الفصل الأول

التنظيم

fig1
شكل ١-١: مسرح جامعة ييل: تتويج من تصميم روجر شيرمان: يجب في العرض المسرحي أن يعم الانسجام التام جميع العناصر، ويلاحظ في هذه الصورة أن المناظر والملابس وترتيب أوضاع الأشخاص كلها على نسق واحد.

أكبر الظن أن من يشتغل خلف المسرح للمرة الأولى لا بد قائل في نفسه: «لم أكن لأُقدِّر أن العمل يحفل بكل هذه الأمور.» كذا حالك، أيها القارئ، إذا كنت لم يسبق لك أن شقيت واستمتعت بالدخول إلى الجانب الآخر السحري وراء مقدمة المسرح المغمورة بالأنوار، فإن هذا الكتاب قد يُشعرك بأن الإخراج المسرحي فنٌّ معقَّد على غير ما تتوقع. أجل وإنه لكذلك .. ولكن الأمر — لحسن الحظ — لا يبعث فيك الانزعاج والقلق؛ فالمسرح هو الفن الأوحد في العالم الذي تستطيع الإسهام فيه بصورة فعَّالة دون الحاجة إلى سنوات من المرانة والتدريب؛ ذلك لأن المبتدئ لا يُترَك وحده، بل يجد دائمًا من هو أكثر منه خبرةً لإرشاده وتسديد خُطاه. كما أنه غير محتاج، في مسرحيته الأولى، إلى تعلم كل شيء، بل حسبُه تعلم الأشياء التي تدخل في نطاق دوره الخاص في العرض المسرحي. في مثل هذه الظروف يقوم المبتدئ بدوره في أكثر الأحيان على وجه يدعو إلى الدهشة والعجب.

أضفْ إلى هذا أن الجزاء عظيم؛ فإن النجاح في ممارسة أي فن لمن أعظم الأمور غبطةً للنفس. والمسرح أقرب اتصالًا بالحياة من أي فن آخر، ويمتاز على غيره بأنه يبعث على الاستجابة السريعة. فمتى أحسنت، عرفت ذلك من النظارة؛ فهمْ قد يعبرون عن إعجابهم بالضحك، أو بالتصفيق، وقد تشهده في صمتهم المتوتر المأخوذ الذي هو أرفع درجات التقدير، والذي يشعر به الموجودون خلف المسرح شعورهم بأشد الهتاف صخبًا وجلبةً.

كما أن هناك ترضيات أخرى، بالإضافة إلى المال الذي قد يكسبه من يتخذون المسرح مهنتهم. فأنت كلما زاد فهمك للمسرح، زادت متعتك بالمسرحيات والأفلام التي تشاهدها. وأفضل سبيل لفهم أي فن من الفنون هو الممارسة، بل إن دورًا صغيرًا في مسرحية مُتقَنة الإخراج لَكفيلٌ بأن يُعلمك أشياء كثيرة يستعصي تعلمها على معظم النقاد المحترفين. وفضلًا عن هذا، فإن المسرح ليس فنًّا في حد ذاته فحسب، بل يضم سائر الفنون الأخرى. وهذا ما يجعله مدخلًا مثاليًّا للتذوق العملي للفنون. فإذا كنت حريصًا على إصلاح نفسك، فإن المسرح مدرسةٌ تدريبية يمكنك أن تحصل فيها على كثير من درجات الإجادة المطلوبة. هنا ينمي مُصممو المناظر في أذواقهم وخبراتهم، ويكتسب الممثلون الاتزان والحيوية، ويستفيد عمال المسرح مزيدًا من المقدرة التنفيذية ومن ضروب الحذق المهني. وأخيرًا، فإن مسرح الهواة عادةً يجذب إليه الصفوة المستنيرة في كليتك أو في أهل بيئتك. وأنت بإسهامك في النشاط المسرحي، تُتاح لك فرصة مقابلة أولئك الناس، والاندماج معهم اندماجًا اجتماعيًّا.

علاقتك بالنظارة Your relation to the audience

مهما يكن ذلك الذي تأمل في الحصول عليه من المسرح، فستجد أنك غير مستطيع بلوغَه مباشرةً، بل يجب عليك أن تكافح وتبذل جهدًا عظيمًا في تحسين العرض المسرحي. بهذه الطريقة يمكنك أن تتعلم أقصى ما يمكن تعلمه، وتستمتع بأبلغ معاني الإنجاز والتحقيق، وبأبلغ السرور من صِلاتك الاجتماعية بالعاملين خلف المسرح. وإن الجماعات التي تُخرج مسرحيات لمجرد التسلية لا تجد من التسلية بقدر ما يجده الذين يجعلون المسرحية همَّهم الأول، ثم تأتي بعد ذلك التسلية، وإنه ليتفق في الحين بعد الحين أن يحاول أحد الممثلين أن يُرضي غروره بأن يلفت إليه الأنظار على حسب العرض المسرحي. وهذه الوسيلة الرخيصة لاجتذاب الأنظار، حتى لو نظرنا إليها من الناحية الأنانية البحتة، لا تولد الرضا الحقيقي. ومثل هذا الشخص يعرف دائمًا (بالرغم من عدم اعترافه بذلك حتى إلى نفسه) أنه لا يمثل إطلاقًا، بل يستعرض ذاته ليس غير، وأنه لو جيء بخنزير فوق خشبة المسرح لجذب إليه الأنظار أكثر منه، ولكان على الأقل مساويًا له فيما يستحقه من المدح.

وليس ثيسبيس Thespis — أول من عرفناه مؤلفًا ومخرجًا وممثلًا — رائد المسرح الحق، بل هو شخص النظارة في جملتهم مجسَّدًا في تلك «السيدة العجوز الصمَّاء الجالسة في الصف الخلفي»؛ إذ من أجلها نُخرج مسرحياتنا؛ فإن إعجابها وتعضيدها المالي يقيمان أركان مسرحنا. وما من شك في أن هذه الشخصية الخرافية ليست دائمًا عجوزًا، وليست دائمًا سيدة، ولكن من الأحوط دائمًا أن نفترض فيها شيئًا من ضعف السمع؛ فإن المشاكل المسرحية — إلا القليل منها — يمكنك حلها إذا أقبلت على نفسك تسألها: «كيف يمكنني معالجة هذا الموقف بحيث تسمعه وتراه وتستسيغه السيدة العجوز الصمَّاء الجالسة في الصف الخلفي؟»

(١) علم المسرح

وإن وراء فن المسرح لعلمًا؛ فكل ما يجري فوق خشبة المسرح هو في الوقت نفسه تجربة وبيان عملي في السيكولوجية التطبيقية، والمتفرجون هنا هم الذين تُجرى عليهم التجارب. فما برح أهل المسرح منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة يخرجون المسرحيات ويلاحظون بطريقةٍ شبه واعية أثَرَ كلِّ وقفة، وحركة، ونبرة، على جمهور النظارة. وكل ما عرفه السلف وتعلموه انتقل للخلف بالتلقين العلمي والاقتداء العملي. هذا فضلًا عن أنهم استخدموا معرفتهم كمرشد يهديهم في كتابة المسرحيات باختيار وإعداد مادتهم بطريقة تتيح للممثل أعظم الفرص. وفي فترات تدهور المسرح العملي وضع النظريون الجالسون فوق المقاعد الوثيرة قواعد من بنات أفكارهم. وأحيانًا — كما حدث في المسرح الفرنسي الكلاسيكي لراسين Racine، وكورني Corneille — اضطُرَّ العمليون من المؤلفين والممثلين إلى التزام هذه «القواعد». وكان النقاد المعاصرون يحكمون على عملهم، ليس بمقدار أثره ومفعوله، ولكن بما إذا كان متفقًا مع القواعد أو غير متفق.

إن القواعد المصطنعة سيئة دائمًا، والانتقاض عليها لا مناص منه. غير أنه من نكد الحظ أن أولئك الذين يهاجمون القواعد الرديئة كثيرًا ما يتمادون ويُصرون على أن الدراما لا تتبع أية قوانين كانت، وهذا محض هراء؛ فالمسرح من الوجهة العلمية فرعٌ من فروع علم النفس، يخضع لقوانين محددة، شأنه في ذلك شأن كل علم من العلوم الأخرى. وقد نعجز عن فهم هذه القوانين، أو نسيء فهمها، أو نخطئ في استخدامها، إلا أنه من الثابت أن حافزًا بعينه لا بد يُحدث في نفوس النظارة نفس التأثير في نفس الظروف.

وسيَّانِ كانت معرفتك العلمية لسيكولوجية النظارة معرفةً شعورية أم لا شعورية، فإنه يجب عليك أن تستخدمها، فهذه هي مهمة الفن وهذا موضعه. فالعلم يمكن تلقينه، أما الفن فليس كذلك.

والقواعد التي تُتبع دون تبصر — لا لشيء إلا أنها قواعد — لا تأتي عنها إلا نتائج جافة عاطلة من الفن، حتى لو جاءت أسلم من النتائج في حالة عدم اتباع أية قاعدة على الإطلاق. فخير طريقة هي أن تنفي من فكرك كل فكرة عن «القواعد» و«القوانين». انظر إلى كل نقطة من سيكولوجية النظارة قد تجدها في كتاب أو تحصل عليها بتجاربك الشخصية، على أنها مبدأ ودليل تهتدي به إلى حل المشكلات المسرحية. فمثلًا، وجد الممثلون، منذ هذه الثلاثة الآلاف سنة، أنهم إذا تكلموا وظهورهم إلى المتفرجين، كان رد الفعل غير مُرضٍ عادةً. وعلى ذلك يكون عليك عندما تريد اختيار وضع تتكلم فيه، أن تبدأ بوضعٍ وسط بين المواجهة الكاملة والمجانبة. بيدَ أنه يمكنك في حالات خاصة أن تدير ظهرك للنظارة إذا كنت ترغب في إحداث تأثير غير عادي. ويمكنك في أحوال أخرى أن تدير ظهرك لأنك تُحس بأن ذلك سوف يُحدث أثرًا أكثر واقعية وأقرب إلى الطبيعة. وسواء أكنت مصيبًا أم مخطئًا، فإنك لا تتنكر للمبدأ القائل بعدم التكلم مع استدبار، ولكنك تذهب إلى أن المبدأ في تلك الأحوال الخاصة غلبه ما هو أشد وأقوى. إن الطائرات والمناطيد لا تنقض قانون الجاذبية، ولكنها تحتال على الإفادة منه.

وهذا الكتاب يتناول جميع الاستكشافات التي وصل إليها أهل المسرح أثناء الثلاثة الآلاف عام المنصرمة فيما يتعلق بالحرفية والسيكولوجية العملية. وإني في الكتاب لم أُسلم بقضية اعتمادًا على ما قاله الكُتاب السابقون، بل كررت بنفسي في أثناء عملي ملاحظاتهم وتجاربهم، فكل ما سوف تجده هنا قد اختُبر مرارًا في كلٍّ من التدريبات والعرض التمثيلي أمام النظارة. ولا يعني هذا أن جميع آرائي صحيحة؛ فالظاهرات المسرحية كثيرًا ما تكون معقَّدة، ومن السهل أن تُنسب الآثار لغير سببها الحقيقي. ويجدر بك قبل الأخذ بما أقول أن تختبره بنفسك؛ وبذلك يمكنك أن تكتسب تلك الملَكة المسرحية البالغة الأهمية، وهي أن تفعل بوحي تفكيرك، وعندما تصل إلى النتائج ستجد أنك على حق في الإيمان بها والاطمئنان إليها.

(٢) مصاعب

هناك عدة مصاعب ستقابلها عند قراءتك لهذا الكتاب؛ لذا رأينا من الواجب أن نُنبهك إليها ونُحذرك منها مقدمًا. فأول صعوبة هي التخطيط الإجمالي. وصحيح أنه ذو فائدة عظمى في إعطائك فكرة عامة عن الموضوع كله، غير أنه من ناحية أخرى يبسط كل شيء ويختزله إلى أقصى حد مستطاع؛ إذ من السهل وضعُ كتاب بهذا الحجم لكل باب من الأبواب التي نطرقها هنا. ومع ذلك فلست أعتقد أنني حذفت أي شيء ذي أهمية جوهرية، بيد أن اختصار الشرح والأمثلة قد يتطلبان منك قراءةً أكثر تدقيقًا مما لو كان هناك متسع في هذا الكتاب لتناول كل شيء بالتطويل. ولكي أعوض القارئ عن هذه الصعوبة، حاولت قدر جهدي أن أجعل الرسوم البيانية واضحة بصفة خاصة.

(٢-١) المصطلحات الفنية technical terms

ما من حرفةٍ ذات مفردات فنية هي أقل بعثًا على الرضا من مصطلحات المسرح؛ فالكثير من مصطلحاته سمجٌ غشوم، وكثير منها غير وافٍ بالغرض، في حين أن البعض مضحك بمعنى الكلمة، ولا يتفق في استعمالها مختلف الكُتاب في مختلف البلدان. بيد أن أغلب المصطلحات المفيدة ستقابلها في هذا الكتاب. وقد بذلت كل ما في وُسعي أن أجعل معنى كل مصطلح منها واضحًا عند استعماله للمرة الأولى؛ فلا تحاول أن تُجهد ذاكرتك بحفظ هذه المصطلحات عن ظهر قلب؛ فإن المصطلحات التي ستراها وتسمعها مرارًا عديدة ستعلق بذهنك من تلقاء نفسها، وما عداه فلا يضيرك أن تنساه.١

(٢-٢) التجريد abstractions

ستعثر في هذا الكتاب على كثير من الأفكار المجردة. وقد تتسبب هذه الأفكار في بلبلة ذهنك بادئ الأمر؛ لأنها من غير شك صعبةُ الإدراك والفهم، ولكنها بالرغم من كونها مبهَمة فهي بعيدةٌ كل البعد عن أن تكون أفكارًا نظرية. فالواقع أن للأفكار المجردة قيمتها العملية البالغة كأي شيء آخر في حرفة الفن المسرحي كلها. ولتذكر أنه ما من شيء أعظم تجريدًا من جدول الضرب، وأنه لا شيء ذا فائدة يومية أكثر منه. كذلك نجد أن للطريق الهندسي البحت الذي يتحرك فيه الممثل أثرًا حقيقيًّا وعمليًّا في مشاعر النظارة. وقد تجد صعوبة في فهم هذه الأفكار المجردة؛ لأن تأثيراتها بالقياس إلى الوسائل المفضية إليها تبدو سحرية إلى حد أنه يصعب على المرء تصديقها. نعم، إنها سحرية، إنها جزء أساسي من ذلك السحر المسرحي الذي يحيل مجموعة الممثلين المصبوغين بشتى الأصباغ، الذين يتحركون أمام الستائر المهلهلة المموهة، أشخاصًا درامية ينظر إليهم النظارة نظرتهم إلى حقائق الحياة الواقعية، بل هم أكثر منها واقعية وحيوية.

(٣) توزيع العمل

المسرح فن جماعي؛ إذ أقل إنتاج فيه يحتاج إلى التعاون الذكي لعدة أشخاص.

وقد بذلت محاولات في بعض الأحيان لرفع أحد هؤلاء الأشخاص وجعله في منزلة المحرك للدُّمى، والنزول بالباقين إلى منزلة الدُّمى المتحركة. ولكن مثل هذه المحاولات باءت بالفشل؛ إذ إن الممثلين حين يتحولون إلى دُمًى يصبحون خُشبًا صمَّاء. وفضلًا عن ذلك فإن مثل هذه المحاولات لا يمكن عمليًّا أن تكون كاملة، فكل عرض مسرحي يحتاج إلى اتخاذ عدد كبير من القرارات ابتداءً من اختيار المكان اللازم لدق مسمار بالذات، أو طريقة النطق بمقطع معيَّن، إلى الأداء المعبر عن مفاهيم المسرحية كوحدة كاملة. وحتى لو فرضنا وجود عبقري فذ يدير مجموعة ممتازة من تلك الشخوص الآلية، واستطاع ذلك العبقري الفذ إبداء جميع الآراء واتخاذ كل القرارات، فإن ما يخسره نتيجةً لنقص في طريقته هذه لأعظم بكثير مما يربحه بجعل إنتاجه وليد عقل فرد.

figure

كذلك من دواعي الفشل أن تذهب في مناقضة ذلك إلى الحد الأقصى، فتترك لكل شخص أن يسير على هواه، فليس من الممكن دون إدارة حكيمة أن يكون هناك تعاون، والنتيجة في مثل هذه الحالة أنك لن تجد نفسك حيال عرض واحد، بل تشكيلة متنافرة من أساليب عدة في العرض يختلف بعضها عن البعض الآخر تمام الاختلاف. ومثل هذا العرض لا يرضى عنه جمهور النظارة، إلا كما يرضى عن صورة مؤلفة على طريقة الألغاز من قصاصات مبتورة متناثرة.

(٤) تخطيط توزيع العمل

يمكن التوسط بين طرفَي النقيض باتباع تنظيم حكيم، والتخطيط السابق نموذج لنظام ملائم لمسارح الكليات والمسارح البلدية. ويمكن للمسارح الصغيرة أن تسير حسب هذا التخطيط بإسناد عدة أعمال لشخص واحد. والواقع أنه لا يوجد مسرح يتبع هذا النظام المنطقي ويخصص عملًا واحدًا لكل فرد. ويصدُق هذا في الأخص على مسارح الهواة، حيث قد نجد فردًا واحدًا يقوم بالتمثيل وتصميم جانب من المناظر، ويساعد كذلك على الدعاية لمسرحية واحدة. يضاف إلى ذلك أنه كثيرًا ما تُستعمل أسماء مختلف الإدارات لغير ما وُضعت له، إما عن جهل، وإما لتملق شخص بعينه. فمثلًا قد يكون مدير الحسابات مجرد كاتب حسابات لإيراد التذاكر، وقد يكون أخصائيًّا محترفًا يشرف على جميع الأعمال المالية وكثير من الوظائف الإدارية للمسرح.

(٥) توزيع العمل

(٥-١) الوظائف التنفيذية

يجب أن يتحمل فردٌ ما، أو مجموعة محدَّدة من الأفراد مسئولية النجاح أو الإخفاق. وهذه المسئولية تتضمن السلطة المطلقة في اتخاذ القرارات أو استبعادها، كما يدخل في اختصاصها كل المهام التنفيذية الكبرى اللازمة للقيام بهذه السلطة. وأحسن مثال لاجتماع المسئولية والسلطة نجده في المنظمات الفنية الصغيرة، حيث ينهض فردٌ واحد، وهو المنتج producer، بجميع أعباء النواحي الإدارية والعملية للعرض المسرحي، وله أن ينيب عنه في الكثير من أعماله، على ألا تُتخذ خطوةٌ هامة إلا بعد موافقته.

أما في المنظمات الفنية الكبرى للمحترفين، فيضطلع بهذه المسئولية أعضاء الشركة مجتمعين، أو يقوم بها موظفو المؤسسة.

أما في الكليات، فيضطلع رئيس قسم الدراما عادةً بهذه المسئولية، غير أن قراراته قد تكون عرضية للتدخل من بعض الموظفين الآخرين. وفي المسارح البلدية، تكون السلطة في أيدي الموظفين المشرفين ومجلس الإدارة.

ويُعطى المخرج عادةً في كلٍّ من الكليات والمسارح البلدية السلطةَ والمسئولية الكافيتَين، وخاصةً في المسائل الفنية، حتى ليصبح شبه منتِج.

ومن النادر أن يفوض المخرج سلطته إلى غيره، وإن كان له أن يسند كثيرًا من واجباته التنفيذية إلى الغير، فيجد من الأوفق له أن يعيِّن مساعدًا إداريًّا لكل مسرحية، يعهد إليه (وفي حالات كثيرة إليها) جمع وتنظيم العمال الفنيين (ويطلق عليهم اسم «هيئة العمل»). ويكون على هذا المساعد الإداري أن يتحقق من أن هيئة العمل تؤدي عملها في هوادة، ويضع الخطة التي تضمن حسن سير عمل هذه الهيئة. وغالبًا ما يطلق على أولئك المساعدين الإداريين المنفذين اسم «المنتجين»، برغم عدم صحة انطباق هذا اللقب عليهم فنيًّا، ولكنه يسرهم ويزيد في هيبة سلطتهم في نظر هيئة العمل.

وثَم مساعد آخر للمخرج، وهو «مدير المسرح»، الذي يحمل عن المخرج أعباء التفاصيل المتعلقة بالتدريب (البروفات)، بإعطاء إشارات الدخول للممثلين، وتنظيم أثاث التدريب، والرد على التليفون، واستقبال الزائرين، وغير ذلك من الأعمال. أما في أثناء العرض، فيحمل مدير المسرح كامل المسئولية عن العمل خلف المسرح. وينهض الرجال عادةً بمهمة مدير المسرح خيرًا من السيدات.

وهناك مساعد ثالث لتدوين الملاحظات في أثناء التدريبات في نسخة المسرحية الخاصة بالمخرج، وتُسمى «نسخة الملقِّن» (انظر شكل ٣-٢). وهذا العمل تقوم به السيدات خيرًا من الرجال. ويقوم نفس هذا المساعد بالتلقين، ويُسمى أحيانًا «الملقِّن». ومع ذلك فإن لقب «مساعد مدير المسرح» أكثر ملائمة له؛ فليس التلقين موضوعًا نريد أن نلفت إليه الأنظار في برنامجنا.

(٥-٢) الوظائف الفنية

من أهم أعمال المنتج اختيار الرواية، ويقوم به في الكليات رئيس قسم الدراما والمخرج متعاونين. أما في المسارح البلدية فيُسند إلى لجنة تُسمى «لجنة القراءة» تتألف عادةً من ثلاثة أو أربعة أشخاص من بينهم المخرج. كذلك من صميم عمل المنتج تنفيذ المسرحية؛ لأن ذلك قوام كل ما عداه، ويترتب عليه نظريًّا، اختيار المخرج والمصممين وخير الممثلين ملائمةً لإبراز مفهوم المسرحية. إلا أن بعض هؤلاء قد يكونون في الواقع متعاقدين للعمل في كل مسرحيات الهيئة. وفي مثل هذا الحال يشترك المخرج في اختيار المسرحية وتنفيذها وتوزيع أدوارها على الممثلين في حدود سلطته كمنتج مساعد. وهذا هو المتبَع دائمًا في مسارح الهواة.

عناصر الإخراج production elements

يتألف كل إخراج من العناصر الآتية:

التشكيلات groupings

وهي ترتيب أوضاع الممثلين على خشبة المسرح.

الحركات movements

وتشمل تنقل الممثلين على خشبة المسرح من مكان إلى مكان، والإيماءات التي هي حركات معنوية لأطراف الجسم وأجزائه.

الشغل business

ويقصد به كل حركة أو عدة حركات تحمل فكرة معينة يعيها المتفرجون بطريقة شعورية. فعندما يقول روميو لجولييت في المشهد الأول من الفصل الثالث: «يا لي من ألعوبة في يد القدر!» فإنه من غير شك يؤكد هذه العبارة بإيماءة منه. ولكن لما كان النظارة يلتقطون تلك الإيماءة بإحساسهم الباطني أكثر مما يتمعنونها بانتباههم الواعي، فإننا في العادة لا نسميها شغلًا. أما الحركات في مشهد المبارزة، فيتعرفها المتفرجون في جملتها عن وعي كشيء قائم بذاته. ومن ثمة كانت تسميتها شغلًا.

فالتنقل والإيماءات تطلق على أجزاء مفردة، أما الشغل فيطلق عادةً على مجموعة من الحركات المتتابعة. والتمييز بين الحركة والإيماءة والشغل لا يهمنا إلا من حيث إننا نستعمل الأولين غالبًا للتعبير عن انفعال، أما الشغل فيُستعمل للتعبير عن فكرة ما.

التعبيرات بملامح الوجه facial expressions

ولها أهمية بالغة في السينما، أما أهميتها في التمثيل المسرحي فمحدودة، حيث لا يرى النظارة إلا التعبيرات العريضة.

الأصوات sounds

وتشمل نبرات الكلام، والموسيقى، والمؤثرات الصوتية sound effects.

التوقيت timing

ويشمل:

  • (١)
    ضبط إشارات البدء setting cues (المفاتيح)، وهي اختيار اللحظة المحددة التي ينبغي عندها البدء بأداء حركة بعينها، أو شغل بعينه، أو عبارة بعينها.
  • (٢)
    ضبط التوافق الزمني synchronization لحدوث شيئين أو أكثر معًا في وقت واحد.
  • (٣)
    الخطو pacing. وهو تحديد السرعة اللازمة لأداء كل جزء من أجزاء المسرحية.

المناظر scenery

وهي المنظر الخلفي، أو المناظر الخلفية، التي تمثل المسرحية أمامها. وهذه المناظر الخلفية يقال لكلٍّ منها على حدة في الاصطلاح الإنجليزي setting أو sets.

الملحقات properties or props

ويشمل هذا المصطلح:

  • (١)
    الأثاث furniture.
  • (٢)
    الزخرف trim. ويشمل جميع ما يستعمل من الأشياء لزخرفة منظر ما.
  • (٣)
    الملحقات اليدوية hand props. وهي الأدوات التي يمسكها الممثلون. وتنص قوانين اتحاد الممثلين في محيط المحترفين على اعتبار كل شيء داخل جدران المنظر (كجذع شجرة في أحد المشاهد الخارجية) من الملحقات. ولكن الهواة قلما يتقيدون بهذه التعاليم التعسفية.

الملابس costumes

وتشمل كل ما يلبسه الممثلون. ويقضي اتحاد الممثلين باعتبار المسدس جزءًا من الملابس إذا دخل به الممثل حاملًا إيَّاه في جرابه، في حين تُعتبر الملابس التي تكون موضوعة على كرسي عند رفع الستار من الملحقات. أما عند الهواة فالتفرقة بين هذه الأشياء أمر يخضع لمقتضيات الظروف.

المكياج make-up

ويشمل الطلاءات المستعملة في صبغ الوجه والجسم كما يشمل الشعر المستعار false hair والحشو padding لتضخيم ما يراد تضخيمه من الجسم، وإن كان الهواة يعتبرون الحشو من ضمن الملابس.

الإضاءة lighting

وينصرف الذهن عادةً هنا إلى الكهربا، على حين أن أعواد الثقاب والشموع، وحتى السيجار والسجاير، قد تؤدي دورًا له اعتباره في هذا المضمار.

التصميم design

يجب تصميم كل عنصر من عناصر الإخراج أو انتقاؤه بدقة. ويلاحظ أن تصميم التشكيلات والحركات الرئيسية، وما يستدعيه التوقيت بوجه عام، تدخل في صلب مهام المخرج. بينما الإيماءات ونبرات الكلام، تكون عادةً من تصميم الممثل الذي يؤديها. أما حركات الشغل فيصممها المخرج بالاشتراك مع الممثلين. ومن أهم واجبات المخرج أن يجلس في مكان المتفرج أثناء التمرين (البروفات)، ويلاحظ كيف سيكون وقع كل مؤثر في النظارة. وهذا أمر لا يتأتَّى للممثل نفسه أن يحكم عليه حكمًا صحيحًا. ومن ثَمة فأية مقترحات من جانب الممثل يجب أن تكون موضع الملاحظة والتعليق من المخرج، بل والتصحيح إن اقتضى الأمر. بيد أنه يجب ألا يغيب عن بال المخرج أن التمثيل لا يدخل في صميم وظيفته تمامًا كما لا يدخل الإخراج في صميم وظيفة الممثل.

ويتولى عادةً تصميم أو اختيار المناظر وملحقاتها شخصٌ واحد، ولو أنه قد يكون هناك أحيانًا مصمم خاص لكل منظر بعينه. وعلى أية حال، ينبغي موافقة المخرج على التصميم والاختيار؛ لأن تشكيلات الحركة وخطواتها تتوقف على أحجام المناظر وقِطع الأثاث، وعلى أشكالها وصفاتها النوعية. وغالبًا ما يقوم المخرج بوضع المواصفات العامة لكل منظر على حدة، ويتولى المصمم إضافة الألوان والزخارف. وقد يقوم مصمم المناظر بتصميم أو انتقاء الملابس والمكياج، أو قد يُعيَّن مصمم خاص للملابس. ومدير التنفيذ هو المسئول عن الجانب الآلي للتصميم، كإنشاء المناظر وملحقاتها، وتنظيم عملية تغيير المناظر، وتحديد المواضع الخاصة بتركيب أجهزة الإضاءة، وما إلى ذلك.

ويتولى المخرج عادةً اختيار الموسيقى المناسبة. وفي حالات خاصة يعهد إلى مؤلف موسيقى بتأليفها، أو إلى موزع arranger بتوزيعها على آلات خاصة. أما المؤثرات الصوتية فيشترك في إعدادها المخرج ومدير التنفيذ ومدير المسرح. فإذا بلغت المؤثرات الصوتية درجة معينة من التعقيد عُهد إلى مصمم خاص بتولي شأنها.

أما الإضاءة فقد يصممها مصمم المناظر أو المخرج، أو مهندس خاص للإضاءة المسرحية.

التنفيذ execution

يقوم الممثلون، بطبيعة الحال، بتنفيذ تشكيلات الحركة وخطواتها، وكذا حركات الشغل، وألفاظ الحوار، وعمليات التوقيت. أما الملحقات والملابس والإضاءة فيُعهد بها إلى جماعات يطلق المحترفون على كلٍّ منها اسم «إدارة». أما الهواة فيسمونها «طاقمًا». ولكل إدارة أو فريق «طاقم» رئيس. وعادةً تقوم نفس الإدارة أو الطاقم بتركيب وتجميع شتى الأدوات والمعدات في أثناء العرض. وأحيانًا يقوم طاقم خاص يُسمى فريق «طاقم الزي costume crew» بصنع الملابس أو إعدادها، في حين ينقلها ويحفظها «فريق طاقم» صيانة الملابس wardrobe crew تحت رياسة «حافظة الملابس wardrobe mistress». كما يطلق على أعضاء فريق «طاقم» صيانة الملابس الذين يساعدون الممثلين في ارتداء وخلع ملابسهم «مساعدي اللبس dressers»، ويُسمى رئيس «طاقم» الإضاءة بالكهربي الأول. ورئيس فريق «طاقم الملحقات prop crew» باسم «شيخ الملحقات prop master». ومن الواجبات التقليدية لطاقم الملحقات أن يحافظ على نظافة المسرح. وهذا يشمل منع الممثلين وأعضاء الطواقم الأخرى من الجلوس على أثاث المسرح وملحقاته.
ويقوم فريق «طاقم الإنشاءات construction crew» ورئيسه نجَّار الإنشاءات، بإنشاء المنظر، ويتولى فريق «طاقم» النقاشين طلاءه. ويقوم فريق «طاقم المسرح» تحت إشراف نجَّار المسرح بتركيبه وخلعه. ويطلق على فريق طاقم المسرح اسم «عمال المسرح» (وفي محيط الاحتراف يشمل هذا المصطلح رجال الملحقات والكهربيين). ويُسمى عمال المسرح الذين يقومون بنقل المناظر فوق خشبة المسرح باسم «الحمَّالين grips». أما من يرفعون المناظر في الهواء على حبال أو أسلاك مشدودة (انظر شكل ٢-١)، فيطلق عليهم اسم «الشدَّادين flymen». ويتولى فتح الستارة وإسدالها عاملٌ خاص يُسمى «عامل الستار curtain man».

ويشرف مدير التنفيذ عادةً على أعمال فرق «طواقم» الإنشاءات والمسرح والملحقات والمؤثرات والإضاءة. وقد يقوم بالإشراف على «طاقم» النقاشين إذا لم يقم بذلك المصمم نفسه.

وإذا كان بالمسرح فرقة موسيقية، فالمشرف عليها يُسمى «قائد الأوركسترا» إذا كان يوجهها وفي يده عصًا، أو «رئيس الأوركسترا» إذا كان يباشر العزف بنفسه على آلة موسيقية.

ويُعهد إلى مدير المسرح أو مساعده بأداء المؤثرات الصوتية البسيطة كالأجراس. أما ما كان منها أكثر تعقيدًا فيقوم بتشغيله فريق «طاقم» الملحقات. وقد تحتاج المؤثرات الصوتية إلى طاقم خاص إذا بلغت درجة عويصة من التعقيد.

(٥-٣) الوظائف التجارية

يوضح جدول تخطيط توزيع العمل أهم الوظائف التجارية. وتختلف أهميتها النسبية اختلافًا بيِّنًا تبعًا لاختلاف المؤسسات؛ فقد تكتفي فرقة ببرنامج من صفحة واحدة مطبوع على الرونيو، بينما قد تنشر أخرى برنامجها على هيئة كراسة كبيرة وتجعل الدعاية موردًا هامًّا للدخل.

وفي حالات أخرى تكون حملة توزيع تذاكر الاشتراكات (الأبونيهات)، «وتُسمى عادةً بتذاكر العضوية»، هي المورد الرئيسي لدخل أغلب المسارح البلدية. ولكن هذه الحملات أقل اعتبارًا في فرق الكليات، ونادرة إلى حد ما في محيط المحترفين.

كذلك تختلف مفاهيم الألقاب. ففي مسارح الهواة، يقوم مدير الحسابات بإمساك الدفاتر وصرف قيمة الفواتير. أما في مسارح المحترفين فلا يزيد منصبه عن الكاتب الأول لشباك التذاكر.

١  المصطلحات المتداولة في مسارحنا تُمثل خليطًا عجيبًا يجمع بين الإيطالية والفرنسية والإنجليزية والعربية، كما يتضح من المرادفات التي تصادفنا أحيانًا بين قوسين في هذا الكتاب. (المراجع)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤