الفصل الثالث

السرد

مشاكل نموذج بديل ووعوده
جينز بروكميير وروم هاريه
صار السرد، في العقدين الأخيرين، موضوعًا لعدد هائل من الأبحاث الجديدة. يشترك الكثير في أن المهدد بالضياع ليس فقط موضوعًا إمبريقيًّا جديدًا للبحث — القصص التي يحكيها الأطفال، مناقشات حفلات العشاء في مواقف اجتماعية مختلفة، ذكريات المرض والرحلات خارج البلاد، بلاغة العلم، والسير الذاتية، والتعليقات الذاتية الأخرى — بل مقاربة نظرية جديدة، جنس جديد لفلسفة العلم. ويوحي الاهتمام المطرد بدراسة السرد بظهور تيار آخر لنموذج ما بعد الوضعية وتنقيح آخر للمنهج التفسيري في العلوم الإنسانية. يبدو أنه يعد بأكثر مما يعد به النموذج اللساني والسيميوطيقي والثقافي. يجب اعتبار ما يعرف بالتحول الاستطرادي والسردي، في علم النفس والعلوم الإنسانية الأخرى، جزءًا من التحولات المعمارية في معمارنا الثقافي للمعرفة بعد أزمة معرفة الحداثة. وقد انتُقِدت بحدة في معظم التخصصات الفلسفة الوضعية التي أدَّت إلى سوء فهم خطير للعلم، مما فتح آفاقًا جديدة للأبحاث التفسيرية التي تركز على الأشكال الاجتماعية والاستطرادية والثقافية للحياة، مقابل أبحاث بلا جدوى عن القوانين العامة لسلوك الإنسان. وفي أعقاب هذه التغيرات، جذبت أشكال السرد وأجناسه الانتباه بشكل خاص (على سبيل المثال، Polkinghorne 1987; Bamberg 1997a; Hinchman & Hinchman 1997). والسؤال الأول الذي نودُّ تناوله في هذا الفصل: لماذا صار السرد قضية رمزية تقريبًا فيما يتعلق بالأسلوب الجديد.
بدا حل مشكلة تقييم h لأنماط الديناميكية في سلوك الإنسان من خلال دراسات السرد أقرب حتى حلها من خلال تلك المقاربات المعروفة جيدًا بوصفها نموذج قاعدة الدور (role-rule)، أو نظرية النص (script theory)، أو التفسيرات المعرفية الاجتماعية. وسوف نُلقي نظرة على بعض الخصائص التي جعلت دراسة السرد مقاربة مثمرة بهذا الشكل. وأثناء ذلك، علينا أن نعرِّف، أي أن نميز، مفهوم السرد من الأنماط الأخرى للخطاب، معتمدين على الدراسات الأدبية واللسانية، اللسانيات الاجتماعية والنفسية، في اكتشاف علم السرد السيكولوجي. وينصبُّ اهتمامنا الثاني على تحديد بعض الصعوبات النظرية الأخرى والأخطار المحتملة التي نعتقد أن على دارسي السرد إدراكها. وأخيرًا، نضع خطوطًا عريضة لفهم للسرد يسعى إلى تناول تضمينه الاستطرادي الخاص، وبهذه الطريقة طبيعته المفتوحة سريعة الزوال.
يبدو أن نقطة رحيل الاهتمام السردي الجديد في العلوم الإنسانية كانت اكتشافًا في ثمانينيات القرن العشرين. «اكتشاف» أن شكل القصة، شفهية ومكتوبة، يشكل إطارًا لغويًّا وسيكولوجيًّا وثقافيًّا وفلسفيًّا أساسيًّا لمحاولاتنا الانسجام مع الطبيعة وظروف وجودنا (على سبيل المثال، Mitchell 1981; Bakhtin 1981; Bauman 1986; Nelson 1989; Schafer 1989; Britton & Pellegrini 1990). الاندماج الحميم لهذه الأطر التفسيرية التي تسعى إلى فهم المعاني وخلقها، المعاني التي نجدها في أشكال حياتنا. وبقدر تعلُّق الأمر بشئون الإنسان، نفهم أولًا من خلال السرد نصوص خبرتنا وسياقاتها الأوسع والأكثر تميزًا وتعقيدًا. بشكل جوهري، هذا المفهوم عام ومنتشر في مجال واسع لأبحاث تشمل دراسات عن الطرق التي ننظِّم بها ذكرياتنا ونوايانا وتواريخ حياتنا وأفكار «أنفسنا» أو «الهويات الشخصية» في أنماط سردية.

(١) مجال التصور في السرد

كما هو الحال مع مفهوم الخطاب، تضخَّم استخدام مصطلح السرد إلى حدٍّ ما، حتى رغم أنه لم يظهر في سياق العلوم الإنسانية إلا مؤخَّرًا. وهذا الاهتمام المفاجئ مثير للدهشة إلى حدٍّ ما نظرًا للتقاليد الراسخة من زمن طويل في دراسة السرد في نظرية الأدب واللسانيات. وبالتالي، تميل القوة التصورية والتحليلية لمفهوم السرد إلى الالتباس. بداية، نحاول وضع خطوط عريضة لرؤيتنا للمفهوم بشكل أكثر دقة. نحاول أن نرسم حدًّا، رغم الضبابية، يميز السرد من الأنماط الاستطرادية الأخرى. تُستخدَم اللغة لكل الأغراض. لضبط مهمتنا التحليلية، نركز على استخدام اللغة للإقناع، على بؤرة كتاب «فن خطابة Rhetoric» لأرسطو (١٩٥٩م).

خضع التنظيم اللغوي في مختلف أنواع الخطاب لكثير من أشكال الفحص — متراوحة من تلك التي تركز على السمات الصوتية إلى تلك التي تحلل السمات التركيبية والسيمنطيقية والبرجماتية والمنطقية والجمالية للخطاب. استُخدِمتْ طرق كثيرة مختلفة لالتقاط وحدات اللغة: حُلِّلت معاني الكلمات، والتعبيرات والجمل وعمليات الكلام، والنصوص المكتوبة، والأشكال الحوارية للخطاب؛ وفُحِص منطق الأسماء، والمقترحات، والاستعارات، والشبكات المعجمية. ومع ذلك، لا تقوم أية وحدة من الوحدات المتضمنة في أيٍّ من هذه التحليلات بتعريف مستوى البنية الذي يمكن عنده رؤية أن قوى الإقناع في الخطاب مؤسسة بأسلوب مُرضٍ تمامًا. وينبغي، كما كشفت دراسات عديدة، أن يشير تفسير هذه القوى إلى السمات التحليلية لخطابات الإقناع. ونتوقع أن يكون السرد النموذج الأقوى للإقناع.

(٢) أنواع السرد

ماذا يجعل من خطابٍ قصةً؟ على الأقل ينبغي، كشرط ضروري، أن يكون هناك شخصيات وحبكة تتطور عبر الزمن. ثمَّة تنوُّع عظيم في أنواع الخطاب يلبي هذه الشروط الضئيلة. أنواع «السرد» العبقري متنوعة ومتعددة الألوان بشكل مذهل: الحكايات الشعبية، والتفسيرات التطورية، والخرافات والأساطير وحكايات الجنيات، وتبريرات الفعل، والكلمات التذكارية، والدعايات والأعذار … إلخ. يبدو أن أجناس النصوص السردية وأشكالها لا يمكن حصرها. لكن هناك سمات مشتركة بينها، سواء كانت مونولوجات أو ديالوجات، قصصًا أدبية أو عادية، نصوصًا شفهية أو مكتوبة. السرد، بمفهومه العام الشائع، اسم لمجموعة بنى لغوية وسيكولوجية واجتماعية، ثقافة منقولة تاريخيًّا، مقيدة ببراعةِ مستوى كلٍّ فرد وبمزيجه من تقنيات التواصل والمهارات اللغوية — «أدواتنا الصناعية prosthetic»، كما سمَّاها برنر (١٩٩١م) — ناهيك عن الخصائص الشخصية مثل الفضول والرغبة والهاجس أحيانًا. في توصيل شيء عن حدث حياتي — مأزق، نية، حلم، علة، حالة ذعر — يأخذ الأمر عادة شكلًا سرديًّا؛ أي إنه يقدم في صورة قصة تُحكى طِبقًا لأعراف ثقافية معينة.
ورغم أن السرديات قد تشكِّل نسخًا فردية حقيقية، ونسخًا لمواقف خاصةً فيما يتعلق بالواقع، فإنها تستخدم أشكالًا لغوية تقليدية مثل الأجناس الأدبية، بنى الحبكة أو sjuzet،١ وتفاعل مختلف خطوط القصة، والاستعارات البلاغية. وفي هذا ترتبط القصة، والمتحاورون فيها (رواةً ومستمعين)، والموقف الذي تُحكى فيه بنسيج تاريخي ثقافي أساسي. وبتعبير آخَر، تتضافر ذخيرتنا المحلية من أشكال السرد مع مجموعة ثقافية أوسع، مجموعة من النُّظم الاستطرادية الأساسية التي تحدد من يحكي وأية قصة يحكي، ومتى وأين، ولماذا ولمَن. هل هناك نموذج سردي ثقافي عام يعرِّف شكلًا إنسانيًّا عامًّا من الحياة؟ إنها فرضية لا تبدو بعيدة الاحتمال، لكن القضية تحتاج إلى الترسيخ بدراسات مقارنة أوسع. الصحيح أن كل ثقافة نعرفها لها ثقافة حَكْي قصص.

(٣) الفئات العامة للسرد والخطاب

عند هذه النقطة، ينبغي علينا تحديد مفهومين رئيسيين يردان في هذا التعليق: السرد والخطاب. يتواصل البشر بعدَّة وسائل، بما فيها التواصل اللفظي. يحدث التواصل اللفظي عادةً بالتزامن مع أنشطة مادية ورمزية أخرى أو مستقلًّا عنها، وبهذا المعنى نسمي الإنتاج اللغوي (نتيجة وعملية على حدٍّ سواء) خطابًا. التحدث، الكتابة، الاستماع … إلخ، دائمًا، كما يخبرنا فيتجنشتاين (١٩٥٣م)، سمات للعبة اللغة يتعذَّر فصلها، ممارسات ملموسة تنطلق مع استخدام الكلمات.

(٤) تصنيف الأشكال الاستطرادية

إننا نعتبر السرد نوعًا فرعيًّا من الخطاب، لكنه النوع ذو المستوى الأعلى أو المفهوم التصنيفي، في تصنيف الأشكال السردية الأدنى مستوًى. تحت هذا المفهوم، نضع أنواعًا فرعية متنوعة للسرد، ويوجد بعضها عادةً تحت فئة الجنس الأدبي، الفئة الأدبية الأكثر شيوعًا. لكن هناك أيضًا خطابات تتضمَّن عددًا من الفئات الفرعية المختلفة أو الأجناس الأدبية في الوقت ذاته. ثمَّة مثال جيد وهو لغة حماية البيئة التي لعبت دورًا مركزيًّا في «اخضرار» كل أنواع الحياة الخاصة والعامة التي نشاهدها في العقدين الأخيرين (Harré, Brockmeier & Mühlhäusler 1999). وتتراوح الأنواع الفرعية للخطاب الذي يتم فيها التعبير عن «خطاب الخضر Greenspeak» من كل أنواع السرد الطبيعي إلى السرد العلمي والخلقي والأدبي. دراسة على نطاق تام لأساسها اللغوي والثقافي يمكن أن تشمل أنشطة تواصل من قبيل المحادثة والأشكال الرمزية الأخرى للتفاعل وجهًا لوجه (مثل حكي الحكايات الشعبية القديمة والجديدة على طول خطوط القصص الخضراء في سياقات محلية)، والأنشطة المعرفية مثل الغناء والصلاة، وإنتاج النصوص بالوسائط الإلكترونية واستقبالها (بمعنى لغوي وسيميوطيقي). ليست كلها سرديات.
منهجيًّا، تشمل الفئات الفرعية للسرد الأسطورة، والحكاية الشعبية وحكاية الجنيات، والقصص الطبيعية والخيالية، ونصوصًا معينة تاريخية وقانونية وسياسية ودينية وفلسفية وعلمية. وتُميَّز كلُّ فئة بصورة أكبر؛ حيث إن كل النصوص القانونية، على سبيل المثال، ليست سرديات — بعضها تعريفات وتحليلات للمفاهيم القانونية وقد يكون من غير الطبيعي تمامًا ربطها بحكي القصص بشكل تعسفي. ويشمل السرد الخيالي، مثلًا، القصص الأدبية (fiction) التي تشمل أشكالًا من النثر، مثل الرواية. ومع ذلك، هناك مدًى واسع للأشكال الخليط، لأن السرديات تقدم أيضًا في (أو بوصفها) الشعر والدراما والملاحم التقليدية والأدبية، وأدب الرحلات، والمقالات، والموسيقى، والسينما، والباليه، وإجراء ما يلزم من تعديل في الفنون البصرية وأشكال الثقافة الشعبية من قبيل الدعاية والموضة. مرة أخرى، يشمل كل نوع من هذه الأنواع أنواعًا فرعية. على مستوى الرواية، على سبيل المثال، هناك أجناس أدبية مثل قصة الحب، ورواية المغامرات، والقصة البوليسية، وملحمة الرحلات، والرواية التعليمية، وكلٌّ يُشيَّد حول حبكة تتطور عبر الزمن.

(٥) الرواية التعليمية

من المهم رؤية كيفية تحول الرواية التعليمية إلى جنس أدبي مهمٍّ في سرديات حماية البيئة. تقوم، مثلًا، بوضع الخطوط العريضة للسيناريوهات البيئية الممكنة للتطور الذي يتوقَّع أن يمر به البطل (البشر، الثقافة الغربية، الحضارة، التقدم التكنولوجي، أطفال العالم الثالث … إلخ). في بحثنا في خطاب الخضر حللناه أيضًا بوصفه نوعًا فرعيًّا من الأنواع السردية الاستطرادية من قبيل الكتابة العلمية، التي يبدو للنظرة الأولى أنها تصف وتمثل أشكالًا متنوعة من التفكير الوصفي المنطقي. لكن الدراسة الدقيقة لمزيد من الكتابة العلمية عن قضايا البيئة تكشف عن بنى سردية أكثر شبهًا ببُنى الرواية التعليمية من عرض منطقي للتفكير الاستدلالي الافتراضي.

توجد نماذج أخرى من الكتابة العلمية والحديث العلمي في المستوى نفسه من عمومية الجنس الأدبي كما يمكن أن يقدم السرد قائمة، معبرة عن استدلال صالح منهجيًّا، وواصفة تصميمًا تجريبيًّا. وتحت «قائمة» لمفهوم عالي المستوى قد نضع قوائم لأنواع مرتبة حسب حجم البنود المتضمنة، أو حسب وضعها على أرفف السوبر ماركت، أو (وهو الأكثر أهمية بالنسبة لأغراض دراستنا للخطاب البيئي) قوائم لأنواع مصنفة حسب مستوى خطورتها. مثل هذه القائمة قد لا تكون فقط جزءًا من بنية سردية أكبر لكنها تتضمن أيضًا السرد نفسه أو تستدعيه، كما هو الحال في قصة درامية عن تدهور البيئة نتيجة لأنشطة البشر.

وهناك طرق أخرى كثيرة لوضع تصنيف لأنواع الخطاب السردي، ينتمي بعضها إلى الدراسات الأدبية، وأخرى إلى اللسانيات الاجتماعية والنفسية وفي التاريخ. في أعقاب التحول السردي أو النصي في التاريخ (على سبيل المثال، Berkhofer 1997)، تظهر، على سبيل المثال، اقتراحات متنوعة لتمييز أنواع السرد التاريخي (أو سرد التاريخ) أو أشكاله أو أجناسه الأدبية. يميز، مثلًا، وايت White (١٩٨٧م) وكرونون Cronon (١٩٩٢م) بين «التأريخ» و«السرد»، بين قوائم منبسطة للأحداث وخطابات تاريخية تحقق خطوطًا قصصية معينة. تمييز السرديات من القوائم، والتأريخ، والرصد، والاستدلالات مجرد طريقة لتصنيف الخطابات ثبت أنها مفيدة في فحصنا لقوى الإقناع (ومشاكله) في الأشكال المختلفة من خطاب البيئة.

(٦) صعوبات التعريف

رغم ما يبدو تصنيفًا جيدًا فقد أوضحنا حتى الآن أن هناك على الأقل خمسة أسباب وراء عدم سهولة وضع حدود دقيقة لمعنى السرد. الأول، أشكال السرد وأساليبه، كما رأينا، متنوعة جدًّا وكثيرة الألوان. إن فينومينولجيته الثقافية متنوعة ومفتوحة بشكل مذهل. الثاني، هناك عناصر أو بنى للسرد في معظم الأنواع الأخرى للخطاب، من قبيل النصوص العلمية أو القانونية أو التاريخية أو الدينية أو السياسية.

(٧) الأشكال الهجين

هناك طرق معينة لتقديم السرديات. سمى إيكو Eco (١٩٩٤م)، مركزًا على السمات السردية السيميوطيقية، شكل هذا التقديم أو نمطه «خطابًا»، بالإضافة إلى الفئات التقليدية من «الخرافة» و«الحبكة». ويساعد مثل هذا التمييز على توضيح أن محتوى السرد لا يوجد هكذا لكنه يرتبط بطرق متنوعة ببنية العرض المكتوب أو المنطوق وشكله وغرضه. وهذا يؤدي إلى الأشكال الهجين hybrids المهمة.
لتوضيح العلاقات المتبادلة المتنوعة بين الشكل والمحتوى في هذه الأشكال الهجين، نلقي نظرة على «ليسيداس»٢ ميلتون (١٩٨٣م). إنها توضح ببراعة أن اللغة الشعرية لها طرق معينة في تشكيل البنى السردية وإبداعها، حتى بطريقة بصرية.
في «ليسيداس» ميلتون، يتميز المركز الرقمي للقصيدة (بعد الأبيات) بالبيت الطويل رقم ١٠٢. وكما أوضح ألستير فولر Fowler (١٩٧٠م)، ليس من قبيل الصدفة أن يشير البيت الأوسط في القصيدة كلها إلى أعلى نقطة في طبوجرافيا المشهد الطبيعي للقصة. بالتماثل مع الكثير من قصائد هذا الزمن، ومن منظور التقاليد الأيقونية الراسخة، لليسيداس صورة ملكية أو منتصرة عند هذه النقطة. هذا «الرأس المقدس» لليسيداس: «مشيد في الكسوف، ومكسو بالظلمة اللعينة»، وبالتالي، يكون نظام القصيدة في النصف الثاني حتى في تنظيمها الفضائي صورة مطابقة لنظامها في النصف الأول. يستمر البيت الأول من النصف الثاني مع «الرأس المقدس» لليسيداس الذي، بدلًا من مزيد من الصعود إلى الذروة، يُجلب الآن إلى الحضيض بموت يعمل من خلال النباح القاتل («غاص رأسك المقدس كثيرًا جدًّا»).
في أشكال أخرى متنوعة تعرض القصيدة وأعمال أخرى في الفترة نفسها أنماطًا متناسقة حول نقاط المنتصف تقريبًا. وبهذه الطريقة، تضيف شكلًا موحيًا وبصريًّا وفضائيًّا لرؤاها الشعرية، أو «واجهة معمارية» كما يصفها فولر (١٩٧٠م، ص١٧٩). وهذا الامتزاج «لأجناس» السرد والشعر، والتخيُّل البصري، والتمثيل الفضائي مهم جدًّا لسبب آخر. إنه يوضح الخاصية التاريخية، وهي متنوعة، لما يشيد بنية سردية. وفي الشعر السردي الحديث، يصور تكرار نمط وبنى أخرى شكلية متناسقة خطوطًا بصرية استاتيكية للمحتوى، لكنها أفسحت عمومًا المجال للنمط الأكثر ديناميكية، نمط «القصة». إن بنية القصة، البنية المتتابعة الدياكرونية٣ الموجهة للفعل، التي تبدو مناسبة أكثر لتشكيل تيمات التطور والتغير والتقدم وحبكاتها، وقد برزت في القرنين التاسع عشر والعشرين. بتعبير آخر، لا يتوسط السرد الثقافة ويعبر عنها ويشكِّلها فقط، لكن الثقافة أيضًا تُعرِّف السرد. وهذا يزيد من صعوبة تعريف السرد منعزلًا عن السياقات الاستطرادية التي تضعه فيها الأعراف الثقافية المتنوعة.
يوحي تنوُّع التصميمات التي تبنَّاها الشعر عبر القرون بأن الفرضية التقليدية بأن الأجناس الأدبية أنماط طبيعية ثابتة وأبدية يتكيَّف معها الخطاب، وخاصة السرد، ينبغي أن تصبح موضع شك. هناك تشابه بين اللغويات، بشكل خاص، والأجناس الأدبية والأنماط البيولوجية «للعقل». إن فكرة الأجناس الأدبية الخالدة — التي يمكن أن تتبعها حتى أرسطو — صارت موضع شك في القرن التاسع عشر تقريبًا وقت الهجوم على ديمومة الأنواع العضوية وثباتها. ومن المهم استكشاف الارتباط بين التاريخ الطبيعي لداروين، والجيولوجيا التاريخية، وظهور فقه اللغة philology التاريخية ودراسات الأدب المقارن.

(٨) صوت المؤلف

ثمة مشكلة ثالثة ترتبط بالمسألة وهي تعريف مؤلف السرديات. نؤكد أن القصص لا تحدث فقط، إنها تُحكى. ومع ذلك، لا يكون تحديد القاص وموضعه واضحًا باستمرار. أحيانًا يكون الراوي مجرد شخص واحد، يهيمن على الجمهور كما يتحدد به وبالموقف الذي يحدث فيه السرد. لكن أحيانًا تُبتكَر الحكاية بشكل مشترك أو تعاوني، كما أوضح مدليتون Middleton وإدواردز Edwards (١٩٩٠م) في دراسة التذكر الجمعي، وبونتكورفو Pontecorvo وفاسلو Fasulo (١٩٩٩م) في بحث عن محادثات طاولة العشاء في الأسرة، وإدواردز (١٩٩٩م) في الخطاب العاطفي، ونيلسون (١٩٩٦م) وفيفوش Fivush (١٩٩٤م) في الأصل الحواري لقصص السِّيَر الذاتية في الطفولة. وبالنسبة لباختين (١٩٨١، ١٩٨٦م)، كل قصة وكل كلمة «متعددة الأصوات multivoiced» يتحدد معناها بسياقات استخدامها، السياقات السابقة التي يتعذر حصرها. ويسمي باختين هذا «بالمبدأ الحواري» للخطاب، مؤكدًا على فرديته المتأصلة: تحمل كل كلمة أو تعبير أو لفظ أو سرد آثار كل الأشخاص، المحتملين والحقيقيين، الذين استخدموا أو سوف يستخدمون هذه الكلمة أو التعبير أو اللفظ أو السرد.
كما أوضحت هذه الدراسات ودراسات أخرى، لا يمكن اعتبار السرديات إبداعًا شخصيًّا أو فرديًّا تمامًا، كما يمكن أن يزعم أحد دعاة الذاتية subjectivist، أو أنها تمثل ببساطة وصفًا موضوعيًّا لحقيقة الأمور، كما يعتقد الوضعي positivist. تُحكى القصص من «أوضاع»، أي أنها «تحدث» في نظم خلقية محلية حيث تؤثر حقوق الأشخاص وواجباتهم بوصفهم متحدثين على موضع صوت المؤلف الأصلي. لا بدَّ أن تسمع بوصفها تعبيرات لسرديات معينة من رؤى معينة وأصوات معينة. أهمية هذا التفكير في الأفكار٤ لم تقدر بعد بشكل كامل (Harré & Van Langenhove 1998).
لكن كيف يتم تمييز الأصوات؟ كيف يمكن تحديدها؟ إنهما سؤالان صعبان لأن السلطة الحقيقية التي يقدم بها السرد نسخته عن الواقع تتحقق غالبًا بطمس أجزاء كبيرة من الواقع — على سبيل المثال، كما أوضح كرونون Cronon (١٩٩٢م)، برفض الأصوات البديلة أو المنشقة أو قمعها أو تجاهلها. يرى ويرتش Wertsch (١٩٩٨م)، أنها قوة السرد بوصفه «أداة ثقافية». يميل السرد لصهر عناصر متنوعة من قبيل العوامل والأهداف والوسائل والتفاعلات والظروف، والنتائج غير المتوقعة، والعوامل الأخرى، في «كلٍّ» مُشيَّد لكنه متحيز بصورة متأصلة. وهذا الميل واضح خاصةً في التعليقات التاريخية، كما أوضح ويرتش في تحليل السرديات في الكتب الدراسية الأمريكية عن أصل الولايات المتحدة. أوضح هوجز Hughes (١٩٩٥م)، في دراسة عن الملامح القصصية التي تتبناها النصوص المدرسية والجامعية لتاريخ العالم، مدى تجاهل وثائق عامة مهمة لأصوات بديلة من خلال تبني ملمح قصصي مفرد وخطي. تتبنى هذه النصوص بشكل حصري صيغة سردية «لصعود تطوري منتصر» لإقصاء أشكال سردية أخرى من قبيل الأساطير، سرديات الثقافة الشفهية. ومثال على ذلك أساطير النافاهو.٥ تتأسَّس حبكاتها الرئيسية على تيمات «العملية البيئية» لتخطِّي الحدود بين الإنسان والحيوان. وطبقًا لذلك، يشكل الحيوانات والبشر نظامًا اجتماعيًّا وخلقيًّا واحدًا متماسكًا، نظامًا يأخذ شكل قصص معينة. والآن تفقد أسطورة النافاهو بالطبع، «وقد أُعيدت صياغتها» عبر الخطوط القصصية الغائية للسرديات الغربية عن «التقدم» و«تطور الحضارة»، تفقد كل ما يميزها سرديًّا وثقافيًّا.

(٩) شيوع الخطوط القصصية بوصفها مبادئ منظمة للخطاب

ثمة سبب رابع لصعوبة تقديم تعريف واضح للسرد غالبًا. لكنه يشير إلى سمة أخرى لشيوعه. ونحن نكبر في مخزون حكي القصص في لغتنا وثقافتنا منذ الطفولة المبكرة ونستخدمه بالطريقة المألوفة والتلقائية التي نستخدم بها اللغة عمومًا، صار «شفافًا». ومثل كل أنواع الخطاب العادي يوجد عمومًا في كل ما نقول ونفعل ونفكر ونتخيل. حتى أحلامنا، إلى حدٍّ بعيد، منظمة في هيئة سرديات. وبالتالي، يمكن بسهولة رؤية وجوده المسلَّم به وجودًا طبيعيًّا، نموذجًا طبيعيًّا ومحدَّدًا للتفكير والفعل.

(١٠) المغالطات المستمرة في تحليل السرد

السرد وهمًا ميتالغويًّا: المغالطة الوجودية

يرى «روي هاريس Harris» (١٩٩٦م) في كتابه «لغة الاتصال» أن جزءًا كبيرًا من الإطار الميتالغوي الذي سعت فيه دراسة اللغة منذ العصور القديمة نصب فخًّا. إن محاولات الفلاسفة وعلماء اللغة لفحص كيانات مثل الكلمات والجمل، كما يتصورها عالم اللغة، أو الفرضيات والمعاني كما يتصورها الفيلسوف، من البداية لا تستحق العناء. إن الكلمة والجملة والفرضية والمعنى فئات مُقحَمة. ليس لها إلا وجود نظري شاحب. من منظور الخطاب (ويعني هنا «اللغة المستخدمة»)، لا يوجد شيء من قبيل الجملة أو الفرضية المنعزلة. لكن هذه الظلال الميتالغوية أخذت، في عملية الفحص، وجودًا «حقيقيًّا» ثابتًا. تجسدت فئاتها، إذا جاز التعبير، في أشياء حقيقية. ويسمي هاريس هذه الأنطولوجيا «وهمًا ميتالغويًّا».

يبدو لنا أن هناك فهمًا للخطاب السردي يتضمن الخطر نفسه، وهو تحديدًا المضي في عملية مماثلة من عمليات التحول، التغير من فئة ميتالغوية إلى ما يبدو كينونة حقيقية. وبهذه الطريقة، ربما يتجسد شكل نوع السرد أو جنسه أو خطابه — وهو تحديدًا ليس سوى فئة ميتالغوية — ويتحول إلى فئة أنطولوجية.

لأغراض معينة نعزل سردية بالتقاط حبكة ووضعها في إطار التأليف الخاص للقصة، حبكتها. لكن تحديد الحبكة وتأليف القصة بوصفهما دالين ربما يكون ببساطة انعكاسات لكلٍّ منهما على الآخر. قد يتحطَّم الامتداد نفسه للخطاب بطرق أخرى كثيرة، وقد لا يكون للقصة موضع في بعضها. لنعتقد أنه توجد حقًّا قصة «في الخارج هناك»، تنتظر أن تُكتشَف، سابقة على عملية السرد وغائبة عن إعادة بنائه تحليليًّا، نستدعي المغالطة الأنطولوجية.

السرد باعتباره وصفًا: مغالطة التمثيل

ثمة خطأ يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمغالطة أنطولوجية تتمثل في افتراض أن هناك واقعًا إنسانيًّا واحدًا، وواحدًا فقط، ينبغي لكل السرديات في النهاية أن تتطابق معه. ربما ينبثق هذا الاعتقاد من رسم توازٍ قريب جدًّا بين معرفة العالم المادي ومعرفة العالم الاجتماعي. إن الأخير متعدد ومذبذب، وتلتقط كل نسخة منه سمة لعالم فيزيائي واحد فقط. وطبقًا لرأي واسع الانتشار، وخاصة في علم النفس التقليدي، وأيضًا في علم الاجتماع، ونظرية الأدب، وعلوم إنسانية أخرى، هناك شيء في الخارج في العالم يعتبر واقع البشر. وتمثل اللغة، ضمن أشياء أخرى، معرفتنا بهذا الواقع، ومن خلاله. ومن هذا المنظور، تأخذ التصورات اللغوية (ولتكن «الواقع» أو علمنا أو معرفتنا به) غالبًا شكل السرد، خاصة في الأمور الإنسانية المعقدة. ونسمي فرضية الواقع الإنساني الفريد والمستقل التي تُمثَّل (إلى حدٍّ ما) في وصف سردي «مغالطة التمثيل».

لكن ينبغي علينا أن نتذكَّر أنه يمكن أن يكون هناك عدة قصص مختلفة تُحكى عن أمور إنسانية معقدة من قبيل الحياة أو هُوية المرء، على سبيل المثال. وكما نوقش على نطاق واسع في أبحاث السيرة الذاتية، تتضمَّن الحياة بشكل طبيعي قصصًا حياتية تتغير على مدار الحياة. إن افتراض أن هذا التنوع في سرديات السيرة (الذاتية) يختلف في أن بعضها «حقيقي» وبعضها «ليس حقيقيًّا» (أو حقيقي بصورة أقل) مغالطةٌ. والفكرة المؤسسة لهذه المغالطة أن هناك تدرُّجًا في الحقيقة يتراوح من القصة الواحدة والحقيقية المبنية على حقائق موثقة إلى قصة مشوهة وزائفة، تتأسس غالبًا على أكاذيب وخداع ذاتي. وهكذا يعتبر الواقع معيارًا تحاكم طبقًا له حقيقة التمثيل السردي. ويبقى أنه إذا كانت هناك مثل هذه الحياة «الواقعية» التي عاشها شخص ما، كيف نعرف واقعه المعطَى من قبل؟ ينبغي ألا ننسى أن كل ذلك الذي يواجه حياة هو أيضًا جزء من تلك الحياة. أن تعيش يعني أن تمنح معنًى لحياتك. إن عملية بناء مثل هذا المعنى ربما تعتبر المركز الحقيقي لحياة الإنسان.

السردُ واقعًا استطراديًّا

من الواضح أنَّ هناك ارتباطًا وثيقًا بين المشكلتين الأخيرتين اللتين ذكرناهما. تظهر الأولى في الميل إلى تجسيد فئة ميتالغوية من السرد؛ وهذه هي المغالطة الأنطولوجية. والثانية معالجة السرد بوصفه تمثيلًا أو ربما ترجمة. ويمكن اعتبار مغالطة التمثيل أو الترجمة والمغالطة الأنطولوجية وجهين لعملة واحدة من حيث إنهما تسلمان بوجود مستوًى خفي لبنى المعنى قبل الاستطرادي. ويتمثَّل التنوع السردي لهذه المسلمة المعروفة التي وصفها فيتجنشتاين (١٩٥٣م) ذات يوم في طبعته الأوغسطية Augustinean في أنَّ السرد طريقة خاصة تعكس بنى المعنى.
افترضْ بدلًا من ذلك أننا اعتبرنا أن الفكرة نفسها عن الواقع في هذا السياق تميز جنسًا معينًا من الخطاب. يتطلَّب ذلك منا أن نعيد صياغة مشكلتنا في شكل أسئلة عادية من قبيل «ما العملية السردية (وسياقها الموضعي) التي يُعرَض هذا الواقع من خلالها (وفيها)؟» و«ما الاستراتيجيات والتقنيات السردية التي تُستخدَم لاستدعاء هذه الفكرة عن الواقع؟» وهكذا، لا يهدف البحث إلى اكتشاف نماذج تمثيل شيء ما «في الخارج هناك» في العالم، كما قد يجعلنا واقعيٌّ ساذج نؤمن؛ ولا يكافح لكشف أي أمور قبل استطرادية أو قبل سردية، نوع من الأنطولوجيا الأولية — وهذا ما تزعمه عدة مقاربات سردية في التحليل النفسي (Brockmeier 1997).
بعد تحذيرات كلٍّ من فيتجنشتاين (١٩٥٣م) وفاجوتسكي Vygotsky (١٩٨٧م) ضد رؤية أن اللغة يمكن فهمها بوصفها نوعًا من التحول، أو حتى الترجمة، من المعاني قبل اللغوية إلى كلمات وجمل. لا ينبغي اعتبار السرديات تمثيلًا لنسخة خارجية لكيانات ذهنية معينة تطفو في حالة قبل سيميوطيقية. إن تقديم شيء بوصفه سردًا لا يعني «تجسيدًا» لواقع «داخلي» ومنحه شكلًا لغويًّا. إن السرديات أشكال متأصلة للحصول على المعرفة التي تبني الخبرة بالعالم وبأنفسنا. وبتعبير آخر، لا ينبثق النظام الاستطرادي الذي ننسج فيه عالم خبراتنا إلا بوصفه «طريقة عمل» لعملية السرد ذاتها؛ أي إننا لا نتعامل أساسًا مع نموذج للتمثيل، بل مع نموذج خاص لبناء الواقع وتكوينه، كما أشار برنر (١٩٩١م). ولدراسة هذا النموذج، ينبغي أن ننظر بدقة إلى الطرق التي يحاول بها الناس فهم خبراتهم، وسردها، أثناء ذلك، ضمن أشياء أخرى. كيف، إذَن، يعطون شكلًا بهذه الطريقة لنواياهم وآمالهم ومخاوفهم؟ كيف يتوافقون مع التوترات والمتناقضات والنزاعات والورطات؟ وهكذا لا يكون السؤال كيف يستخدمون السرد وسيلةً لهدف إخباري، بل ما المواقف والظروف الملموسة التي في ظلها يحكون قصصًا وبذلك يعرِّفون السردي ضمنيًّا؟

أوصاف أم تعليمات؟

في حالات كثيرة يتبيَّن، بدراسة دقيقة لكيفية استخدام التعبيرات المناسبة، أن ما نسلِّم بأنه وصف لفئة من الكائنات من الأفضل معالجته بوصفه مجموعة من القواعد أو التعليمات لجلب ما يبدو أنه كيان مستقل إلى الوجود. على سبيل المثال، يمكن كتابة كتيِّب عن التنس كما لو أنه يصف ما يفعله لاعبو التنس بصرف النظر عن السرد، الضربات الفعلية للتنس وما شابه؛ لكن وظيفته في الشكل الذي يتخذه التنس في الحياة إعطاء تعليمات لشخص في اللعب الصحيح بهذه الطريقة ليجلب لاعبين (وما يمكن أن يكونوا لاعبين) إلى الوجود. ربما تعمل مفاهيم السرد والفئات السردية بالطريقة ذاتها.

إذا نظرنا إلى كيفية استخدام الكلمات سردي، وسرد، ويسرد (بالإضافة إلى قصة وأسطورة وحكاية … إلخ) فعليًّا وإذا درسنا الممارسات الفعلية للسرد، فسوف تبدو هذه المفاهيم وصفية بشكل أقل وإرشادية بشكل أكبر. في سياقنا، غالبًا ما يمثل السرد والمعجم السردي عمومًا إرشادًا أو توجيهًا مكثفًا لكيفية تقدم المرء في أغراض عملية متنوعة، من قبيل المقارنة والارتباط والتجميع والتضاد والتصنيف … إلخ. وتهدف هذه الأغراض إلى تنظيم الخبرات والأفكار والنوايا في نظام سردي.

كثيرًا ما يُستخدَم السرد، كما أكدنا، كأنه كلمة لنوع أنطولوجي. ينبغي في الحقيقة أن نتصوره تعبيرًا عن مجموعة تعليمات ومعايير لممارسة أشكال متنوعة من التواصل، وتنظيم خبراتنا وفهمها، ومعرفتها، وتقديم أعذار ومبررات … إلخ. ورغم أنه يبدو كيانًا لغويًّا ومعرفيًّا محددًا وصارمًا، إلا أنه ينبغي أن يعتبر مجموعة مكثفة من القواعد، تغلف المتماسك والمستساغ في ثقافة معينة.

السرد، إذَن، من هذا المنظور اسم لذخيرة خاصة من التعليمات والمعايير التي ينبغي عملها والتي لا ينبغي عملها في الحياة وكيفية اندماج حالة فردية في قانون عام وراسخ ثقافيًّا. وهكذا، لتصنيف سلسلة من أفعال الكلام بوصفها سردًا يعني أن ننسبها إلى مجال معين من الوظائف. «ماذا تصف السرديات؟» سؤال، و«ماذا يحقق حكي سرد؟» سؤال مختلف تمامًا. وهما سؤالان مرتبطان ويستحيل فصلهما، كما يمكن أن نرى، على سبيل المثال، في تحليلات السير الذاتية والسرديات الذاتية الأخرى. إن الدافع إلى حَكْي حياة امرئ هو بشكل بالغ الصعوبة إلحاح مزعج لتسجيل حقائق الحالة.

أعراف السرد وفعل الإنسان: مشكلة المغالطة

اقترحنا أنَّ أعراف السرد متأصلة في حَكْي القصص. ويمكن أن يكون البديل تخيل أنها قوالب سابقة الإعداد، ينبغي للقصص، لتُنظَّم بهذا الشكل في ثقافة، أن تتوافق معها. يمكن أن نتخيل علم نفس تتبع خطوط الصورة البديلة حيث يُعتقَد أن الحياة تشبه إلى حدٍّ ما سياقًا لكتابة خلَّاقة، فيها يراكم المرء ذخيرة من النماذج الأدبية قبل أن يغامر بتأليف الذات، على سبيل المثال، تطور الشخصية. لكن إعلان مهارة حكي القصص، بقدر ما نرى، لا تشبه ذلك إطلاقًا. لا يعطي الصغار تعليمات منفصلة عن كيفية حكي قصة. إنهم محاطون بالقصص منذ الطفولة المبكرة، ويبدو أنهم يتمتعون بشهية غير محدودة لها، ليس فقط للحكايات ذاتها لكن أيضًا لتكرارها بشكل لا نهائي.

إذا كانت القصص توجِّه الحياة، فماذا يوجه القصص؟ وهكذا تكون هناك مشكلتان يجب تناولهما. أم إنهما مشكلة واحدة حقًّا؟ هل حَكْي القصص حدث حياتي لا يختلف عن أي حدث آخر حين يتطلب الأمر معالجة مسائل التكوين؟ نحتاج إلى تأمل إن كان حكي حياة وعيش حياة هما أساسًا الشيء نفسه (Freeman 1993). ربما نفهم «الحياة» و«قصة الحياة» باعتبارهما متضافرين بشكل لا يمكن فصله في نسيج مستمر للمعنى والفهم (Brockmeier 1999).
ويوحي هذا بأن نظريتين مرتبطتين ارتباطًا وثيقًا عن كيفية خلق نظام في حياة اجتماعية بشيء مثل قيود الحبكة لن يساعد كثيرًا في حل مشكلة فهم كفاءة القصص. وهما نظرية النص (Schank & Abelson 1975) ونظرية قاعدة الدور role-rule (Harré & Secord 1972). تفترض النظريتان نوعًا من تجريد الألواح من الخبرة لتكون فعالة في توجيه الفعل، مثل كتب الإتيكيت إلى حدٍّ بعيد، والتعليمات … إلخ، تصبح توجيهات واضحة لإنتاج سلسلة صحيحة من الأفعال، سواء كانت احتفالات أو أفعالًا لتجميع قطعة من الأثاث. وفي الحالتين، هناك تطبيق واضح لحالة نموذجية، يتم فيها توجيه الفعل بانتباه جلي إلى خطاب تعليمي. في الحالات التي يواصل فيها الناس الحياة بطريقة منظمة، تفرض هاتان النظريتان وجود كتيِّب به تعليمات خفية. لكن لا تعلق أية نظرية على كيفية تحقيق التوافق مع الكتيب. لا يمكن أن يتحقق ذلك بتتبع واعٍ لأفعال امرئ في ضوء التعليمات، لأنه ليس هناك، طبقًا للفرضية، تتبع أو انتباه لقاعدة أو نص.
يمكن تقديم نظرية ثالثة عن أساس تنقيح المفهوم العام لعادة متأصلة. لا نأخذ تعليمات خاصة في حكي القصص ولا نشيدها فقط ونحن نحكيها، لكننا معتادون على ذخيرة واسعة من الحبكات. لقد كبرنا، كما قلنا من قبل، في ظل قانون ثقافي لنماذج السرد. تبدأ هذه العملية الخاصة بالسرد والتعليم الاستطرادي، كما أشار عدد من الباحثين (على سبيل المثال، Miller 1994; Engel 1995; Bamberg 1997b) حين يبدأ الأطفال في الاستماع إلى القصص — وهي عملية تبدأ حتى قبل أن يبدأ الأطفال الكلام. منذ البداية تمامًا يتعلمون كيف يعبرون عن حالتهم ويشيرون إلى هدف (Dunn 1988). إذا كان حاكي القصة لا يعرف الأعراف بشكل صحيح تمامًا، فسوف يشكو المستمعون، ويتوقفون عن الاستماع، ويسخرون منه ويصوِّبون له أخطاءه. وإذا كان يعرفها بشكل صحيح جذب انتباههم. لكن مجرد التكرار يؤدي إلى السأم، على الأقل بمجرد أن يكبر المستمع، وهكذا على حاكي القصة أن يبرع في الفن الرفيع، فن دمج التقليدي مع الجديد، والمعتاد مع غير المتوقع، والقانوني مع كسره.

باختصار، لا تختلف مشكلة الكفاءة في المقاربة السردية أكثر ممَّا تختلف في علم النفس الاجتماعي عمومًا. إن العلاقة بين حكي حياة وعيشها هي المشكلة نفسها بين الأعراف الثقافية والنظام الاجتماعي عمومًا.

(١١) بعض الفضائل الخاصة في المقاربة السردية للفهم الاجتماعي

البنى سريعة الزوال

لوضع خطوط عريضة لما يبدو لنا إحدى النقاط الرئيسية لدراسة السرد نود إلقاء الضوء على سمتين خاصتين لحكي القصة؛ الأولى: إن السرد بنية مفتوحة ومرنة بصورة خاصة تسمح لنا أن نفحص بدقة هذه السمات الجوهرية للخبرة البشرية، وتتجاهل العلوم الإنسانية انفتاحها ومرونتها بشكل تقليدي. وقد رأينا، في أعمالنا، أن خطاب البيئة، على سبيل المثال، لا يُخترَق بالبنى السردية فقط. ووجدنا أيضًا أن هذه البنى ومكوناتها وعناصرها من قبيل الجنس الأدبي، والحبكة، والقصة، والرأي، والصوت مجرد أشكال صارمة وثابتة. وتبدو في الحقيقة بنًى مفتوحة وقابلة للتكيف بصورة مذهلة، تغير تنظيمها وسماتها مع سياقها الاستطرادي ووظيفتها الاجتماعية والجمالية (خاصة في الأدب). وقد يوجد نموذج التطور السردي للرواية التعليمية، على سبيل المثال، في نصوص خطاب الخضر التي نشرتها المؤسسات البيئية والصناعية، والهيئات الحكومية، وعلماء الاجتماع أو الطبيعة.

وهذا سبب آخر لنرى أشكال السرد منغمسة بشكل كبير جدًّا فيما سماه فيتجنشتاين «النحو». إنها مجموعات سريعة الزوال من أشكال الحياة، يمكن فهمها بأفضل شكل في مفهوم البنية بوصفها أنماطًا مرنة للفعل والوضع. لا توجد أشكال السرد كألواح لتكون ملموسة، لكنها توجد مقيدة لتأخذ الأشكال التي تأخذها بمقتضيات المواقف التي تحدث فيها. بدلًا من اعتبار السرديات كيانات معرفية أو لغوية أو ميتالغوية أو أنطولوجية، نقترح اعتبارها طريقة عمل لممارسات استطرادية خاصة. وبتعبير آخَر، يطلق مصطلح السرد على أشكال متنوعة متأصلة في حصولنا على المعرفة، وبناء الفعل، وتنظيم الخبرة. ولدراسة السرد ينبغي علينا فحص هذه الممارسات الاستطرادية، فحص نصوصها وسياقها الثقافي.

طبقًا لهذا الرأي، ثمة خاصية جوهرية للسرد ليكون دليلًا حساسًا جدًّا للطبيعة المتقلبة وسريعة الزوال لواقع الإنسان لأنه، جزئيًّا، مكوِّنٌ لها. وهذا يجعله موضوعًا بالغ الأهمية للبحث في العلوم الإنسانية عمومًا وللفحوص السيكولوجية والأنثروبولوجية خاصة. تدعونا دراسة السرد إلى التوافق مع واقع متغير باستمرار، ومتجدد البناء باستمرار. وهذا يتضمَّن الاختيار لمنح نظام وتماسك لخبرة تتعلق بحالة إنسانية غير مستقرة أساسًا — وتغيير هذا النظام والتماسك وخبرتنا (أو معناها) تتغير.

السرد نموذجًا

وهذا يؤدِّي إلى السمة الخاصة الثانية، تفرُّد السرد في دراسة الخطاب، التي نود لفت الانتباه إليها. بدلًا من أن اعتبار السرد كيانًا أنطولوجيًّا أو صيغة تمثيلية، نرى أنه نموذج مرن بصورة خاصة. والنموذج، في معظم المصطلحات العامة، نظير؛ يربط المجهول بالمعلوم، ويُستخدَم لشرح مجموعة ظواهر، أو تفسيرها، بالإشارة إلى مجموعة «قواعد» (أو مخططات، بنًى، نصوص، أطر، تشبيهات، استعارات، صور مجازية) تغلف بشكل أو آخر المعرفة العامة. لقد أشرنا إلى أن الأجناس الأدبية وأشكال المعرفة السردية تعتمد إلى حدٍّ بعيد على السياق الثقافي الذي تُستخدَم فيه. والقانون الثقافي هو ما يجعل نظيرًا معينًا يبدو مستساغًا ومعقولًا. في الوقت ذاته، تمثل السرديات أشكالًا متغيرة إلى أقصى حد للتوسط بين الفرد (وواقعه الخاص) والقانون العام للثقافة. ومن هذا المنظور، تُعتبَر السرديات نماذج للعالم ونماذج للذات. إننا، من خلال قصصنا، نبني أنفسنا كجزء من عالمنا.

بالنسبة لمعظم التيمات والمشاكل المطروحة في الأسلوب الجديد لفحص السرد، يبقى بالتأكيد عالم النصوص الأدبية ولغة القصة والشعر نقطة مرجعية مثمرة. ومع ذلك، لا يتأسس السبب، على سبيل المثال، على ولع خاص لعلماء النفس والاجتماع والأنثروبولوجيا بالأدب أو الفنون. إن حقيقة أن العلوم الإنسانية يجب أن تعترف بأن قدرًا كبيرًا من معرفتنا عن الخطاب السردي والعقل التفسيري مؤسس على تقاليد طويلة من البحث الذي قام به منظِّرو اللغة والأدب، ومؤرِّخو الأدب، والسيميوطيقيين، وفلاسفة الثقافة. ثمَّة مثال حديث وهو التأثير الاستثنائي لأعمال باختين على الخطاب الروائي (الذي طوَّر فيه أفكاره عن النزعة الحوارية، وتعدد الأصوات، وتعدد رؤى العقل) التي تناولت مجالًا واسعًا من الدراسات في النسيج اللغوي والثقافي للعقل (بروكميير، قيد النشر).

وهناك سبب آخَر، قد يكون أكثر عمقًا. يبدو أنه يوجد في خاصية أدبية استثنائية تجعله مجالًا لا ينفد للدراسة في الأنثروبولوجيا الفلسفية والسيكولوجية والاجتماعية. إن الأدب، مثل كل الفنون، يمكن أن يعتبر (واعتبر دائمًا) مختبرًا يمكن فيه تخيُّل عوالم الإنسان واختبارها. ترتبط فكرة المختبر برؤية السرد نموذجًا للعالم. ولتوضيح هذه السِّمة التجريبية بشكل خاص لعوالم الخيال نودُّ الإشارة إلى فكرة ناقشها إيكو (Eco) (١٩٩٤م) في محاضراته في هارفارد. رأى إيكو أنَّ كل عالم خيالي يتأسس بشكل طفيلي على عالم فعلي أو واقعي، يتخذ منه العالم الخيالي خلفيةً. حين ندخل عالمًا خياليًّا تستدعيه قصةٌ ونتخيل أنفسنا نتجول في شوارع مدينة أو هضاب بلدة يوضع فيها فعل السرد، نتصرف في هذا العالم وكأننا في عالم حقيقي؛ ويحدث ذلك حتى ونحن نعرف أنه مجرد نموذج سردي له. حين «استيقظ» جريجور سامسا، من المخلوقات الشهيرة عند كافكا، «ذات صباح من أحلام مزعجة … ليجد نفسه وقد تحول في سريره إلى حشرة ضخمة»، يضعنا هذا بالتأكيد في موقف بالغ الغرابة. ومع ذلك، قصة كافكا (١٩٩٣م) «المسخ Metamorphosis» مثال صارخ للواقعية، وليس للسريالية. يرى البطل — والقارئ معه — التحول الذي لا يُصدَّق، ويتأمله، كأنه حدث يحدث طبقًا لقوانين عادية تمامًا. لا يوضح الوصف علامة على كونه غير حقيقي أو غير معقول. إنه يقدم فقط تعليقًا واعيًا وواقعيًّا لكيف يمكن أن يتصرف أي شخص في عالم حقيقي ليكتشف ما حدث.
أوضح إيكو أن على قرَّاء قصة خيالية أو مستمعيها أن يعرفوا أشياء جمة عن العالم الواقعي ليعتبروه الخلفية الصحيحة للعالم الخيالي. إنهم يقفون بقدم في العالم الحقيقي وبالأخرى في العالم السردي للخطاب. وهذه، بالضبط، طريقة عمل النماذج. «من ناحية، طالما تحكي لنا القصة عن شخصيات قليلة فقط، عادة في وقت ومكان محددين تمامًا، يمكن رؤية العالم الخيالي عالمًا صغيرًا محدودًا بشكل نهائي مقارنة بالعالم الحقيقي. ومن الناحية الأخرى، طالما تضيف القصة بعض الشخصيات والخصائص والأحداث لمجمل العالم الواقعي (الذي يعمل بمثابة خلفية)، يمكن أن تعتبر أعظم من عالم خبرتنا. ومن هذا المنظور، لا ينتهي العالم الخيالي بنهاية القصة نفسها بل يمتد بشكل غير محدود» (Eco 1994, p. 85).

سعى إيكو إلى أن يوضح، على ما نعتقد، المسئول عن الخاصية المعملية لخيال سردي. وقد أشار إلى أن العوالم الخيالية طفيليات العالم الحقيقي، عالم شئوننا اليومية، «لكنها فعليًّا «عوالم صغيرة» تحيط بمعظم قدرتنا في العالم الحقيقي وتسمح بالتركيز في عالم محدود مطوَّق، مشابه جدًّا لعالمنا لكنه أفقر أنطولوجيًّا» (ص٨٥). ومع ذلك، لأننا لا نستطيع التجول خارج حدوده، نُدفَع إلى تركيز كلِّ اهتمامنا إلى هذا العالم النموذجي، مستكشفين بعمق كل اختلافاته الممكنة والمستحيلة.

العوالم الحقيقية والمحتملة

نود إضافة نقطة أخيرة، وهي النظر إلى هذه السمة التجريبية للسرد، ولكن في ضوء آخَر. الأدب، كما يمكن أن نقول، منطاد لاستكشاف العالم الحقيقي والعالم المحتمل. في الوقت ذاته، يسمح لنا، على سبيل المثال، بالعودة إلى الخلف ودراسة الطريقة التي نستكشف بها الظواهر غير المألوفة، والغريبة، والمهدِّدة، عمومًا. وربما نبعد كثيرًا ونقول إن اللغة الأدبية والشعرية هي نفسها تجسيد لمرونة الوجود الإنساني. رأى فولفجانج إسر Iser (١٩٩٣م) من منظور أنثروبولوجيا الأدب أن الأعمال الخيالية مرآة لقدرة الإنسان على تقويض القيود دائمًا. وهذا يوضح ما يعنيه أن العقل، أحيانًا على الأقل، يمكن أن يتجاوز حدوده، أي يمكن أن «يقرأ» المعاني احتمالات لفعل وخيارات لقوة.
يخترق الأدب الأفق الذي ينقشه الروتين والعادة والجهل والإرهاق (والخطاب العلمي بشكل كافٍ غالبًا) في حياتنا اليومية. إنه الخيار الإنساني الذي سماه إيتالو كالفينو (Calvino) (١٩٨٨م) «خفة»: يمكن أن تتنفس خفة التخيل السردي في ثقل، ثقل الواقع.
وهكذا من الوظائف الأساسية للسرد باعتباره فنًّا أن يضفي صبغة ذاتية على العالم، كما عبَّر برنر (١٩٩٠م): لتطلقنا إلى الافتراضي، إلى مدى الآفاق الحقيقية والمحتملة التي تشكل الحياة الواقعية للعقل التفسيري (Brockmeier 1996). وفي النهاية، نود أن نؤكد أن رؤية السرد كما قدمناها لا تتَّجه فقط إلى العالم الأدبي للمخيلة والفنتازيا مقابل العالم الواقعي العادي — وهو رأي عام. بالعكس، رأينا أن الخيارات الاستكشافية والتجريبية للسرد تنصهر بشكل لا يمكن فصله مع واقعنا سريع الزوال نفسه: مع المادة السائلة والعوالم الرمزية لأفعالنا وعقولنا وهُوياتنا. ناهيك عن أنه يبدو أن الوظيفة السردية تمنح الحالة الإنسانية تفتحها ومرونتها. وهكذا، ينبغي أن يكون من حوافز دراسة العوالم السردية، وربما الحافز الأساسي، فحص هذه الخاصية الكاشفة للعقل الاستطرادي وكشف الأشكال متعددة الأوجه للخطاب الثقافي الذي تحدث فيه.

المراجع

  • Aristotle (1959), Ars rhetorica, Ed. by W. D. Ross, Oxford: Clarendon.
  • Bakhtin, M. (1981), The dialogic imagination, Ed. By M. Holquist, Austin, TX: University of Texas Press.
  • Bakhtin, M. (1986), Speech genres and other late essays, Ed. by C. Emerson & M. Holquist, Austin, TX: University of Texas Press.
  • Bamberg, M. (Ed.) (1997a), Oral versions of personal experience: Three decades of narrative analysis, Special Issue of Journal of Narrative and Life History, 7(1–4).
  • Bamberg. M. (Ed.) (1997b), Narrative development: Six approaches, Mahwah, NJ: Erlbaum.
  • Bauman, R. (1986), Story, performance, and event: Contextual studies of oral narrative, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Berkhofer, R. F. Jr. (1997), Beyond the great story: History as text and discourse, Cambridge, MA: Belknap Press of Harvard University Press.
  • Britton, B. K., & Pellegrini A. D. (Eds.) (1990), Narrative thought and narrative language, Hillsdale, NJ: Lawrence Erlbaum.
  • Brockmeier, J. (1996), Explaining the interpretive mind, Human Development, 39, 287–295.
  • Brockmeier, J. (1997), Autobiography, narrative and the Freudian conception of life history. Philosophy, Psychiatry, & Psychology, 4, 175–200.
  • Brockmeier, J. (1999), Between life and story: Possibilities and limits of the psychological study of life narratives, In W. Maiers, B. Bayer, W. B. Duarte Esgalhado, R. Jorna, & E. Schraube (Eds.), Challenges to theoretical psychology (pp. 206–213), Toronto: Captus University Publications.
  • Brockmeier, J. (in press), The text of the mind, In C. Erneling and D. M. Johnson (Eds.), The mind as scientific object: Between brain and culture, Oxford University Press.
  • Bruner, J. S. (1986), Actual minds, possible worlds, Cambridge, MA & London: Harvard University Press.
  • Bruner, J. S. (1990), Acts of meaning, Cambridge, MA & London: Harvard University Press.
  • Bruner, J. S. (1991), The narrative construction of reality, Critical Inquiry, 17, 1–21.
  • Calvino, I. (1988), Six memos for the next millenium, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Cronon, W. (1992), A place for stories: Nature, history and narrative, The Journal of American History, 79, 1347–1376.
  • Dunn, J. (1988), The beginnings of social understanding, Oxford: Blackwell.
  • Eco, U. (1994), Six walks in the fictional woods, Cambridge, MA & London: Harvard University Press.
  • Edwards, D. (1999), Emotion discourse, Culture & Psychology, 5, 271–291.
  • Engel, S. (1995), The stories children tell: Making sense of the narratives of childhood, New York: Freeman.
  • Fivush, R. (1994), Constructing narrative, emotion, and self in parent-child conversations about the past, In: U. Neisser & R. Fivush (Eds.), The remembering self: Construction and accuracy in the self-narrative (pp. 136–157), Cambridge: Cambridge University Press.
  • Fowler, A. (1970), “To Shepherd’s ear”: The form of Milton’s Lycidas, In: A. Fowler (Ed.), Silent poetry (pp. 170–184), London: Routledge and Kegan Paul.
  • Freeman, M. (1993), Rewriting the self: History, memory, narrative, London: Routledge.
  • Harré, R., & Secord, P. F. (1972), The explanation of social behaviour, Oxford: Blackwell.
  • Harré, R., & Van Langenhove, L. (Eds.) (1998), Positioning theory: Moral contexts of intentional action, Malden, MA: Blackwell.
  • Harré, R., Brockmeier, J., & Mühlhäusler, P. (1999), Greenspeak: A study of environmental discourse, Thousand Oaks, CA, London, New Delhi: Sage.
  • Harris, R. (1996), The language connection: Philosophy and linguistics, Bristol: Thoemmes Press.
  • Hinchman, L. P., & Hinchman, S. K. (Eds.) (1997), Memory, identity, community: The idea of narrative in the human sciences, Albany, NY: State University of New York Press.
  • Hirschkop, K., & Shephard, D. (1989), Bukhtin and cultural theory, Manchester: Manchester University Press.
  • Hudson, J. A. (1990), The emergence of autobiographic memory in mother-child conversation, In: R. Fivush & J. A. Hudson (Eds.), Knowing and remembering in young children (pp. 166–196), New York: Cambridge University Press.
  • Hughes, J. A. (1995, Spring), Ecology and development as narrative themes of world history, Environmental World Review, 12, 1–16.
  • Iser, W. (1993), The fictive and the imaginary: Charting literary anthropology, Baltimore: Johns Hopkins University Press (orig. work 1991).
  • Kafka, F. (1993), Metamorphosis and other stories (J. Neugroschel, Trans.), New York: Scribner.
  • Middleton, D., & Edwards, D. (Eds.) (1990), Collective remembering, London: Sage.
  • Miller, P. J. (1994), Narrative practices: Their role in socialization and self-construction, In: U. Neisser & R. Fivush (Eds.), The remembering self: Construction and accuracy in the self-narrative (pp. 158–179), Cambridge: Cambridge University Press.
  • Milton, J. (1983), Lycidas (Ed. C. T. Thomas), London: Sangam.
  • Mitchell, W. J. T. (Ed.) (1981), On narrative, Chicago, IL: University of Chicago Press.
  • Nelson, K. (1996), Language in cognitive development: The emergence of the mediated mind, New York: Cambridge University Press.
  • Nelson, K. (Ed.) (1989), Narratives from the crib, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Polkinghorne, D. (1987), Narrative knowing and the human sciences, Albany, NY: State University of New York Press.
  • Pontecorvo, C., & Fasulo, A. (1999), Planning a typical Italian meal: A family reflection on culture, Culture & Psychology, 5, 313–335.
  • Ricœur, P. (1981), The narrative function, In: P. Ricœur, Hermeneutics and the human sciences, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Ricœur, P. (1984, 1985), Narrative and time, Vols. 1–2, Chicago, IL: University of Chicago Press.
  • Sarbin, T. R. (Ed.) (1986), Narrative psychology: The storied nature of human conduct, New York: Praeger.
  • Schafer, R. (1989), Narratives of the self, In: A. M. Cooper, O. F. Kernberg, E. Spector Person (Eds.), Psychoanalysis towards the second century, New Heaven, CT: Yale University Press.
  • Schank, R., & Abelson, R. (1975), Scripts, plans, goals and understanding, Hillsdale, NJ: Erlbaum.
  • Vygotsky, L. S. (1987), Thinking and speech, Ed. N. Minick, New York: Plenum (orig. work 1934).
  • Wertsch, J. V. (1998), Mind as action, New York & Oxford: Oxford University Press.
  • White, II. (1987), The content of the form: Narrative discourse and historical representation, Baltimore & London: John Hopkins University Press.
  • Wittgenstein, I., (1953), Philosophical investigations, Oxford: Blackwell.
١  الحبكة، مصطلح مستخدم في الشكلية الروسية. (المترجم)
٢  ليسيداس Lycidas: قصيدة كتبها ميلتون سنة ١٦٣٧م. (المترجم)
٣  الدياكرونية diachronic: الاهتمام بالظواهر، واللغة خاصة، وهي تتغير عبر الزمن. (المترجم)
٤  التفكير في الأفكار perspectivalism: طريقة للتفكير في التفكير تنتمي إلى ما بعد الحداثة. (المترجم)
٥  النافاهو Navajo: الشعوب الأمريكية الأصلية، تسكن أريزونا ونيومكسيكو وجنوب شرق يوتا. (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤