الفصل الثاني

المسرح

بصرف النظر عما يستهويك في المسرح، فلا بد لك من إلمام تام بالمكان الذي تخرج فيه المسرحيات؛ فالقاعة الفسيحة التي تكوِّن خشبة المسرح أرضيتها تُسمى «رحبة المسرح stage house»، والفتحة التي يشاهد منها النظارة العرض المسرحي تُسمى «فتحة المسرح proscenium opening» (أو البوكاشينا)، ويحيط بها إطار يُسمى «واجهة المسرح». والحائط المقابل لها يُعرف بالحائط الخلفي، أو صدر المسرح (انظر شكل ٢-١)، وإلى اليمين والشمال يقع الحائطان الجانبيان. ويطلق نفس هذا التعريف على الحوائط المماثلة للمناظر المسرحية.

(١) المعدات الدائمة

خشبة المسرح في المقام الأول عبارة عن حيز متسع يصلح لإقامة تركيبات مؤقتة في سرعة ويسر. ولا مناص من وجود بعض المعدات بصفة أساسية، غير أن التجهيزات الباهرة، كالمسارح الدوارة والمسارح ذات المصاعد، تُعتبر في العادة مصدر عناء يمكن الاستغناء عنه؛ إذ متاعبها أكثر من فائدتها.

(١-١) الستائر (السيباريو) curtains

الستائر نوعان؛ فهي إما «تطير fly» (أي ترفع وتخفض)، أو «تجر draw» (أي تنزلق إلى الجوانب) كالمبيَّنة في الشكل. وتنزلق ستائر الجر في مجريين يتطابقان عند المنتصف بمقدار قدمين أو قدمين ونصف قدم. ويفضل أن تتدلى الستائر من عجلات صغيرة من الصلب بدلًا من كرات الخشب التي يكثر تداولها في السوق.

(١-٢) الواجهة الداخلية the inner proscenium

يقع الإطار الحقيقي لصورة المسرح خلف الستائر مباشرةً. وبما أنه عُرضة للتعديل بحيث يتناسب مع المناظر المختلفة الأحجام، فإنه يُصنع من ثلاثة أجزاء منفصلة: الجزء الأفقي العلوي، ويُسمى البرقُع teaser؛ ويتكون عادةً من إطار خشبي يُغطى بالقماش السميك أو الخيش، ويُطلى بطبقة كثيفة من الطلاء للحيلولة دون نفاذ أضواء المسرح من خلال مسامه عندما تُطفأ أنوار الصالة. وأحيانًا تُكسى صفحة البرقع المواجهة للنظارة بالحرير بقصد الزخرفة. ويطلق على الجوانب الداخلية لواجهة المسرح «الدروع tormentors» (أو البنطلونات). وتتكون كل درع من إطارين خشبيين مغطَّيين بالقماش، ويتصلان بعضهما ببعض بمفصلات على هيئة ساتر مزدوج (بارافان). وهاتان الدرعان تكونان بمثابة دعائم صلبة ثابتة يمكن أن تثبت فيها أطراف المناظر؛ لذا فإن دروع القماش الخالص التي نراها بمسارح المدارس العليا عديمة الفائدة في هذا الغرض.

(١-٣) شبكة التعليق (السوفيتا) rigging

تتدلى المناظر المعلقة بين حبال تُسمى «الخيوط الخاطفة snatch lines» مشدودة إلى قوائم تُسمى «قوائم الربط». وتُرفع هذه القوائم وتُخفض بوساطة حبال. ولتبسيط الشكل لم نوضح به غير الحبال المتصلة بالبرقع. على حين أن هناك — من الناحية العملية — ما بين ست إلى ثلاثين قائمة بحبالها. ولكل حبل أو خيط بَكرته الخاصة loft block، وكل ثلاثة خيوط تمرُّ فوق البكرة الرئيسية head block، وهي بكرة ذات ثلاث عجلات sheaves، ثم تتجه الخيوط بعد ذلك إلى «المربط pin rail»، حيث تُربط في خطاطيف belaying pins. وإذا كانت الخيوط من الحبال العادية وجب أن يكون المربط ساقًا متينة من الخشب، أو أنبوبة تُثبَّت على ارتفاع أربع أقدام من الأرض، وتُزوَّد بخطاطيف كالمستعمَلة في ربط أشرعة السفن. وفي المسارح التي تستخدم نظام أثقال التوازن، تكون الحبال من الصلب، ويُزوَّد المربط بأقفال معدنية خاصة. ولما كانت جميع المناظر المعلقة تُشد إلى ذلك المربط، لذلك ينبغي أن يثبت جيدًا.
fig2
شكل ٢-١
وتُدعم شبكة التعليق بعوارض gridirons or grids. وأبسط أنواعها مبيَّن في شكل ٢-١. ويجب أن تتحمل كل عارضة من هذه ثقلًا لا يقل عن ١٠٠٠ رطل. على أنه مما تجدر ملاحظته أن ثقل الحمل كله لا يُوزَّع على العوارض الأربع الأساسية بالتساوي. فلو كانت زنة قائمة الربط بالمنظر الذي ترفعه ٤٠ رطلًا، فعلى عارضة البكرة الرئيسية أن تتحمل الثقل برُمَّته. بينما نجد أن العارضتين اللتين ترفعان الخيط القصير والخيط الطويل (انظر الشكل ٢-١) لا تحمل كل منهما أكثر من ١٠ أرطال، في حين تحمل العارضة الوسطى ٢٠ رطلًا. ونظرًا لأن الثقل يؤثر في مواضع العوارض، ويعمل على تقوس كلٍّ منها تجاه الأخرى، تقوى تلك العوارض بدعامات تفصل بينها وتثبتها في مراكزها.

(١-٤) المنظر الخلفي background

إذا كُسِي الحائط الخلفي لرحبة المسرح بالمصيص ثم طُلِي باللون الأزرق الرمادي، فمن الممكن استخدامه كسماء، أو عاكس تُسلَّط عليه المؤثرات الضوئية. وفي بعض الأحيان يُعدل ذلك الحائط على شكل ربع كرة تُسمى «قبة»، يمكن بها الحصول على مؤثرات ضوئية خلابة. بيد أنها حيثما لا تدعو الحاجة إلى مثل هذه المؤثرات في الروايات العادية تعوق حركة تغيير المناظر. وفي أحيان أخرى يستعاض عن القبة بنصف أسطوانة من القماش ذي اللون الأزرق السماوي، تُسمى «القوس sky cyclorama» (أو البانوراما). وهذا القوس أقل إعاقة لحركة تغيير المناظر من القبة، ويمكن إزالته بسهولة. ومع ذلك فإن نفعه لا يتناسب وما يخلقه من متاعب، اللهم إلا إذا كان المسرح متخصصًا في التمثيليات الاستعراضية أو التجريبية. ويجب ألا نخلط بين الأقواس التي من هذا النوع وبين تركيبات الستائر الفضفاضة التي تُزوَّد بها أغلب مسارح المدارس العليا، والتي يستعاض بها عن بعض المناظر العادية.

(١-٥) الحُفَر الأرضية traps

قد يحتاج الأمر في بعض الأحيان إلى حفر كالآبار في أرضية المسرح، ولكن لسوء الحظ كثيرًا ما تكون الأبواب traps التي تغطيها مصدر متاعب لا تنقطع؛ إذ تُحدِث صريرًا عند السير فوقها، كما يتسبب وجودها في عدم استواء أرضية المسرح. وقد دلت التجارب في أغلب المسارح على أن مضار هذه الحفر أكثر من مزاياها. وما عليك في الحالات النادرة التي يستدعي فيها الأمر وجود حفرة، إلا أن تقيم مرتقًى تشق في وسطه الحفرة المطلوبة بدلًا من حفرها في أرض المسرح.

(٢) جغرافية المسرح

يبين الشكلان ٢-٢، ٢-٣ أهم المصطلحات المستعمَلة في توضيح جهات المسرح. فإذا لم تكن ملمًّا بها، وجب أن تدرسها جيدًا حتى تتعودها وتألفها؛ إذ مهما بلغت درايتك بالمسرح، فلن تشعر أنك تنتمي إليه حقًّا ما لم تكن تعرف كيف تسلك طريقك فوق خشبة المسرح دون أدنى تفكير.
fig3
شكل ٢-٢

(٢-١) جغرافية المسرح – الاتجاهات

الجهات الأربع الأصلية للمسرح هي: (١) «يمين المسرح»، واختصاره «ي» (أي على يمين الممثل وهو يواجه النظارة). (٢) «شمال المسرح»، واختصاره «ش» (أي على شمال الممثل). (٣) «المقدمة downstage» واختصارها «م» (أي نحو النظارة). (٤) «الصدر (أو المؤخرة) upstage»، واختصاره «ص» (أي بعيدًا عن النظارة). ويُسمى يمين المسرح أحيانًا جانب الملقن، ويساره مقابل الملقن، وإن كان هذان المصطلحان قد كاد يبطل استعمالهما. وكل ما يقرب صدر المسرح من جسم ما يقال له «أعلاه»، كما يتضح من كلمة «أعلى» التي تعلو العلامة «×» الموجودة بالرسم. وكل ما يتوسط بين جسم ما والنظارة يقال له «أسفله»، وتُستخدم كلمتا «فوق» و«تحت» عند وصف الأوضاع الرأسية. وتُستخدم عبارة «خارج المسرح offstage» للإفادة عن الاتجاه بعيدًا عن خط الوسط، بينما تطلق عبارة «على المسرح onstage» للإفادة عن الاتجاه قبالة خط الوسط. كما تُستخدم عبارة «على المسرح» للإفادة عما هو موجود فعلًا على المسرح، وعبارة «خارج المسرح» للإفادة عما لا يوجد فعلًا على المسرح. ويُسمى جزء المسرح الذي يستخدمه الممثلون في مواجهة النظارة «حيز التمثيل playing-space». أما المناطق الخفية عن النظارة في كلا الجانبين فتُعرف باسم «الجناحين، أو الكواليس wings». كما تُسمى المساحة الخفية فوق خشبة المسرح باسم «الشبكة، أو السوفيتا the flies». ويُعرف الخط الوهمي الذي يمتد على أرضه بين الدرعين باسم «خط الدروع». وهناك خط وهمي آخر على خشبة المسرح يُسمى «خط الوسط»، ويمر بمركز المسرح عموديًّا على خط الدروع. ونقطة تقاطع خط الوسط بخط الدروع نقطة هامة جدًّا، حيث تقاس جميع مواضع المناظر بالنسبة إليها؛ ولذا يجب تحديد موضعها بصفة دائمة بوساطة دفع مسمار في أرض المسرح يبطط رأسه بمستوى الأرضية. ويُسمى جزء المسرح المتقدم على خط الدروع باسم «الميدعة apron» أو «الأفان سين». ويلاحَظ أن جميع تخطيطات المناظر المنشورة في هذا الكتاب قد رُسمت باعتبار إضاءة الأرضية تمتد من أسفل الصفحة. وهذا بعكس الرسوم التي تُعد ليشتغل بمقتضاها طاقم الإنشاءات؛ إذ توضح عليها إضاءة الأرضية (أو الرامب) أعلى الصفحة عادةً.
fig4
شكل ٢-٣: جغرافية المسرح.

لا يمكنك أن تقوم بأي عمل في المسرح على الوجه الأكمل إلا إذا كنت ملمًّا بالمسرح نفسه تمام الإلمام. ولخشبة المسرح ثلاثة مواقع حقيقية تتمثل في الدرعين وإضاءة الأرضية. ومع ذلك فإن الخطوط الوهمية لا تقل أهميةً عن الخطوط الحقيقية، ويجب أن تتعرف على مواضعها وتتجه بموجبها على خشبة المسرح دون أدنى تفكير. وإذا لم يتسنَّ لك العثور على مسرح تتدرب فيه، فيمكنك أن تحول حجرتك الخاصة إلى مسرح صوري بأن تتخيل إضاءة الأرضية مكان أحد الجدران، ثم توالي التدريب حتى تستوعب جميع المصطلحات السالفة، والمصطلحات التالية.

(٢-٢) مناطق المسرح

للسهولة يُقسَّم حيز التمثيل على المسرح إلى ست مناطق هي: أعلى الأيمن (ي ع)، وأسفل الأيمن (ي س)، وأعلى الوسط (و ع)، وأسفل الوسط (و س)، وأعلى الشمال (ش ع)، وأسفل الشمال (ش س).

وبما أننا سنشير إليها كثيرًا فيجب أن تُحفظ أسماؤها والرموز الدالة عليها. على أنه ينبغي أن نلاحظ أن الرمز و ي (بمعنى يمين الوسط) والرمز و (بمعنى الوسط) والرمز و ش (بمعنى شمال الوسط) تدل كلها على نقط لا على مناطق. كذلك المصطلحات «ع ي و»، «س ي و»، «ع ش و»، «س ش و» تدل هي الأخرى على نقط، حيث نعني بالاصطلاح الأول (ع ي و) أعلى يمين الوسط؛ أي أعلى من نقطة يمين الوسط على الخط الفاصل بين منطقتَي أعلى اليمين وأعلى الوسط. وعلى هذا المقياس تستطيع تحديد مواضع النقط الثلاث الأخرى.

وكما يتضح من الشكل، فإن المناطق المذكورة ليست بالتخطيطات الدائمة الثابتة التي يمكن تحديدها بخطوط من الطلاء على أرضية المسرح؛ ولذا يجب أن ننظر إليها باعتبارها مساحات طبيعية تقع بين قطع الأثاث والحوائط؛ إذ إن الخطوط التي تفصل بين المناطق ليست محددة تمامًا كما أنها ليست بذات أهمية.

وبالرغم من أن حدود هذه المناطق غير واضحة، فإن المناطق نفسها ذات أهمية عظيمة من الوجهة العملية؛ إذ هي الأساس الذي يسير على هَدْيه المصمم في تخطيط مناظره، والكهربي في توزيع إضاءته، والمخرج في تنسيق تشكيلات ممثليه وتحركاتهم. ويجب على الممثلين وهيئة العمال أن يتفهموها جيدًا حتى يمكنهم تنفيذ التعليمات بدقة وسهولة، ودون تردد.

ويوضح الشكل (على يمين الرسم) أسماء المصطلحات الحديثة لفتحات المنظر (أي للمداخل والمخارج)، ويتبع نفس النظام بالنسبة لفتحات الصدر. لاحظ أن الفتحة «ع ي» تقع في الجانب الأيمن، أما الفتحة «ع ي و» فتقع في الصدر.

وفي الطراز العتيق للمناظر التي تزال تُستعمل للهزليات الموسيقية والمشاهد التقليدية، تتكون الجوانب (الكواليس) من عدة وحدات منفصلة كالموضحة في الجزء الأيسر بالشكل. وتُسمى كل وحدة منها جناحًا. ويجب عدم الخلط بين هذه الأجنحة وبين الجناحين اللذين تقدم ذكرهما، ونعني بهما المناطق التي تخفيها أجنحة المنظر (الكواليس)، وتُسمى الفتحات الواقعة بين صفوف أجنحة المنظر «مداخل الأجنحة». فالفتحة الواقعة خلف الدرع اليسرى تُسمى مدخل الصف الأول شمالًا (م ش ١)؛ أي أول مدخل في أسفل المسرح، وهكذا تُسمى الفتحات التالية (م ش ٢)، (م ش ٣)، حتى تصل إلى الفتحة الأخيرة أعلى المسرح التي تُسمى مدخل أعلى الشمال (م ش ع).

fig5
شكل ٢-٤: المنظر الأمامي لهذا الشكل موضح شكل ١٤-٥ وشكل ١٦-١ (أ).

(٢-٣) المحاور

تُحدَّد أي نقطة على الخريطة بتقاطع خطوط الطول والعرض. وهناك عدد لا حصر له من هذه الخطوط، غير أن معظم الخرائط لا تُعنى إلا بالهامِّ منها. وكذلك هناك خطوط وهمية على المسرح تُستعمل لنفس الغرض تُسمى «المحاور». ومجموعتا المحاور على المسرح متعامدتان؛ أي إن كل نوع منها يقطع الآخر بزاوية قائمة (كما في شكل ٢-٥). فالمحاور المستعرَضة بالمسرح توازي خط الدروع، أما المحاور الطولية أو الرأسية فتوازي خط الوسط.
fig6
شكل ٢-٥
fig7
شكل ٢-٦: استعمال المحاور في تحديد مختلف المواضع بالنسبة للممثلين.
fig8
شكل ٢-٧: منظر يتقيد بالمحاور في تحديد مواضع الممثلين.
fig9
شكل ٢-٨: نفس المنظر دون مراعاة للمحاور.
فإذا طلب المصمم وضع مصباح في النقطة أ (شكل ٢-٥) التي تبعد ٨ و٨ (أي ٨ أقدام، ٨ بوصات) نحو اليسار، ٢ و٧ (أي ٧ أقدام وبوصتين) أعلى المسرح، استطعنا تحديد هذه النقطة بأن نرسم خط الوسط وخط الدروع على أرض المسرح بالطباشير أو بالبوية، ثم نقيس مسافةً قدرها ٨ و٨ بمحاذاة خط الدروع إلى اليسار، وفي نهايتها نصعد مسافة ٢ و٧ بمحاذاة خط الوسط.
والمحاور مرشدٌ هام أيضًا لكلٍّ من الممثل والمخرج. فالأهمية النسبية للشخصيات تتحدد ببعدها أو قربها من خط الدروع. وهذا هو السبب في أن الشخصيات المتعاظمة توصف بأنها أعلى المسرح. وعندما تتساوى شخصيتان في الأهمية فإنهما تقفان على نفس المحور المستعرض كما في ٢ (شكل ٢-٦). أما إذا زادت إحداهما عن الأخرى في الأهمية فتقف أعلى المسرح عادةً كما في ٣. وهكذا نرى في كلتا الحالين أن المحاور المستعرضة تُستخدم كمرجع في تحديد الوضع. وإلى أن يلمَّ الممثل الناشئ بالمحاور إلمامًا تامًّا فإنه سيظل يخطئ في موضعه الصحيح فوق خشبة المسرح: والملاحظ أن ألواح أرضية المسرح تكون إما طولية وإما مستعرضة، فلو راعاها الممثل الناشئ لساعدته على معرفة موضعه الصحيح إلى أن ينمي في نفسه القدرة على الإحساس بالمحاور تلقائيًّا. غير أن تلك الألواح لن تفيده في غير البروفات وحدها؛ إذ لا يمكن للممثل أن يختلس النظر إلى أرضية المسرح ليحدد موضعه.

(٣) الزوايا angles

الزاوية التي يصنعها الممثل مع النظارة ذات أهمية جوهرية كما في (٢) و(٣) (شكل ٢-٦)، (٢) (شكل ١٤-٧). فالممثل الذي يواجه محورًا مستعرضًا يرتبط بالمسرحية بصفة أساسية، ومن يواجه محورًا طوليًّا يرتبط أساسًا بالجمهور. وطبيعي أن الممثل يتجه عادةً في زاوية بين هذين النقيضين، وعندئذٍ تُستخدم المحاور كأساس لتقدير هذه الزوايا.

(٣-١) زوايا ٤٥° 45° axes

من المفيد للممثل والمخرج أن يتعرفا على نظام آخر من المحاور المتعامدة التي تميل على محاور المسرح بزاويةٍ قدرُها ٤٥° كما في شكل ٢-٥؛ إذ إن الممثل الذي يتجه نحو النظارة بزاوية ٤٥° يتحقق له الارتباط بالمسرحية والمتفرجين على حد سواء. ولما كان كلا الارتباطين هامًّا، لذلك يعم استخدام محاور هذه الزاوية. إن الممثل المحنَّك يتخذ وضعه العادي على محاور ٤٥° أثناء البروفات الأولى، ثم يعدله بعد ذلك حسبما يقتضي الأمر. وحتى يتعود الممثل على الاتجاه نحو محور ٤٥° فإنه ينزع عادةً إلى الاتجاه بظهره للمتفرجين أو مواجهتهم أسفل المسرح على محور طولي. وهذان وضعان قلَّما يُستخدمان في المسرح، وما أكثر الوقت الثمين الذي يضيعه المخرج مع المبتدئ لكي يصحح من وضعه.

وعلاوةً على ذلك، فإن الحركة بمحاذاة محور ٤٥° أسهل بكثير من الحركة على أحد محاور المسرح؛ ولذلك كان الأول أوفق ملاءمة للمشاهد الدرامية والعاطفية.

(٤) محاور المناظر set axes

عندما يقع الحائط الخلفي للمنظر على محور مستعرض يقال إن المنظر منصوب «على التوازي» (أي موازيًا لخط الدروع). وعندما تميل الحوائط الأساسية للمنظر على محاور المسرح بزاوية، يوصف المنظر بأنه «منحرف raked» كما في شكل ٢-٧. وتختلف حركات ومواضع الممثلين في المنظر المنحرف عنها في منظر التوازي، من عدة نواحٍ. وزيادةً على ذلك فإن كلًّا من النوعين يختلف في تأثيره العاطفي على النظارة؛ فالمناظر المنحرفة «حيوية dynamic» وتوحي بالنشاط؛ ولذا تُستعمل في المشاهد الكثيرة الحركة. أما مناظر التوازي فهي «ساكنة static»، وتناسب المسرحيات التي يسيطر عليها الذهن، بما فيها من الكوميديات التي ينبع فيها الضحك من عبارات الحوار أكثر مما ينبع من الحركة الفعلية.
ويبين شكل ٢-٧ كيف يُضفي وضع الحوائط متعامدة في المنظر المنحرف الشعور بالنظام والترتيب. ويمكن التحقق من ذلك بمعاينة فقدان الحيوية في شكل ٢-٨ الذي يُبين نفس المنظر، بعد أن رُصَّت حوائطه في اتجاهات حيثما اتفق. فإن لمحة عابرة واحدة كافية لأن تجعلك تتأكد بغريزتك أن تمثيل مشهد ما في المنظر الموضح بشكل ٢-٧ يكون أوقع بكثير من تمثيله في شكل ٢-٨. ولا يرجع السبب في ذلك إلى أن حوائط الحجرات الحقيقية متعامدة في العادة، ولكن لأن المنظر الموضَّح بشكل ٢-٧ يتبع أسلوبًا ذا نظام معين، أما الحوائط في شكل ٢-٨ فموضوعة بغير نظام، وتوحي بالفوضى وعدم الإتقان.
وتمدنا الحوائط ذات الزوايا القائمة بمجموعة جديدة من المحاور المتعامدة كما في شكل ٢-٧. وأهم هذه المحاور ما يمر بمركز الأشياء أو بطول حافاتها، فيمكن وضع الأثاث بحسب هذه المحاور؛ فالمكتبان والكرسي الدوَّار على اليمين والمكتبة التي على اليسار، كلها على نفس المحور. والكرسي الموضوع أسفل المكتب الأوسط يتفق ظهره مع خط الحافة اليمنى للمكتب، ومركزه في خط الحافة السفلي لمكتب اليمين. ويمثل شكل ٢-٧ مكتبًا حسن الترتيب. وللحصول على تأثير يوحي بحسن النظام، وُضعت جميع قطع الأثاث على محاور المنظر ما عدا الكرسي الأيسر الذي وُضع على محاور المسرح. ويراعى في العادة إيجاد تأثير أكثر عرضية من هذا، كما في (٢) شكل ١٦-٣، حيث الحائط الأيسر والكراسي القريبة منه على محاور المسرح، بينما الكرسي الملاصق للبيانو قد وُضع عن عمدٍ خارج خطوط المحور.

إن الممثل الذي يتحرك بطول أحد محاور المنظر أو يواجهه يرتبط بالمنظر ارتباطًا وثيقًا. وعلى هذا الأساس تُبنى كثير من التأثيرات الملفوفة، فإذا تحرك أحد الممثلين على محاور المسرح أو عمد إلى مواجهتها بينما جاءت حركة الآخرين أو مواجهتهم على محاور المنظر، لشعر النظارة بالغريزة أن الأول دخيل، أما الآخرون فأصحاب الدار. ويلاحَظ أن محاور المنظر في المنظر المنحرف تسدُّ حاجتنا إلى المحاور ذات الميل، وعلى ذلك تبطل فيها أهمية محاور ٤٥°.

(٥) تحديد موضع الممثل locating the actor

من الأهمية بمكانٍ أن يكون كل ممثل في موضعه الصحيح في جميع لحظات المسرحية. ولما كان الممثل لا يستطيع أن يتذكر نقطة بعينها على أرض المسرح، فإنه يتعرف على موضعه بواسطة خطوط المحاور. وتُستعمل لهذا الغرض محاور المسرح، أو محاور المنظر، أو كلاهما معًا. فالممثل عند (د) في شكل ٢-٧ يستعمل محاور المنظر الموازية للحائط والحافة العليا لمكتب الوسط، في حين يستعمل عند (ﻫ) محاور المسرح الممتدة من القائم الأيمن لباب الوسط وركن الحائط. أما الممثل الواقف عند (س) فموضعه لدى تقاطع المحور المستعرض المار بالكرسي الأيسر ومحور المنظر المار بمركز الباب الأيسر. واختيار المحاور موكول بالظروف غالبًا، ولو أن علاقات الشخصيات ببعضها البعض تلعب فيها دورًا هامًّا. فمثلًا الممثل عند (د) يرتبط بالمنظر، على حين لا يرتبط به الممثل عند (ﻫ).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤