الفصل السابع

كيف نكافح الجريمة؟

في هذا الفصل، أرغبُ في مناقشة كلٍّ من الوسائل الرسمية والأخرى الأقل رسمية التي قد يُعتقد أنها تعمل على مكافحة الجريمة. لننظرْ أولًا في الوسائل الرسمية، باستخدامِ ما نشير إليه بمنظومةِ العدالة الجنائية. وبقولنا هذا، يجب أن ندركَ، بالطبع، أن نظامَ العقوبات له وظائفُ عديدة تتجاوز مكافحةَ الجريمة، أهمُّها تطبيقُ العدل بغضِّ النظر عن تأثير ذلك على الجريمة. ثانيًا: انطلاقًا من معرفتنا بأوجهِ القصور التي تشوب العدالةَ الجنائية المنظَّمة فيما يتعلَّق بمكافحة الجريمة، أريد أن أنظرَ في الوسائل الأقل رسمية التي يمكن من خلالها مكافحةُ الجريمة؛ أي عمليات التنشئة الاجتماعية وتعلُّم الأعراف والقِيَم الاجتماعية، مُعزَّزة بما يُشار إليه غالبًا بالرقابة الاجتماعية غير الرسمية. لنبدأ بإلقاء نظرة على الاتجاهات السائدة الحديثة في استخدام العِقاب، بالاستعانة بأمثلةٍ من جميع أنحاء العالَم.

الاتجاهات السائدة في العِقاب

ثمَّة مجموعةٌ متنوِّعة من المؤسسات التي نربطها الآن ارتباطًا وثيقًا بالعدالة الجنائية الرسمية، لعل أبرزها الشُّرطة، والمحاكم الجنائية، والسجون. ويُعتبر معظمُها، بشكل عام، حديثًا نسبيًّا. فقد وُجِدت قواتُ الشُّرطة المؤسَّسة رسميًّا والمموَّلة من الدولة منذ ما لا يزيد على قرنَين من الزمان. وعلى الرغم من أن السجون كانت موجودةً منذ فترة أطولَ إلى حدٍّ ما، فإنها تختلف في كثير من الجوانب اختلافًا كبيرًا في الشكل والوظيفة عن السجون منذ ٢٠٠ إلى ٣٠٠ عام. وينطبق الشيء نفسه بشكل عام على المحاكم. وهذه الأنظمة ليست ابتكارًا حديثًا فحسب، بل تتغير طبيعتها وأداؤها بمرور الوقت، ومن ثَم فهي أيضًا تختلف اختلافًا كبيرًا من مكانٍ إلى آخَر.

لقد تغيَّرت أنظمةُ العِقاب لدينا تغيُّرًا جذريًّا أيضًا. ففي العديد من الولايات القضائية حتى القرن الثامن عشر على الأقل، كانت عقوبة الإعدام شكلًا من أشكال العقوبة التي تتمتَّع بأهميةٍ محورية وتستخدمها الدولة على نحوٍ نظامي. وعلى الرغم من أن بضع عشرات من الدول ما زالت تُبقي على عقوبة الإعدام، بما في ذلك الصين (أكبر مُطبِّق لعقوبة الإعدام على الإطلاق)، والهند، واليابان، وسنغافورة، وأمريكا، يبدو أن هذه العقوبة تختفي ببطء. ويمثِّل السَّجن عمومًا الآن أخطَر عقوبةٍ يمكن أن تفرضَها الدول. وقد شهِد القرن الماضي أو نحو ذلك ظهورَ مجموعة أخرى من العقوبات، بدءًا من العقوبات المالية مثل الغرامات أو تعويضات الضحايا، وصولًا إلى الجزاءات المجتمعية مثل المراقبة، وعقوبات الخدمة المجتمعية، وما إلى ذلك.

كيف تغيَّرَ استخدام العِقاب في نصف القرن الماضي أو نحو ذلك؟ كما رأينا في الفصل الرابع، ارتفعَت معدَّلات الجريمة في العديد من البلدان، وكان هذا الارتفاع حادًّا جدًّا في الغالب، في سنواتِ ما بعد الحرب، حتى أواخِر الثمانينيات/أوائل التسعينيات إلى منتصفها، ثم بدأت في الانخفاض، ويبدو أنها قد انخفضت انخفاضًا مثيرًا جدًّا. فهل نتوقَّع أن يتبعَ استخدامنا للعِقاب هذه الاتجاهات السائدة بطريقةٍ ما؛ أي يزيد ويتوسَّع مع ارتفاع معدَّلات الجريمة ثم ينخفض لاحقًا؟ إن هذه الافتراضات معقولةٌ ظاهريًّا، ولكنها غيرُ مدعومة بأدلة. وكما رأينا في الفصل السادس، برغم أنه من قبيل المبالغة افتراضُ «عدم» وجود صلة بين الجريمة والعِقاب، فهي ليست بالضرورة تلك العلاقة التي قد نتوقعها.

لنبدأ بالولايات المتحدة. إنَّ ما حدث في سجون الولايات المتحدة، كما ذكرنا في الفصل السادس، أمرٌ استثنائي. فقد زاد إجمالي عدد نزلاء السجون الفيدرالية والسجون التابعة للولايات من نحو ٣٠ ألفًا إلى أكثرَ من ربع مليون بين عامَي ١٨٨٠ و١٩٨٠؛ أيْ أكثر من ثمانية أمثال أعداد الأمريكيين المسجونين.

غير أن عددَ سكان الولايات المتحدة قد تزايد أيضًا بشكل كبير، ومن ثَم فإن التغييرَ في معدَّل الحبس — الذي يُقيَّم عمومًا بأنه عدد الأشخاص المسجونين لكل ١٠٠ ألف نسمة من السكان — يُعَد مؤشرًا أفضل. وقد ارتفع هذا الرقم من ٦١ لكل ١٠٠ ألف في عام ١٨٨٠ إلى ١٤٥ بحلول عام ١٩٨٠، بزيادةٍ قَدْرُها ١٣٣ في المائة.

اللافت للنظر حقًّا هو ما حدَث منذ ذلك الحين. فقد بدأ عدد نزلاء السجون في الولايات المتحدة ومعدَّل الحبس يرتفعان ارتفاعًا مذهلًا كان من المفترض أن يكون شِبهَ مستمر، وأن يدومَ لمدة ثلاثة عقود. ووصل معدَّل الاعتقال من ١٤٥ لكل ١٠٠ ألف في عام ١٩٨٠، إلى ما فوق ٥٠٠ لكل ١٠٠ ألف بحلول ٢٠٠٧-٢٠٠٨ تقريبًا. وفي حين أن عدد نزلاء السجون في الأربعة أخماس الأولى من القرن كان أقلَّ بكثير من ربع مليون، فإنه بحلول أوائل القرن الحادي والعشرين وصل عددُهم إلى أكثر من ١٫٥ مليون (انظر شكل ٧-١). وبإضافة السجون المحلية، وصل عددُ المواطنين الأمريكيين المُودَعين بالسجون في وقتٍ ما إلى ما يزيد على ٢٫٢ مليون مواطن.

وعند جمْعِ كلِّ أولئك الخاضعين لشكل من أشكال إشراف العدالة الجنائية في أمريكا — سواء كانوا في السِّجن، أو في فترة الإفراج المشروط، أو قَيْد المراقبة المجتمعية — يصل الرقم إلى ذُروته مسجِّلًا ما يقرُب من ٧٫٥ ملايين في عام ٢٠٠٧. بعبارة أخرى، إن عددَ الأشخاص المسجونين أو قيد المراقبة أو الإفراج المشروط في أمريكا يُعادل تقريبًا مجموعَ سكان لوس أنجلوس وشيكاغو، ثاني وثالث أكبر مدينتَين في البلاد.

fig9
شكل ٧-١: عددُ نزلاء السجون الفيدرالية والسجون التابعة للولايات ومعدَّل الحبس بالولايات المتحدة الأمريكية، ١٩٥٠–٢٠١٣.

ولكن يجب أن نذكِّر أنفسنا مرةً أخرى بأن هذه إحصائياتٌ عامة جدًّا، وأن هناك تباينًا شديدًا داخل أمريكا في الطُّرق التي تدير بها الولاياتُ نُظُم العدالة الجنائية والعقوبات الخاصة بها. ومن ثَم، على سبيل المثال، يختلِف معدَّل الإشراف الإصلاحي — أيْ عدد الأشخاص المسجونين، أو قيد الإفراج المشروط، أو تحت المراقبة لكل ١٠٠ ألف نسمة — من أقلَّ من ألف شخص بقليل في ولاية مين إلى أكثر من ٧٦٠٠ في جورجيا، أو بنسبة واحد من كل ثلاثة عشر من السكان البالغين. وكما سنرى لاحقًا، فإن معدَّلات الحبس وغيره من أشكال الإشراف الجنائي، وفقًا للمعايير الدولية، حتى في الولايات ذات الأرقام الأكثر انخفاضًا مرتفعة للغاية. لذلك، بينما ينبغي أن نحذر عمومًا من التعامل مع الولايات المتحدة بطريقة واحدة وبلا دقة وكأن هناك معدَّلًا واحدًا مرتفعًا لجميع الولايات، فإن الارتفاعَ يظل أمرًا بارزًا وملحوظًا، مهما اختلف الشكل الذي يتم تناول هذه المعدَّلات به.

في أستراليا، كان النمو في عدد نزلاء السجون، ومعدَّل الحبس، مطردًا وثابتًا. فبينما كان عددُ نزلاء السجون أقلَّ من ١٠ آلاف في عام ١٩٨٢، بحلول عام ٢٠١٥ وصل إلى أكثرَ من ٣٥ ألفًا، مع ارتفاع معدَّل الحبس إلى أكثر من الضِّعف في الفترة نفسِها من أقلَّ من ٩٠ بقليل لكل ١٠٠ ألف في عام ١٩٨٢ إلى ما يقرُب من ٢٠٠ بحلول عام ٢٠١٥ (انظر شكل ٧-٢). وتملِك أستراليا أيضًا، على غرار الولايات المتحدة، نظامًا فيدراليًّا تتخلَّله اختلافاتٌ كبيرة بين الأقاليم. ففي ولاية فيكتوريا، على سبيل المثال، كان معدَّل الحبس حوالي ١٣٤ لكل ١٠٠ ألف في عام ٢٠١٥، في حين وصل في غرب أستراليا إلى ٢٧٨؛ أيْ أعلى من الضِّعف. غير أن كليهما يبدو ضئيلًا أمامَ وضْع السجون في الإقليم الشمالي بأستراليا، الذي يحظى بمعدَّل احتجاز غير عاديٍّ يبلغ نحو ٩٠٠ لكل ١٠٠ ألف؛ أيْ كان أعلى بكثير من مثيله في الولايات المتحدة (وإن لم يكُن جميع الولايات الأمريكية). والعامل المشترك بين الإقليم الشمالي الأسترالي والولايات المتحدة هو التمثيل غيرُ المتناسب إلى حدٍّ كبير للأقليات (ونقصد في هذه الحالة الأستراليين الأصليين) في نظام السجون.
fig10
شكل ٧-٢: عددُ نزلاء السجون ومعدَّل الحبس في أستراليا، ١٩٨٢–٢٠١٥.

وعلى غرار الولايات المتحدة وأستراليا، شهِدت السنوات الخمس والعشرون الماضية زيادةً ضخمة في عدد المسجونين في إنجلترا وويلز. لقد ارتفع عدد نزلاء السجون بشكلٍ مطرد إلى حدٍّ ما في سنواتِ ما بعد الحرب، ولكن الطفرة الحقيقية والأهم حدثَت منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، في وقتٍ بدأ فيه كلا الحزبَين السياسيَّين الرئيسَين القتالَ كي يُنظرَ إليهما على أنهما صارمان في التعامل مع الجريمة.

وعلى عكس البلدان التي تناولناها حتى الآن، اتخذ تاريخُ العقوبات الكندي الحديث مسارًا مختلفًا. على مستوى استخدام السَّجن واستخدام العقوبات المجتمعية غير المقيِّدة للحريات، ظلَّت المعدَّلات في كندا مستقرة نسبيًّا. وعلى مدى ثلاثين عامًا، كان معدَّل الحبس في كندا شِبه ثابت (انظر شكل ٧-٣). ففي بداية الثمانينيات، كان معدَّل الحبس في كندا أعلى قليلًا من مثيله في أستراليا، ولكن بحلول عام ٢٠١٥ كان معدَّل الحبس في أستراليا أعلى بنسبة ٥٠ في المائة تقريبًا من معدَّل كندا. وشهِدت كندا بعضَ الزيادة في العقوبات غير المقيِّدة للحريات، لا سيَّما في أواخر الثمانينيات/أوائل التسعينيات، لكن معدَّل الإشراف الإصلاحي الإجمالي (الحبس، المراقبة، وما إلى ذلك، مجتمعة) زاد بنسبةٍ أقلَّ من ١٠ في المائة بين عامَي ١٩٨٠ و٢٠١١.
fig11
شكل ٧-٣: معدَّل الإشراف الإصلاحي بكندا، ١٩٨٠–٢٠١١.

هناك العديدُ من البلدان التي شهِدت تحوُّلًا جوهريًّا في الاتجاه العِقابي، في ظل الارتفاع الحاد في كثير من الأحيان في عدد نزلاء السجون ومعدَّلات الحبس، لكنْ هناك أيضًا دولٌ أخرى تسير في عكس هذا الاتجاه. فمنذ أوائل التسعينيات، على سبيل المثال، كانت هناك زياداتٌ كبيرة في معدَّلات الحبس في إسبانيا، واليونان، وفرنسا، وأيرلندا، واسكتلندا. وكان لدى هولندا معدَّلات احتجاز منخفضة نسبيًّا في الثمانينيات، ثم تضاعفَ معدَّلها بمقدار أربعة أمثال بحلول عام ٢٠٠٦، قبل أن ينخفضَ بمقدار النصف تقريبًا في العَقد التالي. على النقيض من ذلك، وعلى غرار كندا، شهِدَت الدول الاسكندنافية الرئيسة جميعها — السويد، والنرويج، والدنمارك — تغيُّرًا طفيفًا نسبيًّا في معدَّلات الحبس، بل إنها انخفضَت في فنلندا (من ٧٠ لكل ١٠٠ ألف في عام ١٩٩٢ إلى ٥٧ في ٢٠١٥).

ما السببُ وراءَ هذا القَدْرِ الكبير من التبايُن؟ كما رأينا عند مناقشة انخفاض الجريمة في الفصل السادس، لا توجد علاقةٌ واضحة أو بسيطة بين مستويات العقوبة وأنواعها، ومستويات الجريمة. في الواقع، توجد الآن مجموعةٌ كبيرة جدًّا من الأبحاث تشير إلى أن تأثيرَ العدالة الجنائية الرسمية على معدَّلات الجريمة ليس بالضرورة بهذه الضخامة. وهذا يتعارض مع الرأي العام الذي يفترض، على سبيل المثال، أن زيادةَ أعداد ضباط الشُّرطة ستجعلنا بالضرورة نشعر بمزيدٍ من الأمان. وكما رأينا، قد يحدُث ذلك، لكن بالتأكيد لا يوجد ضمان. كما أن عدمَ وجود أي علاقة واضحة يتعارض مباشرة مع الكثير من الخطاب السياسي الذي يذهب إلى أن السياسات «الصارمة في التعامل مع الجريمة» — المتمثِّلة في إنشاء مزيد من السجون، وإصدار أحكامٍ أكثرَ صرامةً، وما إلى ذلك — ستؤدي بالضرورة إلى خفض مستويات الجريمة. مرَّة أخرى، قد يحدُث ذلك، ولكن تأثيره كما تبيَّن أقلُّ بكثير مما يعتقد الكثيرون، وبالتأكيد أقلُّ ممَّا يدَّعي السياسيون في كثير من الأحيان. والسؤال هنا إذا كان للشُّرطة، والمحاكم، والسجون تأثيرٌ محدود، فمَن المسئول عن المحافظة على النظام؟ والإجابة هي … الأشخاص، سواء في مجموعات صغيرة أو كبيرة. فنحن، جميعًا، نشارك في مشروع غير رسمي يُنتِج نظامًا واستقرارًا اجتماعيًّا عامًّا. فالقدرة على التنبؤ بالحياة من حولك بشكلٍ عام ليست نتاجًا لوجود ضباط الشُّرطة أو التهديد بتلقِّي العِقاب من قِبل المحاكم، بل هي بالأحرى نتاج تفاعلات يمكن التنبؤ بها إلى حدٍّ ما بين الأفراد في مواقفَ اجتماعية لا تُعَد ولا تُحصى، والرغبة الداخلية التي نحملها جميعًا وتحثُّنا على تجنُّب العواقب التي تحدُث عند تحدي هذه القدرة على التنبؤ. وهذا، بشكل عام، هو ما نُطلق عليه عادةً «الرقابة الاجتماعية غير الرسمية»، وهو الموضوع الذي سننتقل إليه الآن.

التنشئة الاجتماعية والرقابة الاجتماعية غير الرسمية

في نهاية القِسم السابق، تحدَّثتُ عن الرغبة التي يحملها معظمنا والتي تحثُّنا على تجنُّب العواقب التي ستنتج على الأرجح حال عدم تلبية التوقعات غير الرسمية. وقد أشار خبيرُ علم الجريمة الأمريكي، تشارلز تيتل، ذاتَ مرة إلى أن «الرقابة الاجتماعية بوصفها عمليةً عامة تبدو مترسِّخة بشكلٍ شِبه كامل في العقوبات غير الرسمية». واستطردَ مقترِحًا أنه لم يكُن هناك تأثيرٌ كبير لتصوُّراتنا عن احتمالية وقوع عقوبات رسمية أو شدة هذه العقوبات، وحتى عندما كان لها تأثير، يبدو أن معظمه يعتمد على فهْمنا لفكرة العقوبات غير الرسمية. ولكن ماذا نعني بالعقوبات غير الرسمية عند الحديث عنها؟ هناك مثالان. هبْ أنك متَّجه نحو شخصٍ قابلتَه عدة مرات من قبل؛ يسير في ممرٍّ أو شارع نحوك. لا يمكنك تذكُّر اسمِه. أنت تعلم أنه لا يمكنك تجنُّبه، وتحاول قَدْرَ المستطاع تذكُّر اسمِه، لكنه لا يتبادر إلى ذهنك. في أي لحظة ستضطر إلى التعامل مع حقيقة أنه لا يمكنك تقديمُه بسهولة إلى الشخص الذي تسير معه.

بالنظر إلى مدى الصعوبة التي يواجهها الكثير منَّا في تذكُّر الأسماء والوجوه، فإن هذا أمرٌ مألوف تمامًا وتعرَّض له معظم الناس. ولكن لمَ يُعَد هذا الأمر مهمًّا؟ إنه مهم بسبب الأعراف الاجتماعية. ففي كثير من الظروف، ليس من التهذُّب عدمُ تقديم أشخاص إلى آخَرين قد لا يعرفونهم. باختصار، نحن نريد أن نفعلَ الشيء الصحيح ونخشى التعرُّض لحرج نتيجةَ الفشل في الالتزام ببعض الأعراف الاجتماعية البسيطة. من غير المحتمَل أن يُعطي أحدُهم هذا الأمر أكبرَ من حجمه، لكننا نشعر في قرارة أنفسنا بدرجةٍ من الانزعاج، نفضِّل تجنُّبه. وهذا السعي من جانبنا لتجنُّب مثل هذه القلاقل عمومًا في الحياة اليومية، من خلال الاستجابة لمحفزات الرقابة الاجتماعية غير الرسمية الداخلية في هذا المثال، هو تحديدًا ما يجعل سلوكنا مُتوقَّعًا.

يحتوي نظام مترو الأنفاق في لندن، مِثل معظم أنظمة المترو في المدينة، على عددٍ كبير جدًّا من السلالم المتحركة، والعديد منها طويل جدًّا وشديد الانحدار، وخلال ساعات الذُّروة، تكون أيضًا مزدحمة للغاية. فالسلالم المتحركة واسعةٌ بما يكفي لاستيعاب شخصَين يقفان جنبًا إلى جنب. يوجد نظامٌ على السلالم المتحركة في لندن يقف بموجبه أولئك الذين لا يرغبون في التحرُّك على يمينِ السُّلم المتحرك، تاركين مساحةً على اليسار لمَن يرغب في السير. إنه نظامٌ غير رسمي إلى حد كبير، ولا توجد عقوباتٌ رسمية يمكن فرضُها على أي شخص لا يلتزم به، على الرغم من وجودِ لافتاتٍ على السلالم المتحركة تشجِّع على هذا السلوك وتدعَمه. إن النظام ناجحٌ للغاية. وبشكلٍ عام، يمكن دائمًا العثورُ على أي شخص لا يخطِّط للسير لأعلى أو لأسفل السُّلم المتحرك واقفًا على اليمين، بغضِّ النظر عن مدى ازدحام المحطة أو هدوئها. وأولئك الذين عُثر عليهم ثابتِين في مكانهم على اليسار هم في الغالب زوَّارٌ أو غيرهم ممَّن ليسوا على دراية بالنظام وقواعده غير الرسمية، على سبيل المثال: الأطفال. كيف يحدُث هذا الأمر؟ إنه لا يحدُث من خلال التهديد بعقوبات رسمية، حيث لا يوجد أيٌّ منها. مرة أخرى، إنها قوة التوقعات الاجتماعية.

بمجرد معرفة القواعد غير الرسمية للموقف، يلتزم معظم الناس بها معظم الوقت. والقيام بذلك لا يكلِّفهم الكثير، والأهم من ذلك أنهم حريصون على تجنُّب عواقب عدم الالتزام: أي الرأي السلبي للآخَرين غير الراضين بتعطُّل الأداء السَّلِس لنظام السلالم المتحركة.

تُحدِّد التوقعاتُ والأعراف الاجتماعية سلوكَنا منذ اللحظة التي نستيقظ فيها، بما في ذلك موعدُ استيقاظنا، وكيف نغتسل ونرتدي ملابسنا على سبيل المثال، مرورًا بأحداث اليوم، بما في ذلك متى وماذا نأكل، والطُّرق المختلفة التي نتعامل بها مع العائلة، والأصدقاء، والزملاء، والغرباء. فطقوس الحياة اليومية مُعقَّدة. وعلينا أن نتعلَّمها ونستوعبها. ونادرًا ما تكون مُحدَّدة أو متشدِّدة إلى حدٍّ مبالغ فيه، ولكنها بالأحرى تلميحات أو إرشادات عامة للسلوك المناسب. إن توقُّعات بعضنا عن بعض وعن أنفسنا، كما تعلمناها من العائلات، وفي المدارس، والمجتمعات، وأماكن العمل، وما إلى ذلك، تشكِّل معًا القاعدةَ الأساسية لتنظيم الحياة اليومية. وهذا ما أطلق عليه عالِمُ الاجتماع الأمريكي، إرفينج جوفمان، «نظام التفاعل»، الذي اقترح أنه يمكن بسهولةٍ النظرُ إلى آلياته بوصفها النتائجَ المترتِّبة على «أنظمة الأعراف الملائمة» وأنها تشبه القواعد الأساسية للعبةٍ ما.

ولكن كيف يتعلَّم المشاركون في هذه «اللعبة» قواعدَها الأساسية العامة؟ يمكن طرْح هذا السؤال الذي يتسم في جوهره بالبساطة والعمق في الوقت ذاته بصيغةٍ مختلفة قليلًا على النحو التالي: «ما الذي يجعلنا «كائنات» اجتماعية؟ كيف نتعلَّم التصرُّف وسطَ المجموعات الصغيرة والكبيرة؟» تُعرف هذه العملية باسم «التنشئة الاجتماعية». ونميل إلى التفكير في العناصر الأساسية لهذه العملية بأنها الأسرة، والمجتمع، والأصدقاء/الأقران، والمدرسة، والعمل، والإعلام، والدين، على الأقل تقليديًّا. اليوم، زارتني حفيدتاي. كانت أكبرهما سنًّا، مِثل جميع الأطفال في سن الرابعة، في غاية النشاط وتحتاج إلى الكثير من الإشراف العام. ومن ثَم يتضمَّن التفاعل الأُسَري الكثيرَ من الإرشاد حول كيفية التصرُّف: «من فضلك تعالي واجلسي على الطاولة لتناوُلَ الطعام»؛ «أعتقد أننا يجب أن نضع كلَّ هذه الألعاب في مكانها إذا انتهينا من اللعب بها»، أو في الطريق إلى الملعب المحلي، «من فضلكِ لا تركضي هنا، فالطريق مزدحم للغاية». لا شكَّ أنه كانت هناك العشرات من هذه التوجيهات، التي يُستهدَف منها، من جانب، أن تكون لَبناتِ بناء صغيرةً في تنمية صِغار السن، وتساعد من جانب آخَر في الحفاظ على نظام التفاعل المحدَّد، ألَا وهو أُسْرتنا.

تنطوي التربية على إصدار تذكيرات دائمة بما يجب القيام به وقوله، وما هو متوقَّع في بعض الظروف دون غيرها، وتقديم إرشادات حول كيفية فهْم أشكال السلوك المختلفة وإدراكها من قِبل الآخَرين. يُنفَّذ الكثيرُ من هذا بشكل صريح، على الرغم من أن الأطفال في كثير من الأحيان يتعلَّمون ببساطة من خلال التفاعل؛ أيْ تعلُّم الاستجابات المختلفة التي من المحتمل أن يثيرَها سلوكهم. ومن السهل أن يفهمَ الآباء والأمهات التنشئةَ الاجتماعية للأطفال الصغار، وفي كثير من النواحي قد ينسحب الشيءُ نفسه إلى حدٍّ كبير عن تأثير «عوامل» التنشئة الاجتماعية الرئيسة الأخرى. ومن السهل أيضًا أن نفهمَ كيف تلعب المدارس، خاصة عندما يكون الأطفال في سنٍّ صغيرة، دورًا حاسمًا في تطوُّرهم وثقافتهم الأخلاقية. وبالمِثل، يمكن لمجموعات الأصدقاء والأقران أن تؤثِّر تأثيرًا كبيرًا على الأفراد، وقد تكون لها أهمية خاصة جدًّا في مراحلَ معيَّنة من التطور. ويُحتمل أن يكون لكلٍّ من بيئة العمل، وتأثيرِ وسائل الإعلام، والتأثيرِ المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي، ودورِ الدين المنظِّم، أهميةٌ كبيرة في المساعدة على فهْم كيفيةِ تعلُّم ما أشار جوفمان إليه على أنه «الأعراف الملائمة» أو القواعد الأساسية للسلوك اليومي.

الآن، دعونا نعود إلى مكافحة الجريمة. يمكن تقسيمُ نهجِ التفكير في علم الإجرام عمومًا إلى معسكرَين. أولًا: هناك أولئك الذين ينطلقون من افتراض أن البشَر مطيعون ومُنظَّمون عمومًا، ومن ثَم يصبح السؤال المهم هو: لماذا يرتكبون الجرائم أحيانًا؟ على النقيض من ذلك، هناك أولئك الذين ينطلقون من افتراضِ أننا عمومًا غير منضبطين وأنانيون، ومن هذا المنطلق يصبح السؤال المهم ما الذي يقيِّدنا ولماذا يبدو أننا نمتثل للقواعد أغلبَ الأوقات؟ ببساطة، يهتم المعسكر الأول لخبراء علم الجريمة بالدوافع المختلفة التي قد تكون لدى الأفراد لارتكاب الجرائم، في حين يركِّز المعسكر الثاني أكثرَ على القيود أو الضوابط المختلفة التي يُحتمل أن يكون لها تأثير. وإذا أُجبرت على الاختيار، فسأميل إلى المعسكر الأخير أكثرَ من المعسكر الأول، لكن لحُسن الحظ، لا يتعيَّن على المرء الاختيار، ومن ثَم يمكن استخدام كلا المنظورَين في محاولةِ فهْم السلوك البشري.

تندرج المجموعةُ الثانية من خبراء علم الجريمة عمومًا تحت معسكرٍ يُسمَّى معسكر «أصحاب نظريات التحكُّم». وقد صدر واحد من أوائل التصريحات التي حدَّدَت هذا الموقف من جاكسون توبي الذي كتب في خمسينيات القرن الماضي، مركِّزًا بشكلٍ خاص على ما كان على المحك في كسر القواعد، يقول:

إن الاختلافات بين المراهق الملتزِم بالقانون والجانح لا تكمُن في أنَّ أحدهما لديه دوافعُ لانتهاك قواعد المجتمع بينما الآخَر لا يمتلكها. فكلاهما يميل إلى خَرْق القوانين في وقتٍ أو آخَر؛ لأن القوانين تحظُر أيَّ شيء قد تجعله الظروف جذَّابًا: مثل قيادة السيارة بسرعة ٨٠ ميلًا في الساعة، أو ضرب عدو، أو أَخْذ ما يريده المرء دون دفْع ثَمنِه. والجانح يستسلم لهذه الإغراءات. لكن الصبي الذي يعيش في حي من أحياء الطبقة الوسطى لا يفعل ذلك. فكيف يمكن تفسيرُ هذا الاختلاف؟

كانت إجابته أن هذين النمطَين المُعمَّمين من الأفراد لديهما «دوافع إذعان» مختلفة. باختصار، سيخسر أحدُهما الكثير إذا اكتُشِف أمره بالمقارنة بالآخَر. فقد تتعرَّض «سُمعته الجيدة»، أو ربما وظيفته، أو فرصه في التعليم للخطرِ بسببِ الكشف علنًا عن مثلِ هذه الانتهاكات. أما ما ينطوي عليه استخدامُ مصطلح «جانح» هو أن هذا الفرد إمَّا معروف عنه أنه شخص قد يكسِر مثل هذه الأعراف الاجتماعية أو مُتوقَّع منه فعلُ ذلك. فسُمْعته مشوَّهة بالفعل. ويكاد يكون من المؤكد أنه لا يملِك الكثير ليخسره فيما يتعلَّق بالتعليم أو العمل. لاحقًا، طُورت هذه النظرية عندما ذهب آخَرون إلى أنَّ ما منع الأفراد من التصرُّف بناءً على دوافع إجرامية هو ما أطلقوا عليه «الالتزام بالإذعان»، أو ما أُشير إليه لاحقًا باسم «الرابطة الاجتماعية». وبفعل التطور من خلال التنشئة الاجتماعية، قد ينطوي ذلك على خسارة — كخسارة السُّمعة، ورأي الآخَرين الجيد، وتقدير الذات — وينطوي كذلك على ربحٍ في شكل مكافآت مستقبلية متوقَّعة. إنَّ ما يُوصف هنا هو عملية تطوُّرية تتضمَّن الاندماج الاجتماعي المتزايد تدريجيًّا للفرد. وقد يذهب أحدُهم إلى أن السَّجن يفعل العكس تمامًا؛ إذ يمزِّق الروابط الاجتماعية، ويفكِّك الصِّلات من مختلف الأنواع، ويعمل بشكلٍ عام على تقليل درجة الاندماج الاجتماعي للفرد المعني.

الخطوة التالية لواضعي نظريات التحكُّم هي النظرُ في أشكال المكافحة التي تؤثِّر على أي رغبات منحرفة وتقيِّدها. فهناك ضوابطُ داخلية، أو موانعُ ناتجة عن معتقداتٍ أخلاقيةٍ، أو وخزِ الضمير، أو الشعورِ بالعار؛ وضوابطُ غيرُ مباشِرة في شكل الاستنكارِ المجتمعي الصادرِ من أفراد الأسرة، والأقران، وغيرهم؛ والضوابطُ الأكثرُ مباشرةً التي تنتج من القلق بشأن العقوبات الرسمية. وعادةً ما يذهب واضعو نظريات التحكُّم إلى أن مزيجًا من التحكُّم غير المباشر، خاصة من قِبل الأسرة، وضبطَ النفس الناتج عن القلق بشأن العواقب الطويلة المدى للسلوك هو أمرٌ بالِغ الأهمية في عملية التمكُّن من مقاومة الإغراء.

إن العمل الأكثر تطوُّرًا وإقناعًا في هذا التقليد، من وجهة نظري، هو «نظرية التدرُّج العمري للرقابة الاجتماعية غير الرسمية» المنسوبة إلى روبرت سامبسون وجون لوب. فقوةُ الرابطة الاجتماعية للفرد، من منظور المؤلفين، هي التي تساعد في تفسير وجود الجرائم أو اختفائها، وبالمِثل، تعكس التغيراتُ في أنماط ارتكاب الأفراد للجرائم بمرور الوقت التغيراتِ في قوة الرابطة الاجتماعية في حياتهم. وتحتوي أطروحتهما العامة على ثلاثة عناصر أساسية. أولًا: ينتج الجنوح في وقتٍ مبكِّر من الحياة (في الطفولة والمراهقة) من السياق البنيوي الذي ينشأ فيه الشباب الذي تتخلَّله الضوابطُ الاجتماعية التي يمارسها الحي، والأسرة، والمدرسة، والأصدقاء. ثانيًا: تميل الأنماطُ التي نشأت وترسَّخَت في هذه السنوات المبكِّرة إلى الثبات إلى حدٍّ ما، تمامًا كما تميل أنظمةُ التحكُّم التي تؤثِّر على الأفراد إلى ذلك؛ وثالثًا: تعكس أنماط الإجرام المتغيرة على مدار الفترة اللاحقة من حياتهم مدى فاعلية الروابط الاجتماعية غير الرسمية على مستوى الأسرة والعمل.

في أعمالٍ لاحقة، وسَّع هذان المؤلِّفان نطاقَ تفسيراتهما لأنماط الجرائم على مدارِ الحياة لتضم أمورًا مثل القدرة على التصرُّف، والاختيار (وفقًا لموقف محدَّد)، والأنشطة الروتينية، والثقافات المحلية، والأحداث القديمة على الصعيد الكلي. وبالتركيز خصوصًا على تأثيرات المنطقة المحلية — أي لماذا تبدو الاختلافات في مستويات وأنماط الجريمة في أماكنَ مختلفةٍ مستقرةً نسبيًّا — يقدِّمان عددًا من الأدوات المفاهيمية الأخرى، مثل «الفاعلية الجماعية» و«رأس المال المجتمعي». وتتعلَّق الحجج، في جوهرها، بالقدرات التفاضلية للأحياء «لإدراك القيم المشتركة للسكان والحفاظ على الضوابط الاجتماعية الفعَّالة». وفي هذا الصدد، لا تشير الرقابةُ الاجتماعية إلى التنظيم الرسمي أو «الإذعان القسري» الذي تفرضه مؤسساتٌ مثل الشُّرطة والمحاكم، بل هي بالأحرى إشارة عامة إلى قدرةِ مجموعةٍ ما على تنظيم أعضائها وفقًا لأعرافٍ وقِيم مُعيَّنة. وكما في الطرح السابق الخاص بالعوامل الأساسية المؤثِّرة على أنماط الجرائم في حياة الأفراد، تُطرح هنا الفكرةُ العامة ذاتها فيما يتعلَّق بتنميط الجريمة داخل الأحياء المختلفة. وتُعتبر الرقابة الاجتماعية التي تمارس التأثيرَ البالِغَ الأهمية «غيرَ رسمية» وليست «رسميةً». وعلى الرغم من اختلاف خبراء علم الجريمة في تفسيراتهم بشأنِ الجريمة والإجرام، فإنَّ القليل منهم سيعارض هذه الملاحظة العامة.

كيف نكافح الجريمة؟

تكمُن الأهمية الدائمة لوجود منظور قديم في تكذيب الافتراض البسيط القائل إن الطريقةَ التي نفعل بها الأشياءَ الآن واحدةٌ أو تشبه الطُّرق التي كنا نفعل بها الأشياءَ دائمًا. وفي هذا السياق، يساعد ذلك في تذكيرنا بأن الأجهزةَ الرسمية التي أنشأناها للتعامل مع الجريمة — مثل الشُّرطة، والمحاكم، والسجون، وما إلى ذلك — هي في الواقع مُنتَج حديث إلى حدٍّ كبير وكانت موجودةً في شكلها العام الحالي لمدة تزيد قليلًا على قرنَين.

وتختلف أنظمةُ العدالة الرسمية هذه أيضًا، أحيانًا بشكلٍ كبير جدًّا، وفقًا لهيكل المجتمعات التي تعمل فيها وثقافتها. وتلبيةً لأغراضنا هنا، ربما يكون الدرس الأهم، الذي يحتوي على قدرٍ كبير من المفارقة في موضوع علم الجريمة، أن الأشياء التي يقضي علماءُ الجريمة جزءًا كبيرًا جدًّا من وقتهم في دراستها — مثل الشُّرطة، ونظام المحاكم، والسجون، وغيرها من مؤسَّسات العدالة الجنائية الرسمية — لا يُعتقد أنها المحدِّدات الحاسمة لطبيعة الجريمة ومستواها.

وقد وصل الأمرُ بتشارلز تيتل، الذي استشهدنا به آنِفًا، إلى حدِّ الإشارة إلى أنه «يبدو كما لو أن العقوبات الرسمية الموضوعية (أو الأحكام الخاصة بها) لا تَمُتُّ بصلةٍ إلى حدٍّ كبير بالرقابة الاجتماعية العامة، على الأقل بالمعنى المباشر البدهي». وقد تكون عبارة «لا تَمُتُّ بصلةٍ» قويةً بعضَ الشيء؛ لأنه سيكون من الخطأ الإشارة إلى أن هذه المؤسسات ليس لها أيُّ تأثير — لأنها بالطبع لها تأثير — وهي على أي حال مؤسساتٌ اجتماعية مهمة تستحق تمحيصًا أكاديميًّا دقيقًا. لكن، يجب أن نلاحظ أنه قديمًا وحاليًّا، يمكن القول إن خبراءَ علم الجريمة كانوا يميلون إلى التركيز على أنظمةِ الرقابة الاجتماعية غيرِ الرسمية بشكلٍ أقلَّ مما تستحق. ومن ثَم يمكن القولُ إن الأولويةُ تذهب إلى محاولةِ ضمان وَضْع مثل هذه العمليات في صميمِ اهتمامات خبراء علم الجريمة بشكلٍ كامل، وكذلك دعمِ الموارد والبرامج التي ستساعد على تعزيز تلك المؤسسات الاجتماعية — مثل العائلات، والمدارس، والأحياء، وبيئة العمل، وما إلى ذلك — التي تلعب أدوارًا حيوية في خَلْق الاندماج والتضامن الاجتماعي وتدعيمها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤