الفصل الرابع

ترجمة المسرحية١

كان ممثل القرن التاسع عشر يقوم بترجمة دوره بنفسه. ولما كان هذا يتضمن ترجمة المسرحية كلها، فقد كانت المسرحيات أحيانًا تحظى بترجمات بقدر عدد ممثليها. أما في الإخراج الراقي الحديث، فإن الترجمة الأساسية للمسرحية يقوم بها المنتج أو المخرج ولا يترك للممثل سوى التفاصيل. ومع ذلك فمن الضروري أن يعرف الممثل كيف يترجم المسرحية كي يفهم الترجمة التي يمده بها المخرج.

(١) مواد المسرحية وقيمها

عند البدء بدراسة مسرحية، نجري حصرًا إجماليًّا لمادتها الدرامية، فكل ما تتضمنه المسرحية وما توحي به يعد مادةً درامية؛ كالحوار، والشخصيات، والمناظر، والأفكار، والحركات، وكل شيء. ثم نجمع هذه المواد على أساس قيمها من وجهة نظر المتفرجين تمامًا كما يقدر الصانع مدى تأثير بضائعه في الزبائن. فللثوب مثلًا تأثير نفعي من حيث الدفء والمتانة، وتأثيره على العين من حيث اللون والزي وغير ذلك، كذلك المسرحية تمد نظارتها بقيم عاطفية تسوقهم إلى الضحك أو إلى البكاء، وقيم عقلية بعرضها أفكارًا جديدة أو بتعبيرها عن الأفكار العتيقة بطريقة أوقع، وقيم مجردة تثير المتعة بالجمال وليونة التنفيذ أو بأية وسيلة جمالية أخرى. وتعتمد القيم الدرامية على المادة الدرامية، تمامًا كما تعتمد جاذبية الثوب على الزي والصنعة ونوع القماش وما إلى ذلك. فمثلًا نجد في مسرحية ماكبيث: الأطياف، والمرجل، والرقية، والتنبؤات. فمن هذه المواد نخلق القيم الخرافية للمسرحية؛ فالمادة شيء نستعمله، أما القيمة فشيء يتلقاه المتفرجون. ومع ذلك فغالبًا ما يُقصد بلفظة «القيم» القيم الكافية، إلى جانب القيم الفعلية.

ويجب أن تكون القيم العقلية مفهومة حتى يقدرها الجمهور، كما يجب تقديمها بأقصى ما يمكن من الوضوح والبساطة. وهذا يتطلب لمسات جريئة؛ جريئة لدرجة أنها تبدو ساذجة عند شرح أسرارها. أما القيم العاطفية والمجردة فلا تحتاج إلى الفهم بل إلى الإحساس، ويمكن التعبير عنها بوساطة تفاصيل تُحاك خيوطها بدهاء، حتى إن رجل الدنيا قلما يصدق أنه يمكن أن تؤثر في نفوس الجمهور إطلاقًا.

(١-١) القيم العقلية intellectual values

  • (١)

    تُسمى الأفكار التي تنهض عليها المسرحية بالقيم الفلسفية؛ فالحكمة الأخلاقية التي تقول «الجريمة لا تفيد» واحدة من تلك الأفكار. وغالبًا ما تكون الفكرة خبرًا، بل سؤالًا — «هل تفيد الجريمة؟» وبعض الأفكار عبارة عن دراسات للشخصية: «كيف يتأثر مثل هذا النوع من الأشخاص بموقف اختير لإظهار مميزاته الأصلية؟» — ولا تبتئس إذا وجدت أفكار المسرحية هزيلة ضحلة. فالعمق يرجع في كثير من الأحوال إلى الصياغة اللغوية، وإذا صيغت الفكرة بإيجاز ووضوح زال عمقها. وفي الغالب لا تأتي المسرحية بجديد، وإنما تعبر عن الأفكار القديمة بأسلوب أكثر حيوية.

  • (٢)

    وفضلًا عن القيم الفلسفية، فإن للمسرحية قيمًا ثقافية. والثقافة في المسرح تُغطى بطبقات سميكة من الحلوى. على أن ذلك لا يقلل من مفعولها؛ فمسرحية «سيدة في الظلام» مَثلٌ رائع للتحليل النفسي على نطاق شعبي. وفيلما «الوجهة طوكيو» و«الهدف بورما»، وغيرهما من أفلام الحرب، تعطي معلومات قيمة عن حالة فرق الجيش المختلفة.

(١-٢) القيم العاطفية emotional values

  • (١)

    في كثير من المسرحيات يشارك النظارة بمخيلتهم في التجارب التي يمر بها أشخاص المسرحية (أو على الأقل أهم أشخاصها). وهذه المشاركة في التجربة محركة للعواطف، وتُعتبر من أهم العوامل جاذبيةً في المسرح.

  • (٢)

    كذلك هناك قيم عاطفية ينفصل فيها المتفرج عاطفيًّا عن أشخاص المسرحية. والضحك خير مثال لذلك؛ فإننا لا نضحك ممن يأتي النكتة، بل ممن يكون أضحوكة لها.

(١-٣) القيم المجردة abstract values

وهذه تشمل:

  • (١)

    ما يجذب الأنظار، كالجمال والمنظر ونحوهما.

  • (٢)

    ما يجذب السمع، كالشِّعر والصوت العذب والموسيقى وغيرها.

  • (٣)

    ما يجذب الذهن، كالإطار الفني والإيقاع وما إليهما.

(٢) موضوع المسرحية

الفكرة الفلسفية الرئيسية للمسرحية هي موضوعها، والموضوع هو الأساس الذي تُبنى عليه وحدة المسرحية. وهذا القول ينسحب حتى على المسرحيات التي تعتمد كليةً على القيم العاطفية؛ فثمار الكرمة طعام لذيذ، وأوراقها زخارف جميلة، ولكن الكرمة نفسها هي التي تكفلهما وتجعل منهما وحدة واحدة.

(٢-١) اختيار الموضوع choosing the theme

تحتوي معظم المسرحيات على عدد من الأفكار، ولكن تلك التي تنهض عليها المسرحية في مجموعها هي التي يمكن اعتبارها موضوعًا لها. وحتى بين هذه نجد عددًا من الأفكار يمكن اختياره كموضوع للمسرحية. فالموضوعات الممكنة في مسرحية ماكبيث٢ مثلًا هي: (١) دراسة شخصية ماكبيث. (٢) «الجريمة لا تفيد.» (٣) «الطموح الزائد عن حده مجلبة للشرور.» (٤) «مسايرة الأرواح غير البشرية خطر أي خطر.» غير أننا لا نستطيع أن نجعل للعرض المسرحي الواحد أكثر من موضوع واحد فقط من بين هذه الموضوعات؛ إذ أيًّا كان المجال فإن التأثير يبلغ أقصاه إذا وُجهت كل القوى الممكنة نحو هدف واحد.

وإذا كانت مسرحيتك تتواثب من موضوع إلى موضوع، فإنها لن تحرك العواطف القوية أكثر مما تحرك الريح المتغيرة الأمواج العاتية. إن الموضوع المختار يتحكم في كل عناصر الإخراج. فإذا اخترت الطموح موضوعًا لك، أصبحت مادة القوى غير البشرية عديمة الأهمية نسبيًّا، وعلى ذلك ينبغي الإقلال من شأنها. وقد يختار مخرج آخر «مسايرة الأرواح غير البشرية» كموضوع لمسرحيته، وعندئذٍ يجعل الضغط كله على مشاهد الأشباح والتنبؤات؛ ولذا عليك أن تختار دائمًا الموضوع الذي تحس بأنه سيعمل أكثر من غيره على توحيد إخراجك وإبراز القيم الكافية فيه. وسنتناول في المناقشات التالية موضوعًا بعينه، هو أكثرها وضوحًا. لا تقلْ: «لا أظن أن ماكبيث (أو روميو) كان هكذا.» فقد تكون على حق في ترجمة أخرى، ولكن يجب عليك أن تتمسك بترجمتي حتى يمكنك أن تتبع الأمثلة التي أسوقها إليك. ومع هذا فلن يخلق ذلك الأمر أية صعوبة، حيث إن المسرحيات الحديثة قلما تحتوي على أكثر من موضوع عملي حقيقي واحد.

ولا يعني اختيار الموضوع أن نترك الأفكار الأخرى؛ فلا تزال ذات فائدة طالما لا نجعلها تكتسب أهميةً زائدة. وبطبيعة الحال، إذا تضاربت فكرتان فلا يمكن أن نستعملهما كلتيهما. فإذا استعملنا في ماكبيث «الجريمة لا تفيد»، فلا نستطيع في نفس الوقت أن نستعمل «وإبرة النحل يُنسي وخْزَها العسل».

(٣) العلاج

يعمل موضوع المسرحية على تماسك أجزائها. ولكن قد ينال الموضوع نفسه قليلًا من الضغط؛ إذ يوجه الضغط على أكثر القيم أهمية. وقد استعمل كثير من أفلام الحرب موضوع «الإخلاص في تأدية الواجب أعظم فضائل الجندي»، ولكن في الوقت نفسه كانت حياة المعسكرات والخطط الحربية تشغل أغلب الفيلم، وهذا ما كان يجب أن يحدث. وأحيانًا نجد لزامًا علينا أن تتعمد إهمال الموضوع؛ فقد كان موضوع مسرحية «فتيات المشاة» هو أن موظفي المكاتب في واشنطن سيَّروا الحرب بطريقة مهذبة تنطوي على كثير من الأنانية. ومع ذلك فإن تأكيد هذه الفكرة الجدية غير السارة، كان يؤدي بالنظارة إلى القنوط، بدلًا من أن يضحكوا من القيم الهزلية التي كانت الهدف الرئيسي في المسرحية. فهنا استُفيد من الموضوع في اختيار القيم الهزلية والربط بينها وإعطاء المسرحية وجهة النظر الخاصة بها، وفيما عدا ذلك أغرق الموضوع تحت السطح.

(٣-١) تحديد العلاج determining treatment

العلاج هو اختيار القيم الصحيحة التي يجب الضغط عليها، وإيجاد خير وسيلة للتعبير عنها. إنه أهم عنصر في الإخراج كله. وقد يتضمن النص الواحد جميع أنواع القيم، إلا أننا لا نستطيع في الإخراج الواحد أن نستغل سوى عدد قليل منها استغلالًا مجديًا. ففي مسرحية «روميو وجولييت» مثلًا: (١) قيم مجردة، في الجمال والمناظر والأصوات الشجية والموسيقى، وغير ذلك. (٢) وقيم ذات مشاركة وجدانية، في الحب والمغامرة. (٣) وقيم هزلية معينة … ومع ذلك فإننا نغضُّ الطرف عن الفرص المواتية لتثقيف النظارة في تاريخ الإيطاليين وعاداتهم، كما نختزل بعض القيم الهزلية. (كيف يمكنك معالجة المشهد الخامس من الفصل الرابع، بين بيتر والموسيقى، والمفروض أن جولييت ميتة؟)

(٣-٢) العلاج – (أ) الروح العامة

عندما نتكلم عن الروح العامة في إخراج ما، فإنما نعني الروح التي يتلقى بها الجمهور المسرحية في مجموعها. وتتصل الروح العامة بالقيم اتصالًا وثيقًا، وتتولد عنها، غير أننا عندما نختار روح مسرحيتنا فإننا نختار كذلك القيم التي يجب أن نشدد الضغط عليها.

الخاتمة ending

أول نقطة تجب ملاحظتها في تحديد الروح العامة هي ما إذا كانت المسرحية تنتهي بفرح أو بحزن؛ فالمسرحيات التي خاتماتها مفرحة يجب أن تسودها صفة «الأمل»، في حين تسود المسرحيات ذات الخاتمات المحزنة لا صفة اليأس، بل صفة «القضاء والقدر» أو الاكتمال، فيجب أن يقال فيها: «لم يكن هناك مفر.» أو «كانت حياة طيبةً طيلة مدة استمرارها.»

الوزن weight

وزن الروح العامة في مسرحية ما مسألةٌ عاطفية ليس من السهل تعريفها. إن المسرحية «الخفيفة» تميل إلى تناول الأمور السطحية، في حين تتناول المسرحيات «الدسمة» العواطف الجياشة والأفكار الفلسفية الجدية. فالمسرحيات التراجيدية والدرامية يغلب عليها الثقل، أما الكوميديات فليس من الضروري أن تكون خفيفة. فمسرحية «المجنون»، والأفلام الكوميدية التي ظهر فيها «والاس بيري Wallace Beery»، أمثلة من الكوميديات الثقيلة. وأحسن طريقة لتحديد هذه المسألة هي أن تعمل قائمة بالصفات التي تبدو لك مناسبة للمسرحية؛ فإذا وجدت أنك تختار كلمات مثل: خفيفة، متواثبة، مرحة، بهيجة، نشيطة؛ فهذا دليل على أن الروح العامة خفيفة. أما إذا تضمنت قائمتك ألفاظًا مثل: ثقيلة، قوية، عنيفة، رزينة، كئيبة، محزنة؛ فهذا دليل على الثقل والدسامة.

الجدية seriousness

لجدية استقبال جمهور النظارة للمسرحية أثرٌ عميق في روحها العامة. هل تبدو لهم الشخصيات كأناس حقيقيين أم مجرد ممثلين؟ وخير أمثلة لذلك المسرحيات الميلودرامية ذات الطراز العتيق، مثل مسرحية «السكير». ففيما مضى، كان الجمهور يعتبرها أعمالًا جدية للغاية، أما اليوم فإنه يتقبلها كأعمال هزلية ساخرة، ولو بقي التمثيل والإخراج على حاله الأولى دون تغيير. وإذا عولجت القيم الجنسية في مسرحية كوميدية علاجًا غير جدي، أدى هذا إلى تجريد النقاد من سلاحهم. أما في التراجيديات، كمسرحية «أنطوني وكليوباترة»، فلا يستجيب علاج القيم الجنسية علاجًا عرضيًّا.

وحدة الروح unity of spirit

يؤم المتفرجون المسارح ترفيهًا عن نفوسهم، ولقد يجدون في التراجيديات والدرامات متعةً أكثر مما يجدون في الكوميديات. ومع ذلك، فإنهم يرتضون إثارة عواطفهم، لا عصرها. إنهم قبل كل شيء يريدون أمنًا عاطفيًّا. ولضمان ذلك يجب أن تكون الروح العامة متماثلةً طيلة فترة العرض، دون هزات عاطفية عنيفة ولا مفاجآت. ففي أول أفلام أرثر هتشكوك Arthur Hitchcock «المرأة وحدها The Woman Alone»، كان أخو البطلة الصغير يحمل قنبلة موقوتة دون أن يعلم بها. وعندما حان موعد انفجارها وقف يتحدث إلى فتاة حسناء معها كلب صغير جميل الصورة، فاعتقد الجمهور أن هذا دليل على أن القنبلة سيبطل عملها في آخر لحظة، ولكنها بدلًا من ذلك انفجرت وقتلت الصبي والفتاة والكلب، كما قتلت الأمن العاطفي لجمهور النظارة، فلم تعد عواطفهم تهتم بأي شيء في الفيلم بعد ذلك، وكانت النتيجة أن ضاعت الفصول التالية سدًى.

النظارة كالطفل يجب ألا تفاجئه بشيء قبل سابق إنذار، كأن تقول له: «سأفاجئك الآن.» وعادةً يكون هذا في صورة إنذار للمتفرجين بأن شيئًا ما سيحدث، دون ذكر لذلك الشيء. وحتى في مثل هذه المفاجأة الكاذبة، يجب أن يكون الحدث مساويًا في المتعة على الأقل، لِما كان منتظرًا. وفي التراجيديات تسلف المقدمات المبينات دائمًا لما سيتمخض عنه المستقبل؛ حتى لا يفاجأ النظارة مفاجأةً غير سارة. أما في الهزليات فيتوقع النظارة دائمًا «مفاجآت» سارة.

ولا يُقصد بوحدة الروح الامتناع عن مزج الدراما بالكوميديا؛ فالواقع أن الذوق الأمريكي السائد الآن يتطلب مثل هذا المزج. ومع ذلك ينبغي أن يكون المزج متجانسًا طوال المسرحية تمامًا كما تُمزج مواد الكعكة الجيدة الصنع … تأكد من أن نسبة الكوميديا إلى الدراما واحدة تقريبًا في كل فصل، وأن الانتقال من الوحدة إلى الأخرى لا يتم بصورة فجائية لا يستسيغها المتفرجون. وتنوع الروح العامة يُسمى «الأمزجة».

تتغير عواطف أشخاص المسرحية باستمرار، وقد تنسجم أو تتناقض مع روح المسرحية، أو بعضها مع بعض. وتُسمى الصبغة العاطفية للبيئة «الجو العام atmosphere». وهذا الجو العام قد يتغير هو الآخر، وقد ينسجم أو يتناقض مع روح المسرحية.

وما إن تتقرر الروح العامة في الإخراج حتى تكون مرشدًا في كل شيء. لقد مُثِّل موت ماكبيث بجميع الطرق الممكنة، من إلقاء ماكدوف الهادئ، إلى مبارزة عاتية بالسيوف. فأيهما أصح؟ … لا يمكن الإجابة على هذا السؤال إلا بعد معرفة الروح السائدة في الإخراج، فما إن تتحدد حتى يكون من السهل أداء المشهد بما يتطلبه من تحكم أو مبالغة.

(٣-٣) العلاج – (ب) الأسلوب

الأسلوب هو الطريقة التي تبرز بها قيم المسرحية. ولكل مسرحية أسلوبُها الخاص الذي يتحتم تحديده إذا كان للمسرحية أن تخرج على الوجه المرضي. وأساليب المسرحيات كثيرة، أهمها ما يلي:

figure
وجدير بالملاحظة أن كلًّا من هذه الأساليب يختلف عن الآخر بنفس الطريقة والدرجة التي يختلف بها عن الحياة. والواقعية الكاملة مستحيلة مسرحيًّا، وإذا حاولنا إخراجها كانت مملة للغاية. وعندما تنحو المسرحية إلى الواقع مع التنازل لمقتضيات المسرح الجوهرية وحدها أطلق على أسلوبها «الواقعي realism»، ومن أمثلة ذلك مسرحية «الأعماق السفلى» (شكل ١٤-١)، لجوركي Gorki، ومسرحية «الفيران والبشر» لشتينبيك Steinbeck. وإذا بولغ في تأثيرات المسرحية بوسائل الإخراج والتمثيل، فإن الأسلوب يميل إلى «المسرحة theatrical». ومعظم الأفلام تنتمي إلى «الواقعية الممسرحة». وإذا تطرفت المسرحية في «المسرحة» بأن طغت فيها الوسائل الحرفية على المواد نفسها، أُطلق عليها اسم «ميلودراما melodrama»، أو «مهزلة farce» تبعًا لما فيها من روح درامية أو كوميدية. فالأفلام المثيرة للفزع من نوع الميلودراما، ومن أمثلتها: فيلم «الحسناء الجالسة sitting pretty». أما المسرحيات التي من نوع «جون يحب ماري» فهزلية.
وكلما بعدت المسرحية عن الواقعية كانت أقرب إلى «الأسلوبية». ومن الخطأ اعتبار هذه اللفظة كأنها تفيد عن أسلوب بعينه. وعلى أي حال، فقلما نعثر بين المسرحيات الحديثة على أسلوبية صارخة. وأحسن أمثلة للأسلوب الكلاسيكي نجدها في التراجيديات الإغريقية. أما «روميو وجولييت» فمثال نموذجي للأسلوب الرومانسي. ومن أمثلة الأسلوب الخيالي «بير جينت Peer Gynt» وبيتر بان. وأسلوب مسرحية «هربنا بجلدنا» تعبيري. والتعبيرية في المسرح تحاول أن تحاكي ما تفعله مذاهب الفن الحديث، كالتكعيبية cubism، والسيريالية surrealism في الرسم.

لا وجود للأسلوب المجرد no pure style

لا جدال في أن تصنيف الأساليب المختلفة ومعرفتها بأسمائها عملٌ عظيم الفائدة. بيد أننا نجد عمليًّا أن لكل مسرحية أسلوبَها الخاص الذي يتضمن عدة عناصر من أساليب مختلفة. ويتجلى هذا بشيء من المبالغة في مسرحية «مدينتنا»؛ إذ نجد أسلوبها خليطًا من جميع الأنواع. فقد استُبعدت معالم البيئة الحسية إلى حد كبير (كلاسيكية)، بينما أبرزت معالم البيئة الإنسانية في كثير من التفاصيل كاد يشمل المسرحية كلها، ولغة الحوار هي اللغة الشائعة في حياتنا اليومية (واقعية). والاستعانة بالتمثيل الصامت والمؤثرات الصوتية دون ملحقات يدوية لا تخضع لمنطق (تعبيرية). ومع ذلك فقد نجحت مسرحية «مدينتنا» باستثناء ثغرات قليلة في سبك هذه العناصر التي تختلف اختلافًا شاسعًا في أسلوب واحد.

الملاءمة appropriateness

تتطلب الوحدة أن يكون الأسلوب ملائمًا للحوار والموضوع والروح والقيم الرئيسية للمسرحية. ولا يوجد عرف للأسلوب. فإذا حاولنا إخراج مسرحية «بير جينت» واقعيًّا، أو مسرحية «الأعماق السفلى» رومانتيكيًّا، أفسدناهما إفسادًا ذريعًا. وأقصى ما نستطيع أن نفعله لتغيير الأسلوب هو أن نختار موضوعًا آخر، وروحًا أخرى، ونبرز قيمًا غير القيم الأولى. فمسرحية ماكبيث مثلًا رومانسية في أساسها، فإذا عالجناها كدراسة للشخصية، مال أسلوبها قليلًا إلى الواقعية. وإذا تعمَّدنا إبرازنا الأطياف ذهبنا بالأسلوب إلى الخيالية. وإذا أبرزنا القيم الميلودرامية أصبح الأسلوب أكثر مسرحة. وعلى أي حال فإن مثل هذه التنوعات محدودة جدًّا؛ لأن الحوار سيظل كما هو مفصحًا عن الأسلوب. والحوار في المسرحيات العادية أقل مرونة مما هو في أعمال شكسبير، ولا يكاد يسمح بأي تبديل في الأسلوب.

يجب أن يتناسب كل عنصر في المسرحية مع الأسلوب، كما يجب أن يظل الأسلوب ثابتًا طوال المسرحية. قارن بين الاختلاف في الأسلوب الخيالي في الجزء الأول من فيلم والت ديزني Walt Disney المسمى «بامبي Bambi»، والمحاولة الواقعية في الجزء الأخير منه. قد تجد في بداية الأمر صعوبة في أن تدرك ما إذا كان سطر من الحوار، أو إيماءة، أو كرسي، أو لون النور الكشاف، يتلاءم كلٌّ منها مع الآخر أم لا. فإذا أمكنك إدراك ذلك، فتأمل ألوان فيلم الصور المتحركة التالي، وحاول أن تفكر في مسرحية تلائمها هذه الألوان، ستجد أنها تتنافر مع كثير من المسرحيات؛ غير أنك إن وجدت مسرحية تناسبها، فستتبين شيئًا مشتركًا بينها وبين فيلم الصور المتحركة. أعد التجربة ثانيةً مع حلة أو قطعة أثاث مألوفة لديك، تجد أنها لا تلائم إلا مسرحيات بعينها، وأن بين هذه المسرحيات مشابهة عائلية. إن الصور المتحركة أمثلة رائعة لوحدة الأسلوب، ويجب دراستها من هذه الناحية.
ورغم وجوب ملاءمة الأسلوب للموضوع، فإنه قد يناقضه أكثر مما ينسجم معه. فمثلًا موضوعا مسرحيتَي «الوقت المستعار»، «الزرنيخ والعجوز»،٣ خياليان، ولكن يجب التعبير عنهما بأسلوب واقعي كما يتضح من دراسة الحوار.

تحديد الأسلوب determining style

يشمل الأسلوب جميع العناصر، ولكن وُجد من الأسهل عند تحليل أسلوب النص أن نركز اهتمامنا على: (١) لغة الحوار. (٢) الشخصيات. (٣) الملحقات وحركات الشغل التي يتطلبها أو يتضمنها الحوار. (٤) معالم البيئة الخلفية، وهي مقياس حساس للأسلوب. فالأسلوب الواقعي يهتم بالبيئة ويلح في التفاصيل حتى ولو كانت في غير محلها أو كان منظرها لا يسر، كأنابيب التدفئة وجرادل القمامة وما إلى ذلك. أما الواقعية الممسرحة فتُهمل معالم البيئة الخلفية، وإن كانت التفاصيل التي تستخدمها تتصف بالواقعية. وفي الأساليب الأكثر تطرفًا قد يُكتفى بالإيحاء بالبيئة الخلفية وإن بقيت معالم الصدارة (وتتمثل في المكياج والملابس والملحقات اليدوية) واقعية وعلى شيء غير قليل من التفصيل.

fig13
شكل ٤-١: «العم هاري»، مسرح جامعة ييل: المنظر من تصميم هنري بيرسون: يمثل هذا المنظر نوعًا من الواقعية يُعرف باسم «الانطباعية impressionism»، وفيه يشغل المنظر جزءًا فقط من المسرح، ويختلط بالظلام من أعلاه وجوانبه. ويلاحَظ أن الأجزاء الظاهرة منه كاملة التفاصيل. وهذا الأسلوب يلائم المسرحيات العديدة المناظر.

وفي أثناء تحليلك للأسلوب، وجه إلى نفسك الأسئلة الآتية:

هل مواد المسرحية كاملة التفاصيل، أو قد حُذفت منها التفاصيل المستهجنة وغير الهامة؟ فإننا نلاحظ في الحوار الواقعي عددًا من المصطلحات يُستعمل لغرض إبراز الواقعية فحسب، مثل: «أهلًا وسهلًا!» «هل لك في سيجارة؟» «تقولي لي …» والبذاءة كذلك، من علامات الواقعية. ومثل هذه التعبيرات يُختصر إلى أقل قدر ممكن في الواقعية الممسرحة، وتُحذف تمامًا في الأساليب الأكثر تطرفًا. وتمشيًا مع علامات الحوار هذه، نجد أن الواقعية تقدم جميع الأشخاص الممكن وجودهم في واقع الحياة دون نظر إلى علاقتهم بالمسرحية، بينما تميل الأساليب الأخرى إلى حذف مثل هؤلاء الأشخاص، أو تستخدمهم لأغراض جمالية أكثر منها واقعية. كما أن الإشارة في الحوار إلى ملحقات أو حركات قد يكون لها وجود في الحياة العادية، ولكنها لا تفي بأي غرض درامي، علامة من علامات الواقعية.

هل مواد المسرحية شائعة، أو قد اختيرت بقصد خلق تأثير معين؟ إن المواد الشائعة توحي بالواقعية. فإذا وُجد من المناسب أن يتمخط أحد الأشخاص في منديله، كان ميل المسرحية إلى الواقعية قويًّا. وإذا كانت المواد عالية تتضمن آراءً ميتافيزيقية أو أشخاصًا أسمى من البشر، كان الأسلوب أكثر ميلًا إلى الكلاسيكية. والمواد التي تتضمن الحب والمغامرات رومانتيكية. والسحر ونحوه من الأمور الخارقة للطبيعة من مواد الأسلوب الخيالي. واختيار مواد متضاربة الأنواع يدل على التعبيرية.

هل المواد منمَّقة، أو مبالغ فيها، أو محرَّفة بطريقة ما؟ إن الشِّعر والجناس، والإيقاع الظاهر، والشِّعر المنثور، كلها من أمارات الأسلوبية. وتميل اللغة في الأسلوب الكلاسيكي إلى الفخامة، وفي الرومانسي إلى التأنق، وفي الخيالي إلى الطرافة، وفي التعبيري إلى التقطع. ويتخذ أشخاص المسرحية صبغة الحوار من حيث التنميق أو المبالغة؛ فجولييت رومانسية، وبيرجينت خيالي، وأجاممنون كلاسيكي. فإن أحسست بحرِّية مطلقة في تصميم الملابس والمناظر واختيار ألوانها دون اهتمام بواقع الحال، دل ذلك على شيء من الأسلوبية.

عند التحليل الصحيح، تشير جميع التجارب إلى نفس الأسلوب. قد يكون عسيرًا أن تطابقه على واحد بالذات من الأساليب المتعارف عليها، ولكنه كفيل بأن يجعلك تطمئن إلى تجانسه. فإذا عجز عن ذلك، فمن المؤكد أنك قد أخطأت الأسلوب الصحيح للمسرحية.

الأسلوب كمرشد style as a guide

يسيطر الأسلوب على جميع عناصر الإخراج. فمتى عرفت أن مسرحية «الأعماق السفلى» واقعية للغاية، فقد عرفت أنه يجب عليك إظهار جميع التفاصيل الممكنة في المناظر والملابس والملحقات والحركات، كما عرفت أنه من الضروري أن يكون كل شيء حقيقيًّا، وأن يكون كل شيء تقريبًا من النوع الشائع. وفي الأسلوب الواقعي الممسرح من طراز مسرحية «السيد الذي أتى للعشاء» (شكل ٣-١)، ينبغي تركيز التفاصيل الأساسية على معالم الصدارة. وفي الأسلوب الرومانسي كمسرحيات شكسبير، تقلل التفاصيل إلى أدنى حد، ويُستهدف تصميم الملابس والمناظر الجمال أكثر منه إلى الدقة. أما الإيماءات فتكون لإظهار العذوبة والأثر الدرامي دون اهتمام بالواقعية.

ولا يفوتنا أن حذف بعض التفاصيل يزيد من العبء على ما استبقى منها، ويحتم أن يكون كلٌّ منها ذا أهمية فردية في حد ذاته. فحركة اليد في الأسلوب الواقعي قد لا تزيد عن بضع بوصات، أما في الأسلوب الكلاسيكي أو الرومانسي فتشمل الحركة التفافةً كاملة من الذراع.

fig14
شكل ٤-٢: مسرح جامعة ييل: المنظر من تصميم روجر شيرمان: هذا المنظر عظيم الشبه بالمنظر الموجود في شكل ٤-١ من الناحية الإنشائية. والفرق الوحيد بينهما هو الافتقار إلى التفاصيل. غير أننا يمكن أن نتقبله كمظهر واقعي لزنزانة في سجن. إلا أن الإضاءة والعلاج يُحدِثان أثرًا مختلفًا تمام الاختلاف؛ إذ يبرزان جوانب المنظر، ويسمحان برؤية الأشخاص وهم يسيرون من الأجنحة إلى وسط المنظر. وهذه التغييرات كافية لتبديد الشعور بالواقعية وجعل المنظر تعبيريًّا.

(٤) ترجمة المراحل

لقد تناولنا حتى الآن مضمون المسرحية أكثر من بنائها، مع أنه لا يقل عنه أهمية.

(٤-١) الخطة plot

الإلمام بخطة المسرحية ضروري لمعرفة بنائها؛ فالخطة عبارة عن قصة لتوضيح الموضوع. فإذا كان موضوع مسرحية ماكبيث هو «الجريمة لا تفيد»، كانت الخطة: «يحصل ماكبيث على عرش اسكتلندة عن طريق قتل الملك، ثم يفقد أمنه الشخصي وراحة باله. وتكون محاولاته لتقوية مركزه بالإكثار من القتل سببًا في اتحاد أعدائه ضده، فيحاصرونه ويقتلونه.»

وإذا كان للمسرحية عدة موضوعات، فلا مناص من أن تحتوي على عدة خطط مختلفة؛ لذا كان من الأهمية بمكان أن تستوثق من أن الخطة التي تستعملها تلائم موضوع المسرحية الذي وقع عليه اختيارك؛ لأن الخطة هيكل الفعل الدرامي، ومفتاح بناء المسرحية. وهذا صحيح حتى في المسرحيات التي تطغى بعض قيمها، كالشخصيات والفكاهة وما إليهما، على الخطة. فإذا لم تكن متمكنًا تمامًا من الخطة، فلن تستطيع أن تفهم المسرحية فهمًا حقيقيًّا. والطريقة الوحيدة لكي تتأكد من فهمك للخطة هي أن تكتبها. وليس هذا بالأمر الهين كما يبدو لأول وهلة. فإذا احتجت إلى أكثر من ثلاث أو أربع جمل، فإنك قد تجاوزت الخطة المجردة وأضفت إليها بعض القيم الأخرى … ولا تنتظر أن يكون وقع الخطة في الأذن ممتعًا، فأعظم مسرحية مثيرة في العالم تبدو مملة عند اختصارها إلى خطة مجردة.

(٤-٢) الاطراد continuity

ما إن تتضح لك الخطة جلية حتى يبدأ بناء المسرحية في أن يتخذ معنًى محدودًا. ومن النادر أن نجد مسرحية تروي قصتها في ترتيب منطقي ثابت، بل تنتظم فيها المراحل بحيث يسير الفعل الدرامي في ليونة، في حين ترد مواد الخطة حيثما يتيسر. فبعد أن تضع عناوين المراحل ومناطقها على صفحات النص (انظر شكلَي ٣-٢، ٣-٣) رتب هذه العناوين في قائمة منفردة؛ إذ بعملك هذا يصبح البناء جليًّا، ويوضح لك الكيفية التي تتفق بها بعض الأجزاء مع بعض.

(٤-٣) وظيفة المراحل sequences function

يجب مراعاة الوظيفة الفنية لكل مرحلة عند عنونتها. والأنواع الأساسية للمراحل خمسة:

  • (١)
    مراحل الصراع sequences of conflict
    • «وعادةً تكون عقلية»، وتمد المسرحية بكيان الخطة الأساسية.

  • (٢)
    مراحل التوازي parallel sequences
    • وفيها يتفق أشخاص المسرحية فيما بينهم اتفاقًا تامًّا، كمشاهد الغرام، ومشاهد العرض والتقديم.

  • (٣)
    مراحل البيئة الخلفية background sequences
    • وتستعرض فيها ظروف المعيشة، دون أن يلحق بالخطة أيُّ تقدم.

  • (٤)
    مراحل الانتقال transition sequences
    • وهي فترات دخول وخروج أشخاص المسرحية.

  • (٥)
    مراحل الترفيه relief sequences
    • وهي الفترات التي يُسمح خلالها لأعصاب النظارة بالارتخاء بعد التوتر الشديد. وخير مثال لمراحل الترفيه مشهد البواب في مسرحية ماكبيث (وهو مشهد مضحك يعقب مشهد قتل الملك وشجار ماكبيث مع زوجته على إحضار الخنجر الذي قتل به الملك). وقلما تجد مرحلة للترفيه البحت في المسرحيات الحديثة.

(٥) ترجمة الشخصيات

مهما كانت الشخصية بارزة فلا أهمية لها في حد ذاتها، وإنما ينبغي أن تترجَم للنظارة كجزء من الترجمة الكاملة للمسرحية.

(٥-١) وظائف الشخصيات functions

في المسرحيات الجيدة التأليف، نجد لكل شخصية عدةَ وظائف، وإن كانت إحداها هي التي تسيطر أغلب الوقت. والخطوة الأولى في ترجمة أية شخصية هي حصر وظيفتها أو وظائفها الأساسية. وفيما يلي أكثر هذه الوظائف شيوعًا. ولا تنتظر أن تلتقي بها جميعًا في مسرحية واحدة.

(٥-٢) البطل principal

غالبًا ما يكون الشخص الذي تذكر الخطة قصته هو مفتاح الترجمة، ويطلَق عليه «الشخصية الرئيسية، أو البطل». وأحيانًا يكون هناك شخصان متعادلان في الأهمية، كما في مسرحية «روميو وجولييت». وتوزع بعض المسرحيات الأهمية بالتساوي على جميع الشخصيات، حتى ليتعذر أن تجد شخصًا يمكن أن يسمى بطل المسرحية، كما في مسرحية «الأعماق السفلى». وعادةً يكون البطل هو الشخصية الأكثر بروزًا في المسرحية، والذي يتولى معظم حوارها، بيد أن هذا ليس بقاعدة دائمة؛ فمدير المسرح هو الممثل الأول في مسرحية «مدينتنا»، ولكنه ليس بالشخصية الرئيسية. وإذا كان بالمسرحية أبطال، فهما الفتى والفتاة عادةً.

(٥-٣) الخصم antagonist

وهو أهم مناوئ للبطل.

(٥-٤) موضع الخصام subject of controversy

في مسرحية «سيرانو دي برجراك»٣Cyrano de Bergerac ، نجد أن سيرانو هو البطل، أما دي جيش De Guiche، وكريتيان Chrétien فخصماه، وأما روكسان Roxane فموضع الخصام.

(٥-٥) موضع الأسرار confidant

تقال الأفكار الذاتية في المسرحيات الحديثة بصوت مرتفع لشخص ما؛ ولذا قد تدمج في المسرحية شخصية تتلقى مثل هذه الخواطر.

(٥-٦) الشخصية ذات النفع المادي utility character

تتضمن أغلب المسرحيات شخصية، كخادم، وظيفته أن يفتح الباب لكل طارق، أو يرد على التليفون، أو يوصل الرسائل، أو ما إلى ذلك من الأعمال. وليس لهذه الشخصيات أهمية تذكر في خطة المسرحية أو قيمها، ولكن أهميتها الفنية بالغة.

(٥-٧) الحكيم raisonneur

هو لسان حال المؤلف الذي ينقل فلسفته. ففي مسرحية «لا يمكنك أن تعرف» تأليف شو Shaw، نجد الساقي والمحامي يقومان بهذه الوظيفة. هذا فضلًا عن وظيفة الساقي كشخصية ذات نفع مادي.

(٥-٨) الشخصيات الممثلة للجموع أو القوى characters representing groups or forces

إن ماكدوف في مسرحية ماكبيث هو الخصم بطبيعة الحال. ولكنه ليس وحدة فردية، بل هو رمز لحركة المقاومة الاسكتلندية. والواقع أن الشخصيات التي ترمز للجموع مسألة شائعة جدًّا. فمثلًا في مسرحية «آبي لنكولن في إيلينوي»، يمثل ستيفن دوجلاس Stephen A. Douglas جميع خصوم لنكولن السياسيين. وفي مسرحية «الرجل الذي حضر للعشاء» يرمز بانجو Banjo وبيفرلي كارلتون Beverly Carleton إلى جميع أصدقاء هوايتسيد Whiteside المشهورين.

(٥-٩) الشخصيات ذات القيم الخاصة characters who serve special values

يفيد حافرو القبر في مسرحية «هاملت»،٣ في إبراز القيم الهزلية كما يفيد رجال البلاط في إبراز القيم الواقعية؛ إذ لا بد لكل قصر، حتى القصور الرومانتيكية، من رجال بلاط، فضلًا عن أنهم يرتدون ملابس فخمة تتألق بالجواهر، فتتألف منهم تشكيلات جميلة.

(٥-١٠) توزيع التعاطف distribution of sympathy

التعاطف هنا مصطلح فني يقصد به اهتام الجمهور وولعه بإحدى شخصيات المسرحية. وتوزيع التعاطف مسألة حيوية صعبة؛ فالاتجاه الحديث ينزع إلى إثارة التعاطف حول شخصية شيلوك في مسرحية «تاجر البندقية»،٣ إلا أن دوره أقصر من أن يجعل منه بطلًا للمسرحية. ولما كانت المسرحية من نوع الكوميدي فإنه من المستحيل حرمان بقية الشخصيات من تعاطف النظارة، رغم المعاملة القاسية التي يعاملون بها شيلوك. وبناءً على ذلك فإذا أريد لهذه الرواية أن تنجح، فلا بد من إحداث توازن في قوى التعاطف، تتبدل من حين إلى حين. ولكي نزيد في تعاطف المتفرجين على شخصية ما، يجب أن نزيد في صفاته الحميدة، أو نسند إليه بعض حركات الشغل التي تبرز هذه الصفات. والعكس يقلل من التعاطف عليه. ومخرجو هوليوود بارعون في هذا المضمار براعة فائقة، لدرجة أنه يجدر بنا أن ندرس أعمالهم على سبيل المثال.

ومما يجعل الشخصية موضع تعاطف النظارة، أن نسبغ عليها صفات الفكاهة، كما حدث لشخصية هوايتسيد، في مسرحية «السيد الذي أتى للعشاء». إنه انتقاد أليم للطبيعة البشرية، بيد أنه لا يوجد بين النظارة من يساء من شخصية تضحكه. وهذا هو السر في جعل المتفرجين يعطفون على شخص يتصف بالخيانة والفجور والشر. كما أنه مصدر خطر في بعض المسرحيات؛ إذ لا يستطيع البطل الجاد، مهما كان لطيفًا، أن يستلب تعاطف المتفرجين من شرير ضاحك.

(٥-١١) تعيين صفات الشخصيات characterization

بعد تحديد وظيفة الشخصية، ودرجة تعاطف النظارة عليها، يمكننا ترجمة طبيعتها. وقد قال أرسطو Aristotle في هذا الصدد: «لا تسند صفة مذمومة لأي شخص بدون داعٍ.» وهذه إحدى قواعد المسرح القليلة التي لا شواذ فيها. و«مذمومة» هنا بمعنى غير مرغوب فيها، بغض النظر عن النظريات الأخلاقية الزاهية، اللهم إلا إذا كانت المسرحية تتناولها بشكل واضح. ومن الصفات المذمومة: الجبن، والبخل، والدمامة، والغباء. وعلى ذلك يجب تحاشي مثل هذه الصفات حيثما لا يستدعي الأمر وجودها. بالطبع هنالك أسبابٌ عدة تقتضي جعل شخص ما مذمومًا بشكل أو بآخر؛ فالشرير في الميلودراما يكون مذمومًا لكي يمقته المتفرجون، وكذلك يجب أن تكون كاتمة أسرار البطلة أقل جاذبية من البطلة نفسها. وقد تضطرنا خطة المسرحية إلى أن ندمغ شخصًا ما بالخيانة وآخر بالشر في الترجمة. على أن المهم هو أنه إذا لم يكن هناك داعٍ إلى هذه الصفات فيجب عدم استعمالها.

والخطأ في تقدير هذه الصفات خطر يسهل الوقوع فيه. فمثلًا، في مسرحية «آبي لنكولن في إيلينوي» لبروبرت شيروود، نجد الإغراء شديدًا إلى جعل ماري (مسز لنكولن) شديدة الطموح، أنانية، مشاكسة (وهي صفات يبدو أنها كانت تلازمها في حياتها الواقعية)؛ لأن هذه الصفات تفتح أمام الممثلة مجالًا واسعًا للعاطفية الميلودرامية، إلا أن مثل هذه الترجمة تحجب القيم الدرامية الملفوفة، وتضفي على ماري أهمية لا تحتلها في المسرحية. وكذلك من الخطأ أن نتطرف فنظهرها كشخصية يعجب بها الجمهور غاية الإعجاب، رغم أنه من المستطاع فعل ذلك. إن الضرورة الدرامية تقضي بأن نجعل ماري مذمومةً بعض الشيء؛ لأن المسرحية تفيد أن أحد الطرفين أساء إلى الآخر. وعلى هذا، فكلما زاد تعاطف النظارة مع ماري واحترموها قلَّ تعاطفهم مع آبي لنكولن واحترامهم إيَّاه. ولما كان هو بطل المسرحية، يلزم صيانة شخصيته حتى ولو كان هذا على حساب خفض شخصيتها.

عندما تتوازن شخصيتان على هذا النحو، يجب توجيه التعاطف أولًا إلى أكثرهما أهمية، ثم نقلل من هيبة الشخصية الأخرى نسبيًّا. على أنه يجب علينا أن نعلم أن «الصفات المذمومة» شيء، وفقدان التعاطف شيء آخر؛ إذ يمكننا أن نسلب ماري لنكولن تعاطف النظارة بأن نصم غاياتها بالأنانية، أو بأن نجعلها تناكف زوجها. ولا حاجة إلى الأمرين معًا، أو أن نعطيها صفة مذمومة أخرى.

إذا اتصف أحد أشخاص المسرحية بصفة مذمومة، بغير مسوغ، مال إلى بلوغ درجة شرير الميلودراما. وشيلوك مثال صحيح لهذا؛ فقد كان يظهر على المسرح كمُرابٍ حقود، فكانت نتيجة ذلك أن أصبح وحشيًّا لدرجة جعلته كوميديًّا، فصار يلي لانسيلوت جوبُّو Launcelot Gobbo في الأهمية. أما الآن فيمثل على أساس تحاشي جميع الأخطاء الممكنة، وأصبح يُعتبر كواحد من أعظم مبتكرات شكسبير، رغم أن ما يتعلق به في المسرحية لا يزيد على ثلاثمائة سطر.

(٥-١٢) الشخصيات الحركية dynamic characters

يجب ترجمة الشخصيات الهامة بطريقة تجعلها حركية نابضة لا جامدة ساكنة. ونعني هنا بالشخصية الحركية dynamic تلك التي تتغير. أما الشخصية الجامدة static فتبقى على حالها طول الوقت. إن ماكبيث يمكن أن يترجَم كشخصية جامدة باعتباره مجرمًا يزمجر في قوته، ويجعجع في هزيمته. غير أنه يتضح جليًّا أن من الأفضل أن نترجمه كشخصية «حركية»؛ فأجعل منه بطلًا في البدء، وأظهره يخضع للإغراء شيئًا فشيئًا، ثم اجعله ينحط أدبيًّا بسبب عدم استقرار مركزه، وأخيرًا اجعله هازئًا يتحدى القدر. إن قليلًا من الشخصيات يقبل التغير بهذه الصورة، لكن من المستطاع تطبيق القاعدة، ما عدا في الكوميديات الخفيفة جدًّا.
fig15
شكل ٤-٣: «ليس هناك من جبهة بعد الآن»، مسرح جامعة ييل: المنظر من تصميم إسحاق بنيش: يمثل هذا المنظر أقصى درجات الواقعية الممكنة في منظر خارجي. وإن صعوبة الحجب والإضاءة وتقليد أوراق الأشجار لتجعل الاقتراب من الطبيعة أكثر من هذا أمرًا غير عملي. وأية محاولة للاستزادة تلفت الأنظار إلى الفرق بين الواقعية والحقيقة. قارن بين هذا المنظر والمنظرين الداخلين (في شكلَي ١٤-١، ١٨-٢)؛ فالمنظر الداخلي يسمح بواقعية أكثر.

(٥-١٣) الثبات consistency

ينبغي حذف جميع المتناقضات، أو تفسيرها. قد يأتي التناقض نتيجة لسوء ترجمة بعض أجزاء الحوار أو الفعل الدرامي. فمثلًا في المنظر الأول بالفصل الثالث من مسرحية «روميو وجولييت» يتحدث ميركوتيو Mercutio في ثلاث مناسبات متهمًا بينفوليو Benvolio بالميل إلى الشجار. فإذا ألقيت هذه الأحاديث إلقاءً جديًّا فإنها لا تلائم الواقع؛ لأن بينفوليو رجل وادع محب للسلام، وميركوتيو نفسه يعلم عنه ذلك. ولكن الأمر يصبح طبيعيًّا إذا أوضح ميركوتيو بأنه إنما يغيظ صديقه؛ أي إنه يقول لبينفوليو ما كان يجب أن يقوله هذا الأخير لميركوتيو.
fig16
شكل ٤-٤: «جيم داندي»، مسرح الجامعة الكاثوليكية: المنظر من تصميم رالف براون: هذا المنظر نموذج للأسلوب التعبيري البحت. إنه سيريالي، غير أن به كثيرًا من الأشكال التعبيرية. فالأسلوب التعبيري الناجح له تأثير الرسم التوضيحي. إنه ينقل الأفكار والعواطف مباشرةً دون الإيحاء بأن حوادثها تقع في عالم حقيقي. وقد يكون أشخاصه حقيقيين أو خياليين.

وما يبدو للمرء من علامات التناقض قد لا يزيد في الحقيقة عن تغيُّر في الرأي أو الغرض. وإن هامليت ليبدو كمجموعة من التناقض إلا إذا أدرك النظارة طبيعته المتقلبة. وفي مسرحية ريتشارد الثاني، يبدو ريتشارد في البداية متوثبًا مع شهواته المفاجئة، في حين يظهر في الفصول الثلاثة الأخيرة رزينًا مثابرًا. وإزاء هذا التناقض يقف النظارة حيارى، ولا تزول حيرتهم إلا إذا وضح لهم أن ريتشارد يسلك ذلك المسلك عامدًا في الفصول الأولى ليظهر قوته وشدة بأسه، وأنه يتزن في الفصول الأخيرة بسبب تكاثر أعدائه.

(٥-١٤) الاسترشاد بترجمة الشخصيات character interpretation as guide

ما إن تنتهي من اختيار الصفات الملائمة لكل شخصية حتى تجد أن ذلك قد حل لك كثيرًا من المشاكل. بعد ذلك اسأل نفسك الأسئلة الآتية:

«فيمَ يفكر هذا الشخص في هذه الظروف؟»

«ماذا يقصد بهذه الألفاظ؟»

«ماذا يكون انفعاله في ذلك الموقف؟»

(٦) ترجمة المعاني

عندما يقول الشرقيون «السلام عليكم»، فإنما يعبرون عن الفكرة التي يعبر عنها الغربيون بقولهم: «كيف حالك؟» وهذه بدورها تحمل معنى «نهارك سعيد». غير أن الألفاظ تختلف، في حين تحمل وكلها يحمل معنى التحية. وليس المعنى في صيغة العبارة أو في الكلمات، بل في الفكرة المقصودة منها. وليس الفكرة وحدها هي التي يمكن التعبير عنها بجملة عبارات مختلفة، ولكن العبارة أيضًا يمكن أن تعبر عن عدة أفكار مختلفة، هكذا:

«كيف حالك؟» (كنت قلق البال من أجلك.)

«كيف حالك؟!» (يسرني أن أراك!)

«كيف حالك؟» (كنت مشتاقًا لرؤياك.)

والمعنى في هذه الحالات يعتمد أساسًا على الموقف ونبرات الصوت، وإلى حد بسيط على الكلمات نفسها.

ولما كان معنى السطر الواحد يمكن أن يتغير على هذا النحو، فكيف يمكننا إذَن أن نحدد المعنى الصحيح؟ الجواب على هذا أن المعنى يتوقف على ترجمة المسرحية كلها كوحدة واحدة، وعلى الشخص الذي يقول العبارة، وعلى المشهد الذي ترد فيه. إن المعنى الصحيح لا يمكن تحديده إلا باعتبار الترجمة التي يتوخاها الإخراج. ولشرح القاعدة العامة نسوق الأمثلة الآتية من مسرحية ماكبيث:

الترجمة على أساس موضوع: «السير وراء القوى غير البشرية خطر» الترجمة على أساس موضوع: «الجريمة لا تفيد»
الفصل الخامس، المنظر الثالث

ماكبيث: لا تأتني بأية تقارير أخرى، دعهم (أي الأشراف) يهربون جميعًا (لديَّ تنبؤات أكيدة بأنني سأنتصر في هذه المعركة).

حتى تتحرك غابة برنام إلى تل دانسينان.

لن يتسرب الخوف إلى قلبي.

من هو ذلك الغلام مالكولم؟

ألم تلده امرأة؟

ماكبيث: لا تأتني بأية تقارير أخرى، دعهم يهربون جميعًا (لقد كشفتني جرائمي، وأملي الوحيد هو التأثير على جنودي لكي يؤمنوا بالنبوءة التي تقول بأنني غير قابل للقتل).

حتى تتحرك غابة برنام إلى تل دانسينان.

لن يتسرب الخوف إلى قلبي.

من هو ذلك الغلام مالكولم؟

ألم تلده امرأة؟

الفصل الخامس، المنظر الثامن

ماكبيث (لماكدوف): لقد تحاشيتك دون سائر الرجال (لأن النبوءة أمرتني بأن أتحاشاك).

أما أنت فلتعُدْ أدراجك؛ لأن روحي ما زالت ملطخة

بدم آل بيتك (وإذا تقاتلنا فسأصرعك إذ …)

… إن حياتي تحرسها التعاويذ

فلا يجب أن تستسلم

لمولود أنثى.

ماكبيث (لماكدوف): لقد تحاشيتك دون سائر الرجال.

أما أنت، فلتعُدْ أدراجك (لا أريد أن أوذيك)؛ لأن روحي ما زالت ملطخة بدم آل بيتك … (كما أنني لا أريد أن تقتلني، ولكن إذا كنت مصممًا على القتال، فسأحاول تخويفك بأن أقول لك):

… إن حياتي تحرسها التعاويذ فلا يجب أن تستسلم

لمولود أنثى.

(٦-١) التأكيد emphasis

إن معرفة الموضع الصحيح لتأكيد كلمة، خطوة هامة في ترجمة المعنى. لا تؤكد أكثر من كلمة واحدة في أية جملة، أو في أية عبارة طويلة، دون سبب قوي. وأحيانًا تؤكد كلمتان لتوضيح المقابلة بينهما (مثال ذلك: ليس هذا من شأني، بل من شأنك). بيد أنه من النادر أن يكون هذا ضروريًّا. والمقتضيات الأخرى لتأكيد أكثر من كلمة واحدة نادرة جدًّا بحيث يمكنك إهمالها.

وأية محاولة للتأكيد بالتشديد على كلمة، ثم أخرى، لن تسبب لك سوى الارتباك. ترجم السطر لتحديد أهم كلمة فيه، ثم أكد هذه الكلمة. ضع خطًّا تحت الكلمات التي يجب تأكيدها، كما في شكل ٣-٣.

(٦-٢) فترات الوقف breaks

الممثل الذي يحفظ كل فقرة كوحدة قائمة بذاتها، يميل إلى إلقائها كوحدة متشابكة دون توقف. غير أن أغلب الفقرات تتكون من عدة أفكار، وإذا لم تفصل بينها فترات وقف (كالسكوت لحظة، أو التغير المفاجئ في ارتفاع الصوت)، فلن يستطيع المتفرجون متابعة المعنى. وهناك ثلاثة أنواع أساسية للوقف:

  • (١)

    التغير الكلي في الفكرة. وهذا نادر وواضح فلا نجد فيه صعوبة.

  • (٢)

    الانتقال إلى فكرة مخالفة تتعلق بالفكرة السابقة لها.

  • (٣)

    الانتقال إلى جزء آخر من نفس الفكرة.

والنوعان (٢، ٣) يشبهان إجمالًا التغيرات التي ترقم بنقط أو فاصلات في النص المطبوع. ومع ذلك فليست هذه المشابهة تامة؛ لأن ترقيم النصوص يتبع قواعد عرفية، بينما يعبر الوقف عن تغيرات حقيقية في الأفكار.

يمكن توضيح الانتقال إلى فكرة مخالفة — النوع الثاني — بنقطة كبيرة (كما في شكل ٣-٣). أما الانتقال إلى جزء آخر من نفس الفكرة — النوع الثالث — فيمكن الدلالة عليه بنقطة كالفاصلة (لا تخلط بين هذه وبين الفاصلات المطبوعة، ولو أنها تكون غالبًا في نفس المواضع).

ولمعرفة المواضع الصحيحة للوقف، في كلٍّ من الترجمة والإلقاء، أثر عظيم في تحسين مقدرتك كممثل.

١  المقصود بالترجمة هنا الترجمة المعنوية لا اللفظية؛ أي تفسير المعاني. (المراجع)
٢  هذه العلامة أمام اسم المسرحية تفيد أنها ترجمة إلى العربية. (المراجع)
٣  اقتبسها يوسف الحطاب للمسرح القومي باسم «أصحاب العقول». (المراجع)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤