرسائل الإلكترونية من جهةٍ أخرى.

(٢) تعقيد علاقتنا بالإعلام

نقطتنا الثانية هي أنه لا يمكن استخلاص أي استنتاجاتٍ بسيطةٍ من هذه التطوُّرات؛ فالعلاقة بين الإعلام والأبعاد الأخرى للحياة الاجتماعية معقدة. ويدرك طالب الدراسات الإعلامية المتمرس أنه ثَمَّةَ نوعان من الادعاءات الخاطئة التي غالبًا ما تُقدَّم حول الإعلام؛ أولًا: هناك الذين يدَّعون أن التغيُّرات في الإعلام يمكن أن تُغيِّر أي شيءٍ تقريبًا في المجتمع. لكن وسائل الإعلام، في الواقع، لا «تتسبب» مباشرةً في حدوث تطوُّرات في المجتمع أو الثقافة أو حتى في الشخصيات؛ فكما أشرنا سابقًا، فيما يتعلق بتأثير وسائل الإعلام على الأطفال، أو استخدامها في الحملات السياسية (الذي نناقشه فيما يلي)، يوجد تفاعل معقد بين وسائل الإعلام والجوانب الأخرى لحياتنا.

رغم ذلك، لا يمكننا فهم كيفية عمل أيٍّ من مؤسسات الحياة الحديثة إلا إذا اكتسبنا فهمًا دقيقًا لوسائل الإعلام. إن هؤلاء الذين يزعمون أنه «طالما» وُجِدتْ تكنولوجيات جديدة، أو أنه لا جديد تحت الشمس، يغفلون العنصر الأهم في التحوُّل الجوهري الذي خضع له مجتمعنا خلال العقود القليلة الماضية، فيرفضون الدور المستقل للإعلام في تفسيراتهم للحياة السياسية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية. لقد بشَّر التحوُّل الأخير في وسائل الإعلام بعهدٍ جديدٍ فيما يتعلق بالعلاقة المتشابكة بين التقنيات الإعلامية والحياة الاجتماعية والسياسية والنفسية والاقتصادية، وفهم ذلك هو سبب وجود الدراسات الإعلامية كتخصصٍ جديد؛ ففي حين أن الدراسات الإعلامية تعتمد على غيرها من التخصصات، فإنها تختلف في جعْل البيئة الإعلامية تركيزها الرئيس، والإصرار على أن الإعلام سمة أساسية للمجتمع الحديث وجزء لا يتجزأ من أي تحليلٍ مستنيرٍ للحياة في القرن الحادي والعشرين.

كمثال على الأفكار التي تُقدِّمها الدراسات الإعلامية حول الآثار المعقَّدة للبيئة الإعلامية المتغيرة، تأمَّل موسوعة ويكيبيديا. يمنع العديد من الأساتذة طلابهم من استخدام هذه الموسوعة الإلكترونية التي يُنشئها المستخدمون كمصدرٍ في الأوراق البحثية والفروض الدراسية الأخرى. في رأينا، غالبًا ما يستند هذا الاستبعاد على الرفض التلقائي من الأستاذ لدور وسائل الإعلام الجديدة كميسِّرٍ محتملٍ لنماذجَ مبتكرةٍ لخلق المعرفة. والنهج الأكثر تطوُّرًا المتأصِّل في الدراسات الإعلامية، يُقِرُّ — كما رأينا في الفصل الأول فيما يتعلق بالانتقال من الثقافة المنطوقة إلى الثقافة المطبوعة — بأن التغيُّرات في الشكل السائد للتواصل تؤثر دائمًا على طريقة فهم المجتمعات لما يُعتبر معرفةً يُعوَّل عليها.

تعتمد ويكيبيديا على نموذج معرفةٍ يعتمد على حُكمٍ جماعيٍّ لعديد المستخدمين الذين يقومون بإنشاء ومراجعة وتعديل أي إدخالٍ معين، بدلًا من الاعتماد على خبيرٍ واحد، كما هي الحال في النموذج التقليدي للمعرفة الأكاديمية. يطلق جيمس سوروويكي (٢٠٠٤) على منهج ويكيبيديا «حكمة الجماهير»، ويؤكد أن المجموعات الكبيرة غالبًا ما تكون قادرةً على التوصُّل إلى قراراتٍ أفضل من أي فردٍ واحد. وفي حالة ويكيبيديا، أصبح هذا النهج الجماعي للمعرفة ممكنًا بفضل تفاعُل نظام الويب ٢٫٠، وليس بالضرورة أقل موثوقيةً من المصادر الأخرى التي يتوجَّه إليها الطلاب عادةً، مثل الكتب أو الموسوعات المطبوعة. عادةً ما تجد مقالات ويكيبيديا مليئةً بالحواشي (وتكون الحواشي في كثيرٍ من الأحيان مرتبطةً بمصدر المادة العلمية برابطٍ تشعُّبي؛ مما يجعل من السهل الوصول إليها)، وتوضع علامة على الإدخالات التي لا تدعمها مصادر كافية أو الإدخالات محل الجدل. في العديد من مجالات المعرفة (وليس كلها)، توفر ويكيبيديا معلوماتٍ مُحدَّثةً بسرعةٍ من المستحيل مضاهاتها في المصادر المطبوعة مثل الكتب المدرسية أو معظم الكتابات الأكاديمية. فبدلًا من رفض الأشكال الجديدة للمعلومات على نحوٍ عام، يجب أن نتمتع بالوعي الذاتي وبحاسةٍ نقديةٍ حيال أي مصدرٍ للمعلومات.

إن تاريخ الأبحاث حول الإعلام وتأثيره هو سلسلة متواصلة من النتائج التي تكتشف دقة وتعقيد تأثير الإعلام على المؤسسات والأفراد؛ فعلى سبيل المثال، الأفلام ليس لها تأثير واحد واضح على الناس، ومن أجل فهم تأثير الإعلام على الناس فهمًا حقيقيًّا، يجب إجراء دراسةٍ سياقيةٍ معقدة. فكيفية تأثير فيلم مثل «الحبلى» فعليًّا على الناس لا يرتبط بالضرورة بتغيير عقلية الأفراد المناصرين للإجهاض على نحوٍ قابلٍ للقياس. يجب علينا أن نفهم المزيد عن طريقة تقييم الأشخاص للأفلام الروائية واستخدامهم إياها في سياقهم الاجتماعي والثقافي، وعن عمليات صُنْع المعنى وتشكيل المعتقدات من أجل تحقيق معرفةٍ أعمق بتأثيره.

وهذا ينطبق بالقدر نفسه على الأشكال القديمة من وسائل الإعلام مثل الكتب؛ إذ كما رأينا في دراسة رادواي الرائدة (١٩٨٤) لتلقِّي الإعلام، في حين رأى كثيرٌ من النقاد أن الروايات الرومانسية تُعزِّز صورة المرأة الضعيفة والخاضعة، فإن المعجبين الفعليين لهذه الكتب رأَوْا بطلاتها شخصياتٍ قويةً ومستقلةً وملهمة، وأحبوا رواياتٍ رومانسيةً معينةً أكَّدتْ على هذه الصفات.

احتل الإعلام هذه المكانة المعقدة والمهمة في مجتمعنا منذ عقود، حتى قبل انتشار التليفزيون كوسيلةٍ جماهيريةٍ في النصف الثاني من القرن العشرين. ومع ذلك، فإننا نشير إلى أن اللحظة الراهنة لها أهمية خاصة بالنسبة إلى الإعلام ونحن نعيش في زمنٍ يشهد تغيُّرًا سريعًا في الخصائص السائدة للبيئة المنقولة إعلاميًّا التي نحيا داخلها. وإذا كان الماضي مؤشرًا للمستقبل، فإن هذه التغيُّرات الإعلامية ستفرض تأثيراتٍ كبيرةً وعميقةً على كل شيءٍ تقريبًا في مجتمعنا، بدءًا من مؤسساته ووصولًا إلى مفهوم الإنسان في حد ذاته. باختصار، على الرغم من أنه كان من الممكن يومًا ما مناقشة العلاقة بين «النظام الإعلامي» وغيره من «الأنظمة»، يرى الباحثون على نحوٍ متزايدٍ أن الإعلام بُعدٌ ماثلٌ على الدوام في كل جانب، وكل نظام، وكل مؤسسة، بل كل بُعدًا من أبعاد الحياة في عصرٍ يُعرَّف على نحوٍ متزايدٍ بأنه «منقول إعلاميًّا».

(٣) الفاعلية البشرية في قرارات واتجاهات الإعلام

نقطتنا الثالثة هي أنه لا يوجد شيءٌ حتميٌّ حول تأثير التقنيات الإعلامية المتغيرة، أو تأثيرها على مجتمعٍ معين. تلعب الفاعلية البشرية، لا سيما في شكل العمل السياسي، دورًا رئيسيًّا في تحديد طرق انتشار وسائل الإعلام الجديدة (وتؤدِّي إلى نتائجَ دائمةٍ يمكن أن تجعل هذه الخصائص في بعض الأحيان «تبدو» حتمية، وتحددها التكنولوجيا نفسها). رأينا في الفصل الثاني أهمية الصراعات السياسية في أمريكا في ثلاثينيات القرن العشرين حول ما إذا كانت وسيلة الإعلام الجماهيرية الجديدة — الإذاعة (والتليفزيون بعد ذلك) — ستُدار بواسطة شركات القطاع الخاص من أجل الربح، أم ستُدار كمؤسسةٍ مموَّلةٍ من القطاع العام يركِّز توجُّهها السائد على الخدمة العامة. وتتجلَّى أهمية هذه القرارات السياسية من خلال الفوارق الشاسعة، حتى في الوقت الراهن، بين الأنظمة الإعلامية في كندا والمملكة المتحدة؛ حيث اعتُمد نموذج الخدمة العامة، والنظام الإعلامي في الولايات المتحدة؛ حيث انتصر النموذج التجاري.

أحد الأسباب التي تجعل من المهم للغاية فهم مغزى الفاعلية البشرية في تطوير التقنيات الإعلامية الجديدة هو أن القرارات السياسية الطارئة — التي ليست سمةً متأصلةً في التقنيات الجديدة — هي التي تُحدِّد تأثير الإعلام على المجتمع الأكبر؛ لذلك تدور الآن مناقشات حامية الوطيس في واشنطن حول ما إذا كان ينبغي الحفاظ على قاعدة حيادية الشبكة (التي ناقشناها في الفصل الثاني)، أم السماح لمزوِّدي خدمة الإنترنت بتحديد أسعارٍ للمستويات المختلفة من الخدمة؛ أي إذا دفعت أكثر، فإن حزم معلوماتك ستنتقل وتُحمَّل على نحوٍ أسرع على أجهزة المستخدمين. وإذا استمرَّت الشبكة محايدة — إذا استمر وجود معيارٍ واحدٍ للخدمة يطبَّق على جميع حزم المعلومات — فسوف يعزز ذلك من وجود بيئة إنترنت تُقدِّم فرصًا إعلاميةً متساوية؛ بحيث يستطيع المستخدمون الأفراد نشْر مدوناتهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم مثلهم مثل النخب، أو الشركات الكبرى، أو استوديوهات هوليوود الجيدة التمويل. من ناحيةٍ أخرى، إذا ما سُمح بوجود مستوياتٍ للخدمة، فسوف يستفيد من ذلك أولئك الذين يستطيعون دفع ثمنها، خاصةً المؤسسات الإعلامية الكبيرة التي ترى الإنترنت في النهاية الوسيلة الرئيسية لتوزيع مقاطع الصوت والفيديو العالية الجودة (والمحمية بحقوق النشر). وفي الوقت نفسه، فإن الإعلام المُنتَج والموزَّع من قِبل أولئك الذين لا يستطيعون الدفع مقابل السرعة المحسَّنَة سيبدو بطيئًا ومليئًا بالعيوب على نحوٍ محبطٍ مقارَنةً بإعلام الشركات الكبرى. وعلى المدى الطويل، قد يؤدِّي هذا إلى إنترنت مستقبليٍّ يُشبه كثيرًا تنبُّؤ نيل بوستمان ﺑ «إنترنت أشبه بنسخةٍ فائقةِ القوة من الشبكات التليفزيونية الخاصة.» باختصار، يوجد مستقبلان مختلفان إلى حدٍّ كبيرٍ للإنترنت، ولا يعتمد كلاهما على أي سمةٍ متأصلةٍ في تكنولوجيا الوسائل الإعلامية، بل يعتمدان على نتيجة الصراع السياسي.

لا تُحدَّد جميع القرارات التي تؤثر على مستقبل البيئة الإعلامية المحتمل عن طريق واضعي السياسة في واشنطن؛ فبالعودة إلى مؤسسات التعليم العالي، يُعَدُّ التصنيف الإلكتروني لأساتذة الجامعات مثالًا مثيرًا للاهتمام. في سبعينيات القرن العشرين، عندما بدأت تقييمات الدورات التعليمية، كانت مثيرةً للجدل إلى حدٍّ ما، وقاومها العديد من الأساتذة والطلاب والإداريين باعتبارها سبلًا غير مناسبةٍ للحكم على جودة التعليم والتعلُّم. في الواقع، تجنبها العديد من الجامعات تمامًا. والآن عندما يسجل الطلاب أسماءهم في العديد من الجامعات، كل ما يفعلونه هو النقر على الدورة الدراسية، فتظهر جميع تصنيفات الأستاذ على مدى السنوات الخمس الماضية.1

ومع ذلك، فإن الانتشار الواسع النطاق لتصنيفات أعضاء هيئة التدريس، والسهولة المتزايدة التي يمكن للطلاب من خلالها ملء التقييمات؛ قد غيَّرا من طريقة تقييم الجامعات لأعضاء هيئة التدريس، وغيَّرا حتمًا من طريقة تصرُّف الأساتذة في الفصول الدراسية؛ لذا وبما أن قرارات شغل المناصب والترقيات تعتمد على نحوٍ متزايدٍ على الحساب الكمي للإجابات على بعض أسئلة التقييم، يميل الأساتذة لتغيير سلوكهم في الصفوف الدراسية بهدف الحصول على نتائجَ أعلى على هذه المقاييس. ويُعتقد عمومًا أن تقليل أعباء العمل الدراسي، وزيادة عدد الأنشطة «الممتعة»، ومنح درجات أعلى؛ تُحسِّن من تقييمات الأستاذ (أحيانًا يكون هذا اعتقادًا صحيحًا، وأحيانًا أخرى لا يكون صحيحًا). وفي حين أن هذا قد يُحسِّن التقييمات ويجعل الأستاذ محبوبًا بين الطلاب، فإنه ليس من الواضح على الإطلاق أنه يُحسِّن جودة التعليم.

وترتبط مسائل الملكية والسيطرة، التي تناولناها في الفصل الثاني، أيضًا بهذه المسألة؛ فإذا أراد الطلاب إيجاد مصدرٍ غير جامعيٍّ لتقييمات الأساتذة، فإنه يمكنهم التسجيل في موقع RateMyProfessor.com على الإنترنت. ربما يعتقدون أن هذه التقييمات أكثر ديمقراطيةً، وأنها قراءة أكثر «جدارةً بالتصديق» لرأي الطالب؛ لأنها تستفيد من التفاعل الذائع الصيت الخاص بالإنترنت؛ حيث يمكن لأي شخص، أيًّا كان، نشر تقييماته، دون أن تُعدِّلها الجامعة أو الأستاذ، وبعيدًا عن رقابتهما.
مع ذلك، موقع RateMyProfessor.com مملوك لشركة فياكوم؛ وهي واحدة من أكبر تسع مؤسسات إعلامية في العالم. ويفتح ذلك الباب أمام تضارب واضح للمصالح؛ حيث لا يصبح موقع RateMyProfessor.com وسيلة لتزويد الطلبة بمعلوماتٍ عن معلميهم فحسب، ولكن يخدم أيضًا المصالح الاقتصادية لفياكوم. وبينما يصبح الموقع منبرًا للإعلان عن قناة «إم تي في» — ملكية أخرى لفياكوم — يزداد إغراء زيادة زوار الموقع عبر توفير المزيد من الخصائص المثيرة والجاذبة للانتباه في الموقع (على سبيل المثال، رموز وأسئلة تُقيِّم ما إذا كان الأساتذة «جذابين» أم «غير جذابين» من الناحية الجسدية).

التركيز على أهمية الفاعلية البشرية يُوجِّه انتباهنا إلى ما إذا كان النظام الإعلامي يُعزِّز توعية الجمهور بحيث يستطيع بعد ذلك بدوره المشاركة بفعاليةٍ في القرارات التي تُشكِّل مستقبل البيئة الإعلامية. على سبيل المثال، خضع جمهور الإعلام إلى التقسيم، وهذا التقسيم مستمر، كما أوضحنا على نحوٍ خاصٍّ في مناقشتنا للاقتصاد السياسي في الفصل الثاني، وعدم المساواة في الفصل الخامس. وبينما يواصل الجمهور عملية التقسيم تلك، يتوافر للأفراد المزيد والمزيد من خيارات وسائل الإعلام التي يستهلكونها، والمزيد والمزيد من السيطرة عليها. وبالتبعية، تتيح البيئة الإعلامية خياراتٍ أكثر وأكثر تفصيلًا للأفراد من المنتجات الفردية البديلة ليستهلكوها.

لكن في المقابل، تشير مناقشتنا للاقتصاد السياسي إلى أنه من المهم أن نفهم أن مجرد تنوُّع منافذ وسائل الإعلام لا يعني بالضرورة زيادة التنوُّع في وجهات النظر أو المحتوى الذي تحمله تلك المنافذ. والديناميكيات التي تتعارض مع تقسيم الجمهور هي التركيز والتكتُّل. على سبيل المثال، على الرغم من وجود مئات المحطات الإذاعية التي يمكن استقبالها، سمح تخفيف لجنة الاتصالات الاتحادية للقيود المفروضة على عدد المحطات الإذاعية التي يمكن أن تمتلكها شركة واحدة عام ١٩٩٦؛ لشركة كلير تشانل بامتلاك تسعمائة محطة، وأن تصبح أكبر مالكٍ لمحطات الراديو في الولايات المتحدة بفارقٍ كبير (إضافةً إلى امتلاكها حصصًا كبيرةً في محطات التليفزيون والترويج للحفلات). وقد أدَّت هذه الملكية المركزة إلى قلة البرامج المحلية، والسيطرة المركزية على قوائم الأغاني، وقلة تنوُّع المحتوى إلى حدٍّ كبيرٍ عبر المحطات التسعمائة. وأصبحت مسألة تأثير كلير تشانل على المحتوى مثيرةً للجدل خصوصًا عام ٢٠٠٤، عندما اتُّهمت الشركة بفرض رقابةٍ على وجهات النظر التي تنتقد إدارة بوش، بما في ذلك فرض حظر موسيقى فرقة ديكسي تشيكس، ورفض عرض إعلانات تنتقد الحرب على العراق. إذًا — وعلى وجه العموم — يبدو أن خياراتنا كمستهلكين لوسائل الإعلام قد نمتْ، لكن هذه الخيارات تتاح في الوقت نفسه عن طريق شركاتٍ أقل وأقل؛ ومن ثَمَّ يُترَك هذا البابُ مفتوحًا للتساؤل عن مدى التنوُّع الحقيقي الذي تُقدِّمه وسائل الإعلام في الواقع.

في عالم السياسة، جعل التقسيم الناجم عن الإعلام تجميع الجميع كجمهورٍ واحدٍ للأحداث أو الأمور السياسية أكثر صعوبة من أي وقت مضى؛ فلقد تجاوزنا نهائيًّا عصر النشرات الإخبارية؛ حيث كان ما يقرب من ثلاثةٍ من بين كل أربعة أجهزة تليفزيون مضبوطةً على واحدةٍ من النشرات الإخبارية الليلية. هذا يجعل المرات النادرة التي نُركِّز فيها جميعًا بالفعل على القضية نفسها — الأحداث الإعلامية — أكثرَ أهميةً مما كانت عليه في الماضي. تصبح الانتخابات الرئاسية الوطنية — التي تحفز الجمهور العام في الولايات المتحدة — حدثًا غير اعتياديٍّ وجديرًا بالانتباه بدرجةٍ أكبر مما كان عليه في عصر النشرات الإخبارية. ويوضح مثال تنصيب باراك أوباما هذه الظاهرة؛ فقد كان هذا التنصيب هو التنصيبَ الثاني الأكثر مشاهدةً في تاريخ التليفزيون، ولكنه كان أكبر حدثٍ في تاريخ الإنترنت، قياسًا بعدد الزيارات على المواقع التي كانت تبثه، والعديد من العوامل الأخرى.

إضافةً إلى ذلك، كان التنصيب حدثًا عالميًّا بجانب كونه حدثًا وطنيًّا؛ مما يوضح مدى أهمية فهم الدرجة التي أصبح الإعلام بها عالميًّا. هذا أمر مهم؛ لأن الطبيعة العالمية للإعلام تخلق طرقًا جديدةً للناس للترابط معًا كمجموعات. في وقتٍ ما، كانت الأمة النقطة الأساسية لتحديد الهوية، ويمكننا أن نُسلِّم أن الناس كانوا مواطنين في دولٍ قوميةٍ يستجيبون لحكومتهم وما إلى ذلك. في النظام الإعلامي الجديد، ضعفت روابط القومية لأن المواطنين يمكن أن يتواصلوا مباشرةً بعضهم مع بعضٍ متجاوزين الحدود الوطنية؛ ما يجعل من الأكثر صعوبةً إقناع الناس، على سبيل المثال، أن لديهم الكثير من القواسم المشتركة مع الأشخاص من الطبقات الاجتماعية والقوميات المختلفة في بلادهم، أكثر مما لديهم مع الأشخاص من الطبقة الاجتماعية والقوميات نفسها في دولٍ أخرى.

تتعارض مع هذه الفكرة فكرةُ أن المدى العالميَّ الذي يتمتع به عدد قليل من المؤسسات الإعلامية، التي لا ترتبط بالضرورة بأي دولةٍ معينة، يتزايد كثيرًا؛ فالأبحاث الحالية حول صناعة السينما الهندية — وهي واحدة من أكبر صناعات السينما في العالم — تُشير إلى أن تأثير هوليوود، في الكثير من النواحي، لا يزال يلعب دورًا في غاية الأهمية فيما يتعلق بطريقة تمويل الأفلام وصناعتها وتوزيعها (بوناتمبيكار ٢٠٠٨). لكن ما معنى قولنا إن «هوليوود» قد تغيرت كثيرًا في هذا العصر العالمي؟ فلم يعد من الممكن تحديد موقع «هوليوود» في حد ذاتها مكانيًّا في جنوب ولاية كاليفورنيا، بل فيما يتعلق بموقع صناعة أفلامها، تُمثل «هوليوود» نظامًا وفكرةً موجودَين في العديد من الأماكن، مثل الهند والصين؛ حيث تحل الشركات المتعددة الجنسيات محل المزيد من المصادر المحلية لرأس المال.

عندما نفكر في أهمية الفاعلية البشرية واحتمالات مستقبل الإعلام، نجد أن التوسُّع المتزايد للإعلام العالمي وتأثيره الموحد يواجه تحديًا من جانب الإعلام المحلي الأهلي، الذي غالبًا ما يستخدم وسائل الإعلام الجديدة لكسب جمهورٍ أكبر مما كان ممكنًا في السابق (باربر ١٩٩٦). وتتخذ عودة الإعلام المحلي أشكالًا عديدة، ويترتب عليها مجموعة كبيرة من التأثيرات السياسية والاجتماعية والثقافية. فمن ناحية، يتزايد جمهور «الموسيقى العالمية» المتاحة بسهولةٍ على الإنترنت، ومن ناحيةٍ أخرى، تمثل رسائل المسلمين الأصوليين المعادين للغرب، التي تنتشر خلال مواقع الإنترنت وأقراص الفيديو الرقمية وغيرها من أشكال وسائل الإعلام الجديدة والقديمة، نوعًا من مقاومة العولمة.

وأخيرًا، التركيز على الفاعلية البشرية والدور المحتمل الذي يمكن أن يلعبه المواطنون في تشكيل مستقبل الإعلام يجعل المعرفة الإعلامية الأساسية والنقدية، وكيفية تدريسها في المدارس (وما إذا كان يجب هذا من الأساس) لا تقل أهمية عن معرفة القراءة والكتابة منذ قرنٍ ونصف؛ فلن نستطع إجراء حوارٍ ديمقراطيٍّ مستنيرٍ حول القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحيوية التي تُواجِه مجتمعاتنا المحلية والوطنية والعالمية إلا إذا اكتسب المواطنون المعرفة الإعلامية الأساسية. ونحن نؤمن بأن أفكار الدراسات الإعلامية يمكن أن تسهم في تطوير هذه المعرفة.

(٤) في الختام: حالة تحديد الهوية بموجات الراديو

نختتم الكتاب بمثالٍ على تقنيةٍ جديدة، لم يتضح تأثيرها بعدُ؛ لكي يفكر القارئ فيها بينما يختتم قراءة كتابنا. تستخدم تقنيةُ تحديد الهوية بموجات الراديو (آر إف آي دي) رقاقاتٍ صغيرةً توضع في أجسام أو تُزرع في الحيوانات والبشر، وتبث موجات راديو تسمح بتحديد هويتهم وتتبُّعهم. يستخدم العديد من الشركات الكبرى — منها وول مارت على سبيل المثال — بالفعل هذه الرقاقات لتعقُّب ومراقبة المخزون، ولكن يمكن أيضًا أن تُصنع بحجمٍ صغيرٍ لدرجةٍ تُمكِّن الباحثين من إلصاقها بالنمل. لا تزال هذه التقنية في مراحلها الأولى، ويوجد العديد من الاستخدامات الممكنة لها؛ ففي مجال الصحة، ربما تُستخدم هذه الرقاقات (إذا زُرعت في المرضى) لتتبُّع مواقعهم وتقديم معلوماتٍ عن صحتهم وعاداتهم، وفي مجال الأمن، يمكن للأجهزة المزروعة في بطاقات الهوية مراقبة موقع الأفراد للتأكُّد من أنهم لا يوجدون في أماكنَ لا ينبغي أن يوجدوا فيها. مع ذلك، فبعضٌ من الاستخدامات الأبعد مدًى لهذه التقنية ربما ينطوي على الجمع بين إمكانات التتبُّع والمعلومات المتاحة من قواعد البيانات الأخرى.

تخيل أنك اشتريت سترةً مزودةً بهذه الرقاقة من وول مارت. عندما تدفع مقابل هذه السترة باستخدام بطاقة الائتمان، يمكن تحديد هويتك، وربما يمكن الآن تتبُّعك وتتبُّع ما اشتريته. أين تذهب أيضًا، وماذا تشتري أيضًا، وماذا تشاهد على شاشة التليفزيون؟ يمكن جمع كل هذه المعلومات لرسم صورةٍ كاملةٍ عما تفعله، والأماكن التي تذهب إليها، والأفراد الذين تقابلهم وما إلى ذلك. يرى المعلنون إمكانات هذا النوع من المعلومات في توجيه رسائلَ تجاريةٍ محددةٍ مباشرةٍ لك. وهكذا بمجرد معرفة موقعك وهويتك ومشترياتك، يصبح من الممكن أن تتلقَّى إعلاناتٍ تليفزيونيةً موجهةً مباشرةً إليك؛ أي لن يشاهدها جيرانك. وترى الحكومات أيضًا إمكانات هذه المعلومات في تعقُّب المجرمين والإرهابيين وما شابه ذلك.

ولكن احتمالية حدوث هذا المستقبل بالفعل لا تعتمد ببساطةٍ على تطوير هذه الرقاقات والتقنيات المرتبطة بها فحسب، ولكن تعتمد أيضًا على القرارات التي سيصل إليها واضعو السياسات حيال الخصوصية، وإمكانية الوصول إلى المعلومات، وحقوق الأفراد في اختيار عدم المشاركة في هذا النظام، والحدود الواقعة — إن وجدت — على المسئولين الحكوميين حيال تجميع واستخدام هذه المعلومات وما إلى ذلك. وستُحدد الإجابات عن هذه الأسئلة السياسية عن طريق أصحاب المصالح الجالسين حول الطاولة في لجنة الاتصالات الاتحادية، أو لجنة التجارة الاتحادية، أو وزارة العدل عندما تُطرح. وبالتأكيد سيكون ممثلو أصحاب المصالح المتحدين — من المعلنين إلى صناع الرقاقات وحتى الوكالات الحكومية المتأثرة بهذه التقنية — حاضرين في هذه المناقشات السياسية. ويعتمد ما إذا كان الجمهور مُمثَّلًا أم لا في كل هذا على المعرفة الإعلامية النقدية، التي من شأنها أن تسمح لهم بمعرفة ما هو على المحك بالنسبة إلى أمورٍ أساسية، مثل: الخصوصية، والمراقبة، وسلطة الشركات والحكومة، وما إلى ذلك.

يجسد رسام الكاريكاتير ديفيد فارلي (١٩٩٦) التحديَ الذي يواجهه المواطنون فيما يتعلق بتقنية تحديد الهوية بموجات الراديو والتقنيات التطفُّلية الأخرى على نحوٍ يستدعي آراء نيل بوستمان في كتابه «تسلية أنفسنا حتى الموت». في المربع الأول من الكاريكاتير تحت عنوان «الطريقة الخاطئة» لضمان قَبول المواطن لتقنية تحديد الهوية بموجات الراديو، يظهر رجلٌ يُشبِه ممثلي الشركات يرتدي بذلة ويهدد قائلًا: «نريد زرع رقاقة تحديد الهُويَّة بموجات الراديو هذه فيك.» يجيب شاب متعرِّق وخائف: «هذا ينتهك حقوقي!» في المربع الثاني بعنوان «الطريقة الصحيحة» يقول ممثل الشركة نفسه: «نريد زرع رقاقة تحديد الهُويَّة بموجات الراديو هذه فيك، والتي تحتوي أيضًا على هاتفٍ خلوي، وكاميرا رقمية، ومشغل أغاني إم بي ثري.» يجيب الشاب المبتسم والمتحمس الآن نفسه: «رائع!»

ما رأيك في هذه التقنية؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤