الفصل التاسع

الرؤية الإبداعية لريتشارد فاجنر في لاسبزيا

أو التفسير بأثر رجعي للخبرة في ذاكرة السيرة الذاتية وظيفة لهوية منبثقة
جيروم ر. سيولستر

المقدمة

التباين في حكايات السيرة الذاتية

في الإثنين، ٥ سبتمبر ١٨٥٣م، كتب ريتشارد فاجنر رسالة من «لاسبزيا»، في إيطاليا، إلى زوجته «مينا»، وقد بقيت في البيت في زيورخ:

في مساء السبت — كما أخبرْتُك آخر مرة — انطلقْتُ إلى البحر؛ اعتقدْتُ أن هواء البحر سيجعلني في حالة طيبة. كانت الرياح معاكسة وقوية والبحار هائجة؛ أيقظت الذكريات بالتأكيد! أصيب كلُّ من حولي بدوار البحر؛ ألقيْتُ بحرية تامة من فوق جانب السفينة بكل محتويات الوجبة التي تناولْتُها على الأرض في منتصف النهار؛ واستلقيْتُ بعد ذلك في مضجعي ولم أعانِ من أية مشكلة أخرى نتيجة لدوار البحر، وقضيْتُ الليلة كلها ممددًا في سريري.

وصلنا إلى خليج لاسبزيا في وقت مبكر من صباح أمس: توقف الإسهال، بينما زاد الدوار واشتدت آلام المعدة. ونتيجة لذلك، لم يبهجني شيء أو يُلْهِني. ورغم أنني غادرت مبكرًا جدًّا لأقضي ساعة في المشي في الجبال حيث أذهلني سحر المكان، ورغم أنَّ كلَّ ما رأيْتُ كان رائعًا تمامًا وجميلًا، مع نباتات غريبة ومدهشة - لم يشدني شيء؛ صار مزاجي أسوأ، وكلما فكَّرت في أنَّ الغد عيد ميلادك وأنَّ الرحلة من هنا إليك تستغرق خمسة أيام، أشعر وكأنني أصرخ من بؤسي. خنقني اليأس تقريبًا. بعد الغداء أخذْت عربة أخرى وطلبْتُ من السائق أن يسير بي على طول الخليج لمدة ساعتين: كان يوم الأحد، الجميع في أبهى الثياب وقد حلقوا! لكنني لم أحتمل، وهكذا عدْتُ إلى غرفتي، وأقسمْتُ ألا أقوم بعد ذلك برحلة وحدي، وأخيرًا أصابني الإنهاك. ومع ذلك، اشتد قلقي بشأن النوم حتى إنني طلبت طبيبًا: لكنني قضيْتُ بعد ذلك ليلة هادئة. ولسوء الحظ، ما زال سوء دواري وآلام معدتي كما كان؛ مزاجي غير مُحتمَل، وفكرة أنني بعيد عنك اليوم جدًّا تثقل عليَّ وكأنها طن. بالإضافة إلى ذلك، أشعر بيأس شديد هنا، وتستحق وحدتي الرثاء، حتى إنني لم أعد أفكِّر في الاستمرار في رحلتي أكثر من ذلك. اليوم أو صباح الغد على أبعد تقدير، أعود إلى «جنوه»: وأرى ما أكون عليه! إذا بقيت على ما أنا عليه اليوم، فسيكون الشفاء الوحيد أن أعود إلى الوطن مباشرة …

(Wagner 1987, 166, pp. 290-291)

في اليوم التالي، الثلاثاء، بعد أن عاد بالمركبة إلى جنوه، كتب إلى مينا مرة أخرى:

اسخري مني كما تشائين، أغيِّر رأيي! قرار بالعودة كان حتميًّا بعد اقتناعي التام بسير الأمور معي. في سبزيا أمس، بمجرد تصوُّر فكرة العودة إلى الوطن، فجأة تحسَّنت حالتي الصحية كلها …

(Wagner 1901, 56, pp. 126-127)
لكن، في ١٨٦٩م، أثناء إملاء سيرته الذاتية، «حياتي Mein Leben» (Wagner 1992) على كوزيما Cosima، التي ستكون زوجته الثانية بسرعة، «تذكر» فاجنر خبرة عميقة حدثت في الرحلة إلى لاسبزيا. وجاءت حكايته على النحو التالي:
حتى هذه الرحلة، التي استمرَّت ليلة واحدة فقط، تحوَّلت إلى مغامرة شاقَّة نتيجة لرياح معاكسة عنيفة. اكتملت الدوسنتريا التي أصابتني بدوار البحر، وحين وصلتُ إلى سبزيا لم أستطع أن أخطو خطوةً وذهبْتُ إلى أفضل فندق، وقد أفزعني أنه في ممر ضيق وصاخب. بعد ليلة من الأرق والحمى، أرغمْتُ نفسي على السَّير مسافةً طويلة في اليوم التالي بين هضاب مغطاة بالصنوبر في الأماكن المحيطة. بدا كل شيء لي كئيبًا وعاريًا، وتساءلْتُ عن سبب مجيئي. عدت بعد الظهيرة، وتمددت في حالة إرهاق تام على أريكة ناشفة، في انتظار موعد النوم وقد طالت رغبتي فيه. لم يأتِ؛ وبدلًا من ذلك، غرقت في حالة سير أثناء النوم، انتابني أثناءها فجأة شعور بأنني مغمور في ماء يتدفَّق بسرعة. تبيَّن لي بسرعة أنَّ اندفاعه صوت موسيقى وتر إي المسطح الكبير chord of E flat major، يدوِّي في أوتار مكسورة باستمرار؛ وقد تحوَّلت هذه بدَورها إلى تشكيلات لحنية لحركة مطردة، لكن ثلاثية إي المسطح الكبير E flat major triad لم تتغير قط، وبدت باستمرارها أنها تضفي أهمية غير محدودة على العنصر الذي أغرق فيه، استيقظت في هلع فجائي من حالة النشوة، وأنا أشعر كما لو أنَّ الأمواج تضرب عاليًا فوق رأسي. عرفت على الفور أنَّ المقدمة الأوركسترالية «لذهب الراين Das Rheingold»، هاجعة بداخلي منذ وقت طويل، لكنها كانت إلى تلك اللحظة ناقصة، وقد ظهرت أخيرًا؛ ورأيْتُ على الفور كيف كانت بداخلي: يأتي الفيض الحيوي من داخلي، وليس من الخارج.

قررت على الفور أن أعود إلى زيورخ وأبدأ وضع موسيقى قصيدتي الكبيرة. (ص٤٩٩)

ما يسمى «رؤية لاسبزيا» حدث مهم في معرفة فاجنر لأنها لحظة مفاجئة من لحظات الإبداع، الإلهام، البصيرة العميقة التي انبثقت منها الرباعية الخالدة لفاجنر، «خاتم نيبلونج Der Ring de Nibelungen». لكن التباين بين حكايتَي هذه الخبرة، واحدة مباشرة في وقت قريب من الحدث، والأخرى تستعاد بعد وقت طويل نسبيًّا، يطرح سؤالًا عن الحقيقة التاريخية لرؤية لاسبزيا.
ويسعى هذا الفصل إلى تقديم المصادر الأولية حول رحلة لاسبزيا وفحصها (رسائل فاجنر، يومياته، مذكراته، وسيرته الذاتية) والمصادر الثانوية باعتبارها وسيلة لتقييم البراهين المؤيدة للحالة الحقيقية للرؤية والبراهين المضادة لها. وتتم مناقشة القرار ضد الحقيقة التاريخية للرؤية، لكن لصالح الحقيقة السردية (Spence 1982; Bruner 1990; Freeman 1993 ). ومع ذلك، ربما لم تحدث رؤية لاسبزيا بأي معنًى حرفي، تجسد قراءة فاجنر لفلسفة أرثر شوبنهور تصوره لذاته ولإبداعه. تدفعه إلى تقديم نفسه للآخرين فنانًا مرَّ بمثل هذه الخبرات الإبداعية الخيالية. تلاءمت الرؤية في لاسبزيا مع هذه الهوية الجديدة. وبالقدر ذاته من الأهمية، الإدراك المتنامي لدى فاجنر بالهوية المنبثقة «للأستاذ»، وقد ظهرت، ويتم تأكيدها، بعلاقاته الجديدة وبالخبرات المهمة في ذلك الوقت، أملتْ، بمعنًى ما، الشخص الذي كان ينبغي أن يكشف لأول مرة رؤية لاسبزيا.

(١) سياق تاريخي موجز: حياة فاجنر وقت زيارة لاسبزيا

ريتشارد فاجنر (١٨١٣–١٨٨٣م) (Gutman 1968; Newman 1976; Westernhagen 1981; Deathridge & Dalhaus 1984; Millington 1987; Tanner 1996; )، قائد شاب لفرقة موسيقية ومؤلف أوبرا في «دريسدن»، رأى نجمه يصعد فجأة مع العرض الأول الناجح للأوبرا العظيمة «رينزي Rienzi» في أكتوبر ١٨٤٢م. وقد نجحت الأوبرتان التاليتان، «الهولندي الطائر Der fliegende Holländer» في يناير ١٨٤٣م، و«تنهوسر Tannhäuser»، في أكتوبر ١٨٤٥م، بشكل معقول. وعُيِّن فاجنر في منصب قائد أوركسترا لمسرح بلاط الملك في دريسدن.
استمرت الحياة الإبداعية لفاجنر بثقة تامة في هذه الفترة. أكمل، ضمن أشياء أخرى، الأوبرا الرومانسية «لونجرين Lohengrin» (١٨٤٨م)، ونص أوبرا جديدة، «موت سيجفريد Siegfrieds Tod»، مأخوذة عن أسطورة نيبلونج Nibelungs،١ وتخطيط نثري موجز للأوبرا الكوميدية عن هانز ساشز٢ وكبار الموسيقيين في القرن السادس عشر في نورنبرج Nürnberg. ويشكل التخطيط فيما بعد أساس «كبار الموسيقيين في نورنبرج Die Meistersinger von Nürnberg»، وقد كتب ووضعت موسيقاه في النصف الثاني من ستينيات القرن التاسع عشر.

لكن كان الإحباط في البلاط، ومؤامرات من أشخاص مرتبطين بالمسرح، وأيضًا إحباط من المجتمع ومن عالم الأوبرا عمومًا، وراء مساهمة فاجنر في ثورة دريسدن في مايو ١٨٤٩م، وقد هرب فاجنر من التوقيف بسهولة بالفرار في البداية إلى باريس، ثم استقر في المنفى في زيورخ، سويسرا.

كتب فاجنر هناك عدة أعمال نثرية نظرية طويلة (Wagner 1966a)، بسببها حقق الشهرة عن جدارة وسوء السمعة: «الفن والثورة» (١٨٤٩م) (Wagner 1966c)؛ «العمل الفني في المستقبل» (١٨٤٩م) (Wagner 1966d)؛ «اليهودية في الموسيقى» (١٨٥٠م) (Wagner 1966g)؛ «الأوبرا والدراما» (١٨٥١م) (Wagner 1966f)؛ «تواصل مع أصدقائي» (١٩٥١م) (Wagner 1966e).
في معظم هذه الفترة في زيورخ، عاش فاجنر مع زوجته مينا على دخل شحيح من بيع أعماله المنشورة ومن عوائد أداء بعض أوبراته. ومع ذلك كان أكثر مصادر دخله انتظامًا هبة مالية من «فرو جولي ريتر» Ritter، أرملة ثرية من دريسدن، تؤمن، مع أبنائها كارل وإملي وجولي وألكسندر، إيمانًا عميقًا بالعبقرية الإبداعية لفاجنر وبرسالته.

تزامنت الجهود المحبطة التي بذلها فاجنر في تأليف «موت سيجفريد» مع استيائه المتنامي من العلاقة بين الموسيقى والدراما في شكلها الشائع. ودفعته إلى إعادة التفكير في علاقة الأوبرا والدراما، في مجلد بالاسم نفسه، وإلى إعادة كاملة، وإن تكن تدريجية، لبنية دراما نيبولونج ومعناها. أثناء السنوات من ١٨٥١م إلى أوائل ١٨٥٣م، كتب قصائد «سيجفريد الشاب»، ثم «الفتاة الأسطورية»، و«ذهب الراين». وأثناء رحلته إلى لاسبزيا في أواخر صيف ١٨٥٣م، لم يكن فاجنر ألَّف رسميًّا أي شيء من موسيقى مجموعة المسرحيات الأربع، وتسمى بسرعة «خاتم نيبلونج» (وتعرف باسم «الخاتم»).

في زيورخ في مايو ١٩٥٣م، أشرف فاجنر على مهرجان رفيع المستوى لمدة ثلاثة أيام، حضره، ضمن آخرين، إملي ريتر وجولي ريتر كومر. ثم استقبل فاجنر «فرانز ليست»٣ وهذين العضوين نفسيهما من عائلة ريتر في البيت في أوائل يوليو ١٨٥٣م. بعد رحيلهم، شرع فاجنر في رحلة للشفاء وإجازة طال انتظارها، في البداية مع جورج هيرفج٤ في جبال الألب السويسرية، ثم وحده إلى إيطاليا. ورأى أن رحلته إلى جنوه ولاسبزيا ضرورية «للدخول مرة أخرى»، الدخول المطلوب بشدة إلى متع العالم الواقعي.

استمتع فاجنر بالمشاهد الفخمة في جنوه. ثم، في مساء السبت ٣ سبتمبر سنة ١٨٥٣م، سافر في سفينة بخارية من جنوه إلى لاسبزيا. وتتفق حكايتا السيرة الذاتية (المذكورتان سابقًا) على أن الرحلة كانت مفزعة.

(٢) التحليلات

ضد الحقيقة التاريخية: تردد حكايات رؤية لاسبزيا في مراسلات فاجنر

يرى إرفنج Irving (١٩٨٨م) أن «… ندرك أن تردد أو تكرار [مادة السيرة الذاتية] دليل مطرد على اليقين والأهمية». إذا بدت حكاية فاجنر عن رؤية لاسبزيا متكررة في حكاياته عن رحلته الإيطالية للآخرين، لا يكون لدينا مبرر للشك في حقيقتها. ربما نقبلها تمثيلًا للحظة مهمة في حياته، كما اتضحت فيما بعدُ في «حياتي». ومع ذلك، إذا لم يتكرر ظهور حكايات الرؤية في الأوصاف الأخرى المتزامنة للخبرة، قد نبدأ الشك في صحتها.

كما تبيَّن من قبلُ، لم تذكر رسالتا فاجنر إلى زوجته مينا، مرة من لاسبزيا يوم الإثنين ٥ سبتمبر، والثانية من جنوه في اليوم التالي، الثلاثاء ٦ سبتمبر، رؤية إبداعية أو سواها. وهاتان الرسالتان إلى مينا مهمتان بالطبع لأنهما الوثيقتان الأقرب زمنيًّا إلى الخبرة.

لكن الحكايات الأخرى عن الرحلة إلى إيطاليا تتالت بسرعة في رسائل كتبت عند عودة فاجنر إلى زيورخ. كتب فاجنر إلى «فرانز ليست» في ١٢ سبتمبر ١٩٥٣م (Wagner 1973, Vol. 1, #127, p. 323):

في جنوه اعتلَّت صحتي، وأصابني الهلع لأني وحيد، لكنني عزمت على البقاء في إيطاليا، وواصلْتُ طريقي إلى لاسبزيا. ازدادت وعكتي؛ كانت المتعة مستحيلة؛ ولم يكن هناك إلا الموت أو تأليف الموسيقى، هذا أو ذاك؛ لا يتبقى لي شيء آخر.

يحكي فاجنر بإيجاز عن رحلته الإيطالية إلى ثلاثة رفاق آخرين: في ١٥ سبتمبر، كتب فاجنر إلى أخته الأصغر «كاسلي أفيناريوس» في «ليبزيج» (Wagner 1991, #81, p. 203)، في ٢٣ سبتمبر، كتب فاجنر إلى روبرت فرانز، معجب من دريسدن (Wagner 1967–1991, Vol. 5, #254, pp. 435–437)، وفي يناير ١٨٥٤م كتب إلى أوجست روكل (Wagner 1987, #171, p. 300). وفي ذلك الوقت، اكتملت مخططات تأليف «ذهب الراين». في كل هذه الرسائل، يذكر فاجنر صراحة رحلته إلى لاسبزيا. يلمح دائمًا تقريبًا إلى وعكته، بدرجات مختلفة من رسم التفاصيل؛ ولا يذكر في أي منها رؤية إبداعية لها علاقة بتأليف «ذهب الراين».
لكن في ٢٩ ديسمبر ١٩٥٤م، كتب فاجنر (Wagner 1967–1991, Vol. 6, #193, pp. 308–312) إلى إملي ريتر، ابنة «فرو جولي ريتر»، محسنته المحبوبة:

تعرفين رحلتي الإيطالية والبؤس الذي أصابني … حتى في لاسبزيا كانت لي رؤية كاملة: وأنا أعاني من أشد حالاتي العصبية رعبًا، مع اشمئزاز من كلِّ ما تقع عليه عيني، تمددت بعض الوقت ذات يوم لأحمي بإغلاق عيني من التوتر المروع: غطست لحظة في نوم خفيف، فظهرت لي فجأة المقدمة الآلاتية ﻟ «ذهب الراين»، وكنت لا أزال أصارع من أجلها، ظهرت لي بوضوح شديد ويقين حتى إنني فهمْتُ فجأة ما يحدث لي. على الفور عزمْتُ أن أعود وأسبق العالم الخارجي. بعد ذلك بساعة كنت أجلس في عربة في الرحلة إلى الوطن …

وهكذا، تظهر الحكاية الأولى المتوفرة لرؤية إبداعية في لاسبزيا في رسالة إلى إملي ريتر مكتوبة بعد حوالي ١٥ شهرًا من تاريخ حدوثها المفترض.

باستمرار تحليل التردد، نلقي نظرة سريعة على دليل إمبريقي آخر: مع توفر «الرسائل الكاملة» لفاجنر (Wagner 1967–1991) بوصفها قاعدة بيانات، نكتشف أن هناك ٢٥٧ رسالة كتبها فاجنر بين عودته من إيطاليا (سبتمبر ١٨٥٣م) ورسالته عن الرؤية إلى إملي ريتر (ديسمبر ١٨٥٤م). لا تذكر الرؤية في أية رسالة من بين ٢٥٧ رسالة. بالطبع، صحيح أن فاجنر الْتقى بكثير من رفاقه وجهًا لوجه ومن ثم، ربما حكى حكاية الرؤية مباشرة. وهكذا، تحظى الرسائل التي كتبت إلى رفاقه بعد لاسبزيا وقبل أية مواجهة وجهًا لوجه، مثل الرسالة إلى «ليست» في ١٢ سبتمبر ١٨٥٣م، باهتمام نقدي أكبر.

وبالمثل، ينبغي فحص الرسائل إلى إملي ريتر بعد لاسبزيا وقبل بَوْحِه بالرؤية لها في ديسمبر ١٨٥٤م. من كل ما كتبه إليها فاجنر، بقيت رسالتان: واحدة في ديسمبر ١٨٥٣م والثانية في مايو ١٨٥٤م (الاثنتان مقتبستان فيما يلي). مرة أخرى، لم يُقَل شيء عن لاسبزيا حتى رسالة ديسمبر ١٨٥٤م.

ضد الحقيقة التاريخية: الأدوات المساعدة لاضطراب ذاكرة فاجنر

حكاية رؤية لاسبزيا في «حياتي»، كما قدمناها من قبل، يحتمل أنها مملاة على كوسيما في ١٨٦٩م. ربما كانت ذاكرته مهتزة. طريقة فاجنر في تذكر السيرة الذاتية جديرة بالمناقشة في هذه النقطة.

بدأ فاجنر إملاء «حياتي» على كوسيما في ١٧ يوليو ١٨٦٥م، مستخدمًا، كأداة مساعدة للذاكرة، «الحوليات»، وتسمَّى في الأصل «كتاب الجيب الأحمر»، وهي يوميات موجزة، مواد تلغرافية متصلة بدأها في أغسطس ١٨٣٥م. في ذلك الوقت، في الثانية والعشرين، أعاد فاجنر الشاب بأفضل ما يستطيع تنظيم أحداث طفولته المبكرة والمراهقة وتواريخها، ومن ١٨٣٥م واصل وضع الملاحظات والأحداث تجري. الملاحظات بشأن ذكرى لاسبزيا مقتبسة فيما يلي:

[في جنوه] ٣ أيام: ثم دوسنتريا. سفينة بخارية إلى لاسبزيا: شيء بغيض. تكيف سيئ. III. في اليوم الثاني محاولة للمشي؛ تل الصنوبر. غفوة بعد الظهيرة على أريكة: استيقاظ بتصور لمقدمة آلاتية لذهب الراين (E flat major triad): غطس وسط المياه المتدافعة. عزم على الفور على العودة وبدء العمل.
(Wagner 1980, p. 103)

لاحظ أن تسلسل السيرة الذاتية صحيح: رحلة سيئة في البحر/ليلة سيئة — مشي في التلال — غفوة بعد الظهيرة — ثم الرؤية.

لكن، للأسف، لهذه الأداة المساعدة للذاكرة قصة خاصة بها: في فبراير ١٨٦٨م، لأسباب لا تفسير لها، «نسخ» فاجنر محتويات «كتاب الجيب الأحمر» في «الحوليات»، بادئًا بمواد من عيد فصح ١٨٤٦م. ثم مزق كل «كتاب الجيب الأحمر» باستثناء الصفحات الأربع الأصلية الأولى، ولم يترك شيئًا سليمًا سوى المواد المتعلقة بحياته كما سجَّلها في الأصل عند وصوله إلى باريس في ١٨٣٩م (وهكذا، ضاعت تمامًا كل ملاحظات السيرة الذاتية من ربيع ١٨٣٩م إلى ربيع ١٨٤٦م، فترة باريس وكثير من فترة دريسدن). يركز التأمل في الأسباب التي جعلت فاجنر يمزق محتويات «كتاب الجيب الأحمر» على حقيقة أن فاجنر تمنى أن «يعدِّل» (إن لم نقل أن «يغير») ما يتعلق بمشاركته في ثورة دريسدن وبعلاقاته الغرامية المختلفة، وخاصة تلك التي كانت مع «جيسي لوسوت». «بتحرير» مواده المنسوخة وتدمير الأصول، كان فاجنر يعطي نفسه حرية إعادة تنظيم سرد حياته. وهكذا، ربما عالج مواد يوميات الرحلة الإيطالية في ١٨٥٣م لتتلاءم مع حقيقة ابتكاره «للرؤية». ما يهمنا هنا أن «الحوليات»، أداة الذاكرة المساعدة له في «حياتي»، لا تقدم أي تأكيد بشأن الحقيقة التاريخية لرؤية لاسبزيا.

تعليق جانبي آخر عن شرود فاجنر فيما يتعلق بالسيرة الذاتية: بالإضافة إلى سيرته الذاتية الشاملة «حياتي»، التي تحكي حياة فاجنر من مولده حتى ١٨٦٥م (وعمر فاجنر ٥٢)، كتب فاجنر «تخطيط السيرة الذاتية» (Wagner 1966b) بين سنة ١٨٤٢م وسنة ١٨٤٣م (وعمره ٣٠)، ويحكي عن سنواته المبكرة ومؤلفاته المبكرة حتى نجاحاته الأولى في دريسدن مع «رينزي» و«الهولندي الطائر». وهو في زيورخ في ١٨٥١م، كتب جزءًا آخر، دفاعيًّا أكثر، شبه سيرة ذاتية بعنوان «تواصل مع أصدقائي» (Wagner 1966e). وهو يُملي «حياتي» وبعد ذلك، حتى وفاته في فبراير ١٨٨٣م، تم تسجيل حياة فاجنر يومًا بيوم في يوميات شهيرة لكوسيما (C. Wagner, 1978–1980).
ثمة مرجع نهائي متوفر لرؤية لاسبزيا مطبوع في رسالة مطبوعة (Wagner 1966i) بتاريخ ٧ نوفمبر ١٨٧١م.

باختصار، على أساس تحليل تردد أوصاف الحدث، ينبغي أن نستنتج أن الاعتلال والإنهاك والوحدة كانت المكونات الأساسية لسرد فاجنر عن رحلته إلى لاسبزيا، وليس رؤية إبداعية مدهشة كما وُصِفتْ بعد ذلك في «حياتي». بالتأكيد ربما كانت له خبرات غير مكتملة، البدايات الأولى للموسيقى العظيمة التي كان على وشك أن يضعها على الورق بعد شهرين، لأنه كان قد أشار كثيرًا إلى أعمال أخرى. لكن، على أغلب الظن، لم تكن له رؤية إبداعية واضحة. لكن يبدو أنه بمجرد إبداع الرؤية والكشف عنها في الرسالة إلى إملي ريتر، أبقى عليها فاجنر باعتبارها جزءًا من أسطورته الشخصية، لتتضح أكثر في سيرته الذاتية.

ضد الحقيقة التاريخية: بنية زمن الخبرة في لاسبزيا

افترض الكتَّاب الأوائل للسيرة بشكل طبيعي تمامًا أن رؤية لاسبزيا حدثت بالفعل كما وصفها فاجنر في «حياتي». ومع ذلك، اكتشاف الرسالة التي أرسلها إلى مينا في ٥ سبتمبر ١٨٥٣م في «مجموعة بوريل»، التي قدَّمناها من قبل، أثارت سؤالًا خطيرًا عن الحقيقة التاريخية للرؤية.

يدافع أنصار أحدث لفاجنر، وخاصة ويسترنهاجن Westernhagen (١٩٨١م)، عن الإغفال الصارخ لهذه الرؤية الخطيرة في مراسلات فاجنر مع مينا بالإيحاء بأن الرؤية الشهيرة حدثت بعد أن كتب فاجنر الرسالة الطويلة يوم الإثنين ٥ سبتمبر.

يمكن الاحتجاج على هذا التفسير بتحليل الحكايتين الطويلتين عن لاسبزيا نقطةً نقطة، حكاية في رسالته إلى مينا والأخرى في «حياتي». أقترح هنا أن سياق الرؤية، كما وصفها في «حياتي»، لم يحدث بعد ظهيرة الخامس من سبتمبر، بعد كتابة رسالة فاجنر إلى مينا، لكن في يوم جولته في الغابة. في أي يوم كانت جولة فاجنر في الغابة؟

لنتأمل: انطلق فاجنر في رحلته البحرية من جنوه إلى لاسبزيا في مساء السبت الثالث من سبتمبر. الرحلة ٨٠ كم تقريبًا أو نحو ذلك. كانت هناك رياح معاكسة قوية وبحار متلاطمة؛ كانت الرحلة طويلة وغير مريحة، وكريهة: في هذه المسألة تتفق الحكايتان تمامًا. حين كانت العلاقة الزوجية بين فاجنر ومينا هادئة بشكل معقول، كما بدت في صيف ١٨٥٣م، استمرت المراسلات بينهما على أساس الصحة السيئة، الأوجاع والآلام، الأعراض، عدم فاعلية العلاجات المختلفة، نوعية النوم، ووحدته البائسة (حيث كتب إليها فقط حين انفصل عنها). حكايته عن الرحلة البحرية مساء السبت درامية تمامًا وبصورة تفصيلية. وكانت الليلة التالية، ليلة الأحد، «ليلة طيبة»، بمساعدة (كما نفترض) جرعة منومة من الطبيب. ينبغي أن يلاحظ القارئ أن تعبير «ليلة طيبة» دال بشكل خاص في سياق التفاصيل التصويرية والغزيرة التي يواصل فيها الحديث إلى مينا عن حالته الصحية السيئة. إذا كانت ليلة الأحد غير طيبة حقًّا، فمن المؤكد أنه لم يكن هناك سبب يجعل فاجنر يصفها بشكل مختلف لمينا. وهكذا، لا يمكن أن تكون ليلة الأحد «ليلة الأرق والحمى»، كما يشار إليها في «حياتي»، وبعدها، في اليوم التالي، جاءت الرؤية. لا يمكن إلا أن تكون «ليلة الأرق والحمى» ليلة دوار البحر في السفينة البخارية في الطريق إلى لاسبزيا. لنتذكر أن فاجنر يعلن فقط، في رسالته إلى مينا، أنه قضى «الليلة كلها [ليلة السبت في الرحلة البحرية] ممددًا في مضجعي»، لكنه لا يذكر شيئًا عن نوم فعلي. ومن ثم، حيث إن بعد ظهيرة الإثنين تلت نوم ليلة طيبة يوم الأحد كان في حاجة شديدة إليه، ربما نستنتج بثقة أن رؤية لاسبزيا لم تحدث بعد ظهيرة الإثنين، الخامس من سبتمبر، على عكس البنية المقترحة لزمن من ويسترنهاجن.

في «حياتي»، يقول فاجنر، عن النزول في لاسبزيا، إنه ذهب إلى «أفضل فندق»، وكان «يقع في ممر ضيق وصاخب». في أي وقت حدث هذا؟ لا نحتاج إلى كثير من التأمل لنقترح أنه ربما استقر في الفندق قبل الفجر بالضبط (في الرسالة إلى مينا، قال إنه وصل «في وقت مبكر من صباح الأمس [الأحد]») وحاول الحصول على بعض الراحة قبل شروق الشمس. ومن المؤكد أن صخب الممر كان مزعجًا ومفزعًا. وهذا الجدول الزمني يجعل تعبير «اليوم التالي» يشير إلى الإثنين، كما قد يحاول ويسترنهاجن أن يجعلنا نعتقد (وحيث إن «حياتي» يترك الأمر ملتبسًا)، وأي أشياء عادية فعلها فاجنر طوال يوم الأحد؟

حسنًا، نعرف ما فعل: من الواضح في الحكايتين أن فاجنر تمشى مسافة طويلة بين النباتات على الهضاب المحيطة بالخليج وأن هذا المشي مسافة طويلة أصابه بالإنهاك. في رسالته إلى مينا، يعلن صراحة أن هذه التمشية الطويلة حدثت يوم الأحد، الرابع من سبتمبر. في «حياتي»، يذكر تمشية مماثلة طويلة بين النباتات، تبعتها حالة مماثلة من الإنهاك ورؤية لاسبزيا أيضًا. إذا قبلنا، كما حاول أن يبرهن كتاب السير من قبيل ويسترنهاجن، احتمال أن الرؤية حدثت بعد الظهيرة بعد أن كتب فاجنر رسالة الإثنين، الخامس من سبتمبر، إلى مينا، ثم لا بدَّ أنه كانت هناك تمشية ثانية طويلة تبعها إنهاك ورؤية في هذه المرة. لكن ليس هناك ذكر لتمشية أخرى طويلة في الهضاب، أو أية نزهة على الإطلاق، أو أي إنهاك آخر بعد ظهيرة الإثنين في رسالته إلى مينا من جنوه يوم الثلاثاء السادس من سبتمبر. لقد ذكر فاجنر أنه شعر أفضل كثيرًا بمجرد العزم على العودة إلى الوطن. مرة أخرى، ربما كان لدى فاجنر سبب يجعله يتغاضى عن ذكر حالات إبداعية داخلية لمينا، بالنظر إلى علاقته بها، لكن لم يكن لديه أي دافع للتغاضي عن وصف تمشية ثانية طويلة تبعها إنهاك، إذا كانت هناك تمشية ثانية. إن كُتَّاب السير، مثل ويسترنهاجن، الذين يفترضون دون شك أن الرؤية حدثت كما وُصِفتْ، مضطرون لوضعها بعد الظهيرة بعد رسالته الطويلة إلى مينا في الخامس من سبتمبر. لكنهم يطلبون من القراء تمديدًا مروِّعًا لتسلسل الأحداث في السيرة الذاتية.

باختصار، تسمح لنا نظرة متفحصة على رحلة لاسبزيا ومقارنة دقيقة لأزمنة الوصف برفض تفسير «بعد ظهيرة الإثنين»؛ ممَّا أدى إلى إغفال فاجنر للرؤية في رسالته إلى مينا. لم تحدث الرؤية كما وصفت أو يكمن التفسير حقًّا في علاقة فاجنر مع مينا.

ضد الحقيقة التاريخية: علاقات فاجنر ومحتوى مراسلاته

برهن كتاب سير آخرين، من قبيل إرنست نيومان (١٩٧٦م)، على أن «هوسفرو مينا» العملية البرجوازية كانت عاجزة تمامًا عن استيعاب أهمية خبرة إبداعية مثل رؤية لاسبزيا. وهكذا يمكن أن نبرهن بشكل معقول على أن فاجنر لم يشارك مينا في رؤيته الإبداعية في رسالته في ٥ سبتمبر. صحيح أن فاجنر ومينا ارتبطا معًا بالاهتمامات الصحية والوحدة. وصحيح أيضًا أنهما سعيا في مسارات مختلفة في جوانب أخرى من الحياة المنزلية والفنية. لكن، أحيانًا، برزت اختلافاتهما الهائلة، خاصة حين وجد فاجنر امرأة أخرى متعاطفة مع آرائه. نتناول المزيد عن هذا الموضوع في وقت لاحق.

لكن ينبغي ملاحظة أنه حتى إذا كانت مينا لا تستوعب عمق الاضطراب الإبداعي الداخلي لزوجها ومداه، يبقى لديها اهتمام عملي بكل مؤلفات زوجها، خاصة أثناء فترة زيورخ حين كانا في حاجة إلى دخل. هي وآخرون في ذلك الوقت، وحتى «فرانز ليست» العظيم، شجَّعوا فاجنر بقوة بالاهتمام بتأليف أوبرا عملية وشعبية لباريس.

نعرف أنَّ التطور الفني لفاجنر كان يأخذه إلى مكان آخر في ذلك الوقت، بالطبع، ومن مرارة خبرة الماضي، نفر تمامًا من المشهد الموسيقى في باريس. ومن ثم لا يثير دهشتنا أن فاجنر كافح ضد هذا الضغط وقاومه. ويبقى أنه رغم أنه لا «نهر الراين» خاصة أو «الخاتم» عمومًا تلائم قالب «أوبرا عملية وشعبية لباريس»، يمكن أن نفترض أن مينا اهتمت بالاستماع إلى رؤية أو إلهام إبداعي، إن لم يكن لأي سبب آخر فلأنها قد تكون علامة قوية على أن فاجنر على وشك أن يستأنف تأليف الأوبرا بعد فترة قحط موسيقي لخمس سنوات. ومن المؤكد أنَّ مينا كان يسعدها أن يؤلف مرة أخرى؛ ربما خفَّف ذلك الضغط عليه. لهذا السبب وحده، ربما كان على فاجنر أن يشرك مينا في رؤية لاسبزيا، إذا كانت قد حدثتْ. لكنه لم يشركْها.

تحدد خصائص علاقاتنا بالآخرين الأفكار وذكريات ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وأي «ذات» نشاركهم فيها (Gregg 1991; hermans & Kempen 1993; Sehulster 1996). ونظرًا لهذا، لنتفق مع إجماع السيرة الذاتية: حُجِبتْ رؤية لاسبزيا عن مينا بسبب طبيعة العلاقة بينهما. لكن علينا أن نسأل: هل هناك أشخاص كانت علاقاتهم بفاجنر تكفل وصفًا كاملًا للرؤية في لاسبزيا؟

هناك: نظرًا للطبيعة الفنية للعلاقات بينهم، يمكن أن نتوقع بالتأكيد أن يحكي حكاية الرؤية الإبداعية كاملة إلى أوجست روكل أو «فرانز ليست». على عكس مينا، كل من «روكل» و«ليست» مؤلف موسيقى وقائد فرقة موسيقية، كان لديهما الاستعداد الذهني والخلفية التجريبية لتقدير أهمية رؤية موسيقية. وتسمح لنا مراسلات فاجنر معهما لتتبع الولادة الشعرية والموسيقية ﻟ«خاتم نيبلونجن». فاجنر مؤلف الأوبرا هويةٌ، ذاتٌ تهتم بالمشاركة في التأليف مع هذين الصديقين.

وبشكل خاص مع «ليست». من المؤكد أن العلاقة بين «ليست» وفاجنر قبل رحلة الأخير إلى إيطاليا، كما تتضح من المراسلات بينهما، تفترض تقديم وصف حي للرؤية الإبداعية في لاسبزيا. لكن لا يوجد ببساطة إشارة إليها في رسالته إلى «ليست» في ١٢ سبتمبر، بعد أسبوع واحد من حدوثها المفترض.

ولا يوجد في أي موضع وفاجنر يواصل المشاركة في شغفه ببدء العمل في تأليف «ذهب الراين». على سبيل المثال، في خطاب آخر إلى «ليست» من زيورخ (٢٩ سبتمبر ١٨٥٣م)، بعد لاسبزيا بأقل من شهر، وقبل أن يلتقي الاثنان مرة أخرى في «بازل»، في الطريق إلى باريس، قال فاجنر فقط، ضمن أشياء أخرى، أن:

أشتاق إلى العودة إلى العمل أخيرًا. حياتي العادية لا تحتمل إلا إذا، إذا جاز التعبير، استبد بي القلق. وبالإضافة إلى ذلك، لا أستطيع أن أحافظ على سلامي، كما أود بشكل خاص، إلا إذا كرست نفسي لهذه الموسيقى.

(Wagner 1973, Vol. 1, 132, p. 331)
تكشف رسائل كثيرة عن رغبة فاجنر وجهوده الهائلة في تأليف «ذهب الراين»، مثل — على سبيل المثال — رسالته إلى «ليست» في ١٤ نوفمبر ١٨٥٣م تقريبًا (Wagner 1987, 168, p. 295). أخبر «ليست» في ٧ نوفمبر ١٨٥٤م بأن:

أنا الآن أكتب «ذهب الراين» مباشرة بشكل كامل، بالآلات: لم أعثر على طريقة أخرى لكتابة المقدمة (أعماق الراين) حيث إن التخطيط كان واضحًا؛ وهذا هو السبب الذي جعلني ألجأ مباشرة إلى الشكل الكامل.

(Wagner 1987, #172, p. 313)

بعد إتمامها، كتب إلى «ليست» في ٤ مارس:

… وصلْتُ الآن إلى مرحلة جديدة من التطور حيث تبنيتُ مقاربة مختلفة تمامًا: هكذا — فكر في هذا فقط — كل المقدمة الآلاتية ﻟ «ذهب الراين» مبنية على ثلاثية واحدة لإي فلات.

E-flat! (Wagner 1987, #173, p. 314)
يلاحظ القارئ أن إفشاء فاجنر ﻟ «ليست» عن البناء النغمي ﻟ «ذهب الراين» يأتي بعد ٦ شهور كاملة من مجيئها المفترض له في الرؤية في لاسبزيا. ويقترح الدارسون المحدثون أن تأليف مقدمة «ذهب الراين» مسألة استغرقت وقتًا طويلًا، وأنها ليست نتيجة للحظة واحدة من الإلهام (Darcy 1989/1990).

وضحت هنا أن فاجنر شارك رفيقه الموسيقار «فرانز ليست» في رغبته وما يدور بداخله بشأن عملياته الإبداعية. ربما لم يكشف فاجنر لزوجته مينا عن رؤيته، لكن في سياق عمق علاقته ومداها مع «ليست» في سياق أهمية تأليف «ذهب الراين» بالنسبة لهذه العلاقة، يدفع إغفال الرؤية في لاسبزيا إلى استنتاج واحد فقط: لم تحدث الرؤية بمفهوم الحقيقة التاريخية.

(٣) ثلاثة أسئلة

لاحظ ديثريدج Deathridge ودالوس Dalhaus (١٩٨٤م)، ودارسي Darcy (١٩٨٩/١٩٩٠م)، ودارسون محدثون آخرون أن من السهل تمامًا الشك في الحقيقة التاريخية لرؤية لاسبزيا. لكن فاجنر لم يكن غريبًا أو اعتباطيًّا بشأن مسائل تقديم الذات أو بشأن إبداعه. يجب أن نفترض أن لديه سببًا لغرس حكاية لاسبزيا في سرد حياته.

إذا توصلنا إلى أن الرؤية لم تحدث كما وصفها فاجنر لإملي ريتر في الرسالة أو كما «تذكَّرها» في سيرته الذاتية، «حياتي»، علينا أن نجيب على ثلاثة أسئلة: (١) لماذا ابتكر الرؤية؟ (٢) لماذا انتظر أكثر من عام بعد حدوثها المفترض ليبتكرها؟ (٣) لماذا كانت إملي ريتر أول من سمعها؟ نتناول السؤال الثاني أولًا.

لماذا انتظر أكثر من عام بعد حدوثها المفترض ليبتكر الرؤية في لاسبزيا؟

اقترح بعض دارسي فاجنر أن توقيت أول وصف لرؤية إبداعية في لاسبزيا (في رسالة إلى إملي ريتر في ٢٩ ديسمبر ١٨٥٤م) نتيجة لحماس فاجنر في قراءة فلسفة أرثر شوبنهور في خريف ١٨٥٤م. وهذا احتمال كبير: فلسفة شوبنهور كما وردت في كتابه «العالم إرادة وتصور» (Schopenhauer 1969) وفي مقالات «الملاحق والأخطاء» (١٩٧٤م) أثرت تمامًا على فاجنر وهو في الحادية والأربعين. في شوبنهور وجد فاجنر ألمه النفسيَّ العميق منعكسًا في أعمال منشورة لفيلسوف محترم، وإن لم يكُن فيلسوفًا معروفًا على نطاق واسع.
لكن فاجنر وجد في شوبنهور ما هو أكثر بكثير من سبب «للإنكار النهائي لإرادة أن تعيش». هنا كانت تفسيرات فلسفية لعبقريته وعملياته الإبداعية، لغربته التي شعر بها بقوة ووحدته باعتباره فنانًا في مجتمع برجوازي، وبالنسبة للوضع الفريد للموسيقى والأوبرا بين الفنون. وكانت هذه، بالطبع، أفكارًا وتيمات تناولها فاجنر، قبل ذلك بسنوات، في مقالاته، وبشكل أساسي في «العمل الفني في المستقبل» (Wagner 1966d) وفي «أوبرا ودراما» (Wagner 1966f). دعمت التشابهات، كما نؤكد فيما يلي، رغبة فاجنر في فَهْم نفسه باعتباره مثالًا «للعبقرية الحقيقية» عند شوبنهور.
وصف شوبنهور في «العالم إرادة وتصور»، وفي مقالاته أيضًا، خاصيتين للوعي: تتعلق الخاصية الأولى بالعالم الخارجي الذي ندركه فقط تصورًا أو أفكارًا تنقل عبر الإحساس والعقل. يُشيَّد تصور العالم الخارجي عبر أبعاد الزمن والفضاء والعلية. تتعلق الخاصية الثانية بالعالم الداخلي للرغبات والنوايا والدوافع والمشاعر، وندرك التعبير عنها في سلوكنا. وتنشأ في الإرادة، وهي مصدر لا يمكن الوصول إليه، بدائي، خفي، مكافح، للطاقة، يشبه بناء الهو Id عند فرويد فيما بعد.

قدَّر شوبنهور، مثل فاجنر، قوة الموسيقى. تعمل الموسيقى على الإرادة مباشرة، أي على مشاعر المستمع. تثير الموسيقى العواطف، لا الأفكار. مهمة الفنان الحقيقي، مؤلف الموسيقى، التعبير عن هذه المحتويات لإرادته أو مشاعره في الموسيقى بحيث تؤثر الموسيقى على إرادة المستمع أو عواطفه مباشرة.

يعقد شوبنهور مقابلة أخرى بين الفنان الحقيقي أو العبقري مع الموهوب موسيقيًّا: الموهوب فقط هو مَن يُبدع بوعي من المفاهيم الخارجية ويتبع سياق اللحظة من أجل الشهرة. يبدع الفنان الحقيقي، في المقابل، بلا وعي، من الإرادة، ويتبع ما تمليه. كما نرى، استكشف فاجنر هذا المفهوم في نثره أيضًا (Wagner 1966g).
وضع شوبنهور، في تمييزه بين العمليات الذهنية اليومية، الوعي المستيقظ والعالم الخالد للاوعي، أساسًا لفهم فاجنر للعملية الإبداعية (Magee 1983). مثل الفلاسفة الآخرين للعقل، ومن بينهم فرويد، وضع شوبنهور وجود «عين داخلية» تُدرَك بها محتويات الإرادة (أو اللاشعور).
عضو الحلم هو عضو اليقظة الواعية نفسه والإدراك الحدسي للعالم الخارجي، يتم القبض عليه، إذا جاز التعبير، فقط من الطرف الآخر ويُستخدَم في النظام العكسي. ويمكن لأعصاب الحواس التي تعمل في الاثنين أن تبقى نشطة من داخلها ومن طرفها الخارجي أيضًا … إنه عضو الحلم … حيث يُجلَب الإدراك الحدسي المسرنم، الاستبصار، البصيرة، وكل أنواع الرؤى. (Schopenhauer 1974, p. 251)

ومن المؤكد أن التصريح الموازي «غطست في نوع من حالة السرنمة»، من نسخة «حياتي» لرؤية لاسبزيا يلفت انتباهنا.

وهكذا تكون العملية التي يكتسب بها الفنان «معرفة فورية عن الطبيعة الداخلية للعالم مجهولة لقدرته العقلية» تشمل الحلم أو النشوة، أي حالة من الحالات الكثيرة المتغيرة للوعي، التي كان فاجنر، إذا كان علينا أن نصدق الحكايات العديدة الأخرى في «حياتي»، على معرفة تامة بها (Sehulster 1979/1980).

وهكذا، في الإجابة على السؤال الثاني «لماذا انتظر أكثر من عام بعد حدوثها المفترض ليبتكرها؟» من الإنصاف أن نقول إن بنية فاجنر لرؤية لاسبزيا تأثرت بقراءته لشوبنهور ولم يكن قد قرأ شوبنهور حتى خريف ١٨٥٤م. وجاءت رسالته إلى إملي ريتر بعد ذلك مباشرة.

وعاد فاجنر إلى شوبنهور لإعداد مقاله التذكاري، «بيتهوفن» (Wagner 1966h) في ١٨٧٠م. في ذلك الوقت بالتزامن مع الفترة التي كان يملي فيها «حياتي»، مما قد يفسر الوصف الأكثر تفصيلًا ودرامية للرؤية حينذاك.

لماذا ابتكر فاجنر الرؤية؟

الإجابة على سؤالنا الأول: «لماذا ابتكر الرؤية؟» قصيرة، لكن حل لغز العملية طويل وملتف. الإجابة القصيرة هي أن فاجنر تمنى أن يوضح للعالم، وربما لنفسه أيضًا، أنه، ريتشارد فاجنر، يلائم قالب الفنان الحقيقي كما وصفه شوبنهور. يبدع الفنان من خلال الرؤيا؛ لاسبزيا، كما وصفت في رسالته إلى إملي ريتر وفي «حياتي» «دليل» يقدمه فاجنر على أنه فنان تتمُّ عملياته الإبداعية بالطريقة نفسها. ومن المهم أيضًا: بحلول الوقت الذي كتب فيه الرسالة إلى إملي، كانت النسخة الكاملة ﻟ«ذهب الراين» قد اكتملت، وأيضًا المسودة الكاملة «للفتاة الأسطورية». وكان فاجنر يتبجح بثقة بشأن ثمار إلهاماته! أساطير شخصية، وأيضًا أساطير ثقافية ودينية، تم إبداعها بعد الحدث (Freeman 1993; Brockmeier 1997 ).

الإجابة الطويلة على السؤال، «لماذا ابتكر الرؤية؟» تكمن في تعقد العمليات التي ربما كانت تتواصل في نفسية فاجنر في الفترة حول لاسبزيا. أؤكد أن هوية جديدة كانت تنبثق في ريتشارد فاجنر في منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر. ينعكس إدراكه المتنامي لهذه الهوية الجديدة في احتياجه المدرَك لرؤيا، وللإجابة على السؤال الثالث، في اختيار الرفيق الذي يكون أول من يشاركه في ذلك.

يرى إريك إريكسون Erikson (١٩٦٨م) أن تحقيق الهوية أمر مركزي في النمو النفسي وتطور الفرد. لكن الهوية ليست بسيطة وليست ساكنة. إننا، جميعًا، نلبي عددًا من القواعد في حيواتنا، ومن ثم نوجد في هويات متعددة (Markus & Nurius 1986; Gergen 1991; Hermans & Kempen 1993). ستكون كل هُوية بدرجة ما اتحادًا لقوى جسدية وداخلية وخارجية. يمكن أن نكون طوالًا أو قصارًا، نحيفين أو مفتولي العضلات، رياضيين أو نفتقر إلى الرشاقة، بدينين، صلعًا، أو بشعر مجعد. لنا أمزجة مختلفة، هويات منسوبة لنا، وهويات قومية و/أو دينية، وهويات يحددها الدور، تعتمد على الأدوار التي يتصادف أننا نؤديها في ذلك الوقت: ونحن في الوقت ذاته رجال أو نساء، مهنيون، شخصيات عامة، لاعبون في فريق، آباء، أبناء أو بنات، أصدقاء، مرضى، سائحون … إلخ. وبرهن البعض على أن عدد مصادر الهوية وأهميتها النسبية تتغير عبر القرون (Baumeister 1986, 1991).

يدرك بعضنا، ربما معظمنا، هُوية جوهرية أكثر ثباتًا، حولها تدور هويات أصغر تابعة. وهو ما يُشار إليه عمومًا بأن «الذات» مركب من كل هذه الهويات والأدوار، وربما أيضًا ما يمسك هذه المجموعة معًا ويمنعها من التفكك.

الهُويات والأدوار، الكبيرة والصغيرة، المركزية والهامشية، طويلة المدى والمؤقتة، تُؤكَّد، أو «تُؤيَّد» بعلاقتنا مع الآخرين في الأسرة ومع الأصدقاء وفي المجتمع. ويتم إحباط الخصائص غير المرغوب فيها أو بطلانها أو عدم تأييدها، بصورة مماثلة. الهوية، بتعبير آخر، بدرجة كبيرة بناء مشترك، خلق اجتماعي وثقافي، تشكله وتدعمه العلاقات مع الآخرين، كما أنها «شيء» داخلي يتطور من الداخل.

تصف النظرية الجينية epigenetic التي وضعها إريكسون لتطور الشخصية (١٩٦٨م) فترة طبيعية من الأزمة في تكوين الهُويَّة، وتحدث عادةً في أواخر العقد الثاني في بدايات البلوغ، وتعديل الهُويَّات والأدوار المحتملة للبالغين. في هذا الوقت يصنف البالغ الصغير ويختبر ويعدل الهويات والأدوار المحتملة للبالغ. بعض الهويات المؤقتة أو التجريبية تبقى وترسخ وتستقر، اعتمادًا على القوى الداخلية للفرد ودوافعه، واعتمادًا على الاستجابات التي يلقاها من الآخرين المهمين بالنسبة له؛ وتُنبَذ الهويات الأخرى، التي لا تساندها قوى أو دافع، أو لا يؤيدها مجتمع الفرد أو ثقافته؛ بعض الهويات الأقدم، مثل تلك التي رسخت أثناء الطفولة أو المراهقة، لا تظهر على السطح مرة أخرى إلا في ظروف خاصة.

(٤) الأزمة الأولى لهوية فاجنر، والركود والنجاح النهائي

في «حياتي»، يصف ريتشارد فاجنر جوَّ أزمة الهوية في الفترة المتأخرة من المراهقة، رغم المشتتات الكثيرة وفي أفضل الأحوال الدعم المتناقض من الكثيرين في أسرته. كان تدريبه الموسيقي في سنوات المراهقة مختلطًا بالمقامرات الضخمة، والاحتفالات الصاخبة، والسُّكْر، وحتى المبارزة. ومع ذلك برز فاجنر في أوائل العشرينيات ليصبح قائد كورس ومؤلف أوبرا أكمل بنجاح، وإن لم تعرض، أوبرا أولى تستحق التقدير (الجِنِّيَّات). البهجة التامة التي انتابته بإتمام «الجنيات» واضحة بقوة في رده على رسالة من أخته الكبرى، «روزالي»، في ١١ ديسمبر ١٨٣٣م (Wagner 1991, #2, pp. 5–11). ومن المؤكد أن جزءًا كبيرًا من بهجته جاء من تأييد واضح من روزالي لجهوده الموسيقية، ومن ثم لِهُويته باعتباره مؤلف أوبرا.

ولم تجلب السنوات التسع التالية سوى دليل واهٍ على موهبة أصيلة في تأليف الموسيقى. لم تُعرَض «الجِنيَّات» قط؛ وعرضت الأوبرا الثانية، «الحب المحظور»، عرضًا واحدًا فاشلًا في ١٨٣٦م، بقايا فرقة مفلسة. في باريس، تأرجح فاجنر وزوجته مينا، بحثًا عن مستقبله وشهرته، على حافة المجاعة. استجدى وداهن للحصول على نقود من الأسرة والأصدقاء، وعمل في الاختزال من الأوبرا الإيطالية والفرنسية لآلات منفردة.

لكنه عاد إلى دريسدن في صيف ١٨٤٢م عند قبول أوبرا البلاط للأوبرا الثالثة، «رينزي». كما يخبرنا فاجنر في «حياتي»، وكما يخبرنا التاريخ، لاقت «رينزي» نجاحًا كاسحًا. موهبة فاجنر قائدًا لفرقة ومؤلفًا موسيقيًّا، وأيضًا تأثيره المتنامي في عالم الموسيقى، جعله يكسب موضع قائد الأوركسترا الملكي لأوبرا البلاط في دريسدن، لقبًا جلب له الاحترام وعملًا منتظمًا، والأكثر أهمية، راتبًا. استقرَّ هو ومينا في رفاهية برجوازية معقولة.

(٥) الثورة، والأعمال النثرية، وهوية الفنان

رغم أن فاجنر كان يفكر في العديد من مشاريع الأوبرا أثناء ثورة دريسدن، إلا أنه لم ينشط في هذا، وكتب، في المنفى في زيورخ، أعماله النثرية الأساسية. وتتناول عمومًا موسيقى فاجنر في المستقبل والعلاقة الجديدة بين الموسيقى والشعر («العمل الفني في المستقبل» و«أوبرا ودراما») وفي ضوء هذا درس غالبًا المتخصصون ومؤرخو الموسيقى الأعمال النثرية لفاجنر.

لكن الأعمال النثرية تنقِّب أيضًا في الأعمال الإبداعية للفنان، متعلقة هنا بعلاقة الفنان بعملياته الداخلية، وجذوره القومية، ولغته، وشعبه (القوم). باختصار، في الأعمال النثرية، قدم فاجنر «بنية» هُوية مؤلف الأوبرا الألمانية، الفنان.

هذا هو الجوهر: بعد ثورة، سيكون الرجال أحرارًا في النهاية لإدراك الطبيعة الحقيقية لقومهم بالتخلص من أعباء الثقافة والدين والأنانية والتقلب والترف. وسوف يعكس الفن الحقيقي الكفاح المشترك وتيمات القوم. ويبدع الفنان هذا العمل الفني الحقيقي بالدخول في روح القوم أو التعرف عليها بالحدس. ويكون الفنان، في دوره باعتباره «قناة»، مثل كاهن كبير يرشد المجتمع ويعلمه ويرفعه («الفن والثورة»). فصلت القوى التاريخية الأشكال الفنية الثلاثة (الموسيقى والرقص والشعر) وكانت متحدة ذات يوم في الدراما العامة في اليونان القديمة. وسوف يعيد الفنان توحيد هذه الأشكال الفنية في توليفة جديدة («العمل الفني في المستقبل»). في أوبرا المستقبل، يكون الشاعر والموسيقار شخصًا واحدًا، وعندها فقط يتم التعبير بشكل حقيقي عن الدراما من خلال الموسيقى («الأوبرا والدراما»). وقبل كل شيء، على الفنان الحقيقي أن يتبع احتياجه الداخلي ولا ينزلق إلى الطراز الشائع («تواصل مع أصدقائي»).

تنظير متغطرس. هراء، ربما. وهو أمر شائع في تاريخ الأفكار: فرويد في «قلق الحضارة» يلعب أيضًا بسرعة وبشكل فضفاض مع التاريخ ليلبي احتياجاته. ربما آمن فاجنر بتصوره للتاريخ والفنون؛ لأنه دعم هُوية الموسيقار ورسالته، مثلما تؤمن مجموعات أخرى بأشكال أخرى للهوية — تدعم هراء.

إذا تصورنا أن الأعمال النثرية لفاجنر ترسم الهُوية الإيجابية لمؤلف الأوبرا الألمانية في المستقبل، هُوية يشكلها فاجنر لنفسه بوضوح، ومن ثم يمكن تصور أن مقاله المعاصر الشائن «اليهودية في الموسيقى» (Wagner 1966g) يرسم خطوطًا عامة لبنية الهُويَّة السلبية للموسيقار، أو خصائص الهوية التي ينبغي إحباطها أو تجنبها. يبرهن فاجنر على أن الموسيقار اليهودي، مجسدًا في جياكومو مايربير أو فليكس مندلسون،٥ لا يستطيع كتابة موسيقى ألمانية لأنه ليس لديه ارتباط حميم بالركيزة العميقة لروح الشعب الألماني. ويتجلَّى هذا في سلوكياته الثقافية، وتعدد لغاته، وافتقاره لأي عمق حقيقي في العاطفة.
بالطبع، ولا يمكن لإيطالي أن يكتب موسيقى ألمانية. (من يريد؟ إيطالي مثل بيليني Bellini يمكن أن يسأل!) أو لفرنسي. وغضب فاجنر لأن الفرنسيين يعتبرون مايربير اليهودي، وهو مؤلف للعديد من الأوبرات الفرنسية العظيمة وقد غير اسمه من يعقوب Jakob إلى جياكومو بينما يؤلف في إيطاليا أوبرات إيطالية، موسيقارًا ألمانيًّا.

متنحيًا جانبًا عن الأسئلة عمَّا إذا كان هناك شيء من قبيل «الموسيقى الألمانية»، مقابل «الموسيقى الفرنسية»، وعن العلاقة، إن وجدت، بين موسيقى وأسلاف مؤلفها، ألاحظ هنا أن الرجل الذي يناسب خصائص الهُوية الإيجابية لفاجنر بشكل أكبر بالنسبة للفنان/الموسيقار هو اليهودي البوهيمي جوستاف مهلر، وبشكل أقل البافاري ريتشارد شتراوس، ويعتبر عادة وريث فاجنر.

كان فاجنر يستكشف في أعماله النثرية جانبًا واحدًا من عملية عامة لتشكيل الهوية: يتفق إريكسون (١٩٦٨م)، وفي وقت أحدث، جريج Gregg (١٩٩١م)، على أن كل الثقافات، وليس فقط ثقافة الألمان واليهود والفرنسيين والإيطاليين في القرن التاسع عشر، تدعم وتكافئ خصائص الهوية الإيجابية وتحبط أو ترفض خصائص الهوية السلبية. وتُسقِط خصائص الهوية السلبية على مجموعة غريبة غالبًا. ويتبع ذلك أيضًا أن معنى خاصية لهوية، مثل معنى فعل، يستنبط من السياق الثقافي الذي تحدث فيه وأيضًا من السياق الثقافي الذي تُدرَك منه. وتستخدم خصائص الهوية الإيجابية في ثقافة للاحتواء في المجتمع، ويمكن أن ترى فيها ثقافة مختلفة خصائص لهوية سلبية وتستخدمها للاستبعاد من المجتمع. يمثل استخدام اليهود باستمرار لغة «الإيدش» في ألمانيا خاصية للهوية الإيجابية، في رأي اليهود، والسلبية في رأي الألمان؛ إصرار اليهود على أنهم مختلفون عِرقيًّا عن الألمان، والعكس بالعكس، له نتائج إيجابية وسلبية، تراجيدية في النهاية.
يبدو أن التضمين في المجتمع مقابل الاستبعاد منه كان قضية مركزية في التصور الدرامي عند فاجنر. معظم أبطال فاجنر (الهولندي، تانهوسر، لونجرين، سيجموند، سيجرفيد، فالتر فون ستولزنج، بارسيفال) منعزلون عاطفيون أو غير منسجمين مع المجتمع، على طرف المجتمع، لسبب أو آخر. ثمة قضية أخرى في الأوبرات المبكرة لفاجنر، يسعى البطل إلى رابطة حب غير شرطية مع امرأة (سينتا، إليزابيث، إلسا) ورغم هذه العلاقة، يمكن أن يقترب باتجاه الاحتواء في المجتمع. كثيرًا ما تضم المجتمعات أعضاء من شخصيات سطحية أو ضعيفة أو ساقطة (دالاند، تلراموند، هندنج، جنثر، أموفوراتس). وهناك رجال سيئون: شخصيات شريرة تم استبعادهم (كلينجسور) أو ربما يستبعدون من المجتمع (بيكميسر) لأنهم انتهكوا قواعده وقيمه الاجتماعية. وفي بعض الأحيان يسعَون بنشاط إلى تدمير المجتمع (أورترود، ألبريتش، مايم، كلينجسور). ثمة قضية أخرى في الأوبرات الأخيرة لفاجنر، يهزم البطل الشخصيات الشريرة بعدة الطرق، وفي الوقت ذاته يحول المجتمع. ولاحظ البعض أن صفات هذه الشخصيات الشريرة صور كاريكاتيرية ليهود في الحقيقة (Adorno 1991).
قد يصل عداء فاجنر للسامية إلى مستوى البارانويا الاستحواذية السامة، بالتوازي مع الاختراق والتأثير المطرد لليهود في عوالم الفن الألماني والثقافة والسياسة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر (Magee 1988). وقد جُلِب هذا الجانب من جوانب فاجنر أكثر إلى المقدمة مؤخرًا، ربما بشكل صحيح، في ضوء الأحداث المفزعة في القرن العشرين. لكن دون إنكار هذه الخاصية من خصائص فاجنر أو تجاهلها، ينبغي ألا ندع ما يحدث بعد ذلك في التاريخ يشغل تركيزنا. أهمية قضايا الهوية التي كافح من أجلها فاجنر في خمسينيات القرن التاسع عشر في ٧٠٠ صفحة تقريبًا من التنظير لا ينبغي أن تُنحَّى جانبًا بأقل من ٥٠ صفحة.
كان هناك تهديد، ببساطة، أكبر مما يتوقعه فاجنر، موسيقار فرد، وكانت الهوية الحقيقية للموسيقار، بالمعنى النمطي، تتطور في حياة فاجنر. في وقت متأخر يرجع إلى عصر موتسارت وهايدن (نهاية القرن الثامن عشر)، كان الموسيقار موظفًا في الكنيسة أو البلاط يكتب الموسيقى أساسًا للاحتفال أو التسلية. تفضيل الشكل على المحتوى: يكتب الموسيقار موسيقى طبقًا لقيود شكلية ولحنية صارمة. وكثيرًا ما يعتبر أنطونيو ساليري، منافس موتسارت في فيينا، مثالًا لموسيقار البلاط المتذلل. مقابل هذه الهوية، «هوية الموظف» للموسيقار نضع هوية الموسيقار الأسطوري لودويج فان بيتهوفن: الفنان الموهوب الذي صدر إبداعه عن احتياج داخلي هائل للتعبير. كانت الموسيقى وسيط الفهم الحدسي للفنان للحقائق الداخلية: المحتوى، حتى لو تمددت الأشكال إلى حدِّ الكسر، كما في السيمفونية التاسعة لبيتهوفن. رأى فاجنر نفسه بوضوح وريثًا لبيتهوفن، وليس هناك شك في أن فاجنر ينبغي أن يحتفل بالقدرة الإبداعية لبيتهوفن في مقال سنة ١٨٧٠م (Wagner 1966h).

وأيضًا عاش ريتشارد فاجنر في زمن وكثير من الولايات الألمانية تخرج من بين أنقاض حروب نابليون. وقد نوقشت بحرارة أسئلة عما يكوِّن «الهوية الألمانية» وعما يميز الألمانية عن قوميات من الخارج ومجموعات أخرى من الداخل، مثل اليهود.

(٦) نهاية الهوية القديمة وانبثاق الجديدة

يجب إثبات هوية الفنان أو العبقري بإبداعات فنية بقلمه وتؤكد علاقاته مع المجتمع من حوله. بتعبير آخر، ينبغي أن يوضح الفنان خلال إبداعاته أنه المبدع الذي يدَّعيه. وينبغي أن يؤكده الآخرون أيضًا، حيث، كما اقترحنا من قبل، الهوية إبداع اجتماعي وثقافي بقدر ما هي إدراك داخلي.

حاول فاجنر كثيرًا في زيورخ أن ينبذ «هوية دريسدن» القديمة، هوية قائد الأوركسترا الناجح ومؤلف أوبرات جماهيرية معقولة، ارتبط بعلاقات مع أشخاص من ماضيه. كانت مينا، زوجته، توَّاقة بشكل خاص لاستعادة الاستقرار البرجوازي والاحترام اللذين كانا معروفين في دريسدن.

لكن العلاقة الجديدة لفاجنر مع «فرانز ليست» التي ازدهرت في زيورخ، ربما لأن «ليست» أكد وشجَّع الهُوية المتنامية لفاجنر، هوية المبدع، «موسيقار المستقبل»، والمفكر العظيم. أكدت من قبل أنه بسبب الطبيعة الخاصة للعلاقة بين فنانين أن إغفال أي ذكر لرؤية لاسبزيا في مراسلاتهما يوحي بقوة أنها لم تحدث بالفعل.

لكن الرؤية ابتُكِرت ووصفت لإملي ريتر. لماذا إملي؟ لماذا ليس «ليست»؟ لفهم الإبداع وظهور الرؤية وعلاقتها بهُويته الجديدة، أن نتحول إلى علاقات فاجنر مع آل ريتر وتداعياتها، إلى القوى الجديدة الأخرى في حياة فاجنر.

(٧) أسرة ريتر

جاء كارل ريتر، الابن الأكبر لفرو جولي ريتر، أرملة ثرية، تحت تأثير فاجنر والأخير قائد أوركسترا في دريسدن في ١٨٤٨م، ربما بالطريقة نفسها التي أعجب بها الشاب ريتشارد فاجنر بعمق بالموسيقار كارل ماريا فون ويبر قبل ذلك بسنوات في دريسدن. كارل ورفيقه في الدراسة هانز فون بولو Bülow، وكلاهما مؤلفان موسيقيان بازغان وقائدا فرقة، بحثا عن مهنة في الموسيقى؛ كانت الشابة الإنجليزية، جيسي تايلور، من أصدقاء الأسرة.

سمعت فرو جولي ريتر عن الأزمات المالية التي يعاني منها فاجنر في زيورخ، بعد فراره من دريسدن في ١٨٤٩م، ولتساعده وعدته بدعم على شكل راتب منتظم. وكانت، على ما يبدو، مهتمة خاصة بتوفير الوسيلة الضرورية لفاجنر لإتمام ملحمة نيبلونج، وكانت تتسع باستمرار، لكن من المحتمل بالقدر نفسه أن فرو ريتر رأت في فاجنر وسيلة لتدريب ابنها، كارل، وتقديمه إلى عالم الموسيقى. قدَّر فاجنر بعمق دعمها، المالي والعاطفي، وكان يشير إليها غالبًا بكلمة «أم». كانت فرو ريتر، بثبات ودعم وعقل وقوة، أم فاجنر، الأم التي لم تكن له من قبلُ قط: أيَّدت بشكل لا شكَّ فيه هوية فاجنر باعتباره موسيقارًا وفنانًا مبدعًا. وافترضت أيضًا دور فاجنر الواثق/المعترف في علاقته العاطفية المجهضة مع الشابة جيسي تايلور، وقد تزوجت من يوجين لاسوت، تاجر نبيذ من بوردو.

(٨) العلاقة مع جيسي لاسوت

ترتبط «علاقة» فاجنر مع جيسي لاسوت في ربيع ١٨٥٠م بالموضوع لأن علاقتها مع فاجنر أحيت فيه هُوية قديمة دفينة، أعني هُوية عبقري مبدع لشاب عاطفي. وأفترض هنا أن انهيار العلاقة مهَّد المسرح لهويته الجديدة المنبثقة في تلك الفترة.

كانت جيسي تايلور لاسوت شابة ذكية موسيقية، ومن خلال أسرتها وزواجها من يوجين لاسوت، الثري جدًّا، أقنعتها فرو جولي ريتر بتقديم دعم مالي لفاجنر في ١٨٥٠م، وباستكشاف الاحتمالات، قبل فاجنر الدعوة لزيارتها في برودو في مارس ١٨٥٠م. في البداية عبر رسائلها وفيما بعد عبر جيسي شخصيًّا، أعاد فاجنر اكتشاف (رغم أنها ربما لم تهدأ) رغبته الجنسية في النساء، ومن خلال استجابة جيسي لفنه، ربما أعاد اكتشاف بعض الوهج الإبداعي للأيام الخوالي. كان محبوبًا رجلًا وفنانًا. وشعر فاجنر، في زيارته لجيسي، بتعاطف امرأة، لم يعرفه من قبل. ومن المؤكد أنه لم يعرفه مع مينا! هنا، مع جيسي، لا بدَّ أن فاجنر حلم بفهم مجتمع فني غير ذاتي، كما نرى في «العمل الفني في المستقبل»، وفيه يلعب فاجنر دور الفنان/القس الكبير. وبلا شك، اعتقد أن هذا المجتمع يُدعَم بالمال من لاسوت وأسرة ريتر.

ومن الواضح من رسائله إلى فرو جولي ريتر أن فاجنر أحب بعمق جيسي لاسوت، وليس من المستحيل أنها قادته إلى الاعتقاد بأنها ستتخلى عن زواجها التعيس وتهرب معه. بشكل تعيس بالنسبة لفاجنر، أُحبِط الفرار المفترض.

أدرك فاجنر، بعد ذلك، أن نهاية هذه العلاقة نهاية فصل من حياته السيكولوجية. كتب إلى فرو ريتر، من زيورخ، بعد الرحلة إلى إيطاليا في صيف ١٨٥٢م، قبل زيارة لاسبزيا بسنة.

… لم يعد في الحياة سعادة تقدمها لي. هناك بالضبط أدركْتُ أنني لم أعد قادرًا على الاستمتاع بالحياة، وأنني الآن ضيعْتُ شبابي. نعم، عزيزتي فرو ريتر، بقيتُ شابًّا حتى حدث معين في حياتي تعرفينه جيدًا، وصرت عجوزًا في ليلة. أعرف الآن أنني ليس لي آمال أخرى في المستقبل! في ظرف فريد وحاسم حاولْتُ أن أقبض على الحياة كما هي في الواقع، أن أقبض عليها بشدة، وأجد فيها خلاصي: ضاعت الفرصة، غطست في عالم تخيلاتي …

وحيث إنني، رغم كل شيء، فنان، سأواصل توجيه حياتي الزائفة بقدر ما أستطيع. بالطبع، فني وحده يمكن أن يظل يدعمني ويخفي عني كم صارت حياتي بلا طعم. الجهد المضني الذي من المعتاد أن يؤدي إلى ذلك شيء لا بدَّ أن أسعى إلى تقليله بأفضل ما أستطيع. ما يعنيه هذا مبدئيًّا أنني لا بدَّ على الأقل أن أخلص نفسي من مشاعر الألم نتيجة الاحتكاك المتكرر بإفراط مع العالم الغبي … (Wagner 1987, #148, p. 266)

يتحول انتباه القارئ هنا إلى التعبيرات، «الآن ضيعت شبابي.» «حيث إنني، رغم كل شيء، فنان … فني وحده يمكن أن يظل يدعمني …» في التاسعة والثلاثين، إلى امرأة يقال لها «أم»، اعترف فاجنر بأنه، رغم أنه فنان، لم يعد شابًّا على المستوى النفسي. أدرك أنه وصل إلى نهاية فترة من حياته.

(٩) ظهور هُوية فاجنر أستاذًا: علاقات العمر

من المهم هنا أن فاجنر ظلَّ على علاقة قوية مع عدة أشخاص أصغر نسبيًّا. وفي هذه العلاقة وفي سياق إدراك فاجنر لعمره وسياق أحداث أخرى خارجية في حياته، تكمن مفاتيح هُويته المنبثقة، هوية «الأستاذ» ومفاتيح دافعِه لابتكار رؤية لاسبزيا.

إنَّ الشباب، من خلال تبجيلهم لحكمة الكبار، يضعون الكبير في موضع «الأستاذ». وبشكل عكسي، البراعة الفنية للأستاذ وحكمته وخبرته هي ما يمكِّنه من توجيه نمو الشباب وتطورهم. كان نظام الأستاذ/التلميذ في النقابات المهنية في ألمانيا، الذي رسخ في العصور الوسطى، مجرد تشكيل لعلاقة أزلية بين الأعمار.

ليحقق ريتشارد فاجنر هُوية «الموسيقار» أو «الفنان» لا بدَّ أنه يحتاج إلى إنتاج أعمال فنية. وقد قام بذلك منذ كان في العشرين. لكن ليحقق ريتشارد فاجنر هوية «الأستاذ»، ليكون الأستاذ، يتطلَّب الأمر تملُّق توقير الشباب وتملقه، وهو ما يأتي فقط مع اختلاف العمر بينه وبين تابعيه وتلاميذه. بالنسبة لأصدقائه الأكبر في دريسدن، فرو جولي ريتر، وأوهلج، وروكل، و«ليست»، وأفراد أسرته، وربما حتى مينا، كان فاجنر فنانًا، إن لم يكن فنانًا كبيرًا دائمًا. وسمِّيت هذه الهوية «هوية دريسدن».

لكن بالنسبة لكارل ريتر، وهانز فون بولو، وإملي ريتر، وآخرين على طول الطريق (ومنهم كوسيما فون بولو، وقد صارت بسرعة رفيقة فاجنر وزوجته، ولودفيج الثاني ملك بافاريا، الشاب، والحالم الحساس، وقد صار ملكًا بسرعة، وفيما بعد في ١٨٦٨م، الشاب فريدريك نيتشه)، كان ريتشارد فاجنر أكثر من ذلك. إنني أؤكد هنا أن فاجنر بدأ إدراك هُويته المنبثقة بوصفه «أستاذًا» نتيجة علاقاته مع أشخاص أصغر، وأيضًا نتيجة عوامل أخرى خارجية حدثت في زيورخ في أوائل خمسينيات القرن التاسع عشر. اشتدت واستمرت حتى موته في ١٨٨٣م.

لنفصل بإيجاز علاقاته مع هؤلاء الأشخاص الأصغر في منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر. أخذ كارل ريتر الشاب، متابعًا دراساته الموسيقية، غرفة في العلية في مسكن فاجنر في زيورخ، وأصبح من تلاميذه، وبشكل ما، ابنًا تبنَّاه فاجنر. ومثل أب طيب، ارتعب فاجنر بشأن صحة كارل وضعفه أمام الحلوى. وبجهود فاجنر، أوشك كارل ريتر على أن يكون قائد فرقة موسيقية لأوبرا في زيورخ. لكن عدم كفاءته حالت دون ذلك، وكان فاجنر، مقدمًا رعاية طيبة للفتى، وراء ظهور غير معلن في زيورخ لقيادة أوبرا «المصوِّب». أقنع فاجنر هانز فو بولو الأكثر موهبة باتباع فن القيادة، ضد تردد والده والمقاومة التامة من أم بولو. عاش بولو أيضًا تحت سقف فاجنر مثل «ابن بالتبني»، وإن يكن لوقت قصير. نجح بولو في زيورخ بينما فشل ريتر، لكن الملاحظات المزعجة لبولو أدَّت في النهاية إلى قطع العلاقة مع عالم الموسيقى في زيورخ. استمرت علاقة «الأستاذ/التلميذ» بين فاجنر وبولو عبر الرسائل.

وهكذا هناك متطلب أساسي لهُوية الأستاذ يتمثل في فرق العمر بين الأستاذ والتلاميذ أو التابعين.

(١٠) ظهور هوية فاجنر أستاذًا: التأكيد الاجتماعي

ثمة متطلب آخر وهو القبول الاجتماعي أو التأكيد الاجتماعي للأستاذ. وقد توفر هذا، على ما أظن، في أواخر يوليو ١٨٥٣م بواسطة الموسيقيين وسكان زيورخ، أولًا بإظهار اهتمام كافٍ بموسيقى فاجنر ليقيم مهرجانًا لثلاثة أيام لمختارات من أعماله، تكتمل بمأدبة احتفالية، وثانيًا بتكريمه باحتفال خاص وصفه فاجنر في «حياتي» على النحو التالي:

بعد كدح طويل كانت تحفة فنية بخط اليد في شكل دبلوم فخري، مُنح لي من جمعية الكورال في زيورخ، كانت جاهزة؛ وقدم هذا الدبلوم لي بمشاركة كل العناصر الجماعية والفردية في مجتمع زيورخ، في موكب مهيب بالمشاعل. وهكذا، في أمسية صيفية جميلة، اقترب حمَلة المشاعل بجلال في صفوف من بلدة «زيلتوج» برفقة موسيقى جهورية وقدموا لي مشهدًا لم أرَه بعد ذلك قطُّ منذ ذلك اليوم. كان هناك غناء، ثم خطاب رسمي لرئيس جمعية الكورال أسرني. هزني الحدث بقوة حتى إن تفاؤلًا لا يصدق سيطر على مخيلتي: في ردِّي أشرت صراحةً إلى أنني لا أرى سببًا يجعل زيورخ لا يُقدَّر لها، بطريقتها البرجوازية الجامدة، أن تقدم زخمًا باتجاه إشباع أهدافي السامية المتعلقة بالمثل الفنية التي أعتز بها … (Wagner 1992, p. 469)

استلم فاجنر درجة الماجستير.

(١١) فاجنر ولوثر

يسلط إريكسون (١٩٥٨م، ص٩٠) الأضواء على لحظة عميقة مماثلة في حياة مارتن لوثر الشاب. إن بعض أوجه التوازي بين تيمات الهوية في حياتَي فاجنر ولوثر تستحق أن نركز عليها بإيجاز. رغم أن فاجنر نشأ في الكنيسة اللوثرية، إلا أنه لم يكن متدينًا بالمعنى الشعائري أو العقائدي للكلمة. لكنه اعتبر لوثر واحدًا من عظماء ألمانيا. ومن ثم يستحق الأمر تأمُّلَ بأية درجة رأى فاجنر نفسه مارتن لوثر حديثًا.

يدَّعي لوثر أن له خبرات وإلهامات دينية صوفية، أدت في النهاية إلى انشقاقه عن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وبالتالي نادى بالإصلاح. ألم يدع ريتشارد فاجنر أن له رؤية في لاسبزيا؟ أوَلمْ يفترضْ فاجنر علاقة بين الموسيقى والدراما (في «الأوبرا والدراما») تؤدي في النهاية إلى إصلاح الأوبرا؟

مع الإصلاح، جرف لوثر طبقات من طقوس الكنيسة وأبهتها وبيروقراطيتها، طبقاتٍ شَعَرَ أنها فصلت الإنسان عن المسيح. أوَلم يُزِح ريتشارد فاجنر، بفنه، الأوبرا الشعبية الرديئة، بألحانها العسكرية وأبهتها الفارغة، وأعاد الإنسان إلى الاحتكاك بأصوله الشعبية اللاشعورية أو أعماقه السيكولوجية؟ لقد لمَّح إلى هذا بجلاء في رسالة كتبها إلى أحد من معجبيه في التاسعة والعشرين، وهو «أريجو بويتو» في ١٨٧١م (Wagner 1966i)، وهي رسالة، كما ذكرنا من قبل، يذكر فيها رؤية لاسبزيا.
بالإضافة إلى ذلك، ربما وجَّه تماهي فاجنر مع لوثر اختياره لمشروعه التالي للأوبرا، بعد التوقف المدوي لأوبرا «تريستان وإزولد». وقد توقفت «الخاتم» في منتصف التأليف، وفاجنر يتطلع إلى مشروع عملي أكثر. كانت «كبار الموسيقيين في نورنبرج» في ذهن فاجنر منذ منتصف أربعينيات القرن التاسع عشر، حين وضع تخطيطًا نثريًّا لقصَّة عن هانز ساشز وكبار الموسيقيين في فكرة كوميدية («مسرحية شبقية») إلى «تنهوسر» الأكثر جدية. لكن كان لديه مخططات لعدد آخر من الأعمال الدرامية الموسيقية غير المكتملة ليختار من بينها. ماذا وجه قراره؟ بصرف النظر عما يقوله فاجنر في «حياتي»، لا يمكن أن يكون اختياره لقصة الإسكافي/الشاعر هانز ساشز، الشخصية المحورية في الأوبرا، الذي كان نصيرًا للإصلاح في وقت مبكر ومعاصرًا للوثر، الصدفة. إن ساشز حرفي، وشاعر، ومؤلف موسيقي، ومطرب كبير. توجد علاقة الأستاذ/التلميذ بين ساشز وديفيد، الذي يتم توجيهه في فن تلحين الأغاني. لكن الشاب «فالتر فون ستولزنج»، غريب، يريد أن يفوز بيد إيفا. هل يمكن أن تأتيه جائزة الأغنية في حلم عجيب صدفة، في مقابل مؤلفات كبار الموسيقيين، المرتبطة بالقواعد بوعي؟ هل من المدهش أن يكافئه المجتمع بالعروس مفضلًا إياه على «بكميسر» الذي يسعى لسرقة أغنية شخص آخر لينافس بها. يعكس الكثير من طباع ساشز ومونولوجاته أفكار فاجنر وتحرره من الأوهام. وتردد «الخاتم» أصداء قضايا مرتبطة بالنوع والهُوية والإبداع في حياة فاجنر (Nattiez 1993)، وتردد «كبار الموسيقيين» أصداء قضايا الإبداع والتأليف الموسيقي والفن الألماني، وهُوية الأستاذ.

ملخص الإجابة الطويلة على سؤالنا الأول، ابتكر فاجنر رؤية لاسبزيا ليقدم دليلًا لنفسه ولعالم هوياته المنبثقة المتعلقة بالعبقري/الفنان والأستاذ، وكانت تطويرًا لهُويَّة المؤلف الموسيقى، وهي هُوية كانت راسخة تمامًا.

(١٢) لماذا كانت إملي ريتر أول من سمع عن رؤية لاسبزيا؟

الآن ربما نجيب على السؤال الثالث. قبل ذلك، في «حياتي»، أعلن فاجنر أن: «من بين أصدقائي الألمان، فقط السيدتان المخلصتان جولي كومر [اسم ريتر بعد الزواج] وإملي ريتر وصلتا في الوقت المناسب [المهرجان الذي استغرق ثلاثة أيام] لحضور الاحتفالات» بموسيقاه (Wagner 1992, p. 496).
بحلول عام ١٨٥٣م، سنة احتفال زيورخ كانت إملي ريتر، ابنة فرو جولي ريتر، معجبة بفاجنر بشدة. وقد لاحظنا من قبلُ أنَّ لقاءه مع جيسي لاسوت في بوردو في ١٨٥٠م أثار مشاعر فاجنر وأحلامه بوسط فني ملتحم بقوة. لكن من الواضح أيضًا أن رسالة من إملي ريتر وصلته هناك، مطوية في رسالة من صديقه في دريسدن، تيدور أوهليج. رد عليها فاجنر في ٢٦ مارس ١٨٥٠م:

عزيزتى إملي

الآن لن يمر وقت طويل قبل أن نلتقي حقًّا وجهًا لوجه. إذا كان الأمر يتطلب مثل هذه الأحداث لتقربنا على هذا النحو كما نشعر الآن وبيننا كل هذه المسافة البشعة، لا يتطلب الأمر الآن سوى الإرادة وشجاعة الحب ليعطي كلٌّ منَّا نفسه للآخر تمامًا.

قصة غريبة ومدهشة وعجيبة حدثت بيننا، من دون تعارفنا تقريبًا، وتحكيها جيسي لي الآن مثل حكاية جميلة لا تصدق من حكايات الجنيات. حين تحكي قصصها، أجلس هناك مثل طفل، مستمتعًا وسعيدًا مثل طفل، وباكيًا غالبًا مثل طفل. لكن حينذاك أستيقظ كما لو كنت أستيقظ من نوم طويل. توقظني أحلام حكاية الجنيات، وقد استيقظت هي نفسها. اسمحي لنا، عزيزتي إملي، لنجعل هذه الحكايات حية وحقيقية تمامًا، بحيث تقف وسط حياتنا مآثر مبهجة. هناك حقيقة واحدة في الحياة، وكل ذلك احتياجات غير واضحة وملتبسة للعثور على أعظم إشباع: الحقيقة هي الواقع. دعينا لا نحاول إرضاء أنفسنا بالرؤى: لنكن كما نحن تمامًا وكما يمكن أن نكون. إننا، وكل منَّا يحب الآخر تمامًا، لا يمكن أن نحقِّق ذلك دون أن نتَّحد. لنسمح لأنفسنا، الآن وكل منا يعرف معزَّته عند الآخر، ألا نضع أمامنا هدفًا سوى اتحادنا من الآن إلى ذلك الوقت الذي يتحقق فيه؛ الاتحاد الحقيقي لمن ينجذبان معًا بحب مدهش منه ينبغي أن تزدهر أجمل الروابط. لنسمح لأنفسنا أن نكون قريبين بقدر ما نستطيع.

تحياتي وقبلاتي لأمك وإخوتك. لكم كل الشكر من أعماق قلبي على حبكم.

(Wagner 1967–1991, Vol. 3, #62, pp. 261-262)

ربما ضمنت رسالة إملي له التعاطف ودعمًا عاطفيًّا قويًّا من أسرة ريتر، بالإضافة إلى تلميحات عن لقاء فعلي بين فاجنر وبقية أسرة ريتر. وكان فاجنر راغبًا في هذا وسريعًا في تقوية الروابط وجعلها تعاطفًا وحبًّا متبادلًا في ردِّه على إملي. وكانت خطوة باتجاه الوسط الفني الذي يحلم به؛ وأيضًا خطوة باتجاه خلق دائرة «عائلية» جميلة غير مشروطة، وهو شيء لم يعرفه ريتشارد فاجنر الشاب قط.

إذا كانت الرابطة بين فاجنر وجيسي لاسوت تحطمت نهائيًّا مع انهيار العلاقة في ربيع ١٨٥٠م، فإن الرابطة بينه وبين إملي ريتر كانت أقوى بكثير، عاطفية وجسدية دائمًا. لم تكن إملي مهمة لفاجنر فقط لأنها ابنة محسنته المتبلدة، فرو جولي ريتر، لكن أيضًا لأنها شابة، وربما ذكية، وربما جذابة، ومن المؤكد حساسة عاطفيًّا بالنسبة لفاجنر. والأكثر أهمية، كانت امرأة. صارت إملي جزءًا من جهاز الدعم العاطفي لفاجنر، مقابل جهاز الدعم الفني العملي بشكل أكبر (من قبيل أوهليج و«ليست»). ومن المحتمل أنها كانت هي وأختها جولي معه وقت الاحتفال بالمشاعل. وبعد ذلك، تذكرت إملي عيد ميلاده في مايو ١٨٥٤م، ورد عليها (ستة أشهر قبل رسالة لاسبزيا):

يوم سعيد، أيتها الروح العزيزة الصادقة! شكرًا لك على تحية عيد الميلاد! كانت الوحيدة التي تلقيتها من الخارج.

أمس، انتهيت من «ذهب الراين» تمامًا. إنني منزعج بعض الشيء اليوم، لكنني أود أن أرسل لك تحية …

لو كنت معي هنا، لقلْتُ لك الكثير. وكنت أعزف وأغني لك بقدر ما أستطيع. أخيرًا، ينبغي أن تفوزي بقلب «فاسولت العملاق». (تتذكرين أنه البطل التراجيدي في «ذهب الراين»؟)

(Wagner 1967–1991, Vol. 5, #69, pp. 129–131)

كانت إملي، فعليًّا، المعجبة الشابة بالأستاذ الأكبر، أو، كما في دراما «كبار الموسيقيين»، إيفا بالنسبة لهانز ساشز. وهذه المعجبة الشابة أول من أبلغها الأستاذ بحكاية رؤيته الإبداعية في لاسبزيا في ٢٩ ديسمبر ١٨٥٤م. من هناك كانت تاريخًا.

(١٣) الملخَّص

لنعبِّر عن الشك هنا بشأن الحقيقة التاريخية لرؤية فاجنر في لاسبزيا، لنوحي بأن فاجنر لم يشهد الرؤية التي وصفها بشكل جميل ودرامي (وأغامر وأقول بشكل أسطوري) في «حياتي» أمر ليس جديدًا أو أصيلًا. كان دارسو فاجنر الآخرون في العصور الحديثة شكاكين.

لكن الشك وحده ليس كافيًا: لا بدَّ من تقديم تفسيرات للحافز الذي دفع فاجنر إلى ابتكار حكاية الرؤية. لماذا ابتكر رؤية لاسبزيا؟ ما العوامل التي حددت توقيت ابتكار الرؤية؟ ولماذا كانت إملي ريتر أول من كشف له فاجنر الرؤية؟

ابتكر فاجنر الرؤية في لاسبزيا لحقيقة سردية: وصفت بضربات درامية أصول موسيقى مقدمة «ذهب الراين»، «السابقة» لمجموعته الملحمية «خاتم نيبلونجن»، وتبقى إلى اليوم واحدة من المفاهيم الموسيقية العظيمة في تاريخ الغرب. حكاية الرؤية الإبداعية جاءت من أجل قصة مؤثرة، وإن تكن غير حقيقية. لكن الأكثر أهمية أنها تناسب المفهوم المتنامي لفاجنر عن نفسه باعتباره عبقريًّا حقيقيًّا، فنانًا، أستاذًا: كانت نوعًا من الخبرة الإبداعية ينبغي لأستاذ أن يمر بها؛ كانت دليلًا على هُويته.

ورغم أن فاجنر كتب باستفاضة عن العملية الإبداعية في أعماله النثرية قبل قراءته لشوبنهور في خريف ١٨٥٤م، احتاج فاجنر إلى شوبنهور ليقترح آليات خاصة: رؤية في نوم خفيف وسيلة يمكن بها توصيل محتويات الإرادة، مصدر الموسيقى، إلى العقل الواعي للفنان. من ثم كان توقيت الوصف الأول للرؤية في لاسبزيا وبنيتها، وتوسيعها في «حياتي» يعتمد بوضوح على قراءة فاجنر لشوبنهور وإعادة قراءته.

لكن حددت علاقة الأستاذ/التابع أول من تكشف له الرؤية. نتخيل رجلًا أكبر، شخصًا مثل «فرانز ليست»، يرفع، ليس إلا، حاجبيه الكثَّين عند سماع حكاية من هذا القبيل. رؤية، حقًّا! لا، احتاجَ الأستاذ الذي ظهر مؤخرًا تابعًا حقيقيًّا حساسًا، تابعًا يقبل غالبًا الحكاية المؤثرة دون نقد. في حياة فاجنر، هذا التابع الحقيقي الحساس لا يمكن أن يكون إلا امرأة شابة، وكانت المرأة الشابة الرئيسية في حياته إملي ريتر.

ركزت على ظهور هوية فاجنر باعتباره أستاذًا في جزء من الشرح لإعادة تفسيره خبرة ترتبط بالسيرة الذاتية، أدَّت إلى سرد رؤية إبداعية في لاسبزيا. في ضوء أشمل للهوية، ينبغي اعتبار «حياتي» سردًا أسطوريًّا لتصوير الذات أكثر مما هو وثيقة تاريخية. نعم، كما يصفها نيتشه فيما بعد (Nietzsche 1967)، «حياتي» «حكاية مصطنعة». لكن هذا، بشكل قابل للجدل، حال معظم كتابات السيرة الذاتية.

المراجع

  • Adorno, T. (1991), In search of Wagner (R. Livingstone, Trans.), New York: Verso (Originally published 1952).
  • Alexander, I. E. (1988), Personality, psychological assessment, and psychobiography, In: D. McAdams & R. L. Ochberg (Eds.), Psychobiography and life narratives (pp. 265–294) Durham, NC: Duke University Press.
  • Baumeister, R. F. (1986), Identity: Cultural change and the struggle for self, New York: Oxford University Press.
  • Baumeister, R. F. (1991), Meanings of life, New York: Guilford Press.
  • Brockmeier, J. (1997), Autobiography, narrative, and the Freudian concept of life history, Philosophy, Psychiatry, and Psychology, 4, 175–199.
  • Bruner, J. (1990), Acts of meaning, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Darcy, W. (1989/90), Creatio ex nihilio: The genesis, structure, and meaning of the “Rhine-gold” prelude, 19th Century Music, 13, 79–100.
  • Deathridge, J., & Dalhaus, C. (1984), The new Grove Wagner, New York: W. W. Norton.
  • Erikson, E. (1958), Young man Luther: A study in psychoanalysis and history, New York: W. W. Norton.
  • Erikson, E. (1963), Childhood and society (2nd ed.), New York: W. W. Norton.
  • Erikson, E. (1968), Identity, youth and crisis, New York: W. W. Norton.
  • Freeman, M. (1993), Rewriting the self: History, memory, narrative, New York: Routledge.
  • Gergen, K. (1991), The saturated self: Dilemmas of identity in contemporary life, New York: Basic Books.
  • Gregg, G. S. (1991), Self representation: Life narrative studies in identity and ideology, Westport, CT: Greenwood Press.
  • Gutman, R. (1968), Richard Wagner: The man, his mind, and his music, New York: Harcourt, Brace and World.
  • Hermans, H. J. M., & Kempen, H. J. G. (1993), The dialogical self, New York: Academic Press.
  • Magee, B. (1983), Schopenhauer and Wagner, Parts 1-2, Opera Quarterly I, 3 & 4, Autumn and Winter.
  • Magee, B. (1988), Aspects of Wagner (revised and enlarged edition), New York: Oxford University Press.
  • Markus, H., & Nurius, P. (1986) Possible selves, American Psychologist, 41, 954–969.
  • Millington, B. (1987), Wagner, New York: Vintage Books.
  • Nattiez, J.-J. (1993), Wagner androgyne (S. Spencer, Trans.), Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Newman, E. (1976), The life of Richard Wagner, Vols. 1–4, New York: Cambridge University Press (Originally published 1937–1946).
  • Nietzsche, F. (1967), The case of Wagner (W. Kaufmann, Trans.), New York: Vintage Books (Originally published 1888).
  • Robinson, J. A. (1996), Perspective, meaning, and remembering, In: D. Rubin (Ed.), Remembering our past: Studies in autobiographical memory (pp. 199–217), New York: Cambridge University Press.
  • Rubin, D. (Ed.) (1996), Remembering our past: Studies in autobiographical memory, New York: Cambridge University Press.
  • Schopenhauer, A. (1969), The world as will and representation, Vols. 1-2, (E. F. J. Payne, Trans.), New York: Dover Publications (Originally published 1819/1844).
  • Schopenhauer, A. (1974), Essay on spirit seeing and everything connected therewith, In A. Schopenhauer. Parerga and Paralipomena, Vol. 1, (E. E. J. Payne, Trans.) Oxford: Clarendon Press (Originally published 1851).
  • Sehulster, J. R. (1979–1980), The role of altered states of consciousness in the life, theater, and theories of Richard Wagner, Journal of Altered States of Consciousness, 5, 235–258.
  • Schulster, J. (1996), Prospective and retrospective factors in the organization of autobiographical memory, Paper presented at Second International Conference on Memory, Abano Terme, Italy.
  • Spence, D. P. (1982), Narrative truth and historical truth, New York: W. W. Norton.
  • Tanner, M. (1996), Wagner, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Wagner, C. (1978–1980), Cosima Wagner’s diaries, Vols. 1-2 (G. Skelton, Trans. and intro., M. Gregor-Dellin & D. Mack, Eds.), New York, Harcourt Brace Jovanovich.
  • Wagner, R. (1901), Richard to Minna Wagner: Letters to his first wife, Vols. 1-2 (W. A. Ellis, Trans.), London: H. Grevel.
  • Wagner, R. (1966a), Richard Wagner’s prose works, Vols. 1–8 (W. A. Ellis, Trans, and Ed.), New York: Broude Brothers (Originally published 1892–1899).
  • Wagner, R. (1966b), An autobiographical sketch, In: W. A. Ellis (Trans. and Ed.), Richard Wagner’s prose works, Vol. 1 (pp. 1–19), New York: Broude Brothers (Originally published 1892).
  • Wagner, R. (1966c), Art and revolution, In: W. A. Ellis (Trans. and Ed.), Richard Wagner’s prose works, Vol. 1 (pp. 21–65), New York: Broude Brothers (Originally published 1892).
  • Wagner, R. (1966d), The artwork of the future, In: W. A. Ellis (Trans. and Ed.), Richard Wagner’s prose works, Vol. I (pp. 69–213), New York: Broude Brothers (Originally published 1892).
  • Wagner, R. (1966e), A communication to my friends, In: W. A. Ellis (Trans. and Ed.), Richard Wagner’s prose works, Vol. 1 (pp. 267–392), New York: Broude Brothers (Originally published 1892).
  • Wagner, R. (1966f), Opera and Drama, In W. A. Ellis (Trans. and Ed.), Richard Wagner’s prose works, Vol. 2, New York: Broude Brothers (Originally published 1893).
  • Wagner, R. (1966g), Judaism in music, In: W. A. Ellis (Trans. and Ed.), Richard Wagner’s prose works, Vol. 3 (pp. 75–122), New York: Broude Brothers (Originally published 1894).
  • Wagner, R. (1966h), Beethoven, In: W. A. Ellis (Trans. and Ed.), Richard Wagner’s prose works, Vol. 5 (pp. 57–126), New York: Broude Brothers (Originally published 1896).
  • Wagner, R. (1966i), A letter to an Italian friend on the production of “Lohengrin” at Bologna, In: W. A. Ellis (Trans. and Ed.), Richard Wagner’s prose works, Vol. 5 (pp. 285–289), New York: Broude Brothers (Originally published 1896).
  • Wagner, R. (1967–1991), Sämtliche Briefe, Vols. 1–8, Leipzig: VEB Deutscher Verlag für Musik (All translations are originals by Trudi Nicolas, 1997).
  • Wagner, R. (1973), Correspondence of Wagner and Liszt, Vols. 1-2, (F. Hueffer, Trans., W. A. Ellis, Ed.), New York: Vienna House (Originally published 1897).
  • Wagner, R. (1980), The diary of Richard Wagner: The Brown Book 1865–1882, (G. Bird, Trans., J. Bergfeld, Notes) New York: Cambridge University Press.
  • Wagner, R. (1987), Selected letters of Richard Wagner (S. Spencer & B. Millington, Eds. And Trans.), London: J. M. Dent & Sons.
  • Wagner, R. (1991), The family letters of Richard Wagner (W. A. Ellis, Trans. and Ed., enlarged edition by J. Deathridge), Ann Arbor, MI: The University of Michigan Press (Original Ellis edition published 1911).
  • Wagner, R. (1992), Mein Leben (A. Gray, Trans., M. Whittall, Ed.), New York: Da Capo Press (German version published 1963, Munich: Paul List).
  • Westernhagen, C. von (1981), Wagner: A biography (M. Whittall, Trans.), New York: Cambridge University Press (Originally published 1979).
١  نيبلونج Nibelungs: جنس من الأقزام كان يدخرون ثروات وخاتمًا سحريًّا أخذها سيجفريد منهم. (المترجم)
٢  هانز ساشز Sachs (١٤٩٤–١٥٧٦م): كاتب ألماني ومطرب كبير. (المترجم)
٣  فرانز ليست Franz Liszt (١٨١١–١٨٨٦م): موسيقار مجري. (المترجم)
٤  جورج هيرفج Herwegh (١٨١٧–١٨٧٥م): شاعر ألماني. (المترجم)
٥  جياكومو مايربير Meyerbeer (١٧٩١–١٨٦٤م): مؤلف أوبرا ألماني. فليكس مندلسون Mendelessohn (١٨٠٩–١٨٤٧م): موسيقار ألماني. (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤