الفصل الرابع

الميتافيزيقا والسرد

تفرد الذات وتعددها
روم هاريه

مقدمة

يمكننا أن نحدِّد الكائنات البشرية ونميِّزهم بالإشارة إلى معايير جسدية من قبيل الطول والوزن والملامح. إننا نستخدم هذه المعايير حتى مع المصريين المحنطين، بدراسة عظامهم بحثًا عن علامات مميزة، ربما لمرض، ونستخدمها أيضًا للتعرف على الجثث الغامضة بسجلات الأسنان. لكن ماذا عن الأشخاص؟

إذا اعتبرنا فهم الذات وصفًا تقريبيًّا لما يلزم لتكملة الانتماء إلى جنس الإنسان العاقل homo sapiens sapiens، لنعرِّف «معنى أن تكون إنسانًا» فسوف نواجه بعض الأسئلة الصعبة.

كيف يأتي إلى الوجود هذا الكائن؟ كيف ثبت في الوجود أو تضاءل؟ ما مبادئه الخاصة بالهوية والتفرد؟ لا يمكن أن يكون الأمر جسديًّا تمامًا حيث إن قدرتنا على أن نميز هيكلًا عظميًّا من العصر الحجري الحديث عن آخَر لا تعني أننا نستطيع أن نميز شخصًا من ذلك العصر عن شخص آخر. من الواضح، كما برهن الفلاسفة لوقت طويل، لا شيء يثير النزاع بقدر ما تثيره التفاصيل؛ لأن كونك هذا الشخص أو ذاك لا يتماثل مع كونك صاحب هذا الجسد أو ذاك.

ويقدم علم النفس الاستطرادي أطروحته المتعلقة بهذه الأسئلة الصعبة على النحو التالي:

للإحساس بالذات أصل في ممارسات سردية معينة فيها يُعامل طفل رضيع بوصفه شخصًا وليدًا. ويستمر أو يتقوض بالتخلي عن هذه الممارسات.

إن سرديات الذات معقدة. وإن القواعد التي تعالج بها مجموعة من المفاهيم حول الشخصية و«الذات» تحتاج إلى الفصل في عدة جدائل متضافرة. على سبيل المثال، نفهم في ظل مفهوم تعدد الدلالة أكثر مما نفهم من فهم المرء للهوية الشخصية.

يبدأ بحثي بفحص موجز لمجال المفاهيم التي يحملها الاستخدام الحالي لكلمة «شخص» وكلمة «ذات». لا أدعي أن هذا كتالوج شامل، لكنه كافٍ لنبدأ.

(١) النموذج المعياري

(١-١) مقدمة

هناك عدَّة تعبيرات مستخدمة بالنسبة للإطار الميتافيزيقي الأساسي، بها نبني خطابات حول حياة الإنسان. باستخدام الإنجليزية لغةً مرجعية لنا هناك كلمة «شخص person» وكلمة «ذات self»، تلعبان دورًا رئيسيًّا في الكثير من السرديات المصيرية. من بين الاثنتين، تبدو «شخص» أكثر ثباتًا وذات معنى واحد في الاستخدام اليومي، ملتقطة كائناتنا البشرية بقدر ما تكون نشطة معرفيًّا ومَصونة خلقيًّا. لكن «الذات»، من الناحية الأخرى، لها مجموعة واسعة من الاستخدامات المختلفة. في هذا البحث، أتناول ثلاثة من أكثرها شيوعًا. يبدو لي أن المتحدثين بالإنجليزية في زمننا يتعاملون مع نموذج معياري، فيه تعمل كلمة «شخص» بوصفها كلمة تعبر عن الخصائص الأساسية لعالم الإنسان، لكل منها — أو يبدو أنَّ لكلٍّ منها — صفات ومكونات يشار لها بالكلمة متعددة المعاني «ذات». أعبِّر عن النموذج المعياري في صيغة بسيطة:
ش [ذ١، ذ٢، ذ٣]١ [S1, S2, S3] P.
Ps هي الخصائص الأساسية، Ss، رغم أنها تبدو مثل الكينونة، إلا أنها، كما أرى، صفات سريعة الزوال لتدفق أنشطة P، وخاصة تلك التي ترتبط بها P ماديًّا واجتماعيًّا بالكائنات الأخرى.

(١-٢) الذوات في النموذج المعياري

تبدو كلمة «ذات» (وأحد مرادفتها الطنانة، «الأنا ego») في الخطابات المتمركزة حول الشخص في ثلاثة سياقات سيكولوجية مختلفة على الأقل: الإدراك، والتأمل، والتفاعل الاجتماعي.
  • (١)
    الذات ١: تستخدم في سياق الإدراك، للدلالة على فردية رأي مجسد، يظهر في بنية مجالات الإدراك، وكل منها متمركز في موضع في فضاء المُدرِك المجسَّد. في الإدراك، يقيم P، الشخص، علاقة ما مع بيئته المادية، بما في ذلك أجزاء جسمه. ويبدو أن النقطة المركزية للإدراك والإحساس بالحركة والاتجاه توجد داخل الجسم. ماذا هناك؟ ربما ذلك الذي يدرك حقًّا، وظيفة من وظائف الأنا الديكارتية.٢ طبقًا لتفسيري، الذات ١ قطب في نظام ثنائي القطب للأشياء المادية، لكنه تجريد جغرافي، يشبه إلى حدٍّ ما القطب الشمالي بالنسبة للقارات. يدرك الأشخاص فقط. في حكي قصص المواجهة مع البيئة المادية تلعب الذات ١ الدور الرئيسي.
  • (٢)
    الذات ٢: تُستخدَم في سياق التأمل في الذات بوصفها شخصًا، بما في ذلك تأملات السيرة الذاتية، للدلالة على مجموع صفات P، بما في ذلك معتقدات P بشأن هذه الصفات. وتشمل الأخيرة التصور الذاتي له، وقد يعكس أو لا يعكس، بشكل صحيح الصفات الحقيقية له في لحظة من لحظات الحياة. الذات ٢ شبكة معقدة من صفات مختلفة جدًّا، بعضها عرَضي، مثل الصور الذهنية، والمشاعر، والديالوجات الخاصة، لكن معظمها منظم، مثل المهارات والقدرات والقوَى.
  • (٣)

    الذات ٣: تُستخدَم في سياق التفاعل الاجتماعي، للإشارة إلى الطريقة التي تظهر بها سمات معينة للذات ٢ الحقيقية أو المنسوبة ذاتيًّا لشخص من قِبل الآخرين في مسار حدث حياتي ما. وتبرز هذه السمة الشخصية في سرديات السيرة الذاتية.

وهناك استخدامات أخرى لكلمة «ذات»؛ على سبيل المثال، تستخدم أحيانًا مرادفًا لكلمة «شخص». لكن بهدف وضع إطار بسيط وواضح للبدء في مهمة لحل لغز الخُصلة المتشابكة لميتافيزيقيات الشخصية، وأقصر استخداماتي للكلمة على تلك التي حددتها بوصفها الذات ١ والذات ٢ والذات ٣.

(١-٣) شروط النموذج المعياري

  • (١)
    التنوع والتعدد:
    أعني بالتنوع تناول الأشكال المختلفة في المواقف الثقافية المختلفة؛ وأعني بالتعددية ما له أكثر من إدراك واحد بالنسبة لأي شخص معين.
    • (أ)
      تُعرَض الذات ١ عمومًا موضعًا فريدًا متحرِّرًا من السياق، وتنسب دائمًا إلى مكان الجسم في الفضاء ومعاصرة بشدة. وهكذا يوجد مكان ضئيل للتنوع. ومع ذلك، هناك مواضع اجتماعية (على سبيل المثال، نوعية تصوف كارلوس كاستانيدا)٣ قد يزعم المرء فيها أن هناك أكثر من منظور للإدراك. لكن من المهم أن الجسم في سردياتها يترك خارج خبرات الجسم. وتفرض القاعدة المكملة، «شخص واحد لكل جسم»، عمومًا، بمعالجة مزاعم بإشغال متعدد كشكل مرَضي، على سبيل المثال، في تشخيص هذه المزاعم بوصفه العلامة المميزة لاضطراب تعدد الشخصية. لا نقول إن «بل Bill» الشخص الوحيد في هذا الجسم، لكن ماري وجوان وإليزابيث كلهم في ذلك الجسم أيضًا. والموقف الأخير هو الصراخ من أجل الشفاء.
    • (ب)

      الذات ٢ فردية عمومًا، بوصفها كلية فريدة للصفات حقًّا، تستبعد حتى التجسيد الفردي. لا أعرف قبيلة تزعم أن لها أكثر من «ذات» واحدة بهذا المعنى، في أية لحظة. لكن هناك تعددية، حيث إن الذات ٢ تتغير باستمرار، ناهيك عن أن المعرفة، رغم أن المهارات والقوَى ربما تصبح مستقرة، تقوى دائمًا، على سبيل المثال، بتذكر أحداث الحياة. لا تتدهور المعرفة إلا في الحالات المرضية. هذه ملاحظة أساسية حيث إن أمراض الشخصية تُعرَّف جزئيًّا بفقد القوَى وفشل الذاكرة.

      السيرة الذاتية جزء مهم من «سرد» الذات ٢، ويعتمد الأمر بشكل كبير على السياق. لكل شخص ذخيرة من السِّير الذاتية مناسبة لمواضع ثقافية مختلفة، ومعظم الناس مهرة في بناء سِيَر ذاتية جديدة لمناسبات جديدة. وهذا يفتح التباين بين ما يعتقده المرء عن نفسه (المفهوم الذاتي) وحقيقة نفسه، بما في ذلك تلك المعتقدات. إنها تتغير، وهكذا تكون الذات ٢ غير مستقرة بشكل متأصل.

    • (جـ)

      الذات ٣، الطريقة التي يقدِّم بها الناس أنفسهم للآخرين، متعددة عمومًا. وهناك دراسات كثيرة عن قابلية تغير الشخصية المطروحة للفرد من مناسبة إلى مناسبة، ومن سياق إلى سياق. إلى أي حد يبدو المرء للآخرين، وأي نوع من الأشخاص يبدو، تحت سيطرة المرء، وبقدر استنباط هذا الحد، يتحدث علماء النفس عن «معالجة الانطباع».

  • (٢)
    نوع أم خاص؟

    إذا كان كل إنسان كائنًا فريدًا، فإننا نتوقَّع تفوق الخصوصية على العمومية في محتوى الذوات ١، ٢، ٣. ومن الواضح أن الذات١ لا بدَّ أن تكون خاصة لأنها تتعلق بفردية في فضاء وزمان. وينبغي أن تتكون الذات ٢ من صفات يمكن التعرف عليها، واقعة تحت الأنواع، رغم تفردها بدرجة ما في بعض الحالات وفي الأداء الكلي في كل الحالات. لكن في حالة الذات ٣، يتضافر تفرد مظهر الجسد مع عروض تعتمد على الذخيرة الدرامية للأنواع. وثمة تعبيرات عامة يتعذر تصنيفها تتعلق بمخاطر اتهامات الذات بالشذوذ في أفضل الأحوال، وبالجنون في أسوئها.

  • (٣)
    المعايير:
    بقدر ما عرضْتُ تحليل النموذج المعياري P {S1, S2, S3}، ربما تبدو بنية المفاهيم الثلاثة «للذات» مثل ملخص لملاحظات إمبريقية لحقيقة عالم الإنسان. لكننا احتجنا في كل حالة إلى الإشارة إلى دور المعايير المحلية، وأعراف اللياقة، وحدود سلامة العقل … إلخ، التي تلعب دورًا في محتوى الذاتية وديناميكياتها كما تتجلَّى في تقارير رحلات الصيد، والشكاوى للأطباء، وتبادل السير الذاتية في إرساء علاقة جديدة.
    أقترحُ العمل مع الأطروحة العامة بأن تبقى على حالها رغم كل شيء، فردية (تفرد) أشخاص (باستثناء تميز أجسامهم ماديًّا) ليست حقيقة وحشية عن حياة الإنسان، لكنها نتيجة لمعايير مفروضة محليًّا. على سبيل المثال، لماذا يعتبر محبو مس بييتشامب وإيف وايت،٤ وهم يتمتعون بشخصيات متميزة جدًّا حتى تعتقد أنَّ في كلِّ جسم أكثر من شخص، في حاجة إلى شفاء؟ تتطلَّب معايير عالمنا أن يكون هناك شخص في كلِّ جسد، لا أكثر ولا أقل. الاتساق في عروض الشخصية، التماسك عبر المواقف في حَكْي السِّيَر الذاتية … إلخ، ليست أمورًا حقيقية بشأن طريقة تصريف البشر لأمور حيواتهم، لكنَّها ظلال للمعايير المحلية. تلعب السِّيرة الذاتية دورًا حيويًّا مهمًّا في تذكيرنا باحتمال التنوع بمعنى أنَّ ما نميل إلى اعتباره فرديًّا بالضرورة، ربما تعالجه قبائل أخرى بسعادة بوصفه تعدُّدًا.

(٢) أنطولوجيا «الذوات»

يبدو أنَّ الإشارة إلى ذات ليست إشكالية، حيث لا شيء يتحدَّث أو يعمل إلا شخص يبدو أنه في مسرحية. لكن المنظور الذي يدرك منه المرء العالم مجسد بسهولة في كائن داخلي مُدرك، يوجد في أصل النظام المشيد للأشياء، بما في ذلك جسد المُدرِك. وهذا على الأقل أحد المفاهيم المجسدة في الأنا الديكارتية التي تمسك بكل شيء. وهناك ميل إلى الاعتقاد بأن الخصائص الشخصية أيضًا، مثل «الذات»، كينونة، «من أنا؟» في بعض سيكولوجيا البوب pop. أخيرًا، تبدأ ذاتي كائنًا اجتماعيًّا، الذات ٣، تواجه هواءً مجردًا. ويمكن أن أوضح هذا ببساطة بإشارات إلى كتَّاب مشهورين بدرجات متفاوتة.
يرى كوت Kohut (١٩٧٧م)، على سبيل المثال، أنَّ «الذات» ليست «قوة للعقل»، لكنها «بنية للعقل». وزعم أندرسون Anderson وشوينيج Schoenig (١٩٩٦م) أن «الهوية منعزلة» بشرط وجود «وحدة، تماسك يمتد عبر الزمان والمكان». من هذا المنظور، هذه الوحدة هي «جوهر الفرد» وهي بمثابة لب لكل التجليات الخاصة. مرة أخرى طبقًا لرأي لأندرسون وشوينيج (١٩٩٦م) «الهُوية المنبسطة» كوكبة من الخصائص والأداء «تتجلى فيها الذات [أي الذات ٢] في فعل له معنى».
تتورط الذات ١ والذات ٢ أيضًا في فكرة جريتز Greetz عن الشخصية. يرى جريتز (١٩٧٣م، ص٩)، أن الذات عالم تحفيزي ومعرفي مقيَّد وفريد ومتكامل تقريبًا [الذات ٢]، ومركز ديناميكي للإدراك [الذات ١]، وعاطفة وحكم وفعل، منظمة في كلٍّ مميز [الذات ٣] وتوضع بشكل متباين مقابل كل الكليات الأخرى وعلى خلفية اجتماعية وطبيعية.
كيف يتأتى هذا؟ جادلتُ لوقت طويل (على سبيل المثال، Mühlhäuster & Harré 1990; Harré 1998) بأن مصدرًا للميل لتجسيد الذوات يأتي من إساءة فهم نحو الكلمة يشير على ما يبدو إلى الكائن السيكولوجي المناسب، أقصد «أنا I». على سبيل المثال، «أنا أرى وأسمع الأشياء من حيث أنا»، أو «الاقتراب من ذاتي يكشف «حقيقتي»». وقد فُسِّرت «أنا I» باعتبارها اسمًا مبهمًا، لكن الانتباه إلى التفاصيل يوضح أنها لا تلعب دورًا اسميًّا على الإطلاق. إنها إشارية، أي تشير إلى لفظ لحقيقة ما عن المتحدث واللفظ، كم ينبغي أن يؤخذ محتوى اللفظ على أنه يشمل الوضع المكاني للمتحدث.

الذوات خارج «الأنواع» الثلاثة كينونات، رغم أننا نستخدم الكلمة بطرق مجردة متنوعة. ربما تكون الذوات خصائص، خصائص للأشخاص؟ لكن ذلك لا يصح أيضًا، لأن الذات ١ خاصية لنظام لأشياء مادية. ويبدو أن الذات ٢ مجموعة خصائص من أنواع مختلفة، تشمل الميول والقوَى. حين ننتج تيارات من الفعل في ممارسة هذه القوَى، ولهذه التدفقات خصائص نعتبر الكثير منها ظواهر سيكولوجية، على سبيل المثال القرارات والمعتقدات والذكريات. ومن السهل أن ننزلق في نسبتها لشخص منهمك بنشاط في إنتاجها، وكأن هذا الإنتاج لا يتكون إلا من جلب ما كان من قبل خاصًّا وخفيًّا ربما حتى عن الفاعل نفسه إلى الأضواء العامة.

حين ننسب صفات سيكولوجية لشخص ربما لا نستدعي إلا طريقة التحدث، مدفوعين بالحاجة إلى أن نعزو مسئولية لأعمال بين أشخاص متورطين في حدث. ربما توضِّح نظرة أقرب أنَّ الكثير مما يبدو صفات شخصية لا يمثل خصائص الشخص على الإطلاق. الذكريات، على سبيل المثال، لا يمتلكها شخص ما لكن ينتجها ذلك الشخص، طبقًا لمتطلبات الموقف. يمكن أن تضللنا الطرق الشائعة في التحدث. نقول إن شخصًا لديه ذكرى، ونقول أيضًا إن شخصًا يتذكر. يوحي التعبير الأول بالامتلاك بينما يوحي الثاني بالفعل. ربما يبدو الاختلاف بسيطًا، لكنه يحمل حملًا ميتافيزيقيًّا ثقيلًا. في صيغة الاسم تبدو الذكريات كيانات، بينما في صيغة الفعل يبدو التذكر فعلًا. يمكن قول الشيء نفسه عن أنَّ المرء له رأي، مقابل التعبير عن رأي أو تكوين رأي، وأن تكون له قرارات أو يتخذ قرارات … إلخ.

ليست الذات ١ أو الذات ٣ كيانين. إنهما صفتان لتدفق تفاعلات شخص مع البيئة المادية في الإدراك، بما في ذلك جسم الشخص نفسه بوصفه جزءًا من البيئة، ومع البيئة الاجتماعية في التفاعلات الاجتماعية. الإدراك خيط عام في الاثنتين، حيث إنه ينبغي أن يرى ويسمع المتفاعلون اجتماعيًّا مع المرء كيف يبدو المرء وماذا ينبغي أن يقول، وربما، أحيانًا، مشاهدة ما يشعر به.

تتطلب تعليقات أخرى على الذات ٢ التمييز الحيوي والجوهري بين القوَى والقدرات، الميول التي تجعلها ممكنة والحالة والأحداث المصاحبة التي تجلبها ممارستها إلى الوجود. يرتكز التمييز الثلاثي على انقسامين إضافيين جوهريين. تمييز بين ما يحدث والممكن، للتمييز بين محتوى القوَى والميول وما يحدث بالفعل. يتطلب المفهومان السابقان تعبيرات شرطية، مع قوة تقديم الكفاءات الشرطية، حيث يمكن أن توجد القوَى دون أن تمارس والميول دون أن تتحقق. وهكذا نحتاج إلى التمييز بين ما يمكن ملاحظته وما لا يمكن ملاحظته لنميز القوَى من الميول. يمكن لميل، وليكن «الجبن»، أن يعبر عنه في الصيغة «إذا شك P فسيكون P خائفًا». الشك والخوف حالتان ملحوظتان لشخص، ناهيك عن الشخص نفسه. وهكذا تكون الميول شكلًا من الأشكال التي تتخذها الأمور المعقدة التي يمكن ملاحظتها. وتشمل الأخرى روابط من قبيل «و»، و«أو»، و«ليسا». ومع ذلك، يمكن أن نسأل عن شخص يشرح ميول الجبن لدى لاعبي تنس، أو مهاراتهم، أو حتى قدراتهم. وتستدعي مثل هذه التفسيرات القوى والقدرات والمهارات، وما شابه. وتشير هذه المصطلحات إلى أمور لا يمكن ملاحظتها، لا تعرض قط بهذه الصورة، رغم أنها تتجلى في الأداء، ومنه يستنبط المرء تأكيدات عن الميول. يعرض المرء مهارته في حل مشكلة في الشطرنج، لكن ما يمكن ملاحظته هو المشكلة والتوصل إلى حلها، وليس المهارة التي وراء ذلك. ينبغي أن يتكون جزء كبير من الذات ٢، حقيقة شخص، من قوَى وقدرات. وينبغي أيضًا تضمين معتقدات المرء بشأن قواه، ومسئولياته، وقدراته، ومهاراته، رغم أنها قد يعتريها الخطأ.
ويعود الفضل للميل لاستخدام الأسماء لإنتاج أنشطة ذهنية، وكأن هناك سكانًا دائمين من الذكريات، والسمات، والمعتقدات، والآراء في عقل شخص، وهناك أيضًا ميل للتفكير في أن الذات ٢ لا تتكون إلا من مثل هذه الكيانات. لكن هذا يُنتَج في أنشطة مشتركة للناس، وبالتحديد مؤشرات زمنية لتدفق النشاط الذي يُسجَّل في سيرة ذاتية: «في الزمن T1 عبَّرتُ عن الرأي بأن X»، أو «الزمن T2 تذكَّرتُ أن Y». ما أمتلكه دائمًا هو القوى والقدرات لإنتاج هذه الظواهر، وعنها يمكن القول بشكل صائب إن لها هذه الميول وتلك بالتتابع. تتدفَّق التتابعات الأنطولوجية المهمة بعمق من هذه الملاحظات البسيطة إلى حدٍّ ما. على سبيل المثال، لا نمتلك تقديرًا ذاتيًّا لكننا ننتجه في سياق الأنشطة اليومية وفي الإجابات على استبيانات السيكولوجيين. إنها خاصية للسرديات، وليس لأشخاص بهذا الشكل.
هل هذه الصفات بمثل هذه الأنواع المنطقية المختلفة خصائص P الشخص؟ وهنا نأتي إلى رؤية ثاقبة أخرى مهمة للمقاربة الاستطرادية لعلم النفس: بالتحديد، إن كل هذه الصفات متعلقة بالعلاقات. رغم أننا ننسب قوة (مهارة، مقدرة … إلخ) إلى P، إلا أن تحديد القوة ينبغي أن يشمل ما تعمل عليه والآثار التي قد تنجم عن ممارستها. وخصائص تدفق أفعال شخص متعلقة بالعلاقات أيضًا، لأن هذا الفعل يشمل أشياء مادية أخرى أو أناسًا آخرين أو كليهما. وتحتاج النقطة الأخيرة إلى بعض التوضيح والتوصيف من حيث إننا ينبغي أن نميز بين تلك الأفعال التي تشمل آخرين حقيقيين من تلك التي لا تستدعي إلا آخرين متخيلين أو نظريين. على سبيل المثال، توجه المناجاة صراحة إلى الآخرين لكنها تأخذ شكل تتابعات من أفعال المحادثة، شكلًا مشتقًّا من محادثات حقيقية لعب فيها المناجِي دورًا ذات يوم. التمييز بين الخاص والعام لا يخطط بدقة للتمييز بين الفردي والجمعي.

(٣) القوى الشخصية وأسسها

ركَّزت المناقشة إلى حد بعيد على الطريقة التي تبين على ما يبدو أن الكيانات والخصائص الذهنية القوية، بفحص دقيق، خصائص لتيارات نشاط استطرادي، مشترك عادة، أو قصص، تستحضرها الأشكال النحوية التي تأخذها هذه التيارات في هذه اللغة أو تلك. لكن هذا لا يشمل سيكولوجيا استطرادية مؤسسة في سرد ورموز أخرى تستخدم مهارات. ماذا إذا مضينا أكثر، وسألنا كيفية تأسيس المهارات.

يضم هذا نقطة أخرى عامة بشأن الخطاب والناس. حتى الآن لم نهتم إلا بخطابات ينتجها الناس لهذا الغرض اليومي أو ذاك. لكن ماذا عن خطابات عن الناس بوصفهم كائنات نشطة تخلق عالمًا رمزيًّا له معنى؟ على سبيل المثال، هذا الخطاب. يبدو أنه صار جليًّا أن الأمر يتطلب إطارين أو نحوين استطراديين منفصلين جذريًّا لإنصاف السلسلة الكاملة للشكل الإنساني للحياة. في إطار من هذا القبيل، إطار الشخص أو الإطار P، توجد مفاهيم مثل «شخص»، «فعل»، «مسئولية»، «نية» … إلخ. وفي الإطار الآخر، الإطار الجزيئي molecular أو الإطار M، توجد مفاهيم مثل «ناقل عصبي»، «جهاز طرفي limbic system»، «قصبة tibia مكسورة»، «أكسجين» … إلخ. ولا يمكن ترسيخ كون هذين الإطارين أو النحوين منفصلين إلا بعمل شاق يتعلق بنقل كلمات من إطار إلى آخر، ورؤية إن كانت ارتباطاتها السيمنطيقية تتغير. على سبيل المثال، «جسم الإنسان» في الإطار M مجموعة مبنية من الأعضاء، وجثة في الإطار P. أو ترتبط [كلمة] «شخص» في الإطار P بشكل متعدد بمجموعة متنوعة من المفاهيم الخلقية، وتشير في الإطار M إلى آلة بيولوجية، أو كائن.

في هذا القسم أفحص بعض هذه الطرق التي يترابط بها هذا النحو المزدوج للخطابات بشأن البشر وقواهم وقدراتهم. وأقدم تعليقًا موجزًا على استعارة الأداة/الغاية بوصفها طريقة لتوليف النحوين في إطار استطرادي أعلى.

كيف يمتلك شخص مهارة لا تُمارَس؟ كيف يمكن لامرئ أن يعزو ميلًا لشخص ما وهذا الميل لا يُعرَض؟ الإجابة على السؤالين عامة تمامًا بالنسبة للناس والحيوانات:

تتأسَّس القدرات والميول في حالات دائمة نسبيًّا للكائن الذي تُعزَى إليه. وقد لا نعرف دائمًا حقيقة الحالة المتعلقة بالأمر.

تتعدد في العلوم الفيزيائية طبقات نمط الأسس؛ إنه سلسلة من المستويات تظهر المبدأ الذي تتأسس فيه خصائص البنى والكتل في حالات المكوِّنات (كيانات مجهرية عادة وعلاقتها). نجد أحيانًا في الفيزياء أساسًا كبيرًا فيه يكون لكيانٍ قوةٌ أو ميلٌ معين لأنه كائن يرتبط بكيان أكبر. وهكذا طبقًا لمبدأ ماك،٥ القصور الذاتي لشيء مادي نتاج لعلاقته ببقية العالم. وهكذا يتأسس القصور الذاتي في العالم عمومًا، وليس في بنية الأجسام التي تعرضه. وتظهر مشاكل هذا المخطط حين نواصل فحص كل النكوص، ونصل إلى مستويات نعتقد أنها قد تكون جوهرية. لا يمكن تأسيس مستوى جوهري في مستوى جوهري أعلى. وهكذا كيف تكون قوى الكيانات الجوهرية وميولها لنعلق عليها؟ ربما يكون علينا التسليم باستحالة التعليق عليها، تُوصَف فقط.
ومع ذلك، لا يصلح مبدأ المستويات نفسه بالنسبة للقوى والمهارات السيكولوجية. يتمتع الأشخاص بها، وهم أساسيون في أنطولوجيا علم النفس. كان إثمًا رئيسيًّا «لعلم» المعرفة أن يفترض أن القوى السيكولوجية ينبغي أن تؤسس في مستويات سيكولوجية أساسية بشكل أكبر، مثل آليات المعرفة، أو الحالات المعرفية الدائمة، كما لو ينبغي أن تكون هناك حالات للذاكرة يتعذَّر ملاحظتها تُستدعَى للتعليق على قدرة شخص ما على التذكر. هذا الخطأ يمكن أن يصيب AI وأيضًا النماذج الأقل تخصصًا للتفسير الموجودة في التحليل النفسي. فكرة أنَّ هناك حالات وعمليات معرفية غير ملحوظة خلف تدفقات النشاط المعرفي، الملحوظة والقابلة للملاحظة، أي ممارسة المرء لقواه المعرفية، تضيف بُعدًا أسطوريًّا لعلم النفس الذي ينتهك موس أوكام٦ بشكل راديكالي بقدر ما انتهكته فرضية الأنا الديكارتية، بُشَارة مادة العقل.

الشَّرطية ليست خاصية للقوة العلية، ليست إلا الشروط التي تتجلَّى في ظلها. وهكذا، حتى في «المستوى الأساسي»، إذا جاز التعبير، يمكن التعبير عن خاصية القوة على النحو التالي:

«A، الخاصية القوية، تجلب E، إذا توفر هذا الشرط وذاك.»

تلك طبيعتها. إنها خاصية عرَضية. يجب أن يكون الشرط الوحيد بشأن نسبة شيء إلى شيء على علاقة بزمن تلك الخاصية والظروف التي تتجلى. إن الاعتقاد بأن الخاصية مجموعة احتمالات يجعلنا نفتقد قضية نسبة قوة علية ونخطئ التفسير.

لا أرى سببًا لافتراض أي شيء غير مبدأ أن الشخص ليس له تعقيد سيكولوجي عرَضي في مستوى الحس، رغم أنه، بالطبع، قد يتمتع بمجموعة مهارات وقدرات مختلفة. لكنني لا أرى سببًا لافتراض أن أية مهارات تتأسس في حالات سيكولوجية خفية. بالطبع، يبتكر الشخص شبكة من الحالات السيكولوجية شبه الدائمة والحالات سريعة الزوال في سياق التفاعل مع الآخرين؛ لكنها نتاج لا مصدر. قوى الشخص لا تشبه قوى الكاشف الكيميائي، لنفسها بالمستويات الأكثر عمقًا للبنية المجهرية للآخر، كيانات قوية أساسية أكثر. إنها أكثر شبهًا بالقوى عديمة الأساس للجسيمات الجوهرية أو المجالات الجوهرية. ليس للشخص، مفردًا، تعقيد سيكولوجي بهذا المعنى.

كيف تتأسَّس القوى الشخصية إذَن؟ تأمل اكتساب مهارة يدوية، القدرة على رسم لوحة دقيقة، على سبيل المثال. ينبغي تَعلُّمها، ونعرف جيدًا أن في ذلك التعليم تحدث تغيرات دائمة نسبيًّا في دماغ المتعلِّم وجهازه العصبي. بشرط عدم تدميرهما نتيجة حادث أو نتيجة تقدم العمر، يحتفظ الشخص بالقدرة. وقد أدَّت هذه الخاصية المهمة لعلم النفس بوصفه علمًا، على ما أعتقد، إلى المشروع المستمر، والخطأ، لاختزال المفاهيم السيكولوجية في مفاهيم العلوم الفيزيائية، وخاصة مفاهيم علم الأعصاب. لنرى عمومًا لماذا لا يلبي هذا ما نحتاج إليه لتفسير سمتين أخريين للطريقة التي ترتبط بها الأوصاف السيكولوجية لنشاط بالحالات والعمليات الجسدية لمن يؤدونها.

كان هناك عدد من الصور يُقترَح لإلقاء الضوء على العلاقة الأساسية بين القوى والقدرات السيكولوجية وحالات الجسم بوصفه جهازًا ماديًّا. الأحدث، وبطرق كثيرة، والأكثر قدرة على إلقاء الضوء هي تلك الطرق المتعلقة بالمهمة والأداة. في العالم الرمزي لحياة الإنسان مهام يجب القيام بها، ونحتاج إلى مهارة لتحقيقها، طبقًا لمعايير محليَّة. للقيام بهذه الوظائف، سواء كانت مادية أو معرفية، نحتاج إلى أدوات مناسبة؛ أدوات أساسية في أجسامنا، في الأعضاء المناسبة. لنلتقط كوبًا نحتاج أيادي، لنعدَّ عدد الأكواب الممتلئة التي شربناها نحتاج أدمغة، ناهيك عن أجهزة الإدراك والمتطلبات الإضافية الأخرى. في إطار المهمة يمكن أن نرى أن بعض الأعضاء الجسدية مكرسة بدرجة ما، ومكونة بدقَّة لأداء المهمة. لكنها قد تكون عامة، لها استخدامات متنوعة، ومن ثَم يمكن أن تستخدم في وظائف مختلفة، بينما منطقة بروكا Broca’s area، على سبيل المثال، مكرسة بشكل ما للمهام اللغوية.
ثمة خاصية مذهلة لإطار الأداة/المهمة وهي أنَّ المعايير المعيارية تسوده، ويمكن أن نحدِّد بعضها، حيث إنها تشمل حماية الحالة وتكامل الأشخاص، خلقية. فيما يتعلَّق بإطار المهمة/الأداة يمكن أن نسأل إن كان الدماغ يعمل جيدًا، لكن يجب طرح هذا السؤال بشكل يرتبط بالمهمة التي نقوم بها. حالة دماغ جد يبدو وهو يقوم بكل المهام اليومية مصابًا بحالة ألزهايمر، مجرَّد تدهور أو قصور في استخدام الدماغ وسيلةً للتذكُّر واستعادة الكلمات. بطريقة أخرى إنَّها مجرد حالة أخرى من حالات الدماغ. وبتعبير آخر، إن تجسيد كائن بشري في إطار فسيولوجي عصبي يمحو شخصيته، حيث إن معايير أداء الوظيفة بشكل صحيح، في الإطار البيولوجي، ليس لها محتوًى خلقي. إن الإطار البيولوجي الاجتماعي يعني تشكُّل أفكار داروينية عن أن البشر غير مُصانين خلقيًّا على الإطلاق. ومما هو جدير بالملاحظة أنَّ قتل البشر من أجل الطعام عادة تتجسَّد في إطار الأداة/المهمة، وهكذا تستخدم معايير حفظ الشخص أو تبجيله. لم يأكل الماوري٧ إلا أجساد مَن يعرفون أنَّ لهم مكانة اجتماعية عظيمة أو برزوا في معركة. كانت التغذية المستمدة من ماناهم،٨ غذائهم الروحي، أكثر من المشتقَّة من بروتينهم. يبدو الأمر نفسه صحيحًا بالنسبة لأكلة لحوم البشر من الأزتك.٩ نقترب هنا من إحدى نسخ الأولوية المطلقة عند كانط، فارضين معالجة الناس دائمًا بوصفهم غايات لا بوصفهم وسائل على الإطلاق.

(٤) أطروحة أولوية التصنيف

نتيجة مباشرة للاعتبارات التي قدمناها سابقًا توجد مشكلة بشأن معايير الهُوية بالنسبة للأفراد بوصفهم عناصر لمجال كل أسلوب استطرادي. الأشخاص هم المفردات الأساسية لمجال النحو P، لكن ماذا يثبِّت هُوية المفردات الأساسية وفرديتها في مجال النحو M؟ هل يمكن الْتقاطها بهدف عرض سرديات عن البشر، بالإشارة تمامًا إلى معايير بيولوجية؟ نرى أن مشروعًا من هذا القبيل مستحيل. بالنظر بدقة إلى كيفية تكون مجال المفردات الأساسية بالنسبة لمجال النحو M، نجد رابطًا آخر يربط النحوين المنفصلين في وحدة ليست اختزالية.

كيف يحدد سيكولوجي الأعصاب جزءًا من الجهاز العصبي يرتبط بدراسة فهم اللغة، على سبيل المثال؟ لا يمكن أن يحدث ذلك بفحص الجهاز العصبي وحده. عمليًّا هناك تقنيتان. يصاحب إصابات الدماغ غالبًا فقدان أو تدهور في بعض المهارات الذهنية أو الحركية. ومن ثَم يبرهن على أن ذلك الجزء من الجهاز العصبي حين يكون غير مصاب لا بدَّ أنه يلعب دورًا في مهارة الأداء. البرهان دقيق، لكن له فائدة تقريبية معينة. كيف يعمل؟ من الواضح أنه ينبغي أن تكون هناك معايير مستقلة للتعرف على مهارة الأداء ومتى تقل عما ينبغي. لتحديد أي جزء من الدماغ مسئول عن الكلام، ينبغي على المرء تحديد حالات للكلام، بشكل مستقل عن حالة الدماغ. ويتبع ذلك أن المعايير المستخدمة في تحديد جزء من الدماغ بوصفه «وحدة القراءة»، ينبغي أن تجسد المعايير التي تلتقط بها القراءة بوصفها مهارة في الأداء.

التحديد الإيجابي حديثًا لمناطق في الدماغ تنشط أثناء حدوث عملية معرفية أو حركية يمكن الكشف عنها بأشعات MRI أو PET من خلال قدرة هذه التقنيات على التقاط زيادة تدفق الدم أو نقصه في منطقة. وطبقًا لمبدأ أن زيادة نشاط الدماغ تتطلب مزيدًا من تدفق الدم يمكن تحديد المناطق النشطة. وطبقًا لمبدأ إضافي بأن نشاط الدماغ دليل على نشاط معرفي، يمكن استخدام النشاط المعرفي لتحديد الجزء المرتبط به من الدماغ. إنها سلسلة معقدة من التفسير، تعتمد على عدة مبادئ قد نبحث عن أسسها.
أسمِّي هذه المجموعة الكلية من المبادئ والاستدلالات أطروحة أولوية التصنيف Taxonomic priority thesis (TPT). رغم حقيقة أن الكثيرين من فلاسفة علم النفس يفضلون مقاربة من القمة إلى أسفل Top-Down، لم يدرس التطبيق التفصيلي لأطروحة أولوية التصنيف، بقدر ما أعرف، إلا حفنة من المؤلفين في بداية سبعينيات القرن العشرين، على سبيل المثال، جنسن U. J. Jensen (١٩٧٢م).
وحيث إنه لا توجد حالات ذهنية بهذا الشكل، توجد فقط صفات تدفق الفعلي الشخصي والجماعي، فإن هذه التصنيفات طرق لتقسيم العمليات. السؤال عن الارتباط. بينما ناقش أصحاب الاتجاه السائد بين فلاسفة علم النفس مسألة إن كان النشاط الذهني يرتبط بحالات وعمليات فسيولوجية بوصفها نوعًا أو علامة، لم يُدرس تأثير أطروحة أولوية التصنيف على هذه القضية. بالطبع نجد أن هناك دائمًا بعض عمليات الدماغ تتواصل متى كان هناك نشاط ذهني، لكن يوجد أحيانًا نشاط دماغي حين لا يكون هناك ارتباط ذهني. افترضْ أننا نبدأ بناء نظام تصنيفي لأنشطة الدماغ ومعمار الدماغ باستخدام أطروحة أولوية التصنيف. نطوِّر نظامًا لارتباطات النوع. إن البحث، سواء باستخدام طريقة إيجابية أو سلبية، يكشف، على ما نفترض، حالات تلتقط فيها المعايير السيكولوجية أكثر مما يلتقط أي نوع من نشاط الدماغ. الاكتشاف الحديث بأن الرجال والنساء يقرءون بأجزاء مختلفة من أدمغتهم مثال على ذلك. ينبغي علينا إذَن أن نبني تصنيفًا فاصلًا، إذا كنا نودُّ الحفاظ على الارتباط بين نشاط الدماغ بوصفه أداة والقراءة، على سبيل المثال، بوصفها مهمة. لكن فسيولوجيا الأعصاب علم طبيعي، ونتوقع أن تكون هناك استجابة معيارية لهذه النتيجة: أي ابتكار فرضية للتأثير الموجود رغم أنه سمة عامة، غير قابلة للملاحظة، بالنسبة للعمليات العصبية المميزة سطحيًّا. وهكذا تُحفَظ ارتباطات النوع بابتكار نوع جديد يتعلَّق بفسيولوجيا الأعصاب. وبهذه الطريقة، تكشف أطروحة أولوية التصنيف ارتباطًا ضروريًّا بين الأنواع في كل أنطولوجيا. بقدر ما يمكن أن أرى، يكون AI بمثابة تعزيز لأطروحة أولوية التصنيف فقط بقدر ما تُفسَّر AI فرضيات العمليات المعرفية بوصفها تعبيرات شكلية عن بنية العمليات المعرفية في العالم الرمزي.

ومع ذلك، لنفترض أنَّ البحث يكشف نوعًا ثالثًا أو رابعًا من عمليات الدماغ، يرتبط في بعض الحالات بالعملية الذاتية العامة. إلى أي مدًى يمكن أن تبقى الاستجابة السابقة قابلة للتطبيق علميًّا؟ بقدر ما تستمر تقنية افتراض ما يتعذر ملاحظته مستساغة علميًّا في السياق، وبقدر ما أرى، ليس هناك حدٌّ بديهي لامتداده غير المحدد، رغم أنه قد يؤدي إلى هرمية معقدة لما يتعذَّر ملاحظته. وهذا ليس مجهولًا في الكيمياء والفيزياء.

ومع ذلك، إذا انهارت أطروحة بسيطة عن أولوية التصنيف مع نمو أنواع سيكولوجية، بمثابة معايير لأنواع فسيولوجيا الأعصاب بتلك الطريقة التي تلتقط أكثر من نوع سيكولوجي (وهكذا ترتبط تصنيفيًّا مع النوع الفسيولوجي ذاته)، هل يمكن تطبيق الاستراتيجية نفسها؟ بالتأكيد يمكن، باقتراح فرضيات بشأن اختلافات يتعذر ملاحظتها بين الظروف التي يلتقط فيها النوع الفسيولوجي ذاته بمعايير مستنبطة من أنواع سيكولوجية مختلفة. وطبقًا للنمط المعتاد في البحث في العلوم الطبيعية، يمكن وضع برنامج لمحاولات تحديد المتغيرات الخفية. (منطقيًّا لن يختلف الوضع عمَّا نجده في ميكانيكا الكم حين تأخذ جسيمات تبدو متماثلة، أو معدَّة بشكل مماثل في ظروف تبدو متماثلة، مسارات مختلفة.)

ربما يؤدي النمو المستمر للاستثناءات بالنسبة لأطروحة أولوية التصنيف، والفشل المستمر في العثور على المتغيرات الفسيولوجية الخفية التي قد تحل المشكلة، إلى حل جذري أنطولوجي، إلى إحياء ثنائية ديكارت. وأعتقد أن هذا الطريق يمكن يُقترَح بنمو الأنواع السيكولوجية المرتبطة بالنوع العصبي ذاته، إذا تمَّ التخلي عن أطروحة أولوية التصنيف. وسيكون هذا ثمنًا باهظًا حقًّا، حيث إن كل برنامج أبحاث فسيولوجيا الأعصاب يعتمد على أطروحة أولوية التقسيم. أي إن أنطولوجيا العمليات الرمزية تتم مطابقتها بالأدوات التي يؤديها الناس بها.

(٥) الملخص

من الواضح أن علم النفس علم هجين بشكل فريد، مشيَّد بطريقة فريدة. تتكون أسسه الميتافيزيقية من إطارين متميزين لكنهما ليسا مستقلين. في الإطار الرمزي يبدو البشر أشخاصًا، المفردات الأساسية في ذلك الإطار، يبتكرون بشكل مشترك أفعالًا تكتسب خصائص سيكولوجية، مثل الذاكرة، والمعتقد، وبنى السيرة الذاتية. في الإطار الجزيئي يبدو البشر كائنات. يرتبط الإطاران ارتباطًا وثيقًا، ليس فقط بأولوية الرمزي في تثبيت المخططات التصنيفية للاستخدام في الجزيئي، لكن بشكل أكثر أهمية، حيث يفسر الأولويات التصنيفية بارتباط بين المهمة والأداة.

للعودة إلى قضية طبيعة الأشخاص: من دون أطروحة أولوية التصنيف والإطار التصوري للمهمة/الأداة، يمكن أن تنهار مادية الأشخاص، أي التجسيد الذي يعتمد عليه في النهاية معنى الهوية الشخصية (الذات ١). قد يكون الأشخاص بوصفهم المحور المشترك الذي يرتبط به العالمان الرمزي والمادي، نوعًا مختلفًا تمامًا.

يتحدث الناس ويكتبون ويحكون قصصًا عن الآخرين وعن أنفسهم. وهناك أجناس أدبية كثيرة لقصص الناس. من النظرة الأولى، يبدو أن هناك مجموعتين من الأعراف الاستطرادية أو النحو لحكي قصص الناس تتخطى كلٌّ منهما الأخرى. المحاولات العنيفة للقيام بمهمة حكي مثل هذه القصص بذلها المتحمسون للنحو M (على سبيل المثال، بقصص المادية الإقصائية)؛ وقد قوبلت هذه المحاولات بمحاولات عنيفة بشكل مساوٍ قام بها متحمسون للنحو P (على سبيل المثال، بقصص ما بعد الحداثة). وقد حاولتُ أن أوضح أننا لا يمكن أن نستغني عن أيٍّ منهما. الاثنتان مطلوبتان لتحقيق الشكل الإنساني للحياة. يسود نحو في مسرح العمليات، ويسود الآخر في محادثات الساماريين Samaritans. ويبقى أنَّ هناك طرقًا متنوعة ترتبط فيها هذه الأجناس السردية المتباينة وتتكامل في توليف أعلى، دون إقصاء أيٍّ منهما.

المراجع

  • Anderson, J. A., & Schoenig, G. T. (1996), The nature of the individual in communication research, In: D. Grodin & T. R. Lindhof (Eds), Constructing the self in a mediating world, Thousand Oaks, CA: Sage.
  • Geertz, C. (1973), The interpretation of cultures, New York: Basic Books.
  • Harré, R. (1998), The singular self: An introduction to the psychology of personhood, London & Thousand Oaks, CA: Sage.
  • Jensen, U. J. (1972), Conceptual phenomenalism. The Monist, 56, 250–275.
  • Kohut, H. (1977), The analysis of self, New York: International Universities Press.
  • Mühlhäusler, P., & Harré, R. (1990), Pronouns and people: The linguistic construction of social and personal identity, Oxford: Blackwell.
١  P اختصار شخص person (ش)، S اختصار ذات self، وسوف أستخدم فيما تبقى من ترجمة الفصل الحروف الإنجليزية، لأسباب تتعلق بصعوبة استخدام الاختصارات العربية في مثل هذا السياق. (المترجم)
٢  الأنا الديكارتية Cartesian ego: الذات كما يقدمها ديكارت: مدركة فقط لأفكارها وقادرة على الوجود محررة من الجسد، لا تشغل حيزًا ولا يحيط بها الآخرون. إنها الذات الخالصة. (المترجم)
٣  كارلوس كاستانيدا Castaneda (١٩٢٥–١٩٩٨م): أنثروبولوجي وكاتب أمريكي. (المترجم)
٤  مس بييتشامب Beauchamp وإيف وايت White: حالتان تمثلان اضطراب تعدد الشخصية. (المترجم)
٥  مبدأ ماك Mach’s principle: فيزياء نظرية، خاصة في مناقشة نظريات الجاذبية، وهو اسم وضعه أينشتاين، وإرنست ماك، فيزيائي وفيلسوف. (المترجم)
٦  موس أوكام Ockham’s Razor: قاعدة تنص على أنه لا ينبغي مضاعفة الكيانات بلا داعٍ. (المترجم)
٧  الماوري Maori: من الشعوب النيوزلندية الأصلية. (المترجم)
٨  مانا mana: قوة عليا، عند الماوري، تكمن في شخص أو في شيء مقدس. (المترجم)
٩  الأزتك Aztec: من الشعوب الأصلية في المكسيك. (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤