الفصل الخامس عشر

صفة الشخص

(١) هل تُعتبر الحيوانات أشخاصًا؟

تُعَدُّ كلمة «شخص» غامضة بالطبع. وإذا كانت غالبية القواميس تستخدم لفظ «شخص» للإشارة إلى الشخص من البشر فقط، فنحن نجد امتدادين للكلمة: الشخص الإلهي أو الذات الإلهية والشخص المعنوي (أي مجموعة من المصالح؛ «ميناء بيريه شخص معنوي»). وبالإضافة إلى ذلك فإن مسألة وجود «شخص حيواني» هي الآن محل العديد من النقاشات.

(١-١) الشخص الحيواني

في الكتاب1 الذي يُدافِع فيه عالِم الأحياء إيف كريستين عن هذه المسألة، يقترح تعريفًا أوسع «للشخص»، وقد يشمل هذا التعريف المملكة الحيوانية. وإذا طبقنا هذا التعريف في المثال التالي على فهد، فقد ينطبق على أيِّ حيوان يمتلك شكلًا من أشكال الاستقلالية:2 «فهو فرد لأنه يختلف عن البقية، وهو شخص لأنه، بصفته فردًا، يندرج في شبكة من العلاقات بين الأفراد.» ولنلاحظ، وهي مفهوم قريب جدًّا من مفهوم «الشخص الحيواني» من الناحية، بهذه المناسبة أن هذه الشبكة من العلاقات بين الأشخاص قد سمحت أيضًا لمفكِّر مُلحِدٍ بتعريف «الروح الحيوانية» (انظر الفصل التاسع عشر)، الفلسفية، وهذا التعريف للشخص على أنه فرد لا مثيل له يفترض أن كل فرد يمتلك خصائص محددة يمكن التعرف عليها؛ أيْ إنه يمتلك «هوية» فردية. ويذكرنا كريستين3 قائلًا: «هل تتسبب الحيوانات في تدهور […] هويتها؟ […] فإن العديد من الأعمال المتعلقة بصورة خاصة بالطيور، ولا سيما البطريق، تفترض بقوة وجود أصوات خاصة تشبه توقيع الأفراد.» ولقد استطعنا إثبات أن كل حيوان يمكنه التعرف بصورة فردية على كل أبناء جنسه، وذلك بصفة عامة لدى الحيوانات الاجتماعية، بدءًا من الدلافين وحتى الدجاج.

(١-٢) الجانب القانوني

لكن مفهوم «الشخص» له عواقب قانونية؛ فالقانون بالطبع من وضع الجنس البشري، ولكنه يهدف إلى التأمل في مجموعة العلاقات بين الجنس البشري والعالَم المحيط به. فهو يَهدِف إذن إلى وضْع تعريف وإطار للأشياء أو للكائنات الحساسة أو للأشخاص؛ لأن هؤلاء هم «موضوع القانون» ويمتلكون امتيازات محددة: هوية ومنزلًا وحقوقًا عديدة. وإن لم يكن هناك أدنى شك في أن الحيوانات كائنات حساسة ومختلفة عن الأشياء الجامدة4 وإذا كان تطور القانون يسلك هذا الاتجاه (انظر الفصل الرابع عشر) فهل يمكننا أن ننسب إلى بعض الحيوانات مفهوم «الشخص» بمعناه القانوني؟ لا تزال المسألة محل نقاش، ولكن بالإضافة إلى الشخص الإنساني والشخص المعنوي حاول بعض فقهاء القانون أن يحددوا ما قد يَعنيه هذا الشخص الحيواني في القانون.
وهكذا اعتقد نقيب المحامين الفرنسي ألبرت برونوا5 أنه من الممكن أن ننسب إلى الحيوانات نوعًا من الشخصية القانونية، وأقر أن مثل هذا الإجراء سيفرض بلا شك عددًا من المشكلات. وهو يشير ضمنيًّا هنا إلى الحيوانات الأكثر تطورًا، ولا سيما الحيوانات المنزلية. ولكنه لا ينوي جديًّا أن يمد هذه الصفة الشخصية إلى كل الحيوانات، من الشمبانزي إلى الإسفنج! ويرى أنه في حالة الحيوانات الأكثر تطورًا يمكن تحديد أُطُر قانونية محددة لهذه الشخصية القانونية: الحالة المدنية والمنزل وتدابير الحماية … ومِن ثَمَّ فقد تختلف هذه الشخصية بوضوح عن الشخصيات الطبيعية (البشر) والمعنوية (مجموعة المصالح) حتى لو تقاسمت مع الشخصيات المعنوية والشخصيات الطبيعية المُعاقة عجزَها عن التعبير عن أنفسها. فمن الضروري إذن أن يمثلها ويدافع عن حقوقها وسيط إنساني كمحامٍ أو ممثِّل لجمعية للدفاع عن الحيوانات: «للجنين والقاصر والمختلِّ عقليًّا ممثلون شرعيون، فينبغي إذن أن يكون هناك ممثل عن الحيوان.»6 وفي السياق ذاته توضح المحامية كارولين دايجوبرس7 من مدينة بوردو أنه يتعين أن يكون الحيوان «موضوعًا لقانون من نوع خاص» ولقد رأينا أن «موضوع القانون» يقودنا بالضرورة إلى مسألة الشخص. ولا يتفق كل فقهاء القانون على هذا الموقف؛ فتظل قضية الحدود القانونية المحتملة «للشخصية الحيوانية» محل العديد من النقاشات.
ولكن توضح الفقيهة القانونية ماري-أنجيل إرميت:8 «منذ الوقت الذي امتلكتْ فيه الجمعيات القدْرة على تمثيل الحيوانات في القضاء […] صار الحيوان موضوعًا للقانون.» وأضافتْ قائلة: «نعيش فترة وسطية يُعَدُّ فيها الحيوان موضوعًا للقانون وتحت طائلة القانون، وهو ما يُعَدُّ محيرًا للفقيه القانوني؛ لأنه لا يمكن بطبيعة الحال أن نجمع بين الصفتين.»9

(٢) هل تُعتبر الآلات أشخاصًا؟

(٢-١) قانونيًّا الآلة ليست شخصًا

مِن وِجْهَة نظر القانون (انظر الفصل الرابع عشر) يُعَدُّ الموقف واضحًا نسبيًّا في هذا الشأن. فاليوم تُعتبر الآلات نوعًا من الممتلكات، لا أشخاصًا، ولن يمكن بأيِّ حال من الأحوال تحميلها المسئولية القانونية عن أفعالها. ومن وجهة النظر القانونية فإن مسألة استقلاليتها المحتملة في اتخاذ القرارات ليست صائبة في الواقع؛ نظرًا لأنها لا تمتلك سبل تعويض ضحاياها المحتملين. فلا مصلحة قانونية إذن من اعتبارها أشخاصًا. وخلافًا للحيوانات لا يبدو من الضروري حمايتها بشيء أكثر من الأحكام المنصوص عليها بالفعل لحماية الممتلكات المادية والتراث الصناعي. وبالإضافة إلى ذلك فلا توجد جمعيات لحماية مصلحة الآلات، وليس من المُحتَمَل أن ترى مثل هذه الجمعيات النور في السنوات القادمة. وحتى إشعار آخر يستطيع مَن يمتلك آلة أن يستخدمها كما يحلو له دون أن يكترث «بمعاناتها» المحتملة أو بالطريقة التي قد يعوق بها قدراتها على النمو. وبصفة عامة يبدو أنه من غير المجدي استباق هذه المشكلات قبل ظهور مواقف ملموسة.

(٢-٢) عمليًّا، نحن نعتبر الآلة كشخص

شتان بين الإنسان والجماد على الصعيد النفسي! ففي حياتنا اليومية قد يصل بنا الأمر في أغلب الأحيان إلى معاملة الآلات كأشخاص يمتلكون صفات بل دوافع خاصة. ألَا نقول لأنفسنا إن سيارتنا «ترفض» أن تدور، أو إن جهاز الكمبيوتر «مُنهَك»؟ قد لا يبدو ذلك إلا مقولة معتادة؛ لأننا لا نعتقد في الواقع أن للآلات إرادة أو مشاعر خاصة. ومع ذلك أبرزت العديد من الدراسات، ولا سيما أعمال ريفز وناس، أهمية هذا الوضع النفسي في تفاعلاتنا الشائعة مع الآلات، وأكدت ضرورة أخذ ذلك في الاعتبار عندما نصمم واجهات استخدام جديدة.10 ونظرًا لأننا نربط بسهولة بين الآلة والشخصية أو النوايا فقد نشعر بسهولة بالإهانة أو الغضب خلال التفاعلات التي لا تحدث على النحو المتوقع. ويوضح ريفز وناس أنه من الضروري تصميم آلات، وخاصة واجهات كمبيوتر، تحترم القواعد الأساسية للأدب والمسافات بين الأشخاص وكل السلوكيات الضمنية الأخرى التي تحكم التفاعلات بين البشر.

(٢-٣) قد تمتلك كل آلة هوية خاصة

في حالة غالبية الآلات العادية، تُعَدُّ الفردية في التصرفات قبل كل شيء نتيجة لتفسير زائد من الكمبيوتر. فتوجد اليوم بعض الآلات المستقلة والمتعلِّمة (انظر الفصلين الثاني والخامس) التي يمكننا أن نعتبرها ذات هوية خاصة. وبما أن سلوك هذه الآلات يتحدد وفقًا لتاريخها الشخصي فقط فيجوز قانونًا أن ننسب إليها الوضع النفسي «لشخصية آلية» بقدر تطور فردية ملحوظة لدى كلٍّ منها. ومثال ذلك الروبوتات الشخصية الأكثر تطورًا، وكذا الأنظمة التي تتعلم استباق أذواقكم في اختيار تشغيل أيِّ موسيقى وفقًا للسياق.11 وتختلف كل آلة حسب مسارها الحياتي ونوع تفاعلاتها مع مستخدميها. وإذا ظلت كل هذه الآلات نوعًا من الممتلكات من الناحية القانونية، فهي تشبه الأشخاص بصورة متزايدة على الصعيد النفسي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤