الفصل الثالث والعشرون

انعكاس القرد

هل يختلف البشر حقًّا لهذه الدرجة عن الحيوانات الأخرى؟

لا يمكن لأي شخص ينظر في عينَي الغوريلا — بذكائها، ورقَّتها، وهشاشتها — ألَّا يتأثر؛ إذ تتلاشى حينها الفجوة بين القرد والإنسان، نحن نعلم أن الغوريلا لا تزال تعيش بداخلنا. فهل تدرك الغوريلا أيضًا هذه الصلة القديمة؟

جورج شالر
لقد لاحظ الناس أوجه التشابه بين البشر والقردة منذ زمن بعيد حتى قبل لينيوس (انظر الفصل الثاني والعشرين). عندما صدر كتاب داروين «أصل الأنواع» في عام ١٨٥٩، كان ما صدم الناس ونفَّرهم على وجه التحديد؛ فكرة أنهم مرتبطون ارتباطًا وثيقًا بالقردة المُشعِرة التي كانوا يرَونها تصرخ في حديقة الحيوانات أو السيرك (شكل ٢٣-١). كان الجميع في حالة إنكار شديد، محاولين العثور على ما يميزنا بوضوح عن بقية مملكة الحيوان.
fig105
شكل ٢٣-١: سَخِر العديد من الرسوم الكاريكاتورية المعاصرة من فكرة أن البشر مرتبطون بالقرود، (أ) رسم يصور ظهر داروين على هيئة قرد، (ب) داروين وقرد ينظران في المرآة ليريا مدى الشبه بين أحدهما والآخر. (إهداء من «ويكيميديا كومنز»)
في عامَي ١٨٥٧ و١٨٥٨، قبل نشر كتاب داروين، كان أشد نقاد داروين، عالم الطبيعة البارز ريتشارد أوين، يتوقع هذه المسألة. زعم أوين أننا مميزون ومختلفون عن القردة؛ لأننا نمتلك بنية في الدماغ تسمَّى الحُصين (هيبوكامبوس (Hippocampus))، وهي لا توجد لدى القردة. اسم «هيبوكامبوس» يعني «فرس البحر»، وهو بالفعل يشبه فرس البحر إلى حد ما. (نحن نعلم الآن أن الحُصين يساعد نصفَي الدماغ على التواصل معًا وتحويل الذاكرة القصيرة الأمد إلى ذاكرة طويلة الأمد.) في عامَي ١٨٦٠ و١٨٦١، بينما كان الجدل محتدمًا بشأن التطور، تصدى أقوى مؤيدي داروين، توماس هنري هكسلي، لتصريحات أوين وتحداها. قام هكسلي بتشريح غوريلا وشمبانزي وغيرهما من الرئيسيات، ووجد بنية الحُصين لديها جميعًا. استمر هذا الجدل ليصبح أكثر الجدالات العلمية إثارة في بريطانيا عام ١٨٦٢، ولكن سرعان ما أكد العديد من العلماء الآخرين عمل هكسلي من خلال قيامهم هم أنفسهم بالتشريح. خلال بضع سنوات، لم يعد الحُصين نقطة خلاف لأن التشريح كان هو نفسه في الأساس. تراجع علماء الطبيعة عن هذه الحجة، وبدءوا في تحديد خصوصية البشر من ناحية استخدام البشر للأدوات واللغة الرمزية وغيرها من الخصائص الفريدة المفترضة.
لقد طُرحَت الفكرة المهينة القائلة بأننا قد نكون مرتبطين بالقردة في العديد من المناظرات، ولا سيما في مناظرة هكسلي-ويلبرفورس الشهيرة في عام ١٨٦٠. كانت قد مرت عدة شهور في ذلك الوقت على نشر كتاب داروين الجديد المثير للجدل، وكان هكسلي قد قضاها في مناصرته. وفي ٢٧ يونيو ١٨٦٠، تصدى ريتشارد أوين لمحاضرة مؤيدة للداروينية في اجتماع الجمعية البريطانية لتقدم العلوم الذي عُقِد في أكسفورد. وانتشرت شائعات بعد ذلك بأن أسقف أكسفورد، ويلبيرفورس أو «سام الصابوني» (بالإنجليزية Soapy Sam، سُمي بهذا الاسم لأنه كان مراوغًا ويصعب التغلب عليه في المناظرات)، سيحضر الاجتماع، ويلقي خطابًا يوم السبت التالي. اعتزم هكسلي مغادرة الاجتماع، لكن روبرت تشامبرز أقنعه بالبقاء. لم يكن لدى ويلبرفورس فهم حقيقي لما كان يتحدث عنه، لكن أوين (صديق طفولته) درَّبه وأمدَّه بالكثير من المشاكل المفترضة عن التطور. كان خطاب ويلبرفورس في ٣٠ يونيو ١٨٦٠ مرحًا وذكيًّا، لكنه كان هجومًا غير عادل على الداروينية، منتهيًا بالسؤال الشهير الذي وجَّهه إلى هكسلي حول «ما إذا كان قد انحدر من قرد عبر جده أم جدته». عند هذه الإهانة، يُزعَم أن هكسلي قال لأستاذ الكيمياء برودي الجالس بجانبه: «لقد سلَّمه الرب إلى يديَّ.»

عندما نهض هكسلي ليلقي كلمته، أجاب بأنه لم يسمع من ويلبيرفورس ما يدحض حجج داروين، والتي لا تزال تقدم أفضل تفسير طُرِح لأصل الأنواع حتى ذلك الوقت. وانتهى برد مشهور مماثل على سؤال ويلبرفورس، بأنه «لا يخجل من أن يكون جده قردًا، لكن المخجل أن يكون أحد أسلافه رجلًا متعدد المصالح، ويصرف انتباه مستمعيه عن النقطة الحقيقية محل الخلاف عن طريق الاستطراد البليغ، وعبر استخدام حاذق للتحيز الديني». يُزعَم أن القاعة المزدحمة اندلعت فيها أعمال شغب، وأُغمي على النساء، ولم يُسمَع أي شيء آخر بسبب الصراخ والصياح من الجانبين. ومن سوء الحظ أنَّ أحدًا لم يدوِّن ما قيل بالتحديد في المناظرة، والكثير مما وصلنا يعتمد على الروايات المنقوصة لمَن كانوا حاضرين.

لا شك أنَّ تشارلز داروين كان يدرك مدى التشابه بين القردة والبشر، وكان لذلك تأثير قوي على أفكاره. فمنذ فترة مبكرة في عام ١٨٣٨، وبعد عام واحد من عودته من رحلته التاريخية حول العالم على متن سفينة البيجل، زار عالم الطبيعة الشاب حديقة حيوانات لندن، ورأى صغيرة الأورانجوتان المسماة جيني. أمضى داروين معها ساعات عديدة في قفصها، ملاحظًا عواطفها وسلوكياتها، ومدى تشابهها مع البشر من نواحٍ عديدة. إضافة إلى ذلك، درس اثنتَين أخريَين من الأورانجوتان في حديقة الحيوان. في دفاتر ملاحظاته غير المنشورة، كتب داروين الكثير عن استخدامها الواضح للأدوات وإبداعها في صنع ألعابها الخاصة من العصي.

كتب داروين عن جيني:

إنها مغرمة بكسر العِصِي، وبقلب الأشياء للقيام بذلك (وهي قوية جدًّا)؛ فهي تضع الرافعة في الحفرة وتضغط على أحد طرفيها بيدها كما رأيت … تأخذ السوط وتضرب الزرافات، وتأخذ عصًا وتضرب الرجال … يخبرني الحراس أنها عندما ترى كلبًا، تمسك أي شيء لإدراكها أنها ستكون قادرة، من خلال ذلك، على أن تتسبب له في أذًى أكبر مما ستتسبب فيه من استخدامها لكفِّها.

وكانت تحديات الأورانجوتان مع الوعي الذاتي لدى إعطائهم مرآة أكثر إثارة للإعجاب. ونجد وصف هذه التجربة في دفاتر داروين على النحو التالي:

ذُهِلت كلتاهما للغاية عندما نظرا إلى المرآة، ونظرا إليها من كل ناحية ومن الجانب، وكل ذلك وهما في غاية الدهشة … وبعد مرور بعض الوقت، مدا شفاههما إلى الأمام، كأنهما يُقبِّلان الزجاج، وفعلا ذلك أيضًا عندما وُضِعا معًا لأول مرة … وأخيرًا، وضعا أيديهما خلف الزجاج على مسافات مختلفة، وراحا ينظران إليها من ورائه، ودعكا الزجاج الأمامي، ورسما بعض التعابير على وجهيهما، فحصا الزجاج بالكامل، وضعا كلا وجهَيهما بالقرب تمامًا وضغطا عليه — وكأنهما يرفضان النظر إليه — ذُهِلا وبدا كأنهما خائفان، وكان من الواضح أنهما غاضبان؛ لأنهما لم يستطيعا فَهْم اللغز. وضعا جسديهما في جميع المواضع الممكنة عند الاقتراب من الزجاج لفحصه.

وفي عام ١٨٣٩، عندما وُلد وليام، ابن داروين الأول، أجرى تشارلز الأنواع نفسها من التجارب، حيث قام بتحليل مشاعر طفله وتعبيراته ومعالم نموه وقارَنها بالقردة. واصل عادة مراقبة أطفاله علميًّا مع ابنته الأولى، آن إليزابيث، عندما وُلدت في عام ١٨٤١. وفقد الاهتمام بهذا المشروع بالنسبة للأطفال الثمانية اللاحقين الذين ولدتهم له زوجته إيما (ثلاثة منهم ماتوا في الطفولة). تأثر داروين بشدة بكثرة المشاعر والسلوكيات البشرية التي تُظهِرها القردة العليا، وتجاوز الصورة النمطية السطحية الساخرة المتمثلة في السلوك الصاخب دون البشري، والتي كان معظم الناس يؤمنون بها في ذلك الوقت.

بالرغم من ذلك، نفر معظم الناس من فكرة أن البشر أقرباء للقردة والسعادين، وتشير عبارات مثل «حسنًا، سأكون عمًّا للقرد» إلى هذا النفور. عندما شن المعترضون هجومهم على التفكير التطوري خلال محاكمة سكوبس، أو «محاكمة القرد»، في صيف عام ١٩٢٥، نجد أنَّ لقب المحاكمة يعكس هذا الهوس بعلاقتنا بالرئيسيات، مثلما كانت المبادئ التي أعلنها المنخرطون في المحاكمة، وحتى اللافتات التي حملتها الجماهير، تعكس الرعب من أن نكون على صلة وثيقة بالقردة والسعادين. خلال الأجواء الكرنفالية للمحاكمة في مدينة دايتون في ولاية تينيسي، افتُتِح في المدينة معرض يضم اثنين من الشمبانزي و«حلقة مفقودة» مفترضة، وكان الباعة يبيعون الأناجيل، ودُمى قرود، والنقانق الساخنة، وعصير الليمون. كانت الحلقة المفقودة في الواقع هو جو فينس، من بيرلينجتون، بولاية فيرمونت، وهو رجل يبلغ من العمر ٥١ عامًا كان قصير القامة عريض الجبين لانحسار شعره إلى الوراء، وفكه بارز. كان أحد أفراد الشمبانزي — يُدعى جو ميندي — يرتدي بدلة منقوشة، وقبعة من طراز فيدورا بنِّية اللون، ومشابك بيضاء، وكان يسلِّي مواطني دايتون بلهوه حول حديقة المحكمة. تضمنت جميع الرسوم الكاريكاتورية التحريرية في ذلك الوقت (كما في أيام داروين) صورًا للسعادين أو القردة؛ لأنها كانت أكثر الصور المثيرة بصريًّا التي استدعت فكرة التطور.

استمر تأثير فشل المحاكمة في قضية سكوبس لعقود، وقد تمثل هذا في التخفيف من محتوى التطور في مناهج علم الأحياء أو إزالته. ثم، في عام ١٩٥٧، أثبت إطلاق القمر الصناعي سبوتنيك أن العلوم الأمريكية قد تخلفت كثيرًا عن السوفييت. فطُوِّرت مناهج أكثر صرامة للعلوم (بما في ذلك علم الأحياء)، وأصبح التطور يُدرَّس مجددًا في المدارس العامة، وفي جميع أنحاء الولايات المتحدة. رغم ذلك، ظلت وجهة النظر عن السعادين والقردة أنها سخيفة وبدائية وجلفة، وقد لعبت دورًا هزليًّا في الأفلام والتليفزيون لعدة عقود. كان الشمبانزي الصاخب الصائح هو الدعامة الأساسية لأفلام مثل «بيدتايم فور بونزو»، لرونالد ريجان، بالإضافة إلى العديد من أفلام ديزني العائلية التي استخدمت قرود الشمبانزي المُدرَّبة لتسلية المشاهد. (من المفارقات أن «ابتسامة» الشمبانزي التي يكشف فيها عن أسنانه ليست ابتسامة، بل هي استعراض للتهديد، وعلامة على الخوف والعداء.) في هذه الأثناء، كان الناس ينظرون إلى الغوريلا على أنها متوحشة وقوية، ويمكنها بسهولة تمزيق أطراف البشر، وذلك بفضل فيلم «كينج كونج»، وأفلام «طرزان»، والعديد من أفلام المغامرات الأفريقية الأخرى، التي حارب فيها المستكشفون الجريئون الغوريلات المرعبة والوحشية.

معظم ما كان الناس يعرفونه عن السعادين والقردة أتى من البيئة الاصطناعية لحدائق الحيوان، ورؤية حيوانات مدربة في الأَسر. وقد كانت هذه الأفكار مشوهة بالطبع؛ لأن هذه الرئيسيات لم تتفاعل بشكل طبيعي مع أفراد جنسها في كثير من الأحيان، أو لم تحظَ بمثل هذا التفاعل الطبيعي على الإطلاق. صحيحٌ أنَّ بعض الرواد من علماء أحياء الحياة البرية قد أجرَوا دراساتٍ ميدانيةً محدودةً على الغوريلا والشمبانزي في البرية، لكن الكثير منها ظل غير موثَّق على مدى فترات طويلة من الزمن. وفي عام ١٩٥٩، بدأ عالم الأحياء جورج شالر، البالغ من العمر حينها ٢٦ عامًا، دراساته عن الغوريلا الجبلية في براكين فيرونجا على حدود رواندا وأوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. تُوِّجتْ سنواته العديدة التي قضاها في الدراسات الميدانية بكتابين عن الغوريلا في عامَي ١٩٦٣ و١٩٦٤، كشف شالر فيهما زيف الخرافات القديمة، وأظهر أن الغوريلات مخلوقات رقيقة للغاية وذكية وعطوفة، وأنها نادرًا ما تقوم بسلوك الضرب على الصدر الذي ينم عن التهديد، والذي أصرَّت الصور النمطية لهوليوود على عرضه لعقود. ومثلما كتب شالر في مقال نُشر عام ١٩٩٥ في ناشيونال جيوجرافيك: «لا يمكن لأي شخص ينظر في عينَي الغوريلا — بذكائها، ورقَّتها، وهشاشتها — ألَّا يتأثر؛ إذ تتلاشى حينها الفجوة بين القرد والإنسان، نحن نعلم أن الغوريلا ما زالت تعيش بداخلنا. فهل تدرك الغوريلا أيضًا هذه الصلة القديمة؟» واصل شالر أبحاثه، واكتسب سمعة باعتباره أحد علماء الأحياء الميدانيين، وأحد رواد السلوك الحيواني؛ إذ قضى سنوات في الأبحاث الميدانية عن النمور والباندا والأسود ونمور الثلج والجاجوار وخنزير الماء والكايمان. واكتشف أيضًا ثلاثة أنواع من الثدييات كانت جديدة على العلم، أو كان يُعتقَد أنها قد انقرضت.

وبخلاف شالر، قليلون فقط قضَوا وقتًا طويلًا في دراسة القردة العليا في البرية؛ لتحديد أنماط سلوكها الطبيعي مقارنةً بالسلوكيات الملحوظة في الحيوانات الأسيرة. تصدى لهذه الفجوة لويس إس بي ليكي، أحد عمالقة الأنثروبولوجيا. ففي أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وبعد ما يقرب من ٣٠ عامًا من البحث، كان ليكي لا يزال يكافح للعثور على حفريات بشرية مبكرة في الصخور القديمة في شرق أفريقيا. وفي عام ١٩٥٩، عثرت زوجته ماري على حفريات القرد الجنوبي القوي robust australopithecine، وأطلقوا عليها اسم «الفتى العزيز»، لكنها سُميت رسميًّا زينجانثروبوس بويزي (ويُطلَق عليها الآن بارانثروبوس بويزي). أحدثَ هذا الاكتشاف ضجة كبيرة، وعزَّز سمعة ليكي كأحد أبرز علماء الحفريات البشرية، خاصةً عندما أرجع تاريخ الحفرية إلى أكثر من ١٫٨ مليون سنة في عام ١٩٦٠، مما جعلها (والتطور البشري) أقدم بكثير مما كان يتخيله أي شخص آنذاك. سرعان ما أصبح الزوجان ليكي أعزاء «ناشيونال جيوجرافيك»، وأصبح لديهما تمويل لا ينقطع لمواصلة عملهما لفترةٍ طويلةٍ، وقد استمر بعد وفاة لويس.

حتى قبل نجاحاته الكبيرة، كان لويس ليكي معروفًا كمتحدث ساحر يمكنه أن يأسر الجماهير، لا بأوصافه لاكتشافاته لأصولنا البشرية فحسب، بل بتأملاته الفلسفية أيضًا عما يعنيه عصر ما قبل التاريخ للبشرية. غالبًا ما كان يغادر أفريقيا للذهاب في جولات يلقي فيها المحاضرات، مما ساعده على جمع الأموال في الأيام التي سبقت نجوميته التي رعتها ناشيونال جيوجرافيك، ومنحته عليها دعمًا سخيًّا. وفي كل محطة، كان أسراب من الناس المبهورين يتهافتون عليه، ويطلبون فرصًا ليصبحوا علماء أنثروبولوجيا مثله. ومنذ عام ١٩٤٦، كان ليكي يبحث بالفعل عن مجندين لدراسة القردة العليا في البرية. كان هذا الاهتمام البحثي مستوحًى من دراسة بيئة حفرية القرد القديم بروكونسول، والتي وجدها ليكي في جزيرة روسينجا في عام ١٩٣١. وفي عام ١٩٥٦، أرسل سكرتيرته، روزالي أوزبورن، لدراسة الغوريلا الجبلية، لكنها لم تصمد هناك إلا لأربعة أشهر فقط في ظل الظروف القاسية.

وفي عام ١٩٥٧، جاءت سيدة بريطانية تبلغ من العمر ٢٣ عامًا تُدعى جين جودال إلى كينيا لدراسة حيوانات أفريقيا. في البداية وجدت عملًا كسكرتيرة، ثم اتصلت بليكي وأصبحت سكرتيرته. كان ليكي مقتنعًا بأن جودال تمتلك ما يلزم لتكون باحثة ميدانية في مجال الرئيسيات، وفي عام ١٩٥٨ أرسل ليكي جودال إلى إنجلترا لتتلقى تدريبًا على سلوك الرئيسيات من أوسمان هيل، وفي تشريح الرئيسيات من جون نابير. وفي نهاية المطاف، جمع ليكي الأموال لدعم أبحاث جودال، وفي ١٤ يوليو ١٩٦٠، بدأت جودال أبحاثها على الشمبانزي في متنزَّه جومبي ستريم الوطني، وبدأت دراسة واصلتها على مدار ٥٥ عامًا قد تلت.

كانت المجندة التالية لليكي هي ديان فوسي، التي تركت عملها الممل في المستشفى، وأنفقت مدخراتها في عام ١٩٦٣ لزيارة أفريقيا ومعرفة المزيد عن دراسة الحياة البرية. زارت الزوجَين ليكي في مستوطنة أولدوفاي جورج، حيث تعثرت والْتوى كاحلها، وسقطت في إحدى الحفريات، ثم تقيأت على حفرية زرافة. عادت فوسي إلى مسقط رأسها لتتولى وظيفة، ولتسدد الأموال التي اقترضتها من أجل رحلتها إلى أفريقيا. ألقى ليكي محاضرة في عام ١٩٦٦ في لويزفيل حضرتها فوسي، وبعد المحاضرة تحدثت إليه وتذكَّرها. بعد ذلك بفترة وجيزة، عيَّنها لتأتي إلى براكين فيرونجا في يناير ١٩٦٧، لمواصلة دراسات الغوريلا الجبلية، حيث توقف جورج شالر قبل عقد من الزمان تقريبًا. نما لدى فوسي تعاطف هائل مع الغوريلا، وقامت بالعديد من الاكتشافات المهمة، وقاومت الصيادين الجائرين الذين كانوا يقتلون الغوريلات. قُتلت فوسي عام ١٩٨٥، على الأرجح على يد الصيادين الجائرين الذين كانوا يكرهونها.

كانت آخر النساء الثلاث (الملقَّبات ﺑ «ترايميتس»، أي: ثلاثي الرئيسيات، أو «ملائكة ليكي») اللواتي جنَّدهن ليكي؛ هي بيروتي جالديكاس. كانت جالديكاس قد استمعت إلى محاضرة ليكي في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس عام ١٩٦٩، وكانت قد وضعت بالفعل خطة لدراسة الأورانجوتان في إندونيسيا. بعد محاضرته، أجريا محادثة طويلة، وسرعان ما اقتنع ليكي أنها تستطيع القيام بالعمل الميداني في جنوب شرق آسيا، لدراسة ثالث أقربائنا العظماء من القردة. وبحلول عام ١٩٧١ كانت جالديكاس في أدغال بورنيو، وأرسى عملها الأساس لجميع الدراسات المستقبلية لسلوك الأورانجوتان. هؤلاء النساء الثلاث كُن رائدات فيما أصبح الآن مجالًا بحثيًّا كبيرًا في سلوك الرئيسيات. كُن استثنائياتٍ من حيث إنهن كُن جميعًا من النساء (في وقتٍ لم يكن يُسمَح فيه إلا لعددٍ قليل من النساء بإجراء أي بحث ميداني دقيق في أي مكان)، وقد مهَّدْن الطريق للعديد من باحثي الرئيسيات البارزين ليحذوا حذوهن (وكان العديد منهم أيضًا من النساء، تأثروا بالترايميتس).

كان لأبحاث جودال عن الشمبانزي التأثير الأكبر؛ لأنها كانت تعمل مع أقرب أقربائنا الباقين على قيد الحياة، وكانت جودال إحدى أوائل من أمضَوا شهورًا في مراقبة الكائنات التي تدرسها من مكان قريب بعد أن اعتادت عليها. على عكس الطريقة الأكاديمية المعتادة المتمثلة في تمييز العينات الميدانية بالأرقام، أعطت جودال اسمًا لكل شمبانزي، وسرعان ما رأت أن لكلٍّ منها شخصيةً مميزة، وهو أمر لم يلاحظه أحدٌ من قبل. كما كتبت: «ليس البشر وحدهم من يتسمون بشخصيةٍ تميز أحدهم عن الآخر، وليسوا وحدهم القادرين على التفكير العقلاني، [و]على امتلاك مشاعر مثل الفرح والحزن.» رأت جودال لدى الشمبانزي الكثير من السلوكيات البشرية الأخرى؛ العناق والقبلات والتربيت على الظهر والدغدغة. تؤسس هذه السلوكيات «الروابط الوثيقة والداعمة والحنونة التي تتطور بين أفراد الأسرة والأفراد الآخرين داخل المجتمع، والتي يمكن أن تستمر طوال فترة حياة تتجاوز ٥٠ عامًا». كلما راقبتْهم جودال أكثر، وجدت أنها أظهرت جميع الاستجابات العاطفية تقريبًا، والتي كان يُعتقَد أنها فريدة للبشر.

على مدار سنوات من الملاحظة في محمية جومبي، شهدت جودال العديد من السلوكيات التي غيَّرت مفاهيمنا عن الشمبانزي والبشر. كان الاعتقاد السائد هو أن الشمبانزي كائن عاشب لطيف للغاية، لكن جودال رأت أنها يمكن أن تكون عدوانية ومحاربة، حيث تصطاد قرود كولوبوس في الأشجار، وتقتلها، وتتقاسم الذبيحة بين مجموعة الشمبانزي بأكملها. الواقع أنها كانت تقتل حوالي ثلث مجموعة سعادين كولبس في جومبي كل عام. والأكثر إثارة للدهشة هو أن جودال لاحظت سلوكيات شبيهة بسلوكيات الحرب بين مجموعات معادية من الشمبانزي، أو داخل المجموعة الواحدة. لاحظت جودال أن الإناث المهيمنة يقتلن صغار أخريات للحفاظ على هيمنتهن، ويأكلن لحوم الصغار أيضًا في بعض الأحيان. كما كتبت جودال: «خلال السنوات العشر الأولى من الدراسة كنت أعتقد […] أن قِرَدة شمبانزي جومبي، في أغلبها، أجمل من البشر. […] ثم اكتشفنا فجأة أن الشمبانزي يمكن أن يكون وحشيًّا، وأن لديه — مثلنا — جانبًا مظلمًا لطبيعته.»

غير أنَّ الاكتشاف الأبرز حتى ذلك الوقت هو ملاحظة أن الشمبانزي قادر على صنع الأدوات واستخدامها. فيمكن للشمبانزي تعديل غصن شجرة ليشكِّل «سنارة صيد» تلتصق بعش للنمل الأبيض؛ ومن ثَم تلعق النمل الأبيض عندما تسحب العصا (الشكل ٢٣-٢). وقبل ذلك الوقت، كان العلماء يرَون أن الخط الفاصل بين البشر والحيوانات الأخرى هو صنع الأدوات؛ «الإنسان صانع الأدوات». لكن الشمبانزي صانع أدوات جيد تمامًا، حتى وإن كانت الأداة بسيطة ولا تُستخدَم كثيرًا. كما كتب لويس ليكي بعد هذا الاكتشاف: «يجب علينا الآن إعادة تعريف الإنسان، أو إعادة تعريف الأداة، أو نقبل بالشمبانزي كإنسان!»
fig106
شكل ٢٣-٢: شمبانزي يستخدم أداة، وهي غُصين شجرة معدَّل، لصيد النمل الأبيض. (إهداء من «ويكيميديا كومنز»)

بعد هذه الاكتشافات، عرف العلماء أيضًا أن الكثير من الحيوانات، بما في ذلك الغوريلا والأورانجوتان وقرود الكبوشي والبابون والماندريل، يصنع العديدَ من الأدوات لمختلف الأغراض، ومنها صيد الطعام (معظمه من اللافقاريات والأسماك)، وجمع العسل، ومعالجة الفاكهة والمكسرات والخضراوات والبذور. تُستخدَم بعض الأدوات لجمع المياه أو لتوفير المأوى، بل إنَّ بعض الرئيسيات تَستخدم في القتال أسلحةً صنعتها من أشياء في بيئتها. فالحرب بالأسلحة ليسَت مقصورةً على البشر. ويتمتَّع الشمبانزي وغيره من القردة بالقدرة على حل المشكلات المعقدة، مثل تكديس صناديق للوصول إلى الموز الموجود في أعلى القفص، أو تشكيل العِصِي أدواتٍ لجلب الموز من خارج قضبان القفص، وتظهر هذه المهارات لديها في كلٍّ من البرية والأَسر. وهي لا تفعل ذلك عن طريق التجربة والخطأ، بل عن طريق البصيرة والتخطيط وحل المشكلات، جميعها مهارات كان يُعتقَد في السابق أنها مقصورة على البشر.

fig107
شكل ٢٣-٣: واشو، الشمبانزي التي تعلمت لغة الإشارة وكسرت حاجز التواصل بين القردة والبشر. (إهداء من «ويكيميديا كومنز»)
جاءت دراسة قرود الشمبانزي في الأَسر مُكمِّلة للاكتشافات عن الرئيسيات في البرية، وأظهرت تلك الأبحاث أن الرئيسيات تمتلك مهارات مذهلة، وذكاء لم يُوثَّق من قبل. أشهر هذه القرود كانت أنثى شمبانزي تُدعى واشو (الشكل ٢٣-٣)، كانت قد أُسِرت في أفريقيا بغرض تجارب عسكرية، لكنها نشأت بعد ذلك كأنها طفل بشري تحت رعاية ألين وبياتريكس جاردنر، من جامعة نيفادا في مدينة رينو. كانت الدراسات السابقة التي أُجريت على قردة شمبانزي، لمساعدتها على التواصل أو تطوير القدرة على الكلام قد فشلت، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن حنجرة الشمبانزي غير مُهيأةٍ على النحو الملائم للكلام البشري. لكن الشمبانزي لديه أيدٍ ماهرة يمكن أن تشكِّل أشكالًا ورموزًا؛ لذلك حاول الزوجان جاردنر تعليم واشو استخدام لغة الإشارة الأمريكية. قاموا بتربية واشو في مقطورتها الخاصة، كما لو كانت طفلة بشرية، بأريكتها وسريرها وثلاجتها وملابسها وأمشاطها ولعبها وكتبها وفرشاة أسنانها. خضعت واشو لروتين منظم للأطفال يتمثل في اللعب، والأعمال المنزلية، وركوب السيارة، والتفاعل مع الزوجين جاردنر كما لو كانا والديها. أخيرًا، تعلمت واشو إشارات أكثر من ٣٥٠ كلمة، وكانت تستطيع الإشارة إلى ما تريده أو إلى ما تفكر فيه. عندما جمعت بين إشارتَي «ماء» و«طائر» للإشارة إلى بجعة، كانت أول قرد شمبانزي يُظهِر نوعًا من التفكير المجرد بعض الشيء. قال روجر براون، عالم النفس بجامعة هارفارد، إن مهارات الاتصال الأكثر تقدمًا لديها كانت «مثل الحصول على نداء استغاثة من الفضاء الخارجي». في نهاية المطاف، كانت واشو قادرة على الإشارة لتكوين جمل بسيطة تتكون من ٥ إلى ١٠ كلمات، جميعها تنقل أفكارًا وعواطف معقدة. تدربت موجا رفيقة واشو بنفس الطريقة، وأشارت: «مشروب كأسٍ معدنية» للدلالة على ترمس. بعد خمس سنوات، ترك الزوجان جاردنر العمل، وتولى روجر فوتس وديبورا فوتس رعاية واشو في معهد جامعة أوكلاهوما لدراسات الرئيسيات. هناك لاحظا المزيد من المشاعر البشرية لدى واشو. كان ذلك، على سبيل المثال، عندما حملت إحدى مربياتها وذهبت في إجازة أمومة قبل أن تخسر حملها. وعن ذلك كتب روجر فوتس:

هي تُعرِض عن هؤلاء الذين يجب أن يكونوا هناك من أجلها ولا تجدهم، وتتجاهلهم؛ فتلك طريقتها في إخبارهم بأنها منزعجة منهم. وبهذه الطريقة، استقبلت واشو كات [راعيتها] عندما عادت أخيرًا للعمل مع الشمبانزي. قدمت كات اعتذارها إلى واشو، ثم قررت إخبارها الحقيقة، وأشارت بعبارة «مات طفلي». حدقت واشو في وجهها، ثم نظرت إلى أسفل. أخيرًا نظرت في عينَي كات مرة أخرى وأشارت بحذر: «بكاء»، ولمست خدها ومرَّت بإصبعها على المسار الذي قد تصنعه دمعة على الإنسان (الشمبانزي لا يذرف الدموع). أشارت كات لاحقًا أن إشارة أخبرتها عن واشو وقدراتها العقلية، أكثر مما أخبرتها جميع جملها الطويلة السليمة نحويًّا.

أظهرت واشو أيضًا علامات تدل على الإدراك الذاتي. عندما رأت نفسها في المرآة وسُئلتْ عما رأت، أشارت: «أنا واشو». كانت جين جودال ترى أن هذا دليل قوي جدًّا على أن واشو لديها إدراك عن نفسها بالمعنى الإنساني. كانت واشو أيضًا مرتبكة إلى حد ما لأنها نشأت كإنسان، وكانت تتصرف تجاه الشمبانزيات الأخرى كما لو كانت تعتقد أنها أيضًا بشر. وعندما أُحضرَ طلاب «للتحدث» مع واشو، أبطأت إشاراتِها حتى يتمكنوا من مواكبتها.

وليست إنجازات قردة مثل واشو بالفريدة من نوعها. فمن الثدييات «المتكلمة» الشهيرة الأخرى الغوريلا كوكو. وُلدتْ كوكو في حديقة حيوان سان فرانسيسكو، تسبب مرض هدَّد حياتها في العام الأول من حياتها بأخذها بعيدًا عن والديها إلى مستشفى حديقة الحيوان. هناك وُضعت كوكو تحت رعاية فرانسين باترسون من جامعة ستانفورد، والتي عملت معها في مجمع «غوريلا فاوندايشن» في وودسايد في ولاية كاليفورنيا، بجانب ذكور الغوريلا (الذين تعلموا أيضًا لغة الإشارة). طورت كوكو مفردات وظيفية لأكثر من ١٠٠٠ كلمة في صيغة «لغة إشارة الغوريلا» المعدَّلة الخاصة بها، وتمكَّنَت من الجمع بين الإشارات بطرقٍ جديدةٍ لنقل مفاهيم جديدة. على سبيل المثال، لم يكن لدى كوكو كلمة تعني: «خاتم»؛ لذا جمعت الكلمتَين «إصبع» و«سوار» لوصف الخاتم بأنه «سوار-إصبع». تعلَّمت أيضًا الاستماع إلى الكلمات المنطوقة والتعرُّف عليها باللغة الإنجليزية، وتعلَّمت كوكو في النهاية التعرف على حوالَي ٢٠٠٠ كلمة، بالإضافة إلى تلك التي يمكنها الإشارة بها. استخدمت الإزاحة (القدرة على التواصل بشأن أشياء غير موجودة في الوقت الحالي)، وتعرفت على نفسها في المرآة، وروت ذكريات شخصية. كانت أيضًا قادرة على استخدام مهارات ما فوق اللغة للتحدث عن اللغة؛ فقد أشارت لغوريلا أخرى تبلي بلاءً حسنًا في لغة الإشارة: «إشارة جيدة». كانت لدى كوكو أيضًا قطتها الأليفة الخاصة التي أطلقت عليها اسم «أول بول»، وكانت تهتمُّ بها كما لو كانت غوريلا صغيرة. عندما هربت أول بول من القفص وصدمتها سيارة وقتلتها، أخبرت باترسون كوكو بذلك، وأشارت كوكو: «سيئ، حزين، سيئ»، ثم: «عبوس، بكاء، عبوس، حزين، مشكلة». أصدرت كوكو أيضًا صوتًا مشابهًا للبكاء البشري.

الأرجح أنَّ كوكو لم تستخدم النحو أو قواعد اللغة كما هو مفهوم بشكل عام في الكلام البشري، لكن مهاراتها اللغوية كانت في مثل مستوى مهارات الأطفال الصغار على أقل تقدير. قدَّر بعض العلماء معدل ذكائها بين ٧٠ و٩٠، وهي نتيجة أقل من المتوسط بقليلٍ إذا أُجريَ اختبار الذكاء نفسه لطفل صغير، لكن أدمغة الغوريلا تتطوَّر بشكلٍ مختلف تمامًا عن أدمغة الأطفال، وتعتمد بشكلٍ أكبر على المهارات الحركية، وهي مهاراتٌ مختلفةٌ لدى البشر.

أُجريَ العديد من الدراسات الأخرى على شمبانزي وغوريلا وغيرهما من القرود، مع تباين شاسع للنتائج. بعض الأفراد متعلمون استثنائيون، مثل واشو وكوكو، وآخرون لا يستوعبون نفس القدر من المشاعر الإنسانية، أو القدرة على الإشارة مثل هاتَين الشهيرتَين. بالرغم من ذلك، توضِّح لنا هذه الدراسات السمات العاطفية والنفسية التي تمتلكها هذه الرئيسيات، وهي سماتٌ كان يُعتقَد في السابق أنها خاصةٌ بالإنسان. لقد نشأ مجال بحثي كامل عن لغة الرئيسيات، ونظرية العقل، والإدراك، وإلى أي مدًى يمكن لأقربائنا غير البشريين أن يتعلموا أن يقوموا بما يمكن للبشر القيام به (خاصة الأطفال). لقد أصبح الحد الفاصل بين «القرود الصاخبة» والبشر الآن غير واضح تمامًا.

ومثلما كتب ستيفن جاي جولد في مقالته «مسألة مدًى»، فإن الاختلافات والفوارق بين البشر والقردة هي مسألة اختلاف في الحجم النسبي والنمو (مسألة درجة وليست مسألة نوع). إننا نستمر في محاولة رسم خط فاصل بين البشر والحيوانات الأخرى، لكن لا يمكننا العثور على أي ميزة بشرية متفردة (الحُصين، استخدام الأدوات، اللغة، التفكير المجرد) لا يزال من الممكن اعتبارها خاصة بالبشر دون غيرهم. يقول:

لطالما كان الشمبانزي والغوريلا ساحة المعركة في بحثنا عن التفرد؛ لأننا إذا تمكنا من البرهنة على وجود اختلاف لا لبس فيه بيننا وبين أقرب أقربائنا — في الدرجة وليس النوع — فقد نحصل على التبرير الذي طالما سعينا إليه لغطرستنا الكونية. لقد تحولت المعركة منذ فترة طويلة من كونها جدالًا بسيطًا عن التطور؛ فالمتعلمون الآن يقبلون بالاستمرارية التطورية بين البشر والقردة. غير أننا مرتبطون بشدة بتراثنا الفلسفي والديني، حتى إننا لم نزل نبحث عن معيار فاصل بين قدراتنا وقدرات الشمبانزي. لأنه، كما يرد في المزامير: «فمن هو الإنسان حتى تذكره؟ … وتنقصه قليلًا عن الملائكة، وبمجدٍ وبهاءٍ تُكلِّله». لقد جرَّبنا معايير عديدةً فشلت جميعها واحدًا تلو الآخر. البديل الصادق الوحيد هو الاعتراف باتصالنا الدقيق في النوع بيننا وبين الشمبانزي. وماذا نخسر بذلك؟ لا نخسر سوى مفهوم قديم للروح، لنكسب بدلًا منه رؤية أكثر تواضعًا، وربما أكثر تمجيدًا، تفيد باتحادنا مع الطبيعة.

قراءات إضافية

  • De Waal, Frans, Are We Smart Enough to Know How Smart Animals Are? New York: Norton, 2016.
  • ______, The Bonobo and the Atheist: The Search for Humanism Among Primates, New York: Norton, 2013.
  • ______, Mama’s Last Hug: Animals Emotions and What they Teach Us About Ourselves, New York: Norton, 2019.
  • ______, ed., Tree of Origin: What Primate Behavior Can Tell Us About Human Evolution, Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 2001.
  • Fossey, Dian, Gorillas in the Mist, New York: Houghton Mifflin, 1983.
  • Fouts, Roger, with Stephen Tuket Mills, Next of Kin: What Chimpanzees Have Taught Me About Who We Are, New York: William Morrow, 1997.
  • Galdikas, Biruté M. F., Orangutan Odyssey, New York: Harry Abrams, 1999.
  • ______, Reflections on Eden: My Years with the Orangutans of Borneo, New York: Little Brown, 1995.
  • Gardner, R. Allen, Beatrix T. Gardner, and Thomas E. Van Cantfort, eds., Teaching Sign Language to Chimpanzees, Albany: State University of New York Press, 1989.
  • Goodall, Jane, The Chimpanzees of Gombe: Patterns of Behavior, Cambridge, Mass.: Belknap Press of the Harvard University Press, 1986.
  • ______, 40 Years at Gombe, New York: Stewart, Tabori, and Chang, 1999.
  • ______, In the Shadow of Man, Boston, Mass.: Houghton Mifflin, 1971.
  • ______, My Friends the Wild Chimpanzees, Washington, D.C.: National Geographic, 1967.
  • ______, Through a Window: My Thirty Years with the Chimpanzees of Gombe, Boston, Mass.: Houghton Mifflin, 1990.
  • Gould, Stephen Jay, “A Matter of Degree,” In Ever Since Darwin (1979; repr. New York: Norton, 2007), 49–55.
  • King, Glenn E., Primate Behavior and Human Origins, London: Routledge, 2015.
  • Montgomery, Sy, Walking with Great Apes: Jane Goodall, Dian Fossey, Biruté Galdikas, New York: Houghton Mifflin, 1991.
  • Morell, Virginia, Ancestral Passions: The Leakey Family and the Quest for Humankind’s Beginnings, New York: Simon & Schuster, 1995.
  • Mowat, Farley, Woman in the Mists: The Story of Dian Fossey and the Mountain Gorillas of Africa, New York: Warner, 1987.
  • Patterson, Francine, and Eugene Linden, The Education of Koko, New York: Holt Rinehart & Winston, 1981.
  • Shipman, Pat, The Animal Connection: A New Perspective on What Makes Us Human, New York: Norton, 2011.
  • Silvey, Anita, Undaunted: The Wild Life of Biruté Mary Galdikas and Her Quest to Save Orangutans, Washington, D.C.: National Geographic, 2019.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤