الفصل الثاني

الحقيقة حول الكسور

علماء الرياضيات ليسوا مولَعين بالآلات الحاسبة كما قد تتوقع. والكمبيوتر والآلات الحاسبة اخترعها وطوَّرها بالطبع علماء الرياضيات والمهندسون وهي مفيدة جدًّا، فلماذا نحن، على أفضل تقدير، منقسمون تجاهها؟ السبب أن الآلات الحاسبة لا تُفيد كثيرًا عندما يتعلق الأمر بالمفاهيم الأساسية للحساب، ويمكن أن تُستخدم بأسلوب يجعلها تحلُّ محل التفكير بدلًا من أن تحفزه. واستعمال الآلات الحاسبة على نطاق واسع في دروس الرياضيات يمكن أن يُقوِّض العملية التعليمية. وهذه الحقيقة مُعترَف بها الآن في التعليم؛ ومن ثم تم تقليص الاستخدام العشوائي للآلات الحاسبة.

الأثر المؤسف الآخر لاستخدام الآلة الحاسبة هو أنها تجعل المادة مملة. فالرياضيات في المدارس الثانوية تقلَّصت إلى سلسلة من ضغط الأزرار، مما شجع الطلاب على نسيان الرياضيات أو على الأقل الابتعاد عنها. والتحفيز العقلي الذي تُتيحه الآلات الحاسبة يشبه ذلك الذي يتيحه الوقوف على طاولة الدفع في السوبر ماركت. فالمنهج العملي لا بأس به ما دام أنه لا يؤدي إلى تعطيل التفكير! فعادةً ما يكتب الطالب الذي يستخدم الآلة الحاسبة القليل جدًّا أو لا يكتب على الإطلاق، وهذا يجعله عاجزًا عن التعبير رياضيًّا وغير قادر على حل مسألة تحتاج إلى أكثر من خطوة واحدة.

ومع ذلك ففي هذا الفصل، آمُل أن أستغل مزايا استخدام الآلات الحاسبة. وبفعل ذلك سوف نقابل أغرب فكرة في هذا الكتاب، وهي فكرة المجموعة غير القابلة للعد. وتكمن غرابتها في كونها أبعدَ ما تكون عن العالم الواقعي، بالرغم من أن نقطة البداية ستكون سلسلةً مألوفة من الأرقام على شاشة عرض الآلة الحاسبة.

الآلات الحاسبة سمحت للناس أن يصبحوا أكثر راحة مع الكسور العشرية، وربما لمدى غير مرغوب فيه؛ إذ إنهم كثيرًا ما يفضلون التقريب العشري القبيح عن كتابة كسر بسيط ودقيق. على سبيل المثال، كم مرة نرى مكتوبةً في حين أن القيمة الدقيقة هي ؟

(١) لماذا من الأحسن أن نستطيع أن نقوم بالحساب؟

الحساب العادي صعب جدًّا؛ فقد استغرقَت البشرية آلاف السنين لتُتقنه. والفَهْم الكامل لحساب الكسور يستلزم جهدًا لتحصيله. ففي القرن التاسع عشر، كانت لا تزال هناك جوانب أساسية في الكسور قيد الاكتشاف. فما تسمى متسلسلة فيري لرتبة هي ببساطة قائمة بجميع الكسور بين و التي لا تزيد مقاماتها على ، مكتوبة بترتيب تصاعدي. فمثلًا متسلسلة فيري للرتبة الخامسة هي المتسلسلة:

متسلسلات فيري مليئة بالخواص الجبرية وربما الهندسية الأنيقة أيضًا، وقد اكتشفها رياضي هاوٍ. ربما كان عدمُ اكتشاف مثلِ هذا الجانب الأساسي والمثير للاهتمام من الرياضيات من قِبَل كافَّة علماء الرياضيات عبر العصور؛ شيئًا صادمًا للعقول الجبَّارة في ذلك الوقت، على الرغم من أنه يبدو أن الخواص الأساسية لمتسلسلة فيري نُشرت أول ما نُشرت في عام ١٨٠٢ بواسطة هاروس الذي توقع نشر متسلسلة فيري قبلها بأربعة عشر عامًا.

فلنَعُد إلى البداية، لطالما سمعنا الأطفال الذين يحاولون إجراء الجمع (ربما دون بذل الجهد الكافي)، وهم يقولون:

«لماذا أنا بحاجةٍ لتعلُّم هذا؟ إذا رغبت في معرفة جواب هذه المسألة، فأنا أستطيع استخدام آلتي الحاسبة.»

هذا النوع من الأسئلة كثيرًا ما يكون ناجمًا عن الإحباط، والذين يسألونه لن يُرحِّبوا بإجابة مستفيضة. إن عدم القدرة على التعامل مع الأعداد يمكن أن يكون مشكلة دائمة. فإذا كنا لا نستطيع إجراء عمليات الجمع فنحن مضطرون للاختباء كلما ظهرت أشياء عددية. وحتى الآلات الحاسبة نفسها لن تساعد كثيرًا الشخص الجاهل في الرياضيات، لأنه لن يشعر أبدًا بالثقة أنه استخدم الآلة بطريقة صحيحة؛ فالآلة الحاسبة بالنسبة له لن تكون أكثر فائدة من القاموس بالنسبة لشخص لا يعرف القراءة.

التعامل مع أسئلة الأعداد والقياسات العادية يتطلب تدريبًا إلى المستوى الذي هو على الأرجح يتجاوز ما أنت في حاجة إليه عمليًّا. وهذا لأن المشاكل التي تقابلها يجب أن تكون مفهومة جيدًا لك حتى تستطيع أن تتعامل معها بثقة في أي موقف عملي.

هل نحن بحاجة لمعرفة الجداول؟ نعم، وسوف أشرح لماذا. إن المعرفة بنظام الأعداد التي يولدها تعلم الجداول، في حدِّ ذاتها، أمرٌ جدير بالاهتمام، لكنَّ هناك جانبًا رياضيًّا أساسيًّا للوضع كذلك. من الأهمية بمكان أن نعرف أن جداول الضرب لا تُمثِّل مجموعةً من الحقائق العشوائية، مثل قائمة أرقام التليفونات، ولكنها أقل مجموعة من حواصل الضرب التي نحتاج إلى معرفتها لكي نقوم بعمليات الحساب العادية.

لكن دعونا ننظر إلى شيء أكثر بُدائيَّة: الجمع. فحتى نتمكن من إجراء عمليات الجمع نحتاج إلى معرفة جداول الجمع حتى ؛ مثلًا لجمع العددين يجب معرفة نتيجة . وبنفس الطريقة يجب أن نتذكر جداول الضرب حتى حتى نتعلم كيف نضرب عددين معًا. (بالمناسبة، العددان و يُعرفان على الترتيب بأنهما مجموع و ، وحاصل ضرب و ؛ أما العدد فيُسمى خارج قسمة على .) وإذا لم نكن نعرف عمليات الجمع والضرب هذه عن ظهر قلب، فإننا سنُضطرُّ إلى إعادة تعلُّمها في كل مرة.
لماذا هذه المجموعة الخاصة من الحقائق ضرورية لكي نقوم بالحساب؟ من المؤكد أن هناك بعضَ العشوائية هنا، لكنها ظهرت فعلًا عند بداية تطور الحساب عندما قررنا استخدام الأساس . وكان هذا الاختيار بمحض إرادتنا، لكننا الآن ندفع ثمن ذلك من خلال الحاجة إلى تعلم جداول الجمع والضرب إلى رقم — فلو كنا قررنا اختيار النظام الثنائي، لكان لدينا جداول الجمع والضرب التافهة لنحفظها.
جرى العُرف على دراسة جداول الضرب حتى جدول ؛ وهذا لأن كثيرًا من نُظم القياس تعتمد على الأساس (الجنيه الإسترليني، والشلن، والبنس، والقدم، والبوصة … إلخ)، ولأن حواصل الضرب حتى تظهر كثيرًا جدًّا فيجدر حفظُها عن ظهر قلب. وهي لا تزال واجبة الحفظ، بالرغم من أن الحُجَّة لعمل ذلك أصبحت أقلَّ إلزامًا.

من أجل فَهْم الأعداد إلى مدًى مفيد، على الطالب إجراء الكثير من الحساب. ليست الإجابة هي الشيء المهم، لكن تنمية المهارة المطلوبة للحصول عليها. إن القيام بالعمليات الحسابية يغرس في الطالب أُلفة أساسية مع الأعداد ويزرع فيه الثقة في معالجتها. وكل الرياضيات ذات المستوى الأعلى تنطوي على نفس طرق التعامل، وتستخدم فيها رموز جبرية بدلًا من أعداد خاصة؛ ومن ثم يحتاج الطالب إلى ترسيخ أقدامه تمامًا في الحساب حتى يتمكَّن من إجراء هذه المعالجات بطريقةٍ تكاد تكون طبيعية. إن عدم إتقان الأساسيات يضع عقبةً أمام فَهْم كلِّ المفاهيم الجديدة. بشكل خاص، يجب أن نكون قادرين على التعامل مع الكسور لكي نتمتع بأي إمكانيات رياضية حقيقية.

هذا الكتاب ليس مقررًا لتذكيرك بهذه الأشياء، ولكني سأنتهز هذه الفرصة لأقول شيئًا عن الموضوع. حتى إذا كنت على معرفة تامَّة بحساب الكسور، فأنا أدعوك لقراءة باقي هذا القسم؛ فقراءة الأشياء التي يعرفها المرء بالفعل يمكن أن تكون ممتعةً جدًّا، وما زلت آمُل أن أقدِّم لك مفاجأةً أو اثنتين.

يتطلَّب حساب الكسور فكرةً واضحة عن تساوي الكسور. إذا تصورت كعكة قُسمت إلى نصفين ثم إلى أرباع، فسترى أنه على الرغم من أن مفهوم و مختلفان، فإنهما يمثلان أجزاءً متساوية من الكعكة. فالكسور ، ، ، … إلخ متكافئة. سنقول إنها متساوية، بالرغم من أن هذا غير دقيق إلا إذا شرحنا: أي إن و كسرَان مختلفَان، لكنهما متساويان من منطلق أنهما يمثِّلان مقدارين متساويين. الجانب الجيد الآخر لهذا الوضع هو أنه على الرغم من وجود عددٍ لا نهائيٍّ من الكسور المساوية لكسرٍ معين، فإن واحدًا فقط منها هو الكسر المختصر؛ وهذا يعني أنه اختُصر حتى لم يَعُد يوجد بين العدد أعلى علامة الكسر ويُسمى البسط، والعدد أسفل علامة الكسر ويسمى المقام، أي عامل مشترك غير . على سبيل المثال: الكسران و كل منهما يُختصر إلى ، أي إن هي الصورة المختصرة للكسرين. ومن المؤكد أن الصورة المختصرة أكثر شهرة وهي الأبسط؛ لأنها تحوي أصغر بسط ومقام من بين جميع الصور الباقية.

التساوي بين الكسور يمكن التعبير عنه أيضًا من خلال الضرب التبادلي؛ أي ضرب الوسطَين في الطرفَين:

(السهم مزدوج الرأس يُقرأ: يكافئ، والسهم ذو الرأس الواحد يُقرأ: يستتبع.)

بشكل أعم يُمكِننا اختبارُ ما إذا كان الكسر الموجب أقلَّ من أم يساوي كسرًا آخر باستخدام الضرب التبادلي:

(للتذكرة، رموز عدم التساوي مثل ، أقل من أو تساوي، دائمًا تشير إلى العدد الأصغر في العددين.) تعتبر القاعدة في مقارنة الكسور صحيحة أيضًا إذا استبدلنا بأي واحدة من ، أو ، أو . القاعدة صحيحة لأن عدم التساوي يظل كما هو إذا ضُرب الطرفان في أعداد موجبة ويمكننا المرور من عدم التساوي الأول إلى الثاني عن طريق ضرب الطرفين في العدد . مثال:
نحن الآن في وضع يُمكِّننا من إعطاء قاعدة عامة لجمع أو طرح الكسرين و . أولًا نعوض عن الكسرين بكسرَين متساويَين لهما مقام مشترك. المقام المشترك يمكن إيجادُه بضرب المقامين معًا فنحصل على . لأن ، فنحصل على:
(2-1)
الإشارة تعني زائد أو ناقص، وتستخدم لضرب عُصفورَين بحجر واحد. هذه القاعدة صحيحة دائمًا لكن الإجابة الناتجة قد لا تختصر على الرغم من أن الكسرين الأصليين قد يمكن اختصارهما. على سبيل المثال:
من المستحسن وجود قاعدة مثل )2-1( تعطي الإجابة في كل مرة، لكنَّ هناك مأخذًا على ذلك. أولًا: تحتوي القاعدة )2-1( على جميع المعلومات التي تحتاجها لإضافة وطرح الكسور، لكنها قد تثير ملل الشخص غير العارف بالموضوع حيث إنه لم يفهم الفكرة الأساسية للعملية. فمن الأفضل أن تعتبر ملخصًا لما يحدث. ثانيًا: القاعدة لا تمثل دائمًا أحسن الطرق للحصول على مجموع معين. فعمليًّا، يكون الأفضل البحث عن أقل مقام مشترك؛ أي أقل مضاعف للعدد والعدد . وحاصل الضرب هو مضاعف للعددين و لكنه ليس بالضرورة أقل مضاعف. وبشكل عام، هذا المضاعف الأصغر نحصل عليه من العلاقة حيث هو القاسم المشترك الأكبر لكل من و ، وسوف نقدم المزيد عن هذا في الفصل الرابع. في مثالنا السابق قيمة هي ؛ ومِن ثَم أصغر مقام مشترك هو . ومن ثم:

ويعتبر ضرب الكسور أسهل من جمعها: ببساطة نضرب كلا البسطين وكلا المقامين. مرة أخرى الجواب الذي نحصل عليه قد لا يختصر:

من المهم أن يكون الذهن حاضرًا للبحث عن عوامل قبل القيام بعملية الضرب، لأن من الممكن الحذف بسهولة:

توجد نقطة عامة يجب عرضُها هنا، ويأخذ طلاب الرياضيات وقتًا طويلًا لاستيعابها. وهي أنه من الأسهل الاختصار في الكسر عند كتابته كحاصل ضرب . حيث إن من الأسهل غالبًا أن تجري الحساب على عدد ما، أو تطبق الجبر على تعبير جبري، قبل إجراء عملية الضرب؛ بدلًا من إجرائه بعدما تحصل على نتيجة الضرب.

للأسف، الطالب المتعجل للحصول على الإجابة غالبًا ما يتجاهل ذلك، ويقوم بعمليات ضرب غير ضرورية، مما يؤدي إلى نتائجَ عكسية. مع وجود الآلة الحاسبة في متناول اليد أخشى أن الإغراء لا يقاوَم. وعند الحصول على الإجابة الصحيحة، نادرًا ما يكون ذهن الطالب حاضرًا ليحلل ما فعل ويحذف الخطوات غير المطلوبة. هنا يمكن للمعلم الجيد مساعدته.

مباشرة يمكن رؤية أن قاعدتنا لضرب الكسور لها معنًى. إذا قسمنا كعكة إلى عدد من الشرائح المتساوية وقسمنا كل شريحة إلى من الأجزاء المتساوية، فإننا نكون بذلك قد قسمنا الكعكة إلى من القطع المتساوية أي إن:
فإذا ضربنا هذا في البسطين و نحصل على القاعدة العامة:
أخيرًا، تقسيم الكعكة على يعني أخذ منها. وعمومًا، للقسمة على نضرب المقدار في المعكوس . وخلاصة القول:
هذا فعلًا يجعل عملية القسمة عكس الضرب، لأنه إذا ضربنا في ثم قسمنا عليها، فإن تأثير العمليتين هو الضرب في . ومع ذلك فإن قسمة الكسور غالبًا ما تُعَد لغزًا. هذا لا يعني أن الناس لا يستطيعون الجمع، كل ما في الأمر أن قاعدة «اعكس الكسر الثاني ثم قم بعملية الضرب» ما زالت غامضة. أفضل طريقة لجعل العملية مقنعة هو أن تقوم بالقسمة مباشرة وتلاحظ أن الأثر الصافي لِما قمت به هو ما تم وصفُه بالقاعدة السابقة.
مثال: ما الناتج من ؟ بتطبيق القاعدة:
لنخلص أنفسنا من المقام في الكسر الأسفل وذلك بضرب كل كسر في : تأثير هذه العملية هو الضرب في ومِن ثَم قيمة الكسر لا تتغير:
أي إن القسمة على هي نفسها الضرب في .
استخدامات الكسور يمكن رؤيتها في سجلات قدماء المصريين الذين استخدموا كسر الوحدة، وهو عدد كسري بسطه يساوي ومقامه عدد صحيح موجب مثل و بحُرية، لكنهم لم يعترفوا بأن الكسور مثل لها نفس الوضع بالرغم من أن الكسر كان له رمز خاص. بمعنى أنهم عبَّروا مثلًا عن بالمجموع . (ولكن يبدو أنه لم يَرُق لهم استخدام البديل الواضح بالنسبة لنا وهو .) ومع ذلك، فهذا يؤدي إلى مشكلة حقيقية. فهل من الممكن أن نكتب أي كسرٍ فعلي يقع بين و على شكل مجموع كسور وحدة مختلفة؟ الإجابة «نعم»، وإحدى طرق الحصول عليه سوف تقدم لك فرصة صقل معلوماتك الحسابية. ابدأ من الكسر المعطى، ، واطرح أكبر كسر وحدة ممكن. افعل نفس الشيء للباقي واستمر في تَكرار العملية. سوف يؤدي هذا إلى التحليل المطلوب. مثلًا نأخذ الكسر . بطرح نحصل على الباقي ثم نطرح من هذا الباقي سوف نحصل على وبذلك نحصل على التحليل «المصري»:
هذا النهج لطرح أكبر معكوس متاح فعلًا يؤدي إلى النتائج المطلوبة، لكنه قد لا يؤدي دائمًا إلى أقصر متتابعة ممكنة من كسور الوحدة كما نرى حتى في هذا المثال، لأن: .
جرِّب بنفسك الطريقة على الكسور و ، وسوف يمكنك كتابة كل منها كمجموع لثلاثة من كسور الوحدة.
مجموعة كاملة من الأسئلة تطرحها هذه المسألة القديمة، وما زال علماء الرياضيات يكافحون من أجل الإجابة عنها حتى اليوم. وأبسط هذه الأسئلة هو: كيف نجد أكبر معكوس أصغر من كسر معين؟ سوف نجيب عن هذا في الفصل الخامس مع السؤال الأساسي: كيف نعرف أن هذه الطريقة صالحة؟ حتى تتوقف هذه العملية يجب الوصول إلى مرحلة حيث الباقي نفسه هو كسر وحدة. من المتصور أن هذا قد لا يحدث أبدًا، ونستمر في طرح المعكوسات إلى الأبد. ولكن تأكد أن هذا ليس صحيحًا، وسوف نرى في الفصل الخامس أن الكسر الحقيقي يمكن كتابته دائمًا كمجموع أو أقل من كسور الوحدة المختلفة.

(٢) ماذا يحدث في حساب الكسور العشرية؟

التعبيرات المحتوية على عدد من الكسور مختلفة المقامات مزعجة. يمكننا التعامل مع كثرة المقامات بإيجاد المقام المشترك لكل الكسور. وهذا يسمح لنا بالتعامل مع أي مشكلة خاصة، لكن من اللطيف أن يكون هناك مقام واحد مشترك لجميع الكسور. وبالتأكيد لا يوجد. يمكننا احتواء هذه الصعوبة باللجوء إلى الكسور العشرية. هذا يمكننا من عرض كل الكسور بطريقة موحدة. على أية حال، الثمن الذي ندفعه هو أن تمثيلنا للكسور — حتى البسيطة جدًّا منها — بصفة عامة يصبح لا نهائيًّا.

الجميع تقريبًا يعلم أن . الطرف الأيسر لهذه المعادلة يمثل فكرة بسيطة: إنه كسر عادي، في حين أن الطرف الأيمن يحتوي على عملية لا نهائية — أي عملية تستمر إلى الأبد. إذا لم يكن هذا مزعجًا بما فيه الكفاية بالنسبة لك، فاضرب طرفي المعادلة في : فتحصل على: . لا يوجد خطأ هنا، لكنني وجدت الناس لا تحب هذا المظهر وفورًا يبدءون في الاحتجاج، ويصرون على أن الطرف الأيمن أقل بطريقة ما من الواحد. فأسألهم: أقل بكم؟ الإجابة عن هذا السؤال المزعج تكون أحيانًا باقتراح أن يمثل العدد الذي يسبق وأن العددَين يفصل بينهما مسافة متناهية في الصغر. هذا الكلام يبدو علميًّا أكثر، ولكن لا يوجد مثل هذا الرقم — لا يوجد رقم يسبق مباشرة. بيد أننا في مواجهة شيء قد تكون أنت نفسك لم تلاحظه من قبل، وهو أن العدد الواحد يمكن كتابته ككسر عشري في صورتين مختلفتين. غير أن هذا شيء مزعج للغاية ويوجد نوع واحد فقط من الاستثناء هو أن الكسر العشري المنتهي مثل هو نفسه يساوي أيضًا. هذا يدعونا إلى دراسة الصلة بين الكسور الاعتيادية وتمثيلها العشري. حتى إشعار آخر، سوف نتحدث عن الأعداد الموجبة فقط — واستخدام الأعداد السالبة مهم طبعًا وسوف نتكلم عنها لاحقًا، لكن ليس لها أي مساهمة في مسألة التمثيل العشري؛ ومن ثم لا يعنينا أمرها في الوقت الحالي.
يوجد نوعان من الكسور الاعتيادية: الحقيقية وغير الحقيقية. الكسر الحقيقي هو الكسر الذي يكون فيه البسط أصغر من المقام مثل: و ، … إلخ. كل هذه الكسور تمثل أعدادًا بين و . أما الكسر الذي بسطُه أكبر من مقامه، مثل فيُسمَّى كسرًا غير حقيقي. في مثل هذه الحالة بقسمة البسط على المقام يمكننا التعبير عن الكسر كعدد مركب هو في هذه الحالة ، وهو يتكون من عدد صحيح يتبعه كسر حقيقي. شكل العدد المركب للكسر مزعج عند استخدامه في الحسابات؛ ومن ثم فإنه يفضل استخدام التمثيل غير الحقيقي للكسر. ومع ذلك غالبًا ما يكون من الأفضل كتابةُ الإجابة النهائية لمجموع ما كعدد مركب لأنه يوضح قيمته، فمثلًا كتابة على الصورة تخبرك بمجرد النظر أنك تتعامل مع مقدار بين و .
إذا فهمنا كل شيء حول التمثيل العشري للأعداد بين و . فسوف نفهم التمثيل العشري العام؛ لذلك دعونا نركز على الفترة من إلى .
العدد النسبي هو العدد الذي يمكن كتابته على شكل كسر أو كما نقول أحيانًا على شكل نسبة بين عددين صحيحين. كما نعلم أنه يمكن أن يمثل كسران مختلفان نفس العدد، و مثلًا. مرة أخرى لدينا نفس العدد مكتوبًا بطريقتين مختلفتين؛ ومن ثم فنحن لا نقابل هذا النوع من الإزعاج في حالة التمثيل العشري فحسب. باختصارِ كلٍّ من البسط والمقام إلى أبسط صورة يمكن كتابة العدد النسبي في صورة كسر على الصورة ، حيث و ليس بينهما عامل مشترك غير الواحد. وبذلك يمكننا التفكير في الأعداد النسبية على أنها مجموعة جميع الكسور التي تم اختصارها بالطريقة السابقة.

ماذا يحدث عندما نكتب العدد النسبي في صورة كسر عشري؟ الإجابة هي أننا نحصل دائمًا على عدد عشري متكرر، أي عدد عشري يحتوي على كتلة من الأرقام المتكررة إلى ما لا نهاية بعد نقطة معينة في المفكوك. ونشير إلى ذلك بوضع نقطة فوق أول وآخر رقم من الكتلة، إليك بعض الأمثلة:

قد تعتقد أنني قد نسيت بعض أصدقائك القدامى مثل و ، وهي الكسور العشرية المنتهية. ولكن هذا ليس حقيقيًّا: فالكسور العشرية المنتهية مثل تلك هي فقط مجرد حالات خاصة للتكرار، وأعني أن و ولكن بالطبع لا توجد حاجة لكتابة التكرار في هذه الحالة.

هناك العديد من الأسئلة التي يتعين الإجابة عنها:

  • (١)

    لماذا تؤدي الأعداد النسبية إلى تكرارات عشرية كما ادعيت الآن؟

  • (٢)

    أي الأعداد النسبية تؤدي إلى كسر عشري منتهٍ؟

  • (٣)
    ماذا يمكن أن يقال عن طول كتلة التكرار في المفكوك العشري؟ (في الأمثلة الأربعة السابقة أطوال كتلة التكرار كانت على الترتيب و و و .)
  • (٤)

    أيمكن تحويل كل عدد عشري متكرر إلى كسر مرة أخرى؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فكيف؟

لمعرفة لماذا تؤدي الكسور إلى عدد عشري متكرر، من الأفضل النظر مرة أخرى إلى الطريقة التي تعلمتها لتحويل كسر مثل إلى عدد عشري:
الطريقة التي تعلمتها لفعل ذلك هي:
  • (١)
    قسمة على لا تصح، لذلك نكتب ‏. (للإشارة إلى أن الكسر أقل من ) ويتبقى معنا ؛
  • (٢)
    قسمة على تساوي والباقي ؛ لذلك نكتب ويتبقى معنا .
    ما حدث هنا هو أننا عالجنا وكأنها ، فبقسمة على تكون النتيجة (ويعني بالطبع) والباقي ، وتمثل ﺑ ، ويظل علينا أن نقسمها على ونتعامل مع باعتبارها في الخطوة التالية من القسمة:
  • (٣)
    وقسمة على تساوي ويتبقى ؛ فنكتب ويتبقى معنا .
في هذه المرحلة أثبتنا أن ، ونستمر في العمل على هذا الباقي بنفس الطريقة. طبعًا في هذه الحالة، لن يكون الباقي أبدًا صفرًا؛ ومن ثَمَّ فإن العملية تستمر إلى الأبد. على أية حال لأن كل البواقي تساوي من هذه النقطة فصاعدًا، ولأنه كتب علينا تكرار هذا الحساب البسيط مرات عديدة، فنحصل على:
يمكننا الآن إجابة سؤالنا الأول. عند تحويل الكسر إلى كسر عشري، قد يكون كسرًا عشريًّا منتهيًا أو لا. إذا لم يكن منتهيًا، فإن الباقي بعد كل مرحلة في القسمة يجب أن يكون أحد الأعداد و و… و . وبما أن هناك من الاحتمالات فقط، فإن الباقي لا بدَّ أن يتكرر في مكان ما من الخطوات الأولى. إلى أن يظهر الباقي للمرة الثانية فإننا مجبرون على تَكرار نفس الدورة من البواقي التي لدينا بالضبط. هذه الدورة طبعًا تنتهي بنفس الباقي الذي تكرر للمرة الثانية ونكون قد وقعنا في هذه الحلقة إلى الأبد.
فمثلًا هو كسر عشري غير منتهٍ: فالبواقي الممكنة التي نقابلها عند إجراء القسمة هي الأعداد إلى ، وبالفعل فجميعها تظهر. عند قسمة على ، دورة البواقي هي: ، ، ، ، ، ، ، ، ، … وهكذا يتضح أن طول كتلة التكرار هو ستة أرقام.
هذا يجيب عن السؤال الأول وأيضًا يقطع شوطًا في سبيل الإجابة عن السؤال الثالث: ما طول كتلة التكرار؟ إذا كان المقام هو ، فإن طول كتلة التكرار سيكون على الأكثر . هذا الطول الأقصى الممكن يظهر في بعض الأحيان — الكسور التي مقامها أو يكون طول كتلة التكرار فيها هو على الترتيب أو كما رأينا فعلًا. ومع ذلك، فقانون مورفي لا ينطبق؛ حيث إن الأوضاع ليست أسوأ ما يمكن دائمًا، حتى لو كان المقام عددًا أوليًّا: . وهي كتلة تكرار طولها رقمان فقط، وكذلك ، وهي كتلة تكرار طولها ستة أرقام فقط. وهناك الكثير عن الطول لكتلة التكرار في التمثيل العشري للكسر . فما دام و ليس بينهما عامل مشترك فإن تعتمد على وليس على . ويمكن وصف قيمة نفسها بطرق أخرى، ولكنها ليست بسيطة كما قد تتمنى؛ إذ لا يوجد قاعدة عامة سريعة لإيجاد من قيمة .
من ناحية أخرى، فإن السؤال الثاني الخاص بمعرفة أي الكسور تؤدي إلى كسور عشرية منتهية؛ أكثر سهولة في الإجابة عنه. نحن نعلم أن و ، وأن و هما عوامل للعدد ، وهو أساس نظامنا العددي. والآن إذا أخذنا كسرَين عشريَّين منتهيَّين، فيمكننا ضربهما معًا، وستكون النتيجة كسرًا عشريًّا منتهيًا آخر. ولعلك تتذكر أنه إذا كان العدد الأول لديه عدد من الخانات العشرية والعدد الثاني لديه عدد منها، فإن حاصل ضرب العددين لن يحتوي على أكثر من من الخانات العشرية؛ فمثلًا توضح مثالًا على أنه عندما يكون ، فإن حاصل ضرب العددين سينتهي بعد ثماني خانات من العلامة العشرية. ويترتب على ذلك أن أي عدد هو حاصل ضرب و لأي عدد من المرات، بمعنى أن مقامه يساوي حاصل ضرب أي عدد من و ، سيكون له تمثيل عشري منتهٍ. على سبيل المثال:
إليك ما هو أكثر: أي مضاعف لكسر عشري منتهٍ سيكون أيضًا منتهيًا؛ فمثلًا . والسبب في ذلك أن ضرب الكسر العشري المنتهي في عدد صحيح لن يزيد عدد العناصر غير الصفرية (الخانات العشرية) بعد العلامة العشرية (على الرغم من أنه قد يُنقصها، فمثلًا: ).
وربما كان إثبات العكس أكثر بساطة: فالكسر العشري المنتهي يمكن كتابته على صورة كسر اعتيادي، حيث المقام هو حاصل ضرب مضاعفات و . حيث إن أي كسر عشري منتهٍ يكتب فورًا على صورة كسر اعتيادي مقامه قوى العدد . فمثلًا:

في هذا المثال المقام هو:

طبعًا من الممكن اختصار الكسر كما حدث هنا، لكن المقام يظل حاصل ضرب الأعداد و بمعنى أن: ‏ .

ها قد وصلنا إلى وصفٍ كامل للكسور الاعتيادية التي تعطي كسورًا عشرية منتهية:

الكسر يكون له تمثيل عشري منتهٍ، إذا وفقط إذا، كانت على الصورة ، بمعنى، إذا وفقط إذا، كان مقام الكسر هو حاصل ضرب مضاعفات العددين و . (وهذا يتضمن أيضًا المقامات على صورة مضاعفات العدد فقط أو مضاعفات العدد فقط مثل أو .)
الأعداد و هي أعداد خاصة لأنها عوامل للعدد ، وهو أساس نظام الأعداد الذي نستخدمه. فإذا كنا سوف نغير أساس نظام الأعداد، فإن فئة الكسور العشرية المنتهية سوف تتغير أيضًا معه. فمثلًا: في حالة الأساس . (معروف باسم نظام الأعداد الثلاثي) فالكسر هو كسر منتهٍ؛ حيث إن في النظام الثلاثي سيكون تمثيله هو حيث هنا تعني وليس .

دعونا الآن نتناول السؤال الرابع. سوف أوضح كيف نغير أي كسر عشري متكرر إلى كسر اعتيادي. هذه التقنية الخاصة يبدو أنها لا تُعلَّم دائمًا في المدارس، وهذا أمر مخجل، حيث إنها طريقة بسيطة وأيضًا ذكية. بعض الأمثلة ستكون كافية لتوضيح الطريقة.

دعنا نجرب طول كتلة التكرار هنا هو ؛ ومن ثم نضرب العدد، ولنرمز له ﺑ ، في والآن ومن ثم هذا يؤدي إلى الفكرة هنا أنه بما أن كلًّا من و لهما نفس المفكوك بعد العلامة العشرية، فهذا يثبت أن وبطرح من الطرفين نحصل على أي إن: . وفي النهاية بعد الاختصار نحصل على:
من الأفضل الآن أن تجرب بعضًا من هذه بنفسك. استخدم نفس التقنية لاختبار أن و . (سوف تحتاج هنا للضرب في .)
سوف يظهر تغيير بسيط عندما نأخذ مثالًا مثل . وفي هذه الحالة تكون ؛ ومن ثم نحن نحتاج إلى الضرب في فقط لنحصل على . بالطرح نحصل على في هذه المرة العددان متطابقان بداية من الخانة الثانية بعد العلامة العشرية؛ ومن ثم هذه الأجزاء يحذف بعضها بعضًا ونحصل على . وبضرب الطرفين في للحصول على معادلة تحتوي على أعداد صحيحة فقط، سيصبح لدينا ومنها .
فيما يلي مثال آخر للتجربة: أثبت أن .

في الختام، يمكننا تمثيل أي كسر اعتيادي في صورة كسر عشري متكرر (تذكر أن الكسور العشرية المنتهية تنتمي أيضًا إلى هذه الفئة)، والعكس صحيح، ومن ثَم إيجاد تناظر بين الأعداد النسبية والكسور العشرية المتكررة. قطعًا من السهل إنتاج كسور عشرية ليست متكررة. فعلى سبيل المثال، في العدد

يوجد نمط في هذا المفكوك العشري، لكنه ليس كسرًا عشريًّا متكررًا. ونستنتج من ذلك أن ليس عددًا نسبيًّا — أي لا يمكن كتابته كنسبة بين عددَين صحيحَين. الأعداد مثل ، تُعرف بأنها أعداد غير نسبية، ومن السهل جدًّا إيجادها. فمثلًا هل يمكنك أن تعرف لماذا يعتبر العدد عددًا غير نسبي أيضًا؟

(٣) اللانسبية في الهندسة

ليس من الصعب توليد أعداد على آلتك الحاسبة ليس لها مفكوك عشري متكرر. جرب . هذا العدد يتطلب بعض التفكير. كيف نعرف أن ليس له مفكوك عشري متكرر؟ قد يكون طول كتلة التكرار به مئات من الأرقام، أو إن التكرار لا يبدأ حتى بعد مليون من الخانات العشرية. بعبارة أخرى؛ قد يكون العدد نسبيًّا رغم كل شيء.
يقال إن الفيثاغورثيين في القرن السادس قبل الميلاد كانوا ينزعجون بشدة بشأن أعداد من أمثال العدد . ومن المؤكد أنهم لم يكونوا ليسعدوا بطريقتنا في فعل الأشياء. فعلى أية حال، إذا لم يكن بإمكاننا كتابة على صورة كسر، فما معناه إذن؟
في نهجنا، من خلال مفكوك الكسور العشرية، يؤدي موقفنا الفلسفي إلى ما يلي. نحن نقول إن العدد حقيقيٌّ إذا أثبتنا أنَّ له مفكوكًا عشريًّا. ولهذا السبب هو عدد حقيقي لأنه يمكننا إيجاد المفكوك له لأي عدد من الخانات العشرية كما يلي. نبدأ بملاحظة أن ومن ثم بأخذ الجذر التربيعي نجد أن أي إن العدد يقع بين و أي إن ثم نلاحظ أن: وهكذا فإن . يمكننا أن نستمر بهذه الطريقة للخانة الثانية والثالثة العشرية. ويمكنك أن تتحقق من أن و وهكذا. بشكل مبدئي لا يوجد حدٌّ لعدد الخانات التي يمكن أن نَحسُب بها العدد ؛ ومن ثم فإنه وَفقًا لطريقتنا في التفكير هو عدد حقيقي، حتى لو ظهر أن هذا العدد غير نسبي. (بالتأكيد، توجد طرق أكثر كفاءة لاستخراج الجذور التربيعية من هذه الطريقة الساذَجة، ولكنها كافية لتوضيح الفكرة.)
من قراءاتي، أعتقد أن الفيثاغورثيين لم يكونوا ليقبلوا بأيٍّ من هذا. فقد كانوا يؤمنون بالبساطة ويرتابون في أي عملية غير محدودة مثل العملية التي انغمسنا فيها توًّا. إنهم لم يكونوا ليقبلوا أن شيئًا نجَم عن عملية حسابية غير منتهية يمكن أن يتمتع بنفس وضع الأعداد النسبية العادية التي آمنوا بها بشدة وشكلت حجر الزاوية في فلسفتهم. ومع ذلك، فقد اعتقدوا في أيضًا، ولكن لأسباب مختلفة تمامًا. فبالنسبة لهم كان عددًا ذا معنًى لأنه يمكن تكوينه. ولشرح وجهة نظرهم، نحتاج إلى تبني نهج هندسي.
نظرية فيثاغورث هي حقيقة بسيطة تخص أي مثلث قائم الزاوية. إذا كان طولا الضلعين الأقصر هما و وكان طول الوتر هو فإن النظرية تقول . وكحالة خاصة إذا أخذنا فسنحصل على . ومن ثَم فإن طول الضلع الأطول في المثلث هو . اليونانيون علموا أن مثل هذا المثلث يمكن تكوينه دون استخدام أداة لقياس الطول أو الزاوية، ولكن ببساطة باستخدام حافة مستقيمة وفرجار. وفي وجهة نظرهم أن هذا يعني أن الأعداد المتكونة مثل تتمتع بوجودٍ ماديٍّ طبيعي اعتبروه ذا أهمية خاصة.
دعونا نرَ كيف يتكون العدد . إن قول إن العدد يمكن إنشاؤه أو تكوينه يعني أنه، بمعلومية أي قطعة مستقيمة لاستعمالها كمعيار لوحدة الطول، توجد مجموعة من العمليات المتتابعة التي يمكن القيام بها باستخدام حافة مستقيمة (ليست مسطرة مقسمة، بل مجرد حافة مستقيمة) وفرجار تؤدي إلى قطعة مستقيمة أخرى لها الطول . لتكوين المثلث القائم الزاوية والمتساوي الساقين الذي ذكرناه سابقًا، يمكن أن تقوم بما يلي. (المثلث المتساوي الساقين يعني أن طولَي ضلعين من أضلاعه متساويان؛ ومن ثَم فإن هناك زاويتَين في المثلث أيضًا متساويتَين.)
لديك قطعة مستقيمة ولها نهايتان و لتستخدم كوحدة عيارية للطول. مد القطعة المستقيمة من جهة واستخدم الفرجار لتحديد النقطة على يمين النقطة بحيث يكون طولا و متساويَين (كما في الشكل ٢-١).
افتح الفرجار أكثر وارسُم قطعةً من قوس دائرة مركزها النقطة ودون تغيير فتحة الفرجار، افعل نفس الشيء من النقطة . الدائرتان اللتان قمت برسمهما سوف تتقاطعان أعلى وأسفل النقطة : لتكن النقطة ، هي نقطة التقاطع أعلى . ارسُم الخط من إلى . بالتماثل الزاوية هي زاوية قائمة. استخدم الفرجار، مرة أخرى، لتحديد طول مساوٍ ﻟ على الخط الواصل بين و . فَلْنسمِّ هذه النقطة النهائية ، وهي تعتبر، وَفقًا لهذا التكوين، الرأس الثالث للمثلث القائم الذي أطوال أضلاعه (الضلع ) و (الضلع )، وطبقًا لنظرية فيثاغورث (الضلع ).
fig6
شكل ٢-١
حقيقة أنه تبيَّن أن عددٌ غير نسبي، أحدثت اضطرابًا في طريقة تفكير الفيثاغورثيين. حتى إن هناك بعض القصص عن حدوث تهديدات بالقتل أو جرائم قتل فعلية لإيقاف هذه الأخبار السيئة للغاية. وهذا يعتبر غير منطقي وفقًا لطريقتنا في التفكير، وحيث إنه قد مرَّت آلاف السنين بين حياة هؤلاء الناس وحياتنا، فإن هذه القصص لا تثير لدينا سوى السخرية. دعنا نرَ لماذا من المستحيل أن يكون كتابة مساوية لكسر اعتيادي. سوف نستخدم أسلوب المعارضة؛ بمعنى أننا سوف نفترض العكس، ثم نبحث عما يعارض ذلك.
فلنفترض، على عكس ما نريد إثباته، أن هو العدد النسبي ، حيث لا يوجد عامل مشترك بين و . بتربيع طرفَي المعادلة نحصل على ، التي تعني بالتبعية أن
لاحظ أن الطرف الأيسر مضاعف للعدد ؛ أي إنه عدد زوجي، ومن ثَم هو أيضًا عدد زوجي. وهذا بالتبعية يعني أن نفسها عدد زوجي. (حاصل ضرب أيِّ عددَين فرديَّين هو أيضًا عدد فردي؛ لذلك إذا كان عددًا فرديًّا فإن سيكون فرديًّا.) ومن ثم يمكن كتابة بدلًا من ، حيث عدد صحيح. ومنها فإن:
وعند حذف العدد المشترك من طرفي هذه المعادلة نحصل على: . هل تستطيع رؤية العقبة القادمة؟ باستخدام نفس المنطق السابق نستنتج أن تمامًا مثل لا بدَّ أن يكون عددًا زوجيًّا. ولكن هذا يناقض الفرض الأصلي أن ، ليس بينهما عامل مشترك؛ أي إن فكرة كتابة أدَّت إلى نتيجة خاطئة وهي أن كلًّا من و مضاعف للعدد . ولم يتبقَّ لنا خِيارٌ سوى أن نعترف بأنه لا يمكن كتابة على صورة كسرٍ اعتياديٍّ. على الرغم من ذلك، فسوف أثبت في الفصل التاسع أنه من الممكن كتابة كمفكوك مكرر من نوع آخر.

الرياضيات الحديثة ممتعة بنتائجَ من هذا النوع. فهي تثبت لنا أنه يوجد في العالم ما هو أكثر من مجرد النسبة بين الأعداد الصحيحة. كان القدماء يطمحون بشغف إلى الوصول إلى نظام فلسفي يشمل كل شيء، ومن ثَم كانت خيبة أملهم مريرة بسبب الاكتشافات الجديدة التي انتهكت معتقداتهم. ولا يزال هناك منَّا مَن يبحث عن صورة كاملة للكون، ولكن هذا التوجُّه يعيق التقدم أكثر مما يساعد عليه. فقد ازدهرت جوانب جديدة للعلم، مرة تلو الأخرى فقط عندما استرخى الناس وتابعوا الأفكار الجديدة دون موانع ودون تحيُّز أو دون الحاجة إلى تبرير ما يفعلونه من وجهة نظر فلسفةٍ ما، سواء أكانت دينية أم علمانية.

بمجرد تحديد عدد غير نسبي واحد، تفتح بوابات الفيضان لأنك تستطيع أن تولد فورًا عددًا كبيرًا لا نهائيًّا من الأعداد غير النسبية. فلنفترض أن عدد غير نسبي. (يمكن أن تأخذ إذا رغبت.) عندئذٍ، بالنسبة لأي عدد نسبي سواء كان موجبًا أو سالبًا فإن العدد يكون عددًا غير نسبي أيضًا؛ لأنه إذا حدث العكس وكان يساوي عددًا نسبيًّا ، فسوف نحصل على:
وهو عدد نسبي في حد ذاته، وهو ما يناقض فرض أن عدد غير نسبي. نفس الشيء يحدث إذا ضربنا في عدد نسبي . ما دام ليست فإن حاصل الضرب لا يمكن أن يكون عددًا نسبيًّا ؛ لأن هذا سوف يؤدي مرة أخرى إلى أن يساوي عددًا نسبيًّا (النقطة بين الأعداد تعني الضرب):
بشكل خاص، الأعداد (بجمع ) و (بالضرب في ) هي أعداد غير نسبية اعتمادًا على عدم نسبية .
الشيء الجدير بالملاحظة أنه من الممكن جدًّا جمع عددين غير نسبيين موجبين أو ضربهما وتحصل على عدد نسبي. مثلًا و هما عددان موجبان غير نسبيين، لكن . وبنفس الطريقة و كلاهما عدد غير نسبي، ولكن مجموعهما .
الأكثر غرابة، يوجد برهان وجيه يثبت أن هناك عددَين غير نسبيَّين و بحيث إن يكون عددًا نسبيًّا. سوف نثبت هذا، على الرغم من أننا لن نستطيعَ إيجاد العددين و فعلًا! وسوف أُذكِّرك أولًا بطريقة التعامل مع الأسس.

(٤) الأسس واللوغاريتمات والأعداد غير النسبية

أول قوانين الأسس هو . وهذا واضح إذا لاحظت أن الأس والأس هما عدد العوامل في حاصل الضرب، فمثلًا:
وهذا يعني أن يُضرب في نفسه من المرات. بنفس الطريقة يمكننا إيجاد معنى القانون الثاني للأسس من خلال الحذف: ، فمثلًا:
وأخيرًا القانون الثالث للأسس هو بالمثل عبارة حسابية: فمثلًا:
هذا المعنى ينسحب أيضًا على القوى (الأسس) الصحيحة غير الموجبة وذلك بالإصرار على أن هذه القوانين صحيحة دائمًا، فمثلًا نعني بالعدد لأن:

وهكذا وبمثل هذا التوضيح:

الذي يتوافق مع القانون الأول. العدد يعني العدد لأن هذا متوافق مع استخدام القانون الثاني في أوضاع مثل:
طرح الأسس هنا يؤدي إلى أس . القانون الثاني يتطلب أيضًا أن نأخذ للتوافق مع حقيقة أن لأن طرح الأسس هنا يؤدي إلى أس .
بالنظر إلى قوانين الأسس، يمكننا أن نثبت أنه لا بدَّ من وجود عددين غير نسبيين و ، بحيث عدد نسبي. أولًا نأخذ الحالة . العدد إما أن يكون نسبيًّا أو لا. فإذا كان العدد نسبيًّا فهذا هو المطلوب. من جهة أخرى إذا كان هذا العدد غير نسبي (وهذا قد يكون الاحتمال الأكثر توقعًا بالنسبة لك) نضع و . فيكون العددان غير نسبيين؛ ومع ذلك باستخدام القانون الثالث للأسس نحصل على:

ومن ثَم في كلا الحالتَين فإن الأعداد غير النسبية موجودة.

الشيء المُلاحَظ في هذا البرهان أنه أعطى بديلَين، واستنتج أن أحدهما يقود إلى نموذج لزوج من الأعداد لهما الخاصية المطلوبة، ولكنه لا يُقدِّم أي فكرة عن أي عددين يحققان ذلك. لهذا السبب فإن كثيرًا من الناس، ومن بينهم بعض علماء الرياضيات، يعتبرون هذا البرهان عمليًّا لا قيمة له. لكن هذا لا يزعجني.

حيث إننا استغرقنا وقتًا لمراجعة قوانين الأسس، فلدينا فرصة عرض بعض من خواص اللوغاريتمات، وهو موضوع غالبًا ما سيكون القراء الأكبر سنًّا قد تعرَّفوا عليه بإسهاب خلال المرحلة الثانوية.

التعريف بسيط: إذا كان فنقول إن هي لوغاريتم للأساس ونكتب نستطيع إبدال أي أساس آخر بالأساس ، لكننا لسنا في حاجة لفعل ذلك هنا، وسوف نستخدم فقط الأساس ونكتب ليعني أن ؛ فمثلًا لأن و لأن .

إن الخاصية السحرية التي تميزت بها اللوغاريتمات وأدَّت إلى ثورة علمية، هي أنها حولت عمليات الضرب والقسمة إلى جمع وطرح؛ لأن:

قد سمح لنا ذلك بإجراء عمليات الضرب والقسمة الصعبة بدقة عالية: لضرب العددين و ، علينا فقط أن نبحث عن لوغاريتمَي العددين، ثم نجمعهما، ونوجِد العدد الذي لوغاريتمه هذا المجموع؛ أي نحصل على معكوس اللوغاريتم. هذه الخواص هي نتيجة بسيطة لتعريف اللوغاريتم وقوانين الأسس. فمثلًا خاصية الجمع تنشأ من القانون الأول للأسس. سوف نكتب و للعددين و على الترتيب. فيكون:
ومن ثم فإن: بالمثل خاصية الطرح تنشأ من القانون الثاني، في حين أنه عند شرح القانون الثالث، نحصل على الخاصية الإضافية أن: ومن ثم، فمثلًا:
كل ما هو مطلوب بشكل حاسم ونهائي هو جدول اللوغاريتمات للأعداد بين و وبعد ذلك يمكن فعلًا الحصول على لوغاريتم أي عدد؛ لأن أي عدد خارج النطاق يمكن التعامل معه بقوانين اللوغاريتمات. على سبيل المثال:
ولعلك تتذكر أن هذين الجزأين للوغاريتم، و معروفان باسم الكسر العشري للوغاريتم والعدد البياني المميز للوغاريتم على التوالي.

كانت اللوغاريتمات هي أهم الوسائل العملية منذ فترة ليست بعيدة، وكانت المسطرة الحاسبة هي التمثيل المادي لها. وهذه الأداة عبارة عن مسطرة مدرجة لوغاريتميًّا بدقة فائقة لجمع وطرح اللوغاريتمات. وكانت المسطرة الحاسبة الجيدة قطعة هندسية جميلة. فإذا كنت لا تزال تحتفظ بواحدة فربما يكون من الحكمة أن تحافظ عليها فقد تصبح من الأشياء العالية القيمة التاريخية.

لم تَعُد التقنيات المستخدمة في اللوغاريتمات تدرس اليوم على الإطلاق لأن الغرض الأساسي منها كان عمليًّا؛ ومن ثم فقد أضحت عديمة القيمة بظهور الآلات الحاسبة التي تستطيع القيام بالعمل بدقةٍ وبسرعةٍ أكبر. على أية حال، هناك خسارة حقيقية صاحبَت اختفاء الجداول اللوغاريتمية. فتَكرار الرجوع إلى صفحات جداول اللوغاريتمات والدوال المثلثية كان يولد إتقان سلوك الدوال نفسها. والأكثر من ذلك، أن هذه الطريقة كانت تلجأ إلى استخدام القياس والاستقراء الداخلي (بمعنى تقدير قيم وسيطة لم تُكتب صراحةً في الجدول) ومن ثَم كان المستخدمون يحتاجون إلى الاحتفاظ بمهاراتهم الرياضية لدرجة يفتقدها الطلاب الذين يعتمدون على الآلات الحاسبة في الوقت الحالي؛ فبمجرد أن تختصر المسألة إلى تطبيق للآلة الحاسبة، يصبح الطلاب سلبيين نسبيًّا، ويتعلمون بدرجة أقل، ويوافقون على أي نتيجة تظهر على شاشة الآلة الحاسبة دون أي استفسار.

وجدير بالذكر أن الدالة اللوغاريتمية ما زالت مُهمَّةً في العلوم. فكثير من المقاييس الطبيعية هي لوغاريتمية الأساس، فمقياس الحموضة ، ومقياس ريختر للزلازل، ومقياس الصوت ديسيبل؛ هي ثلاثة من كثير. بالإضافة إلى أن اللوغاريتم الطبيعي يظهر بشكل تلقائي في حساب التفاضل والتكامل؛ اللوغاريتم للأساس ، والعدد هو عدد غير نسبي يظهر في مسائل خاصة بالربح المركب. ومن ثم فطلاب العلوم ما زالوا في حاجة إلى دراية شاملة بحساب اللوغاريتمات، وهم يعانون بفقدهم التدريب العملي التقليدي الذي تقدمه جداول اللوغاريتمات.

اختراع اللوغاريتمات كان دفعًا قويًّا للعلوم في مستهل القرن السابع عشر والفضل يعود بالدرجة الأولى إلى الاسكتلندي جون نيبير. ومع ذلك لم يكن تطورها مباشرًا كما هو متوقَّع. كانت لوغاريتمات نيبير الأصلية أقرب ما تكون إلى ما يُسمَّى باللوغاريتمات الطبيعية المشار إليها سابقًا. وعلاوة على ذلك، كان ثمة تقنيات موازية تُستخدَم مِن قِبل عالمَي الفلك براهي وكيبلر في الدنمارك، في نفس الوقت، للقيام بحسابات صعبة جدًّا على مدار كوكب المريخ باستخدام تقنية تحتوي على متطابقات من حساب المثلثات وتخدم في التعبير عن حاصل الضرب كمجموع. وقد أصبحت أهمية هذه المتطابقات موضع تقدير في أوروبا خلال القرن السادس عشر، بينما اكتشفت القواعد نفسها في الشرق الأوسط في فترة ترجع إلى القرن الحادي عشر.

بما أننا نتحدث في موضوع الأعداد غير النسبية، فمن الإنصاف أن نذكر أن إحدى صعوبات اللوغاريتمات تكمن في أن لوغاريتم العدد النسبي هو عدد غير نسبي، إلا إذا كان قوةً للعدد . فمثلًا من السهل رؤية ذلك للعدد : مرة أخرى سوف نستخدم البرهان بالتناقض. نفترض أن يساوي الكسر وهذا يعني أن وبرفع طرفي هذه المعادلة للقوة نحصل على . ولكن هذا غير ممكن لأن الطرف الأيسر عدد فردي بينما الطرف الأيمن عدد زوجي.

(٥) الأعداد غير النسبية هي القاعدة

على الرغم من أنه توجد عبارات كثيرة جدًّا صائبة في العالم، فنحن جميعًا نعرف أن الصواب أصعب كثيرًا في الوصول إليه من الخطأ. وبالطريقة نفسها، الأعداد غير النسبية أكثر شيوعًا بكثير جدًّا من الأعداد النسبية، عندما يتعلق الأمر بالأعداد الاعتباطية. وهذا لا ينبغي أن يؤخذ على أنه ملاحظة غير هامة تخص الأعداد غير النسبية، ولكن مجرد وسيلة لتوصيل فكرة أنه على الرغم من وجود أعداد كثيرة جدًّا لا حصر لها نسبية، فإن كون العدد نسبيًّا يمكن أن ينظر إليه بصدق على أنه استثناء.

إذا فكرنا في الأعداد فيما يتعلق بالمفكوك العشري، فسيصبح واضحًا لدينا أن الأعداد غير النسبية التي لها مفكوك غير متكرر يجب أن تكون أكثر شيوعًا من الأعداد النسبية التي لها مفكوكات عشرية متكررة. يوجد برهان بسيط على ذلك بتخيل توليد عدد عشري عشوائي بطريقة ما (بالتقاط الأرقام من قبعة مثلًا). إن احتمال أن يقع المفكوك العشري في نمط كتلة تكرِّر نفسها — لا لعددٍ كبير من المرات فحسب، وإنما للأبد — لا بدَّ أن يكون احتمالًا صفريًّا. وهذه بالفعل فكرة حَدْسيَّة سليمة، ولكنها تحتاج إلى بعض الجهد لتصبح دقيقة. تكمن الصعوبة في أن البرهان ملتبسٌ في مفهوم المحدودية (النهائية) واللامحدودية (اللانهائية)؛ إذ نسمح لأنفسنا بالكلام عن نتيجة عملية لا نهائية وكأننا فعلًا نفذناها.

ربما يستند تفنيد هذا البرهان إلى ملاحظة أن كلتا المجموعتين من الأعداد، سواء النسبية أو غير النسبية، مجموعتان لا نهائيتان؛ ومن ثم فإن من غير المنطقي أن نقول إن إحداهما أكبر من الأخرى. وتعتمد هذه النتيجة على افتراض أن جميع المجموعات اللانهائية هي في الأساس متساوية؛ وهي فكرة لا تستطيع الصمود أمام التدقيق الجاد.

كان جاليليو أول من أوضح الطبيعة الغريبة للمجموعات اللانهائية. فالمجموعة اللانهائية يمكن تقسيمها إلى جزأين كلاهما لا نهائي ويمكن وضعهما في تناظر أحادي مع المجموعة الأصلية. فمثلًا لا نحتاج إلى النظر أبعد من المجموعة للأعداد الطبيعية . هذه المجموعة يمكن تجزئتها إلى المجموعتين و وهما مجموعتا الأعداد الزوجية والأعداد الفردية على الترتيب. بمعنى أنه على الرغم من أن كل هذه المجموعات لا نهائية، فإن المجموعة أكبر من ؛ حيث إن محتواة داخل . وأوضح جاليليو أن ما يجعل المجموعة اللانهائية تختلف عن المجموعة النهائية (المحدودة) هو أن الشخص يمكنه إزالة مجموعات لا نهائية منها، مثل إزالة من وما يتبقى (وهو المجموعة في هذه الحالة) يظل مجموعة لا نهائية. أما المجموعات النهائية فلا يمكن أن تحقق ذلك؛ حيث إننا إذا أزلنا شيئًا من مجموعة نهائية فمن المؤكد أن الباقي بعد ذلك أصغر من الأصل. هذا هو الفارق الأساسي بين طبيعة المجموعة اللانهائية والمجموعة النهائية. وعمليًّا يمكن أن يؤدي ذلك إلى جعل المجموعات اللانهائية أسهل في التعامل معها من المجموعات النهائية بمجرد أن تتعود على هذا الجانب من تركيبها.

توجد طريقة أساسية أخرى تختلف بها المجموعات اللانهائية بعضها عن بعض وهي أقل وضوحًا بكثير، ويبدو أنها لم تأخذ حقها حتى نهاية القرن التاسع عشر. فبعض المجموعات اللانهائية يمكن كتابتها في قائمة، وبعضها لا يمكن.

مجموعة الأعداد الطبيعية، وتسمى ، هي المجموعة المعتادة لأعداد العد: . وهذه المجموعة تجسد فكرة القائمة اللانهائية. غير أن بعض المجموعات اللانهائية الأخرى يمكن أن توضع في تناظر واحد إلى واحد مع الأعداد الطبيعية؛ ومن ثم يمكن أن توضع في قائمةٍ أيضًا. على سبيل المثال، فلنأخذ المجموعة ، المكونة من جميع الأعداد الصحيحة، أي الأعداد الموجبة والأعداد السالبة معًا بالإضافة إلى الصفر:

هذه المجموعة بطبيعة الحال تعتبر قائمة مضاعفة لا نهائية. ومع ذلك، يمكن إعادة ترتيبها في قائمة لها نقطة بداية كالتالي:

(2-2)

في الحقيقة، سوف نستخدم الفكرة المستعملة هنا أكثر من مرة؛ فإذا كان لدينا قائمتان:

نستطيع دمجهما معًا لتكوين قائمة واحدة تحوي جميع عناصر القائمتين الأصليتين:

وهذا ما فعلناه حقًّا عندما جمعنا بين الأعداد الصحيحة الموجبة والسالبة في قائمة واحدة. قد تظن أنه لا يوجد أكثر مما حدث هنا. من المؤكد أنك إذا أُعطيت أي مجموعة فيمكن أن تعتبرها قائمة بشكل ما، أليس كذلك؟ ولكن ماذا عن المجموعة التي تضم كل الأعداد النسبية؟ (لماذا استخدم الحرف للأعداد النسبية؟ لأن لها علاقةً بكلمة quotient في الإنجليزية التي تعني «خارج القسمة»). في الحقيقة، قد يكون كذلك ولكن نحتاج إلى أن نكون أكثر مهارة. سوف نتناول هذه المشكلة الأصعب بعد لحظة. ولكني أريد أولًا إزالة مصدر التباس محتمل.
القارئ قد يثير نفس الاعتراض الذي أثرته سابقًا، وهو أن برهان الدمج السابق يضم حديثنا المرسل عن عملية لا نهائية كما لو كنا قد نفَّذناها بالفعل. وجهة النظر هذه ليست ضرورية لكي نوضِّح — مثلًا — أن مجموعة الأعداد الصحيحة تُكوِّن قائمة، طالما قدمنا بوضوح ماذا نعني بذلك. عندما أقوم بتكوين قائمة لا نهائية ، فأنا أعني بذلك هنا أن لكل عدد توجد قاعدة لتعيين ترتيب هذا العدد في . وعندما أدَّعي أن هي قائمة لكل الأعداد الصحيحة، فأنا أعني أن لأي عدد صحيح يمكن إيجاد المكان الذي يظهر فيه في القائمة . بعبارة أخرى، على الرغم من أننا قد ننتظر إلى الأبد حتى تظهر جميع الأعداد الصحيحة، فعلينا فقط أن ننتظر لعدد محدود من الخطوات حتى يظهر أي عدد صحيح محدد. صحيح أنني لم أعط قطُّ قاعدة صريحة لتحديد ترتيب العنصر في القائمة )2-2( السابقة، لكني اعتمدت على القراء في معرفة النمط البسيط المستخدم في تكوينها. ولا حرج في ذلك شريطة أن تتمكن من مواصلة كتابة عناصر أكثر في هذه القائمة بطريقة ليست غامضة. ومع ذلك، فليس علينا أن نخدع أحدًا. على سبيل المثال، العدد الموجب يحتل الترتيب في القائمة، فمثلًا العدد هو السادس في القائمة، والعدد السالب يحتل الترتيب فمثلًا ترتيبها هو السابع و ترتيبه هو الأول. ولهذا نرى أننا نعرف مكان كل عدد صحيح على وجه الدقة في قائمتنا، فكلها موجودة ومحسوبة.
والآن دعونا ننظر في مسألة كتابة قائمة بجميع الأعداد النسبية بين صفر وواحد. هذه تبدو مُهمَّة صعبة لأن الأعداد النسبية كثيفة، بمعنى أنه بين أي عددين منها يوجد عدد آخر؛ فمثلًا متوسط أي عددين يقع بالضبط في منتصف الطريق بينهما. هذه على أية حال لا تشكل أي صعوبة حقيقية ما دمنا لا نصر على أن نكتب الأعداد بترتيب تصاعدي أو تنازلي؛ ببساطة نكتب قائمة الأعداد النسبية التي مقامها أولًا (أي الأعداد و ) ثم جميع الأعداد التي مقامها ثم التي مقامها وهكذا:
الملاحظة الأساسية أنه يوجد دائمًا وأبدًا عدد كبير محدود من الأعداد النسبية بين و التي لها مقام بعينه (إذا كان هو المقام فلا يوجد أكثر من من الأعداد)؛ ومن ثم فإن إنشاء قائمة بهذه الطريقة سوف يعطي في نهاية المطاف كل الأعداد النسبية بين و . ولن يهرب أيٌّ منها.
الآن تأتي خدعة أخرى. إذا أخذنا جميع عناصر هذه القائمة بعيدًا عن و ثم قلبنا كل واحد منها، فسوف نحصل على جميع الأعداد النسبية الأكبر من الواحد:
هذا يتطلب التفكير قليلًا. ولأن جميع الكسور في القائمة الأولى تقع بين و . فإن معكوساتها ستكون أكبر من . علاوة على ذلك، إذا كان عددًا نسبيًّا أكبر من فإن عدد نسبي أصغر من ، أي يقع بمكان ما في قائمتنا الأولى؛ ومن ثم معكوسه سيقع في المكان المناظر من القائمة الثانية. فمثلًا يقع في المكان التاسع في القائمة المعكوسة كما أن هو التاسع في قائمة الكسور (التي تبدأ ﺑ ). مرة أخرى، لن يُفقد أي عدد نسبي. قد يبدو ذلك رائعًا بدرجة تجعله لا يبدو واقعيًّا، لأنه يبدو أن هناك أعدادًا نسبية أكثر بكثير أكبر من مقارنة بالأعداد المحصورة بين و . ومع ذلك، كما قلت، المجموعات اللانهائية يمكن أن تكون غريبة.
الآن لدينا مجموعتان يمكن وضعهما في قوائم: الأعداد النسبية بين و والأعداد النسبية الأكبر من . باستخدام حُجة الإدماج التي استخدمناها سابقًا لإثبات أن الأعداد الصحيحة يمكن أن تُكتب في قائمة، فيمكننا الجمع بين هاتين المجموعتين في قائمة واحدة، مما يدل على أن الأعداد النسبية بدءًا من إلى أعلى يمكن أن تكوِّن قائمة.
أخيرًا بنفس الطريقة، يمكننا أن نكوِّن قائمةً من جميع الأعداد النسبية السالبة، ثم بالإدماج مرة أخرى يمكننا جمعُ هذه القائمة مع قائمة الأعداد النسبية غير السالبة، لتنتج قائمة واحدة تحتوي على كل الأعداد النسبية. يمكننا فعلًا كتابة أول دزينتَين من الأعداد النسبية في قائمتنا؛ سوف نكتب الأعداد النسبية الصحيحة دون المقام لتقليل الجهد. للحفاظ على عرضٍ أكثر تماثلًا، سوف نرتب الأشياء باختلاف بسيط. ابدأ بالعدد واجعل القائمة الأولى ولتكن هي قائمة الأعداد النسبية بين و . ولتكن هي القائمة المكونة من معكوسات الأعداد الموجودة في ؛ ولتكن هي الأعداد السالبة من عناصر ؛ وكذلك هي الأعداد السالبة من عناصر . عندئذٍ تنتج عملية الإدماج على النحو التالي:

ولن يجد القرَّاء مشقةً كبيرة في مد هذه القائمة إلى دزينة عناصر أخرى أو أكثر.

(٦) إلى اللانهائية وما بعدها

شخصية «بظ يطير» في فيلم الأطفال «توي ستوري» تحضُّنا على السفر إلى اللانهائية وما بعدها، وهو شيء عزيز جدًّا على قلب علماء الرياضيات الذين أخذوا على عاتقهم القيام بهذه المهمة لأكثر من قرن من الزمان، والآن أضحى لديهم فكرة جيدة جدًّا عما نتوقع عند الوصول إليها.

يوجد الكثير من المجموعات الكبيرة من الأعداد التي يمكن كتابتها في قائمة بالطريقة التي وصفناها في القسم السابق. إحدى هذه المجموعات التي تحتوي هي المجموعة المكونة من جميع الأعداد الجبرية. هذه الأعداد هي حلول معادلات كثيرة الحدود لها معاملات صحيحة (أي معادلات مثل ، حيث الأعداد المضروبة في قوى هي أعداد صحيحة). كل عدد نسبي هو حل للمعادلة البسيطة ، ومن ثَم فهو جبري. نفس الشيء ينطبق على العدد الذي هو حل للمعادلة ، ونفس الشيء بالنسبة إلى أي الجذر التكعيبي للعدد لأنه حل للمعادلة . والعدد غير الجبري يطلق عليه العدد المتسامي، رغم غرابة الاسم. كما سنرى حالًا، الأعداد المتسامية ليست نادرةً بأي حال، بالرغم من أن إثبات أن عددًا ما مُتسامٍ هو أمر صعب بشكل غير عادي. العدد غير النسبي الذي قُدم سابقًا هو عدد متسامٍ (بالرغم من أن هذا ليس أمرًا واضحًا) وكذلك العدد . وقد أثبت ليندمان في القرن التاسع عشر أن ليس عددًا جبريًّا، وكان من نتائج ذلك استحالة تربيع الدائرة؛ بمعنى أنك إذا أُعطيتَ دائرةً فمن المستحيل رسمُ مربع، باستخدام حافة مستقيمة (مسطرة غير مرقمة) وفرجار، له نفس مساحة الدائرة المعطاة. الصعوبة تكمن في أن الأعداد القابلة للإنشاء هي أعداد جبرية. تربيع الدائرة هو في الواقع تحدٍّ لإنشاء . إذا أمكنك إنشاء ، فسيمكنك إنشاء العدد المتسامي ، لكن من المستحيل إنشاء عدد متسامٍ.
حتى إنه ليست الأعداد الجبرية جميعها قابلةً للإنشاء. فعلى وجه الخصوص هو عدد جبري غير قابل للإنشاء وهذا يجيب عن سؤالٍ كلاسيكيٍّ آخر: إذا أُعطيت مكعبًا فهل يمكنك إنشاء مكعبٍ آخر له بالضبط ضعف حجم المكعب الأصلي؟ هذه مسألة جزيرة ديلوس (مسألة مضاعفة المكعب) الشهيرة؛ المهمة التي حدَّدها الرب حتى يبعد الطاعون عن أثينا.
آخر هذه المسائل الثلاث الكلاسيكية هي مهمة تثليث زاويةٍ اعتباطيةٍ أي تقسيم الزاوية إلى ثلاثة أجزاءٍ متساوية. فمع أن إنشاء زاوية بسيط للغاية بهذا الشكل فمن المستحيل فعل ذلك مع زاوية . ومن ثم تمت الإجابة عن هذه المسائل الثلاث بالنفي بعد أكثر من ٢٢٠٠ سنة من طرح هذه الأسئلة.
كثير من الناس يشعرون بمواجهة تحدٍّ عند سماع كلمة مستحيل ويرفضون تصديق أي بيان علمي يحتويها. والادعاءات المذكورة آنفًا يمكن جعلها أقل استفزازًا كالتالي: تبين أن الأعداد القابلة للإنشاء لها خواص خاصة لا تتمتع بها جميع الأعداد، ونستطيع التحقق بشكل خاص من أن تفتقر إلى واحدة من هذه الخواص. هذا البيان هادئ الصيغة له نفس فعالية التأكيد الصارخ على أنه من المستحيل مضاعفة حجم المكعب.
بالعودة إلى تحقيقاتنا الراهنة، فإننا كتبنا مجموعة الأعداد النسبية في قائمة، أي: الأعداد التي لها مفكوك عشري مكرر. وسوف نثبت الآن أنه من المستحيل عمل قائمة مماثلة لجميع الأعداد الحقيقة — جميع المفكوكات العشرية للأعداد — بين و . كيف نعرف أنه لا توجد طريقة لفعل ذلك ولكننا ببساطة لم نفكر فيها؟ نعرف ذلك لأن جورج كانتور، في نهاية القرن التاسع عشر، استحدث برهانًا أسماه البرهان القطري لإثبات أن هذا الأمر مستحيل. ويتكون هذا البرهان فقط من ملاحظة أنه بالنسبة لأي قائمة لا نهائية من الأعداد العشرية (بين و على سبيل المثال) من الممكن استخدام القائمة نفسها لإنشاء عدد عشري آخر بين و لم يكن موجودًا في القائمة الأصلية ، وفسر ذلك بعناية أكثر في لحظة. هذا يبدو غير مؤذٍ تمامًا، لكنه يستتبع على الفور أنه لا توجد قائمة تشمل كل الأعداد الحقيقية بين و .
أما البرهان نفسه، فهو كما يلي. افترض أن لديك قائمتك . كل ما نحتاج إليه هو كتابة عدد يختلف عن العدد الأول في القائمة في الخانة العشرية الأولى، ويختلف عن العدد الثاني في القائمة في الخانة العشرية الثانية، وهكذا، ويختلف عن العدد الذي ترتيبه في الخانة العشرية رقم . هذا العدد الذي أنشأته يختلف عن كل الأعداد المدرجة في القائمة. إذا تخيلت أن كل الأعداد العشرية المدرجة في القائمة تكتب واحدًا تحت الآخر، فسننشئ العدد بالنظر إلى قطر القائمة المعروضة من أعلى اليسار إلى أسفل اليمين ونتأكد أن تختلف عن الصف الذي ترتيبه من المصفوفة عند المُدخل الذي يقع في العمود الذي ترتيبه .
المجموعات التي لا يمكن كتابتها في قائمة تُسمَّى مجموعات غير قابلة للعد، أما المجموعات التي يمكن كتابتها في قائمة فتسمى مجموعات قابلة للعد (بالرغم من كونها قد تكون لا نهائية مثل مجموعة الأعداد النسبية). من الواضح أنه إذا كانت المجموعة قابلة للعد، فكذلك أي مجموعة محتواة داخلها؛ لأن لكتابة قائمة تحتاج فقط أخذ قائمة وقراءتها من أجل إنشاء قائمة بعناصر . ومن ثم إذا كانت مجموعة غير تحتوي ستكون غير قابلة للعد أيضًا (لأنه إذا كانت قابلة للعد، فإن ستكون قابلة للعد أيضًا بناء على البرهان السابق). ومن ثم، نظرًا لأن مجموعة الأعداد الحقيقية بين و ثبت أنها غير قابلة للعد فإن المجموعة التي تضم كافة الأعداد الحقيقية ستكون أيضًا غير قابلة للعد، على الرغم من أن المجموعة التي تضم كل الأعداد النسبية هي مجموعة قابلة للعد. ولهذا فقد اكتشفنا بطريقة نوعية أن مجموعة الأعداد العشرية أكبر من مجموعة الأعداد النسبية.
يمكننا إضافة المزيد. بناءً على حقيقة أن مجموعة كل الأعداد الجبرية هي مجموعة قابلة للعد (ولم نُثبِت ذلك هنا، ولكن إثباته أصعب قليلًا من إثبات أن مجموعة الأعداد النسبية قابلة للعد)، نستنتج أن المجموعة التي تضم كل الأعداد المتسامية هي مجموعة غير قابلة للعد. (إذا كانت قابلة للعد فإننا نستطيع إثبات أن اتحاد المجموعتين و هو مجموعة قابلة للعد، ولكن هذا متناقض مع حقيقة أن اتحادهما يُنتج مجموعة الأعداد الحقيقة التي نعرف الآن أنها غير قابلة للعد.) هذه نتيجة مهمة للغاية: لأنها توضح أن مجموعة غير قابلة للعد (وعلى الأخص لا نهائية) دون معرفة أيٍّ من عناصرها. بعبارة أخرى، يمكننا الآن معرفة وجود كثيرٍ من الأعداد المتسامية غير القابلة للعد دون معرفة هُويَّة أي عنصر منها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤