الفصل التاسع

الحركة

تتم الحركة عند إطاعة الشخصية لدافع من دوافع العلاقات، فكل موقف له دوافعه التي تتطلب بعض الحركة.

(١) أنواع الحركة

تتنوع كلُّ حركة تبعًا للدافع المسبب لها. فعندما نصطدم بشيء نتراجع إلى الخلف. كما تبين الحركة قوة الدافع.

(١-١) الحركة المستقيمة straight movements

إذا كانت الدوافع قوية وبسيطة، كانت الحركة مستقيمة. والعادة أن يحتفظ بهذا النوع من الحركة للمواقف الهامة. والإفراط في استخدام الحركة المستقيمة له تأثير المبالغة الذي لا يناسب غير المسرحيات الساخرة والميلودراما العتيقة الطراز.

(١-٢) الحركة المنحنية curved movements

الخط المستقيم أقصر بُعد بين نقطتين، ولكن الطريق وسط حقل يكون دائمًا منحنيًا. ولا يميل الناس، عامةً، إلى السير في خط مستقيم. وعلى ذلك يسيرون دائمًا في خط منحنٍ إلا إذا اضطرتهم دوافع قوية إلى السير في خط مستقيم. كذلك يسير الشخص في خط منحنٍ عندما تؤثر فيه أكثر من علاقة واحدة. ففي رقم ١ شكل ٩-١ يجذب الدفء الرجل إلى المدفأة، ولكن علاقته بالأريكة (خوفه من الاصطدام بها) تجعله يبتعد عنها في سيره (أ) رغم أنه كان يستطيع السير في خط مستقيم. وإذا كان له معشوقة لم يرها منذ مدة طويلة، ورآها فجأةً أمام المدفأة، فإن الدافع يكون أقوى من خوف الاصطدام بالأريكة، وعلى ذلك يسير في خط مستقيم (ب).

وللحركة المنحنية ميزتان هامتان:

  • (١)

    كونها أكثر رشاقة من الحركات المستقيمة.

  • (٢)
    يستطيع الممثل أن ينهي حركته متجهًا في الزاوية التي يريدها باختيار الانحناء المناسب (انظر شكل ٩-١ رقم ٢)، على أنه لو سار في حركة مستقيمة لما أمكنه أن يتجه نحو هدفه إلا عند نهاية الخط فقط. وهذا لا يتفق والدافع المباشر للحركة المستقيمة.
والمنحنى تجاه أعلى المسرح، أي المحدب بالنسبة لأعلى المسرح (كما في أ رقم ٢ بشكل ٩-١)، يجعل الممثل يتجه نحو النظارة، ولهذا ميزة عظيمة.
fig30
شكل ٩-١
ويتضح هذا عندما تكون جميع الحركات في زاوية تنحرف نحو أعلى المسرح (كما في رقم ٣ شكل ٩-١). ومثل هذا المنحنى يدير الممثل نحو النظارة عند إلقاء أواخر كلامه، ولهذا ميزته إذا كان الممثل يتكلم وهو يتحرك؛ لأن آخر ألفاظ الممثل عادةً هي أكثر العبارة أهمية.

(١-٣) الحركة المتعرجة sidewise movements

أما أن تجذب العلاقات الشخص نحو شيء أو تبعده عنه. فإذا اجتمعت العلاقتان معًا في وقت واحد فإن الشخص يدور حول الشيء وهو لا يدري أيقدم أم يحجم. ومن النادر أن يتحرك الممثل في دائرة كاملة فوق المسرح، بل الشائع أن يتحرك في أقواس صغيرة ببعض خطوات جانبية متعرجة. وهذا كافٍ جدًّا لإظهار الشك والتردد.

وتُستعمل الحركة المتعرجة حرفيًّا عند تمثيل مشهد طويل ليس فيه غير حركة قصيرة واحدة. ففي رقم ٤ شكل ٩-١، تجلس الفتاة على أريكة في أسفل اليمين، في حين يفكر حبيبها الخجول في خطبتها. ولما كانت جاذبية الفتاة له أقوى من رغبته المرتبكة في الفرار، فإنها تتغلب عليه فيقصد إلى الفتاة. كل ذلك وهو على بُعد ثلاث خطوات منها. بيد أن ثلاث حركات، كلٌّ منها يتكون من خطوة واحدة، لتحتاج إلى التنوع، ولا تكفي للمشهد. والحل الملائم لذلك هو أن يتقدم في الحركة الأولى خطوة إلى الأمام، ثم يخطو خطوة دائرية نحو أعلى المسرح (وهذه لا تنقص شيئًا من المسافة الباقية له). بعد ذلك يخطو خطوة أخرى إلى الأمام تليها خطوتان دائريتان نحو أسفل المسرح. أما الحركة الخامسة فتصل به إلى الفتاة.

وهذه الطريقة تزيد في التنوع، وتوضح حالة الشاب المتردد، وتجعل من المستطاع القيام بحركتين إضافيتين. كما أنها تزيد في تأكيد أهمية الشاب عند اتجاهه نحو أعلى المسرح. وعندما يتحرك نحو أسفل المسرح فإنه يوجه التأكيد إلى الفتاة.

(٢) التأكيد والقوة

يسير التأكيد والقوة، عادةً جنبًا إلى جنب. ولكن كلًّا منهما يختلف عن الآخر. فقد يكون الشخص ضعيفًا وبارزًا. ومن أمثلة هذا، ميركوتيو وهو يحتضر، في مسرحية «روميو وجولييت»، في المنظر الأول من الفصل الثالث.

ومن السهل معرفة كلٍّ من القوة النسبية والتأكيد النسبي لمختلف الحركات. إلا أن كل حركة تتضمن عوامل أخرى قد تتضارب مع تأثير الحركة نفسها. فالحركة من مستوًى منخفض إلى مستوًى أعلى منه تنطوي على القوة والتأكيد في نفس الوقت، ولكنها إذا جعلت الممثل يدير ظهره للمتفرجين فقدت كلًّا من قوتها وتأكيدها. ولا يمكن الإلمام بنتائج هذه العوالم المتناقضة إلا بالتمرين. وكلما زاد فهمُك للصفات الأصلية لمختلف الحركات، قلَّت الصعوبات التي تواجهك.

(٢-١) التأكيد emphasis

كل حركة يقوم بها أحد أشخاص المسرحية تضفي عليه قسطًا من التأكيد. والحركات الطويلة أكثر تأكيدًا من الحركات القصيرة. ويمكن الحصول على تأثير أعظم بواسطة الحركات التي تضيف شيئًا من التقابل، والتي تنقل الشخص إلى مستوًى أعلى من المستوى الواقف فيه، أو إلى منطقة أشد استضاءة، والتي تزيد في قوة بروز وضعه (انظر شكل ٦-١ من رقم ١٢–١٧)، أو زاويته (كما في شكل ١٤-٧ رقم ٢ من و — أ)، أو مكانه فوق المسرح (من أعلى اليسار إلى أسفل الوسط).

(٢-٢) القوة strength

تتميز حركات الاندفاع بالقوة، وتدل حركات التقهقر على الضعف. والحركات المنحنية أضعف من المستقيمة، ويزداد الضعف بازدياد تقعر المنحنى. والحركات من اليسار إلى اليمين، أو من المستوى المنخفض إلى مستوًى أعلى منه، قوية بطبعها. غير أن الأثر قد ينعكس بتأثير العوامل الأخرى.

وليست القوة حسنة ولا رديئة في حد ذاتها، وإنما يجب أن تتناسب مع قوة الشخص في المشهد. ففي المشاهد عديمة الصراع، لا تنشأ مشاكل القوة إلا عندما تبدي إحدى الشخصيات قوتها الكامنة أو ضعفها الكامن.

(٢-٣) قفل الحركات movement endings

نهاية الحركة ذات أثر في إبرازها وقوتها أعظم مما للحركة نفسها. فعندما يجلس رجل تكون الحركة من أعلى إلى أسفل؛ وبذلك تكون ضعيفة. فإذا رفع رأسه قليلًا وهو جالس، ثم اعتدل برشاقة، كان الأثر قويًّا بنفس قوة حركة نهوضه. والعكس صحيح. فإن الحركة القوية ذات النهاية الضعيفة ضعيفة.

ولقفل الإيماءة أهمية خاصة؛ فالنهاية المتلاشية ضعيفة دائمًا، ووجود حركة ولو بسيطة في نهاية الإيماءة يعطيها قوة.

والنهايات الآتية جديرة بالتجربة، وهي مرتبة تصاعديًّا حسب قوتها ودرجة تأكيدها:

  • (١)

    اقفل الإيماءة بإيماءة إضافية صغيرة، كتحريك المعصم قليلًا.

  • (٢)

    أوقف الإيماءة فجأةً بقبض العضلات. ولا يتأتَّى هذا إلا في الإيماءات المستقيمة المباشرة.

  • (٣)

    أحدث صوتًا في نهاية الإيماءة، بطقطقة الأصابع، أو بالضرب على شيء بقبضة اليد.

ويجب أن تتناسب قوة كل إيماءة مع القوة الروحية للشخصية في تلك اللحظة عينها. والإيماءات الزائدة على الحد قليلًا، سواء في القوة أو الضعف، تدل على عدم إخلاص الشخصية (أو على أن الممثل غير كفء). والتناقض الشديد بين قوة الإيماءة وقوة الشخصية تُحدث تأثيرًا ساخرًا.

(٣) طول الحركة

عندما يقول المخرج: «اخطُ خطوةً.» فإنما يقصد بذلك: «اخطُ خطوة بالإضافة إلى نصف الخطوة التي تعود بك إلى وقفتك العادية.» وأهم استعمال لهذه الخطوات «الفردية» هو للتعديلات، حيث لا يوجد تغيير حقيقي في التشكيلات. والخطوة التي يسمح طولها بإحداث تغير تُسمى «عبورًا». ويشمل هذا المصطلح جميع الحركات إلى أعلى المسرح، أو أسفله، وكذلك تلك التي بعرض المسرح. ومن النادر حدوث عبور إلى أسفل المسرح مباشرة، ويكاد يكون العبور المباشر إلى أعلى المسرح غير معروف. وفي العبور العادي تعمل كل خطوة تبدأ بالقدم العليا على إدارة الممثل نحو المتفرجين، في حين تعمل كل خطوة تبدأ بالقدم السفلى على إدارته بعيدًا عنهم. ولما كانت الخطوة الأولى في أي عبور تبدأ عادةً بالقدم العليا، ولما كان من المرغوب فيه أن ينتهي الوضع بالانحراف نحو النظارة قليلًا؛ لذا كان العبور العادي يتألف من عدد فردي من الخطوات. وإذا عملت تجاربك بالعبور، لوجدت أن الحركة ترفع منحنى الاهتمام للخطوات الثلاث الأولى، ولكنه يهبط بعد ذلك بسرعة. وعلى ذلك يكون العبور المكون من خمس خطوات أو أكثر مملًّا.

ومن هذا نستنتج أن العبور العادي يتكون من ثلاث خطوات (في الواقع ثلاث خطوات ونصف الخطوة). وفي العادة يتبع الممثلون هذه القاعدة تلقائيًّا.

ويبلغ طول العبور ذي الخطوات الثلاث حوالَي خمس أقدام. وإذا قام شخص في البيئة الخلفية بعبور أطول من ذلك، كعبور خادم في بهو فندق مثلًا، فإن هبوط الاهتمام بعد الخطوة الثالثة يُعتبر ميزة مفيدة. ومع ذلك فيجب أن يتبع العبور الطويل الذي تقوم به الشخصيات الهامة إحدى الوسائل الحرفة الآتية للمحافظة على الاهتمام:

  • (١)

    قسِّم العبور إلى وحداتٍ كلٌّ منها ذات ثلاث خطوات، حتى ولو كانت الوقفات بين الوحدات لمدة لحظة خاطفة.

  • (٢)

    يجب أن تعمل الشخصية شيئًا عند الخطوة الثالثة، كأن تبدأ الحديث، أو تنظر خلفها … إلخ. فأقل عمل كافٍ للمحافظة على حيوية الاهتمام.

  • (٣)

    دع شخصًا آخر يبدأ بالكلام أو يعمل شيئًا عند ثالث خطوة للشخصية العابرة. فعندئذٍ يتجه الانتباه إلى الممثل الآخر بصفة مؤقتة على الأقل.

  • (٤)

    لتكن الخطوات إما سريعة جدًّا وإما بطيئة جدًّا، حتى لا يضيع الوقع العادي لكل خطوة.

(٤) أشكال الحركات على أرض المسرح

من الأمور المسرحية الهامة توضيح شكل الاجتياز أو سلسلة من الاجتيازات على أرض المسرح. والاجتيازات عدة أنواع يجب تصميم كل نوع منها تبعًا للظروف المحيطة به.

fig31
شكل ٩-٢: «يوليوس قيصر»، المسرح الصغير بهاوستون، تكساس: من تصميم هيننج نيلمز: إخراج مسرحيات شكسبير بالملابس العصرية تتضمن كثيرًا من عناصر الأساليب التي تقتضي عناية فائقة عند معالجتها. ولقد صمم هذا المنظر وتشكيلاته محل الاعتبار، ولكن أهم ما رُوعي فيه هو نمط الحركة. لاحظ أن تنسيق الدرجات والمداخل، قد سهَّل تحرك الشخصيات بشكل طبيعي في خطوط منحنية سهلت عملية الإخراج وضاعفت من حدة الروح العنيفة للتراجيدي.

(٤-١) العبور من أعلى ومن أسفل crossing above and below

رأينا فيما سبق أن العبور العادي يكون في شكل منحنٍ محدب نحو أعلى المسرح. وهذا ينطبق على العبور فوق أرض المسرح العارية أو حول قطع الأثاث. ومع ذلك فعندما يعبر أحد الممثلين أمام ممثل آخر يكون الموقف أكثر تعقيدًا. وهاك أهم قواعد العبور:

  • (١)
    إذا كان الشخص الثابت واقفًا والعابر يتكلم، وجب أن يكون العبور أسفل المسرح (انظر ب في رقم ٥ أ شكل ٩-١)، وإلا غطَّى الشخص الواقف مَن يعبره.
  • (٢)
    إذا لم يكن بالإمكان اجتناب العبور من أعلى الشخص الواقف، فإن العابر يتوقف عن الكلام عند تغطية الواقف له (انظر الخط المتقطع في أ برقم ٥ أ شكل ٩-١)، ثم يستأنف الكلام عندما يصل إلى الجانب الآخر.
  • (٣)
    إذا كان الشخص الثابت جالسًا والعابر يخاطبه مباشرةً، فمن المستحسن العبور من أعلى المسرح، حيث يخلق هذا دافعًا طبيعيًّا للاستدارة للخارج (انظر أ في رقم ٥ ب شكل ٩-١).
  • (٤)

    الأشخاص القليلو الأهمية والموسوسون يعبرون عادةً من أعلى المسرح.

(٤-٢) أنماط الحركة movement patterns

ليست الحركة مجرد وسيلة للانتقال من مكان إلى آخر، بل هي لغة قائمة بذاتها. ومن الأفضل عند تخطيط إخراج المشهد أو المسرحية، البدء بتخطيط الحركة ثم إيجاد التشكيلات المناسبة لها، بدلًا من ابتكار التشكيلات أولًا. والحركة كالتشكيلات، ينبغي أن تكون ترجمة حرفية للتعابير المجازية التي قد تستخدمها في وصف المشهد.

وشكل ٩-٣ نمط حركي لمسرحية «بالمنزل زائرة». ويبين بوجهٍ عام حركةَ الزائرة (ب) (غير المرغوب فيها)، في المسرحية كوحدة كاملة، والسبيل الذي تسلكه في المشهد الأخير عندما تطردها الشخصية الجالسة عند (أ) من المنزل بحيلة سيكولوجية.
ويبين شكل ٩-٤ نمطًا يناسب مشهدًا يبتعد فيه شخصان أحدهما عن الآخر. وتوضح الأرقام ترتيب الحركات. لاحظ كيف تفصل بينها الأريكة أخيرًا، وهي ترمز إلى هذا الحاجز بينهما أوقع مما ينبئ عنه مجرد الفضاء. ويمكن استعمال هذا النمط الأساسي، سواء اشتبكت الشخصيتان في سلسلة من المعارك العنيفة والصلح، أو استكشفتا فقط أنهما غير متفقين في الطباع.
fig32
شكل ٩-٣: تبذل «ب» جهدًا غير مباشر ولكنه مستمر للسيطرة على المنزل الذي يُرمز إليه بالمدفأة «س». وأخيرًا تُغلب على أمرها وتُطرد من الباب «ص».
fig33
شكل ٩-٤: يفترق «أ»، «ب» رغم المحاولات المتكررة للصلح.
fig34
شكل ٩-٥: يحاول «أ» الهروب ولكنه يحاصر. يسمع صوت المطاردين ولكنهم لا يدخلون إلا عندما يصل «أ» إلى «٣».
fig35
شكل ٩-٦: من «١» إلى «٣» يتجادل «أ» مع «ب» ويهاجم من عدة زوايا، ثم ينسحب «ب» عند «٤» ولكنه يعود عند «٥» ليهاجم من جديد. عند «٦» يتظاهر «ب» بالاستسلام ليداور «أ» ثم عند «٧» يقرب «أ» من الجانب الآخر.
وفي شكل ٩-٥ يرمز النمط لفكرة المحاصرة والوقوع في شرك. فلو اعتبرنا (أ) صيادًا يطارده نفر من الأعداء لاتبع في الغالب السبيل الموضح في الرسم دون تغيير يُذكر. وإن كان فتًى خجولًا يحاول اجتناب الفتيات في رحلة مدرسية، لاتبع نفس النمط بوجه عام، مع تقطيعه إلى حركات قصيرة عصبية.

(٤-٣) مشاهد الخطو pacing scenes

نمط الحركة ذو أهمية خاصة في المشاهد التي يخطو فيها شخص صعودًا وهبوطًا (شكل ٩-٦). ومثل هذه المشاهد تأتي على وتيرة واحدة إلا إذا تنوع النمط، بقدر المستطاع. ولا يجب تكرار حركة فيها إلا إذا كان التكرار عن عمد. ويجب أن يسمح النمط للممثل المتحرك بأن يواجه أسفل المسرح عند الكلام. وعليه أن يقف مكانه عندما يتكلم الممثل الثابت. وهنا يجب أن يكون في موضع لا يضطر المتحدث إلى الكلام نحو أعلى المسرح.

(٥) الإيماءة

الإيماءة حركة مجردة، ولكنها مع ذلك عظيمة الدلالة. فلهزة الكتف معناها، وكذلك شد الشَّعر. وليس على الممثل عادةً أن يحضِّر إيماءاته سلفًا ويعد ما تنطوي عليه من معانٍ؛ إذ إنه ما يكاد يداخله إحساس قوي تجاه شيء ما ويترك لنفسه العنان حتى تأتي منه الحركة المعبرة تلقائيًّا. وفي هذا ردٌّ على السؤال الخالد: «ماذا أصنع بيدي؟» فلو أن الممثل دخل في إرهاب الشخصية، لما عرضت له مشكلة الحيرة فيما يصنع بيديه، أكثر مما تعرض للشخصية نفسها.

(٥-١) الليونة freedom

بعض الممثلين جامد في إيماءاته؛ إذ يبدو أولئك كأنما قد سمرت أذرعهم في جوانبهم، وأيديهم إما لا تتحرك قط أو تنتفض في أقواس قصيرة.

ولعلاج هذا الخوف من الإيماءة، ابدأ بحفظ مقطوعة من عشرة أو اثني عشر سطرًا، ولا سيما المقطوعات الحماسية البليغة كالمقطوعة التي تبدأ بعبارة: «تذكر شهر مارس» (من خطبة بروتوس، المنظر الثالث من الفصل الرابع لمسرحية يوليوس قيصر). أو مقطوعة كاترين التي أولها: «كلما زاد إثمي» (من مسرحية «ترويض النمرة» المنظر الثالث من الفصل الرابع). ثم تمرن عليها وحدك في حجرتك الخاصة أو على المسرح إن أمكن، أو في الخلاء. بالغ في الكلام ما شئت أن تبالغ، واضرب الأرض بقدميك وأنت تسير جيئةً وذهابًا. وحرِّك ذراعيك بأقصى ما تستطيع. لا يهمك ما إذا كانت هذه الإيماءات ملائمة لما تقوله أو غير ملائمة. ولا تلتفت إليها إلا لتتأكد من أن حركة الأذرع لينة واسعة وليست مجرد انقباضات. ستكون إيماءاتك في مبدأ الأمر مضحكة لا معنى لها، وهذا يعني أنك ما زلت في حاجة إلى التمرين. وبعد التدريب لفترة مناسبة سترى أن إيماءاتك قد فقدت جمودها وبدأت تتصف بالليونة والرشاقة، وأنها أصبحت تطابق معاني العبارات دون أن تبذل مجهودًا. ولا تخشَ المبالغة، فالمخرج يقول دائمًا: «أطلق العنان لنفسك.» ومن النادر أن يقول: «لا تجهد نفسك.»

(٥-٢) نقط البداية leading points

يجب أن تشمل كل إيماءة الجسم كله، ولو أن اشتراك بعض الأعضاء البعيدة لا يكون ملحوظًا. ومع ذلك فمن المستهجن بذل مجهود ظاهر في استخدام جميع أعضاء الجسم؛ لأن هذا يكون سببًا مباشرًا في فساد الإيماءة وتحجرها. ومن المشكوك فيه أن يستطيع أي فرد استخدامَ جميع أعضاء جسمه دفعةً واحدة، أو حتى ذراعه كلها عن قصد، فإن ذلك يتطلب مساهمة عضلات كثيرة، فإذا ما أصدر المخ أوامره لها جميعًا بأن تعمل في وقت واحد، ارتبكت وغُلبت على أمرها. والطريقة الصحيحة هي أن تركز في العضو القائم بقيادة الإيماءة (انظر رقمَي ٧، ٨ شكل ٨-٤). قد يكون هذا العضو إبهام اليد أو راحتها أو الذقن. فأيًّا كان ذلك العضو فدعه يتحرك في الجهة الملائمة، تاركًا بقية الجسم يحدث التوافق المطلوب من تلقاء نفسه. ومن الإيماءات الرشيقة التي تستلطفها الراقصات، تحريك ظهر المعصم (رقم ٧ شكل ٨-٤). تصور معصمك كرة من الحديد، ويدك لوحة صغيرة من رقائق البلاستيك غير مثبتة، وذراعك قطعة من الحبل الناعم الثقيل نوعًا ما. أدِر الكرة الحديدية حول نفسها في حركة دائرية، ولا تهتم بيدك ولا بذراعك، بل اتركهما تتبعا المعصم. فإذا نجحت في هذا حصلت على حركة رشيقة. ثم تصور أن الثقل الحديدي هو قبضة يدك أو طرف سبابتك (رقم ٨ شكل ٨-٤) واقذف بهما في حركة دائرية. أترى سهولة العملية؟

(٥-٣) مراكز الإيماءات centers of gestures

إذا كنت تعمل في إحدى المسرحيات التاريخية، فمن المفيد أن تعرف أن لكل حقبة مركزًا تنبع منه الإيماءات التي تتسم بطابع العصر. وهذا المركز في التراجيديات الإغريقية هو المستوى العلوي للصدر. وفي الكوميديات الإغريقية، البطن، كما تشهد بذلك عشرات التماثيل والرسوم التي وُجدت على الأواني والزهريات.

ومركز الإيماءات في المسرحيات الرومانسية هو مقدم الصدر؛ القلب. ومسرحيات السلوك في القرن الثامن عشر كمسرحية «المتنافسون The Rivals» تستعمل القلب أيضًا كمركز للإيماءات، ولكن بما أن شخصيات المسرحية تعيش على السطح ولا تتعمق قط إلى قلب الأشياء، فإنها تقوم بالإيماءة كما لو كانت قلوبها تغلفها كرة زجاجية خفية نصف قطرها قدم. فالأذرع لا تنساب في ليونة كما هو الشأن في المسرحيات الرومانسية والكلاسيكية؛ لأن الإيماءة لا تجد لها بداية حقيقية، ولأن أولئك الأقوام كانوا يخافون الانسياق لأنفسهم. وكان ممثلو الميلودراما العتيقة الطراز إما مبارزين هم أنفسهم، وإما أنهم كانوا يقلدون المبارزين من الممثلين. فنتج عن ذلك إيماءات أساسها مقابض السيوف الخيالية التي كانوا يتصورون أنهم يبارزون بها، مقبض على الحرقفة اليسرى لليد اليمنى، وآخر على الحرقفة اليمنى لأجل اليد اليسرى.

وإذا كان عملك يتصل بحقبة غير مألوفة أو بأسلوب غير مألوف، فابدأ بقراءة الحوار مع استخدام إيماءات حرة. وعندما تقع على إيماءة تبدو مميزة، فلاحظ المركز الذي تخرج منه. فإذا صدرت عدة إيماءات مميزة من نفس المركز، أمكنك استخدام هذه الحقيقة رائدًا لك في نقد الإيماءات الضعيفة وابتكار إيماءات أقوى وأحسن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤