الفصل الثاني والعشرون

إحياء الخيالات

ذُبح جيل كامل من الرجال الأوروبيِّين تقريبًا. أما مَن نجا منهم فكانوا معاقين مشوَّهين، إما جسديًّا أو عاطفيًّا أو كليهما. وقُدِّر أن حوالي ١٠ ملايين مدني لقُوا حتفَهم أيضًا، ضحايا للجوع والمرض والنهب والإبادة الجماعية. ورغم أن القوات الأمريكية شاركت في القتال قبل ستة أشهر فقط من وقف إطلاق النار، فإن أكثر من ٥٣٠٠٠ جندي أمريكي قُتلوا فيه، وهو ما يوازي تقريبًا عدد قتلى حرب فيتنام كاملة. كما أُصيب حوالي ٣٢٠٠٠٠ منهم. ورغم الحديث عن «القتلى المقدَّسين»، و«التضحيات من أجل الديموقراطية» فلم يكن هناك في الحقيقة أيُّ نبل بشأن هذه المذابح. فكما أنتج العصر الحديث السيارات والطائرات والصور المتحركة، فإنه أنتج أيضًا الدبابات والطائرات الحربية والمدافع الآلية. وأما حقول فلاندرز (بلجيكا) التي كانت يومًا تزخر بالرائحة العذبة لزهور اللافندر والخشخاش فكانت قد تحوَّلت إلى مجموعة من الحُفَر الناتجة عن القذائف والخنادق، التي تحيطها الأسلاك الشائكة وبقايا الجثث، وهو منظر رهيب وكأنه لوحة مرعبة من رسم هيرونيموس بوش.

وعندما كانت الحرب العالمية الأولى تأذن بترك جروح في خيال الإنسانية تمامًا كساحات القتال، ظهرت صورة أخرى تتميز بالشجاعة والإقدام والرجولة والالتزام، والأهم من كل ذلك أنها تميَّزت بصفةِ «ما قبل الحداثة». فبدلًا من أن يعرُج على عكَّازين كان يظهر في ثوبٍ لا تشوبه شائبة، وعلى رأسه كوفية بدلًا من الخوذة، ويحمل خنجرًا في حزامه بدلًا من المسدس. انطلق من الشرق الأوسط، وهي منطقةٌ معروفة بمخلِّصيها، وبوجهه الشاحب الصبياني وعينيه الزرقاوين وشعره الأشقر — وهي صورة ربط الكثير من الغربيِّين بينها وبين المسيح. لذلك كان من أكثر المرشَّحين ليكون المسيح المنتظَر.

كان توماس إدوارد لورنس ابنًا غير شرعي لأرستقراطي بريطاني صغير ومن نسل سير والتر رولي. كان يوصف بأنه غير ناضج وأنثوي وقصير القامة، فقد كان طوله خمسة أقدام وأربعة إنشات، وكان رأسه كبيرًا وصوته ذا نبرة عالية، لذلك كان مظهره أبعدَ ما يكون عن التفاخر أو التهور. لكنه كان مصرًّا على جعل نفسه أحد هؤلاء، ومن أجل تحقيق ذلك الهدف، قضى لورنس ساعات طوال في اختبار مدى قوة تحمُّله وفي بناء قوَّته البدنية، وكذلك في تعلُّم الرماية واللغة العربية. كتب عنه المؤرخ ديفيد فرومكين: «كما يسعى الرجال الآخرون نحو السلطة أو الثروة أو النساء، كان لورنس يتوق إلى أن يلاحظه الآخرون وإلى أن يتذكَّروه».

وفي عام ١٩١٦ أُرسل لورنس — الذي كان حينذاك في الثامنة والعشرين من عمره — إلى القاهرة بصفته رسامَ خرائط تابعًا للجيش، وكذلك ضابط مخابرات. لكنه سرعان ما وجد نفسه مرتبطًا بالأمير فيصل وبالثورة العربية الموالية لبريطانيا ضد الأتراك. وإذا كانت تلك الثورة قد كانت ذات قيمة سياسية في كبت دعوة ونداء العثمانيِّين للجهاد المقدس، فإنها أثبتت أنها غير قادرة على تحريك الأتراك من أي جزء من الجزيرة العربية. كما لم يحقق لورنس أيَّ انتصارات أيضًا، لكنه تمكَّن بمساعدة القبائل البدوية المتمردة من الاستيلاء على ميناء العقبة على البحر الأحمر. وبناءً على ذلك تمكَّنت السفن البريطانية من نقل قوات فيصل من الجزيرة العربية إلى شرق الأردن، حيث أنهكت خطوط التوريد الخاصة بالأعداء إلى دمشق. كان البريطانيون يأمُلون أن يحرِّر فيصل المدينة، وأن يعلن مملكة عربية موالية للبريطانيِّين، وأن يمنع سيطرة فرنسا على سوريا. ولكن حتى هذه الخطة لم تنجح عندما وصلت القوات الأسترالية إلى دمشق أولًا. وكان حُلم بريطانيا في حكم سوريا من خلال فيصل قد تحطَّم أخيرًا بمؤتمر السلام، حيث نجح الفرنسيون في تحقيق مطالبهم بالحصول على الانتداب. أما لورنس، الذي لعِب لعبة مزدوجة بتشجيع علني لاستقلال العرب مع استغلال وتحريك فيصل من أجل بريطانيا، ففشل في المهمتين.

وحيث لم يحقِّق لورنس النجاح لا على الصعيد السياسي ولا العسكري، فقد كان من السهل أن يطويه النسيان. ولكن العالم في هذا الوقت الكئيب كان متعطشًا لوجود بطل، وكان هذا الجنرال المختلف، الذي كان يرتدي كوفيةً حريرية خضراء ويضع على رأسه عقالًا عربيًّا خلال محادثات باريس، يبدو مهيأ تمامًا لملء هذا الفراغ وتلبية تلك الحاجة. أطلق عليه الأستاذ الجامعي جيمس شوتويل، مستشار ويلسون «الوريث الأصغر لمحمد، وأكثر البريطانيِّين الأحياء إثارةً». وسرعان ما أصبح لورنس بؤرةَ الاهتمام العام، والمفضَّل لدى الصحافة، وصديق شخصيات أدبية شهيرة مثل روبرت جريفز وجورج برنارد شو، اللذين شبَّهاه براقصة الباليه الأولى التي تتبَعها «أضواء التاريخ». ولم يبذل لورنس أيَّ جهد لتقليل هذا الاهتمام، بل على العكس، فقد نمَّاه أكثرَ وأكثر من خلال نسخ من مآثره منمَّقة جدًّا. واعترف قائلًا: «إنني على العموم أفضِّل الأكاذيب أكثرَ من الحقيقة، خاصة عندما تتعلَّق بي. فالتاريخ ما هو إلا سلسلة من الأكاذيب المقبولة».

قُدِّم الدليل على هذا التفضيل في كتاب «أعمدة الحكمة السبعة»، الصادر في عام ١٩٢٢، وهو نصُّ لورنس الأدبي حول الثورة العربية، الذي كانت الحقائق التاريخية فيه تعمل محطاتِ انطلاقٍ لخياله الشخصي الخصب. ونُسيت الكبوات العديدة في الصحراء وسط الوصف المبهر للجِمال أثناء الهجوم وبعثات التجسس والقطارات التركية التي تُفجَّر بألغامٍ زُرعت بيدِ المؤلِّف الجسور.1 وقوبل الكتاب بحماسة كبيرة، ولكن برغم كل الهدايا التي كانت تُوزَّع للدعاية، إلا أن لورنس لم يكن ليتحول إلى لورنس العرب إلا بمساعدة صحفي أمريكي يميل إلى الدعاية.

كان لويل توماس نفسه — وهو متخصِّص في صناعة الأساطير — رجلًا غير عادي. نشأ في كريبل كريك بكولورادو، وعمل في مناجم الذهب، وطبَّاخًا قبل أن يُعيَّن مراسلًا صحفيًّا لجريدة «شيكاجو جورنال». كان طويلًا وأنيقًا، له شعر أسود فاحم وشارب رفيع، وكانت له سمعة بأنه مجدِّد وذلق، كما كانت له تجاربُ بشفافات العرض عن أماكنَ بعيدة مثل ألاسكا. وانتقل بعد ذلك إلى جامعة برينستون، حيث درس الخطابة ودرَّسها، وهناك عثر عليه الرئيس ويلسون في عام ١٩١٧، وطلب منه إنتاج أفلام دعائية لصالح الحرب. وغادر توماس وآلة التصوير في يده، متجهًا إلى أوروبا، ولكن الخنادق والأراضي المقفِرة كانت موضوعاتٍ كئيبة للغاية بالنسبة إليه. وبحثا عن قصصٍ أكثرَ إلهامًا، استمر في التوجُّه شرقًا نحو فلسطين، لتوثيق تقدُّم البريطانيِّين تحت قيادة اللواء ألنبي.

وصل أولًا إلى القدس، واستقر هناك مع عائلة سبافورد في فندق أميريكان كولوني، وكان يُكثِر من التجوُّل خلال طرق البلدة القديمة. وخلال إحدى تلك الجولات، وفي ملتقى شارعين، لمح توماس فجأةً الجنرال مرتديًا ثوبًا أنيقًا. فقال: «كان يسير بسرعة ويداه معقودتان، أما عيناه فكانتا لا تعيان ما حوله، وكان ذهنه مشغولًا بأفكار بداخله. ولأول وهلة ظننت أنه قد يكون أحدَ صغار الحواريِّين وقد عاد إلى الحياة». وجذبته قوة هذه الصورة الخيالية فطلب توماس السماح له بزيارة لورنس والبدو المتمردين، وأن يتمكَّن من مصاحبتهم في إحدى هجماتهم.

قضى توماس يومين فقط في الصحراء، لكنهما كانا كافيَين لإنتاج مذكِّرات ضخمة باسم «مغامرات مع لورنس في جزيرة العرب»، نُشرت في عام ١٩٢٤. ورغم أنه ربما لم يرَ لورنس وهو يقاتل بالفعل، إلا أن توماس رغم ذلك صوَّره محاربًا مغوارًا لا يخشى شيئًا تحت خط النار، وأنه قادر على قتل «٤٠٠ تركي» ﺑ «سلاح أمريكي حديث ثقيل»، لكنه كان في نفس الوقت قادرًا على إظهار التعاطف مع أسراه. بالنسبة إلى توماس كان لورنس شخصيةً مختارة من «ألف ليلة وليلة»، و«إعادة إحياء لنبي من الزمن القديم»، و«أحد أكثر شخصيات العصر الحديث تنوعًا وإثارة»، والذي كان قدَره أن «يُكتَب عنه على صفحات التاريخ الخيالية». والأهم بالنسبة إلى هذا الصحفي الأمريكي أن لورنس كان «سبْقًا رائعًا».

ولكنَّ توماس لم يكن راضيًا بمجرد خلْق بطل. لذلك حاول ونجح في تحويل هذا البطل الإنجليزي العريق إلى بطل على النمط الأمريكي. لذلك كان لورنس الذي أكَّد لرؤسائه أن الثورة العربية «ستفتِّت «الكتلة» الإسلامية» وتحوِّل الشرق الأوسط إلى «مجموعة من الإمارات المتناحرة غير القادرة على التماسك معًا» هو نفسه الذي تحوَّل — حسب رواية توماس — إلى مقاتل من أجل الحرية «وحَّد قبائل الصحراء الرحَّل» وأقنعها «بخيار الموت من أجل تحرير العالم العربي كله من اضطهاد العثمانيِّين». لورنس هذا هو نفسه الذي انتقد مدارس التبشيريِّين بأنها «بغير قصد درَّست الثورة» لتلاميذها العرب، والذي «ضحِك وسط الصحراء» عندما سمع بنقاط ويلسون الأربع عشرة، وهو مَن صُوِّر على أنه «جورج واشنطن الجزيرة العربية» الذي يجاهد لخلق ولايات متحدة من الشرق الأوسط على أساس مُثُل ومبادئ دستورية. وبذلك حوَّل توماس لورنس من مسيحي غير تقي لا صبر لديه على شعائر دينه ولا على دين اليهود، إلى محارب صليبي حديث يجاهد من أجل الأرض المقدَّسة وأحد المتحمسين من أجل الصهيونية.

قوبل كتاب «مع لورنس في الجزيرة العربية» بنجاح تجاري فوري، ولكن مُنقِّب الذهب السابق من كولورادو كان لديه خبرة في التنقيب عن الذهب. فبمساعدة أجهزة العرض والفوانيس السحرية أقام توماس تجربةً بدائية لعرض الصوت والضوء مبنيةً على كتابه. وبدأ توماس العرض بمصاحبة موسيقى عربية بقوله: «تعالوا معي إلى أرض التاريخ والسحر والغموض والخيال. إن ما ستشاهدونه الآن هو قصة لم تُحكَ، جزءٌ منها قديم كالزمان، وجزء منها تاريخ يحدُث الآن». ثم كان توماس يخطو في دائرة الضوء، ويحكي قصةَ لورنس كما عاصرها هو فقط؛ العاطفة والدم. وفي لندن وحدَها شاهد مليونُ شخص العرضَ، ولكن في الولايات المتحدة تحوَّل لورنس إلى هوس قومي. وامتلأت أكبر المسارح في نيويورك وسان فرانسيسكو، وجذب العرضُ جماهيرَ غفيرة حتى في أبعد مدن الغرب الأوسط. ولم يكن الجمهور الأمريكي قد تعرَّض لسحر الشرق بهذه الكثافة منذ ما يقرُب من ثلاثين عامًا؛ أي أثناء عروض الرقص الشرقي وركوب الجمال في معرض شيكاجو، وإلى نفس الأجواء الساحرة التي أحاطت بفيصل في باريس.

ومن بين كل هؤلاء المشاهدين لعرض توماس كان واحد فقط غير راضٍ صراحةً. إذ كتب لورنس لتوماس، موبِّخًا إيَّاه على أكاذيبه ومبالغاته: «لقد شاهدتُ عرضك بالأمس، وأحمد ﷲ أن الإضاءة كانت مطفأة». لم يستطِع الرمز الغريب الذي أصبح متمرِّسًا في ابتكار نفسه أن يتحمَّل أن يصنعه شخص آخر غيره. لكنه اعترف لصديق قديم له من الجيش بأنه «لا يحمل ضغينة لتوماس. فقد اخترع وهمًا غبيًّا في لباسٍ مزركَش، يقوم بأمور غبية ويسمَّى «خياليًّا».

واستمرَّ توماس في تقديم عرضه غيرَ آسفٍ أمام مسارح ممتلئة عن آخرها عَقدًا كاملًا تقريبًا. وكتب بالإضافة إلى ذلك حوالي خمسة وخمسين كتابًا، وحقَّق شهرة واسعة في عمله مراسلًا لمحطة سي بي إس نيوز، وهو منصب ظل يشغَله قُرابة نصف قرن كامل. وعلى العكس من ذلك كان لورنس يبحث عن الاختباء من الآخرين وألا يتعرفوا عليه. فانضم أولًا إلى سلاح الدبابات ثم إلى القوات الجوية الملكية جنديًّا صغيرًا، مغيِّرًا اسمه في كل مرة. وتوفي لورنس في عام ١٩٣٥، جرَّاء حادث دراجة بخارية، هاربًا من وهمٍ كان قد تعاون في خلقِه، ولو جزئيًّا.

وخلال تلك الفترة كانت أسطورة لورنس قد اكتسبت حياةً خاصة بها، خصوصًا في ذلك الجزء من الولايات المتحدة الأقدر على خلق الأساطير. ففي عام ١٩١٥ أنتج كاتب السيناريو والمخرج سيسل دي ميل في هوليوود فيلم «العربي»، وهي مأساة منمَّقة عن الحب بين راعي غنم بدوي وفتاة أمريكية من التبشيريِّين. وقد قامت القصة على نظرة أمريكية شعبية للشرق الأوسط في القرن التاسع عشر بعدِّه منطقةَ الإثارة الحسية، وللعربي بعدِّه النموذجَ الكامل للرجولة. ولكن هذه الحبكة كانت أقلَّ إثارة بالنسبة إلى جمهور القرن العشرين، الذين نعتوا الفيلم بالفشل. ولكن جاء بعد ذلك لويل توماس والهوس بلورنس، وفجأة استيقظ الأمريكيون مرةً أخرى على نداء الرومانسيات العربية. لذلك حقَّق فيلم «الشيخ» الذي أُنتج في عام ١٩٢١ على نفس النمط والغرار — البدوي الحسي الذي يستولي على الفتاة الغربية البريئة — حقَّق نجاحًا مذهلًا بين يوم وليلة، ونقل بطله رودلف فالنتينو إلى مصافِّ النجوم. وسارعت هوليوود إلى استثمار ذلك النجاح، منتِجةً سلسلة أفلام «شيخ الجزيرة العربية» و«ابن الشيخ» و«لص بغداد». وكان في كلٍّ منها مزيج من فتيات الحريم، وفتيات لا حول لهن ولا قوة، وعرب قساة فاسقين.2

وسرعان ما دخل هذا الاتجاه الاستشراقي الذي بدأ بلورنس في نسيج العديد من مجالات الثقافة الأمريكية، وليس فقط في مجال السينما. ففي روايتها الكلاسيكية، «أنطونيا الخاصة بي» الصادرة في عام ١٩١٨ وصفت الروائية ويلا كيثر إحدى الشخصيات التي تتزيَّن بدبوس يعبِّر عن انتمائها لأخوية بأنها «محفورة أكثر من المسلة المصرية»، كما وصفت شخصيةً أخرى بأنها مثل «ذقن شيخ عربي». وزاد هذا الهوس باكتشاف مقبرة توت عنخ آمون المتخَمة بالكنوز في عام ١٩٢٢. وبدأت الشابات في ابتكار قصَّات للشعر على غرار كليوباترا، كما زُيِّنت المباني العامة بديكورات مصرية. وعندما لم يكن الأمريكيون ينفِّسون عن خيالاتهم الشرق أوسطية من خلال القصص الخيالية والملابس والفن، كانوا يتغنَّون بكلمات تقول:

أنا شيخ العرب
وحبك ملكي أنا.
في الليل وأنت نائمة
سأتسلل إلى داخل خيمتك.3

وبحلول عام ١٩٢٠ كانت الأفلام والتسجيلات قد حلَّت محلَّ نشرات السفريات باعتبارها الوسيلةَ الرئيسية لنقل انطباعات عن الشرق الأوسط للأمريكيِّين. وعلى عكس الأوروبيين، الذين كان عدد كبير منهم قد أُصيب بالإحباط بسبب الحرب، كان الأمريكيون لا يزالون قادرين على الحُلم. وعبْر العقود التالية استمرت الأساطير المحيطة بالشرق الأوسط في إثارة، بل وإلهاب أذهان الأمريكيِّين، ملوِّنة الرأيَ العام ومؤثِّرة على واضعي السياسات. وكانت الاستثمارات المادية لأميركا في هذا المجال قد تضاعفت خلال تلك الفترة. فبالإضافة إلى بناء المدارس التبشيرية والقيام بنزهات نيلية، كان الأمريكيون يقيمون مضخَّات للبترول ويوقِّعون اتفاقيات مع الحكام العرب. ووجب إيجادُ توافق بين السعي وراء المُثُل والمبادئ الأمريكية في المنطقة، وبين المصالح الاستراتيجية والاقتصادية المتنامية. وبصورة تدريجية، حلَّ فخُّ سلطة القرن العشرين وقوَّته محلَّ العلامات المميِّزة لأكثر من قرن كامل من الإيمان والخيال الأمريكي في الشرق الأوسط.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤